التاريخ والسير والتراجم السيرة النبوية ، والتاريخ والحضارات ، وسير الأعلام وتراجمهم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ربحت محمدا ولم أخسر المسيح " محمد خاتم المرسلين هل أشرح العنوان؟! .. أخاف على إشراقه أن يُمَس !.. و أغار على جماله أن يُنتقَص !.. وأعترف أني – في نفسي – قد حاولت ، واستنجد ت بمفردات اللغة فما نجحت ، فيا حيرة القلم ، ويا عجمة البيان ! وإذا ما عجزت عن بلوغ النجم في ذ راه ، فلن أعجز عن الإشارة إلى النجم في سُراه ، ورُبَّ كلمة يبارك الله بها فنقرأ فيها فحوى كتاب ، وكم بارك الله بالسطور التي لا تُرى ! أخي الذي تقرأ معي هذه الكلمات : ألست معي في أنّ من عرف محمداً، عرف كل خير وحق وجمال ؟ وظفر بكون معنوي كامل قائم بهذا الإنسان الأعظم ؟ ومن شك فليد رس حياته كلها – أقول كلها – بقلب منصف ، وعقل مفتوح ، فلن يبصر فيها إلا ما تهوى العلا ، ولن يجد فيها إلا كرا ئم ا لمعا ني ، وطهر ا لسيرة والسريرة . أرأيت العطر !! ألا يغنيك استنشاقه في لحظة عن وصفه في كتاب !؟ فإنك ما إن تقرأ كلامه حتى يتصل بك تيار الروح العظيمة التي أودَعت بعض عظمتها في أحاديثها ، فإذا بالقلب يزكو ، والنفس تطيب ، وإذا بأنوار النبوة تمحو عن النفس حجاب الظلمات ! هكذا يخترق كلام النبوة حُجب النفس بعد أن اخترق حجب الزمان . محظوظون أولئك الذين استطاعوا الرقي إلى عالم النبي ، لأنهم سيشعرون في فضاءات عظمته أنهم عظماء ، فالحياة في ظلال الرسول حياة … وإذا كانت حياة الجسم في الروح ، فإن حياة الروح في سنة و سيرة وحياة الحبيب المصطفى … لا يمكن الإحاطة بجوانب عظمة النبي محمد إلا إذا أمكن الإحاطة بجميع أطواء الكون ، فلقد كان رسول الله صلىالله عليه وسلم عالَماً في فرد ، فكان بهذا فرداً في العالم.. النبوة إشراق سماوي على الإنسانية ، ليقوّمها في سيرها ، ويجذبها نحو الكمال .. والنبي من الأنبياء هو الإنسان الكامل الذي يبعثه الله تعالى لتهتدي به خُطا العقل الإنساني في التاريخ .. لقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام النور الذي أشرق في تاريخ الإنسان ، ففيهم تحس صدق النور ، وسر الروعة ، ولطف الجمال الظاهر والباطن … في طهر سيرتهم ، ونقاء سريرتهم ، وعطر أفكارهم ، ويقظة أفئد تهم ، وفي كل حركاتهم وسكَناتهم تلمس إعجاز النبوة العجيب.. أ ليس الله قد اصطنعهم على عينه ، واختارهم ليـبلغوا رسالته ؟! لقد كان الأنبياء هم البدء ، ولا بد للبدء من تكملة ، والتكملة بدأت في يوم حراء ، غرّة أيام الدهر ، ففيه تنزلت أنوار الوحي على من استحق بزّة الخاتمية فكان خاتم الأنبياء ، ومن ذا يستحق أن يُختم به الوحي الإلهي غير الصادق الأمين ؟! الصادق الذي ما كذ ب مرة قط ، لا على نفسه ، ولا على الناس ، ولا على ربه … ومن منا يستطيع أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله ومشاعره ومواقفه مدى الحياة ؟! اللهم لا يطيق هذا سوى الأنبياء … والأمين الذي كان أميناً في كل شيء وكان قبل كل شيء أميناً على عقول الناس ، وأفكار الناس . كسفت الشمس يوم توفي ولده إبراهيم ، فقالوا : "كُسفت الشمس لموت إبراهيم" لم يستغل رسول الإنسانية الأمين ضعف الناس فيتخذ من هذه الحادثة الاستثنائية دليلاً على صدق نبوته .. فنبوته حق ، والحق قوي بذاته ، والطبيعة لا تتدخل في أحزان الإنسان ، فجاء البيان النبوي الصادق :" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد" وهيهات أن يقبل الرسول لأصحابه أن يكون الجهل سبباً للإيمان … لم يشغله حزنه الكبير على وفاة طفله الصغير ، عن تصحيح مفهوم خاطئ عند الناس . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميناً في تبليغ الرسالة كلها ، فلم يُخف من القرآن المنزل عليه آيـة ، ولو لم يكن نبيـاً لما وجد نا في القرآن سورة (مريم) و(آل عمران) .. لو لم يكن نبياً لكتم آياتٍ كثيرةً من مثل هذه الآية الكريمة : " وإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلى نِسَاء الْعَالَمِينَ "(1). "على نساء العالمين" ! هكذا بهذا الإطلاق الذي رفع السيدة مريم إلى أعلى الآفاق ! أي صدق؟! وأية دلالة على مصدر هذا القرآن وصدق النبي الأميــن ؟ ! ولو لم يكن رســولاً مــن الله ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال .. إن نبوّة محمد هي نبوّة صدق وأمانة وإيمان ، إنها نبوة تدعو إلى فهم ووعي وهداية ، هداية بالتفكر والتأمل والنظر (فالتفكير يوجب الإسلام والإسلام يوجب التفكير)(2) … (فلا يُخشى على الإسلام من حرية الفكر ، بل يخشى عليه من اعتقال الفكر)(3). إنها نبوة مبشرة منذرة " إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " (4) لا إغراء في هذه النبوة ولا مساومة " قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ "، و إ ن من لا يُصدق هذه ا لنبوة فلن يصدق أي خبر عن الإيمان أ و ا لوجود ، ومن لا ينتفع بعقـله وضميره للإيما ن بهذه ا لنبوة فلن تنفعه كل ا لمعجزا ت . لقد كان القرآن معجزة الإسلام الأولى ، وكان الرسول بذاته وأخلاقه وسيرته وانتشار دعوته معجزة الإسلام الثانية ، وحُقّ للنفس التي تجمعت فيها نهايات الفضيلة الإنسانية العليا أن تكون معجزة الإنسانية الخالدة . يقول أســتاذ الفلســفة راما راو : ( إن إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالاطلاع على عدد كبير من المشاهد : فهناك محمد الرسول ، ومحمد المجاهد ، ومحمد الحاكم ، ومحمد الخطيب ، ومحمد المصلح ، ومحمد ملجأ الأيتام ، ومحمد محرر العبيد ، ومحمد حامي المرأة ، ومحمد القاضي ، ومحمد العابد لله .. كل هذه الأدوار الرائعة تجعل منه أسوة للإنســانية ) (5).. ويقول الزيات : "لما بُعث الرسول الكريم بَعث الحرية من قبرها ، وأطلق العقول من أسرها ، وجعل التنافس في ا لخير ، والتعاون على البر ، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة ، وعدل بين الحقوق بالمساواة .. حتى شعر الضعيف أن جـنــد الله قـوّتــه ، والفقير أن بيت المال ثروتـه !! والوحيد أن المؤمنين جميعـاً إخوتــه .." (6). ضيــف حــــراء : في غار شاهق يقع على الطريق ما بين السماء والأرض تم اللقاء بين محمد القادم من الأرض حاملاً ضراعتها ، وبين جبريل القادم من السماء حاملاً رسالتها ودار الحوار : الملك جبريل : اقرأ . النبي محمد : ما أنا بقارئ . الملك جبريل : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "(7). هذه الكلمات هي بسملة سعادة الإنسان ، وهي الأشعة الأولى لأنوار القرآن ، يا لها من براعة استهلال لمقاصد الرسالة !!.فمن تحت سن القلم تبعث الأمم .. ها هنا في قلب الغار اختُصر تاريخ الإنسان ، فيا له من مكا ن غمر في جوفه ا لزمان .! ولقد تكون بعض الأحداث في التاريخ أكبر من التاريخ نفسه !! ويوم حراء أكبر وأخلد من التاريخ . وأكرِم بيوم تم فيه اللقاء بين أ مين الأرض وأ مين ا لسماء ! ( كان العالم كله في غفلة عن ذلك الرجل الذي يأوي إلى غار حراء متوحِّداً في سبيل التوحيد .. وكانت ساعات يرتبط بها تاريخ أحقاب ودهور ، فلما انقضت مدتها لم يبق في الأرض المعمورة غافل عن ضيف ذلك الغـــار ، ولم يبق جاهــل بآثــار تلك الســاعات التي كان يقضيها فيــه بالليل والنهار..)(8) لقد خرج محمد من هذا الغار حقيقة نقية كالسماء الصافية .. خرج قانوناً من قوانين الله التي تُسيِّر الشمس والقمر ، وتمسك السماء والأرض .. يمضي قُد ماً إلى الغاية المقدورة مُضيّ النجوم في حُبكها والشمس في فلكها .. هبط الرسول من حراء وقد حمل أمانة الرسالة ، فليت شعري أَهَبط ونفسه قريرةٌ كما ينزل النور من الشمس والقمر ؟ أم نزل ونفسه جائشةٌ كما ينزل الغيث بين الرعد والبرق؟! ما هي المشاعر والأفكار التي كانت تجول في قلبه وقد حمل "قولاً ثقيلاً" لينقذ به العالمين من الظلمات إلى النور ؟! لست أدري .. ولكنه نزل د يناً جد يداً.. وعصراً وليداً .. وتاريخاً مد يداً .. وإصلاحاً شاملاً وهدى كاملاً .. ورحمةً للعالمين ... أيها الغار : يا مأوى محمد .. ويا مطلع النبوة .. ويا بوابة السماء ! كم فجّر الله فيك من ينابيع هدى ، ومن شلالات سناء (9).. مُذ قيل: (اقرأ) أشــرقـت *** في الكون شمـسُ الدعـوةِ وســـرى ا لضيــاءُ علـى *** الوجودِ بأسرهِ في لحظةِ ومحمدُ الهــادي ابتــد ا *** د رب الهــدى من مكــةِ (10) أختتم مقالي ببطاقات ثلاث : الأولى يوقعها شاعر الألمان ( يوهان غوته ) : " انظر إلى ينبوع الجبل يتد فق صافياً كشعاع د ري فوق السحب .. أرضعت ملائكة الخير طفولته في مهده .. ساحباً في أثره أخواتٍ من العيون كأنما هو مرشدها الأمين .. وأما في البوادي فالرياحين تنبثق عند قد ميه ، والمـروج تحيـا مـن أنفاسـه لا يثنيه الوادي الظليل ، ولا الرياحين التي تطوّق ساقيه ، وتحاول أن تستهويه بلحاظها الفواتن .. وها هو العُباب زاخراً يندفع لا يثنيه ثانٍ مخلفاً وراءه المنارات والصروح .. ذلك هو ( محمد بن عبد الله ). والبطاقة الثانية يوقعها شاعر الشرق ، الدكتور محمد إقبال : "لا تعجبوا إذا اقتنصتُ النجوم ، فأنا من أتباع ذلك السيد العظيم ، الذي تشرفتْ بوطأته الحصباء ، فصارت أعلى قد راً من النجوم .. جاءته بنت حاتم أسيرة، سافرة الوجه ، مطرقةً فاستحيا النبي ، وألقى عليها رداءه .. يا رسول الله : نحن أعرى من السيدة الطائية ! نحن عراة ضعاف أمام أمم العالم .. إنني مع عُبّاد الظلام في صراع شديد .. فمُدَّ سراجي بزيت منك جد يد .. ولا تضن عليّ بشعاع من أشعة شمسك المنيرة للعالم .. يا رب : أنت غني عن العالمين . فاقبل معذرتي يوم الدين .. وإن كان لا بد من حسابي ، فأرجوك يا رب أن تحاسبني بعيداً من المصطفى ، فإني أستحي أن أنتسب إليه ، وأكون في أمته ، وأقترف مثل هذه الذنوب ).. والبطاقة الثالثة : أبيات كتبتها بقلمي الصغير الذي غمسته بدواة حب كبير : حــار فكــري لـســـت أدري مــا أقـــولْ! أيُّ طُـهــــرٍ ضمّـــــه قلــبُ الــرســــولْ! أيُّ نورٍ تــهــتــــدي فــيــــه العـقـــــولْ ! أنت مشـكاة الهدى ، أنت نــبراس الوصـولْ أيُّ مــــدحٍ كان كُــفْـــــواً في المحافـــلْ! يا رســــولاً بــشّـــرتْ فـيــه الرســــائلْ أي كــــونٍ نــبـــــويٍّ في الشــــــمـائـلْ! أنت نورٌ .. أنت طهرٌ .. أنت حقٌّ هـَدّ باطلْ (10) التحيات لله والصلوات والطيبات … السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ما يقول الشـعر لو أثنى وما حيلةُ النثـر أمــام الأنبيــاءْ ؟! قَدْ رهم جلَّ عن الشــعر فهل يُكملُ التاريخُ بَدءَ الشعراءْ ؟! * * * د. عبد المعطي الدالاتي " من كتاب ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|