#2
|
|||
|
|||
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشهداء خمسة : المطعون والمبطون والغَرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " وروى مالك في " الموطأ " وأحمد في " المسند " وأبو داود والنسائي وابن ماجة في " سننهم " من حديث جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله : المقتول في سبيل الله شهيد ، والمطعون شهيد ، والغريق شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، وصاحب الحريق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة .) قال الإمام النووي رحمه الله في " شرح مسلم " : ( هذا الحديث الذي رواه مالك صحيح بلا خلاف ، وإن كان البخاري ومسلم لم يخرجاه ، فأما ( المطعون ) فهو الذي يموت في الطاعون ، كما في الرواية الأخرى : ( الطاعون شهادة لكل مسلم ) وأما ( المبطون ) فهو صاحب داء البطن ، وهو الإسهال . قال القاضي : وقيل : هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن ، وقيل : هو الذي تشتكي بطنه ، وقيل : هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا ، وأما ( الغرق ) فهو الذي يموت غريقا في الماء ، و( صاحب الهدم ) من يموت تحته ، و( صاحب ذات الجنب ) معروف ، وهي قرحة تكون في الجنب باطنا ، و ( الحريق ) الذي يموت بحريق النار ، وأما ( المرأة تموت بجمع ) ، فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها ، والضم أشهر ، قيل : التي تموت حاملا جامعة ولدها في بطنها ، وقيل : هي البكر ، والصحيح الأول .) اهـ قال الفقير إلى عفو ربه : فإذا تقرر أن الغريق شهيد ، فهل من الممكن أن يُلحق من مات مختنقا بالغاز بمن مات غريقا بجامع الاختناق ؟ هذا يحتاج إلى تأمل ، ولا أجزم بدخول من مات مختنقا بالغاز في هذا الحديث ، ولكن أرجو له ذلك . والله تعالى أعلى وأعلم . * فوائد وتتمات وتنبيهات * التنبيه الأول : اعلم رحمك الله أن المذكورين في حديث جابر بن عتيك وغيره ، سواء في ذلك المقتول في الجهاد ، أو في غيره كالغريق ونحوه ، لا تلحقهم صفة الشهادة إلا إذا كانوا في سبيل الله . وذلك لما رواه النسائي من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس من قُبِضَ في شيء منهن فهو شهيد : المقتول في سبيل الله شهيد ، والغريق في سبيل الله شهيد ، والمبطون في سبيل الله شهيد ، والمطعون في سبيل الله شهيد ، والنفساء في سبيل الله شهيدة .) قال السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي : ( والمراد بسبيل الله في الأول ( يعني في قوله : المقتول في سبيل الله شهيد ) الجهاد ، وفي غيره ( أي المراد بسبيل الله المذكور في غيره أيضا الجهاد ) ، وهو المتبادر أيضا ، فإنه المراد عرفا من مطلق هذا الاسم ، وأيضا المعاد معرفة يكون عين الأول ، لكن مقتضى الأحاديث المطلقة خلافه ، فيُحتَمل أن يراد به الإسلام ، توفيقا بين هذا الحديث وبين الأحاديث المطلقة ، وإن كان مقتضى أصول كثير من الفقهاء أن يحمل المطلق على المقيد ، لكن المرجو هاهنا هو الأول والله تعالى أعلم . ) اهـ التنبيه الثاني : الشهيد بغير قتل في الجهاد ، كالغريق ونحوه ، له أجر الشهداء في الآخرة ، ولكن لا تجري عليه أحكامهم في الدنيا . قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " : « فأما الشهيد بغير قتل ، كالمبطون ، والمطعون ، والغرق ، وصاحب الهدم ، والنفساء ، فإنهم يغسلون ، ويصلى عليهم ، لا نعلم فيه خلافًا ، إلا ما يحكى عن الحسن : لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة » قال الفقير إلى عفو ربه : وقول الحسن مردود ؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : « صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها وسطها » وهذا بوب عليه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الجنائز بقوله : ( باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها.) قال ابن المُنَيِّر رحمه الله : ( والمقصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة ، بخلاف شهيد المعركة .) نقله الحافظ في " الفتح ". فائدة عزيزة : الغريق في سبيل الله شهيد في وصفه ، وله أجر شهيدين في ثوابه . روى أبو داود بإسناد صحيح من حديث أم حرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد ، والغَرِق له أجر شهيدين .) والمائد في البحر : أي الذي يدور رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالأمواج ، من المَيْد وهو التحرك والاضطراب ، والغَرِق : بكسر الراء ، الذي يموت بالغرق . فائدة : من مات في الجهاد من غير أن يُقتَل من العدو شهيد . في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، ومن غرق فهو شهيد .) وفي رواية ابن ماجة لهذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما تقولون في الشهيد فيكم ؟ قالوا : القتل في سبيل الله ، قال : إن شهداء أمتي إذن لقليل ! من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، والمبطون شهيد ، والمطعون شهيد ، والغَرِق شهيد .) وعند أبي داود بإسناد حسنه الألباني من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من فَصَل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد ، أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة ، أو مات على فراشه أو بأي حتف شاء الله فإنه شهيد ، وإن له الجنة » فَصَل : أي خرج من منزله وبلده . الهامة: واحدة الهوام ، وهي دواب الأرض . قال ابن عبد البر رحمه الله في " التمهيد " : «... ومن أهل العلم من جعل الميت في سبيل الله والمقتول سواء ، واحتج بقوله عز وجل : ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً ﴾الاثنين جميعًا ، وبقوله تبارك اسمه : ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ ﴾ » تتمة : ذكر أنواع أخرى من الشهادة لم تذكر في هذه الأحاديث . في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل دون ماله فهو شهيد .) وروى أحمد وأهل السنن من حديث سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد . ) وروى أحمد في " مسنده " من حديث راشد بن حبيش : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلمون من الشهيد من أمتي ؟ فأرَمَّ القوم ، فقال عبادة : ساندوني ، فأسندوه ، فقال يا رسول الله : الصابر المحتسب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شهداء أمتي إذا لقليل ! القتل في سبيل الله عز وجل شهادة ، والطاعون شهادة ، والغرق شهادة ، والبطن شهادة ، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة . ) قال : وزاد فيها أبو العوام - سادن بيت المقدس- والحرق والسيل . قال الألباني رحمه الله : رجاله موثقون . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " : « وله ( أي لأحمد ) من حديث راشد بن حبيش نحوه ، وفيه: " السل" وهو بكسر المهملة وتشديد اللام » اهـ وهذا هو الضبط الصحيح لهذا اللفظ والله تعالى أعلم ، وليس السيْل كما جاء في المسند ، وهو بالكسر والضم : قرحة تحدث في الرئة . وروى الطبراني في " الكبير " بإسناد صححه الحافظ في الفتح من حديث ابن مسعود موقوفا عليه قال : « إن من يتردى من رءوس الجبال ، وتأكله السباع ، ويغرق في البحار لشهيد عند الله » تنيبه على حديثين ضعيفين في هذا الباب : فأما الأول فأخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « موت غربة شهادة » قال الألباني رحمه الله في " ضعيف ابن ماجة " : ( ضعيف .) وأما الثاني فأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه وابن عساكر في تاريخه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من عشق وكتم وعف فمات ، فهو شهيد » قال الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " : ( ضعيف الإسناد ، موضوع المتن .) فائدة قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " : ( قال ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة ، تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم ، وزيادة في أجورهم ، يبلغهم بها مراتب الشهداء . قلت ( القائل ابن حجر رحمه الله ) : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر ، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي ، وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل : أي الجهاد أفضل ؟ قال : " من عُقِر جواده وأهريق دمه " وروى الحسن بن علي الحلواني في " كتاب المعرفة " له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال : " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد " غير أن الشهادة تتفاضل .) اهـ وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " : ( اختُلِف في سبب تسمية الشهيد شهيدا : فقال النضر بن شميل : لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة ، أي : حاضرة ، وقال ابن الأنباري : لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة ، وقيل : لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة ، وقيل : لأنه يشهد له بالأمان من النار ، وقيل : لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا ، وقيل : لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة ، وقيل : لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل ، وقيل : لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة ، وقيل : لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع ، وقيل : لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه ، وقيل : لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره ، وقيل : لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة ، وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار ، وقيل لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا ، وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره ، وبعضها قد ينازع فيه .) هذا والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|