الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
|||
|
|||
معرفـة دلالات الألفـاظ الشرعيـة القاعدة الأولى : الواجب حمل الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة الشرعية : بعض الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة تختلف دلالتها عن دلالتها في اللغة العربية ، والواجب حملها على الحقيقة الشرعية فالوضوء في الشرع يطلق على الصفة المعروفة ، وأما في اللغة فيطلق على غسل اليدين ، فالواجب حمل ( الوضوء ) الوارد في الكتاب والسنة على الحقيقة الشرعية لا اللغوية . يقول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 7/286 ) : ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلملم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم . وقال أيضا في ( 7/115 ) : ولهذا ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن أو الحديث ، أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ماذا عنى بها الله ورسوله ، فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده .. ، ولا يجوز أن يحمل كلامه صلى الله عليه وسلمعلى عادات حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه . انتهى . وقال ابن القيم في أعلام الموقعين ( 1/266 ) : فحدود ما أنزل الله هو الوقوف عند حد الإسم الذي علق عليه الحل والحرمة . انتهى . القاعدة الثانية : النفي الوارد في الكتاب والسنة المراد به نفي الكمال الواجب وليس نفي الكمال المستحب قال ابن تيمية في القواعد النورانية : فالنبي صلى الله عليه وسلمأمر ذلك المسيء في صلاته بأن يعيد الصلاة ، وأمر الله ورسوله إذا أطلق كان مقتضاه الوجوب ، وأمره إذا قام إلى الصلاة بالطمأنينة ، كما أمره بالركوع والسجود ، وأمره المطلق على الإيجاب ، وأيضا قال له (( فإنك لم تصل )) فنفى أن يكون عمله الأول صلاة ، والعمل لا يكون منفياً إلا إذا كان انتفى شيء من واجباته ، فأما إذا فعل كما أوجبه الله عز وجل فإنه لا يصح نفيه لانتفاء شيء من المستحبات التي ليست بواجبة ، وأما ما يقوله بعض الناس : إن هذا نفي للكمال ، فيقال له : نعم هو لنفي الكمال ، لكن لنفي كمال الواجبات أو لنفي كمال المستحبات ؟ فأما الأول : فحق ، وأما الثاني : فباطل ، لا يوجد مثل ذلك في كلام الله عز وجل ، ولا في كلام رسوله قط ، وليس بحق ، فأما الشيء إذا أكملت واجباته فكيف يصح نفيه ؟ وأيضا فلو جاز لجاز نفي صلاة عامة الأولين والآخرين ، لأن كمال المستحبات من أندر الأمور ، وعلى هذا فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته . انتهى . القاعدة الثالثة : دلالة الاقتران تكون قوية إذا جمع المقترنين لفظ اشتركا في إطلاقه وافتراقا في تفصيله قال ابن القيم في بدائع الفوائد ( 2/356 ) : دلالة الاقتران تظهر قوتها في موطن وضعفها في موطن وتساوي الأمرين في موطن ، فإذا جمع المقترنين لفظ اشتركا في إطلاقه وافترقا في تفصيله قويت الدلالة كقوله صلى الله عليه وسلم(( الفطرة خمس )) وفي مسلم : (( عشر من الفطرة )) ثم فصلها ، فإذا جعلت الفطرة بمعنى السنة والسنة هي المقابلة للواجب ضعف الاستدلال بالحديث على وجوب الختان ، لكن تلك المقدمات مصنوعتان ، فليست الفطرة بمرادفة للسنة ، ولا السنة في لفظ النبي صلى الله عليه وسلمهي المقابلة للواجب ، بل ذلك اصطلاح وضعي لا يحمل عليه كلام الشارع ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (( حق على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة ويستاك ويمس من طيب بيته )) فقد اشترك الثلاثة في إطلاق الحق عليه ، إذا كان حقا مستحبا في اثنين منها كان في الثالث مستحبا .. وأما الموضع الذي يظهر ضعف دلالة الاقتران فيه فعند تعدد الجمل واستقلال كل واحدة منهما بنفسها كقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة )) وقوله : (( لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده )) فالتعرض لدلالة الاقتران ههنا في غاية الفساد ، فإن كل جملة مفيدة لمعناها وحكمها وسببها وغايتها منفردة عن الجملة الأخرى ، واشتراكهما في مجرد العطف لا يوجب اشتراكهما فيما وراء ذلك .. ، وأما موطن التساوي فحيث كان العطف ظاهراً في التسوية وقصد المتكلم ظاهراً في الفرق فيتعارض ظاهر اللفظ وظاهر القصد ، فإن غلب ظهور أحدهما اعتبر وإلا طلب الترجيح ، والله أعلم . انتهى . يتبع إن شاء الله
|
#32
|
|||
|
|||
الأمــــر القاعدة الأولى : الأمر يدل على الوجوب الأمر المجرد يدل على الوجوب إلا لقرينة صارفة ، ودليل الوجوب قوله تعالى : { فليحْذَرِ الذينَ يُخالِفُونِ عِنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُم فِتنِةٌ أوْ يُصِيبَهُم عَذابٌ ألِيمٌ } ( النور :63 ) . فلو لم يكن الأمر للوجوب لما ترتب على تركه فتنة أو عذاب أليم . وقال عليه الصلاة والسلام : (( لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة )) أخرجه البخاري ( 887 ) ومسلم ( 3/142 ) . فلم يأمرهم حتى لا يشق عليهم ، قال الخطيب في الفقيه والمتفقه ( 1/68 ) فدل على أنه لو أمر لوجب وشق . انتهى . والقرائن التي تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب أربعة قرائن هي : 1 ـ أن يكون الدليل الذي فيه الأمر ذكر معه تعليل يدل على أن ذلك الأمر للاستحباب ، مثاله : حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر )) . أخرجه الترمذي ( 154 ) والنسائي ( 1/272 ) وهو صحيح . فالتعليل بأن الإسفار أعظم للأجر ، يدل على أن التغليس فيه أجر أيضا لكن دون الإسفار ، فيكون الأمر للاستحباب . 2 ـ أن يأتي دليل آخر يدل على أن الأمر في الدليل الأول ليس للوجوب ، مثاله : حديث أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) . أخرجه الترمذي ( 2722 ) وصححه ، وصححه أيضا الألباني في الصحيحة ( 1403 ) فالأمر هنا بزيادة ( ورحمة الله وبركاته ) ليس للوجوب لحديث عمران بن حصين قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلمفقال : ( السلام عليكم ) فرد عليه ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم(( عشرٌ )) أي عشر حسنات . أخرجه أبو داود ( 5195 ) والترمذي ( 2690 ) وهو صحيح . ففي هذا الحديث لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلمالرجل بزيادة ( ورحمة الله وبركاته ) على قوله : ( السلام عليكم ) فدل هذا على أن الأمر في الحديث ليس للوجوب . 3 ـ أن يأتي من فعل النبي صلى الله عليه وسلمترك ذلك الأمر ، مثاله حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال : (( البسوا من ثيابكم البياض ، فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم )) . أخرجه أبو داود ( 3878 ) والترمذي ( 994 ) وهو صحيح . ففي هذا الحديث الأمر بلبس الثياب البيض ، وقد جاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلمترك هذا الأمر فعن أبي رمثة التميمي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلموعليه ثوبان أخضران . أخرجه أبو داود ( 4095 ) والترمذي ( 2813 ) . 4 ـ أن يأتي عن الصحابي الذي روى الحديث ما يدل على أن ذلك الأمر ليس للوجوب ، فالراوي أدرى بما يرويه ، وأعلم بفقه ما يحدث به من الأحاديث . وهذه القرائن الأربعة كما أنها تكون صارفة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب ، كذلك تكون صارفة للنهي من التحريم إلى الكراهة . القاعدة الثانية : الأمر يقتضي الفور الأمر المجرد عن القرائن يدل على الفور وسرعة الامتثال ، لقوله تعالى { وسارِعُوا إلى مَغْفِرِةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } ( آل عمران : 133 ] . ويدل على هذا أيضا ما جاء في قصة الحديبية أن النبي صلى الله عليه وسلملما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه : (( قوموا فانحروا ثم احلقوا )) فو الله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد غضب النبي صلى الله عليه وسلممن ذلك كما في الحديث المتفق عليه . قال ابن القيم في زاد المعاد ( 3/307 ) بعد أن ذكر جملة من فوائد الحديث : ومنها : أن الأمر المطلق على الفور وإلا لم يغضب لتأخيرهم الامتثال عن وقت الأمر . انتهى . القاعدة الثالثة : الأمر المطلق يقتضي التكرار الأمر المطلق يقتضي التكرار في عرف الشرع بخلاف اللغة ، وقد وضح هذا الأمر ابن القيم توضيحاً تاماً فقال في جلاء الأفهام ( 203 ) : الأمر المطلق يقتضي التكرار وهذا مختلف فيه ، فنفى طائفة من الفقهاء والأصوليين وأثبته طائفة ، وفرقت طائفة بين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت فأثبتت التكرار في المعلق دون المطلق والأقوال . و الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد والشافعي وغيرهما ، ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر الشرع على التكرار كقوله : { آمنوا بالله ورسوله } ( النساء : 136 ) وقوله: { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } (المائدة : 92 ) { واتقوا الله } ( البقرة : 189) وقوله : { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } (لأنعام : 152 ) وقولـه : { وأن هذا صراطي مستقيما }(الأنعام : 153) وذلك في القرآن أكثر من أن يحصر ، وإذا كانت أوامر الله ورسوله على التكرار حيث وردت إلا في النادر علم أن هذا عرف خطاب الله ورسوله للأمة ، والأمر وإن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور فلا ريب أنه في عرف خطاب الشارع للتكرار ، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه والمـألوف من خطابه ، وإن لم يكن ذلك مفهوماً من أصل الوضع في اللغة . انتهى . قلت : والأوامر المقيدة بشرط تُكَرَّر بِتَكَرُّر الشرط ، كقوله تعالى : {ياأيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُـوا وُجُوهَكُـمْ وأيْدِيَكُمْ }[ المائدة : 6 ] فالوضوء مقيد بالصلاة فبتكرار الصلاة يتكرر الوضوء . يتبع إن شاء الله |
#33
|
|||
|
|||
القاعدة الرابعة : الشيء الذي جاء الأمر بفعله على صفة معينة ولم يأت أمر بفعله ابتداء ، فإن تلك الصفة تكون واجبة وابتداء ذلك الفعل ليس بواجب
هناك بعض الأوامر لم يأت أمر بابتداء فعلها ولكن جاء الأمر بفعلها بصفة معينة ، فإن ذلك الأمر ابتداءه ليس بواجب ، ولكن إذا ابتدأه المسلم فإنه يجب أن يأتي به على الصفة التي ورد الأمر بفعلها على تلك الصفة ، لأن الأمر يدل على الوجوب ، مثاله : حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( إذا استجمر أحدكم فليوتر )) . أخرجه مسلم ( 213 ) . فالاستجمار ليس بواجب إذ يجوز الاستنجاء بالماء بدل الاستجمار بالحجارة ولكن من أراد أن يستجمر فإنه يجب عليه أن يكون استجماره وتراً ، للأمر بهذه الصفة على من أراد الاستجمار . القاعدة الخامسة : قول الصحابي ( أمرنا بكذا ) يدل على وجوب المأمور به قول الصحابي : ( أمرنا بكذا ) أو ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلمبكذا ) يدل على وجوب المأمور به لأن الصحابي أفهم وأعلم بالمراد لما يرويه ، وذهب بعض المتكلمين إلى أنه لا يكون حجة حتى ينقل لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، لاحتمال أن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر . وقد تعقب هذا القول الصنعاني فقال في توضيح الأفكار ( 1/271 ) : إن عملنا بمثل هذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي وبطلت الرواية بالمعنى ، ولا شك أن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي . انتهى . القاعدة السادسة : الأمر بعد الحظر يفيد ما كان عليه ذلك الشيء قبل ورود الأمر صيغة الأمر إذا وردت بعد النهي فإنها تفيد ما كان عليه ذلك الشيء الذي ورد الأمر به قبل النهي ، فإن كان للوجوب فهو للوجوب ، وإن كان للاستحباب فهو للاستحباب ، كقوله تعالى : {وإذا حللتم فاصطادوا } [ النساء : 176 ] ففي هذه الآية الأمر بالصيد بعد الإحلال من الإحرام ، والصيد أصله مباح فيرجع إلى ما كان عليه قبل الإحرام وهو الإباحة قال ابن كثير في تفسيره ( 2/6،7 ) عند قوله تعالى : {وإذا حللتم فاصطادوا } [ النساء : 176 ] وهذا أمر بعد الخطر ، والصحيح الذي يثبت على السبر أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي : فإن كان واجبا ردَّه واجبا ، وإن مستحبا فمستحب ، أو مباحاً فمباح ، ومن قال إنه على الوجوب ينتقض بآيات كثيرة ، ومن قال إنه للإباحة يرد عليه آيات أخرى ، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه كما اختاره بعض علماء الأصول والله أعلم . انتهى . القاعدة السابعة : الخبر بمعنى الأمر يدل على الوجوب الخبر الذي يكون بمعنى الأمر يترتب عليه ما يترتب على الأمر الصريح وهو الوجوب ، وذلك لأن العبرة بالمعنى والمقصود ، وليس العبرة باللفظ فقط ، واللفظ الذي يدل على الوجوب لا يكون بصيغة ( الأمر ) فقط ، فإن هناك ألفاظ تدل على الوجوب وليست بصيغة ( الأمر ) كلفظه ( حق ) ولفظه ( كتب ) وغير ذلك من ألفاظ . عن أم المؤمنين عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )) . أخرجه البخاري ( 1952 ) ومسلم ( 1147 ) . قال الألباني( ) ما حاصله : أن هذا خبر بمعنى الأمر يدلُّ على وجوب الصيام على الولي للميت . القاعدة الخامسة : إذا صرف الأمر من الوجوب فإنه يحمل على الاستحباب وليس على الإباحة الأمر إذا صرف من الوجوب فإنه يحمل على الاستحباب ولا يحمل على الاباحة ، لأن الاستحباب أقرب درجة إلى الوجوب من الإباحة ، فيحمل على الأقرب ولا يحمل على الأبعد وهو الإباحة إلا بقرينه ، فإن جاءت قرينة تدل على أن ذلك الأمر للإباحة حمل على الإباحة ، وعلى هذا مشى الأئمة رحمهم الله فإنهم يقولون في الأمر المصروف عن الوجوب هذا أمر استحباب أو هذا أمر ندب ، أو هذا أمر إرشاد وتأكيد ، ولا يقولون هذا أمر إباحة إلا إذا أتت قرينة تدل على ذلك . القاعدة التاسعة : أمر الصحابي لا يحمل على الوجوب إذا أمر الصحابي بأمر فلا يحمل الوجوب ، لأن أمر الصحابي ليس كأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلمورد ما يدل على وجوبه ، وأمر الصحابي لم يأت ما يدل على وجوبه . القاعدة العاشرة : العدد الذي يحصل به تطبيق الأمر هو المرة الواحدة الأمر إذا أطلق بغير عدد فإن أقل ما يحصل به تطبيق ذلك الأمر هو ( المرة الواحدة فقط ) كقوله تعالى : { فاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ } ففي هذه الآية وجوب غسل الوجه في الوضوء ويحصل هذا الوجوب بغسل الوجه مرة واحدة فقط ، لأن هذا هو الأصل في تطبيق الأمر الذي يحدد بعدد ، قال الشافعي في الرسالة ( 164 ) : فكان ظاهر قول الله : { فاغسلوا وجوهكم } [ المائدة : 6 ] أقل ما وقع عليه اسم الغسل وذلك مرة واحتمل أكثر ، فسن رسول الله الوضوء مرة فوافق ذلك ظاهر القرآن ، وذلك أقل ما يقع عليه اسم الغسل . انتهى . القاعدة الحادية عشر : القضاء يكون بأمر جديد ولا يكون بالأمر بالأداء القضاء يحتاج إلى أمر جديد غير ( أمر الأداء ) وذلك لأن الشارع لما جعل لتلك العبادة وقتاً محدداً وجب فعلها في ذلك الوقت ، فلما خرج ذلك الوقت وكان المكلف غير مفرط لم يؤاخذ وسقط عنه ذلك الواجب ، فإن كان مفرطاً فإنه يؤاخذ ولا ينفعه فعل العبادة بعد خروج وقتها ، ما دام أنه كان مفرطاً . مثاله : زكاة الفطر وقتها قبل صلاة العيد فإذا خرج وقتها صارت قضاء والقضاء يحتاج إلى خطاب جديد من الشارع يدل على ذلك ولا دليل على أن زكاة الفطر تقضى إذا فات وقتها ، سواء كان تركها عن تفريط أو عن جهل ونسيان . قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 159 ) : فالأمر الأول هل يقتضي إيقاع ذلك الفعل فيما بعد ذلك الوقت فقيل لا يقتضي لوجهين : الأول : أن قول القائل لغيره إفعل هذا الفعل يوم الجمعة لا يتناول الأمر فعله في غيره وإذا لم يتناوله لم يدل عليه بنفي ولا إثبات . الثاني : أن أوامر الشرع تارة لا تستلزم وجوب القضاء وتارة تستلزمه ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال فلا يلزم القضاء إلا بأمر جديد وهو الحق ، وإليه ذهب الجمهور وذهب جماعة إلى أن وجوب القضاء يستلزمه بالأداء في الزمان المعين لأن الزمان غير داخل في الأمر بالفعل ورد بأنه داخل لكونه من ضروريات الفعل المعين وقته . انتهى . القاعدة الثانية عشر : الأمر الوارد عقب سؤال يكون بحسب قصد السائل : الأمر الوارد عقب سؤال يأتي على حالتين : الحالة الأولى : أن يكون الأمر ورد عقب سؤال عن حكم ذلك الشيء ، فيكون الأمر بحسب مقصود السائل ، فإذا كان قصد السائل عن الإباحة وعدمها فالأمر ليس للوجوب وإنما هو لبيان المشروعية ، وإن كان قصد السائل الوجوب وعدمه فالأمر للوجوب ، مثاله حديث البراء بن عازب : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلمعن الوضوء من لحوم الإبـل فقـال : (( توضؤا منها )) وسئل عن لحوم الغنم ، فقال : (( لا توضئوا منها )) وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل ، فقال : (( لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين )) وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : (( صلوا فيها فإنها بركة )) . أخرجه أبو داود ( 184 ) وهو صحيح . فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل أمر إيجاب ، لأن قصد السـائل هو ( هل لحم الإبل ناقض للوضوء أم لا ؟ ) وما كان ناقضاً للوضوء فيجب الوضوء منه ، فيكون الأمر الوارد في الجواب يفيد الوجوب وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فلا يفيد الوجوب ، لأن قصد السائل هو ( هل تشرع الصلاة في مرابض الغنم أم لا ؟ ) فيكون الأمر الوارد في الجواب يفيد المشروعية ، ولا يفيد الوجوب . الحالة الثانية : أن يكون الأمر ورد عقب سؤال عن الكيفية فإن كان أصل الكيفية واجب ، فيكون الأمر للوجوب ، وإن كان أصل الكيفية غير واجب فالأمر ليس على الوجوب ، مثال الأول : ( وهو ما كان أصله واجب ) حديث كعب بن عجرة أنه قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : (( قولوا : اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد .. )) . أخرجه البخاري ( 6357 ) فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلمفي التشهد واجبة ، فيكون الأمر هنا للوجوب . ومثال الثاني : ( وهو ما كان أصله غير واجب ) حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال : ( إن جبريل أتاني فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ) قالت : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : (( قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون )) . أخرجه مسلم ( 974 ) . فأصل الدعاء عند زيارة القبر ليس فيه دليل يدل على وجوبه ، فيكون الأمر هنا ليس للوجوب . يتبع إن شاء الله |
#34
|
|||
|
|||
بارك الله فيك يا غالى
|
#35
|
|||
|
|||
وفيك بارك الله أخي الكريم
|
#36
|
|||
|
|||
الــنــــهــي القاعدة الأولى : النهي يدل على التحريم الأصل في النهي التحريم إلا لقرينة ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) . أخرجه مسلم ( 1337 ) . قال الشافعي كما في الفقيه والمتفقه ( 1/69 ) : أصل النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلمأن كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي عليه دلالة تدل على أنه عنى به غير معنى التحريم إما أراد به نهيا عن بعض الأمور دون بعض وإما أراد به النهي للتنزيه للمنهي عنه والأدب والاختيار ولا يفرق بين نهي رسول الله صلى الله عليه وسلمأو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنته وقد يمكن أن يجهلها بعضهم . انتهى . قلت : وفي كلام الشافعي رحمه الله تنبيه دقيق إلى أن قول جمهور العلماء لا يصلح أن يكون صارفاً للنهي حتى يجمعوا على ذلك ، فما يوجد في بعض المصنفات من صرف للنهي عن التحريم بقول أكثر العلماء ليس بصواب ، وأيضا استبعاد العقل أن يكون ذلك النهي للتحريم لا يصلح هذا صارفاً بل لا بد من نص من السنة يدل على ذلك ، وكذلك الأوامر الشرعية هي مثل النهي تماماً . والتفريق بين النهي الوارد في العبادات والمعاملات فيفيد التحريم ، والنهي الوارد في الآداب فلا يفيد التحريم تفريق ليس عليه دليل ، بل الأدلة الواردة عامة في اجتناب كل نهي من غير تفريق فيبقى العمل بها على عمومها من غير تفريق . القاعدة الثانية : النهي يدل على الفساد النهي يدل على فساد المنهي وبطلانه وعلى هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه رد نكاح رجل تزوج امرأة وهو محرم . أخرجه البيهقي في الكبرى ( 7/441 ) وثبت عن معاوية أنه فرق بين الرجل وامرأته في نكاح الشغار . أخرجه أبو داود ( 2075 ) قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 29/282 ) : وإنما الشارع دل الناس بالأمر والنهي ، والتحليل والتحريم ، وبقوله في عقود ( هذا لا يصح ) علم أنه فساد ، كما قال في بيع مُدَّيْنِ بِمُدٍّ تمرا ( لا يصح ) والصحابة والتابعون وسائر أئمة المسلمين كانوا يحتجون على فساد العقود بمجرد النهي ، كما احتجوا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القرآن ، وكذلك فساد عقد الجمع بين الأختين .. ، وكذلك الصحابة استدلوا على فساد نكاح الشغار بالنهي عنه فهو من الفساد ليس من الصلاح فإن الله لا يحب الفساد ويحب الصلاح ، ولا ينهى عما يحبه وإنما ينهى عما لا يحبه ، فعلموا أن النهي عنه فاسد ليس بصالح ، وإن كانت فيه مصلحة فمصلحته مرجوحة بمفسدته . انتهى . قلت : وهذه المسألة تحتاج إلى بيان أمور : ـ الأمر الأول : ما نهي عنه على الدوام وتعلق في بعض الأوقات بفعل مأمور به ، فهذا لا يدخل في قاعدة ( النهي يدل على الفساد ) ويكون الفعل المأمور صحيحا ، ومثاله : لبس الحرير منهي عنه والصلاة مأمور بها ، فلو صلى شخص وعليه ثوب حرير لم تبطل صلاته ، لأن النهي عن لبس الحرير ليس متعلق بالصلاة ، بل هو نهي على الدوام والإطلاق ، لكن لو جاء النهي في الشرع عن الصلاة في الثوب الحرير ، لبطلت صلاة من صلى في ثوب حرير . ـ الأمر الثاني : لا فرق في فساد المنهي عنه بين أن يكون لذاته أو لغيره ، وذهب الحنفية والشافعية إلى التفريق بين أن يكون المنهي عنه لذاته فهو فاسد وبين أن يكون لغيره فهو غير فاسد ، وقد ردَّ شيخ الإسلام على هذا التقسيم فقال كما في مجموع الفتاوى ( 29/288 ) : فالجمع بين الأختين نهي عنه لإفضائه إلى قطيعة الرحم ، والقطيعة أمر خارج عن النكاح ، والخمر والميسر حرما وجعلا رجساً من عمل الشيطان لأن ذلك يفضي إلى الصد عن الصلاة وإيقاع العداوة ، والربا حرام لأن ذلك يفضي إلى أكل المال الباطل ، وذلك أمر خارج عن عقد الميسر والربا ، فكل ما نهى الله عنه لا بد أن يشمل على معنى فيه يوجب النهي ، ولا يجوز أن ينهى عن شيء لا لمعنى فيه أصلاً ، بل لمعنى أجنبي عنه ، فإن هذا من جنس عقوبة الإنسان بذنب غيره والشرع منزه عنه .. ، ثم من هؤلاء الذين قالوا : إن النهي قد يكون لمعنى في المنهي عنه ، وقد يكون لمعنى في غيره ، من قال : إنه قد يكون لوصف في الفعل لا في أصله ، فيدل على صحته ، كالنهي عن صوم يومي العيدين قالوا : هو منهي عنه لوصف العيدين : قالوا : هو منهي عنه لوصف العيدين لا لجنس الصوم ، فإذا صام صح ، لأنه سماه صوماً ، فيقال لهم : وكذلك الصوم في أيام الحيض ، وكذلك الصلاة بلا طهارة ، وإلى غير القبلة جنس مشروع ، وإنما النهي لوصف خاص وهو الحيض والحدث واستقبال غير القبلة ، ولا يعرف بين هذا وهذا فرق معقول له تأثير في الشرع . انتهى . ـ الأمر الثالث : لا فرق في فساد المنهي عنه بين أن يكون في العبادات والمعاملات ، وعلى هذا جرى فهم الصحابة ، فقد ردَّ عمر نكاح المحرم ورد معاوية نكاح الشغار كما تقدم . قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 167 ) : والحق أن كل نهي من غير فرق بين العبادات والمعاملات يقتضي تحريم المنهي عنه وفساده المرادف للبطلان اقتضاء شرعيا ولا يخرج من ذلك إلا ما قام الدليل على عدم اقتضائه لذلك فيكون هذا الدليل قرينة صارفة له . انتهى . قلت : لكن ما كان من المناهي متعلقا بحق العبد وليس متعلقا بحق الله وأجازه العبد صح ولم يفسد ، قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 29/282 ) : لكن من البيوع ما نهي عنه لما فيها من ظلم أحدهما للآخر ، كبيع المصراة ، والمعيب ، وتلقي السلع ، والنجش ونحو ذلك ، ولكن هذه البيوع لم يجعلها الشارع لازمة كالبيوع الحلال ، بل جعلها غير لازمة ، والخيرة فيها إلى المظلوم ، إن شاء أبطلها وإن شاء أجازها ، فإن الحق في ذلك له ، والشارع لم ينه عنها لحق مختص بالله ، كما نهي عن الفواحش . انتهى . يتبع إن شاء الله
|
#37
|
|||
|
|||
القاعدة الثالثة : النهي الوارد عقب سؤال إفادته على حسب ما يقصده السائل
النهي الوارد عقب سؤال إنما تفيد دلالته على حسب مقصود السائل ، فإن كان مقصود السائل بسؤاله هو الإباحة وعدمها فيفيد النهي التحريم ، وإن كان مقصود السائل هو الوجوب وعدمه فيفيد النهي عدم الوجوب ولا يفيد التحريم ، مثاله حديث البراء بن عازب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلمعن الوضوء من لحوم الإبل ، فقال : (( توضؤا منها )) وسئل عن لحوم الغنم ، فقال : (( لا توضؤا منها )) وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل ، فقال : (( لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين )) . أخرجه أبو داود ( 184 ) وهو صحيح . فالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم يفيد عدم وجوب الوضوء منها ، لأن قصد السائل هو معرفة ما إذا كان لحم الغنم ناقض للوضوء أم لا ؟ والشيء إذا كان ناقضاً للوضوء يجب الوضوء منه وإذا لم يكن ناقضاً فلا يجب ، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلمبأنه لا يجب الوضوء من لحم الغنم . وأما النهي عن الصلاة في مبارك الإبل فإنه يفيد التحريم في الصلاة فيها ، لأن قصد السائل هو معرفة حكم الصلاة في مبارك الإبل هل يباح كبقية الأرض أم لا يباح ؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلمبأنه لا يباح الصلاة فيها يتبع إن شاء الله |
#38
|
|||
|
|||
الـعــام والـخـــاص القاعدة الأولى : الأصل أن التنصيص على بعض أفراد العام بالذكر لا يعني تخصيص النص العام بذلك المذكور إلا لقرينه إذا جاء نص عام وجاء في نص آخر ذكر بعض أفراده فإن الأصل في ذكر ذلك الفرد التخصيص لأن ألفاظ الشرع مراده ومقصودة لذاته فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بقرينه ومثال ذلك . عن عائشة أم المؤمنين قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول : (( لا صلاة بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان )) . أخرجه مسلم ( 560 ) . فهذا الحديث يعم كل طعام سواء كان غداء أم عشاء ، وجاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء )) . أخرجه البخاري ( 673 ) ومسلم ( 559 ) . فجاءت قرينه هنا تدل على أن فذكر العشاء هنا ليس تخصيصاً للفظ العام في حديث عائشة ، وإنما هو ذكر لبعض أفراد العام ولذلك ما كان الصحابة يخصصون الحكم بطعام العشاء بل كانوا يعممون الحكم . قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 202 ) : ذكر بعض أفراد العام الموافق له في الحكم لا يقتضي التخصيص عند الجمهور ، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (( أيما إهاب دبغ فقد طهر )) مع قوله صلى الله عليه وسلمفي حديث آخر في شاة ميمونة : (( دباغها طهورها )) فالتنصيص على الشاة في الحديث الآخر لا يقتضي تخصيص عموم (( أيما إهاب دبغ فقد طهر )) لأنه تنصيص على بعض أفراد العام بلفظ لا مفهوم له . انتهى . القاعدة الثانية : الأصل في العام العمل به على عمومه حتى يوجد المخصص إذا ورد النص العام فإن الصحابة كانوا يعملون به على عمومه حتى يطلعوا له على مخصص ، وليس أنهم كانوا يتوقفون في النص العام ويبحثون عن المخصص فإن لم يجدوا المخصص عملوا بعد ذلك بالنص العام . فإنه لما نزل قوله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } [ الأنعام : 82 ] حملها الصحابة على عمومها حتى قالوا : أينا لم يظلم نفسه ، حتى يبن لهم النبي صلى الله عليه وسلمأن الظلم هنا ليس على عمومه وإنما المراد به الشرك . قال الشافعي في الأم ( 7/269 ) : وكذلك ينبغي لمن سمع الحديث أن يقول به على عمومه وجملته ، حتى يجد دلالة يفرق منها فيه . انتهى . وقال الشنقيطي في المذكرة ( 217 ) : حاصله أن التحقيق ومذهب الجمهور وجوب اعتقاد العموم والعمل من غير توقف على البحث عن المخصص ، لأن اللفظ موضوع للعموم فيجب العمل بمقتضاه ، فإن اطلع على مخصص عمل به . انتهى . القاعدة الثالثة : لا يشرع العمل بالنص العام على عمومه إن لم يجر عمل السلف بالعمل به على عمومه لا شك أن السلف الصالح أفهم لدلالة الكتاب والسنة ، فإذا جاء نص عام ولم يعمل السلف بذلك النص على عمومه وإنما عملوا ببعض أفراده فلا يشرع العمل به على عمومه إذ لو كان يشرع العمل على عمومه لسبقنا السلف الصالح إلى ذلك ، قال الشاطبي في الموافقـات ( 3/56 ) كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به في السلف المتقدمين دائماً ، أو أكثريا ، أو لا يكون معمولا به إلا قليلا أو في وقت ما ، أو لا يثبت به عمل ، فهذه ثلاثة أقسام : أحدهما : أن يكون معمولاً به دائما أو أكثريا ، فلا إشكال في الاستدلال به ، ولا في العمل على وِفْقِه ، وهي السنة المتبعة والطريق المستقيم ، كان الدليل مما يقتضي إيجاباً أو ندباً أو غير ذلك من الأحكام ، كفعل النبي صلى الله عليه وسلممع قوله في الطهارات والصلوات على تنوعها من فرض أو نفل ، والزكاة بشروطها والضحايا ، والعقيقة ، والنكاح ، والطلاق ، والبيوع ، وسواها من الأحكام التي جاءت في الشريعة وبينها عليه الصلاة والسلام بقوله أو فعله أو إقراره ، ووقع فعله و فعل صحابته معه أو بعده على وِفْقِ ذلك دائماً أو أكثرياً . الثاني : أن لا يقع العمل به إلا قليلاً ، أو في وقت من الأوقات ، أو حال من الأحوال ، ووقع إيثاره غيره والعمل به دائماً أو أكثرياً ، فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السابلة ، وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلا ، فيجب التثبت فيه وفي العمل على وفقه والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر ، فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل : إما أن يكون لمعنى شرعي ، أو لغير معنى شرعي ، وباطل أن يكون لغير معنى شرعي ، فلا بد أن يكون لمعنى شرعي تحروا العمل به ، وإذا كان كذلك فقد صار العمل على وفق القليل ، كالمعارض للمعنى الذي تحروا العمل على وفقه ،وإن لم يكن معارضاً في الحقيقة ، فلا بد من تحري ما تحروا وموافقة ما داوموا عليه . والقسم الثالث : أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال ، فهو أشد من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه البتة ، إذ لو كان دليلا لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ، ثم يفهمه هؤلاء ، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له ، انتهى ملخصا . يتبع إن شاء الله |
#39
|
|||
|
|||
القاعدة الرابعة : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
النص العام الوارد بخصوص سبب من الأسباب ، فإنه يعمل به على عمومه ولا يخصص بذلك السبب ، وعلى هذا جرى فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد سأل قوم النبي صلى الله عليه وسلمأنهم يركبون البحر ومعهم ماء لا يكفي إلا للشرب فقال : (( هو الطهور ماؤه )) . وقد أفتى بهذا العموم جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وابن عباس مع أن العموم كان وارداً على سبب وهو حاجتهم إلى الماء للشرب إذا ركبوا البحر . قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 201 ) : وهذا المذهب هو الحق الذي لا شك فيه ، لأن التعبد للعباد إنما هو باللفظ الوارد عن الشارع وهو عام ووروده على سؤال خاص لا يصلح قرينة لقصره على ذلك السبب ومن ادعى أنه يصلح لذلك فليأت بدليل تقوم به الحجة ولم يأت أحد من القائلين بالقصر على السبب بشيء يصلح لذلك ، وإذا ورد في بعض المواطن ما يقتضي قصر ذلك العام الوارد فيه على سببه لم يجاوز به محله بل يقصر عليه ، ولا جامع بين الذي ورد فيه بدليل يخصه وبين سائر العمومات الوردة على أسباب خاصة حتى يكون ذلك الدليل في الموطن شاملاً لها . انتهى . القاعدة الخامسة : ترك الاستفصال في مكان الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال هذه القاعدة أصلها الإمام الشافعي ، ومن أدلة هذه القاعدة حديث غيلان الثقفي أنه أسلم وتحته عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( أمسك أربعاً وفارق سائرهن )) . وهو حديث صحيح أخرجه الترمذي ( 1128 ) وابن ماجة ( 1953 ) . ووجه الدلالة من الحديث كما قال السمعاني في قواطع الأدلة ( 1/225 ) : لم يسأله عن كيفية العقد هل عقد عليهن على الترتيب أو عقد عليهن دفعة واحدة فكان إطلاقه القول من غير استفصال حال دليلاً دالاً على أنه لا فرق بين أن تتفق العقود عليهم معاً أو توجد العقود متفرقة عنهن ثم قال .. : فنحن ندعي العموم في كل ما يظهر فيه استفهام الحال ويظهر من الشارع إطلاق الجواب فلا بد أن يكون الجواب مسترسلاً في الأحوال كلها وعلى أنه وجه الدليل واضح من خبر غيلان بن سلمة في الأحوال كلها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلمقال له : ( أمسك أربعاً ) فأجملهن ولم يخصص في الإمساك أوائل عن أواخر أو أواخر عن أوائل وفوض الأمر إلى اختيار من أسلم . انتهى . القاعدة السادسة : الصورة النادرة داخلة في العموم عمل الصحابة يدل أن الصورة النادرة داخلة في العام والمطلق ، وذلك لأنهم ما كانوا يستثون الصورة النادرة من الدليل العام في مسألة ما ، قال الشنقيطي في أضواء البيان ( 4/174 ) : الذي يظهر رجحانه بحسب المقرر في الأصول شمول العام والمطلق للصورة النادرة ، لأن العام ظاهر في عمومه حتى يرد دليل مخصص من كتاب أو سنة ، وإذا تقرر أن العام ظاهر في عمومه وشموله لجميع الأفراد فحكم الظاهر العمل به إلا بدليل يصح للتخصيص ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعملون بشمول العمومات من غير توقف وبذلك تعلم أن دخول الخضر في عموم قوله تعالى : { ومَاجَعلْنَا لبَشَرٍ مِنْ قَبلِكَ الخُلْدَ } [ الأنبياء : 34 ] الآية ، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( أر أيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد )) هو الصحيح ، ولا يمكن خروجه من تلك العمومات إلا بمخصص صالح للتخصيص ، ومما يوضح ذلك ، أن الخنثى صورة نادرة جداً ، مع أنه داخل في عموم آيات المواريث والقصاص ، وغير ذلك من عموم الأدلة . انتهى . يتبع إن شاء الله
|
#40
|
|||
|
|||
القاعدة السابعة : ليس كل عام قد دخله التخصيص
القول بأنه ما من عام إلا وقد خُصَّ ليس بصحيح لأنه ليس عليه دليل فإن هناك عمومات لم يدخلها التخصيص ، قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 6/442 ) : من الذي يسلم أن أكثر العمومات مخصوصة ؟ أم من الذي يقول ما من عموم إلا وقد خص إلا قوله : { بكُلِّ شَيءٍ عَلِيم } ؟ فإن هذا الكلام وإن كان يطلقه بعض السادات من المتفقهة وقد يوجد في كلام بعض المتكلمين في أصول الفقه فإنه من أكذب الكلام وأفسده ، والظن بمن قاله : أنه إنما عنى أن العموم من لفظ { كلَّ شَيءٍ } مخصوص إلا في مواضع قليلة ، كما يقول تعالى : {تُدَمَّرُ كُلَّ شَيءٍ } [ الأحقاف : 25 ] { وَأُوتَيَت مِنْ كُلِّ شَيءٍ } [ النمل : 23 ] وإلا فأي عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب والسنة ، وأنت إذا قرأت القرآن من أوله إلى آخره وجدت غالب عموماته محفوظة لا مخصوصة . انتهى . القاعدة الثامنة : يقدم الخاص على العام مطلقاً سواء كان العام متقدما أو متأخراً الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقدمون الخاص على العام مطلقا ولا ينظرون فيها إذا كان العام متقدما على الخاص أو متأخراً عنه ، ومن الأدلة على ذلك حديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلمأنها جاءت تطلب ميراثها وذلك لعموم الأدلة الوردة في ميراث الأبناء من آبائهم ، فلم يعطها أبو بكر الصديق شيئاً واحتج لقوله صلى الله عليه وسلم: (( ما نورث ما تركنا صدقة )) . أخرجه البخاري ( 3092 ، 3093 ) . ولم ينظر أبو بكر الصديق هل العام جاء بعد الخاص أم لا ؟ . قال الشنقيطي في المذكرة ( 223 ) : ومن تتبع قضاياهم ( أي الصحابة ) تحقق ذلك عنهم . انتهى . القاعدة التاسعة : العام الذي دخله التخصيص يجب العمل بما بقي من عمومه العام الذي دخله التخصيص ، فإن العمل بما بقي من عمومه واجب لا يجوز تركه ، على هذا جرى الصحابة في وقائع كثيرة ، قال السمعاني في قواطع الأدلة ( 1/175 ، 178 ) : العموم إذا خص لم يصر مجازا فيما بقي ، بل هو على الحقيقة فيه ، والاستدلال به صحيح فيما عدا المخصوص ، ولا فرق عندنا بين أن يكون التخصيص بدليل متصل باللفظ أو دليل منفصل ، وذهب قوم من المتكلمين إلى أنه يصيرا مجازا متصلا كان الدليل المخصص أو منفصلا .. ، وقد ورد عن الصحابة التعلق بالعموم المخصوص ، فإن عليا رضي الله عنه قال في الجمع بين الأنشتين المملوكتين في الوطأ أحلتهما آية وحرمتهما آية وقد روي عن عثمان رضي الله عنه مثل ذلك ، وعنيا بقولهما أحلتهما آية قوله تعالى : {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأختَيْنِ }[ النساء : 3 ] مخصوص منه البنت والأخت ، واحتج ابن عباس رضي الله عنهما في قليل الرضاع بقوله تعالى : { وَأمَّهَاتُكُم الَّلآتِي أرْضَعْنَكُمْ }[ النساء : 20 ] وقال قضاء الله أولى من قضاء ابن الزبير ، وإن كان التحريم بالرضاع يحتاج إلى شروط ، وذلك يوجب تخصيص الآية ، ولا يعرف لهؤلاء مخالف من الصحابة . انتهى . القاعدة العاشرة : السياق من المخصصات للعموم ذكر الإمام الشافعي من أبواب العام والخاص في كتابه الرسالة ( 62 ) : باب : الصنف الذي يبين سياقه معناه : ثم قال : قال الله تبـارك وتعـالى : { وسْأَلهُمْ عَنِ القَرْيةِ التِي كَانَت حَاضرَةَ البحْرِ إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ إذْ تَأتيِهِم حِيتَانُهُم يومَ سبْتِهِم شُرَّعًا ويـومَ لايَسْبِتُونِ لاتأتـيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } [ الأعراف : 160 ] . فابتدأ جَلَّ ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر ، فلما قال : الآية ، أدل على أنه إنما أراد أهل القرية لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره ، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون . انتهى . وعن البراء بن عازب قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلميعني من مكة فتبعتهم ابنة حمزة تنادي : يا عم ، فتناولها علي فأخذ بيدها ، وقال لفاطمة : دونك ابنة عمك فاحتملتها ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي : أنا أحق بها وهي ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلملخالتها وقال : (( الخالة بمنزلة الأم )) . أخرجه البخاري ( 2699 ) . قال ابن دقيق العيد في كتاب الإحكام ( 4/82 ) : قوله عليه السلام : (( الخالة بمنزلة الأم )) سياق الحديث يدل على أنها بمنزلتها في الحضانة وقد يستدل بإطلاقه أصحاب التنزيل على تنزيلها منزلة الأم في الميراث إلا أن الأول أقوى ، فإن السياق طريق إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات وتنزيل الكلام على المقصود منه ، وفهم ذلك قاعدة كبيرة من قواعد أصول الفقه . انتهى . وقال أيضا ابن دقيق العيد كما في إرشاد الفحول ( 242 ) : ولا يشتبه عليك التخصيص بالقرائن بالتخصيص بالسبب كما اشتبه على كثير من الناس فإن التخصيص بالسبب غير مختار فإن السبب وإن كان خاصاً فلا يمنع أن يرد لفظ عام يتناوله وغيره كما في { والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاْقطَعُوا أيْدِيهُما } [المائدة : 38 ] ولا ينتهض السبب بمجرده قرينة لرفع هذا بخلاف السياق فإنه يقع به التبيين والتعيين أما التبيين ففي المجملات وأما التعيين ففي المحتملات وعليك باعتبار هذا في ألفاظ الكتاب والسنة والمحاورات تجد منه ما لا يمكنك حصره . انتهى . قال الشوكاني عقبه : والحق أن دلالة السياق إن قامت مقام القرائن القوية المقتضية لتعيين المراد كان المخصص هو ما اشتملت عليه من ذلك ، وإن لم يكن السياق بهذه المنزلة ولا أفاد هذا المفاد فليس بمخصص . انتهى . يتبع إن شاء الله |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|