انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > الفقه والأحكــام

الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-29-2008, 09:00 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي أصول الفقه عند أهل الحديث{متجدد بإذن الله}

 

الأخوة الأفاضل رغبة في نشر العلم الشرعي الصحيح و تنقيته من الشوائب و البدع و المخالفات,و حرصا على التمسك بالسنة و الإجتماع عليهما,أقدم لكم مجموعة من القواعد و الأصول الفقهية التي ينبني عليها فقه أهل الحديث,وهذه القواعد نقلتها من كتاب {أصول الفقه على منهج أهل الحديث} للشيخ زكريا بن غلام قادر,ورأيت أن لا أضع الأصول و القواعد جملة واحدة بل أفتصر كل يوم غلى قاعد أو قاعدتين و ذلك كي لا يبخل أخي المسلم بقراءة هذه القواعد التي ليست بدعا من القول,بل دل الشرع على هذه الأصول و القواعد.

أسأل الله أن يفقهنا في الدين و يجعلنا من من يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


على ماذا يبني أهل الحديث فقههم ؟

أهل الحديث يبنون فقههم على قواعد مأخوذة من الكتاب والسنة والصحيحة وعلى ما كان عليه السلف الصالح ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 10/362 ) : بعد أن أثنى على أهل الحديث : فلا ينصبون مقالة ، ويجعلونها من أصول دينهم ، وجمل كلامهم ، إن لم تكن تابعة فيما جاء به الرسول ، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه .
وقال ابن رجب في كتاب فضل علم السلف : ( 57 ) : ومن ذلك أعنى محدثات العلوم ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ، ورد فروع الفقه إليها سواء خالفت السنة أم وافقتها ، طرداً لتلك القواعد المتقررة ، وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة لكن بتأويلان يخالفهم غيرهم فيها ، وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام . انتهى .
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 10/362 ) : فمن بنى الكلام في علم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة . انتهى .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 2/368 ) : أما أن نقعد قاعدة ونقول هذا هو الأصل ، ثم ترد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله ، لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من ردَّ حديث واحد . انتهى .
الـدلـيـل

القاعدة الأولى : الدليل هو الأصل الذي تبنى عليه القاعدة أو المسألة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 30/269 ) : قد ينص النبي صلى الله عليه وسلمنصاً يوجب قاعدة ويخفى النص على بعض العلماء حتى يوافقوا غيرهم على بعض أحكام تلك القاعدة ، وينازعوا فيما لم يبلغهم فيه النص ، مثل اتفاقهم على المضاربة ومنازعتهم في المساقاة والمزارعة وهما ثابتان بالنص ، والمضاربة ليس فيها نص وإنما فيها عمل الصحابة رضي الله عنه ، ولهذا كان فقهاء الحديث يؤصلون أصلاً بالنص ، ويفرعون عليه ، لا يتنازعون في الأصل المنصوص ويوافقون فيما لا نص فيه .انتهى.



يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-29-2008, 09:38 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

متابع

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-29-2008, 01:04 PM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

متابعة
وفقكم الله
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-29-2008, 01:18 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

واصِلْ وَصَلَكَ الله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-31-2008, 08:31 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


القاعدة الثانية : الأحكام الشرعية تؤخذ من الحديث الصحيح ولا يجوز أخذها من الحديث الضعيف

لا يجوز في دين الله عز وجل أن يؤخذ فيه بحكم من الأحكام إلا من الحديث الصحيح ، وأما الحديث الضعيف فيطرح ولا يعمل به ، فقد ميَّز الله عز وجل هذه الأمة بالإسناد ، فالإسناد من قوام الدين فيجب العمل بالإسناد الصحيح ويترك الإسناد الضعيف ، ولا يشرع لأي مسلم أن يأخذ حكما من حديث ما حتى ينظر فيه أولاً : هل صح سند ذلك الحديث أم لا ؟ .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ( كما في إعلام الموقعين 4/179 ) : سألت أبي عن الرجل يكون وعنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلموالصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا الإسناد القوي عن الضعيف فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به ؟ قال : لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح ، ويسأل عن ذلك أهل العلم . انتهى .
وقال الإمام مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز ( 218 ) : اعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة ، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين بها دون غيرهم إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم : السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصر من لدن نبينا صلى الله عليه وسلمإلى عصرنا هذا .
وقال ابن رجب في فضل علم السلف ( 57 ) : فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 1/250 ) : لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليسـت صحيحة ولا حسنه . انتهى .
وقال الأنصاري في فتح الباقي في شرح ألفية العراقي : من أراد الاحتجاج بحديث من السنن أو المسانيد إن كان متأهلاً لمعرفة ما يحتج به من غيره فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأصول رواته ، وإلا فإن وجد أحداً من الأئمة صححه أو حسنه فله تقليده ، وإلا فلا يحتج به . انتهى .

القاعدة الثالثة : لا فرق في عدم جواز العمل بالحديث الضعيف بين أن يكون في فضائل الأعمال أو في غير فضائل الأعمال

الأحكام التكليفية لا يشرع القول بها إلا بدليل صحيح ، والاستحباب نوع من أنواع الحكم التكليفي ، وعليه فلا يشرع استحباب شيء إلا بدليل صحيح ، ففضائل الأعمال يجب إثباتها بالدليل الصحيح لأنها داخلة في الحكم التكليفي ألا وهو الاستحباب ، والسلف الصالح ما كانوا يفرقون بين الحديث الوارد في فضائل الأعمال والحديث الوارد في بقية أمور الدين ، ويوضح هذا أنهم تكلموا في التثبت في الأسانيد والتشديد في الأخذ بها والعمل بالصحيح منها ، وما كانوا يستثنون من ذلك الحديث الوارد في فضائل الأعمال ، ولا جاء عن أحد منهم في ذلك شيء قط ، فإن قيل قد جاء عن الإمام أحمد وبعض الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الأحكام والحلال والحرام تشدَّدنا ، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا .
والجواب : أن المراد بهذا القول هو التساهل في الرواية وليس مشروعية العمل بذلك الضعيف في فضائل الأعمال ، قال المعلمي في الأنوار الكاشفة ( 87 ) : كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح ، أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده ، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة ومنهم إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات ونحو ذلك لم يمتنع من روايته فهذا هو المراد بالتساهل في عبارتهم . انتهى .
وقد ذهب النووي إلى أن الحديث الضعيف في فضائل الأعمال يعمل به بالإجماع . وفي القول بالإجماع نظر ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه كما في مجموع الفتاوى ( 1/251 ) : وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب ، جاز أن يكون الثواب حقاً ، ولم يقل أحد من الأئمة : إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع . انتهى .
قلت : فقول شيخ الإسلام يدل على أن الإجماع على خلاف ما ادعاه النووي . والذي يظهر أن الخلاف حدث بعد العصور المتقدمة .
وقال شيخ الإسلام أيضا كما في مجموع الفتاوى ( 18/65 ) : وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به ، فإن الاستحباب حكم شرعي ، فلا يثبت إلا بدليل شرعي ، ومن خبر عن الله أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي ، فقد شرع في الدين مالم يأذن به الله ، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم ، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره ، بل هو أصل في الدين مشروع . انتهى .
وقال الشوكاني في وبل الغمام ( 1/54 ) : وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا ، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً ، وهو الحق ، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام ، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع مالم يثبت كونه شرعاً ، لأن ذلك من التقول على الله بمالم يقل ، وكان في فضائل الأعمال ، إذ جعل العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل ، فلا ريب أن العامل به ، وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر ، لكنه مبتدع في ذلك الفعل من حيث اعتقاده مشروعيته بما ليس شرع ، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الابتداع ، ولم يكن فعل مالم يثبت مصلحة خالصة ، بل معه عرضة بمفسدة هي إثم البدعة ، ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح .. ، وقيل : إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دل عليه الحديث الضعيف داخلاً تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك ، وإلا فلا ، مثلاً : لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين في غير وقت كراهة فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضلية الصلاة مطلقا إلا ما خص . يقال : إن كان العمل بذلك العام الصحيح فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة ، وإن كان العمل بالخاص عاد الكلام الأول ؛ وإن كان العمل بمجموعهما كان فعل الطاعة مشوبا ببدعة ، من حيث إثبات عبادة شرعية بدون شرع . انتهى .
وقال ابن حجر في تبيين العجب ( 22 ) : لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو الفضائل ، إذ الكل شرع . انتهى .
وللعلامة الألباني رحمه الله تعالى تفصيل طويل رائع في هذه المسألة في مقدمة صحيح الترغيب والترغيب فليرجع إليه .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-02-2008, 02:01 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

القاعدة الرابعة : يجب فهم الدليل على ما فهمه السلف الصالح


السلف الصالح جاءت الأدلة بتزكيتهم واتباع طريقهم ، قال الله تعالى في كتابه الكريم : { والسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ والذِينَ اتَّبَعُوهم بإحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهَارُ خَالِدينَ فيهَا أبَدًا ذَلكَ الفوْزُ العَظِيمُ } [ التوبة : 100 ] .
: وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) . أخرجه البخاري ( 6429 ) ومسلم ( 2535 )
فهم القدوة وهم الأسوة ، فيجب على كل مسلم اتباعهم فيما ذهبوا إليه من فهم أدلة الكتاب والسنة لأنهم أعلم الناس وأفهم الناس بدلالة النصوص الشرعية ، فإذا أخذ المسلم بغير فهمهم فإنه يضلُّ عن الصراط المستقيم ، لأنهم عن بصيرة وقفوا وبعلم ثاقب نظروا .
قال ابن أبي زيد القيرواني في الجامع ( 117 ) : التسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدفع بقياس ، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه ، وما عملوا به عملناه ، وما تركوه تركناه ، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ، ونتبعهم فيما بينوا ، ونقتدي بهم فيما استنبطوا ورأوه من الحديث ، ولا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو تأويله ، وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث .
وقال السمعاني كما في صون المنطق ( 158 ) : إنا أمرنا بالإتباع وندبنا إليه ، ونهينا عن الإبتداع وزجرنا عنه ، وشعار أهل السنة اتباعهم للسلف الصالح ، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث . انتهى .
وقال قوام السنة الأصبهاني في كتابة الحجة في بيان المحجة ( 2/437 ، 440 ) : وليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو الإتباع والإستعمال ، يقتدي بالصحابة والتابعين ، وإن كان قليل العلم ، ومن خالف الصحابة والتابعين فهو ضال ، وإن كان كثير العلم .. إلى أن قال : وذلك أنه تبين للناس أمر دينهم فعلينا الإتباع ، لأن الدين إنما جاء ، من قبل الله تعالى لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلمالسنة لأمته ، وأوضحها لأصحابه ، فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمفي شيء من الدين فقد ضل . انتهى .
وقال ابن رجب في كتاب فضل علم السلف على علم الخلف ( 72 ) : فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعهيم في معاني القرآن والحديث ، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام ، والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك . انتهى .
وقال شيخ الإسلام في كتاب الإيمان ( 114 ) : وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل ( يعني الإيمان ) عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة ، وهذه طريقة أهل البدع ، ولهذا كان الإمام أحمد يقول : أكثر ما يخطيء الناس من جهة التأويل والقياس ، ولهذا نجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم ، وما تأولوه من اللغة ، ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلموالصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، فلا يعتمدون على السنة ولا على إجماع السلف وآثارهم ، إنما يعتمدون على العقل واللغة ، ونجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثور ، والحديث وآثار السلف .
وقال كما في مجموع الفتاوى ( 10/362 ) : فالعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلموأما ما جاء عمن بعدهم فلا ينبغي أن يجعل أصلاً ، وإن كان صاحبه معذوراً ، بل مأجوراً لاجتهاد أو تقليد ، فمن بنى الكلام في علم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة السابقين فقد أصاب طريق النبوة وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلموأصحابه فقد أصاب طريق النبوة ، وهذه طريق أئمة الهدى ، تجد الإمام أحمد إذا ذكر أصول السنة قال : هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلموالصحابة والتابعين ، وعلى ذلك يعتمد في أصوله العلمية وفروعه .. ، وكذلك في الزهد والرقائق والأحوال فإنه اعتمد في كتاب الزهد على المأثور على الأنبياء صلوات الله عليهم من آدم إلى محمد ثم على طريق الصحابة والتابعين ولم يذكر من بعدهم . انتهى .

القاعدة الخامسة : يجب الأخذ بظاهر الدليل وعدم تأويله


أهل الحديث وسط بين الذين بالغوا في الأخذ بالظاهر ولم يلتفتوا إلى معاني الأدلة وبين الذين فرطوا في الأخذ بالظاهر ، فردوا ظاهر الدليل بأدنى شيء أو أولوا الحديث حتى يوفقوا بين الحديث وبين قول إمامهم ، فأهل الحديث يمشون على ظاهر الدليل .
ولا يأولونه ويخرجونه عن ظاهره إلا بدليل يدل على صحة ذلك التأويل ، ولهذا كان السلف يقولون : أمروها كما جاءت .
وهذا وإن كان ورد في باب الأسماء والصفات ، لكن مما لا شك فيه أن جميع الأحكام الشرعية على منوال واحد وطريقة سوية ، ولذلك ما كان السلف يؤولون الأحاديث الواردة في الأحكام ، بل كانوا يجرونها على ظاهرها .
فمثلاً : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال لـمَّا سئل عن الوضوء من لحوم الإبل : ( توضئوا منها ) .
أخرجه مسلم ( 360 ) وأبو داود ( 184 ) والترمذي ( 81 ) .
فالوضوء يطلق على غسل اليدين فقط ويطلق أيضا على الوضوء المعروف في الشرع ، وظاهر الحديث أن المراد هو الوضوء المعروف في الشرع ، وقد مشى الصحابة على هذا الظاهر فقد كانوا يتوضؤون من لحوم الإبل الوضوء الشرعي المعروف ولم يكونوا يأولونه بغسل اليدين فقط .
قال الخطيب في الفقه والمتفقه ( 1/222 ) : ويجب أن يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى عمومه وظاهره إلا أن يقوم الدليل على أن المراد به غير ذلك فيعدل إلى ما دل الدليل عليه ، قال الشافعي : ولو جاز في الحديث أن يحال شيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل عدداً من المعاني فلا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره ، ولكن الحق فيها واحد إنما هو على ظاهرها وعمومها إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3/108 ) : الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله ، وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره ، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب ، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك . انتهى .
وقال الشنقيطي في أضواء البيان ( 7/438 ) : التحقيق الذي لا شك فيه ، وهو الذي عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامة المسلمين : أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلمفي حال من الأحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح . انتهى .
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 263 ) : واعلم أن الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه والعمل به بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ . انتهى .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 4/148 ) : ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه ، فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو حكم مضمون له الصواب ، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان ، وقول الفقيه المعين ليس كذلك ، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على مناهجهم يتحرون ذلك غاية التحري حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص واشتقوا لهم ألفاظاً غير ألفاظ النصوص ، فأوجب ذلك هجر النصوص ، ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان ، فتولد من هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الألفاظ الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلا الله ، فألفاظ النصوص عصمة وحجة ، بريئة من الخطأ والتناقض ، والتعقيد والاضطراب ، ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كـذلك وهَلـُمَّ جرَّا .. ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا سئلوا عن مسألة يقولون قال الله كذا ، قال رسول الله كذا ، ولا يعدلون عن ذلك و ما وجدوا إليه سبيلاً قط فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور . انتهى .
وقال الشوكاني في منتهى الأرب في أدب الطلب ( 235 ) : ومن جملة ما ينبغي له تصوره ويعنيه استحضاره أن يعلم أن هذه الشريعة المباركة هي ما اشتمل عليه الكتاب والسنة من الأوامر والنواهي والترغيبات والتنفيرات وسائر ما له مدخل في التكليف ، من غير قصد إلى التعمية والإلغاز ولا إرادة لغير ما يفيده الظاهر ، ويدل عليه التركيب ويفهمه أهل اللسان العربي . فمن زعم أن حرفاً من حروف الكتاب والسنة لا يراد به المعنى الحقيقي والمدلول الواضح فقد زعم على الله ورسوله زعماً يخالف اللفظ الذي جاءنا عنهما ، فإن كان ذلك لمسوّغ شرعي تتوقف عليه الصحة الشرعية أو العقلية التي يتفق العقلاء عليها ، لا مجرد ما يدعيه أهل المذاهب والنحل على العقل ، مطابقاً لما قد حببه إليهم التعصب ، وأدناه من عقولهم البُعد عن الإنصاف فلا بأس بذلك ، وإلاّ فدعوى التجوز مردودة مضروب بها في وجه صاحبها ، فاحرص على هذا فإنه وإن وقع الاتفاق على أصالة المعنى الحقيقي وعدم جواز الانتقال عنه إلا لعلاقة وقرينة كما صُرح به في الأصول وغيرها ، فالعمل في كتب التفسير والحديث والفقه يخالف هذا لمن تدبره وأعمل فكره . ولم يغتر بالظواهر ولا جمد على قبول ما يُقال من دون بحث عن موارده ومصادره . وكثيراً ما تجد المتعصبين يحامون عن مذاهبهم ويؤثرونها على نصوص الكتاب والسنة . فإذا جاءهم نص لا يجدون عنه متحولاً وأعياهم رده وأعجزهم دفعه . ادعوا أنه مجاز وذكروا للتجوز علاقة هي من البعد بمكان ، وقرينة ليس لها في ذلك المقام وجود ولا تدعو إليها حاجة . وأعانهم على هذه الترهات استكثارهم من تعداد أنواع القرائن والعلاقات ، حتى جعلوا من جملة ما هو من العلاقات المسوّغة للتجوز التضاد ، فانظر هذا التلاعب ، وتدبر هذه الأبواب التي فتحوها على أدلة الكتاب والسنة . وقَبِلَها عنهم من لم يمعن النظر ويطيل التدبر فجعلها علماً وقبلها على كتاب الله وسنة رسوله . وأصلها دعوى افتراها على أهل اللغة متعصب قد آثر مذهبه على الكتاب والسنة ، ولم يستطع التصريح بترجيح المذهب على الدليل ، فدقّقَ الفكر وأعمق النظر فقال : هذا الدليل وإن كان معناه الحقيقي يخالف ما نذهب إليه فهو ههنا مجاز والعلاقة كذا والقرينة كذا ، ولا علاقة ولا قرينة . فيأتي بعد عصر هذا المتعصب من لا يبحث عن المقاصد ولا يتدبر المسالك كما ينبغي فيجعل تلك العلاقة التي افتراها ذلك المتعصب من جملة العلائق المسوغة للتجوز . ولهذا صارت العلاقات قريباً من ثلاثين علاقة . ثم لما كان من جملة أنواع القرائن ، القرائن العرفية والعقلية افترى كل متعصب على العقل والعرف ما شاء وصنع في مواطن الخلاف ما أراد والله المستعان . انتهى .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-03-2008, 08:18 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


القاعدة السادسة : لا يصرف الدليل عن ظاهره بقول جمهور العلماء


قول الجمهور ليس بحجة ، لأن الله عز وجل لم يتعبدنا بقول الجمهور ، فلا يصرف الحديث عن ظاهره لأن الجمهور صرفوه عن ظاهره ، فمثلا : لا يصرف ظاهر الأمر من الوجوب إلى الاستحباب لقول الجمهور ، ولا يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة لقول الجمهور ، ولا يصرف العام إلى الخاص لقول الجمهور ، وذلك لأن قول الجمهور ليس بحجة ، وظاهر الحديث حجة ، فلا يترك ما هو حجة لأجل ما ليس بحجة ، قال العلامة صديق حسن كما في قواعد التحديث ( 91 ) : اعلم أنه لا يضر الخبر الصحيح عمل أكثر الأمة بخلافه ، لأن قول الأكثر ليس بحجة . انتهى .

القاعدة السابعة : لا يسقط الاستدلال بالدليل بمجرد تطرق الاحتمال إليه

الدليل لا يسقط بمجرد تطرق الاحتمال إليه ، وقول العلماء : الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، مرادهم بذلك الاحتمال القوي الذي احتفت به القرائن واعتضد بالاعتبارات لا بأي احتمال ، لأنه ما من دليل إلا ويتطرق إليه الاحتمال ، ولو فتح باب الاحتمال لم يبق شيء من الأدلة إلا وسقط الاستدلال به بدعوى تطرق الاحتمال إليه ، ثم إن المراد بسقوط الاستدلال به ، أي على تعيين ذلك الوجه المراد الاستدلال به من الدليل ، لا أن الاستدلال بالدليل يسقط جملة وتفصيلا .
أخرج البخاري ( الفتح 1/413 ) ومسلم ( 1/145 ) عن عائشة قالت : (( كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلمورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها )) .
فهذا الحديث يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء ، واعترض عليه باحتمال الخصوصية أو أن المس كان بحائل .
وقد تعقب هذا الكلام العلامة أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي ( 1/142 ) فقال : ومن البين الواضح أن هذا التعقيب لا قيمة له ، بل هو باطل ، لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح ، واحتمال الحائل لا يفكر فيه إلا متعصب ! انتهى .

القاعدة الثامنة : لا فرق بين الدليل المتواتر والآحاد في جميع القواعد والأحكام


الحديث الآحاد كالتواتر في جميع القواعد والأحكام الشرعية فكما أن المتواتر ينسخ المتواتر فكذلك الآحاد ينسخ المتواتر وكما أن المتواتر يخصص العام ، فكذلك الآحاد يخصص العام ، وكما أن المتواتر مقدم على القياس ، فكذلك الآحاد مقدم على القياس ، وعلى هذا جرى عمل السلف الصالح فإنهم كانوا لا يفرقون في شيء من القواعد والأحكام بين المتواتر والآحاد ، بل التفريق بين المتواتر والآحاد بدعة حدثت بعدهم ، فقد أخذ الصحابة بقول الواحد في النسخ وذلك لما كانوا في الصلاة تجاه بيت المقدس وأخبرهم شخص واحد بأن القبلة تحولت إلى الكعبة فتحولوا وهم في الصلاة .
قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 236 ) بعد أن ذكر أن الآحاد يخصص عموم المتواتر : واحتج ابن المسمعاني على الجواز بإجماع الصحابة فإنهم خصوا قوله تعالى : { يُوصَيكُمُ الله فِي أوْلادِكُمْ }[ النساء : 11 ] بقوله صلى الله عليه وسلم: (( إنا معشر الأنبياء لا نورث )) وخصوا قوله (( فاقْتُلُوا المشْرِكِينَ )) بخبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس وغير ذلك كثير ، وأيضا يدل على جواز التخصيص دلالة بينة واضحة ما وقع من أوامر الله عز وجل باتباع نبيه صلى الله عليه وسلممن غير تقييد فإذا جاء عنه الدليل كان اتباعه واجبا وإذا عارضه عموم قرآني كان سلوك طريقة الجمع ببناء العام على الخاص متحتما ودلالة العام على أفراده ظنية لا قطعية فلا وجه لمنع تخصيصه بالأخبار الصحيحة الآحادية ، وقد استدل المانعون مطلقا بما ثبت عن عمر رضي الله عنه في قصة فاطمة بنت قيس حيث لم يجعل لها سكنى ولا نفقة كما في حديثها الصحيح ، فقال عمر : " كيف نترك كتاب ربنا لقول امرأة ؟ " يعني قوله :{ أسْكِنُوهُنَّ } [ الطلاق : 6 ] وأجيب عن ذلك بأنه إنما قال هذه المقالة لتردده في صحة الحديث لا لرده تخصيص عموم الكتاب بالسنة الآحادية فإنه لم يقل كيف نخصص عموم كتاب ربنا بخبر آحادي بل قال : كيف نترك كتاب ربنا لقول امرأة ؟ ويؤيد ذلك ما في صحيح مسلم وغيره بلفظ قال عمر : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لعلها حفظت أو نسيت فأفاد هذا أن عمر إنما تردد في كونها حفظت أو نسيت ولو علم بأنها حفظت ذلك وأدته كما سمعته لم يتردد في العمل بما روته . انتهى .
وبيَّن الشنقيطي في كتابه مذكرة في أصول الفقه (86) خطأ من قال إن الآحاد لا ينسخ المتواتر .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-05-2008, 04:02 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

القاعدة التاسعة : يجب العمل بالدليل وإن لم يعرف أن أحداً عمل به


الحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الاحتجاج به أن يكون أحد من الأئمة عمل به ، قال الشافعي في الرسالة ( 422 ) : أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة ، وفي التي تليها بعشر ، وفي الوسطى بعشر ، وفي التي تلي الخنصر بتسع ، وفي الخنصر بست قال الشافعي : لما كان معروفا ـ والله أعلم ـ عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلمقضى في اليد بخمس ، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف ، فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال : (( وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإيل )) صاروا إليه ، وفي الحديث دلالتان :
أحدهما : قبول الخبر .
والآخر : أن يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه ، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا .
ودلالة على أنه لو مضى عمل من أحد من الأئمة ثم وجد خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلميخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلالة على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلميثبت بنفسه لا بعمل غيره .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 4/204 ) : إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلمموثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده ؟، فقالت طائفة من المتأخرين : ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخاً أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما دل عليه فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا . وقال طائفة بل له أن يعمل به ويفتي به بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلموحدث به بعضهم بعضاً بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول أحد منهم قط : هل عمل بهذا فلان وفلان ، ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القول وسيرتهم وطول العهد بالنسبة ، وبعد الزمان وعتقها لا يسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلملا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عياراً على السنن ، ومزكيا لها ، وشرطاً في العمل بها ، وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلمبتبليغ سنته ودعا لمن بلَّغها ، فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان .
وقال أيضا في إعلام الموقعين ( 4/212 ) : فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال كذا وكذا ، يقول من قال بهذا ؟ ويجعل هذا دفعاً في صدر الحديث أو يجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلمبمثل هذا الجهل ، وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، هذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله ودعم عمله بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان . ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال : لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلمحتى نعرف من عمل به .
وقال في كتاب الروح ( 264 ) : فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله ، بل اذهب إلى النص ، ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك . انتهى .
وقال الألباني في السلسلة الصحيحة ( حديث رقم : 163 ) : لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء ، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود . انتهى .
وقال ابن حزم في الإحكام ( 5/662 ) : فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما ، ولم يعرف أن أحد قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان ، ومن خالفه فقد خالف الحق ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى ، ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به ، بل أنكر على من قاله إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكراً عليهم أنهم قالوا : { مَاسَمعْنَا بـِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ }[ ص : 7 ] ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم ، لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد والفتيا ، فكلها محصور مضبوط ، معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم ، فكل مسألة لم يرد فيها قول عن صاحب لكن عن تابع فمن بعده ، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك ، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله . انتهى .

القاعدة العاشرة : يجب العمل بالدليل ولو خالفه من خالفه من السلف الصالح رضوان الله عليهم

يجب ردُّ كل قول خالف الدليل على قائله كائناً من كان حتى ولو كان من الخلفاء الراشدين فضلاً عمن دونهم في العلم لأن الله عز وجل أمرنا باتباع السنة ، قال ابن القيم في الصواعق المرسلة ( 3/1063 ) : كان عبد الله بن عباس يحتج في مسألة متعة الحج بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلموأمره لأصحابه بها فيقولون له : إن أبا بكر وعمر أفردا الحج ولم يتمتعا ، فلما أكثروا عليه قال : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون : قال أبو بكر وعمر .. ، ولقد مثل عبد الله بن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إن أباك نهى عنها ! فقال : إن أبي لم يرد ما تقولون فلما أكثروا عليه قال : أَقَوْلُ رسول الله أحق أن تتبعوا أم عمر ؟ .
وقال في إعلام الموقعين ( 1/23 ) : فإذا وجد النص ( أي الإمام أحمد ) أفتى بموجبه ولم يلتفت إلا ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس ، ولا إلى خلافه في التميم للجنب لحديث عمار بن ياسر ولا خلافه في استدامة المحرم الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه لصحة حديث عائشة .. ، ولم يلتفت إلى قول معاذ ومعاوية في توريث المسلم من الكفار لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما ، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس في الصرف لصحة الحديث بخلافه ولا إلى قوله بإباحة لحوم الحمر كذلك ، وهذا كثير جداً . انتهى .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-06-2008, 12:12 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


القاعدة الحادية عشر : لا يشرع ترك الدليل وإن عمل الناس بخلافه


قال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 2/395 ) : لو تركت السنن للعمل لتعطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودرست رسومها ، وعفت آثارها ، وكم من عمل قد اطرد بخلاف السنة الصريحة على تقادم الزمان وإلى الآن ، وكل وقت تترك سنة ويعمل بخلافها ، ويستمر عليها العمل ، فتجد يسيراً من السنة معمولاً به على نوع تقصير ، وخذ بلا حساب ما شاء الله من سنن قد أهملت وتعطل العمل بها جملة ، فلو عمل بها من يعرفها لقال الناس : تركت السنة . فقد تقرر أن كل عمل خالف السنة الصحيحة لم يقع من طريق النقل البتة ، وإنما يقع من طريق الاجتهاد ، والاجتهاد إذا خالف السنة كان مردوداً . انتهى .
وقال ابن حزم في المحلى ( 5/661 ) : إن حد الشذوذ هو مخالفة الحق فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ ، وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم ، والجماعة والجملة هم أهل الحق ، ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد ، فهو الجماعة ، وهو الجملة ، وقد أسلم أبو بكر وخديجة رضي الله عنهما فقط ، فكانا هما الجماعة ، وكان سائر أهل الأرض غيرهما وغير الرسول صلى الله عليه وسلمأهل شذوذ وفرقة . انتهى .

القاعدة الثانية عشر : الأدلة لا تعارض بالعقل، بل يسلم للدليل تسليما من غير اعتراض عليه


عن علي بن أبي طالب قال : (( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلميمسح على ظاهر خفيه )) . أخرجه أبو داود ( 162 ) وهو صحيح .
قال السمعاني كما في صون المنطق ( 166 ) : وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم ، وطلبوا الدين من قبلهما وما وقع من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة ، فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه ، وشكروا الله عز وجل ، حيث أراهم ذلك ووفقهم عليه ، وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم ، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ، ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى الباطل .
وقال أيضا ( ص : 175 ) : وأما أهل السنة سلمهم الله فإنهم يتمسكون بما نطق به الكتاب والسنة ويحتجون له بالحجج الواضحة والدلائل الصحيحة على حسب ما أذن فيه الشرع ، وورد به السمع ، ولا يدخلون بآرائهم في صفات الله ولا في غيرها من أمور الدين ، وعلى هذا وجدوا سلفهم وأئمتهم . انتهى .

القاعدة الثالثة عشر : الأحكام التي وردت في الأدلة مطلقة لا يجوز تحديدها


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 19/236 ) : فما أطلقه الله من الأسماء وعلق به الأحكام من الأمر والنهي والتحليل والتحريم لم يكن لأحد أن يقيده إلا بدلالة من الله ورسوله ، فمن ذلك اسم الماء مطلق في الكتاب والسنة ولم يقسمه النبي صلى الله عليه وسلمإلى قسمين : طهور وغير طهور ، فهذا التقسيم مخالف للكتاب والسنة .. ، ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ولم يقدر لا أقله ولا أكثره ، ولا الطهر بين الحيضين مع عموم بلوى الأمة بذلك ، واحتياجهم إليه .. ثم قال ( ص : 243 ) : والله ورسوله علقا القصر والفطر بمسمى السفر ولم يحده بمسافة ولا فرق بين طويل وقصير ، ولو كان للسفر مسافة محدودة لبينه الله ورسوله ، ولا له في اللغة مسافة محدودة ، فكل ما يسميه أهل اللغة سفراً فإنه يجوز فيه القصر والفطر كما دلَّ عليه الكتاب والسنة . انتهى .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-07-2008, 10:48 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


القاعدة الرابعة عشرة : الأعيان المذكورة في الدليل لا يلحق بها ما لم يذكر في الدليل


الأصل في الأعيان المذكورة في دليل ما أنها مرادة ومقصودة لذاتها فلا يلحق بها غيرها ، ولا يقال أنها خرجت مخرج الغالب ولا الحصر إلا بدليل يدل على أنها خرجت مخرج الغالب ، وكذلك لا يقال : أن تعيينها إنما هو للتنبيه على غيرها إلا إذا جاء دليل يدل على ذلك ، مثاله : حديث أبي موسى ومعاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلمقال لهما حين أرسلهما إلى اليمن : (( لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة : الشعير ، والحنطة ، والزبيب ، والتمر )) . أخرجه البيهقي ( 4/125 ) وصححه الألباني في الإرواء ( 801 ) .
ففي هذا الحديث تخصيص الزكاة بأربعة أشياء مما يخرج من الأرض ، فلا يلحق بها غيرها ، قال أبو عبيد في كتاب الأموال ( 575 ) : إلا أن الذي اختار من ذلك الاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لا صدقة إلا في الأصناف الأربعة التي سماها ، وسنها مع قول من قاله من الصحابة والتابعين ، ثم اختيار ابن أبي ليلى ، وسفيان إياه . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلمحين خص هذه بالصدقة وأعرض عما سواها ، قد كان يعلم أن للناس أموالاً مما تخرج الأرض ، فكان تركه ذلك عندنا ، عفواً منه ، كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق وإنما يحتاج إلى النظر والتشبيه والتمثيل إذا لم توجد سنة قائمة ، فإذا وجدت السنة لزم الناس اتباعها . انتهى .

القاعدة الخامسة عشر : لا احتياط فيما ورد به الدليل


قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 26/54 ) : فبين أحمد أن الأحاديث متواترة بأمر النبي صلى الله عليه وسلمبالتمتع لجميع أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي حتى من كان منهم مفرداً أو قارناً والنبي صلى الله عليه وسلملا ينقلهم من الفاضل إلى المفضول بل إنما يأمرهم بما هو أفضل لهم ولهذا كان فسخ الحج إلى التمتع مستحبا عند أحمد ولم يجعل اختلاف العلماء في جواز الفسخ موجبا للاحتياط بترك الفسخ ، فإن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تبين فاتباعها أولى . انتهى .
وقال ابن القيم في تهذيب السنن ( 1/72 ) : الاحتياط يكون في الأعمال التي يترك المكلف منها عملاً لآخر احتياطاً ، وأما الأحكام الشرعية والأخبار عن الله ورسوله فطريق الاحتياط فيها أن لا يخبر عنه إلا بما أخبر به ، ولا يثبت إلا ما أثبته ثم إن الاحتياط هو في ترك هذا الإحتياط ، فإن الرجل تحضره الصلاة وعنده قُلَّة ماء قد وقعت فيها شعرة ميتة ، فتركه الوضوء منها مناف للاحتياط ، فهلاَّ أخذتم بهذا الأصل هنا ، وقلتم ، ما ثبت تنجيسه بالدليل الشرعي نجسناه ، وما شككنا فيه رددناه إلى أصل الطهارة . انتهى .

القاعدة السادسة عشر : يجب تفسير الدليل وفهمه باعتدال من غير إفراط ولا تفريط


قال ابن القيم في كتاب الروح ( 62 ) : ينبغي أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلممراده من غير غلوٍّ ولا تقصير فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدي والبيان ، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد . انتهى .

القاعدة السابعة عشر : الحكم الوارد في قصة ما لا يكون خاصاً بصاحب القصة بل يكون الاستدلال بذلك الحكم الوارد في تلك القصة داخلاً فيه غير صاحب القصة أيضاً :


هناك بعض الصحابة وقعت لهم واقعة من الواقعات وفي تلك الواقعة ورد فيها حكم ما ، فإن ذلك الحكم لا يكون خاصاً بمن وقعت له تلك الواقعة وحدثت له تلك القصة ، بل يكون الحكم عاماً وشاملاً لكل أحد ، كقصة المجامع في نهار رمضان ، فإن تلك القصة دليل على أن من كان مثل ذلك الرجل لا يجد ما يتصدق به كفارة لإتيانه لأهله في نهار رمضان أن تلك الكفارة ساقطة عنه ، ولا يكون هذا الحكم خاصاً بذلك الرجل ، إلا إذا أتى ما يدلُ على أن ذلك الحكم خاص بصاحب القصة مثل حديث أبي بردة بن نيار أن سأل النبي صلى الله عليه وسلمهل يجزئه ذبح جذعة في الأضحية ، فقال : (( نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك )) . أخرجه البخاري ( 955 )


يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 04:17 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.