التاريخ والسير والتراجم السيرة النبوية ، والتاريخ والحضارات ، وسير الأعلام وتراجمهم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الابتلاء سنة الدعوة
الابتلاء سنة الدعوة بقلم الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله . إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : إن كثيراً من الناس لا يشكون في فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا ينسئون في فائدته للأمة ، ولا فائدته للحاضر والمستقبل ، ولكن يتقاعس كثيراً من الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ إما تهاوناً وتفريطاً ، وإما اعتماداً على غيرهم وتسويفاً ، وإمايأساً من الإصلاح وقنوطاً قال تعالى :{ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } (1) ، وإما جبناً يلقيه الشيطان في قلوبهم وتخويفاً والله عز وجل يقول : { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (2) . إن تخويف الشيطان إياكم أولياءه أو تسليطهم عليكم لا ينبغي أن يمنعكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن ذلك أمر لابد منه إلا أن يشاء الله عز وجل امتحاناً من الله وابتلاء ، إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قائم مقام الرسل كما قال تعالى : { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } (3) ، فإذا كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قائم مقام الرسل فلابد أن يناله من الأذى ما يناله كما قد نال الرسل ، ولقد لاقى الأنبياء والرسل من أقوامهم أشد الأذى وأعظمه حتى بلغ ذلك إلى حد القتل ، قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (4) . انظروا أيها المسلمون إلى ما جرى للرسل الكرام ؛ فهذا أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، فكان ملؤهم وأشرافهم يسخرون منه ، ولكنه صامد في دعوته يقول لهم :{ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ }(5) . وهذا إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن وإمام الحنفاء لبث في قومه ما شاء الله ، يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (6) ، فما ثنا ذلك عن عزمه ولا أوهنه عن دعوته. وهذا موسى عليه السلام ماذا حصل له من فرعون المتكبر الجبار ، دعاه موسى إلى الله العلي الأعلى وقال له : { فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (7) ، فقال فرعون ساخراً به :{ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } (8) ، وقال لملأه : { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } (9) ، ثم توعد موسى قائلاً : { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } (10) فهل خاف موسى من ذلك؟ هل وهنت عزيمته عن الدعوة إلى الله عز وجل ؟ بل مضى في هذا حتى بين لفرعون من الآيات ما يهتدي به أولو الألباب ، لكن فرعون استمر في غيه . وهذا عيسى عليه السلام أوذي من جانب اليهود فكذبوه ، ورموا أمه بالبغاء وقالوا: إن مريم _ وحاشاها مما قالوا _ زانية ، وزعموا قتل عيسى عليه السلام ، واجتمعوا عليه ، فألقى الله شبهه على رجل فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه قال تعالى :{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } قال الله مكذباً لما ادعوا من القتل والصلب :{ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (11) . وهذا خاتم الرسل وأفضلهم وسيدهم أعظم الخلق جاهاً عند الله ، هل سَلِمَ من الأذى في دعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ؟ لا ، بل ناله صلى الله عليه وسلم على ذلك من الأذى القولي والفعلي ما لا يصبر عليه إلا من كان مثله ولم يثنه ذلك عن دعوته إلى الله عز وجل ، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الإله الواحد قال تعالى : {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴿4﴾ أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } (12) . وكانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم اتخذوه هزوا وقالوا ساخرين به: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا } (13) ، وقالوا : {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (14) ، فآذوا النبي صلى الله عليه وسلم بكل ألقاب السوء والسخرية ، ولم يقتصروا على ذلك بل آذوه بالأذى الفعلي ، فكان أبو لهب وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وجاره كان هذا العم المنكر للصلة يرمي بالقذر على باب النبي عليه الصلاة والسلام ، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيزيله ويقول: ( يا بني عبد مناف أي جوار هذا ) . وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحابه جلوس إذ قال قائل منهم : أيكم يذهب لجزور آل فلان ( أي : ناقتهم ) فيجيء بسلاها ودمها وفرئها فيضعه على ظهر محمد إذا سجد ؟ فذهب أشقى القوم فجاء به ، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره وبين كتفيه ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : وأنا أنظر لا أغني شيئاً ، لو كانت لي منعة ، فجعل أبو جهل وأصحابه يضحكون حتى يميل بعضهم على بعض من الضحك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد تحت الكعبة لا يرفع رأسه حتى جاءت ابنته فاطمة تسعى وهي جويرية حتى ألقته عنه ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال : {اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بقريش ثم سمى فلاناً وفلاناً } . أيها المسلمون هؤلاء الخمسة هم من أفضل الرسل ، هم أولو العزم من المرسلين ، ومع ذلك نالهم من الأذى ما نالهم بالدعوة إلى الله عز وجل ، وما أحلى الدعوة ! وما أحلى ما ينال العبد من الدعوة إلى الله ! إذا أصيب العبد في الدعوة إلى الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا أصيب بذلك فإنما هو رضا من الله عز وجل ، وما أحلى المصائب إذا كانت رضا في الله عز وجل . أيها المسلمون إن هذا الصبر العظيم على هذا الأذى الشديد الذي لقيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أولي العزم لأكبر عبرة يعتبر بها المؤمنون الداعون إلى الله الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ؛ ليصبروا على ما أصابهم ويحتسبوا الأجر من الله ، ويعلموا ان للجنة ثمناً قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } (15) ، وقال تعالى :{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } (16) . اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا يا منان يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين أن تجعلنا من الدعاة إليك على بصيرة ، وأن ترزقنا الصبر على ما ينالنا في ذلك ،أن تجعلنا ممن يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إنك جواد كريم . .................................................. .......................
(1) سورة الحجر آية ﴿56﴾ . (2) سورة آل عمران آية ﴿175﴾ . (3) سورة الأعراف آية ﴿175﴾. (4) سورة آل عمران آية ﴿21﴾ . (5) سورة هود آية ﴿38﴾ ، ﴿39﴾ . (6) سورة العنكبوت آية ﴿24﴾. (7) سورة الزخرف آية ﴿46﴾ . (8) سورة الشعراء آية ﴿23﴾ . (9) سورة الشعراء آية ﴿27﴾ . (10) سورة الشعراء آية ﴿29﴾ . (11) سورة النساء آية ﴿158﴾ . (12) سورة ص آية ﴿5﴾ . (13) سورة الفرقان آية ﴿42﴾ . (14) سورة الحجر آية ﴿6﴾ . (15) سورة البقرة آية ﴿214﴾ . (16) سورة آل عمران آية ﴿142﴾. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 08-20-2008 الساعة 08:37 PM |
#2
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيراً ونفع بكم, وحبذا لو يقوم أحد الأفاضل بضبط آخر كلمتين فى آخر آيه -لا أستطيع التعديل بسبب البروكسى-, جزاكم الله خيراً.
|
#3
|
|||
|
|||
أعانكم الله وجزاكم خيرا وأحسن إليكم ..
|
#4
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيراً ونفع بكم,
|
#5
|
|||
|
|||
جزاكِ الله خير الجزاء ,و أحسن إليكِ أخيتي الفاضلة . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|