انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-26-2011, 06:00 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي بيانُ معنى الإيمان/ الشيخ عبد الحميد بن باديس.

 




بيـانُ معنى الإيمـان

الإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ(١- الإيمانُ في الاشتقاق اللغوي: مصدرُ آمن يؤمن إيمانًا فهو مؤمن، وأصل آمن: أأمن بهمزتين لُيِّنَت الثانية، وهو من الأمن ضدّ الخوف. [تهذيب اللغة للأزهري: 15/513، الصحاح للجوهري: 5/2071، القاموس المحيط للفيروزآبادي: 1518]. قال الراغب الأصفهاني قي «المفردات» (35): «أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف». وفي التحقيق إنما يكون معناه التأمين أي: إعطاء الأمان إذا تعدّى بنفسه، فآمنته ضدّ أخفته، قال تعالى: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 5]، ﴿وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ﴾ [التين: 3]، أي: الآمن يعني مكة، وفي الحديث: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبْتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذا ذَهَبَتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ». [رواه مسلم في فضائل الصحابة (16/83) باب أنّ بقاء النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة، من حديث أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه]، والأمنة في الحديث جمع أمين وهو الحافظ، والأمنة والأمان نقيض الخيانة، وفي الحديث: «المُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» [أخرجه أبو داود في الصلاة (1/356) باب ما يجب على المؤذّن، وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصحّحه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند: 1/450، والألباني في «إرواء الغليل»: 1/231]، أي: الذي يثقون فيه ويتخذونه أمينًا حافظًا. والمؤمن من أسماء الله تعالى، قال ابن الأثير في «النهاية» [1/69، 71]: «..وهو الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه، فهو من الأمان ضدّ الخوف». وقد يتعدّى لفظ الإيمان بالباء أو اللام فيكون معناه التصديق، كما في قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 285]، ولقوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهٌ لٌوطٌ﴾ [العنكبوت: 26]، والإيمان كما يكون بالقلب يكون باللسان كما في قوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 61]، أي: يصدّق الله، ويَصْدُق المؤمنين، ويكون بالجوارح –أيضًا- ومنه قوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» [أخرجه البخاري في «الاستئذان»: (11/25) باب زنا الجوارح دون الفرج، ومسلم في «القدر» (16/205) باب قدّر على ابن آدم حظه من الزنا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] ): التَّصْدِيقُ(٢- الإيمان في اللغة يدور معناه على التصديق والثقة والطمأنينة والإقرار، واختار المصنّف -رحمه الله- التصديق لِما عليه عامّة أهل اللغة قال ابن منظور في «اللسان» [1/224]: «اتفق أهل العلم من اللغويين وغيرِهم أنّ الإيمان معناه التصديق»، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنّ تعريفه بالإقرار من جهة اللغة أصدق في الدلالة على معنى الإيمان من غيرها من الألفاظ الأخرى التي فسّر بها الإيمان. وقد نبّه شيخ الإسلام إلى فوارق هامّة لفظًا ومعنى تدفع دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق من جهة اللغة منها: 1 - إنّ الإيمان ليس مرادفًا للتصديق في المعنى فلا يستعمل الإيمان إلاّ فيما يؤتمن فيها المخبر كالأمور الغيبية ونحوها مما يدخلها الريب لكونه مشتقًّا من الأمن، أما المشاهدات المحسوسة فلا تستخدم فيها لفظة: آمن وإنما يقال فيها: صدّق، فإن كلّ مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له: صدقت كما يقال له: كذبت، أمّا لفظ الإيمان فلا يستعمل إلاّ في الخبر عن غائب. 2 - إنّ لفظ «الإيمان» في اللغة لا يقابل بالتكذيب، كلفظ التصديق، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال صدقناه أو كذبناه، ولا يقال لكلّ مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختصّ بالتكذيب. 3 – من جهة التعدّي فإنّ لفظ آمن يختلف عن لفظ صدّق، فإن آمن لا تتعدّى إلاّ بالباء أو اللام –كما تقدّم- فيقال: آمن به وآمن له، ولا يقال: آمنه إلاّ من الأمان الذي هو ضدّ الإخافة، بينما لفظ صدّق فإنه يصحّ تعديته بنفسه فيقال: صدّقه. وعليه، فالإيمان ليس هو مجرّد التصديق فحسب مع خلوّه من طمأنينة وأمن والتزام وانقياد فإن هذا لا يعكس بصدق حقيقة الإيمان، إذ لو أخبر غيره بخبر لا يتضمّن طمأنينة إلى المخبر ولا الثقة به فلا يقال فيه: آمن له، وكذلك إذا تضمّن خبره طاعة المستمع له مع حصول الطمأنينة إلى صدقه، فإنه لا يكون مؤمنًا للخبر إلاّ بالتزام طاعته مع تصديقه، فإن صدّقه دون التزام بطاعته فإن هذا يسمى تصديقًا ولا يسمى إيمانًا. لذلك كان لفظ الإقرار يوافق –من جهة اللغة- الإيمان المشتقّ من الأمن الذي هو الإقرار والطمأنينة وذلك إنما يحصل إذا استقرّ في القلب التصديق والانقياد، أي: متضمّن للالتزام بالمؤمن به سواء كان خبرًا أو إنشاءً، ووجه تضمّن لفظ الإقرار للالتزام من جهتين: الأولى: الإخبار، وهو من هذا الوجه كلفظ التصديق والشهادة ونحوهما، وهذا معنى الإقرار الذي يذكره الفقهاء في كتاب الإقرار. والثانية: إنشاء الالتزام كما في قوله تعالى: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، وليس هو هنا الخبر المجرّد فإنه سبحانه قال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾، فهذا الالتزام للإيمان والنصر للرسول وكذلك لفظ الإيمان فيه إخبار وإنشاء والتزام بخلاف لفظ التصديق المجرّد فإنه يطابق الخبر فقط بينما الإقرار يطابق الخبر والأمر، فكان الإقرار أصدق في الدلالة على معنى الإيمان لتضمّنه قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد. [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمة: 7/290-293، 7/529-534، 7/637-638]. - فالحاصل أنه لا ينبغي أن يتوهّم بأنّ الإيمان في اللغة هو مُطلق التصديق مجرّدًا عن معنى زائد، فمثل هذا التجريد للألفاظ العربية لا يوجد إلاّ في المعاجم والقواميس التي تكتفي بذِكر المعنى المشترك اقتصارًا دون بيان الزيادات واللوازم التي يقتضيها الاستعمال بُغية اختصار المعنى وتسهيل الفهم على القارئ، وإنما الألفاظ في لغة العرب لا توجد إلاّ ضمن كلام مفيد مقيّدة بقيود يقتضيها الاستعمال. ومنه يتبيّن أنّ الإيمان يتضمّن معنى زائد على مجرّد التصديق وهو الإقرار المستلزم لقبول الأخبار والإذعان للأحكام )، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾(٣- جزء من آية 17 من سورة يوسف. فإنّ لفظ الإيمان في الآية يتضمّن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة كما يدلّ عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قال إخوة يوسف لأبيهم: ﴿وَمَا أَنْتَ بِؤُمْنٍ لَنَا﴾ أي: لا تقرُّ بخبرنا ولا تثق به ولا تطمئنّ إليه ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم. [مجموع الفتاوى لابن تيمية: 7/292]. قلت: ويؤيّد هذا المعنى أصلان: الأول: إنّ الأصل في الألفاظ أن تكون متباينة لا مترادفة. الثاني: إنّ التأسيس (وهو اللفظ الذي يفيد معنى لم يُفِدْه اللفظُ السابق له) مُقدَّمٌ على التأكيد (وهو اللفظ الذي يقصد به تقرير وتقوية لفظٍ سابق) ).


مَحَلُّ الإِيمَانِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقُ الجَازِمُ هُوَ القَلْبُ

(٤- تقرّر في الشريعة أنّ محلّ الإيمان والعقل والفقه والزيغ ونحو ذلك هو القلب لقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾ [المجادلة: 22]، ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106]، وكذلك الآيات التي استدلّ بها المصنّف على أنّ محلّ الإيمان في القلب، وإلى هذا المحلّ أضاف الله تعالى العقل والفقه والزيغ، قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: 46]، وقوله تعالى: ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: 87]، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: 5]، كما أنّ النية محلّها القلب باتفاق العلماء على ما نقله عنهم ابن تيمة –رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» [7/262]. هذا، والقلب الذي يعنيه الله تعالى في هذه الآيات إنما محله الصدر وقد جاء التنصيص عليه صراحة في قوله تعالى: ﴿َلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]. فهذا الإيمان المتعلق بالقلب قائم على أصلين: قول القلب وعمله. فأمّا قول القلب فهو: التصديق بالحقّ واعتقاده، فلا بدّ من تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به، فتصديق القلب شرط في اعتقاد بقية الأجزاء وكونها نافعة، ومعنى ذلك أنه إذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء. أما عمل القلب فهو: محبة الحقّ وإرادته مثل الإخلاص والحبّ والخوف والرجاء والتعظيم والانقياد والتوكل وغيرها من أعمال القلوب، فإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فإنّ أهل السُّنَّة مُجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب. [انظر: كتاب الصلاة لابن القيم: 54]. قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» [7/537]: «وفي الجملة فلا بد في الإيمان الذي في القلب من تصديق بالله ورسوله، وحبّ الله رسوله، وإلاّ فمجرّد التصديق مع البغض لله ورسوله، ومعاداة الله ورسوله ليس إيمانًا باتفاق المسلمين». وقال ابن القيم في «مختصر الصواعق المرسلة» [2/420]: «كلّ مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنّوا أنه مجرّد التصديق دون الأعمال، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإنّ كثيرًا من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم غير شاكّين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حبّ ما جاء به والرضا وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضوع فإنه مهمٌّ جدًّا، به تعرف حقيقة الإيمان» )، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾(٥- جزء من آية 14 من سورة الحجرات. قال الزجاج الإسلام: إظهار الخضوع وقبول ما أتى به النبي وبذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن. [فتح القدير للشوكاني: 5/68])، ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾(٦- آية 45 من سورة التوبة).
وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي(٧- هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، مفتي المدينة، أبو سعيد الخدري، وهو مشهور بكنيته، استصغر بأحد، واستشهد أبوه بها، وأول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم اثنتي عشرة غزوة، وكان رضي الله عنه من أفاضل الصحابة ونجباء الأنصار وعلمائهم، حفظ عن النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم سننًا كثيرة، وله في كتب الحديث ألف ومائة وسبعون حديثًًا، توفي أبو سعيد يوم الجمعة سنة 74ﻫ، ودفن بالبقيع. انظر ترجمته في: الاستيعاب لابن عبد البر: 2/44، أسد الغابة لابن الأثير: 2/289، سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/168، دول الإسلام للذهبي: 1/54، البداية والنهاية لابن كثير: 9/3، تهذيب التهذيب لابن حجر: 3/479، الإصابة لابن حجر: 2/32، شذرات الذهب لابن العماد: 1/81، الرياض المستطابة للعامري: 100 ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ(٨- قال ابن حجر في «الفتح» [1/73]: «والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد لقوله في الرواية الأخرى: «أَخْرِجُوا مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَعَمِلَ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً». قلت: ولعلّ هذا المقدار الضئيل من العمل خاصّ بمن وسعه القيام به واقتدر عليه دون بقية شرائع الإسلام التي مَنَع من أدائها مانعٌ فاستحقّ دخول النار لذنوب اقترفها لا يجهل حكمها ثمّ يخرجه الله تعالى منها. وفي الحديث دليل على أنّ الإيمان يتبعض ويتفاضل ويتفاوت بالزيادة والنقصان، فإذا ذهب بعضه فيبقى بعضه وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وسائر أهل السُّنَّة والجماعة خلافًا للمرجئة والمعتزلة وغيرهم فإنّ الإيمان -عندهم- كلٌّ واحد لا يتجزّأ إذا ذهب بعضه ذهب كلّه، وعليه فهو لا يزيد ولا ينقص، وسيأتي كشف زيف هذه الشبهة وبطلانها. [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: 7/562 وما بعدها، 18/270، والأعمال بالنيات لابن تيمية: 38 – 39] ) فَأَخْرِجُوهُ» رَوَاهٌُ مُسْلِمٌ(٩- متفق عليه: أخرجه البخاري في «الإيمان» [1/72] باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، وفي «الرقاق» [11/416] باب صفة الجنة والنار، ومسلم في «الإيمان» [3/35] باب الشفاعة وإخراج الموحّدين من النار من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وتمامه: «فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الحَيَاةِ أَوْ الحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الحَبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً»).

وَيَجِيءُ لَفْظُ الإِيمَانِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ التَّصْدِيقُ الجَازِمُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَالقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِه وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ(١٠- فالإيمان بالقلب هو التصديق والإقرار بكلّ ما أخبر به النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن ربه من غيبيات وغيرها،وتأتي في طليعتها أركان الإيمان الستة التي ذكرها المصنّف واستدلّ لها: - فالإيمان بالله تعالى هو التصديق الجازم الواثق الذي لا يخالطه شكّ أو ريب، ويستقرُّ في القلب استقرارًا لا يزحزحه شيء، والنطق باللسان الذي يواطئ القلب ويوافقه في التصديق، فيقر ويعترف بوحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وتنزيهه سبحانه عن الشريك والنظير والشبيه، والولد والوالد والصاحبة. - والإيمان بالملائكة هو التصديق الجازم والإقرار بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون، خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره، والإيمان بأصنافهم وأعمالهم وبفضلهم ومكانتهم عند الله عزّ وجلّ بحسب ما جاء في الكتاب والسنة. - والإيمان بالكتب الإلهية هو التصديق الجازم والإقرار بأنها حقّ وصدقٌ، وهي كلام الله عزّ وجلّ، أنزله رحمة بعباده لحاجة البشرية إليه، والتصديق الجازم بما سمّى من كتب وهي: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وما لم يسم منها، ذلك لأنّ لله كتبًا لا يعلمها إلاّ هو سبحانه. - والإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بهم وبرسالتهم والإقرار بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا عن الله تعالى، وبلغوا الرسالات، وبينوا للناس ما لا يسع لأحد جهله، وأنهم بعثَهم الله مبشرين ومنذرين لإقامة الحجة على الناس، وآخر الرسل محمّد صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم البشير النذير والسراج المنير الهادي إلى صراط مستقيم، أنزل عليه القرآن، وشرع له أحسن دين وأقومه. - والإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، يبعث الله تعالى الموتى بعد موتهم كما بدأهم أول مرّة بأرواحهم وأبدانهم ذلك يوم الدين، والوعد الحقّ، والفَزَع الأكبر، والراجفة، والقارعة، والواقعة، والطامة، والصاخة، والآزفة، ويوم الحساب، كلها أسماء تدلّ على عظم شأن ذلك اليوم وشدّة هوله، وهو يوم تشخص فيه الأبصار، وتطير القلوب عن أماكنها حتى تبلغ الحناجر، وفيه يحاسبهم الله تعالى على ما عملوا ويجزيهم على أعمالهم، فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، واليوم الآخر مسبوق بعلامات تدلّ على قرب وقوعه، وهي أشراط الساعة، فالإيمان بها واجب وهي من صلب العقيدة. - والإيمان بالقدر خيره وشرّه هو التصديق الجازم بأنّ مقادير الأمور بيد الله سبحانه ومصدرها عن قضائه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يمكن أن يحدث شيء في هذا الكون إلاّ إذا أراده سبحانه وتعالى، وكلّ شيء حادث في هذا الكون من المخلوقات فإنه مخلوق موجود بإذن الله تعالى وقضائه ومشيئته، والقدر على درجات ومراتب يجب الإيمان بها. كما يجب الإيمان بأنّ الله تعالى يهدي من يشاء بفضله، ويضلّ من يشاء بعدله، وكلّ إنسان ميسّر لما خلق له، ولا يكون شيء في الكون بغير قضاء الله تعالى، ولا يستغني أحد عن الله تعالى، وهو سبحانه خالق الناس وأعمالهم، ومقدر السكنات والحركات )، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾(١١- آية 285 من سورة البقرة)، وَلِحَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلْيِه السَّلاَمُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ»



١-الإيمانُ في الاشتقاق اللغوي: مصدرُ آمن يؤمن إيمانًا فهو مؤمن، وأصل آمن: أأمن بهمزتين لُيِّنَت الثانية، وهو من الأمن ضدّ الخوف. [تهذيب اللغة للأزهري: 15/513، الصحاح للجوهري: 5/2071، القاموس المحيط للفيروزآبادي: 1518].
قال الراغب الأصفهاني قي «المفردات» (35): «أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف».
وفي التحقيق إنما يكون معناه التأمين أي: إعطاء الأمان إذا تعدّى بنفسه، فآمنته ضدّ أخفته، قال تعالى: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 5]، ﴿وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ﴾ [التين: 3]، أي: الآمن يعني مكة، وفي الحديث: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبْتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذا ذَهَبَتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ». [رواه مسلم في فضائل الصحابة (16/83) باب أنّ بقاء النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة، من حديث أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه]، والأمنة في الحديث جمع أمين وهو الحافظ، والأمنة والأمان نقيض الخيانة، وفي الحديث: «المُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» [أخرجه أبو داود في الصلاة (1/356) باب ما يجب على المؤذّن، وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصحّحه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند: 1/450، والألباني في «إرواء الغليل»: 1/231]، أي: الذي يثقون فيه ويتخذونه أمينًا حافظًا. والمؤمن من أسماء الله تعالى، قال ابن الأثير في «النهاية» [1/69، 71]: «..وهو الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه، فهو من الأمان ضدّ الخوف».
وقد يتعدّى لفظ الإيمان بالباء أو اللام فيكون معناه التصديق، كما في قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 285]، ولقوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهٌ لٌوطٌ﴾ [العنكبوت: 26]، والإيمان كما يكون بالقلب يكون باللسان كما في قوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 61]، أي: يصدّق الله، ويَصْدُق المؤمنين، ويكون بالجوارح –أيضًا- ومنه قوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» [أخرجه البخاري في «الاستئذان»: (11/25) باب زنا الجوارح دون الفرج، ومسلم في «القدر» (16/205) باب قدّر على ابن آدم حظه من الزنا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

۲-الإيمان في اللغة يدور معناه على التصديق والثقة والطمأنينة والإقرار، واختار المصنّف -رحمه الله- التصديق لِما عليه عامّة أهل اللغة قال ابن منظور في «اللسان» [1/224]: «اتفق أهل العلم من اللغويين وغيرِهم أنّ الإيمان معناه التصديق»، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنّ تعريفه بالإقرار من جهة اللغة أصدق في الدلالة على معنى الإيمان من غيرها من الألفاظ الأخرى التي فسّر بها الإيمان. وقد نبّه شيخ الإسلام إلى فوارق هامّة لفظًا ومعنى تدفع دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق من جهة اللغة منها:
1 - إنّ الإيمان ليس مرادفًا للتصديق في المعنى فلا يستعمل الإيمان إلاّ فيما يؤتمن فيها المخبر كالأمور الغيبية ونحوها مما يدخلها الريب لكونه مشتقًّا من الأمن، أما المشاهدات المحسوسة فلا تستخدم فيها لفظة: آمن وإنما يقال فيها: صدّق، فإن كلّ مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له: صدقت كما يقال له: كذبت، أمّا لفظ الإيمان فلا يستعمل إلاّ في الخبر عن غائب.
2 - إنّ لفظ «الإيمان» في اللغة لا يقابل بالتكذيب، كلفظ التصديق، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال صدقناه أو كذبناه، ولا يقال لكلّ مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختصّ بالتكذيب.
3 – من جهة التعدّي فإنّ لفظ آمن يختلف عن لفظ صدّق، فإن آمن لا تتعدّى إلاّ بالباء أو اللام –كما تقدّم- فيقال: آمن به وآمن له، ولا يقال: آمنه إلاّ من الأمان الذي هو ضدّ الإخافة، بينما لفظ صدّق فإنه يصحّ تعديته بنفسه فيقال: صدّقه.
وعليه، فالإيمان ليس هو مجرّد التصديق فحسب مع خلوّه من طمأنينة وأمن والتزام وانقياد فإن هذا لا يعكس بصدق حقيقة الإيمان، إذ لو أخبر غيره بخبر لا يتضمّن طمأنينة إلى المخبر ولا الثقة به فلا يقال فيه: آمن له، وكذلك إذا تضمّن خبره طاعة المستمع له مع حصول الطمأنينة إلى صدقه، فإنه لا يكون مؤمنًا للخبر إلاّ بالتزام طاعته مع تصديقه، فإن صدّقه دون التزام بطاعته فإن هذا يسمى تصديقًا ولا يسمى إيمانًا.
لذلك كان لفظ الإقرار يوافق –من جهة اللغة- الإيمان المشتقّ من الأمن الذي هو الإقرار والطمأنينة وذلك إنما يحصل إذا استقرّ في القلب التصديق والانقياد، أي: متضمّن للالتزام بالمؤمن به سواء كان خبرًا أو إنشاءً، ووجه تضمّن لفظ الإقرار للالتزام من جهتين:
الأولى: الإخبار، وهو من هذا الوجه كلفظ التصديق والشهادة ونحوهما، وهذا معنى الإقرار الذي يذكره الفقهاء في كتاب الإقرار.
والثانية: إنشاء الالتزام كما في قوله تعالى: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، وليس هو هنا الخبر المجرّد فإنه سبحانه قال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾، فهذا الالتزام للإيمان والنصر للرسول وكذلك لفظ الإيمان فيه إخبار وإنشاء والتزام بخلاف لفظ التصديق المجرّد فإنه يطابق الخبر فقط بينما الإقرار يطابق الخبر والأمر، فكان الإقرار أصدق في الدلالة على معنى الإيمان لتضمّنه قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد. [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمة: 7/290-293، 7/529-534، 7/637-638].
- فالحاصل أنه لا ينبغي أن يتوهّم بأنّ الإيمان في اللغة هو مُطلق التصديق مجرّدًا عن معنى زائد، فمثل هذا التجريد للألفاظ العربية لا يوجد إلاّ في المعاجم والقواميس التي تكتفي بذِكر المعنى المشترك اقتصارًا دون بيان الزيادات واللوازم التي يقتضيها الاستعمال بُغية اختصار المعنى وتسهيل الفهم على القارئ، وإنما الألفاظ في لغة العرب لا توجد إلاّ ضمن كلام مفيد مقيّدة بقيود يقتضيها الاستعمال. ومنه يتبيّن أنّ الإيمان يتضمّن معنى زائد على مجرّد التصديق وهو الإقرار المستلزم لقبول الأخبار والإذعان للأحكام.

٣- جزء من آية 17 من سورة يوسف. فإنّ لفظ الإيمان في الآية يتضمّن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة كما يدلّ عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قال إخوة يوسف لأبيهم: ﴿وَمَا أَنْتَ بِؤُمْنٍ لَنَا﴾ أي: لا تقرُّ بخبرنا ولا تثق به ولا تطمئنّ إليه ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم. [مجموع الفتاوى لابن تيمية: 7/292].
قلت: ويؤيّد هذا المعنى أصلان:
الأول: إنّ الأصل في الألفاظ أن تكون متباينة لا مترادفة.
الثاني: إنّ التأسيس (وهو اللفظ الذي يفيد معنى لم يُفِدْه اللفظُ السابق له) مُقدَّمٌ على التأكيد (وهو اللفظ الذي يقصد به تقرير وتقوية لفظٍ سابق).

٤- تقرّر في الشريعة أنّ محلّ الإيمان والعقل والفقه والزيغ ونحو ذلك هو القلب لقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾ [المجادلة: 22]، ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106]، وكذلك الآيات التي استدلّ بها المصنّف على أنّ محلّ الإيمان في القلب، وإلى هذا المحلّ أضاف الله تعالى العقل والفقه والزيغ، قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: 46]، وقوله تعالى: ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: 87]، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: 5]، كما أنّ النية محلّها القلب باتفاق العلماء على ما نقله عنهم ابن تيمة –رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» [7/262].
هذا، والقلب الذي يعنيه الله تعالى في هذه الآيات إنما محله الصدر وقد جاء التنصيص عليه صراحة في قوله تعالى: ﴿َلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].

فهذا الإيمان المتعلق بالقلب قائم على أصلين: قول القلب وعمله.
فأمّا قول القلب فهو: التصديق بالحقّ واعتقاده، فلا بدّ من تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به، فتصديق القلب شرط في اعتقاد بقية الأجزاء وكونها نافعة، ومعنى ذلك أنه إذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء.

أما عمل القلب فهو: محبة الحقّ وإرادته مثل الإخلاص والحبّ والخوف والرجاء والتعظيم والانقياد والتوكل وغيرها من أعمال القلوب، فإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فإنّ أهل السُّنَّة مُجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب. [انظر: كتاب الصلاة لابن القيم: 54]. قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» [7/537]: «وفي الجملة فلا بد في الإيمان الذي في القلب من تصديق بالله ورسوله، وحبّ الله رسوله، وإلاّ فمجرّد التصديق مع البغض لله ورسوله، ومعاداة الله ورسوله ليس إيمانًا باتفاق المسلمين».

وقال ابن القيم في «مختصر الصواعق المرسلة» [2/420]: «كلّ مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنّوا أنه مجرّد التصديق دون الأعمال، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإنّ كثيرًا من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم غير شاكّين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حبّ ما جاء به والرضا وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضوع فإنه مهمٌّ جدًّا، به تعرف حقيقة الإيمان».


٥- جزء من آية 14 من سورة الحجرات. قال الزجاج الإسلام: إظهار الخضوع وقبول ما أتى به النبي وبذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن. [فتح القدير للشوكاني: 5/68].


٦-آية 45 من سورة التوبة.

٧- هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، مفتي المدينة، أبو سعيد الخدري، وهو مشهور بكنيته، استصغر بأحد، واستشهد أبوه بها، وأول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم اثنتي عشرة غزوة، وكان رضي الله عنه من أفاضل الصحابة ونجباء الأنصار وعلمائهم، حفظ عن النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم سننًا كثيرة، وله في كتب الحديث ألف ومائة وسبعون حديثًًا، توفي أبو سعيد يوم الجمعة سنة 74ﻫ، ودفن بالبقيع.

انظر ترجمته في: الاستيعاب لابن عبد البر: 2/44، أسد الغابة لابن الأثير: 2/289، سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/168، دول الإسلام للذهبي: 1/54، البداية والنهاية لابن كثير: 9/3، تهذيب التهذيب لابن حجر: 3/479، الإصابة لابن حجر: 2/32، شذرات الذهب لابن العماد: 1/81، الرياض المستطابة للعامري: 100.


٨-قال ابن حجر في «الفتح» [1/73]: «والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد لقوله في الرواية الأخرى: «أَخْرِجُوا مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَعَمِلَ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً».
قلت: ولعلّ هذا المقدار الضئيل من العمل خاصّ بمن وسعه القيام به واقتدر عليه دون بقية شرائع الإسلام التي مَنَع من أدائها مانعٌ فاستحقّ دخول النار لذنوب اقترفها لا يجهل حكمها ثمّ يخرجه الله تعالى منها.

وفي الحديث دليل على أنّ الإيمان يتبعض ويتفاضل ويتفاوت بالزيادة والنقصان، فإذا ذهب بعضه فيبقى بعضه وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وسائر أهل السُّنَّة والجماعة خلافًا للمرجئة والمعتزلة وغيرهم فإنّ الإيمان -عندهم- كلٌّ واحد لا يتجزّأ إذا ذهب بعضه ذهب كلّه، وعليه فهو لا يزيد ولا ينقص، وسيأتي كشف زيف هذه الشبهة وبطلانها. [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: 7/562 وما بعدها، 18/270، والأعمال بالنيات لابن تيمية: 38 – 39].


٩- متفق عليه: أخرجه البخاري في «الإيمان» [1/72] باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، وفي «الرقاق» [11/416] باب صفة الجنة والنار، ومسلم في «الإيمان» [3/35] باب الشفاعة وإخراج الموحّدين من النار من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وتمامه: «فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الحَيَاةِ أَوْ الحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الحَبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً».


١٠- فالإيمان بالقلب هو التصديق والإقرار بكلّ ما أخبر به النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن ربه من غيبيات وغيرها،وتأتي في طليعتها أركان الإيمان الستة التي ذكرها المصنّف واستدلّ لها:

- فالإيمان بالله تعالى هو التصديق الجازم الواثق الذي لا يخالطه شكّ أو ريب، ويستقرُّ في القلب استقرارًا لا يزحزحه شيء، والنطق باللسان الذي يواطئ القلب ويوافقه في التصديق، فيقر ويعترف بوحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وتنزيهه سبحانه عن الشريك والنظير والشبيه، والولد والوالد والصاحبة.

- والإيمان بالملائكة هو التصديق الجازم والإقرار بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون، خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره، والإيمان بأصنافهم وأعمالهم وبفضلهم ومكانتهم عند الله عزّ وجلّ بحسب ما جاء في الكتاب والسنة.

- والإيمان بالكتب الإلهية هو التصديق الجازم والإقرار بأنها حقّ وصدقٌ، وهي كلام الله عزّ وجلّ، أنزله رحمة بعباده لحاجة البشرية إليه، والتصديق الجازم بما سمّى من كتب وهي: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وما لم يسم منها، ذلك لأنّ لله كتبًا لا يعلمها إلاّ هو سبحانه.

- والإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بهم وبرسالتهم والإقرار بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا عن الله تعالى، وبلغوا الرسالات، وبينوا للناس ما لا يسع لأحد جهله، وأنهم بعثَهم الله مبشرين ومنذرين لإقامة الحجة على الناس، وآخر الرسل محمّد صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم البشير النذير والسراج المنير الهادي إلى صراط مستقيم، أنزل عليه القرآن، وشرع له أحسن دين وأقومه.

- والإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، يبعث الله تعالى الموتى بعد موتهم كما بدأهم أول مرّة بأرواحهم وأبدانهم ذلك يوم الدين، والوعد الحقّ، والفَزَع الأكبر، والراجفة، والقارعة، والواقعة، والطامة، والصاخة، والآزفة، ويوم الحساب، كلها أسماء تدلّ على عظم شأن ذلك اليوم وشدّة هوله، وهو يوم تشخص فيه الأبصار، وتطير القلوب عن أماكنها حتى تبلغ الحناجر، وفيه يحاسبهم الله تعالى على ما عملوا ويجزيهم على أعمالهم، فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، واليوم الآخر مسبوق بعلامات تدلّ على قرب وقوعه، وهي أشراط الساعة، فالإيمان بها واجب وهي من صلب العقيدة.
- والإيمان بالقدر خيره وشرّه هو التصديق الجازم بأنّ مقادير الأمور بيد الله سبحانه ومصدرها عن قضائه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يمكن أن يحدث شيء في هذا الكون إلاّ إذا أراده سبحانه وتعالى، وكلّ شيء حادث في هذا الكون من المخلوقات فإنه مخلوق موجود بإذن الله تعالى وقضائه ومشيئته، والقدر على درجات ومراتب يجب الإيمان بها.
كما يجب الإيمان بأنّ الله تعالى يهدي من يشاء بفضله، ويضلّ من يشاء بعدله، وكلّ إنسان ميسّر لما خلق له، ولا يكون شيء في الكون بغير قضاء الله تعالى، ولا يستغني أحد عن الله تعالى، وهو سبحانه خالق الناس وأعمالهم، ومقدر السكنات والحركات.

١١- آية 285 من سورة البقرة.

١٢- تقدم تخريجه في التصفيف السادس.




منقول

الجزائر في:
15 جمادى الأولى 1428ﻫ

المـوافق ﻟ: 01 يونيو 2007م
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-26-2011, 06:35 PM
طه أبو البراء طه أبو البراء غير متواجد حالياً
عضو ماسي
 




افتراضي

مَا شااءَ الله
عرض طَيب رائع
جزاكم الله خيرًا
ورحم الله الشيخَ وطيب ثراه
ورفع قدر الشيخ أبا عبِد المعزِّ
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-14-2011, 06:04 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طه أبو البراء مشاهدة المشاركة
مَا شااءَ الله

عرض طَيب رائع
جزاكم الله خيرًا
ورحم الله الشيخَ وطيب ثراه

ورفع قدر الشيخ أبا عبِد المعزِّ
اللَّهم آمين
جزاكم الله خيرًا.
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
معنى, الحميد, الشيخ, الإيمان/, باديس., بيانُ, بن, عبد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 02:40 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.