انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-06-2011, 07:11 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




I15 هام :: [ كتاب العمل الإسلامي بين دواعي الاجتماع ودعاة النزاع ] متجدد.

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياكم الله إخوانى الأحبة وأخواتنا الفضليات
وبارك الله جهدكم وجهادكم
وبعد :ــ

هذا الموضوع إن شاء الله
سننشر فيه كتاب قيم وهام كنا ولا زلنا وسنزال
نحتاج إليه ( ما دام حال العاملين للاسلام كما هو ) في فرقة وشتات !


:::

والكتاب من تأليف
شيخنا الحبيب
( أبي حفص الموريتاني )
ثبته الله
وفك أسره من سجون رافضة طهران المجوس !
آمين

ـــــــ
سيتم نشر الكتاب على حلقات دورية ( يومياً )
إن شاء الله ..

محبكم في الله
أبو دجانة الكناني
غفر الله
له ،،
آمين .
ـــــــــ


تقديم الشيخ أسامة بن لادن
تقبله الله ...
للرسالة القيمة !!


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وبعد..

فإن من أخطر الأمراض وأشد الآفات فتكاً بالمجتمعات والأمم داء الفرقة والاختلاف.

ولذلك فقد حذرنا الله عز وجل منه أشد التحذير، ونهانا عنه أبلغ النهي، وبيّن لنا عواقبه الوخيمة وآثاره السيئة، فقال سبحانه وتعالى:
{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وقال: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}.


ولكن ما يدعوا للدهشة ويصيب بالذهول هو ما يلحظه المسلم اليوم من حجم الخلافات والفرقة بين المسلمين عموماً، وبين العاملين للإسلام بصورة أخص، حتى أصبحت هذه الظاهرة الخطيرة تكاد تكون موضع الإجماع والاتفاق الوحيد بين فصائل العمل الإسلامي المختلفة!!

وقد دفع الشعور بخطورة هذه الظاهرة العديد من الأقلام الإسلامية لتناولها بالدراسة والتحليل من جوانب مختلفة، سواء من حيث تشخيص الأسباب والمظاهر، أو من حيث بيان أدب الخلاف، وطريق الخروج من هذه الأزمة، لكن هذه الجهود المبذولة حتى اليوم لا زالت دون الحد المطلوب لعلاج ظاهرة بهذا الحجم من الخطورة والتعمق.

والرسالة التي نقدم لها اليوم تدخل ضمن هذه الجهود المشكورة التي تسد ثغرة مهمة في هذا المجال.

وقد أوردت الرسالة أهم الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة على وجوب الوحدة والاجتماع، ونبذ الفرقة والنزاع، مبينة آثار وأضرار الخلاف.

ثم استعرضت حال الساحة الإسلامية وما تعيشه من فصام وخصام وفرقة واختلاف، مبينة الأسباب الرئيسية لذلك.

ولم تكتف الرسالة ببيان الأسباب والمظاهر فقط، بل بينت الدواء المتمثل في الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة في الحكم على الناس والآراء، وهو النهج القائم على العلم والعدل والإنصاف.

وقد لخصت الرسالة هذا النهج من خلال مجموعة من الضوابط الشرعية التي يجب أن تحكم العلاقة بين المسلمين والعاملين للإسلام، حتى يحافظوا على أخوتهم الإسلامية، وإن تعددت وجهات نظرهم العملية واجتهاداتهم العلمية.

وفوق ذلك وضعت الرسالة المعالم العامة التي تمثل مدخلا لا بد منه لوحدة العمل الإسلامي.

غير أن أهمية الرسالة لا تكمن في محتواها فقط، وإنما تكمن أيضاً في مصدرها، فالرسالة صادرة من عمق التيار الجهادي داخل الصحوة الإسلامية المباركة، وهي تعبير عن رأي قطاع عريض من هذا التيار الذي كان - ولا زال - يوصف بأنه من أشد التيارات الإسلامية اعتداداً برأيه في المسائل الخلافية.

فإذا كان الشعور بخطورة الفُرقة والخلاف، وضرورة الوحدة والائتلاف قد دفع بهذا الطرف المهم في القضية إلى طرحها في هذا الإطار الجامع الموحد، فلأن يدفع بقية الأطراف إلى التعامل الإيجابي مع هذا الطرح من باب أولى.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

أسامة بن محمد بن لادن

التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-06-2011, 10:12 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

مقدمة الشيخ الموريتاني لرسالته


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

أما بعد:

فإنه لم يعد خافياً على العدو ولا الصديق ما وصلت إليه الأمة الإسلامية اليوم، من درك التخلف الذي هوت إليه، ومستنقع الذل الذي ترقد فيه، وما غشي بصيرتها من العمى، وأصاب خط سيرها من الانحراف، واعتراها في طريقها من التيه والضياع، وما وصلت إليه من التردي والانحطاط في مختلف المجالات والأصعدة.

لقد أبُعد الوحي السماوي عن وظيفته في كثير من مجالات حياة هذه الأمة، فلم يعد هو مصدر العقيدة والتشريع، ولا مرجع السلوك والآداب، ولا ملهم التفكير والإبداع المهيمن على جميع مجالات الحياة.

ونتيجة لذلك أصاب الانحراف الأمة في صميم حياتها، فالعقيدة أفقدت صفاءها ونقاءها، وقوتها وتأثيرها، فلم تعد تثمر في قلوب كثير من المسلمين اليوم قوة الإيمان ولا صدق التوكل واليقين، بل أصبحت عند كثير من هؤلاء عبارات باردة لا تثمر يقيناً ولا تدفع إلى عمل.

وأصاب الانحراف كذلك العبادة ومفهومها ومعناها، ومدلولها ومغزاها، فلم تعد العبادة هي كل ما كان طاعة لله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، التي يدخل فيها - بداهة - القيام بالفروض الكفائية والمصالح العامة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله، والصدع بالحق والجهر به، ومحاربة الباطل وأهله، لم تعد العبادة كذلك في أذهان كثير من الناس، نبل أصابها التشوه، فتقلص مدلولها، وانكمش معناها، فأصبحت لا تدل عند هؤلاء على أكثر من حركات شكلية تُمارس في نطاق ضيق، دون استشعار لمعناها، ودون أن يكون لها أي أثر في الحياة.

وشاعت في الأمة أمهات المنكرات الدائرة بين الكفر الصراح ومغلظات المعاصي، فحَّكمت القوانين الوضعية في الدماء والأموال والأعراض، وعطَّلت الأحكام الشرعية الإلهية!!

وأُصيبت الأمة بمسخٍ فكريٍ أصابها في الصميم، فأصبح الحكم بالقوانين الوضعية في أذهان كثير من أبنائها حاجة وضرورة يُمليها منطق وواجب الاستفادة من تجارب الآخرين في مجال التشريع وتنظيم الحياة!!

وأصبحت موالاة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من مقتضيات الحنكة السياسية، واللباقة الدبلوماسية!! وصار تعطيل الجهاد وشرائعه وتجريم الداعين إليه والمنادين به نوعاً من حسن السيرة والسلوك لا بد من إظهاره للتعبير عن صدق النية في الالتزام بالقوانين الدولية المتحضرة التي تدعو للعمل على توثيق وتطوير علاقات حسن الجوار وإقرار السلام بين الدول!!

وفي الجانب الاقتصادي؛ أصبح اقتصاد الأمة قائماً على النظام الربوي الذي يروج له ويتحكم فيه اليهود في العالم، ويعملون من خلاله على نهب وسلب ثروات المسلمين ووضعها تحت أيدي أعدائهم.

وفي مجال التعليم؛ قامت المؤسسات التعليمية الحديثة في العالم الإسلامي - من خلال برامج التربية الوطنية - بتحقيق ما عجز الاستعمار عن تحقيقه من سلخ لأجيال المسلمين من عقيدتهم ودينهم، وزرع لروح الهزيمة في نفوسهم، وروح التعلق بحضارة الغرب والإعجاب بها في عقولهم، وبث الفكر القومي الضيق الذي يربط الفرد بجنسه ووطنه المحدود، بدلاً من ربطه بعقيدته ودينه وأمته.

وعلى المستوى الاجتماعي؛ شاعت الرذيلة وغابت الفضيلة وخربت البيوت وتمزقت الأسر، وكان من أعظم أسباب ذلك الحرب الإعلامية الشرسة التي يخوضها أعداؤنا ضدنا من خلال الإذاعات والتليفزيون والسينما والفيديو والصحافة وغيرها من وسائل الإعلام التي هدفها مسخ عقيدتنا وهدم أخلاقنا وتفكيك مجتمعنا.

أما على المستوى السياسي؛ فإن حجم المصيبة يفوق الوصف ويتجاوز الخيال، فقد ابتُليت الأمة بزمرة من الحكام والطواغيت الذين صاغهم الاستعمار، واصطنعهم لنفسه، لتحقيق أهدافه، وتنفيذ مخططاته، التي عجز عن تحقيقها بصورة مباشرة، فصاروا يحكمون الأمة بالقوانين الكفرية، ويوالون أعداء الله، ويحاربون أولياءه، من الدعاة إلى الله والعلماء، ويسومون الشعوب المسلمة سوء العذاب، ويستأثرون بثروات الأمة، ويصرفونها على شهواتهم الشخصية ونزواتهم الذاتية، دون رقابة من شرع، أو مساءلة من قانون، أو محاسبة من عقل، في هيام بالسلطة وغرام بالحكم واستبداد بالأمور.

وكان من نتائج هذا الوضع أن فقدت الأمة مكانتها التي أراد الله لها أن تحتلها خير أمة أ خرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لها السيادة والريادة، فهانت على أعدائها الذين استباحوا حرماتها، فسلبوا أرضها، وهتكوا عرضها، واحتلوا مقدساتها، ونهبوا خيراتها وثرواتها، بعد أن قضوا على خلافة المسلمين بزرع الفرقة والخلاف بينهم مُحققين شعارهم المعروف "فرق تسد" فتفرقت الأمة الواحدة إلى أمم مختلفة ودول شتى وأوطان متعددة، لكل منها حاكم وأمير وعلم وسرير، فصدق عليهم وصف الشاعر:

وتفرقوا شيعاً فكل مدينة :: فيها أمير المؤمنين ومنبر!!

وكان ذلك ثمرة لما أصاب الأمة من الخلافات والشقاقات، ولقد صدق القائل في قوله:

فالخلافات بالخلافة أودت :: واقتسمنا وسادنا الدخلاء

هذه الحال المأساوية للأمة الإسلامية يلقي واجب العمل على الخروج منها بمسؤليات كثيرة على المسلمين عموماً، وعلى من اختارهم الله ووفقهم للعمل للإسلام خصوصاً، للخروج بالأمة منها.

وقد تحركت للقيام بهذه الواجبات والمسؤوليات عناصر وجماعات عديدة، وبذلت جهود مشكورة ومساعٍ حميدة، وإن كانت لا زالت دون المستوى المطلوب بكثير.

ولكن تلك الجهود والمساعي حالت الخلافات الداخلية بين المسلمين دون أن تؤتي أكلها وتحقق المرجو منها.

ولذلك، ولأن نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة متضافرة متواترة على وجوب وضرورة الوحدة والائتلاف بين المسلمين، وحرمة وخطورة الفرقة والاختلاف بينهم.

ولأن مما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخولاً أولياً الأمر بالاجتماع والائتلاف والنهي عن النزاع والاختلاف بين المسلمين، والعاملين منهم للإسلام خاصة، كان لا بد من الوقوف عند هذا الموضوع بشيء من البيان وقدر من التفصيل حتى يأخذ حظه من البحث والعناية " لتتضح في الأذهان والعقول أهميته والطريق إليه، تمهيداً لأن يأخذ بُعده الحقيقي في الواقع العملي في الساحة الإسلامية.

وقد رأينا عند تناولنا لهذا الموضوع أن نبين في الفصل الأول الأدلة النقلية والعقلية في حكمه وأهميته، وأن نبين في الفصل الثاني واقع الساحة الإسلامية وما تعيشه من أسباب ومظاهر الفرقة والخصام، والفتنة والفصام، على أن نبين في الفصل الثالث معالم المنهج الصحيح الذي يجنبنا الأخذ به ما نحن فيه من فرقة وخلاف، وفي الفصل الرابع سنضع المعالم العامة للإطار الجامع الذي نرى أنه من خلاله يتم تحقيق الخطوات الأولية من التعاون والتنسيق والتناصر والتآزر بين مختلف العاملين للإسلام من الأفراد والجماعات تمهيداً للوحدة الكبرى المنشودة بإذن الله تعالى.

وفيما يلي سنتناول هذه النقاط بالترتيب، وفي اختصار نرجو أن لا يكون مخلاً...
التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-08-2011, 03:20 AM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

الفصل الأول :ــ

الأدلة في الموضوع


على الرغم من أن نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة من السلف والخلف كلها متضافرة متواترة في الدلالة على وجوب وحدة المسلمين وحرمة فرقتهم، إلا أن الغياب المذهل لهذا الموضوع من الواقع العملي للمسلمين يدفعنا إلى إعادة الطرق على أدلته من جديد، فمن المؤسف والمحزن أن الخلاف والفرقة بين المسلمين لم تعد شيئاً موروثاً من التركة السلبية الثقيلة التي ورثها المسلمون من العصور الماضية، وعهود الاحتلال المباشر، بل إن هذه الخلافات أصبحت تؤصل وتعمق في واقع الصحوة الإسلامية من قبل بعض العاملين للإسلام، الذين يربون الأجيال على هذه الخلافات، ويرسخون في أذهانهم بصورة عملية أن العمل بمقتضاها داخل في أصول الولاء والبراء، حتى أننا لطول ما ألفنا هذه الخلافات التي ولدنا ونشأنا فيها تبلد إحساسنا تجاهها، بل أصبح المعروف الذي هو الاجتماع والائتلاف منكراً، وأصبح المنكر الذي هو الفرقة والخلاف معروفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

إن المسلم ليصاب بالدهشة والحيرة أمام هذه الحال وهو يطالع ذلك الحشد الهائل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال علماء الأمة، فضلاً عن الأدلة العقلية والواقعية التي تتضافر وتتآزر في الدلالة على هذا الموضوع.

يقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}، فهذه الآية يبين الله تبارك وتعالى فيها أن العمل على الوحدة بين المسلمين فريضة شرعية عظيمة، وأن تحقق تلك الوحدة نعمة إلهية كبيرة، وأن الفرقة معصية كبرى ونقمة جلى.

روى ابن جرير الطبري رحمه الله عند تفسير هذه الآية بسنده عن قتادة أنه قال: (إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة وقدم إليكم فيها، وحذركموها ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم).

وروى بسنده عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة).

ويقول ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ( وقوله تعالى: {ولا تفرقوا} أمرهم بالجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة في النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع).

ويقول القرطبي رحمه الله عند تفسير الآية السابقة: (فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة، ورحم الله ابن المبارك حيث يقول:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا).

وقال عند تفسير قوله تعالى {ولا تفرقوا}: (... ولا تفرقوا متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا عباد الله إخوانا، فيكون ذلك منعا لهم من التقاطع والتدابر).

ونُقِلَ عن ابن عباس أنه قال لسماك الحنفي: (يا حنفي، الجماعة الجماعة، فإنما هلكت الأمة الخالية لتفرقها، أما سمعت الله يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}).

ويقول عز وجل: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبؤهم بما كانوا يفعلون}، فقد ذم الله تبارك وتعالى المفرقين لدينهم المتفرقين فيه ممن كانوا شيعاً وأحزاباً وطوائف متفرقة على غير هدى من الله تبارك وتعالى، وبرأ رسوله صلى الله عليه وسلم منهم.

وحذرنا سبحانه وتعالى من أن نكون من هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون بقوله تعالى: {... ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون}.

وفضلاً عن كون التفرق والاختلاف معصية لله تبارك وتعالى، فإنه سبب للخذلان والهزيمة والفشل، فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أن سبب هزيمة المسلمين يوم أحد هو ما كان من المعصية والتنازع بين بعض المسلمين قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضلٍ على المؤمنين}.

وليس هذا خاصاً بالمسلمين في أحد، بل إن النزاع والخلاف مدعاة للفشل وذهاب الريح في كل زمان ومكان كما أخبر تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا الموضوع قوله صلى الله عليه وسلم محذراً هذه الأمة من الخلاف الذي أهلك الله بسببه الأمم السابقة: (إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة).

والجماعة التي يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر بالتزامها، لها عدة معانٍ تدور حول الحق وأهله المجتمعين عليه.

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...).

ومن أقوال علماء الأمة في موضوع الاجتماع وأهميته والتفرق وخطورته، ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قائلاً: (إن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين تأليفَ القلوب واجتماعَ الكلمة وصلاحَ ذات البين، فإن الله يقول {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} ويقول {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...} وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة).

ويقول أيضا ً: (من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر بالائتلاف والاجتماع والنهي عن الاختلاف والفرقة).

ويقول أيضاً في أسباب الفرقة وأسباب الاجتماع ونتائج كل منهما: (إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله... وسبب الفرقة ترك حظ مما أُمر العبد به والبغي بينهم).

(ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه... ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم).

ويقول أيضاً في نفس الموضوع: (فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب).

ومع أن الخلاف كله شر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ، إلا أن الخلاف الذي يحصل من العلماء والكبراء أكبر خطراً، وأعظم أثراً من أي خلاف يقع من بقية فئات الأمة.

يقول ابن تيمية رحمه الله مبيناً الأثر الخطير لهذا النوع من الخلاف: (وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشائخها وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله).

تلك كانت بعضٌ من النصوص والنقول التي تتضافر في الدلالة النقلية والعقلية على وجوب الوحدة والائتلاف بين المسلمين، وحرمة التفرق والاختلاف بينهم، وتؤكد أن الوحدة سبيلُ القوة والنصر والتمكين، وأن الفرقة سبيلُ الفشل وذهاب الريح في الدنيا، والعذاب والخزي يوم القيامة.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا هو: أين المسلمون اليوم من مقتضيات هذه الأدلة؟

والإجابة على هذا السؤال هي موضوع الفصل التالي...
التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-09-2011, 02:04 AM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

الفصل الثاني:ــ

واقع الساحة الإسلامية وما تعيشه من خلافات


إن المطلَّع على واقع الساحة الإسلامية اليوم يدرك للأسف الشديد أنه رغم كل الأدلة وجميع البراهين النقلية والعقلية التي تؤكد أن الوحدة بين المسلمين فريضة شرعية وضرورة واقعية.

ورغم اتحاد الأعداء والخصوم الداخليين والخارجيين ضد الإسلام والعاملين له.

ورغم ما يعانيه الإسلام وأهله على أيدي أعدائه من الحركات العلمانية والحكومات الطاغوتية والأمم الكافرة.

ورغم المصائب التي تعاني منها الأمة وفي مقدمتها تدنيس واحتلال مقدساتها في بلاد الحرمين وفلسطين وغيرها وما تتعرض له الأمة من انتهاك العرض، واحتلال الارض، على أيدي التحالف اليهودي الصليبي العالمي.

ورغم الدروس والعبر التي يحفل بها تاريخ المسلمين، والتي تؤكد أن أعداءهم القدماء والجدد لم يظفروا منهم بما ظفروا به إلا بتفرق المسلمين واختلافهم، ولم ينتصر عليهم المسلمون إلا بتوحد كلمتهم واجتماعهم تحت راية التوحيد.

رغم كل هذا وذاك لا يزال المسلمون غارقين في خلافات محتدمة وخصومات مشتعلة حول مسائل وقضايا وأمور لا تعتبر من أصول الدين وكلياته ولا من مواطن الإجماع التي لا يجوز فيها النزاع، بل كثير منها من المسائل التي ليس لها تأثير لا في حاضرٍ ولا مستقبل.

ومن مظاهر وأسباب هذا الخلاف في نفس الوقت تراشقٌ مستمرٌ بالتهم، دون بينة من شرع، أو دليل من عقلٍ، أو أثارة من علم، وتعصب مقيت للآراء والشعارات، والأشخاص والجماعات، والأقوام والأوطان، وتحكيمٌ للهوى ومصادرة لأي رأيٍ مخالف.

وفي هذا الجو انبرت مجموعات وأفراد ممن يظهرون أنهم يحسنون صنعاً - وهم يسيئون عن قصد أو غير قصد - إلى العمل على تفريق الصف المسلم وتشتيت جمعه وإشعال نار الفتنة والخلافات فيه، لا يتورعون عن انتهاك أعراض إخوانهم، واستباحة حرماتهم، وإيغار صدور المسلمين عليهم، مستدلين بأدلة ناقصة، ونصوص مبتورة ومفصولة من الأدلة الأخرى في الموضوع، ومستغلين أحياناً عبارات مجملة صادرة عن هؤلاء، محتملة لمحامل حسنة هي اللائقة بحالهم، ومحتملة لغيرها، فيحملونها على المحامل السيئة، مخالفين منهج علماء أهل السنة والجماعة في هذا المقام هذا المنهج الذي يقضي بحمل الكلام المحتمل لأكثر من وجه، على الوجه اللائق بحال قائله.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما اعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويناظر عنه).

كل هذا في وقتٍ سَلِمَ من ألسنة هؤلاء وأيديهم كل أصناف الأعداء من المشركين والملحدين والطواغيت وغيرهم، بل إن الألسنة التي كثيراً ما تمتد بالسوء إلى الدعاة والعلماء وطلبة العلم الذين رفعوا رؤوسهم بالحق شامخة في وقت انحنت فيه رؤوس المترخصين لعاصفة الباطل، وبِيعَتْ أمانة بيان الحق والصدع به في سوق الترغيب والترهيب، كثيراً ما تكون الألسنة التي تمتد إلى هؤلاء بالسوء هي نفسها التي تُثني على تصرفات أعداء الإسلام والمسلمين من الطواغيت وغيرهم ممن بارزوا الله بالحرب، وكاشفوه بالعداء، وحاربوا أولياءه، ووالوا أعداءه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

ونحن عند التأمل في الأسباب الرئيسية لهذا الوضع الذي تعيشه ساحة العمل الإسلامي من التفرقِ والتمزق، فإننا نجد أغلبها يرجع إلى سببين رئيسيين:

الأول: ما يقوم به أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم طواغيت الحكام ومن حولهم من علماء السوء - من جهود في تفريق كلمة العاملين للإسلام، والعمل على تضييع الجهود وتبديد الطاقات الإسلامية، واسكات وسجن علماء الحق، وقد سخروا لذلك إمكانيات وطاقات بشرية ومادية وإعلامية ضخمة، منفذين بذلك الخطط الشيطانية في التحريش بين المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)، والتحريش هو الإفساد وتغيير قلوب المسلمين على بعضهم، والعمل على تقاطعهم وتدابرهم.

وقد نجح هؤلاء للأسف الشديد في استقطاب بعض الشخصيات التي لها بعض الأتباع من حيث تشعر أو لا تشعر.

الثاني: غياب منهج أهل السنة والجماعة وضوابطه التي تحكم علاقات المسلمين فيما بينهم، وتضبط المواقف من جميع فصائل العمل للإسلام المختلفة، واجتهاداتها وآرائها، والمواقف منها، بضوابط الشرع وتحكم عليها بالعلم والعدل والإنصاف.

وبما أن حديثنا الآن موجه بالأساس إلى أبناء الأمة الإسلامية من الصادقين والمخلصين الحريصين على مستقبل دينهم ودعوتهم وأمتهم، فإننا سنقتصر هنا على معالجة السبب الثاني، ونؤجل السبب الأول إلى حديث آخر عندما نتحدث عن المواجهة بين الإسلام وأعدائه الداخليين والخارجيين، ولا نرى بأساً في هذا التأجيل، خاصة أن ما يقوم به هؤلاء من إثارة للفتنة والخلافات بين المسلمين أصبح مكشوفاً بفضل الله عند كثير من أبناء الصحوة الإسلامية
التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-09-2011, 08:39 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي


الفصل الثالث:ــ

ضوابط المنهج المطلوب


هذا المنهج أساسه وقوامه العلم والعدل والقسط وذلك امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى:
{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}، فالمتحدث في مثل ما يصدر من المسلمين من أخطاء، ويقع بينهم من خلافات واجتهادات، وما يتعلق بأمور الدين، والحكم في ذلك، وتحديد الموقف الشرعي منه، وتقدير درجة الخطأ فيه، وما يترتب على ذلك، لا بد أن يكون متصفاً بالعلم والعدل والإنصاف بعيداً عن الجهل والظلم والبغي، لأنه في هذا المقام يكون بمنزلة القاضي في هذه الأمور الخطيرة الكبيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، رجلٌ علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجلٌ علمَ الحق فقضى بغيره فهو في النار، ورجلٌ قضى للناس على جهل فهو في النار).

يقول ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذا الحديث:
(فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض إذا لم يكن عالماً عادلاً كان في النار، فكيف بمن يحكم في الملل والأديان، وأصول الإيمان، والمعارف الإلهية والمعالم الكلية بلا علمٍ ولا عدل).

ومع ذلك فإننا نجدُ كثيراً من العاملين للإسلام من أيسر الأمور عليهم الحكم على الناس بالضلال والانحراف، أو الهدى والعصمة، دون بينة من علم أو عدل.

يقول ابن القيم رحمه الله مبيناً صفات من يحق له الكلام في هذا المقام:
(وعلى المتكلم في هذا الباب وغيره أن يكون مصدر كلامه عن العلم بالحق، وغايته النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولإخوانه المسلمين، وإن جعل الحق تبعاً للهوى فسد القلب والعمل والحال والطريق، قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنّ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جُئت به).

وهذا المنهج الذي أساسه العلم والعدل والإنصاف، والذي هو منهج أهل السنة والجماعة يقابله منهج أهل الأهواء والبدع والتفرق الذي يقوم على نقيض ذلك من الجهل والظلم والتعصب.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هؤلاء إن همهم:
(أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نُسِبَ إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيئ القصد ليس له علمٌ ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله... ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس).

وكأن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يصف بكلامه هذا حال العديد ممن ينتسبون إلى العمل الإسلامي اليوم، وليس لهم ميزان لمعرفة الحق إلا الهوى والظن والجهل، وليس عندهم من وسائل الإقناع إلا التعصب الأعمى والبغي المقيت، ويشارك أهلَ الأهواء والبدع في هذا المنهج من فتنوا بالسلاطين وما عندهم من مال، وما لديهم من نفوذٍ وجاه.

يقول الإمام الشاطبي بعد أن بين منهج أهل الأهواء والبدع: (ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ما عندهم أو طلبا للرئاسة).

وكأن الشاطبي رحمه الله أيضا يشير بكلامه هذا إلى ما ابتليت به الأمة الإسلامية من علماء السوء والبلاط، حواشي السلاطين والطغاة، الذين ليس لهم هم إلا تفصيل الفتاوى " الشرعية!! " على مقاسات أهواء الطواغيت فأصاب الدين والأمة نتيجة هذا الحلف البغيض بين علماء السوء وحكامه ما أصابهم، ورحم الله ابن المبارك حيث يقول:

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها

ونظراً لما لمنهج أهل السنة والجماعة الذي هو منهج الحق والإنصاف من دورٍ في القضاء على أسباب الفرقة والخلاف والعمل على تحقيق الاجتماع والائتلاف، فلا بد من بيان أهم الضوابط التي تمثل مجتمعة معالم هذا المنهج.

وفيما يلي ذكرٌ لأهم هذه الضوابط...

الضابط الأول: الحق يُعرف بنفسه لا بالرجال:

يعتبر كثيرٌ من الخلافات والنزاعات التي تعج بها الساحة الإسلامية راجعاً إلى التعصب لحزب معين أو جماعة بذاتها أو شخصٍ بنفسه تعصباً أعمى دون بينة من علم أو معرفة بما يجب من اتباع الحق إذا تبين وجعله فوق الجميع، وأن الحق أحق أن يتبع وأنه يُعرف بنفسه لا بمن يحمله.

والأضرار التي تترتب على التقليد الأعمى والتعصب المقيت تنبه إليها سلفنا الصالح رضي الله عنهم مبكراً فحذروا منها ونفروا.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه : (ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا قدوة في الشر).

ويقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله: (لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت).

ويقول الإمام مالك رحمه الله: (إنما أنا بشرٌ أخطيء وأُصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).

ويقول الإمام أحمد رحمه الله: (لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا).

ورضي الله عن الإمام علي بن أبي طالب حيث يقول:
(لا تعرف الحق بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف أهله).

إننا إذا عملنا بمقتضى هذه القاعدة زالت كثيرٌ من أسباب الفرقة والخصام بيننا، وعرفنا فعلاً أن انتماءنا الحقيقي هو للحق الذي فوق الجميع دون تعصب أعمى لطائفة أو مذهب أو شخص، بل نوافق كل شخص وطائفة على ما معهم من الحق، ونخالفهم فيما عندهم من الباطل.

وما أروع ما سطره الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله:
(عادتنا في مسائل الدين كلها دقها وجلها أن نقول بموجبها ولا نضرب بعضها ببعض ولا نتعصب لطائفة على طائفة بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق ونخالفها فيما معها من خلاف الحق، لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة).

والسبب فيما قاله ابن القيم رحمه الله هو أنه لا توجد طائفة تحتكر جميع الحق وتخلو من جميع الباطل، بل إن كل طائفة من هذه الطوائف معها حقٌ وباطلٌ وتتفاوت في ذلك.

يقول ابن القيم رحمه الله:
(فإن كل طائفة معها حقٌ وباطل وتتفاوت في ذلك، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق ورد ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له بهذا الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسّر عليه فهم الأسباب). ويقول ابن تيمية رحمه الله في شأن من يوالي طائفته أو زعيمه ولاءاً مطلقاً في الحق والباطل، ومبيناً حكمه: (من مال مع صاحبه - سواء كان الحق له أو عليه - فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج من حكم لله ورسوله).

ويقول رحمه الله مبيناً المنهج الصواب في هذا الموضوع:
(والصواب أن يحمد من حال كل قوم ما حمده الله ورسوله، كما جاء به الكتاب والسنة، ويذم من حال كل قوم ما ذمه الله ورسوله كما جاء به الكتاب والسنة).

فأين هذا المنطق والإنصاف والعدل من الغارات التي يشنها بعض الناس على إخوانهم العاملين للإسلام بسبب التعصب والتحزب، إحياء لمذهب الجاهلية الاولى التي يقول لسان أصحابها {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}.

هذه الجاهلية التي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن مبتغي سنتها:
(أبغض الناس إلى الله ثلاثة، ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه).

ويقول بشأن من دعا إلى عصبيتها: (ليس منا من دعا إلى عصبية).

هذه العصبية الجاهلية في هذه الأمة، هي مما اتبعت فيه أهل الكتاب قبلها الذين قال الله عنهم:
{وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله، قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم}.

يقول ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية: (فوصف اليهود بأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءهم من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له، وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة في العلم أو الدين، أو إلى رئيس معظم عندهم، فإنهم لا يقبلون من الدين لا فقها ولا رواية إلا ما جاءت به طائفتهم).

وقد رأينا بعضاً من الطوائف الإسلامية اليوم من هذه حاله ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

وهذا مصداقٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟).

ورحم الله ابن تيمية حيث يقول بعد أن فَنَدَ دعاوى المتعصبين الذين يمتحنون الناس بالولاءات العصبية والمذهبية:
(فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تتفرق وتختلف حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي أخرى بالظن والهوى... فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين واستحلوا دماء من خالفهم، أما أهل السنة فهم معتصمون بحبل الله).

ولا يعني ذم التعصب للجماعات والمذاهب والأشخاص عدمَ شرعية الانتماء إليها والانتساب، بالضوابط الشرعية للتعاون على البر والتقوى، فهنالك فرقٌ بين الانتساب المشروع والتعصب الممنوع.

ومع وضوح هذا المنهج فإن مما يدعو للعجب غيابه المذهل من واقعنا حيث نرى بعضاً من الجماعات والأفراد يدعي كلٍ لنفسه أنه هو وحده الذي على الصواب والحق، ومن سواه على خطأ وباطل!! ويربي أتباعه على هذا المنهج المعوج الذي تفرقت به الساحة الإسلامية إلى شيعٍ وطوائف، توالي وتعادي بالظن والهوى، شأن أهل الأهواء والبدع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الضابط الثاني: لا عصمة لغير الأنبياء:

الخلافات الموجودة بين العاملين للإسلام يرجع بعض أسبابها إلى أخطاء بعض هؤلاء وموقف البعض الآخر من تلك الأخطاء، حيث توجد مجموعات وأفراد من أولوية اهتماماتها تصيد الأخطاء ورصدها وجمعها وتقديمها شاهد إدانة ضد من صدرت منهم، عاملة بذلك على هدم مكانتهم ومنزلتهم في قلوب المسلمين، بتوجيه مباشر أو غير مباشر من أعداء الأمة الداخليين والخارجيين.

وتخفيفاً من حدة هذا العامل فإن من المهم أن نبين أن الخطأ صفة ملازمة للبشر لا ينجو منها إلا الأنبياء المسددون بالوحي وكلُ من سواهم لا بد أن تقع منهم أخطاء وزلات.

يقول صلى الله عليه وسلم: (كلُ ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

وهذا العموم الذي عبر عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ "كل" يدخل فيه كلُ البشر غير المعصومين بمن فيهم الصحابة والتابعون والصديقون والشهداء والصالحون، فكلُ هؤلاء غير معصومين لا من الذنوب ولا من الخطأ سواءً في المسائل الخبرية القولية، أو المسائل العملية.

وستأتي معنا أمثلة لبعض ذلك، والمقصود هنا هو بيانُ أن الخطأ لا ينجو منه غير المعصوم.

الضابط الثالث: لا تلازم بين الخطأ والإثم:

كثيرٌ من الجماعات والأفراد يغيب عن أذهانهم الفرق بين حصول الخطأ وترتب الإثم عليه، فيؤثمون كلَّ من صدر منه خطاٌ مخالفٌ للصواب، وشيوع هذا الفهم ساعد على زيادة الخلافات والنفرة بين المسلمين.

والحق أن الإثم محطوط عن المجتهد إذا ما استفرغ وسعه في طلب الحق ولو لم يوفق إليه،
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله أجر).

وهدي الصحابة رضوان الله عليهم وموقفهم من اجتهادات بعضهم يشهد لذلك.

يقول الآمدي رحمه الله في كتابه " إحكام الأحكام ": (وحجة أهل الحق في ذلك "عدم تأثيم المجتهد المخطئ" ما نُقِلَ نقلاً متواتراً لا يدخله ريبة ولا شك، وعُلِمَ علماً ضرورياً من اختلاف الصحابة فيما بينهم في المسائل، مع استمرارهم على الاختلاف إلى انقراض عصرهم، ولم يصدر منهم نكيرٌ ولا تأثيمٌ لأحدٍ، لا على سبيل الإبهام ولا التعيين، مع علمنا أنه لو خالف أحدٌ في وجوب العبادات الخمس وتحريم الزنا والقتل لبادروا إلى تخطئته وتأثيمه).

ويقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله مبيناً بعضَ ما يُعذَرُ به المجتهد المخطئ: (والقول قد يكون مخالفاً للنص وقائله معذور، فإن المخالفة بتأويلٍ لم يسلم منها أحدٌ من أهل العلم، وذلك التأويل وإن كان فاسداً فصاحبه مغفورٌ له لحصوله عن اجتهاده).

ويقول ابن تيمية رحمه الله: (إن كثيراً من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وفي الصحيح أن الله قال قد فعلت).

ويقول رحمه الله في شأن المجتهدين من الصديقين والشهداء والصالحين: (وأما ما اجتهدوا فيه فتارةً يصيبون وتارةً يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم وخطؤهم مغفورٌ لهم. وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارة يغلون فيهم ويقولون إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون إنهم باغون بالخطإ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون، ومن هذا الباب تولد كثيرً من فرق أهل البدع والضلال).

ويقول أيضاً: (ومن جعل كل مجتهد في طاعة اخطأ في بعض الأمور مذموما معيباً ممقوتاً، فهو مخطىء ضال مبتدع).

ويقول في بيان أعذار بعض من خالف معتقد أهل السنة والجماعة بعد أن بين هذا المعتقد رحمه الله: (وليس كلُ من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك، فهذا أولى).

هذه مواقف علماء الأمة من أخطاء المخطئين في مسائل مهمة يلتمسون الأعذار للمخطئين ويبينونها، فكيف لا يسعنا نحن اليوم أن نتغافر ونلتمس الأعذار لبعضنا في مسائل فرعية واجتهادية أقل شأناً بكثيرٍ من تلك المسائل؟!

خاصة أننا في وقت طغى فيه الكفر الأكبر، وبغى العدو الأخطر، الأمر الذي يستدعي تبريد حرارة الخلافات المحتملة بيننا، وتوحيد الجهود والكلمة.

الضابط الرابع: لا قدوة في الخطإ ولو كان صاحبه معذورا:

هذا الضابط يعتبر بمثابة تقييد للضابط السابق، لأنه قد يظن بعض الناس أن المجتهد إذا كان مغفوراً له خطؤه جاز اتباعه في ذلك الخطإ، وهذا خطأ، فاجتهاد المجتهد إذا تبينت مخالفته للصواب تعين طرحه والأخذ بما دل عليه الدليل، وليس في هذا تنقيص للمجتهد ولا حط من مكانته، فالحق أحق أن يتبع.

يقول الإمام الذهبي رحمه الله: (إن الكبير من أئمة العلم إذا كُثر صوابه وعُلِمً تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعُرِفَ صلاحه وورعه واتباعه يُغفَر زلله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك).

ويقول ابن تيمية رحمه الله في نفس المعنى: (ومما يتعلق بهذا المعنى أن يُعلَم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوعٌ من الاجتهاد مقروناً بالظن ونوعٍ من الهوى الخفي، فيحصل بذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين. ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه من الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد... ومن سلك طريق الاعتدال عظّم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحمدُ ويُذَمُ ويُثابُ ويُعاقبُ، ويحب من وجه ويُبغضُ من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم).

ويقول ابن القيم رحمه الله في الرجل الجليل من أهل الإسلام إنه: (قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذورٌ بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين).

وليس من الخطإ الذي يعذر صاحبه ويؤجر خطأ الذين انحازوا لمعسكر الطواغيت والباطل وسخروا أنفسهم لخدمة ومحاربة الحق وأهله، فباعوا دينهم بدنيا غيرهم، فهؤلاء متبعون لأهوائهم، لا مخطئون في اجتهادهم، وهنالك فرق بن الخطإ في الاجتهاد واتباع الهوى، بعد أن قامت الحجة واتضح الصواب.

إذا عُلِمَ كل ما سبق أدركنا حجم الخطإ الذي يقع فيه كثيرٌ من المسلمين اليوم، والعاملين للإسلام خصوصاً الذين ضيعوا هذه الضوابط فوقع بعضهم في أخطاء ووقع بعضٌ في الأخطاء المقابلة، وقَلَّ من سلك سبيل القصد الذي هو وسط بين الغلاة والجفاة.

وكما لا يجوز اتباع المخطيء في خطئه المغفور له، فإن من المطلوب شرعاً كذلك بيان الخطإ بالضوابط الشرعية للبيان، بحيث يكون الهدف هو بيان الحق والدعوة إليه برفق والتماس العذر للمخالف في حرصٍ على نصحه واستجابته، ولا يكون الهدف هو القدح والتجريح والتشنيع والتجديع والتبديع.

الضابط الخامس: لا تلازم بين الخلاف في الرأي واختلاف القلوب:

إن تعدد وجهات النظر واختلاف الآراء، وتعدد الاجتهادات أمورٌ طبيعية وهي نتيجة حتمية لتفاوت المدارك والعقول وتعارض الأدلة وغياب بعضها.

والخلاف بهذا المعنى أمرٌ لا بد منه وهو واقع لا محالة للأسباب السابقة وغيرها.

لكن هذا الخلاف لا يجوز أن يكون سبباً لتنافر القلوب وتفريق الجماعة والحكم على المخالف بلا علمٍ ولا عدل، فقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في الكثير من الأمور في المباحث المختلفة الفقهية وغيرها.

يقول ابن تيمية رحمه الله: (وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، نعم من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع).

وضرب رحمه الله أمثلة لما جرى فيه الخلاف بما جرى بين عائشة رضي الله عنها وغيرها من الصحابة، فقد أنكرت أن يكون الأموات يسمعون دعاء الحي لما قيل لها إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)، فقالت: (إنما قال؛ إنهم ليعلمون الآن أن ما قلتُ لهم لحق). ومع هذا فلا ريب أن الموتى يسمعون خفق النعال كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام...)، وأم المؤمنين تأولت والله يرضى عنها. وكذلك معاوية قيل عنه في أمر المعراج إنه قال إنما كان بروحه، والناس على خلاف معاوية رضي الله عنه، ومثل هذا كثير.

(وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبقَ بين المسلمين عصمة ولا أخوة، ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة، فأدركتهم العصر في الطريق فقال قومٌ لا نصلي إلا في بني قريظة ففاتهم العصر، وقال قومٌ لم يرد منا تأخير الصلاة فصلوا في الطريق، فلم يُعِبِ واحداً من الطائفتين. وهذا وإن كان في الأحكام فما لم يكن في الأصول المهمة فهو ملحقٌ بالأحكام).

ويضرب ابن تيمية رحمه الله أمثلة أخرى للاختلاف في الأحكام، فيقول " وكذلك تنازع المسلمون في الوضوء من خروج الدم بالفصاد والحجامة والجرح والرعاف والقيء... وكذلك تنازعوا في كثير من مسائل الفرائض... ومسائل الطلاق والإيلاء... وفي كثير من مسائل العبادات في الصلاة والصيام والحج وفي مسائل زيارات القبور... وتنازعوا في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم هل يسلم عليه في المسجد وهو مستقبل القبلة؟ أو مستقبل الحجرة؟ وهل يقف بعد السلام يدعو له أم لا؟).

ومع كل هذا الخلاف في هذه المسائل الكثيرة بين السلف، فإنه لم يبدع بعضهم بعضاً ولا كفَّره ول فَسَّقه.

يقول ابن تيمية رحمه الله: (وما زال كثيرٌ من السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحدً منهم على أحد لا بكفر ولا فسق ولا معصية).

هكذا كان السلف رضوان الله عليهم في خلافهم العلمي، فلم يكن هذا الخلاف في الرأي يؤدي إلى اختلاف القلوب وفساد الجماعة وتفرق الكلمة واتهام بعضهم بعضاً، مع أن دولة الإسلام كانت قائمة، وشوكته ظاهرة، وبيضته محمية، ورايته مرفوعة، فما أحرانا معشر العاملين للإسلام اليوم أن نقتدي بهم ونهتدي بمنهجهم! فحاجتنا إلى هذا المنهج - ونحن فيما نحن فيه من الاستضعاف - أكثر إلحاحاً حتى نستطيع توحيد الكلمة تحت راية التوحيد دفعاً للكفر الأكبر.

إن شاء الله يتبع وضع بقية الضوابط
في المرة القادمة ...

التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-13-2011, 01:34 AM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

الضابط السادس: الخطأ يُقدر بقدره:

لقد سبق معنا أن الإنسان بطبيعته معرض للخطأ والزلل، والعثور والخطل.

ولما كان الأمر كذلك، وكان كل الفضلاء والصلحاء عرضة لذلك، كان الواجب وضع ضابط يحفظ لهم كرامتهم من أن تهدم، ومكانتهم من أن تهدر، بسبب ما لا بد أن يقع من الخطأ منهم.

وهذا الضابط مؤداه أن العبرة بما غلب على الشخص من الحسنات والصلاح لا يهدر مكانته الخطأ العارض الذي لا يمكن أن ينجو منه أحد غير معصوم.

قال سعيد بن المسيب رحمه الله: (ليس من شريف ولا عالم إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله).

ويقول ابن الأثير الجزري رحمه الله في نفس المعنى: (إنما السيد من عُدت سقطاته وأُخذت غلطاته فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء).

ولو كان كل من أخطأ طرح وأُهملت حسناته لترتب على ذلك مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة، يقول ابن القيم رحمه الله: (فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم، وتعطلت معالمها).

والنقول في هذا الباب كثيرة، وقد سبق معنا كلام ابن القيم في الرجل الجليل من أهل الإسلام أنه:
(قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن ي تبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين).

وكلام الذهبي في الكبير من أئمة العلم أنه: (يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه).

ويقول الذهبي أيضاً رحمه الله: (ونحب العالم على ما فيه من الصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويلٍ سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن).

هذا منهج السلف رضوان الله عليهم، فأين هذا الأسلوب مما يمارسه بعض المنتسبين إلى العمل للإسلام من تصيدٍ لأخطاء الدعاة إلى الله والعاملين له وتضخيمها والنفخ فيها إن كانت موجودة واختلاقها أحياناً إن لم توجد منفذين بألسنتهم وأقلامهم مخططات أعداء الأمة في التشهير بالعلماء الصادقين، وتحطيم مكانتهم في القلوب ومنزلتهم في النفوس؟!

ومما يدخل في هذا الباب - باب تقدير الخطأ بقدره وإنصاف صاحبه - الحكم على المخالفين البعيدين الذين كثر خطؤهم وخروجهم عن الصواب، فهؤلاء وإن كنّا نخالفهم في أمورٍ كثيرة في الأصول والفروع، فإن الله تبارك وتعالى أمرنا أن لا نحكم عليهم إلا بعلمٍ وعدل، لا بما تهوى الأنفس وتتبَع من الظن.

وقد رأينا علماء أهل السنة والجماعة - رغم حساسية موضوع البدع وفرقها عندهم - لم يمنعهم ذلك من إنصاف هذه الفرق والحكم عليها بمقتضى منهج العدل والإنصاف الذي بينوه وحددوه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا المنهج:
(ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى الأنفس).

ويقابل هذا المنهج المنصف العادل الذي هو منهج أهل السنة والجماعة في الحكم على مخالفيهم منهج أهل الأهواء والبدع الذين يقول عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وأما أهل البدع فهم أهل أهواء وشبهات يتبعون أهواءهم فيما يحبونه ويبغضونه، ويحكمون بالظن والشبه، فهم يتبعون الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى).

وعندما طبق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المنهج منهج العدل والإنصاف على الفرق البدعية والكلامية، فإنه أظهر إنصافاً كبيراً، ذكر من خلاله محاسن هذه الفرق مع مساوئها بميزان منصف، فذكر من محاسنها أن كثيراً منها ذهب إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلقٌ كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خيرٌ من أن يكونوا كفاراً).

وذكر أن بعض المتكلمين وإن كانوا يردون باطلأً بباطل وبدعة ببدعة لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب ونحوهم بباطل المسلمين، فيصير الكافرُ مسلماً مبتدعاً، وبعض المتكلمين يرد البدع الظاهرة ببدعة أخف منها.

ويقول عند حديثه عن الصوفية مبيناً غلو بعض الغلاة فيهم، وجفاء بعض الجفاة عنهم، وموضحاً المنهج الوسط الذي هو الحق بشأنهم:
(فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا إنهم مبتدعون خارجون عن السنة... وطائفة غلت فيهم وأدعو أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ... ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة...).

ومما ينبغي أخذه في الاعتبار في هذا الباب كذلك معرفة أن الطوائف المخالفة للسنة ليست بدرجة واحدة في مخالفتها لها، بل هي على درجات متفاوتة، فمن هؤلاء من تكون مخالفته في أمورٍ عظيمة، ومنهم من تكون مخالفته فيما دون ذلك، ومقتضى العدل والإنصاف أن يُحكم على كل طائفة ومخالف حسب مخالفته للسنة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن درجات المخالفين للسنة وتفاوتهم في المخالفة بأن:
(منهم من يكون قد خالف السنة في أصولٍ عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمورٍ دقيقة... ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوعاً الخطإ، والله سبحانه يغفر للمؤمنين خطأهم في ذلك).

ويدخل في هذا المعنى أيضاً أهمية تقدير ظروف كثير من المسلمين الذين لم تتح لهم الفرصة للأخذ بالحق صافياً لقلة القائمين به وتحكم الرواسب والشوائب المختلفة في واقع المسلمين، مع غياب الفهم الصحيح للكتاب والسنة وفقههما والقدرة على التمييز بين صحيح الأحاديث وسقيمها، وشيوع الأهواء وكثرة الآراء، فعوام المسلمين وأشباههم ممن نشأ في هذه الظروف لا يجب عليهم من العلم ما يجب على من نشأ بدار علمٍ وإيمان فيها قائمون بالحق يبينونه للناس ويدعونهم إليه، وبالتالي فلا يُحاسَبُ أولئك حساب هؤلاء.

وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فبعد أن ذكر ما كان من ظهور الحق وقيام الأدلة عليه في عهد الإسلام الأول قال: (فلما طال الزمان خفي على كثير من الناس ما كان ظاهراً لهم، ودق على كثير من الناس ما كان جلياً لهم، فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة، ما لم يكن مثل هذا في السلف، وإن كانوا مع هذا مجتهدين معذورين يغفر الله لهم خطاياهم ويثيبهم على اجتهادهم، وقد يكون للعامل منهم أجر خمسين رجلاً يعملها في ذلك الزمان، لأنهم كانوا يجدون من يعينهم على ذلك، وهؤلاء المتأخرون لم يجدوا من يعينهم على ذلك).

ومما يدخل في هذا المعنى أيضاً التفصيل بشأن من اتبعوا بعض مقالات أهل الكلام يظنون أنها الحق لِما التبس عليهم من أمرها وأمر أصحابها، فهؤلاء لا بد من التفصيل في الحكم بشأنهم، فمنهم الفاسق والعاصي، ومنهم المخطيء المغفور له المعذور في خطئه لما التبس عليه من الأمر.

يقول ابن تيمية رحمه الله عن الجهمية إنهم:
(قد خفي كثير من مقالاتهم على كثير من أهل الإيمان حتى يظن أن الحق معهم لما يوردونه من الشبهات، ويكونُ أولئك المؤمنون مؤمنين بالله واليوم الآخر باطناً وظاهراً، وإنما التبس عليهم واشتبه هذا كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة، فهؤلاء ليسوا كفاراً قطعاً، بل يكون منهم الفاسق والعاصي وقد يكون منهم المخطيء المغفور له، وقد يكون معهم من الإيمان والتقوى ما يكون معهم من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه).

هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في شأن من التبست عليه أقوال الجهمية التي تعتبر كفراً في بعضها، فكيف بمن التبس عليه الحق، وأخذ بأقوال بعض المنتسبين لأهل السنة والجماعة يعتقد أنها هي السنة والحق؟.

ومما يؤسف له كثيراً غياب هذا الإنصاف وهذا العدل بهذا العلم عند الحديث في هذه المواضيع التي يخوض فيها كثيرٌ من الخائضين اتباعاً للظن وما تهوى الأنفس، بغير بينة من علمٍ ولا بصيرة من هدى.


الضابط السابع:
كلام الخصوم والأقران يُعبَأُ به يطوى ولا يروى:



كثير من التهم التي يتراشق بها المتراشقون في الساحة الإسلامية اليوم ترجع دوافعها إلى ما يكون بين الأقران والخصوم من حسدٍ ونحوه، وهذا ليس جديداً على تاريخ البشر بل هو قديم لم يسلم منه عصر من العصور سوى الأنبياء والصديقين.

ومنهج أهل السنة والجماعة وعلماء الجرح والتعديل هو عدم قبول هذا الكلام والاعتداد به إلا إذا قام دليل قاطع على صحته.

يقول الإمام الذهبي رحمه الله:
(كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأُ به، لا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصمه الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس).

ويقول عن تأثير الشحناء ونحوها في حكم أهل الجرح والتعديل على أقرانهم: (... لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفسٍ حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنةٌ، وقد عُلِمَ أن كلام كثيرٍ من الأقران بعضهم في بعض مهدورٌ لا عبرة به، لا سيما إذا وثّق الرجل جماعةٌ يلوح على قولهم الإنصاف).

ويقول: (كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى ولعصبية لا يُلتفت إليه، بل يُطوى ولا يُروى).

ويقول الإمام أحمد بن حنبل فيما شجر بين الإمام مالك وابن أبي ذئب:
(وبكل حالٍ فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعّف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما إماما المدينة في زمانهما).

ويقول ابن حجر
:
(ومما ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوةٌ سببها الاختلاف في الاعتقاد... ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب، فكثيراً ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا وغيره، فكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويُتأمل، وما أحسن ما قال القشيري... أعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان: الحكام والمحدثون، هذا أو معناه).

ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله:
(لو كان كلُ من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قومٌ إلى ما يُرغَبُ به عنه).

ويقول ابن عبدالبر رحمه الله: (هذا بابٌ غلط فيه كثير من الناس، وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك).

(والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته، وثبتت في العلم أمانته، وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يُلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة... والدليل على أنه لا يقبل في من اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماماً قول أحد من الطاعنين أن السلف رضوان الله عليهم قد سبق من بعضهم في بعض كلامٌ كثير في حال الغضب، ومنه ما حمل عليه الحسد، كما قال ابن عباس ومالك بن دينار وأبو حازم، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم القول فيه ما قاله القائل فيه، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلاً واجتهاداً لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان ولا حجة توجبه).

وقد ضرب العلماء أمثلة لكلام الأقران والخصوم بمثل ما جرى بين الإمام مالك وابن أبي ذئب، وبين الإمام أبي حنيفة رحمه الله والإمام النووي، وبين الإمام أحمد والمحاسبي.

يقول السبكي رحمه الله:
(الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم: الجرح يقدم على التعديل على إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه، وندر جارحوه، وكانت هنالك قرينة دالةٌ على سبب جرحه من تعصبٍ مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه).

ويقول أيضاً: (قد عرّفناك أن الجارح لا يُقبل منه الجرح وإن فسّره في حق من غلبت طاعته على معاصيه ومادحوه على ذامه ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك، فحينئذ لا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح، ونحوه، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحدٌ من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنٌ وهلك فيه هالكون).

فإذا كان كلام هؤلاء الأئمة الأعلام لا يقبل في أقرانهم، فكيف يقبل في عصرنا الذي ضعف فيه التقوى واتبُّع الهوى، كلام بعض الجماعات والأفراد ضد أقرانهم على عواهنه، خاصة أن المطعون فيهم غالباً ما يكونون من العلماء الصادقين وممن عرف بالصلاح والورع، والصدق والتضحية في سبيل الحق، وغالب الطعانين اللعانين هم من علماء البلاط وحواشي السلاطين، أو ممن استدرجهم هؤلاء ولبّسوا ليهم.


الضابط الثامن: الظلم لا يسقط الأخوة الإيمانية:

بعض المشاكل الخلافية بين العاملين للإسلام تكون بدايته باتهام ظالمٍ من طرفٍ ضد طرفٍ آخر لسببٍ ما، فيقوم الطرف المتهم بالرد.

وغالباً ما يتجاوز الطرفان أو أحدهما الحدود الشرعية في حق الطرف الآخر إلى النيل من دعوته التي يحمل أو جماعته التي ينتمي إليها أو مذهبه الذي يأخذ به، قاطعاً بذلك حبل الإخوة الإيمانية وما يترتب عليها من موالاة.

ولا يخفى أن هذا خروج واضح على هدي الإسلام وتعاليمه، فالله يرشدنا في كتابه العزيز إلى أن نقابل إساءة الآخرين بالإحسان إليهم، فذلك أدعى لالتئام شرخ الصف ورأب صدع الجماعة. يقول تعالى: {أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم}.

وليس أجمل في هذا المقام من الهروب والفرار من ميدان معركة الشتائم والتهم التي يعتبر المنتصر فيها شر الخصمين.

وإن كان ولا بد من أن يأخذ الإنسان حقه لنفسه، والانتصار من خصمه فليكن ذلك بحقٍ وعدل، فلا يجوز أن ننسى أن ظلم إخواننا لنا لا يُسقط ما لهم علينا من حقوق الإخوة والموالاة وحرمة الظلم والمعاداة.

في هذا المقام يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي... وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدي عليك والكافر تجبُ معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك).

الضابط التاسع: الهجر لا بد أن يكون شرعياً:

من المظاهر والأسباب في الوقت نفسه للفرقة بين المسلمين اليوم ظاهرة التهاجر والتدابر بين العاملين للإسلام.

وفي غالب الأحيان يُلبَس هذا التهاجر والتدابر لبوساً شرعياً، بينما في الحقيقة تكون دوافعه شخصية لا علاقة لها بالهجر الشرعي، فالهجر الشرعي لا بد أن يكون دافعه خالصاً لله تعالى أولاً وأن يكون بصورة مشروعة ثانياً، وأن يغلب على الظن أنه يؤدي إلى تحقيق المقصود منه ثالثاً.

يقول ابن تيمية رحمه الله:
(فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله، فالطاعة لا بد أن تكون خالصة لله تعالى وأن تكون موافقة لأمره، فتكون خالصة لله صواباً، فمن هجر لهوى في نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله... فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه، فالأول مأمور به والثاني منهي عنه).

وكما أن الهجر لا بد أن يكون خالصاً لله ولا بد أن يكون بالصورة الشرعية، فكذلك لا بد أن يكون مؤدياً للمقصود الشرعي منه ؛ لأن الهجر ليس مقصوداً لذاته ولا للنكاية بالمهجور، بل الهدف منه إنزجار المهجور عن مخالفته من جهة وألا يقتدى به من جهة أخرى، فإذا لم يؤد إلى هذه النتيجة لم يكن مأموراً به، بل يكون تأليف القلوب أولى منه.

يقول ابن تيمية رحمه الله:
(فالهجران قد يكون مقصوده ترك سيئة البدعة... وقد يكون مقصوده فعل حسنة الجهاد والنهي عن المنكر وعقوبة الظالمين... فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحدٍ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأموراً بها).

إن هذا الفقه في الهجر وضوابطه وأهدافه غائبٌ عن كثير من المتهاجرين اليوم الذين يتصيدون أخطاء بعضهم ليجعلوا منها مسوغاً لهجر أصحابها والنكاية بهم والتشفي فيهم، موهمين أنفسهم ومن حولهم أنهم بذلك يقومون بالهجر الشرعي المأمور به انتصاراً للسنة وردعاً للبدعة!

والحق أن هجر هؤلاء مع أن دوافعه مدخولة وصوره غير مشروعه، فإنه لا يؤدي إلى الهدف المشروع من الهجر وهو انزجار المخالف، بل في الغالب يدفع المخالف إلى مزيدٍ من العناد والإصرار.

ومن أسباب ذلك أن كثيراً من هؤلاء الذين يمارسون الهجر والهجر المضاد ليس لهم وزن ولا ثقل حتى يؤثر هجرهم في المهجور، ومن هذه حاله فإن الهجر المشروع ساقطٌ عنه، فكيف بالهجر الممنوع؟!

يقول ابن تيمية رحمه الله:
(وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يُفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يُشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين "فهجر الثلاثة الذين خُلفوا وتألف آخرين كانوا سادة مُطاعين في عشائرهم" وجواب الأئمة كأحمد وغيره مبنيٌ على هذا الأصل... وإذا عُرِفَ مقصود الشريعة سُلِكَ في حصوله أوصل الطرق إليه).

هكذا تبين لنا أن الهجر بسبب ذنبٍ محقق ودوافع سليمة وصورة مشروعة يسقط إذا لم يكن مؤدياً إلى تغيير المنكر، ويكون التأليف أولى منه، فكيف بكثير من صور الهجر التي يعج بها واقع المسلمين ولم يتوفر فيها أي من الضوابط السابقة؟! وكأن أصحابها لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث).

كما أنه لا يكفي في سبب الهجر أن يرتكب المهجور معصية أو يعتقد بدعة، فلا بد مع ذلك من المهاجرة بتلك المعصية، والدعوة إلى تلك البدعة.

يقول ابن تيمية رحمه الله:
(... فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها، والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مسراً لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يُهجر، وإنما يُهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً وعملاً).

ويقول رحمه الله:
(وأما من أظهر لنا خيراً، فإننا نقبل علانيته ونكلُ سريرته إلى الله تعالى فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كانت النبي صلى الله عليه وسلم يتقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى. لما جاءوا إليه عام تبوكٍ يحلفون ويعتذرون).

(ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالكٍ وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعته، ولا يجالسونه بخلاف الساكت. وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رُمِيَ ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة من البدع).

هذه بعض أهم الضوابط الشرعية في مذهب أهل الحق والإنصاف من أهل السنة والجماعة، وهذا المنهج فوق كونه فريضة شرعية - لأنه منهج العلم والعدل - فهو ضرورة واقعية تمليها كل العوامل والظروف المحيطة بالعاملين للإسلام اليوم، التي تفرض توحيد الجهود وتعاون الطاقات الداخلية لمواجهة الأعداء الخارجيين، بدلاً من صرفها في مؤلفات وأشرطة الردود والردود المضادة والصراعات على المساجد ونحوها من الأمور التي استفرغ فيها كثير من الجهد الإسلامي.

ومع وضوح هذه الحقائق فإننا لا زلنا نتساءل مع المتسائلين المشفقين على مستقبل هذه الدعوة ومستقبل هذا الدين وهذه الأمة:
متى يفيق المسلمون من رقدتهم الطويلة ونومتهم العميقة؟
ومتى ينهضون للقيام بعمل جاد لدينهم ودعوتهم؟
ومتى يميزون بين صديقهم وعدوهم؟
ومتى يوجهون سهامهم الداخلية التي يتناحرون بها إلى عدوهم الخارجي الجاثم بكلكله على صدر أمتهم يدنس ويحتل مقدساتها ويذل ويهين كرامتها وينهب ويسلب ثرواتها وخيراتها؟!


والإجابة على هذه التساؤلات لا تتم إلا بالأخذ العملي الجاد بمنهج أهل السنة والجماعة الذي يدخل فيه بالضرورة منهج العلم والإنصاف والعدل السابق الذي يحكم علاقات المسلمين فيما بينهم وعلاقاتهم مع الآخرين.

ويوم أن يأخذ العاملون للإسلام من جماعات وأفراد بهذا المنهج فستكون تلك البداية الصحيحة لتحقيق معاني الوحدة والائتلاف بين المسلمين والقضاء على أسباب الفرقة والاختلاف بينهم، وعند ذلك ستكون الحاجة ماسة إلى معرفة معالم الإطار العام الذي يمكن للجميع التعاون والتناصر والتآزر من خلاله، تمهيداً للوحدة الكبرى التي ينبغي أن تكون مطلب الجميع وهدفهم الكبير.

وفي النقطة التالية سنحاول ذكر أبرز معالم هذا الإطار...

التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-14-2011, 01:57 AM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي


الفصل الرابع:ـــ








المعالم العامة لإطار التعاون بين العاملين للإسلام


كثيراً ما يطرح المثبطون والأعداء، بل وبعض المخلصين المشفقين أسئلة من قبيل: كيف يمكن أن يجتمع أو يتعاون العاملون للإسلام اليوم من جماعات وأفراد بعد أن بلغت الخلافات الفكرية والشخصية منهم كل ما بلغت؟

وإجابة على هذه التساؤلات نضع هذه المعالم لنؤكد من خلالها أن أسباب ومظاهر الخلاف الموجودة بين المسلمين مهما بلغت فإنها أقل وأضعف من عوامل الوحدة والاجتماع الموجودة إذا ما صدقت النيات وتحركت الإرادات والعزائم خاصة إذا علمنا أن الاختلاف الحاصل بين كثير من الجماعات والدعاة والعاملين للإسلام هو من اختلاف التنوع المشروع، وليس من اختلاف التضاد الممنوع.

يقول ابن تيمية عن حقيقة هذا النوع من الاختلاف: (واختلاف التنوع على وجوه، منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقاً مشروعاً، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم عن الاختلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (كلاكما محسنٌ". ومنه؛ اختلاف الأنواع في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح والتشهدات وصلاة الخوف وتكبيرات العيد وتكبيرات الجنازة إلى غير ذلك مما قد يُشرع في جميعه وإن كان يُقال أن بعض أنواعه أفضل، ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها، وهذا عين المحرم، ومن لم يبلغ هذا المبلغ فتجد كثيراً منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر أو النهي عنه، ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم).

(ومنه - أي اختلاف التنوع - ما يكون كلٌ من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان، كما يختلف كثيرٌ من الناس في ألفاظ الحدود وصيغ الأدلة والتعبير عن المسميات وتقسيم الأحكام وغير ذلك، ثم الجهل والظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الأخرى. ومنه؛ ما يكون المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان، فهذا قولٌ صحيحٌ وهذا قولٌ صحيحٌ، وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثيرٌ في المنازعات جداً).

(ومنه ما يكون طريقتان مشروعتان ورجلٌ أو قومٌ سلكوا هذا الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى وكلاهما حسنٌ في الدين، ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم إحداهما أو تفضيلها بلا قصدٍ صالح أو بلا علم أو بلا نية ولا علم).

ثم يقول رحمه الله عن المختلفين هذا النوع من الاختلاف: (وهذا القسم الذي سميناه اختلاف التنوع، كلُ واحدٌ من المختلفين يصيب فيه بلا تردد، لكن الذم واقعٌ على من بغى على الآخر فيه).

إذا علمنا ذلك سهل علينا الخطب وهان الأمر، وأدركنا أن كثيراً من خلافاتنا من قبيل خلاف التنوع لا خلاف التضاد.

وفيما يلي سنحاول استعراض أهم معالم الإطار الجامع للعاملين للإسلام اليوم...

المَعْلَمُ الأول: الوحدة في الأصول:

ونعني بالوحدة في الأصول وحدة أصول المعتقد عند معظم العاملين للإسلام وهي الأصول العامة لأهل السنة والجماعة في أبواب المعتقد المختلفة.

وكذلك وحدة منهج التلقي عند أهل السنة والجماعة أيضاً وهو المنهج القائم على العمل بما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة في تقديرٍ واحترامٍ لأئمة أهل السنة وعلمائهم بمن فيهم الأئمة الأربعة وغيرهم..

وكذلك الوحدة في الهدف وهو إعلاء كلمة الله تعالى والعمل على التمكين لدينه وإقامة الدولة الإسلامية التي تُحَكِّمُ شرع الله تبارك وتعالى.

وكذلك الوحدة في ضبط الوسائل بالضوابط الشرعية بحيث تكون هذه الوسائل مع اختلافها في طبيعتها - من دعوية أو جهادية مثلاً - مضبوطة بالضوابط الشرعية في جميع الظروف والأحوال.

هذه من أهم الأصول المطلوب الاتفاق عليها، وأغلبُ الفصائل والحركات الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي اليوم متفقة عليها ولله الحمد.

والحق أن هذه الأصول تمثل حداً مشتركاً يهيئ لمستوى كبير من التعاون والتنسيق بين هذه الجماعات والفصائل، خاصة أن هنالك عوامل أخرى تعمِّقُ ما يمليه هذا الاتفاق في هذه الأصول من معاني الوحدة والسعي إليها.

ومن هذه العوامل الرشد المتزايد والمتنامي للصحوة الإسلامية المباركة، فهذه الصحوة بفضل الله تتقدم الآن على اتجاهين مهمين، الاتجاه الأول هو الاتجاه الأفقي، ونعني به اتساع أفق هذه الصحوة الذي يظهر في ازدياد عدد الراجعين إلى الإسلام والالتزام به من جهة، واتساع المجالات التي بدأت تدخل في اهتمامات هذه الصحوة من جهة ثانية.

والاتجاه الثاني هو الاتجاه المركزي الداخلي، وهو ما يمكن أن نسميه بالصحوة داخل الصحوة، ومن أهم مميزات هذا الاتجاه الشعور المتنامي بضرورة تجاوز أخطاء مراحل الصحوة الأولى، ومن أهم هذه الأخطاء التعددية السلبية والخلافات السائدة بين العاملين للإسلام.

ومن العوامل المشجعة على الوحدة والدافعة إليها بقوة أيضاً الشعور المتنامي والقوي بين المسلمين بشدة وشراسة هجمة العدو واستهدافه لكل ما هو عمل إسلامي وكل من هو عامل للإسلام دون تمييزٍ أو تفصيل، فأمم الكفر وطواغيت الحكام والحركات الهدامة قد تكالبت علينا من كل حدبٍ وصوب، وهي تعمل على تحطيم عقائد المسلمين وإفساد أخلاقهم وهتك أعراضهم واحتلال بلادهم وتدنيس مقدساتهم واحتلالها، ونهب ثرواتهم واستلابها، بعد أن غابت الدولة الإسلامية وغاب الحكم بشرع الله تبارك وتعالى، فحورب المسلمون في عقر دارهم، فالشعور بهذه الحقائق مع العلم بمستوى الجهد المطلوب لسد الثغرات وهو جهد لا يمكن أن يقوم به فرد أو جماعة واحدة، كل هذه الأمور تصب في النهاية في اتجاه العمل على توحيد الجهود وتنسيق العمل بين العاملين للإسلام خصوصاً والمسلمين عموماً.

إن الوضع الذي يعيشه المسلمون اليوم يقتضي استنفار كل من له انتساب إلى هذا الدين، وتوظيف طاقاته وجهوده في المعركة التي يخوضها الإسلام ضد التحالف الصليبي الصهيوني الذي كشّرَ عن أنيابه، وكشف عن أهدافه الحقيقية في محاربة الإسلام والمسلمين، ولم يعد مكتفياً بما يقوم به وكلاؤه في المنطقة من طواغيت الحكام ونحوهم، ولم يعد مقتصراً في حربه تلك على أطراف العالم الإسلامي البعيدة، بل أصبح يخوض المعركة بنفسه، وفي قلب العالم الإسلامي وعلى أرض أقدس مقدساته في الجزيرة العربية وفلسطين وغيرها، ففي مثل هذه الحال يتجاوز الخطاب بالوحدة والتنسيق الجماعات والأفراد الذين يتحدون في الأصول السابقة، إلى غيرهم من عوام المسلمين الصالحين ومن دونهم من الفسّاق والعصاة وحتى بعض المبتدعة ونحوهم ممن لا يمكن القيام بدفع العدو الأكبر والضرر الأخطر إلا بالتعاون معهم.

وهذا بابٌ مهمٌ من فقه المصالح والمفاسد لا يجوز أن يغيب عنّا في مثل هذه الظروف، فقد كان لغيابه عن بعض العاملين للإسلام نتائجُ خطيرةٌ، وسلبيات كثيرة ساهمت في تضارب المصالح والأولويات على الساحة الإسلامية.

يقول ابن تيمية رحمه الله إعمالاً لهذا الفقه: (فإذا تعذر إقامة الواجب من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرٌ من العكس، ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل، وكثيرٌ من أجوبة الإمام أحمد وغيره خرج على سؤال سائلٍ قد علم المسؤول حاله، أو خرج خطاباً لمعينٍ قد عُلِمَ حاله، فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يثبت حكمها في نظيرها).

المَعْلَمُ الثاني : التعدد في تكاملٍ لا تعارض:

إن من المهم أن نعلم أن مختلف الجماعات الإسلامية قد وُلِدَتْ في ظروف خاصة تتميز وتختلف عن ظروف غيرها، وأن هذه الجماعات تواجهها مشاكل وعقبات مختلفة عن تلك التي تواجه نظيراتها في بلدانٍ أخرى، وبالتالي فإن أسلوبها وأولوياتها في العمل أمورٌ تتحدد تبعاً لذلك، وتقدير ذلك حق لهذه الجماعات فهي أدرى وأقدر على تصنيف الواقع المحيط بها وما يناسبه من تحركٍ وعمل، على أن تكون هنالك موازنة دقيقة لا تطغى بموجبها الاولويات الجزئية والمحلية لهذه الجماعات على المصالح والأولويات الكلية للأمة، فهذه الجماعات هي وسائل لتحقيق مصالح الأمة الكبرى وغاياتها العظمى، ولا يجوز أن تنسينا الأهداف المرحلية، والوسائل المؤقتة أن الهدف الأكبر في هذا الصدد هو إقامة دولة الإسلام الكبرى وخلافته العظمى التي تأخذ فيها وحدة المسلمين بعدها الحقيقي.

لكن قبل ذلك وفي سبيله يمكن القبول مؤقتاً بتعددية تكون منطلقة من وحدة الأصول السابقة، ومضبوطة بالضوابط الشرعية التي ذكرنا بعضها فيما سبق، بل قد تكون هذه التعددية لها جوانب نافعة، لأن فروض الكفاية ومصالح الأمة اليوم لا يمكن أن يقوم بها فرد أو جماعة من الجماعات مهما أوتيت من القدرات والطاقات بعد أن عبثت بهذه الفروض والمصالح عوامل عديدة منها عجز علماء الأمة، وجهل أبنائها، وتآمر حكامها، وتكالبُ أعدائها في الداخل والخارج.

وفي سبيل القيام بهذه الفروض، والنهوض بهذه المصالح لا بد من توزيع المهام والأدوار، وقيام كلٍ بدوره وفق مجاله وتخصصه ضمن الإطار العام لأهل السنة والجماعة، فكما أن كل جماعة لها عناصرُ توزعها على العمل حسب اختصاصها وكفاءتها، فإن هذه الجماعات المتعددة هي بالنسبة إلى الجماعة الكبرى - جماعة أهل السنة والجماعة - بمثابة تلك العناصر في جماعاتها الصغيرة.

إن الثغرات المطلوب سدها والفروض المتعين القيام بها عديدة وكبيرة تتطلب جهد الجميع وطاقات الكل، فلنحسن توظيف ما لدينا من طاقات وجهود وتوزيعها على تلك الثغرات والفروض، فلدينا جماعات ذاتُ باعٍ وتاريخ حسن في نشر العقيدة الصحيحة ومحاربة البدع بين المسلمين، فلتقف هذه الجماعات على هذا الثغر الذي لا تخفى أهميته وأولويته.

ولدينا جماعات ذات تجربة وكفاءة في المجال الدعوي وانتشال العصاة من أوكار المعاصي إلى رحاب الطاعة والهداية فلتواصل عملها وبذل جهودها في هذا المجال.

ولدينا جماعات أخرى برعت في الرد على الأفكار الهدامة وفضح مخططات وأساليب الأعداء وتقديم الإسلام في صورته الشاملة الكاملة التي تضمن سعادة الدنيا والآخرة، فلتلتزم هذه الجماعات بما التزمت به في هذا المجال.

ولدينا جماعاتٌ أخرى لها القدرة على العمل السياسي والتخطيط وبث الوعي الحركي بين المسلمين، وهذا مجالٌ مهم إذا ما ضُبِط بالضوابط الشرعية، وتُجُنِبَت المفاسد المترتبة عليه، فلْتُواصل هذه الجماعات وقوفها على هذه الثغرة.

ولدينا جماعات أخرى تمارس الاعداد وتدعو إلى الجهاد لتحرير أراضي المسلمين واسترجاع مقدساتهم وإقامة شرع الله تبارك وتعالى، فلتقم هذه الجماعات بهذا الفرض العظيم ولتستنفر له الأمة، فإن الأمة لم يتجرأ عليها أعداؤها هذه الجرأة إلا بعد أن تركت الجهاد في سبيل الله.

وهنالك طوائف تملك المال، وثانية تملك الرجال، وأخرى لها سبقٌ في المجال العلمي، وأخرى تجمع بين أكثر من مجال.

والساحة الإسلامية بحاجة إلى كل هؤلاء، فليقف كلٌ على مجاله الذي يحسنه، وميدانه الذي يتقن العمل فيه في تناصحٍ مستمر واستعدادٍ دائم لتجاوز الأخطاء وفرحٍ بكل نقدٍ بنّاء يعمل على حفظ المسيرة الكبرى من الخلل والانحراف بعيداً عن التشهير والاتهام والنقد الهدام، وتصيد الأخطاء، والطعن واللعن، والتشنيع والتبديع.

وتوزيع الاختصاصات هذا ليس جديداً على ساحة العمل للإسلام، فقد كان السلف رضوان الله عليهم يقوم كلٌ منهم بما يحسن ويتقن، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا كذلك، فمنهم من كان عطاؤه في نشر العلم بالكتاب والسنة كابن عباسٍ، ومنهم من كان عطاؤه في المجال الجهادي كخالد بن الوليد وغيره، ومنهم من كان يجمع بين أكثر من مجال كالخلفاء الأربعة - رضي الله عن الجميع - وكذلك كان من بعدهم من السلف والخلف كلٌ ينوب عن الأنبياء فيما يتقنه، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (... كلٌ منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال وهذا في الأمرين جميعاً).

ويقول عنهم في موضعٍ آخر: (فيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى... وفيهم الأبدال الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم).

وقد كان كلُ منهم يلزم الباب الذي فتح الله له فيه من أبواب الخير، دون أن يذم من ألزموا أبواباً أخرى فتح الله لهم فيها، فهذا الإمام مالك رحمه الله لمّا بعث إليه عبدالله العمري العابد يحضه على الانفراد والعزلة والعمل، كتب إليه مالكٌ رحمه الله: (إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فُتِحَ له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فُتِحَ له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أنواع البر، وقد رضيت بما فُتِحَ لي فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر).

لكن مما يجب أن يراعى في هذا المقام أن يكون هذا التوزع على المهام توزعاً عادلاً ومتناسباً مع أهمية المجالات العمل، في فرغ للجهاد - مثلاً - من الطاقات ما يتناسب مع أهميته والحاجة إليه، ويعطى للمجالات الأخرى بحسبها، فليس من التوزع العادل انشغال عشرات الآلاف من طلاب العلم بالطلب في بلد محتل من القوات الصليبية، في الوقت الذي لا يكاد يوجد طالب علم واحد من هؤلاء يُفقه المجاهدين في دينهم، ويحرض الأمة على الجهاد.

:::::::::::::


المَعْلَمُ الثالث وهو ( ضبط الخلاف بمنهج السلف)
نرجئه للمرة القادمة إن شاء الله ....
فتابعونا رحمكم الله
والنشر النشر
يا شباب التوحيد

التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-15-2011, 01:04 AM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

المَعْلَمُ الثالث:
ضبط الخلاف بمنهج السلف:ـ


لقد سبق معنا بيان أن الخلاف في المسائل الاجتهادية ونحوها أمرٌ لا بد منه، وسبق معنا أن هذا الخلاف لا يجوز أن يؤدي إلى تفرق الجماعة وتنافر القلوب، وسبق معنا كذلك بيانُ ما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - عندما يحصل بينهم نزاعٌ أو خلاف من الحرص على الألفة والعصمة وأخوة الدين، فقد كانوا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا ما أنزل الله تعالى في قوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}، وكانوا يتناظرون في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الأُلفة والعصمة وأخوة الدين).

وما كان أحدٌ منهم يحكم على مخالفة بكفرٍ ولا فسقٍ ولا معصية، بل ولا ينكرون على بعضهم في المسائل الاجتهادية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حالهم:
(وما زال كثيرٌ من السلف يتنازعون في هذه المسائل ولم يشهد أحدٌ منهم على أحدٍ لا بكفرٍ ولا فسقٍ ولا معصيةٍ).

وما نريد أن نؤكده هنا - بالإضافة إلى ما سبق ذكره - هو ما يلي:

1) أن الحَكَمَ عند التنازع والخلاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفق فهم السلف الصالح وإجماع الأمة، وكل ما سوى ذلك فمنه مقبولٌ ومردود، فنحن مطالبون عند التنازع والخلاف بالتحاكم إلى الكتاب والسنة، قال تعالى:
{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا} ويقول: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}.

ومع ذلك فإنه ستبقى خلافاتٌ مستقرة لا تُحسَمُ، إما لأنها لم يرد بشأنها دليلٌ خاص يرفع النزاع، أو ورد دليل واختلفت فيه الأفهام، أو لأنها تعارضت فيها الأدلة أو غاب بعضها عن بعضِ الأطراف واطلع عليه بعضٌ آخر، أو غير ذلك من أسباب الخلاف.

وكثيرٌ من قضايا العمل الإسلامي المعاصر هي من هذا الباب الذي لا يضر الخلاف فيه، بل ينبغي فيه التغافر والتسامح مع النصح المستمر والاستعداد لقبول الرأي الراجح، وتجاوز الأخطاء والسلبيات.

2) ضرورة التفريق بين الثوابت والقطعيات التي هي محل إجماع، والمسائل الاجتهادية التي هي محل نزاع، فالأولى لا يُقْبَلُ فيه الخلاف ولا يسوغ، والثانية تُقبَلُ فيها الاجتهادات وتعدد وجهات النظر، ولا يمكن إلزام المخالف فيها برأي لم يتبين له رجحانه.

يقول ابن تيمية رحمه الله عن الأمور التي هي من موارد الاجتهاد التي تنازع فيها أهل العلم والإيمان:
(فهذه الأمور قد تكون قطعية عند بعض من بين الله له الحق فيها، لكنه لا يمكنه أن يلزم الناس بما بان له ولم يبن لهم... وقد تكون اجتهادية عنده أيضاً، فهذه تسلم لكل مجتهد ومن قلده... بحيث لا ينكر ذلك عليهم).

لكن ينبغي أن نُذَكِرَ هنا بأن المجتهد في مثل هذه المسائل لا بد أن يكون أهلاً للنظر في الموضوع محل الخلاف، وإلا فهو آثمٌ ولو أصاب الحق.

3) أنه لا بد من إحياء روح النقد البنّاء والاستعداد لقبول هذا النقد في جوٍ من رحابة الصدر، وأدب الخلاف، وروح العدل والإنصاف.

ونحن إذا كنّا قد ركزنا فيما سبق على إبراز أخطاء المنتقدين، فإننا لا نعفي بذلك العاملين للإسلام من المسؤولية، فهنالك جوانب نقصٍ وأخطاءٌ كثيرةٌ عند كثير من الحركات والجماعات الإسلامية، يجب على هذه الحركات أن تتحلى برحابة الصدر لقبول النقد البنّاءِ بشأنها، مع الاستعداد لتجاوزها، فذلك مقتضى الصراحة مع الذات من جهة، وحقٌ لأبناء هذه الحركات وغيرهم من المسلمين من جهة أخرى.

إن من حق هؤلاء على هذه الحركات والجماعات أن يسألوها ماذا أنجزت خلال عشرات السنين؟
وماذا قدمت للإسلام والمسلمين ؟
وكم خطوة قطعت في سبيل إخراج الأمة من وضعها الراهن وتحرير مقدساتها ومدافعة أعدائها؟
وماذا بذلت في سبيل وحدة المسلمين والعاملين للإسلام؟
وكم من التضحيات قدمت في سبيل ذلك؟.

ولاشكَ أن الإجابات ستضم ذكر إنجازات في مجالات عديدة، ولكن هل كانت تلك الإنجازات هي كل الممكن والمقدور عليه؟
أم كان من الممكن مضاعفة تلك الإنجازات لو تُجُنِبَت كثيرٌ من الأخطاء التي ما زالت تتكرر مرة بعد أخرى؟.

هذه التساؤلات وغيرها مشروعة بلا شك، ولن تستطيع الحركات الإسلامية الإجابة عليها بشكلٍ مرضٍ إلا من خلال الالتزام بما سبق ذكره، والعمل على توحيد جهود الأمة.

تلك كانت بعضُ أبرز الملامح والصفات التي نراها تشكل المعالم الأساسية لإطار التنسيق والتعاون بين العاملين للإسلام من أهل السنة والجماعة.

وهذا التنسيق والتعاون والاجتماع الذي نسعى إليه، وإن كان هدفاً مرحلياً ومطلباً مهماً، فإنه لا يجوز أن ينسينا الهدف الأكبر في هذا المجال وهو وحدة المسلمين جميعاً وقيام دولة الإسلام الكبرى، تحت راية التوحيد وحكم شريعة القرآن، فالسعي لهذا الهدف فرض دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة.

إن الحد السابق من التنسيق والتعاون والاجتماع، لا يسد إلا جزءاً محدوداً من الفراغ الكبير الناتج عن غياب دولة الإسلام وخلافته، فيجب ألا نقف عند هذا الحد، وان نستمر في العمل علي رفع مستوى التنسيق والتعاون وتفعيله وتوسيع دائرته وتعميق جذوره مع مراعاة الضوابط الشرعية اللازمة، حتى نسد أكبر قدر من ذلك الفراغ، وحتى نبعثَ بذلك أمل الوحدة والاجتماع في نفوسِ الأمة، بعد أن كاد يتوارى وراء سُحبِ الخلافات والفُرقةِ المخيمة عليها، ونمهد لتحققِ البشارات والوعود النبوية لنا بعودة الخلافة الإسلامية الراشدة، وما يصاحبُها من عزٍ وتمكينٍ ونصرٍ للمسلمين على أعدائهم، وفي مقدمتهم اليهود.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبشراً بالخلافة الراشدة التي ستحكم هذه الأمة بعد المُلْك الجَبري العضود الذي حكمها فتراتٍ طويلةً من عمرها:

(إنَّ أولَ دينكم نبوةٌ ورحمةٌ، تكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جلَّ جلالهُ، ثم يكون مُلْكاً عضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جلَّ جلالهُ، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ النبوةِ، تعملُ في الناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويُلقي الإسلامُ بجرانه في الأرض، يرضى عنها ساكنُ السماء وساكنُ الأرض، لا تدعُ السماءُ من قطرٍ إلا صبته مدراراً، ولا تدعُ الأرضُ من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته).

ويقول صلى الله عليه وسلم مُبشراً بالمعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود:

(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم، يا عبدالله هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).

وفوقَ هذه الوعود الغيبية الصادقة، والمُبِشرات النبوية المحقَقة، هنالك مُبشِراتٌ واقعيةٌ كثيرة تبعث الأمل، وتدفع إلى العمل.

ومن أبرز هذه المُبشِرات هذه الصحوة الإسلامية المباركة التي تعمُ أرجاء الأرض وقاراتها، هذه الصحوة التي أدرك الأعداءُ أنها الخطر الحقيقيُ عليهم، فركزوا جهودهم على محاربتها.

يقول بن غوريون:
(نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا القوميات، ولا الملكيات في المنطقة..إنّما نخشى الإسلام..هذا المارد الذي نامَ طويلاً وبدأ يتململُ في المنطقة..إني أخشى أن يظهر محمدٌ جديدٌ في المنطقة).

هذه الصحوة تمتلك قدرة هائلة على التغيير، بما لديها من طاقاتٍ وقُدراتٍ عظيمة، لكن تنقصها القيادة الفاعلة التي تنظم تلك الجهود والطاقات وتسير بها في الطريق الصحيح.

يقول المستشرق جب في كتابه "وجهة الإسلام":
(إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بسرعة مذهلة مدهشة، فهي تنفجر إنفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعوهم إلى الاسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا الزعامة وظهور صلاح الدين).

لكن قبل تحقق تلك الوعود والبشارات، وقبل أن تبلغ الصحوة الإسلامية مداها المطلوب، يجب أن ندرك أنه لابد من تقديم تضحيات كبيرة، وبذل جهود عظيمة، وهذه التضحيات والجهود مطلوبة منّا اليومَ أكثرَ من أي وقتٍ مضى، فإذا نحن لم نقدم تلك التضحيات، ونبذل تلك الجهود، متنازلين عن حظوظ أنفسنا ومصالحنا الشخصية، في سبيل مصلحة الاجتماع والائتلاف، في هذا الوقت الذي أصاب الأمة فيه ما أصابها من الذل والمهانة، وتعرضت لما تعرضت له من انتهاك العرض، واحتلال الأرض، وتدنيس المقدسات، ونهب وسلب الخيرات والثروات، فمتى يكون منا ذلك؟

ومما يدخل في هذا المضمار العمل على إيجاد إطار أو كيانٍ إسلاميٍ عالميٍ دائم - هيئة أو مؤتمر - تُمَثَلُ فيه الأمة من خلال العلماء والدعاة والمفكرين والعاملين للإسلام الذين عُرفوا بالصدق والإخلاص والاهتمام بأمور دينهم وأمتهم.

ويكون من أهداف هذا الإطار أو الكيان تحديد أولويات العمل الإسلامي، وتحديد منطلقاته، وضبط مسيرته، والدفاع عن قضايا المسلمين، والتحدث باسم الأمة المسلمة، فيكون بذلك استجابة حقيقية لواجب المرحلة، وتعبيراً صادقاً عن ضمير الأمة المسلمة، ورغبات شعوبها وبديلاً عملياً عن المؤتمرات والهيئات السلطانية التي يخدر بها الطواغيت مشاعر الشعوب المسلمة، ويتأَمرون من خلالها على الإسلام والمسلمين.

إن إحياء هذا المنهج منهج الوحدة والاجتماع، وترك الفرقة والنزاع، إحياءه بالقول والعمل، والدعوة والممارسة، يجب أن يحتل مكانه في الأولويات عند العاملين للإسلام بمختلف جماعاتهم وتنظيماتهم، هؤلاء العاملين الذين نرى أنهم يمثلون بمجموعهم عناصر الطائفة المنصورة في هذا العصر، التي قال عنها صلى الله عليه وسلم:
(لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).

ولا يقدح في انتساب هؤلاء لهذه الطائفة تنوع اهتماماتهم وتباعد بلدانهم ما داموا ملتزمين بالأصول السابقة التي التقى عليها أهل السنة والجماعة عبر التاريخ، فالطائفة المنصورة فسرها العلماء تفسيرات تصدق على حال العاملين للإسلام اليوم.

يقول النووي رحمه الله في شأن هذه الطائفة:
(يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاعٍ وبصيرٍ بالحرب وفقيه ومحدث ومفسرٍ وقائمٍ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلدٍ واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطرٍ واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعضٍ منه دون بعض).

هذه الطائفة هي أمل الأمة اليوم في هذا العصر الذي ادلهمت فيه الظلمات والخطوب، وتلاحقت المصائب والكروب، وتداعى الأعداء على أمة الإسلام تداعي الأكلة إلى قصعتها، فصارت الأمة الإسلامية إلى الحال التي ذكرنا بعض ملامحها سابقاً، فالطائفة المنصورة هي الأمل في هذا الوضع، فبعلم الكتاب والسنة الذي تبثه وتنشره تضيء للأمة طريق النجاة وسبيل الهدى، وبالدعوة إلى الله التي تقوم بها تخرج الناس من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور الهداية والطاعة، وبالجهاد والإعداد الذي تمارسه تحمي العقيدة والدين وتدافع عن العرض والأرض وتمكن لدولة الإسلام على أرضه، وبما تنشره من الوعي والفهم بين الناس تستنفر طاقات الأمة ومشاعرها للنهوض بمسئوليتها التي هيّأها الله لها وجعلها بها خير أمة أخرجت للناس.

وهذه الطائفة ليست حِكْراً على أحد فكل من اتصف بصفاتها كان منها، والمشاركة في الواجبات والمسؤوليات التي تقوم بها هي فرض على جميع المسلمين، على الرجل والمرأة، والشاب الصغير والشيخ الكبير، والثري الغني والمعدم الفقير، والظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات، والعالم وغيره، وكل هؤلاء يستطيعون المشاركة في النهوض بالمسؤوليات والواجبات السابقة بما تيسر، فالدعوة الصادقة، والنصيحة الخالصة، والاقتراح الهادف، والدفاع المنصف، والكلمة الطيبة، والدرس الخاص، والمحاضرة العامة، والكتيب والشريط، والمقالة والمشروع الخيري، والموقف المحمود... الخ، كل هذه الأعمال مطلوبة ومرغوبة ولها دور مهم في النهوض بتلك الواجبات والمسؤوليات فالرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا ألا نحقر من المعروف شيئاً.

وعلى الرغم من تعدد الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق العاملين للإسلام اليوم، وتعدد وسائل النهوض والقيام بتلك الواجبات والمسؤوليات، فإن العمل على إصلاح ذات بين المسلمين والقضاء على أسباب ومظاهر الخلاف، وبيان منهج أهل السنة والجماعة في ذلك تبقى له الأولية في تلك الواجبات، لأن أكثر تلك الواجبات إن لم نقل كلها لا يمكن القيام بها في جو الفرقة والخلاف والتعصب والتحزب، فما أحرى القيادات الإسلامية والعلماء والدعاة بإحياء هذا المنهج في الساحة الإسلامية، قولاً في خطبهم ودروسهم ولقاءاتهم وتوجيهاتهم، وعملاً بتجسيده في علاقاتهم وسلوكهم مع إخوانهم، حتى تأتلف القلوب وتجتمع النفوس، وتتوحد الطاقات والجهود ضد العدو الخارجي، فيتحقق بذلك فينا ما وصف الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بقوله:

{محمدٌ رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماء بينهم}، فإن القوم إذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، وإذا تفرقوا فسدوا وهلكوا.

وهل هنالك عمل - في مثل ما نعيشه من خلافات اليوم - أفضل من إصلاح ذات بيننا؟
أم هنالك أخطر من فساد ذات البين هذه؟

إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين).

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن حال الأمة اليوم أوضح مصداق لهذا الحديث.
:::::

إن شاء الله في المرة القادة
الخاتمة ...
مع رابط تحميل للرسالة القيمة
والمرجو من الجميع
النشر رجاء عموم النفع
ولا تنسونا من صالح الدعوات
محبكم في الله
أبو دجانة الكناني
كان الله له ،،
آمين .

التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12-15-2011, 09:48 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

الخاتمة

وفي الختام:ـ
فإننا نرجو من الله تبارك وتعالى أن يكون عملنا هذا قياما بجزء من الواجب في هذا الموضوع، واستجابة موفقة لقول الله تبارك وتعالى:
{فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، وقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، وقوله تعالى:
{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}
وأن يكون مساهمة نافعة في التقريب بين مختلف عناصر الطائفة المنصورة، القائمة بخلافة النبوة في مختلف المجالات، في العلم والمقال، وفي السلوك والحال، وفي الدعوة والجهاد، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من واجبات هذا الدين وفرائضه وسننه وآدابه وأحكامه وشرائعه، ونسأله أن يصلح ذات بيننا، ويؤلف بين قلوبنا، ويهدينا سُبل السلام، ويخرجنا من الظلمات إلى النور، ونسأله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعزُ فيه أهل طاعته، ويُذَلُ فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.


هذا ما أردتُ إبداءَهُ في هذا الموضوع الشائك الكبير الخطير، فما كان فيه من توفيقٍ فمن الله، وما كان من خطإٍ ونقصٍ فمن النفس والشيطان، وإن أُريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

:::::::::

رابط لتحميل الكتاب النافع الماتع
( العمل الاسلامي بين دواعى الاجتماع ودعاة النزاع )
لفضيلة الشيخ :
أبي حفص الموريتاني
ثبته الله وحفظه وفك أسره من سجون الرافضة المجوس
آمين .

للتحميل : اضغط أسفل ...

سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم


ولا تنسونا من صالح دعائكم
نفع الله بكم


محبكم في الله
أبو دجانة الكناني
كان الله له ،،
آمين .

التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-04-2012, 09:19 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

محاضرة جديدة مميزة للشيخ الطريفي - (المنهجية في دراسة فقه الأئمة الأربعة).
التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
::, متجدد., الاجتماع, العلم, الإسلامى, النزاع, بين, دواعي, [, هام, ودعاة, ], كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 12:27 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.