#1
|
||||
|
||||
![]()
إن القرآن العظيم هو مصدر الهداية والنور، يهدي الله به من شاء من عباده، وقد أمرنا الله بتدبره والتأمل في آياته، ويسر لنا الادكار به حيث جعله سهلاً ميسراً تفهمه العقول ويلامس شغاف القلوب، ولكن التدبر والتأمل للقرآن ومعرفة أحكامه وحكمه لا بد لها من ضوابط من الشريعة، وفي هذا الدرس يتطرق الشيخ لبعض الآيات التي يخطئ فهمها الكثير من الناس. أهمية تدبر القرآن ![]() الحمد لله الذي جمعنا وإياكم في هذا المجتمع الذي نسأل الله أن يكون من مجتمعات الخير ومغفرة الذنوب، وأن يتجاوز الله عنا وعنكم التقصير والغفلة، وأن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. هذا الموضوع الذي سنتحدث عنه الليلة إن شاء الله تعالى، موضوع حساسٌ وخطيرٌ في نفس الوقت، لأنه يتعلق -أيها الإخوة- بأغلى شيء عند الإنسان المسلم، أغلى ما يملكه الإنسان المسلم في هذه الحياة، وأعز شيء عنده، بل هو دليله ونوره الذي لا يستطيع السير بدونه، ألا وهو القرآن. وسيكون محور الكلام في هذا الموضوع الذي سنتحدث عنه متعلق بهذا القرآن العظيم الذي هو مصدر الهداية وإشعاع النور الذي يهدي الله تعالى به من شاء من عباده. أيها الإخوة: إن الله عز وجل أمر بتدبر القرآن، فقال:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() وقال الله عز وجل أيضاً: ![]() ![]() وكان ابن أبي مليكة -من كبار علماء السلف - يقول: سئل ابن عباس عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها -لو أحد سئل فيها الآن لأفتى وقال فيها- فأبى أن يقول فيها. أبى ابن عباس ، و ابن عباس هو الحبر البحر، إمام أهل السنة في التفسير قاطبةً، الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا الله عز وجل أن يعلمه التأويل، فعلمه الله عز وجل أشياء كثيرة، فلما جاء عند آية لم يعرف معناها، رفض أن يتكلم فيها!...... يتبع إن شاء الله...
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 10-02-2012 الساعة 11:17 PM |
#2
|
||||
|
||||
![]()
العلوم التي يحتاجها المفسر
وكذلك- أيها الإخوة- لو أردنا أن نسرد شيئاً من أطراف العلم، أو شيئاً من أنواع العلم التي يحتاج إليها المفسر، لوجدنا علماءنا قد نقلوا أشياء كثيرة، فمنها ما نقله الذهبي المتأخر رحمه الله تعالى المتأخر في كتابه التفسير والمفسرون ،
قال: العلوم التي يحتاج إليها المفسر كثيرة منها: علم اللغة، وعلم النحو، وعلم الصرف، وعلم الاشتقاق، وعلم البلاغة بأنواعه الثلاثة: البيان والبديع والمعاني، وعلم القراءات، وعلم العقيدة، وعلم أصول الفقه، وعلم أسباب النزول، وعلم القصص والتاريخ، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم الأحاديث المبينة لمجمل القرآن ومبهمه. فإذاً المفسر شأنه عظيم، ليس أي واحد يشتغل بالتفسير، نحن المسلمين ماذا نفعل الآن؟ نحن نقرأ هذا القرآن مفسراً بأقوال علماء السلف، هذا القرآن أنزل نعم، ومن هذا القرآن ما يفهمه العامة كقوله تعالى: ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() أيها الإخوة: لا بد من الرجوع إلى أقوال العلماء في التفسير، وإلا لضللنا ضلالاً بعيداً بدون أقوال علماء التفسير، ولا يمكن أن نتقدم خطوة إلى الأمام في فهم القرآن. أيها الإخوة: هناك علماء عندهم العدة فهم يفسرون، وهناك أناسٌ من طلبة العلم ومن عامة الناس الذين أراد الله تعالى بهم الخير يقرءون القرآن وتفسيره على ضوء أقوال علماء المسلمين المتخصصين في هذا المجال. إذاً: لا بد أن يفتح المسلم قلبه لهذا القرآن، وأن يعي معناه، وأن يتعلم تفسيره حتى يستطيع أن يسير على نور من ربه. أيها الإخوة: لابد أن يدخل المسلم منا عالم القرآن الكريم بدون مقررات سابقة، وبدون مؤثرات سابقة، وبدون فلسفات وثقافات سابقة، لا بد أن يدخل المسلم ساحة القرآن الكريم وصدره خالٍ من أي شيء سابق؛ حتى يشكل القرآن خلفية هذا المسلم ويكون له فكره، ويكون القرآن هو الذي ينشئ معرفة المسلم، وثقافته وقيمه وموازينه ومعاييره، وإلا فإن الأمور ستضطرب. ومن الأمثلة على هذا: هؤلاء الناس الذين ضلوا من قبلنا ودخلوا عالم القرآن وعندهم قواعد فلسفية من علم الكلام والمنطق وما شابه ذلك، فنزلوا آيات الله على أشياء لم يردها الله عز وجل، وضلوا ضلالاً بعيداً.......
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-08-2012 الساعة 01:44 AM |
#3
|
||||
|
||||
![]() أسباب الضلال في فهم القرآن إذا أردنا أن نستعرض معكم جزءاً من أسباب الضلال في فهم القرآن، فإنها- أيها الإخوة- ترجع إلى عوامل كثيرة منها:...... الزيغ في العقيدة ![]() الزيغ في العقيدة، فالإنسان إذا كانت عقيدته منحرفة ودخل في فهم القرآن، فإنه لا بد أن يضل في القرآن، ولذلك تجد طوائف كثيرة ممن انتسبوا إلى الإسلام عندما دخلوا في القرآن وعندهم قواعد سابقة من الضلال في العقيدة، انحرفوا انحرافاً كبيراً، ولا أدل على ذلك من استدلال كافة الفرق المنحرفة لصحة مذاهبهم بالقرآن، حتى ولو كانت استدلالات مضحكة، هؤلاء المعتزلة يستدلون على صحة مذهبهم بأن إبراهيم قال: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ![]() اتباع الهوى وإذا أردت سبباً آخر من أسباب الضلال في فهم القرآن، فإنه: اتباع الهوى: اتباع الهوى بكافة فروعه وأنواعه، فمن الناس من يكون اتباعهم للهوى في فهمهم للقرآن ناتجاً عن التهجم على كتاب الله والجرأة عليه بغير علم، كل واحد يظن نفسه أنه سيفتي ويفهم القرآن على كيفه، ويقول: أنا أفهم، وأنا مجتهد، وهكذا يدخل ويفسر يميناً ويساراً، وتجد التخبط الشديد في هذا الجانب، وأمثلة كثيرة في هذا المجال لعل الوقت يتسع لذكر بعضها، ومنهم من يحمله الهوى على محاولة تبرير أخطائه هو لتشهد الآيات عليها، يعني: هو إنسان مخطئ ومذنب ومقصر، فيأتي إلى القرآن يبحث عن آيات يحملها على محمل لكي تبرئه وتظهره أمام الناس بأنه إنسان مستقيم وغير مخطئ، ولا مقصر- كما سيمر معنا أمثلة من هذا أخذ بعض القرآن وترك بعضه كذلك- أيها الإخوة- من أسباب الضلال في فهم القرآن: أخذ بعضه وترك بعضه، وكما ذكرنا قبل قليل أن أحدهم يأخذ آية ويترك آيات. وإذا ما جمعنا النصوص من مذهب أهل السنة والجماعة عن طريقتهم في فهم القرآن والسنة تجد العالم النحرير عندما يطرق موضوعاً لا يأتي له بآية واحدة إلا إذا لم يكن يوجد غيرها في هذا الباب، أو حديث واحد، ولكنه يجمع كل الآيات والأحاديث في هذا الباب، لأن الآية ربما تتكلم عن جانب من الجوانب، ولا تتكلم عن جانب آخر، أو آية تتكلم مثلاً عن فترة معينة نزلت، ثم نسخت بآية أخرى، فيكون الاستدلال بالآية الأولى المنسوخة فيه ضلال، لأن هذا الرجل لم يجمع الآيات في الباب الواحد، فيكون فعله مثل الذي يأخذ قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
![]() ما قال ربك ويلٌ للألى سكروا وإنما قال ويلٌ للمصلينَ ما قال الله ويلٌ للذين يسكرون، وإنما قال: ويل للمصلين، يعني: نحن لا نصلي ونسكر!! فإذاً- أيها الإخوة- أخذ بعض الكتاب وترك بعضه من أسباب الانحراف والزيغ الذي وقع فيه كثير من الطوائف السابقة واللاحقة.
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-08-2012 الساعة 01:47 AM |
#4
|
||||
|
||||
![]()
الهزيمة النفسية أمام الغرب الكافر
كذلك: الهزيمة النفسية أمام الغرب، من العوامل التي تحمل بعض المسلمين على الدخول والخوض في القرآن ونفسيتهم متصفة بالهزيمة أمام الكفار، أمام الغربيين وغيرهم، فيأخذ يستنتج من القرآن كل شيء، يريد أن يثبت للناس أن القرآن فيه كل شيء، وأنه سبق الأمم في العلوم، وأن فيه جميع أنواع العلوم ...إلخ، كما فعل طنطاوي جوهري وغيره من الذين انحرفوا في هذا المجال. فهذا أيضاً من أسباب الضلال في فهم القرآن، و الشاطبي رحمه الله بين في كتابه الموافقات قواعد عظيمة للاستنباط والفهم واستخراج الأحكام وكذلك في كتاب الاعتصام أيضاً، وينبغي لمن أراد التوسع في هذا المجال أن يرجع إلى هذه الكتب.
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-08-2012 الساعة 01:50 AM |
#5
|
||||
|
||||
![]()
أمثلة على الفهم الخاطئ المؤدي إلى العمل الخاطئ
واعلموا -أيها الإخوة- أن عدم الفهم الصحيح يؤثر على التطبيق تأثيراً مباشراً، إذ أن الخطأ في الفهم يقود إلى الخطأ في التطبيق. لماذا نحن الآن نركز على مسألة كيف يفهم القرآن فهماً صحيحاً؟ ونحن الآن لم نتوسع فيها وما ذكرنا جوانبها المتشعبة، بل ذكرنا لمحة بسيطة، لكن ما هي أهمية الموضوع؟ الذي لا يفهم القرآن فهماً صحيحاً لا يطبق تطبيقاً صحيحاً، وينعكس فهمه الخاطئ إلى فهمه العملي انعكاساً مباشراً، فتنتج هذه الانحرافات والخرافات في الفهم والتصور والعمل والتطبيق....... ![]() قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أيضاً إذا جئت إلى قول الله عز وجل: ![]() ![]() ![]() ![]() الآن ماذا يحصل نتيجة الفهم الخاطئ لهذه الآية؟ الذي يحصل -أيها الإخوة- أن الناس صاروا يخلطون بين مضمون الإسلام وبين الأسلوب، أو المنهج الذي تعرض به حقائق الإسلام، ما معنى: ![]() ![]() ![]() ![]() . أنا أرفض هذا الحكم، هل تقول: حسناً يا أخي ليس هناك مانع، الزنا ليس حرام، حسناً ليس هو حراماً، بعض الناس سبحان الله! كما يقول صاحب الظلال رحمة الله تعالى عليه، يعني: يعرضون أحكام الإسلام على الناس كأنهم يربتون على أكتافهم ويتدسسون إليهم بالإسلام تدسساً. يعني: كأن الواحد منهم خجلان من الأحكام التي يقولها للناس، ولذلك هو يعرض شيئاً، ويترك شيئاً، ويعلن شيئاً، ويخفي أشياء، وهكذا يتدسس تدسس كأن أحكام الإسلام عار وخزي وخجل. فهذا -أيها الإخوة- من الضلال، فمن أكبر الانحرافات في الدعوة إلى الله أن نخلط بين الرقة في الأسلوب واللين في الحقائق والمضامين، فإن هذه الأمور إذا اختلطت صار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وصارت أحكام الإسلام كلها مرنة من هذه المرونة الشيطانية التي كلها تنازل عن حقائق الإسلام، وتغيير وقلب للأمور وتسميتها بغير مسمياتها كلها انطلاقاً من هذه الأفهام الخاطئة لمثل قول الله: ![]() ![]() ![]() ![]()
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-08-2012 الساعة 01:59 AM |
#6
|
||||
|
||||
![]()
قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)
كذلك -يا أخي- إذا جئت إلى قول الله عز وجل: ![]() ![]() ![]() ![]() اترك الناس، تريد أن تهديهم بالقوة؟! أعرض عن هذا واشتغل بأي شغل آخر وهكذا. من واقع ماذا؟ يقول: ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() يا أخي! الهداية بيد الله، وتقول لهذا الرجل من الناس الذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم: انظر في سبب النزول دائماً، فإنها من الأمور المهمة جداً، كيف نزلت هذه الآية؟ وفيمن نزلت؟ وما مناسبة النزول؟ روى الإمام مسلم في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: ( لما حضرت أبا طالب الوفاة -عم الرسول صلى الله عليه وسلم- جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبو جهل ، و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمِ! قل لا إله إلا الله كلمةً أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب -آخر كلامه-: هو على ملة عبد المطلب) اختار الكفر-والعياذ بالله- لأن الناس هؤلاء يضغطون على رأسه. لولا الملامة أو حذار مسبـة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً فهو خشي الملامة والمسبة، وخشي أن يعيره الناس، يقولون: ترك دين آبائه وأجداده، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، ومات، فماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله: ![]() ![]() ![]() ![]() أنزلها الله في أبي طالب فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: ![]() ![]() ![]() ![]() بعدما استفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم وسعه وطاقته في دعوة أبي طالب نزلت هذه الآية، فانظر كيف يستخدمها الآن هؤلاء المغفلون المغرضون في حجب النور عن الناس، وتثبيط الدعاة إلى الله .
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-08-2012 الساعة 02:20 AM |
#7
|
||||
|
||||
![]()
قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ... )
فإذا أتيت معي إلى آية أخرى، وهي قول الله تعالى: ![]() ![]() هذه الآية -أيها الإخوة- يحارب بها بعض المسلمين، أو المتمسلمين كثيراً من الدعاة إلى الله عز وجل، وينتقدونهم ويرفضونهم ويخطئونهم لنصحهم الناس ودعوتهم الناس إلى الخير، ويأخذون عليهم جهرهم بالحق، لماذا؟ لأنهم يخالفون -بزعمهم- هذه الآية، فتجد أحدهم يأتي إليك ويقول: يا أخي! لماذا تنكر على الناس المنكرات؟ ولماذا تكلم الناس عن هذه المعاصي؟ ولماذا تصدع بالحق؟ ولماذا تجهر به؟ أما قال الله: ![]() ![]() والناس الآخرون لو تكلم، قالوا: أين الحكمة في الدعوة؟ فيثبطونه ويقعدون به عن المضي في صراط الله المستقيم، فما كانت هذه أبداً في شرع الله عز وجل، ما كان حضور المنكرات والانفعال فيها ومشاركة الناس فيها أبداً من باب الحكمة والدعوة بالموعظة الحسنة مطلقاً، والله عز وجل يأبى هذا ولا يرضاه، وشريعة الله لا تقر هذا بأي حال من الأحوال. وما كانت -أيها الإخوة- الحكمة والموعظة الحسنة عند السلف في يوم من الأيام أن يرضى الإنسان المسلم الدنية في دينه، ويرضى مواقف الذل في حياته، ويشارك أعداء الإسلام، ويتنازل عن تشريعات كثيرة، وأحكام كثيرة من أحكام الدين باسم المرونة، أو التطور وما شابه ذلك، فالآن الناس يفسرون ويقولون: كن مرناً، الحكمة والموعظة الحسنة أن تكون مرناً، ليس هناك داع أن تنكر وتلتزم بكل هذه الأشياء، فيجعلون التفلت من الالتزامات الإسلامية، والسكوت عن الحق والمداهنة هو الحكمة والموعظة الحسنة. وعندما ترجع إلى التفسير تجد أن القضية مختلفة تماماً، فيقول ابن كثير رحمه الله ناقلاً عن ابن جرير : الحكمة هي ما أنزله الله على رسوله من الكتاب والسنة. هذه هي الحكمة ![]() ![]() وهذا طبعاً لا يعني أنك عندما تعرض الكتاب والسنة على الناس أن تترك الأشياء المساعدة لك في الدعوة إلى الله، كالقول المناسب في الوقت المناسب بالقدر المناسب والأسلوب المناسب، فإن هذا من تكملة الحكمة ومن تفريعاتها ومن مستلزماتها ومتضمناتها، والحكمة أساساً هي: الكتاب والسنة، لكن هذا يتضمن دعوة الناس إلى الكتاب والسنة، فلابد أن تنتقي القول المناسب وتنتقي الوقت المناسب، وتنتقي الأسلوب المناسب بالقدر المناسب والتدرج المناسب، وهذا لا ينافي الشريعة مطلقاً، بل إن هذا أمر مطلوب، وتدعو إليه الشريعة، وأحوال الرسل والأنبياء. والموعظة الحسنة- كما يقول ابن جرير رحمه الله- أي: ما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ليحذروا من بأس الله. يعني: بالموعظة الحسنة ادعهم بما يرقق قلوبهم من ذكر النار وعقاب الله عز وجل والعذاب، ومصائر الأمم الغابرة التي أهلكها الله تعالى، رقق قلوبهم حتى بآيات الجنة وآيات الثواب، وآيات الرحمة والمغفرة، استخدم هذه الأشياء التي ترقق القلوب، المهم أن ترقق القلوب، هذا هو استخدام الموعظة الحسنة. فانظر -رحمك الله- إلى فهم الناس للآية والفهم الإسلامي الصحيح، تجد الفرق شاسعاً نتيجة التصور الخاطئ، لم يكلفوا أنفسهم بفتح كتاب واحد من كتب التفسير المعتمدة، وإنما أطلقوا العنان لأهوائهم في حمل هذه الآيات على المحامل المختلفة التي ليس من شأنها إلا تثبيط المسلمين وتبرير الأخطاء.
|
#8
|
||||
|
||||
![]()
قوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )
كذلك عندما تأتي معي إلى آية أخرى، يقول الله عز وجل: ![]() ![]() ![]() ![]() هذه الآية -أيها الإخوة- نزلت كما روى الترمذي رحمه الله بإسناد صحيح يقول الراوي: (كنا في حرب مع الروم فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم، أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن نافع ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ، فحمل رجل من المسلمين -شخص واحد فقط- على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس: سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يا أيها الناس! إنكم تأولون هذه التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها) الصحابة قالوا في فترة من الفترات بعد فتح مكة ، أو بعد ما انتشر الإسلام، قال هؤلاء الصحابة في أنفسهم: الآن الحمد لله انتشر الإسلام، وكثر المناصرون للإسلام، وأموالنا نحن في غمار الجهاد والتضحيات السابقة تلفت، وصار الواحد منا ليس عنده ما ينفق على نفسه، ليس عنده أموال ولا زرع، وما عنده بيوت، فالآن الحمد لله الدنيا صارت بخير وانتشر الإسلام، صار في مركز قوة، فنلتفت نحن إلى أموالنا فنصلحها، وهذا الكلام سر فيما بينهم، وهذه خاطرة يعني: قد تكون طبيعية في هذا الجو، أناس تعبوا وجاهدوا وقاتلوا وضحوا سنوات طويلة جداً حتى انتشر الإسلام، فجاء في أنفسهم هذا الخاطر، لو الآن أقمنا والتفتنا إلى أحوالنا، فأصلحناها. فهنا -أيها الإخوة- ينزل الله هذه الآية العظيمة لكي يربي المسلمين على مبادئ كبيرة جداً، فيقول الله تعالى: ![]() ![]() أيها الإخوة: انظروا كيف إن المسلمين يستدلون بها على أي شيء، وهي نزلت في أية مناسبة؟ فرق كبير جداً، فالآية لا تتخيل، ولا تتصور إلا بعد أن تعرف سبب النزول فإذا عرفت سبب النـزول، فهمت أن الله يريد أن يربي المسلمين على الاستمرارية في التضحية، لا تقول: أنا جاهدت ودعوت عشر سنوات، عشرين سنة، دعني الآن أشتغل في التجارة، وأتفرغ لنفسي وأحوالي المعيشية، والحمد لله الآن الدعاة كثروا، بعض الناس عندهم هذا المفهوم، يقول: الحمد الله الآن الدعاة كثروا، والإسلام بخير، والصحوة الإسلامية منتشرة، وأنا لي الآن فترة طويلة أدعو وأضحي، فدعني الآن ألتفت إلى تجارتي ومعيشتي أنشغل بها فيما بقي من عمري، وأصلح أحوالي وأحوال أسرتي. هذه الحالة منافية للحالة التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان المسلم. فالإنسان المسلم -أيها الإخوة- داعية ومجاهد على طول الخط، وفي طول الطريق يبقى مضحياً في سبيل الله، ويبقى عطاؤه وإنفاقه مستمراً في سبيل الله لا يتركه لحظة واحدة، ومتى ما ترك ذلك فقد هلك وانتهى؛ لأن الشخص الذي ينتقل من أجواء الدعوة والتضحية والبذل والعطاء إلى جو الأموال والمتاع الدنيوي، يقضى عليه تماماً، وينسى حتى الأشياء الأساسية، النفس تغفل، إذا انشغلت بالدنيا انتهت. فلذلك الله يأمر المسلمين بالاستمرارية في العطاء، صحيح أن الإسلام انتشر، لكن ما زال هناك أناس لم يصل إليهم الإسلام، ما زال هناك جهاد في سبيل الله، ما زال هناك مجالات للإنفاق، لا تقل أنا أشتغل بنفسي، وأترك الإسلام ينتشر لوحده، أو الأجيال الجديدة التي ظهرت الآن هي التي تتحمل، فأنا أقدم استقالتي، وأترك هذا العمل الإسلامي، كلا. إن هذه القضية خطيرة جداً تعود بالوبال على من يفكر فيها لحظة واحدة وينقلها إلى مجال التطبيق، فهؤلاء الذين يبررون قعودهم عن أداء الواجب، ويرون الرخص في عدم الجهر بالحق والصدع بالأمر وتبليغ الدعوة، أحياناً تطلب الدعوة تبليغ الحق يكون فيه أذى عن النفس، ويكون فيه شدة ومشقة، فيأتي الشيطان يقول للإنسان: يا أخي! لا تلق بنفسك إلى التهلكة، لماذا تذهب تصدع بالحق وتجر الأذى على نفسك، وتفعل وتفعل؟ لا، الآن الحمد الله الناس بخير والصحوة الإسلامية منتشرة، أنت الآن لا تصدع، فيبرر لهؤلاء الكسالى المتقاعسين القعود عن التضحية والعمل من أجل الإسلام. والآية -أيها الإخوة- ترد على هذه المزاعم: ![]() ![]() فأنفق يا أخي! أنفق مالك في سبيل الله، أنفق وقتك في سبيل الله، أنفق جهدك في سبيل الله، اجعل تخطيطك ومخططاتك أيضاً فيها حظ كبير للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم، وتربية النفس وتربية الناس ونشر الخير بين المسلمين بدلاً من أن تجعل كل مخططاتك وتخطيطك كلها دنيوية بحتة، ماذا أفعل غدا؟ وكيف أقيم مشروعاً؟ وكيف أكسب؟ وكيف أزيد دخلي؟ وهكذا؛ لأن من صدق الالتزام بالإسلام أن يكون شغلك الشاغل وتخطيطك للمستقبل فيه تفكير لأمور الإسلام والمسلمين، لكن أكثر المسلمين اليوم تجد تفكيراتهم المستقبلية كلها دنيوية لا يفكر بأحوال المسلمين ماذا ستكون، ماذا يمكن أن نقدم في المستقبل، كيف أطور نفسي، ما هي الأساليب الجديدة في الدعوة إلى الله، كيف أدخل في آفاق جديدة ومجالات لم أتطرق إليها من ذي قبل، كيف أصعد من همتي ونشاطي في الدعوة إلى الله. إذاً: لا بد أن تكون حتى أفكارنا ومشاعرنا، وآلامنا وآمالنا كلها من أجل الإسلام ومصلحة المسلمين، فلابد أن ننفق حتى الأفكار والمشاعر، وحتى الآمال والتطلعات والتخطيطات، وحتى الأموال والجهد والوقت، لا بد أن ينفق هذا كله في سبيل الله. ويقول ابن كثير رحمه الله في هذه الآية بعدما فسر الآية ونقل أقوال السلف : ومضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر أوجه القربات وأوجه الطاعات، وخاصةً صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوي المسلمين على عدوهم، ويقول: والإخبار- يعني: هذه الآية تتضمن أيضاً- أن ترك ذلك هلاكٌ ودمارٌ إن لزمه واعتاده. فنسأل الله أن يجعلنا من الذين ينفقون أوقاتهم وأعمارهم وأموالهم في سبيل الله عز وجل.
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-09-2012 الساعة 02:55 AM |
#9
|
||||
|
||||
![]()
قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
تعال معي إلى آية أخرى، وانظر كيف يكون سوء الفهم، وعدم الفهم الصحيح للآية قائداً ودليلاً إلى سوء التطبيق -والعياذ بالله- يقول الله عز وجل: ![]() ![]() ماذا يفهم الآن كثير من المسلمين من هذه الآية؟ إنهم يفهمون أن التقصير في بعض الواجبات وارتكاب بعض المحظورات، والترخص في بعض الأحكام، نأخذ من الرخص مما هب ودب، والتفلت من بعض التكاليف، هذا ليس فيه شيء، لأن الله قال: ![]() ![]() أيضاً وهكذا، ويبرر هؤلاء الناس حالهم بهذه الآية، فيقولون: ![]() ![]() كثير من الناس تناقشه في الواقع الفاسد، يقول: يا أخي! ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() انظر! الفرق في الفهم عندما تفهم: ![]() ![]() ما استطعت، يعني: على قدر كل استطاعتك، كل قدراتك، تتقي الله عز وجل، لا تفرط ولا بشيء من استطاعتك في طاعة الله مطلقاً. وإذا تذكرنا الآية الأخرى وهي قول الله عز وجل: ![]() ![]() فالشرع هو الذي يحدد الاستطاعات العامة، ولكن في نفس الوقت هناك أناس معذورون لأعذار قاهرة، هؤلاء أعذارهم بينها الشرع الحنيف، ولم يترك شيئاً إلا وبينه. وكذلك نفس الموضوع هذا عندما تكلم الكثير من الناس عن واقع المنكرات التي يعيشونها ويحيون فيها، يقولون لك: يا أخي! ![]() ![]() ![]() ![]() فتجده يحتج بهذه الآية على تقصيره وإهماله وتفريطه في حق الله عز وجل. وعندما تأتي معي إلى سبب نزول هذه الآية ينجلي عنك الإشكال والغموض واللبس تماماً، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (لما نزلت على رسول الله (( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ...))[البقرة:284] إلى آخر الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله، ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق -الصلاة والصيام والزكاة والصدقة، ما عندنا في ذلك إشكال- وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها -يعني: (( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ))[البقرة:284] سواءً أسررته، أو أعلنته يحاسبكم به الله- فقالوا: يا رسول الله! أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها -في نوع من الجرأة كان في كلامهم رضي الله عنهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين -اليهود والنصارى- سمعنا وعصينا؟! بل قولوا سمعنا وأطعنا) ما دام أن الله أنزل عليكم هكذا، قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، واسألوا الله المغفرة على هذا التقصير الذي يحصل منكم، ![]() ![]() ثم انظر إلى العبارة التي ستأتي الآن، وقد عبر عنها الراوي بعبارة دقيقة وجميلة جداً، يقول: ( فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في إثرها: ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() سواءً أظهرت النية السيئة، أم لم تظهرها، ما دام أنها جاءت في نفسك، سيحاسبك الله عز وجل عليها، ويسجل عليك سيئات، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، استسلموا لأمر الله، قالوا: ما دام أنها نزلت من عند الله، سمعنا وأطعنا. انظروا -أيها الإخوة- كيف إن الله عز وجل يكافئ المطيع على طاعته، فلما أطاع الصحابة الله عز وجل، نزل التخفيف، فقال في الآية: ![]() ![]() قال الله: نعم. لا يؤاخذهم إن نسوا، أو أخطئوا: ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() انظر! التخفيف، كانت القضية من أول: لو جاء في نفسك خاطر سوء، تأثم ولو لم تفعله، وصارت المسألة بعد ذلك -في التخفيف- لما اقترأها الصحابة وذلت بها ألسنتهم إذا همت نفسك بالسيئة وهممت بها ولم تعملها يكافئك الله عز وجل بالحسنات، لأنك ابتعدت وتركت المنكر والسيئة لأجل الله عز وجل، وهذا من فضل الله على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-09-2012 الساعة 03:02 AM |
#10
|
|||
|
|||
![]()
[size="5"]اللهم إجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء احزاننا وذهاب همومنا
جزاك الله خيرا يا أم عبدالله size] |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|