انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > وسائل تحصيل العلم الشرعي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-14-2008, 04:34 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي مُلَخَّص: سِلْسِلَة كَيْفَ تَكُون طَالِب عِلْم؟

 

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

هذه سلسلة مباركة لشيخنا الكريم
راشد بن عثمان الزهراني
-حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه-.
وسوف يتحدث فضيلته عن المنهجية في طلب العلم الشرعي، وهي عبارة عن قواعد وضوابط تيسر طريق العلم لطالب العلم.

سائلين المولى تبارك وتعالى الإخلاص والقبول.

كما نسأله الإعانة والتوفيق والسداد.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-14-2008, 04:35 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

سِلْسِلَة كَيْفَ تَكُونُ طَالِب عِلْم؟
المحاضرة الأولى


إن العلم الشرعي يحتاج فيه طالب العلم إلى ثلاثة أمور:

1- الإعانة من الله سبحانه وتعالى:
وإذا لم يكن من الله عون للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده.

2- تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، يقول سبحانه:{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:282].

3- الطريقة التي يسير فيها في طريقه في هذا العلم الشرعي.

إن فائدة أن يسير طالب العلم في تعلمه لعلم الشريعة في قراءته، في بحثه، في أخذه وفي عطاءه، فائدة أن يسير على منهجية معينة هو أن يسلك طريق العلم بأسرع طريقة وبأسهل وسيلة.
لو نتأمل في كتاب صدر حديثا اسمه "علماء لم يبلغوا سن الأشد" يعني لم يتجاوزوا الأربعين من أعمارهم وتوفوا قبل هذا العمر لكنهم خلال هذه الفترة قدموا تراثا علميا كبيرا للأمة الإسلامية، السبب أنهم سلكوا الطريقة الصحيحة في تلقي العلم الشرعي.
أيضا هناك رسالة بعنوان "العلماء الذين تصدروا للإفتاء والتدريس والتصنيف قبل العشرين".

الطرق التي يسير عليها طلبة العلم في أخذ العلم الشرعي تختلف، يعني ذكاء الأشخاص، الحفظ، قدرة وقوة الفهم، لكن يتبقى أن هناك أصول وقواعد معينة يتفق ويسير عليها الجميع ويحصلوا مرادهم بإذن الله سبحانه وتعالى.

العلم الشرعي من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى.
الله سبحانه وتعالى امتن على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وهم قدوة الخلق وأفضلهم، امتن عليهم بمنن ونعم عظيمة، من بين هذه النعم أن الله سبحانه وتعالى امتن عليهم بالعلم الشرعي:
- فقال الله عز وجل عن يوسف عليه السلام:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}[يوسف:6].
- وقال الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ }[يوسف:68].
- وقال سبحانه وتعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم:{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}[النساء:113].
حينما فسر الإمام الحسن البصري -رحمه الله-، لما قرأ هذه الآية:{وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }[البقرة:201] قال( الحسنة في الدنيا العلم الشرعي، والحسنة في الآخرة جنات عدن ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر).
الإمام مالك -رحمه الله- ورد إليه رسالة وكتاب من أحد العباد في زمانه وهو الإمام عبد الله العُمري -رحمه الله-: رأى انشغال الإمام مالك بتعليم العلم وبالتدريس وبالإفتاء فأرسل إليه خطابا ينصحه فيه ويحثه على الانفراد والعمل وترك الانشغال بتدريس الناس، فقال الإمام مالك -رحمه الله-( إن الله عز وجل قَسَّم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُب رجل فتح الله عز وجل له في باب الصلاة ولم يُفتح له في باب الصيام، ورُب رجل فُتِح له في باب الصيام ولم يُفتح له في باب الصدقة، ورُب رجل فتح له في باب الصدقة ولم يفتح له في باب الصلاة، وأنا قد فتح الله عز وجل لي باب العلم وما أظن أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير ).

هذه الدروس سبب اختيارها يعود إلى أسباب:

السبب الأول
فضل العلم.

السبب الثاني
خطر الجهل: وهو من أعظم أسباب الحرمان كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-.
- الإمام الشافعي -رحمه الله- كان إذا رأى شيخا كبيرا قَرُب منه فسأله في الحديث والفقه وبعض أحكام الصلاة، فإن وجد عنده إجابة تركه وإن لم يجد عنده شيئا قال له(لا جزاك الله عن نفسك خيرا، ولا جزاك الله عن الإسلام خيرا فقد ضيعت نفسك وضيعت الإسلام ).
- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال(كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا نُسِب إليه، وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه مَنْ هو فيه ):

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله *** وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرىء لم يحي بالعلم ميت *** فليس له حتى النشور نشور.


- ذكر القفطي -رحمه الله- وهو من علماء النحو له كتاب عظيم ونفيس في تراجم علماء النحو واسمه "إنباء الرواة بأخبار النحاة": ذكر في ترجمة إبراهيم بن قطن القيرواني -رحمه الله- أنه كان من علماء العربية وكان متصدرا في القيروان لإفادة الطلاب في هذا العلم، فكان طلاب العلم يأتون إليه من كل مكان، فيوم من الأيام كان جالسا في مجلسه فدخل عليه أبو الوليد عبد الملك بن قطن القيرواني وهو أخوه فمد يده يريد أن يتناول أحد الكتب، فجبده منه إبراهيم بقوة وقال: تقرأه وأنت تجهل ما فيه، فكانت هذه الكلمة في قلبه، فأخذ يتعلم علم اللغة والعربية حتى بَرَّز في هذا الشأن -رحمه الله- فاشتهر ذكره وخَمُل ذكر أخيه إبراهيم، فكان الناس يتوافدون إلى أبي الوليد -رحمهم الله جميعا-.

السبب الثالث
أن من المحبين الذين يُقْبِلون على علم الشريعة من يُقبل عليه إقبالا عظيما ثم بعد فترة يبدأ الكسل والملل يدخل إلى جوفه فتستلم نفسه لهذا الكسل فإذا به يودع العلم ويتركه، ولو وجد من يعينه لوجد في ذلك نفعا عظيما.

السبب الرابع
أن في الفترة الأخيرة هناك ابتعاد وإعراض ليس بشكل كبير ولكنه موجود عن مجالس العلم الشرعي، وحصل اختلاط بين ما يُسمى بالفكر الإسلامي وبين العلم الشرعي.

[ تنبيه ]
وهنا ننبه على قضية معينة:
الفكر الإسلامي يعزو بعض المؤرخين إلى أن سبب وجوده وظهوره هو حينما كان الاستعمار جاثما على البلاد العربية والإسلامية وخاصة في مصر، فبدأ الناس في هذا الاستعمار وبدأ المستشرقون يبثون سمومهم وسهامهم على أمة الإسلام، فقام البعض من لديه الغيرة والحمية للإسلام بالدفاع عن هذه العقيدة والكتاب والسنة، كانت لهم تصورات عامة للإسلام وعن الشريعة ولكن لم يكن لديهم التأصيل الشرعي وأدوات الاستنباط الشرعية التي تأهلهم إلى أن يقدموا هذا الدين كما أمر الله سبحانه وتعالى لا كما يريد الناس.
العلماء في الفترة الأخيرة تنبهوا فدخلوا في هذا الفكر ولكن بحصيلة علمية جيدة.
بدأ الإعلام يتحدث عن علماء الشريعة بأنهم ظلاميون لأنهم يريدون أن يعيدوا كل شيء إلى ما قبل 1428هـ، وسمي المفكرون بالمستنيرين فحصل الخلط.
الحمد لله الفترة الأخيرة أصبح لدينا من علماءنا مَن يحمل الأمرين.
لا يُفهم من كلامنا أن نعاتب الفكر أو نحاكمه فقد قدم الشيء الكثير للأمة، ولكن نريد من شبابنا أن يتوجهوا إلى العلم الشرعي ثم إذا كانت لديهم الحصيلة فينطلقون في باق العلوم.

السبب الخامس
أنه حصل أيضا اختلاط بين ما يُسمى: بين العلماء والوعاظ والدعاة.
الفرق بين العلم والوعظ:
الوعظ لاشك أنه مطلوب، القرآن الكريم كله موعظة للناس، وبيان وشفاء لما في الصدور.
يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-(المواعظ سياط تُضرب بها القلوب ).
كذلك قال -رحمه الله-(الوعظ في القديم الذي كان يقوم عليه هم العلماء والفقهاء، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يحضر مجالس الوعاظ والقصاص فإذا رفعوا أيديهم بالدعاء رفعوا أيديهم كذلك، فما خست هذه البضاعة ودخل فيها من لا يحسنها خرج منها العلماء وأقبل عليها العوام والصبيان).

المطلوب أن يكون لنا تكامل، فنحن بحاجة إلى الوعاظ والدعاة، ولكن نريد منهم أن يكونوا حلقة وصل جيدة بين الناس والعلماء.
ولهذا يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-(إنكم في زمان كثير علماءه قليل خطباءه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماءه كثير خطباءه، فمن كثُر علمه وقَلَّ قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو المذموم ).

السبب السادس والأخير
هناك إقبال من بعض طلبة العلم على العلم وحرص شديد عليه، لكنه أحيانا يصطدم بأنه لا يُجيد السير بطريق صحيح في تعلم علم الشريعة.
وبالمثال يتضح المقال:
أحد علماء مصر: بدأ هذا العالم العلم الشرعي فحفظ القرآن الكريم وهو لم يبلغ الحلم بعد، وكان والده فلاحا فقال له: يا بني أنت تطلب العلم وأنا أعولك بهذه المزرعة فاذهب فتعلم علم اللغة العربية، فبدأ تعلم علم النحو لكنه لم يوفق في الطريقة الصحيحة فبدأ بتعلم النحو بمتن شرح الآجرومية وهو شرح الشيخ الكفراوي -رحمه الله- وهذا من أصعب الشروح على الإطلاق، فحاول أن يفهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، أصبح عمره خمسة عشرة سنة ومكث يتعلم علم النحو سنة ونصف ولم يستطع أن يفقه فيه شيئا، فقال لوالده: لا أريد أن أتعلم علم النحو، أريد أن أعمل معك في المزرعة، فقال: إلا أن تتعلم علم النحو، فحاول مع والده وفي النهاية اضطر هذا الشاب أن يهرب من قريته إلى قرية أخرى فذهب، فبدأ يعمل في مزارع الآخرين، فمر عليه أحد العلماء وهو يعمل في الحقل فصافحه وقال: يا بني إن هذا الوجه وهذه اليد ليست يد مزارع وهذا الوجه هو وجه عالم فأخبره بخبره، فقال العالم: إن السبب هو أنك بدأت بشرح الشيخ الكفراوي فلو بدأت بشرح الشيخ خالد الأزهري لكان الأمر عليك سهلا، فبدأ فيه فخلال ستة أشهر استطاع أن يُحكِم وأن يتعلم قواعد اللغة العربية.
فقال أحد العلماء الذين ترجموا لهذا العالم: لولا أن الله تعالى أراد به خيرا لكان مثله مثل سائر الفلاحين، يكتب اسمه في دفتر المواليد ثم في دفتر الوفيات.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-14-2008, 04:43 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

~ فضل العلم الشرعي ~

فضله لا يحتاج منا إلى تدليل ولا إلى تأكيد، ففضله معلوم وشرفه مرقوم، وهو كالشمس في رائعة النهار.
1) أدلته من كتاب الله تعالى:
- يقول الله سبحانه وتعالى:{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[آل عمران:18].
. الله سبحانه وتعالى يقرن شهادة العلماء من بين سائر البشر بشهادته عز وجل وبشهادة ملائكته.
. أن الله سبحانه وتعالى استشهدهم على أعظم مشهود وهو توحيد الله تعالى.
- يقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }[البينة:7-8].
الإمام القرافي -رحمه الله- وهو من أئمة المالكية يقول في كتاب "الذخيرة"( "خير البرية" من يخشى الله، وكل من يخشى الله فهو عالم، فينتج عنه أن "خير البرية" هو العالم، وهذا هو معنى قول الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }[فاطر:28]).
2) أدلته من السنة النبوية:
الحديث الأول
- في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم:[ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ].
فمفهوم المخالفة في الحديث: أن من لم يفقه الله تعالى في الدين لم يرد الله به خيرا.
ولهذا ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه:[ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن لم يرد الله به خيرا لم يبال به ].
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-(الزيادة ضعيفة لكن المعنى صحيح).

[ فائدة ]
العلماء يقولون: إن الفقه والعلم ليس فقط بكثرة القراءة والاطلاع، ولكنه مع هذا فتوح من الله عز وجل وتوفيق منه لعبده، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:[ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ] فنسب الإرادة إلى الله سبحانه وتعالى.

الحديث الثاني
- ما رواه أبو داود عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-: يقول صلى الله عليه وسلم:[ من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر].
وقد دل هذا الحديث على فضل العلم من خمس أوجه:

الوجه الأول
أن الذي يتعلم علم الشريعة ويسلك طريق العلم ويحضر حلق العلماء فإنه يسلك بابا من أبواب الجنة، ويسلك طريقا من الطرق التي تلج به في النهاية إلى جنات النعيم بإذن الله تعالى.

الوجه الثاني
الذي يدل على فضل العلم في هذا الحديث أنه قال:[ وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ].
العلماء اختلفوا في معنى [ لتضع أجنحتها ] على خمسة أقوال:
1- أن الملائكة تتواضع لطالب العلم.
2- أن الملائكة تعظم طالب العلم.
3- أن الملائكة تحمله عليها فتعينه على بلوغ قصده.
4- أنها تبسط أجنحتها بالدعاء لطالب العلم.
5- أنها تكف عن الطيران وتجلس في مجالس وحلق العلم والذكر.

الوجه الثالث
قال صلى الله عليه وسلم:[ وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء ].
يقول الإمام ابن جماعة -رحمه الله- في "تذكرة السامع والمتكلم"( وهذا يدل على فضل العلم ومكانة أهله، فإذا كان ينافس في دعاء الرجل الصالح أو من يُظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون ).
والدليل على أن الملائكة تدعوا للمسلمين قول الله تعالى:{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[غافر:7-9].
وفي رواية:[ حتى النملة في جحرها ].

العلماء هنا تساءلوا:
ما الذي يحمل الحيتان والنملة في جحرها أن تدعوا لمعلم الناس الخير؟


قالوا: لأن العالم هو الذي يعلم الناس الإحسان إلى الحيوان، ويعلم الناس ما يحل منها وما يحرم.

الوجه الرابع
قال عليه الصلاة والسلام:[ وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ].
سنتحدث عن خمسة مسائل:
1- في الحديث تشبيه مطابق لحال القمر والكوكب: فالقمر يضيء الآفاق للعالَم وكذلك العالِم، والكوكب يضيء لنفسه وإن تجاوز فإنه يتجاوز غير بعيد وكذلك العابد الذي عبادته تنفعه في نفسه وتنفع الناس المحيطين به.

2- في هذا الحديث تشبيه للعالم والعابد بالقمر والكوكب ومعناه أيضا تشبيه للجاهل بالليل في ظلمته.

3- لماذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم العالم بالقمر ولم يشبهه بالشمس مع أن نور الشمس أقوى؟
والسبب يعود لأمرين:
أ- أن نور العالم مُستفاد من غيره، القمر يستفيد ضوءه من الشمس فكذلك العالم يستفيد علمه من النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- أن الشمس لا يلحقها اختلاف من أول الشهر إلى آخره، لكن القمر يلحقه اختلاف فتارة يكون بدرا، وتارة يكون هلالا، وتارة يزيد وتارة ينقص، وكذلك العلماء فمنهم من هو في علمه كالبدر في تمامه، ومنهم من هو أقل من ذلك بليلة، وبليلتين وهكذا.

4- قال صلى الله عليه وسلم:[ كفضل القمر ليلة البدر ]
لماذا شبه القمر بليلة البدر؟
قالوا: لأن العالم إنما يكمن اتباعُه بقدر اتباعِه للنبي صلى الله عليه وسلم، وكلما أخذ من النبي عليه الصلاة والسلام كلما زاد ضوءه وكمُل وأصبح بدرا، فإذا نقص فإنه ينقص، فإن أعرض عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكسُفُ باله كما إذا حال بين القمر والشمس حائل فإن القمر ينكسف.

- أيضا ورد تشبيه العلماء بالنجوم والسبب:
أن النجوم يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء يُهتدى بهم.
النجوم زينة للسماء وكذلك العلماء زينة للأرض.
النجوم رجوم للشياطين وكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس والجن.

الوجه الخامس
قوله صلى الله عليه وسلم:[ وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ].
وهذا من المناقب العظيمة لأهل العلم، أن الأنبياء هم خيرة خلق الله تعالى، فكذلك ورثتهم هم خيرة العباد بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
وفيه الأمر بطاعة العلماء والتحذير من الإساءة إليهم.
ولهذا يقال أن أعرابيا دخل في حلقة ابن مسعود -رضي الله عنه-، فرأى الناس قد تحلقوا على ابن مسعود -رضي الله عنه-، فقال لابن مسعود: ماذا يريد هؤلاء؟ على ما اجتمع هؤلاء؟، قال: اجتمعوا على ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.

العلم ميراث النبي كما أتى *** في النص والعلماء هم ورّاثه
ما خلف المختار غير حديثه فينا *** فذاك متاعه وأثاثه.


أبو هريرة -رضي الله عنه- دخل يوما إلى السوق فوجد الناس يبيعون ويشترون فَعَلاَ فيهم وقال: يا أيها الناس أأنتم هاهنا تبيعون وتشترون وميراث النبي صلى الله عليه وسلم يُقسم في مسجده، فهرع الناس إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فوجدوا الناس هذا يتل القرآن الكريم، وهذا يتعلم علم الشريعة، وهذا يحفظ، وهذا يصلي ويسجد، فقالوا: أين ميراث النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هذا هو ميراث النبي عليه الصلاة والسلام.

الحديث الثالث
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ].
كيف نستنبط فضل العلم من هذا الحديث؟
يقول ابن جماعة -رحمه الله- في "تذكرة السامع والمتكلم"(
وهذا الحديث يدل على فضل العلم ومكانة أهله فإنك إذا رأيت هذه الأمور الثلاث تجد أنها مجتمعة في معلم الناس العلم:
1- صدقة جارية: فأعظم صدقة يخلفها الإنسان بعد موته هي العلم الشرعي.
2- أو ولد صالح يدعو له: من أعظم الأمور التي يجدها طالب العلم أن يجد من يدعو له.
3- أو علم ينتفع به: فهذه في العلم الذي يخلفه العالم للناس
).


نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وأن يجعلنا ووالدينا وجميع المسلمين ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه عز وجل جواد كريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



وباق المحاضرات تأتي تباعا بحول الله وعونه.

__________________


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-14-2008, 05:06 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:


سلسلة كيف تكون طالب علم؟
المحاضرة الثانية

في هذه المحاضرة سيتحدث الشيخ راشد الزهراني -حفظه الله- عن أربعة عناصر:

العنصر الأول
المقارنات بين العلم الشرعي وبين ما يُظن أنه أفضل من العلم
بعد أن تبين لنا فضل العلم الشرعي من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعض العلماء يعقد مقارنة بين العلم الشرعي وبين بعض الأمور الدينية والدنيوية والتي يُظن أن الاشتغال بها والعمل فيها هو أفضل من طلب العلم الشرعي فيكون الاقتناع بهذا الأمر من الصوارف التي تصرف طالب العلم في طلبه لهذا العلم الشرعي.

1) المقارنة بين العلم وبين نوافل الطاعات:
نذكر لكم بعض الآثار التي وردت عن السلف الصالح في هذا المعنى:
- ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول( لأَنْ أتعلم بابا من العلم أحب إليَّ من عبادة ستين سنة ).
وكذلك قال( مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة ).
- أبو هريرة -رضي الله عنه- أُثِر عنه أيضا مثل هذا الكلام.
- الإمام الحسن البصري -رحمه الله- يقول( لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلما أحب إلي من أن تكون لي الدنيا بأسرها أجعلها في سبيل الله عز وجل ).
- الإمام ابن هاني -رحمه الله- يقول: وجهت سؤالا للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- فقلت له: أيهما أحب إليك أجلس بالليل أنسخ، أم اُصلّي تطوّعاً ؟ فقال أحمد: إن كنت تنسخ فأنت تتعلم به أمر دينك فهو أحب إلي.
- الإمام النووي -رحمه الله- ذكر اتفاق السلف على أن طلب العلم الشرعي أحب إليهم من نوافل العبادات.

لماذا العلم الشرعي والاشتغال به أحب إليهم من نوافل العبادات؟
يعود إلى ستة أمور:
1- أن نفع العلم عام ونفع العبادة خاص بصاحبها.
2- أن العبادة تفتقر إلى العلم والعلم لا يفتقر إليها.
3- الآيات والأحاديث الكثيرة التي تبين فضل العلم ومكانة أهله.
4- أن نفع العلم مستمر لصاحبه حتى بعد موته، بينما العبادة تنقطع بانقطاع صاحبها من هذه الحياة.
5- أن في العناية بالعلم الشرعي والمحافظة عليه وطلبه فيه بقاء وحفظ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
6- أن بعض العلماء عد فروض الكفاية أفضل من فروض الأعيان، والسبب أن الذي يقوم بفرض الكفاية فإنه يُسقِط الإثم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له رأي خاص في هذه المسألة، يقول -رحمه الله-( إن العلماء تنوعت آراءهم في بيان أيهما أفضل الاشتغال بالعلم أم الاشتغال بنوافل العبادة، فمنهم من يقول إن الاشتغال بالعلم أفضل، ومنهم من يقول لأن أصلي ركعتين في جوف الليل لا يراني فيه أحد أحب إليَّ من أن أنسخ مائة حديث، وبعض العلماء يقول: الأفضل فعل هذا وهذا ).
وقال -رحمه الله- بعد هذا الحديث( لكن الأمر يختلف ويتنوع بتنوع الأحوال، فمن العبادات ما يكون جنسها أفضل ثم تكون مرجوحة أو منهيا عنها، فالصلاة أفضل من قراءة القرآن الكريم، وقراءة القرآن الكريم أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، ثم إن الصلاة قد يأتي وقت يكون منهيا عن الصلاة فيها ).

لكن ليس معنى هذا أن يكون طالب العلم عَرِيًّا عن العبادة فتجده صاحب بحث واطلاع لكن لا تجد له في العبادة حظ، ولهذا لما سئل الإمام أحمد -رحمه الله- كما في "الآداب الشرعية" لابن مفلح -رحمه الله- عن رجل لا يصلي صلاة الوتر، قال -رحمه الله-( ذاك رجل سوء ).

الإمام مالك -رحمه الله- كان بين يديه أحد تلاميذه فأذن المؤذن لصلاة العصر فأراد أن يقوم ليصلي سجدتين، فقال له الإمام: إلى أين؟ قال أريد أن أصلي قبل الصلاة، فقال: ما أنت فيه ليس بأفضل مما ستذهب إليه.

2) المقارنة بين طلب العلم والجهاد في سبيل الله:
إن الأفضل إذا وُجِد من يكفي أن يتعلم علم الشريعة لأن المجاهد في سبيل الله تعالى لا يستطيع أن يجاهد إلا إذا تعلم أحكام الشريعة.
ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:122].
وبعض العلماء يرى أنه لا مجال للبحث في هذا الأمر لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله.
يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-(من لم يعد طلب العلم من الجهاد في سبيل الله فقد نقص في رأيه وفي عقله).

3) المقارنة بين جمع العلم الشرعي وجمع المال:
الأفضل أن يجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأن يبثها إلى الناس:[ نضر الله امرىء سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه غير فقيه ].
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول(العلم خير من المال، المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تفنيه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، والعلم حَكَم والمال محكوم عليه، مات خُزَّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة ).

4) التفضيل بين العلم وبين المنصب والجاه والرئاسة:
لاشك أيضا أن العلم أكرم وأفضل وأجل.
الذين نالوا الرئاسة والمناصب حينما يُسألون أيهما أفضل أن تعلم العلم أو أن تنال المناصب قالوا تعلم العلم.
- المنصور -رحمه الله- قيل له: هل بقي لذة من لذات الدنيا لم تنلها؟ قال: نعم، بقي لذة واحد، قالوا: ما هي؟ قال: أن أقعد في مصطبة (مثل الكرسي الذي يجلس عليه العلماء فيجتمع الطلاب حوله) وحولي أصحاب الحديث فيقول المستملي: من ذكرت رحمك الله؟ فأقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي اليوم التالي وإذا بأبناء الوزراء كلهم يلتفون حول المنصور -رحمه الله- فيقولون: من ذكرت رحمك الله؟ فقال: لستم أنتم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المتشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، برد الآفاق الرحالون في البلدان.

العنصر الثاني
حكم طلب العلم الشرعي
العلم الشرعي هل هو دائما يَرِدُ في أسلوب المدح أم أنه أحيانا يأتي في أسلوب الذم؟
لفظة العلم في القرآن الكريم أتت في أسلوب المدح وأتت أحيانا في أسلوب الذم.
فالسحر علم وصناعة يتعلمها الطالب ولكنه علم ضار ولهذا يقول المولى تبارك وتعالى:{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}[البقرة:102].

ثم العلوم تُقسم من جهة أخرى إلى أقسام:
- كما يقول ابن رجب -رحمه الله- في "فضل علم السلف على علم الخلف"( من العلوم ما يُنهى عنها ابتداء، ومن العلوم ما ينهى عن كثرة الاشتغال بها ).
باختصار هو الإغراق في علوم الآلة، وقد ذكر الإمام ابن رجب مثالا على ذلك بعلم اللغة العربية.
إذن هي:
1- علوم ينهى عنها ابتداء.
2- علوم ينهى عن كثرة الاشتغال بها، هي ممدوحة لكن إذا زادت عن حدها فإنها تكون مذمومة.
3- علوم هي في نفسها قد تكون محرمة، وتارة تكون واجبة، وتارة تكون مستحبة.
مثال ذلك: علم النجوم، إذا قلنا:
- تعلم علم النجوم من أجل معرفة القبلة: تعلمه واجب.
- تعلم علم النجوم من أجل أن يعرف الإنسان ويهتدي به في الطريق: مستحب.
- إذا قلنا نربط الحوادث الأرضية بالأحداث الكونية، فإذا كان النجم في الموضع الفلاني معناه أنه سيموت إنسان على وجه الأرض: يكون هذا العلم محرم وهو علم التنجيم أو علم التأثير.

[ فائدة ]
العلماء يقسمون عن معرفة النجوم إلى قسمين ( موجود في كتاب "التوحيد" ):
1- علم تأثير وهو العلم المحرم.
2- علم تسيير:
- وهو إما أن يكون واجبا مثل معرفة القبلة.
- أو أن يكون مستحبا ليهتدي به الإنسان في الطريق.

ما حكم تعلم علم الشريعة؟
يقول العلماء: حكمه على قسمين:
1) فرض عين: مثل: أحكام الصلاة، الزكاة ...
وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ طلب العلم فريضة على كل مسلم ].
2) فرض كفاية: إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين: وهو بقية أحكام الشريعة وتعلمها وتعليمها للناس.

العنصر الثالث
ثمرات العلم النافع

ضوابط العلم النافع:
العلم النافع هو العلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلَّف من أمر دينه في عقيدته وعبادته ومعاملته وأخلاقه.
ابن تيمية -رحمه الله- يقول( وجماع الخير أن يستعين بالله في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علما ).
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-14-2008, 05:08 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

هذه بعض ثمرات العلم النافع:
الثمرة الأولى
أن العلم فيه رفعة لصاحبه في الدنيا والآخرة.
يقول الله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر:9].
ويقول الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[المجادلة:11].
ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول( العلماء فوق المؤمنين مائة درجة، ما بين الدرجة والأخرى مائة عام ).

إنما العلم منحة *** ليس فيها منازع
هو للنفس لذة *** وهو للقدر رافع.


ولهذا يقول الله عز وجل:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[الإسراء:55]، يقول العلماء( فضلهم الله عز وجل في العلم ).

هناك مواقف كثيرة تدل على رفعة العلم لأصحابه حتى في الدنيا:

- في صحيح مسلم أن نافع بن عبد الحارث خرج في استقبال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى عسفان، فالتقاه عمر فقال: من استخلفت على أهل مكة؟(وكان نافع والي مكة)،قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال: من ابن أبزى؟ فقال: رجل من موالينا؛ فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟ فقال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض يقضي بين الناس، فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال:[ إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ].

الناس من جهة التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش به حيا أبدا *** فالناس موتى وأهل العلم أحياء.


- القاضي محمد بن عبد الرحمن الأوقس: عندما نقرأ في سيرته نجد أن العلماء يقولون: كان فقيرا، لم يكن حسن الصورة، كان له منكبان عاليان، وكان الناس يعيرونه بأنه ليس له رقبة، فكان يوما من الأيام يدع عند الكعبة يقول:"اللهم اعتق رقبتي من النار" فالتفتت إليه امرأة وقالت: يا ابن أخي أي لك رقبة هذه التي تريد عتقها من النار، فقالت له أمه: يا بني لا تكون في قوم إلا كنت المضحوك منه المسخور به فعليك بتعلم العلم، فتعلم العلم وناله، وأصبح قاضيا، فكان الخصوم إذا وقفوا أمامه يرتعدون من شدة هيبته رحمه الله رحمة واسعة.

العلم يرفع بيتا لا عماد له *** والجهل يهدم بيت العز والشرف
العلم يسمو بقوم ذروة الشرف *** وصاحب العلم محفوظ من التلف.


- طائر الهدهد قد خلد الله عز وجل ذكره في القرآن الكريم، ارتفع وسما لأنه كان لديه من العلم ما ليس لدى نبينا سليمان -عليه السلام-، فقال:{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) َفمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:21-22]، يفتخر على سيد زمانه وأعلم أهل الأرض في زمانه بأنه أحاط من العلم ما لم يحط به سليمان -عليه السلام-.

الثمرة الثانية
العلم حياة للروح.
الله عز وجل يقول:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[الأنعام:122].
ما هو هذا النور؟
- قيل هو الإسلام.
- وقيل هو القرآن الكريم.
- وقيل متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
يجمعها لنا أن نتعلم هذا العلم الشرعي.
يقول الله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[النحل:97].
والذي يدلك على أن العلم فيه حياة القلوب الحديث العظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام:[ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت الكلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ].
ولهذا ابن القيم -رحمه الله- له كلام نفيس جدا في هذا الحديث في الرسالة "التبوكية" وأيضا في كتاب "مفتاح دار السعادة".
ولهذا يقول الغمام الأندلسي -رحمه الله- في قصيدته الماتعة النافعة التي أرسلها إلى ابنه وفيها:

فقوت الروح أرواح معاني *** وليس بأن طعمت ولا شربتا
جعلت المال فوق العلم جهلا *** لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بَيْنٌ *** ستعلمه إذا طه قرأتا.


الثمرة الثالثة
أن طلب العلم الشرعي طريق لنيل الإمامة في الدين التي قال الله عز وجل:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:24]، وقال الله تعالى:{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:74].

الثمرة الرابعة
أنه طريق إلى تقوى الله عز وجل.
يقول أحد السلف( والله لو أعلم أن الله تقبل مني حسنة واحدة لتمنيت بعده الموت، قالوا: لم؟ قال: لأن الله تعالى قال:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27] فإذا تقبل الله مني فهذا دليل على أني من المتقين، ومعنى ذلك:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً }[النبأ:31] ).

الثمرة الخامسة
أن العلم الشرعي يكشف لك الشبهات.
الصحابة -رضي الله عنهم- حينما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إنه ليأتي في ذهن أحدنا من الكلام ما لو تحدث به لخشي على نفسه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:[ أوقد وجدتموه؟ ] قالوا: نعم، قال:[ ذاك صريح الإيمان ].
ابن دقيق العيد -رحمه الله- يقول( أصابني وسواس المعتقد في بداية حياتي، فشكوت ذلك إلى أهل العلم فقالوا عليك بطلب العلم، فقال: فطلبت العلم فأذهبه الله عز وجل من نفسي ).

الثمرة السادسة
أن هذا العلم الشرعي مخرج للإنسان من الفتن والشهوات.
لهذا لما قام قارون بمظهريته الجوفاء وبأمواله التي تنوء العصبة بحملها قال الناس:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[القصص:79]، ولكن أهل العلم قالوا:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ }[القصص:80].

الثمرة السابعة
أنه طريق إلى الخشية من الله عز وجل.
يقول الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر:28].
عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول(ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم ما وقر في القلب).
وكذلك لو قرأنا كتاب "التوحيد" فإن آخر باب فيه (وما قدروا الله حق قدره)، فإن الإمام محمد عبد الوهاب -رحمه الله- ختم بهذا الباب ليقول لنا: إن العلم وعلم التوحيد الذي تعلمناه يجب أن يقودنا إلى أن نعظم الله تعالى وأن نخشاه وأن نخافه سبحانه وتعالى.

الثمرة الثامنة
أنه طريق إلى الجنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ].

الثمرة التاسعة
أنه في حد ذاته عبادة.
يعني حتى ولو لم تصل إلى شيء فأنت كنت تتعبد الله عز وجل وتتقرب إليه بهذا العلم.

الثمرة العاشرة
أن العلم الشرعي حل عظيم للمأزق الذي يقع فيه الناس: مآزق سياسية واقتصادية واجتماعية.

الثمرة الحادية عشرة
أنه طريق صحيح للتعبد.

الثمرة الثانية عشرة
أنه علامة على إرادة الله تعالى بعبده الخير.

الثمرة الأخيرة
أنه طريق لكسب الأخلاق الحميدة.

العنصر الرابع
أدب الطلب
في جميع كتب التي تتحدث عن طلب العلم تجد أنهم يفيدون فيها مبحثا خاصا عن أدب المحدث، ومبحثا خاصا عن أدب الفقيه وعن أدب طالب العلم، لأن طالب العلم يجب أن يكون على هذا الأدب العظيم.
* تعريف الأدب:
لغة: هو حسن الأخلاق وفعل المكارم.
له منزلة عظيمة في هذا الدين:
- يقول ابن القيم -رحمه الله-( الأدب هو الدين كله ).
وإن تأملنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنه كثيرا ما يحث على مكارم الأخلاق وعلى حسن الآداب، والنبي عليه الصلاة والسلام لخص دعوته ورسالته بقوله:[ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ]، ويقول عليه الصلاة والسلام:[ ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ]، ويقول عليه الصلاة والسلام:[ أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم خلقا ].
ولهذا فإن أعظم الناس خلقا هو إمام العلماء محمد صلى الله عليه وسلم الذي زكاه الله عز وجل في كتابه فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4].
عائشة -رضي الله عنها- سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت( كان خلقه القرآن ).
الإمام الشاطبي -رحمه الله- في كتابه "الاعتصام" بين ما معنى ( كان خلقه القرآن ) قال: وإنما كان صلى الله عليه وسلم خُلُقه القرآن لأنه حَكّم الوحي على نفسه حتى صار في علمه وعمله وقوله على وفق الوحي الذي أتى من الله سبحانه وتعالى.


نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وأن يرزقنا الحسنى وأن يجنبنا سبل الهوى والردى إنه عز وجل جواد كريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



وباقي المحاضرات تأتي تباعا بحول الله وعونه.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-14-2008, 05:09 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

سلسلة كيف تكون طالب علم؟
المحاضرة الثالثة

آداب الطلب
طالب العلم يجب عليه أن يتميز لهذا الأمر وكذلك صيانة للشريعة التي يحملها.
الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعضهم كان سبب إيمانه هي تلك الأخلاق الكريمة التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم.
الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها كثيرة، لكن تتميز بميزة جليلة.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-( من فضيلة الأدب أنه ممدوح بكل لسان، محمود في كل زمان، يتزين به في كل مجلس ).
كفار مكة لم يجدوا طريقًا يقدحون في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أو في عرضه.
النبي عليه الصلاة والسلام كان من أعظم الناس أدبًا وخُلُقًا، زكاه الله عز وجل وأثنى عليه فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحاسن الأمور وبمكارم الأخلاق فقال:[ ما من شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة أثقل من حسن الخُلُق، وإن صاحب حسن الخُلُق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ]، ويقول صلى الله عليه وسلم:[ أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم خُلُقًأ ].
عائشة رضي الله عنها سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت (كان خلقه القرآن).
ولهذا نقرأ في كتب التاريخ والسير يقولون فلان كان قرآنا يمشي على الأرض.
السلف الصالح -رحمهم الله- كانوا ينظرون إلى أن هذا العلم ثقيل كما قال تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}[مريم:12]، وهذا العلم يحتاج من الطالب إلى استعداد وإلى تهيأ حتى تكون تقبل وتشرب وتستفيد من هذا العلم الشرعي.
فكان للسلف الصالح -رحمهم الله- عدة طرق يتهيئون بها للعلم قبل أن ينالوا العلم:

الطريقة الأولى
كانوا يهيئون أنفسهم للعلم الشرعي، ويستعدون بكثرة العبادة وبالإقبال على الله تعالى.
يقول بعض السلف(كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تَعَدَّدَ قبل ذلك).

الطريقة الثانية
أنهم كانوا يختبرون العلماء الذين يأخذون عنهم العلم، يختبرون سلوكهم وأخلاقهم لأنهم يعلمون أن هذا العلم دين، كما يقول بعض السلف(إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم).
- الإمام مالك -رحمه الله- يقول(رأيت أيوب السختياني بمكة حَجتين متتاليتين فما كتبت عنه، فلما كانت الحجة الثالثة رأيته في فناء الحرم وهو يشرب زمزم وقد ذُكِر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يبكي بكاء عظيما حتى رحمته، فلما رأيت منه هذه الخشية وهذا الخوف ورأيت منه هذا الإجلال للنبي عليه الصلاة والسلام أخذت وكتبت عنه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم).
- يقول إبراهيم النخعي -رحمه الله-(كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه العلم نظروا إلى سمته وهديه ومطعمه ومشربه ومدخله وخروجه، فإن كان مستقيما على شريعة الله أخذوا عنه العلم وإلا تركوه).

الطريقة الثالثة
أنهم كانوا أحيانا يحضرون إلى حلق الذكر ومجالس العلم ليس من أجل أن يكتبوا الحديث أو أن يستفيدوا من علم العالم ولكن من أجل أن يستفيدوا من أدبه وسمته وهيأته.
- يقول أحد تلامذة الإمام أحمد -رحمه الله-(اختلفت إلى أبي عبد الله ثنتي عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده، ما كتبت معه حديثا واحدا ولكن كنت أنظر إلى هديه وسمته -رحمه الله- ).
- يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-( كان الذين يحضرون في حلقة الإمام أحمد ما يقارب خمسة آلاف وخمسمائة شخص منهم من يكتب الحديث والبقية يتعلمون من هديه وسمته -رحمه الله- ).
- يقول مسلم بن جنادة -رحمه الله-(اختلفت إلى وكيع بن الجراح سبع سنين فما رأيته بزق ولا مس حصاة ولا جلس مجلسا فتحرك ولا رأيته إلا مستقبل القبلة).
- يقول الإمام الجرجاني -رحمه الله- وأهل زمانه يعيبون عليه:
يقولون لي فيك انقباض وإنما *** رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما *** بدا لي مطمع صيرته لي سلما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة *** إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو أنهم عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسوا *** محياه بالأطماع حتى تجهما.


أدب الطالب كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-(هو عنوان سعادة المرء وفلاحه، وفي المقابل فإن سوء أدبه علامة على شقاوته وحرمانه).
- يقول الإمام الزرنوجي -رحمه الله- في كتابه النفيس "تعليم المتعلم طرق التعلم"(ينبغي لطالب العلم أن يتحرز عن الأخلاق الذميمة فإنها كلاب معنوية، وكما أن البيت الذي فيه كلاب لا تدخل فيه الملائكة فكذلك القلب الذي فيه معصية لله وفيه سوء أدب فإن العلم لا يلج إليه ولا يدخله).

الأدب الذي نريد من طالب العلم أن يسلكه أنواع:
1) الأدب مع الله سبحانه:
يجب على طالب العلم أن يعظم الله تعالى وأن يجله، فإذا تليت عنده آيات الجنة ونعيمها فإنه يسأل الله من خيرها، وإذا سمع آيات الوعيد والتهديد فإنه يستعيذ بالله من النار وهولها، وتجده أيضا إذا قيل له قال الله سبحانه فإنه ينصت ويستمع ويستجيب لأن الخير في اتباع كلام الله تعالى.
ويقتضي كذلك أن يكون مطيعا في أمر الله ونهيه ومتأدبا مع الله حتى في لفظه، مثال ذلك:
- يقول الله عز وجل:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ }[المائدة:116].
- يقول سبحانه وتعالى عن خليله إبراهيم -عليه السلام-:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }[الشعراء:78-80].
حتى يكون طالب العلم متأدبا مع الله تعالى فعليه كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مدارج السالكين" بثلاثة أمور:
أ- صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة: الله سبحانه وتعالى حد لنا ضابط الاستجابة له عز وجل في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24].
ما ضابط الاستجابة؟
الاستجابة لله عز وجل تكون في ثلاثة أشياء ذكرت في حديث أبي رافع الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها ].
ب- صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره: إذا حلت بالإنسان المعضلات والهموم والأحزان فليعلق قلبه بالله تعالى وليرجو ما عند الله عز وجل وليتوكل على الله سبحانه وتعالى.
نتأمل فيما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته -رضوان الله عليهم- في غزوة أحد، في آخر المعركة آوى النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته إلى أعلى الجبل، فقام أبو سفيان وقال: أفيكم محمد؟ قال عليه الصلاة والسلام:[ لا تجيبوه ]، أفيكم ابن أبي قحافة؟(أي أبا بكر) قال عليه الصلاة والسلام:[ لا تجيبوه ]، أفيكم عمر؟ قال عليه الصلاة والسلام:[ لا تجيبوه ]، فقال أبو سفيان: أما هؤلاء فقد قتلوا، فاستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يرد عليه فرد عليه فقال: قد أبق الله لك ما يسوؤك يا عدو الله، فقال أبو سفيان وهو يعتز بآلهته: أعلو هبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:[ أجيبوه؟ ]، قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟، قال:[ قولوا: الله أعلى وأجل ]، فقال أبو سفيان: لنا العزة ولا عزة لكم، قال عليه الصلاة والسلام:[ أجيبوه؟ ] قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟، قال:[ قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم ].
ج- صيانة إرادة العبد أن تتعلق بما يمقتك الله عليه: فلا تتعلق إرادتك بدنيا ولا بمعاصي ولا بما حرم الله تعالى، بل تتعلق بما يرضي ربك سبحانه عنك.

2) الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم:
الله عز وجل أمرنا بأن نعظم النبي صلى الله عليه وسلم وأن نقدره، ولهذا يقول الله عز وجل:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }[الفتح:8-9].
كيف يكون الأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام؟
هو بتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله وذلك بأمور ثلاثة:
أ- طاعته فيما أمر.
ب- واجتناب ما عنه نهى وزجر.
ج- وأن لا يُعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قيل للعباس: من الأكبر أنت أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.

__________________


بقدر الجد تُكتسب المعالي *** ومن طلب العُلا سَهِر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلاً *** يغوص البحر من طلب اللآلي
علو القدر بالهمم العوالي *** وعِزّ المرء في سهر الليالي
تركت النوم ربي في الليالي *** لأجل رضاك يا مولى الموالي
ومن رام العلا من غير كدٍّ *** أضاع العمر في طلب المحال
فوفقني إلى تحصيل علمٍ *** وبلغني إلى أقصى المعالي.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-14-2008, 05:10 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مالك -رحمه الله- كان في مجلسه إذا ذُكر النبي عليه الصلاة والسلام يبكي بكاء عظيما وشديدا حتى يرحمه تلاميذه، فقالوا له: يا إمام إنك لتجد شيئا عظيما في بكائك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم، كنا نأتي محمد بن المنكدر سيد القراء والعلماء في زمانه -رحمه الله- فإذا ذكر عنده النبي عليه الصلاة والسلام فإنه يبكي بكاء عظيما حتى نرحمه.

وكان جعفر بن محمد كثير المزاح والتبسم فإذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام اصفر لونه هيبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

الإمام مالك -رحمه الله- كان إذا أراد أن يذهب إلى مسجد النبي غليه الصلاة والسلام ليعلم الناس حديثه عليه الصلاة والسلام توضأ وتطيب وتهيأ لذلك، فإذا سمع أحدا يرفع صوته قال: اخفض صوتك فقد قال الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ }[الحجرات:2] ونحن في مجلس حديثه عليه الصلاة والسلام.



سعيد بن المسيب يقول أحد تلاميذه: عدته وهو مريض مضطجع فسألته عن حديث، فقام وتحامل على نفسه حتى قعد وتهيأ وأخبره بحديث النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: رحمك الله لا أريد أن أشق عليك، قال: هذا ليس لك وإنما هو تعظيم واحترام لحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.
[ تنبيه ]
إن من الأدب الذي يذكره العلماء في كتب الحديث أنه يُنهى أن يكتب طالب العلم بعد قوله محمد حرف (ص) اختصارا لقوله صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس يكتب حرف (ع) اختصارا لقوله عز وجل، لأن ليس فيه أدب مع النبي عليه الصلاة والسلام ومع الله سبحانه وتعالى.

3) الأدب مع العلماء:
يجب على طالب العلم أن يعرف لأهل العلم والفضل مكانتهم، وأن يعرف لهم سابقتهم، وأن يجلهم ويوقرهم، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم:[ ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه ].
من علامات أن طالب العلم يطلب بعلمه وجه الله تعالى أن يوقر العلماء ويجلهم ويحترمهم وأن يعرف لهم فضلهم ومكانتهم وسابقتهم في دين الله عز وجل.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا تحدث عن مناقب أبي بكر -رضي الله عنه- يقول(هذا سيدنا بلال حسنة من حسنات أبي بكر -رضي الله عنه-).
يحي بن سعيد -رحمه الله- كان يجالس ربيعة، فإذا غاب ربيعة حدثهم يحي بن سعيد بأحسن الحديث وبأجمله وأجله، فإذا حضر ربيعة امتنع يحي عن التدريس وكف عن ذلك إجلالا وتعظيما وتقديرا لربيعة -رحمه الله-.
الإمام الشافعي يقول: قدِمت المدينة فرأيت من مالك ما يجعلني أحبه وأعظمه وأقدره وأُجِله وأهابه -رحمه الله- حتى إني كنت إذا أخذت الكتاب أريد أن أتصفحه وهو أمامي أتصفحه تصفحا رقيقا حتى لا يسمعني -رحمه الله-.
ولأنه تأدب مع إمامه بهذا الأدب أتى الربيع بن سليمان -رحمه الله- يقول: والله ما اجترأت أن أشرب الماء وأنا بحضرة الشافعي -رحمه الله- هيبة أن ينظر إلي -رحمهم الله جميعا-.
عبد الله ابن الإمام أحمد -رحمه الله- قال: يا والدي إني أراك تكثر الثناء على محمد بن إدريس الشافعي فلماذا؟ فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن فانظر هل لهذين من خلف.
فقيل للشافعي: إنا نرى أن الإمام أحمد يتردد على منزلك، فقال -رحمه الله-:
قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل ما تعدت منزلا
إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله *** فالفضل في الحالين له.

فمن طعن في العلماء واشتغل فيهم إلا أذاقه الله سبحانه الحرمان في الدنيا والبعد عن العلم الشرعي.
وكما يقول أبو هلال العسكري -رحمه الله-(اعلم -رحمك الله- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة).
يقول ابن عساكر -رحمه الله- كما يذكر عنه الإمام الذهبي -رحمه الله-[السير:19/581-582]: كان العبدري -رحمه الله- حافظا فقيها داووديا، لكن كان سليط اللسان، سمعته مرة وقد ذكر عنده اسم الإمام مالك، قال: مالك ذاك جلف جاف
ضرب هشام بن عمار بالدرة، وقرأت عليه كتاب "الأموال" لأبي عبيد، قال: وقد مر قول لأبي عبيد قال: ما كان إلا حمارا مغفلا لا يعرف شيئا في الفقه، يقول: تحملنا، فكنا يوما عنده فذكر له إبراهيم النخعي (وكان أعورا -رحمه الله-) يقول: ذاك أعور سوء، يقول: فجلسنا يوما في منزل السمرقندي فقرأنا كتاب "الكامل" فذكر ابن عدي شيئا فقال: ابن عدي يكذب هذا القول ليس قول فلان وإنما هو قول فلان، فقام ابن عساكر فقال: إلى متى نتحمل هذا منك، فإن لم تتأدب معهم فلن نتأدب معك، فقال: لقد تلق العلم على يدي فلان وفلان وفلان ولم يقولوا ما قلت، فقال: إنما نحترمك ما احترمت العلماء فإذا أهنتهم يأتيك منا ما قد سمعت.

4) الأدب مع الخلق بشكل عام:
الخلق: فيهم الأب والأم والزوجة والأبناء والبنات والأخ والأخت والأقارب وذوي الرحم وأهل الإسلام بشكل عام، وأيضا يدخل حتى غير المسلمين.
فيجب على طالب العلم أن يكون متقيدا بالأدب مع هؤلاء الجميع.
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن الحكم السلمي يقول: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس في المسجد فعطس رجل، أتى من الأعراب فقلت: يرحمك الله، فأخذ الناس يضربون على أفخاذهم، ثم ابتدروا ينظرون إلي بأبصارهم ففزعت وقلت: واثكل أمياه لماذا تنظرون إلي هكذا؟ فأخذوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم حتى سكتت، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاته، والله ما رأيت معلما قط أحسن منه، والله ما نهرني ولا كهرني وإنما قال لي:[ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي للذكر ولقراءة القرآن ].
وأيضا ذلك الأعرابي الذي دخل في المسجد فذهب في آخر المسجد يقضي حاجته.

5) أدب طالب العلم في نفسه:
يجب على طالب العلم أن يهذب روحه، وأن يكون لهذا القرآن الكريم ولهذه السنة أثر في حياته.
الأخلاق التي سنتكلم عنها كثيرة ولكن هي على قسمين:
أ- أخلاق جبلية: جبلك الله تعالى عليها.
ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس:[ إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ]، قال: يا رسول الله أهما أمران اكتسبتهما أم سجية من الله عز وجل؟ فقال:[ بل هي من الله سبحانه وتعالى ]، قال: الحمد لله الذي جعلني على ما يرضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
ب- أخلاق مكتسبة: التي يكتسبها الإنسان، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم:[ إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه ].

الأخلاق التي سنتحدث عنها على قسمين:
أ- أخلاق قلبية: لها علاقة بقلب الإنسان.
ب- أخلاق عملية: في تعامل طالب العلم مع الآخرين.

الأدب الأول
المسألة الأولى
الإخلاص لله سبحانه وتعالى
العلم من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى إذا أخلص النية لله تعالى، فإذا فَقَدَ العلم النية يكون الأمر بالعكس، ينتقل هذا العلم من أعظم الطاعات إلى أحط المخالفات، وبدلا من أن تكون تبحث عن باب من أبواب الجنة وإذا بك تسير إلى طريق من طرق جهنم والعياذ بالله تعالى.
الله عز وجل أمر بإخلاص النية له فقال:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر:14]، وقال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:5]، وقال سبحانه:{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }[الشورى:20].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ].
وهذا معنى قول الإمام ابن القيم -رحمه الله-(يقف رجلان يصليان لله عز وجل يبتدئان الصلاة وينتهيان في وقت واحد بينهما من الأجر كما بين السماء والأرض).
الواجب على طالب العلم أن يتعاهد نفسه ونيته حتى يكون العمل لله عز وجل.

المسألة الثانية
التحذير من الرياء
يقول صلى الله عليه وسلم:[ أول ما يُقضى في الناس يوم القيامة ثلاثة.. ] ذكر منهم عليه الصلاة والسلام:[ رجل قرأ القرآن وعلمه، فيؤتى يوم القيامة فيعرف بنعم الله عز وجل فيعرفها فيقال له: فماذا عملت؟ قال: يا رب قرأت القرآن وعلمته فيك، فيقول الله: كذبت بل قرأت القرآن ليقال قارىء وعلمت العلم ليقال عالم فقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه في نار جهنم ].
وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله-:[ من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار ].

المسألة الثالثة
ما حكم العمل إذا خالطه الرياء؟
الأمر لا يخلو من أوجه:
الوجه الأول: أن يكون رياء محضا من أصل العمل لا يراد به إلا مراءاة الناس.
هذا بالإجماع أنه عمل باطل لا يقبل الله عز وجل من صاحبه، وهذه حال المنافقين كما قال الله عز وجل:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }[النساء:142]، وقال تعالى:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[الأنفال:47].

الوجه الثاني: أن يكون العمل في أصله لله عز وجل فيشاركه الرياء، فإن شاركه من أصل العمل فهو باطل للحديث الصحيح الذي قاله صلى الله عليه وسلم:[ أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ]، فإن طرأ على النية الرياء فإن كانت خاطرة فدفعها لا شيء عليه، فإن استمرت واسترسلت فالصحيح أنه يجازى على أصل نيته.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-14-2008, 05:14 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

المسألة الرابعة
أن طالب العلم يحتاج إلى أن يجاهد نفسه حتى تستقيم نيته لله تعالى، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69].
الإمام سهل التستري -رحمه الله- يقول(ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس له فيها نصيب).
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-(والله لوددت أن الناس تعلموا العلم الذي قلته ولا يُنسب إلي منه شيء).

المسألة الخامسة
إذا كان العمل لله عز وجل لكن الله تعالى بفضله وبرحمته يلقي الثناء الحسن في قلوب الآخرين.
فهل في هذا مدخل من مداخل الرياء؟
سئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن الرجل يعمل العمل لله تعالى فيحمده الناس عليها، فقال عليه الصلاة والسلام:[ هذه عاجل بشرى المؤمن ].

المسألة السادسة
كيف يعرف طالب العلم أنه مخلص لله عز وجل؟
هناك ثلاثة أمور:
1- أن يكون نيته في طلب العلم التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
2- أن ينوي بهذا العلم رفع الجهل عن نفسه.
3- أن ينوي به رفع الجهل عن الآخرين.


نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنه عز وجل جواد كريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وباق المحاضرات تأتي تباعا بحول الله وعونه.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-14-2008, 05:15 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

سلسلة كيف تكون طالب علم؟
المحاضرة الرابعة

الأدب الثاني
العمل بالعلم
يقول الإمام محمد عبد الوهاب -رحمه الله- في رسالته "الأصول الثلاثة"(
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل؛
الأولى: العلم وهو: معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة
الثانية: العمل به
الثالثة: الدعوة إليه
الرابعة: الصبر على الأذى فيه
والدليل قوله تعالى:{والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-(لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم
).

هذا الكلام من أنفس الكلام وأعظمه لأنه يبين لك أصول النجاة التي تنجو بها من عذاب الله تعالى.
إذا طلب طالب العلم فإنه لابد أن يكون مع نيته لله تعالى، وأن يكون هناك عمل بهذا العلم، وإن لم يفعل فسيكون وبالا عليه.
يقول صلى الله عليه وسلم:[ لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ].

ثمرة العمل بالعلم

العمل بالعلم له آثار عظيمة:
1) أن من عمل بعلمه أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم.
والدليل على هذا قول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }[محمد:17].

2) ثبات في العلم وحفظ له.
ولهذا يقول العلماء(العمل بالعلم يوجب ثباته).
وفي المقابل الذي لا يعمل بالعلم فإنه يؤدي إلى عدم بركة هذا العلم الذي يحمله.
يقول الله سبحانه وتعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}[المائدة:13].

3) النجاة من عذاب الله عز وجل.
في الحديث الصحيح عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[ يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ].
حكيم هذه الأمة أبو الدرداء -رضي الله عنه - يقول(إنما أخاف أن يُقال لي يوم القيامة: أعلمت أم جهلت؟ فأقول: علمت، فلا تبقى آية من كتاب الله تعالى آمرة أو ناهية إلا وجاءتني تسألني فريضتها، فتسألني الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت، فأعوذ بالله من علم لا ينفع).

4) يكون مع صاحبه قبيل، فهو أدعى لأن يقبل الناس من دعوته وكلامه وحديثه.
ولهذا يقول السلف( إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا).

يا واعظ الناس قد أصبحت متهما *** إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها.

5) أنه علامة على قبول الله تعالى لعبده.
الحسن -رحمه الله- يقول( كان طالب العلم يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه ولبسه ولسانه وبصره).
ولهذا أم سفيان الثوري -رحمه الله- كانت تقول لابنها(يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم ترى فلا تتعنى يا بني فإنه لا ينفعك).

الأدب الثالث
خلق التواضع
التواضع محمود من الناس وهو صفة جميلة، وهو من صفات المؤمنين وصفات عباد الرحمن عز وجل كما قال سبحانه وتعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}[الفرقان:63].
والمؤمن هو الذي يكون متواضعا لأهل الإيمان كما قال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}[المائدة:54].
يقول صلى الله عليه وسلم:[ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ]، ويقول عليه الصلاة والسلام:[ لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ].

كيف يكون التواضع خلقا في حياة طالب العلم؟
1) التواضع في كلامه:
ولهذا كما في الأثر(من لانت كلمته وجبت محبته).

2) التواضع لله عز وجل:
وكما يقول عمر -رضي الله عنه-(إن العبد إذا تواضع لله رفعه الله سبحانه وتعالى).
يقول أيوب السختياني -رحمه الله-(يجب على طالب العلم أن يضع التراب على رأسه من خشية الله سبحانه وتعالى).
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كان مضرب المثل في خضوعه وخشيته لله عز وجل، يقول ابن القيم -رحمه الله-(والله لقد شاهدت من شيخ الإسلام من ذلك أمرا عجبا لم أشاهده من غيره -رحمه الله-، كان يقول عن نفسه: ما لي شيء ولا مني شيء ولا لي شيء، وكان كثيرا ما يقول: أنا المكدي وابن المكدي وكذا كان أبي وجدي).

[ فائدة ]
أرشدنا شيخنا الحبيب راشد الزهراني -حفظه الله- إلى كتاب نفيس ليبسط لنا هذه المسألة وهو كتاب للإمام ابن القيم -رحمه الله- "طريق الهجرتين".

ولهذا فإن من دعاء السلف الصالح(اللهم واجعلنا أغنى خلقك بك، وأفقر عبادك إليك).

التواضع هو الانقياد للحق.
ولهذا يقول العلماء:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه *** إلى طبقات الجو وهو وضيـع.


3) التواضع مع العلماء:
عمر -رضي الله عنه- يقول(تعلموا العلم وعلموه الناس وتواضعوا لمن تتعلمون منهم).
طالب العلم لن يتحقق له التواضع في هذا الأمر إلا بثلاثة أمور:
أ- لا يحقر من دونه في العلم.
ب- لا يحسد من فوقه في العلم.
ج- لا يأخذ على علمه ثمنا.
ولهذا يقول العلماء(المتواضع من طلاب العلم أكثر الناس علما كما أن المكان المنخفض أكثر مكانا يمتلأ فيه الماء).

العلم حرب للفتى المتعالي *** كالسيل حرب للمكان العالي.

[ تحذير ]
ومن هنا نحذر مما يسمى بالشبر في العلم.
يقول العلماء(
العلم ثلاثة أشبار:
- من دخل الشبر الأول تكبر وانتفخ وظن أنه إمام الدنيا.
- فإذا دخل الشبر الثاني رأى بأن العلم بدأ يكبر قال تواضع.
- فإذا دخل الشبر الثالث علم أنه لم يؤتى من العلم إلا قليلا
).

الأدب الرابع
إتباع السنة
وهذا فرد من أفراد العمل بالعلم.
يقول الإمام إبراهيم الحربي -رحمه الله-(ينبغي للرجل إذا سمع شيئا من أدب النبي صلى الله عليه وسلم أن يمثل هذا الأمر ويعمل به حتى يكون متبعا للمصطفى عليه الصلاة والسلام).
يقول سفيان الثوري -رحمه الله-(لو استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل).
يقول عبد الله بن محمد بن عبد العزيز(ذهبت إلى الإمام أحمد -رحمه الله- وطلبت منه أن يكتب لي كتابا إلى سويد بن سعيد -رحمه الله- فكتب لي: إن فلانا يكتب الحديث، فقلت: يا إمام لو كتبت أنه من أهل الحديث حتى تكون أدعى عند الإمام، فقال: أهل الحديث عندنا هم الذين يعملون ويستعملون حديث النبي صلى الله عليه وسلم).
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 04-14-2008, 05:20 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الأدب الخامس
ترك الذنوب


خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى.


العلماء يقولون ( والله إنا لنحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها).
أحد السلف كان يسير مع أصحابه، فبينما هو في الطريق انقطع شسع نعله، فالتفت إلى أصحابه وقال ( والله لم ينقطع إلا بمعصية عملتها وقد تأخرت عن صلاة الفجر).
يقال أن الإمام الشافعي -رحمه الله- جلس بين يدي الإمام مالك -رحمه الله-، فقال له الإمام مالك: يا محمد إني أرى الله سبحانه قد قذف في قلبك نورا وأرى فيك ذكاء وفطنة فلا تطفئها بمعصية الله عز وجل.
وهو الذي قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم أن العلم نور *** ونور الله لا يأتى لعاص.


الأدب السادس
وهو أن يكون نقي القلب، سليم الصدر، لا يحسد ولا يحقد ولا يغش.
يقول صلى الله عليه وسلم:[ تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب رفضها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصبح القلوب على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباداً ، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه ].

وحتى يكون القلب نقيا والسريرة صافية فإن من أعظم الأمور أن يجتنب طالب العلم ثلاثة أمور:
1- أن يجتنب العوائد: هي الأمور التي اعتادها الناس وجعلوها بمنزلة الشرع وهي بعيدة عن كتاب الله تعالى وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

2- أن يجتنب العوائق: التي تعيق القلب في سيره إلى الله سبحانه وتعالى ويجمعها ثلاثة:
- الشرك بالله تعالى.
- البدع.
- المعاصي.

3- أن يجتنب العلائق: وهي التعلق بالدنيا وشهواتها وملاذها وغير ذلك.

هي الدنيا أقل من القليل *** وعاشقها أذل من الذليل
تصم بسحرها قوما وتعمي *** فهم يتبخترون فيها بلا دليل.


الأدب السابع
محاسبة النفس
قد يغفل بعض طلبة العلم عن أن يجلس الواحد منه ليحاسب نفسه:
- يحاسب نفسه في العلم الذي تعلمه هل هو لله سبحانه.
- يحاسب نفسه هل هو يعمل بهذا العلم أم لا.
- يحاسب نفسه ماذا قدم لأمته؟.
- يحاسب نفسه في العلم الذي يقدمه هل هو علم صحيح.
وهذا الذي جعل مثل الإمام الشافعي -رحمه الله- يكون له مذهبين: قديم وجديد، وبعض العلماء يكون له فتاوى قديمة ويقال في آخر حياته تراجع عن هذا القول.

الأدب الثامن
أن يكون دائم الذكر لله سبحانه وتعالى.
العلماء دائما ما يحثون الناس وطلبة العلم على الإكثار من ذكر الله تعالى، ودائما ما تجد في سيرهم وتراجمهم أنهم يُثنى عليهم بأنهم يُكثرون من ذكر الله عز وجل.
الذكر هو تحصين لطالب العلم من شياطين الإنس والجن، فإذا أكثر الإنسان من ذكر الله عز وجل فهذا دليل على محبته لله.
وكما يقول العلماء(من أحب شيئا أكثر من ذكره).
ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-(الإقبال على الله تعالى والإنابة والرضا بما كتبه سبحانه والسرور الذي يجده الإنسان في قلبه فهذه بشرى للمؤمن في هذه الحياة وتعجيل من الله سبحانه وتعالى للخير الذي أعده له في جنات النعيم).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-(إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة).
وقصة ذلك الصحابي الجليل لما أتى وقال: يا رسول الله إن شعائر الإسلام قد كثرت علي وشكا إلى النبي عليه الصلاة والسلام حاله، قال صلى الله عليه وسلم:[ لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل ].
الإمام ابن القيم -رحمه الله- قال وهو يتحدث عن ابن تيمية -رحمه الله-(كان ما يقول وهو في سجن القلعة بدمشق: ما يصنع أعداء بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما أذهب فهي معي، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة).
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-( وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه، مع ما كان فيه من ضيق العيش لأنه كان دائم الذكر لله عز وجل).
يقول-رحمه الله-( حضرته يوما بعد صلاة الفجر وهو يذكر الله سبحانه وتعالى إلى قريب من منتصف النهار ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي إذا لم أتغذى انهارت قواي).
وهذا أحد الأوجه الذي فُسِّر بها قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ].

الأدب التاسع
الحذر من مجالسة السفهاء
يجب على طالب العلم أن يترفع عن مجالسة السفهاء إلا أن يكون داعيا لهم إلى الله سبحانه وتعالى لأن السفيه لا يقدر العالم حق قدره وقد يوقعه في إحراج يكون طالب العلم في غنى عنه.
يقول نصر بن علي الجهضمي قال‏(
‏ كان في جيراني رجل طفيلي فكنت إذا دعيت إلى مدعاة ركب لركوبي فإذا دخلنا الموضع أكرم من أجلي فاتخذ جعفر بن سليمان أمير البصرة دعوة فدعيت فيها فقلت في نفسي‏:‏ والله إن جاء هذا الرجل معي لأخزينه.‏
فلما ركبت ركب لركوبي ودخلت الدار فدخل معي وأكرم من أجلي فلما حضرت المائدة قلت‏:‏ حدثنا درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏[ من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما ‏]، قال‏:‏ فقال الطفيلي‏:‏ استحييت لك يا أبا عمرو مثلك يتكلم بهذا الكلام على مائدة الأمير ثم ما ها هنا أحد إلا وهو يظن أنك رميته بهذا الكلام ثم لا تستحي أن تحدث عن درست ودرست كذاب لا يحتج بحديثه عن أبان بن طارق وأبان كان صبيان المدينة يلعبون به ولكن أين أنت مما حدثنا به أبو عاصم النبيل عن ابن جريج عن الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏[ طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة ]‏.‏
قال نصر بن علي‏:‏ فكأني ألقمت حجرًا فلما خرجنا من الدار أنشأ الطفيلي يقول‏:‏
ومن ظن ممن يلاقي الحروب *** بأن لا يصاب لقد ظن عجزا
).

الأدب العاشر
الصدق
من القبيح أن يكون طالب العلم كذابا.
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانا؟ قال:[ نعم ]، أيكون المؤمن بخيلا؟ قال:[ نعم ]، أيكون المؤمن كذابا؟ قال:[ لا ].
قال عليه الصلاة والسلام:[ عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ].
يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة:119].
العلماء يقولون أن الكذب يجوز في مواضع، لكن مواضع لمصلحة شرعية وليس في كل وقت.

الأدب الحادي عشر
النهي عن المراء والجدال
إذا أراد الله عز وجل بعبده خيرا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد بعبده شرا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل.
الإمام مالك -رحمه الله- كان يكره كثرة السؤال في المسائل التي لا تفيد الناس.
هناك أسئلة في القرآن الكريم لم تتم الإجابة عنها يقول الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء:85].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا ].
هذا ليس معناه أن طالب العلم لا يناقش ولا يسأل ولكن بشرط أن لا يكون فيه مراء وأن يكون في النهاية استسلام لأمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام.

الأدب الثاني عشر
الدعوة إلى الله تعالى
أيهما نقدم الدعوة أم طلب العلم الشرعي؟
الدعوة إلى الله تعالى من أعظم الأعمال التي يقوم بها طالب العلم، بل هي العمل للدراسة التي كان يدرسها، وهي وظيفة الأنبياء عليهم السلام، فهي من خير الوظائف وأعظمها وأكرمها، وهي من العبادات العظيمة والجليلة التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى.
ويقول عليه الصلاة والسلام:[ ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة ].
بعض طلبة العلم يقول: أنا لا أدعو إلى الله تعالى لأني أخاف من الرياء.
نقول: في الأصل من تمام الإخلاص لله عز وجل في طلب العلم أن ينوي به رفع الجهل عن الآخرين.
وعلى طالب العلم أن يسير بالأمرين إلى أن يغادر هذه الحياة:
- أن يستمر في العلم كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-(من المهد إلى اللحد).
- وأن يستمر في الدعوة إلى الله تعالى.


نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى.
كما نسأل الله تعالى بمنه وكرمه التوفيق والسداد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



وباق المحاضرات تأتي تباعا بحول الله تعالى.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:06 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.