كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حكمة الباري في تقدير المفاسد و الآلام
لابن القيم رحمه الله، كلام رائع و شرح نفيس في هذا الباب، و قد اخترتُ بعض الفقرات من كتاب
"شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل"، و هو كما أخبر "شفاءٌ للعليل"، رحمَ اللهُ طبيب القلوب ابن القيم . "..فالشّكرُ أحبُّ شيء إليه و أعظمُ ثوابا.و أنه سبحانه خَلقَ الخلقَ و أنزل الكتبَ و شرَّعَ الشرائع، و ذلك يستلزم خلقَ الأسباب التي يكون الشكر بها أكملَ، و من جملتها أنْ فاوتَ بين عباده في صفاتهِم الظاهرة و الباطنة في خلقهم وأخلاقهم وأديانهم وأرزاقهم و معايشهم وآجالهم. فإذا رأى المعافى المبتلى، و الغنيُّ الفقيرَ و المؤمنُ الكافرَ، عَظُم شكرُه لله وعرفَ قدرَ نعمتِه عليه، و ما خصَّه به وفضّله به على غيره، فازداد شكرًا وخُضوعًا واعترافا بالنعمة، و في أثرٍ ذكَرَه الإمامُ أحمد في الزهد: "أنّ موسى قال: يا ربّ هلا سويت بين عبادك. قال: إني أحببتُ أن أُشْكَر". فإنْ قيل: فقد كان من الممكن أن يُسَوّى بينهم في النِّعم و يُسَوِّى بينهم في الشكر كما فعل بالملائكة، قيل: لو فعلَ ذلك لكانَ الحاصل من الشّكر نوعٌ آخر غير النوع الحاصل منه على هذا الوجه. و الشكر الواقع على التفضيل والتخصيص أعلى و أفضل من غيره! ولهذا كان شكرُ الملائكة و خضوعهم وذلهّم لعظمته و جلاله بعد أن شاهدُوا من إبليس ما جرى له، و من هاروت وماروت ما شاهدوه أعلى وأكملَ مما كان قبله!. و هذه حكمةُ الرب، و لهذا كان شكرُ الأنبياء و أتباعهم بعد أن عاينُوا هلاكَ أعدائهم وانتقام الرب منهم و ما أنزل بهم من بأسه أعلى وأكملَ. و كذلك شكر أهل الجنة في الجنة و هم يشاهدون أعداءَه المكذبين لرسله المشركين به في ذلك العذاب . فلا ريب أنَّ شكرَهم حينئذ و رضاهم ومحبتهم لربهم أكملُ وأعظمُ مما لو قدّر اشتراك جميع الخلق في النعيم!. فالمحبة الحاصلة من أوليائه له والرضا والشكر وهم يشاهدون بين جنسهم في ضد ذلك من كل وجه أكملُ و أتمُّ، فالضد يُظهر حسنَه الضِّدُ، وبضدها تتبين الأشياء!، ولولا خلق القبيح لما عرفت فضيلة الجمال والحسن، و لولا خلق الظلام لما عرفت فضيلة النور، و لولا خلق أنواع البلاء لما عُرِفَ قَدر العافية، و لولا الجحيم لما عرف قدر الجنة! .و لو جعل الله سبحانه النهارَ سرمدا لما عُرف قدرُهُ ، و لو جعل الليل سرمدا لما عُرف قدره!. وأعرف الناس بقدر النعمة من ذاق البلاء! و أعرفهم بقدر الفقر من قاسى مرائر الفقر والحاجة. ولو كان الناس كلهم على صورةٍ واحدة من الجمال لما عُرف قدر الجمال. وكذلك لو كانوا كلهم مؤمنين لما عُرف قدرُ الإيمان والنعمة به، فتبارك من له في خلقه و أمره الحِكَم البوالغ والنعم السوابغ.!! و كذلك الآيات التي أظهرَها سبحانه على يَدِ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، والعجائب والحِكَم و المصالِح والفَوائِد التي في تلك القصّة التي تزيدُ على الألف، لم تكن لتحصل بدون ذلك السّبب الذي كان فيه مفسدة حزن يعقوب و يوسف، ثم انقلبتْ تلك المفسدة مصالح اضمحلتْ في جنبها تلك المفسدة بالكلية، وصارت سببا لأعظم المصالح في حقه وحق يوسف و حق الإخوة وحق امرأة العزيز وحق أهل مصر، و حق المؤمنين إلى يوم القيامة. فكم جنى أهلُ المعرفة بالله وأسمائه وصفاته ورسله من هذه القصة من ثمرة، وكم استفادوا بها من علم وحكمة وتبصرة.. وكذلك المفسدة التي حصلت لأيوب من مسّ الشيطان به بنصبٍ وعذابٍ، اضمحلت وتلاشت في جنب المصلحة والمنفعة التي حصلت له ولغيره عند مفارقة البلاء وتبدّله بالنعماء بل كان ذلك السبب المكروه هو الطريق الموصل إليها، والشجرة التي جُنيت ثمارُ تلك النعم منها.. وكذلك الأسباب التي أوصلتْ خليلَ الرحمن إلى أن صارت النار عليه بردا وسلاما، من كفر قومه وشركهم و تكسيره أصنامهم وغضبهم لها، و إيقاد النيران العظيمة له وإلقائه فيها بالمنجنيق حتى وقع في روضةٍ خضراء في وسط النار و صارت آية وحجة وعبرة ودلالة للأمم قرنا بعد قرن. فكم لله سبحانه في ضمن هذه الآية من حكمة بالغة ونعمة سابغة ورحمة وحجة وبينة، لو تعطلت تلك الأسباب لتعطلت هذه الحكم والمصالح والآيات، و حكمته وكماله المقدس يأبى ذلك، وحصول الشيء بدون لازمه ممتنع. و كم بين ما وقع من المفاسد الجزئية في هذه القصة وبين جعل صاحبِها إمامًا للحنفاء إلى يوم القيامة! وهل تلك المفاسد الجزئية إلا دون مفسدة الحرّ والبرد والمطر والثلج بالنسبة إلى مصالحها بكثير! و لكن الإنسان كما قال الله تعالى: {ظَلُوماً جَهُولاً} ظلوم لنفسه، جهول بربه وعظمته وجلاله وحكمته وإتقان صنعه.. وكم بين إخراج رسول الله من مكة على تلك الحال، و دخوله إليها ذلك الدخول الذي لم يَفرَحْ به بشرٌ حبورا لله، و قد اكتنفه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله والمهاجرون والأنصار قد أحدقوا به والملائكة من فوقهم، والوحي من الله ينزل عليه و قد أدخله حرمَه ذلك الدخول. فأين مفسدة ذلك الإخراج الذي كان كَأَنْ لم يكن!؟ و لولا معارضة السحرة لموسى بإلقاء العصي والحبال حتى أخذوا أعين الناس واسترهبوهم، لما ظهرت آيةُ عصا موسى حتى ابتلعت عصيّهم و حبالهم. ولهذا أمرهم موسى أن يلقوا أولا ثم يلقي هو بعدهم. ومن تمام ظهور آيات الرب تعالى وكمال اقتداره وحكمته، أن يخلق مثل جبريل صلوات الله وسلامه عليه الذي هو أطيب الأرواح العلوية وأزكاها وأطهرها وأشرفها وهو السفير في كل خير وهدى وإيمان وصلاح، و يخلق مقابله مثل روح اللعين إبليس الذي هو أخبثُ الأرواح وأنجسها وشرها، وهو الداعي إلى كل شر وأصله ومادته. و كذلك من تمام قدرته وحكمته أنْ خَلَقَ الضياءَ والظلام والأرض والسماء والجنة والنار وسدرة المنتهى وشجرة الزقوم، وليلة القدر وليلة الوباء والملائكة والشياطين، والمؤمنين والكفار والأبرار والفجار والحر، والبرد و الداء و الدواء والآلام واللذات والأحزان والمسرات. واستخرج سبحانه من بين ما هو من أحبِّ الأشياء إليه من أنواع العبوديات والتعرف إلى خلقه بأنواع الدّلالات، و لولا خلق الشياطين والهوى والنفس الأمارة لما حصلتْ عبوديةُ الصّبر، ومجاهدة النفس والشيطان ومخالفتهما، وترك ما يهواه العبدُ و يُحبُّه لله، فإنَّ لهذه العبودية شأنًا ليس لغيرِها. ولولا وجود الكفار لما حصلتْ عبودية الجهاد و لما نال أهلُه درجَةَ الشهادة، و لمَا ظهَر من يُقدِّمُ محبَّةَ فاطرِه و خالقِه على نفسه وأهلِه و ولدِه، و من يُقَدِّم أدنى حَظٍّ من الحظوظ عليه، فأين صبر الرسل وأتباعهم و جهادهم وتحّملهم لله أنواع المكاره و المشاق و أنواع العبودية المتعلقة بالدعوة وإظهارها لولا وجود الكفار؟ وتلك العبودية تقتضي علمه وفضله وحكمته و ُيستخرج منه حمده وشكره ومحبته والرضا عنه.."
|
#2
|
|||
|
|||
السلام عليكم ورحمة الله
ما شاء الله بارك الله لكِ على كل كلمة طيبة وجعله الله فى ميزان حسناتك ووفقك الله فى كل خير |
#3
|
|||
|
|||
اقتباس:
وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته اللهم ااااااااااامين،، شكر الله لكِ اخيـــــــــــــــــه
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الأمام, المفاسد, البارى, تقدير, حكمة, في, و |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|