« كلمات في زينة النِّساءِ »
الحمد للَّـه ربِّ العالمين، وصلَّى اللَّـهُ وسلَّم على أشرف المرسلينَ ، نبينا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فإن شريعة الله تعالى أنزلها لتطهير الْبِلاد والعباد، وهي شريعة مُشْتَمِلَةٌ على المصالح، فيها كل مَصْلَحَةٍ للعباد تَتَعَلَّقُ بالرجال أو تتعلق بالنساء.
فَمَنْ تَقَيَّدَ بها فإنه على سبيل النجاة، ومَنْ خرج عن هذه الشريعة فقد عرض نفسه للهلاك وللتردي؛ فلذلك أحب العلماء أن يُبَيِّنُوا ما تهدف إليه شريعة الإسلام من المصالح العامة، ومن الأشياء التي يفعلها المجتمع ويكون في فعلها صلاحٌ وخيرٌ وفوائدُ عامة في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ولا شك أَنَّ من جملة ما جاءت به الشريعة ما يتعلق بالنساء، فإن « النساء شقائق الرجال » ويجب عليهن ما يجب على الرجال عادة، فالصلاة التي فرضها الله تعالى مُكَلَّفٌ بها الرجال والنساء، والصيام كذلك والزكاة كذلك والحج كذلك، والعبادات والتوحيد وإخلاص العبادة وترك الْمُحَرَّمَات, كلها مطالب بها الرجال والنساء. ولكن للنساء أيضًا خصائص تُعُبِّدْن بها هي من آثار أنوثة المرأة، وعدم تَعَرُّضِهَا للفساد .
فاختصت المرأة بأنها لا تجب عليها صلاة الجماعة، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خَيْرٌ لهن » لما أُمِرْنَ بالصلاة جُعلت صلاة المرأة في بيتها خيرًا لها. ورد أنه عليه السلام قال: صلاة المرأة في مسجد قومها أفضل من صلاتها في المسجد الجامع -أو في المسجد الكبير- وصلاتها في ساحة بيتها أفضل من صلاتها في مسجد قومها, وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في ساحة بيتها كانت الصحابية التي روت ذلك تَعْمِدُ إذا أرادت أن تصلي فتختار أظلم مكان في بيتها, وتصلي فيه حرصًا منها على التستر.
كذلك لما رَخَّصَ لهن في الصلاة في المساجد, قال: « وليخرجن تَفِلاتٍ » ؛ يعني شعثات لا يتجملن ولا يتطيبن. كل ذلك حرصٌ على صيانة المرأة وعدم تعرضها للفتنة بها؛ أن تفتتن، أو يُفْتَتَن بها. إذا خرجت إلى المسجد فإنها تخرج محتشمة وتخرج أيضًا تفلةً, لا تلبس ثياب شهرة ولا ثياب زينة ولا جمال، ولا تبدي شيئًا من زينتها ومما تتجمل به أمام زوجها ونحو ذلك، كل ذلك حرصٌ على صيانتها.
كذلك أيضًا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء بالمساجد كُنَّ يتحجبن تَحَجُّبًا كاملا, قالت عائشة رضي الله عنها: « كان نساء من المؤمنات يشهدن صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم مُتَلَفِّفَات بمروطهن – أو متلفعات بمروطهن – لا يعرفهن أحد من الْغَلَس » ؛ أي لا يعرف بعضهن بعضا, وذلك حرصًا منهن على التستر.
فتخرج المرأة متلففة بثيابها، قد غَطَّتْ جميع بدنها رأسها ووجهها ويديها، وجميع ما يتعلق ببدنها لا يَظْهَرُ شَيْءٌ منه. ثم حدث أن النساء بعد ذلك بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم -أحدثن شيئًا من الزينة أو لباس الشهرة، فقالت عائشة رضي الله عنها : « لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لَمَنَعَهُنَّ المساجد، كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل » مع أنهن يخرجن للعبادة, ولأداء صلاة جماعة, وللاستفادة من الصلاة مع الجماعة، وذلك بسماع القرآن، وبتعلم صفة الصلاة وأركانها، وما أشبه ذلك.
فكل ذلك تستفيده المرأة من صلاتها مع الجماعة، ومع ذلك إذا أحدثن شيئًا من التبرج أو من إبداء الزينة فإنهن يُمْنَعْنَ من المساجد؛ حرصًا على صيانتهن، وحرصًا على إبعادهن عن الأخطار، وعن الأشياء التي تضر بالمجتمعات، ولا شك أن هذا كله دليل على حرص الإسلام على صيانة المرأة والحفاظ عليها.
كذلك كان النساء في الجاهلية قبل الإسلام يكشفن شيئًا من زينتهن وثيابهن, فَسُمِّيَ ذلك تبرجًا وأضيف إلى الجاهلية, قال الله تعالى : ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾.
تعليم من الله تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم, وهُنُّ القدوة للنساء المؤمنات أن يتجنبن أن يفعلن هذه الأعمال:
1- الخضوع في القول؛ إذا كلمت رجلا لحاجة فلا تُلَيِّنُ القول, ولا تخضع فيه, ولا تُرَقِّقُ كلامها. وهكذا إذا تكلمت مع أجنبي لحاجة في أمر من الأمور, فإنها تكلمه بكلام فيه شيء من الخشونة, ليس فيه شَيْءٌ من الرقة ولا الخضوع, ومع ذلك فإنها مأمورة بأن لا تتكلم عند الرجال إلا لحاجة ماسَّةٍ وشديدة.
واختار بعض العلماء أن صوت المرأة عورة واستدلوا بأدلة, منها أنه لا يصح للمرأة أن تُؤَذِّنَ؛ لأن في الأذان رفع صوت, وصوتها قد يصير فيه شيء من التذلل أو من الخضوع ونحو ذلك, وقد يكون فتنة لمن يسمع كلامها. ومن الأدلة أن المرأة إذا صَلَّتْ مع الرجال وحدث أن الإمام نسي أو سَهَا فإنها لا تُسَبِّحُ « التسبيح للرجال والتصفيق للنساء » تقتصر على أن تُصَفِّقَ ببطن كفها على ظهر الأخرى, ولا تسبح؛ لأن التسبيح للرجال ومع أنه ذِكْرٌ.
كذلك أيضًا ورد أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال؛ يعني بالتلبية, ومع ذلك فإن المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية, وإنما تخفض صوتها بحيث تسمعها رفيقتها, كل ذلك من الحرص على إبعاد المرأة عن الفتنة .
2- أمرهن الله تعالى بالقرار في البيوت ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ ؛ أي اثْبُتْنَ فيها ولا تخرجن؛ فالمرأة أستر ما لها بيتها ، تجلس في بيتها ولا تتجاوزه ولا تخرج منه إلا لحاجة ماسة أو لضرورة. وإذا خرجت فإنها تخرج متسترة محتشمة، بعيدة عن التبرج وبعيدة عن إبداء شيء من الزينة الذي يكون فتنة لمن رآها أو نظر إليها, أو نظرت إليه.
وقد رُوِيَ أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل فاطمة بنته: ما خير ما للمرأة؟ فقالت: ألا ترى الرجال, ولا يراها الرجال ، فضمها وقال: ذرية بعضها من بعض أقرها على ذلك.
3- ثم قوله تعالى: ﴿ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ التبرج هو إبداء شيء من الزينة, ولا شك أن زينة المرأة إذا أبدتها سواء في اللباس, أو في شيء من الجسد, أو في شيء من الْحُلِيِّ, فإن في ذلك فتنة وفيه دعاية إلى فعل الفاحشة, أو انتشار الفاحشة.
ولا شك أن مجمع محاسن المرأة هو وجهها؛ فلذلك تؤمر بأن تستر وجهها عند الرجال الأجانب. إذا كان هناك حاجة إلى البروز لا تبدي شيئًا من محاسنها, فإن ذلك هو الفتنة لمن نظر إليها, أو مَنْ نظرت إليه. فإذا قيل: إن خير ما للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال, كان من جملة ذلك أن تغض بصرها, قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ تغض المرأة من بصرها إذا خرجت فلا تنظر إلى الرجال, والرجل أيضًا إذا رأى المرأة فإن عليه أن يغض من بصره, ويكف نظره حتى ولو كانت متسترة, ولو كانت محتشمة؛ وذلك لأن نظره إليها حتى ولو كانت متغطية كمال الغطاء لا يُؤْمَنُ عليه الفتنة. هذا هو السبب في أمر الرجال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾.
ثم إن زينة المرأة التي تبديها يدخل في ذلك وجهها ويداها, فهي من الزينة التي أمرها الله تعالى أن تسترها ولا تبديها إلا لمحارمها, يقول تعالى: ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ ؛ أي لأزواجهن لا تبدي المرأة زينتها؛ يعني محاسنها إلا لزوجها أو لولدها، أو لابن زوجها أو أبيه, أو لأبيها أو إخوتها أو أولاد إخوتها أو أولاد أخواتها, أو أعمامها أو أخوالها.
هؤلاء محارمها ، ينبغي لها أن تبدي وجهها مثلا وما يظهر منها لمحارمها, وأما غيرهم فإن عليها أن تستر جميع بدنها عن الأجانب الذين لا يحل لها أن تنظر إليهم, ولا ينظرون إليها والذين هم أجانب منها.
ولا شك أن هناك دعايات كثيرة من كثير من المتطرفين ، ينادون بإخراج المرأة إلى المجتمعات العامة, ينادون بأن المرأة شقيقة الرجل, وأن لها من الحقوق مثل ما للرجال, وأن الإٍسلام ظلمها!! وكل ذلك بلا شك مما يهدفون فيه إلى مقاصد سيئة. فمقاصد هؤلاء الدعاة إلى التبرج وإلى بروز النساء قصدهم إذا خرجت المرأة من كِنِّهَا أي محلها الخاص بها , كان ذلك أدعى إلى أنهم ينالون منها ما يريدون.
فيجالسون النساء, ويمازحون, وينظرون, ويتلذذون بالنظر إليهن, ويكون وراء ذلك ما وراءه من الأهداف السيئة التي نهايتها فعل الفواحش, وانتشار الزنا. فمثل هؤلاء لا شك أنهم يصدق عليهم أنهم من الذين يحبون الفاحشة, قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ الذين يحبون شيوع الفاحشة؛ يعني فاحشة الزنا والتبرج: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ .
فلا يجوز أن يُصْغِي أحد إلى دعاياتهم في قولهم: إن المرأة مهضومة الحق وأنكم ظلمتموها, وأنكم بخستموها حقها!! بل الإسلام جعل المرأة جوهرة مصونة, تصان عن كل ما يدنسها وكل ما يوسخها. فإذا كانت مصونة في بيتها فإنها تبقى على صيانتها, كالجوهرة النظيفة التي لم يمسها شيء من الأوساخ والأقذار. أما إذا برزت وخرجت فإن خروجها؛ يكون سببًا في أنها تتدنس بمن يلامسها ويجالسها, ويمازحها.
كما يحصل ذلك في كثير من البلاد التي يحصل فيها الاختلاط. لا شك أن من أسباب الفساد, ومن أسباب شيوع الفاحشة الاختلاط الذي يدعو إليه أولئك المغرضون. يدعون إلى الاختلاط اختلاط الرجال بالنساء في المجتمعات وفي المنتزهات, وما إلى ذلك. فإذا خرج النساء من بيوتهن وزاحمن الرجال في تلك المنتزهات, أو أمام تلك الملاعب ونحوها، ومَسَّ المرأةَ رجلٌ أجنبيٌّ أو قرب منها, وكلمها وكلمته, وحصل بينه وبينها شيء من المزاح, أو المعاكسة, وما أشبهها ، كان هذا سببًا لانتشار الفاحشة أو لتمكنها, ولضعف الإيمان، أما إذا بقي النساء في أماكنهن, وحافظن على أنفسهن, فإن الإيمان معهن يكون ثابتًا راسخًا قويًّا لا يتزعزع.
نقول: إن زينة المرأة بلا شك في وجهها, فإنه مجمع المحاسن, فلا يُلتفت إلى الذين يأمرونها بأن تكشف وجهها أمام الرجال, والذين يدَّعون أن الحجاب إنما هو ستر الرأس, أو ما أشبهه. إذا كانت المرأة مأمورة بالتستر وعدم إبداء الزينة, فإن التستر والتحجب هو ستر الوجه كله , حتى ولو كانت في الإحرام .
ذكرت عائشة رضي الله عنها أن الرجال إذا مروا بهن وهن محرمات في هوادجهن, سدلت إحداهن جلبابها من رأسها على وجهها, هكذا تقول عائشة: « إذا حاذانا الرجال سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه » مع أن المحرمة مأمورة بأن لا تلبس غطاء الوجه الذي يستر الوجه، وهو النقاب ونحوه.
ومع ذلك تستر وجهها بهذا الجلباب حفاظًا على ستر زينتها, وحفاظًا على كرامتها, وألا تبدي زينتها لغير محارمها؛ عملاً بالآية الكريمة: ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ زينة المرأة ما يكون من جمالها؛ يعني وجهها, ورأسها, وشعرها, ونحرها, وعنقها, وساعداها, وساقاها, وكذلك كفها وقدمها وجميع بدنها -إذا أبدت شيئًا من ذلك فإنه من الزينة التي حُرِّمَ أن تبديها.
وأما قوله تعالى: ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ ؛ فالمراد بالزينة هاهنا الثياب؛ أي لا تبدي ثياب الزينة إلا الثياب الظاهرة, كالعباءة مثلا, والمشالح التي تكون ظاهرة, ومع ذلك فإنها تؤمر بأن لا تلبس اللباس الذي يلفت الأنظار, بل تحرص على أن لا تلبس شيئًا إلا لباسًا معتادًا ليس فيه شيء من التبرج ولا من التجمل، وما أشبه ذلك. هكذا تكون المرأة التي تريد صيانة نفسها.
ولما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء, أو أمرهن أن يخرجن لصلاة العيد: قالت إحداهن: إذا لم تجد جلبابًا؟ فقال: « لتلبسها صاحبتها من جلبابها » الجلباب هو الرداء الذي تلتف به، أَمَرَها بأن تلبس الجلباب الذي يستر جميع بدنها, ولو أن يجتمع ثنتان في جلباب واحد إذا خرجن لصلاة العيد ونحوها. ومع ذلك فإن عائشة تقول: لو شهد النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد.
هذا في عهد عائشة التي توفيت سنة ثمان وخمسين من القرن الأول, فكيف بزماننا هذا الذي خرج كثير من النساء عما جُبِلْنَ عليه من الزينة, وأبدين زينتهن, وتبرجن وأبدين محاسنهن, وكأنهن لسن مأمورات ولا منهيات ولا مكلفات بشيء من أوامر الشريعة!! ولا شك أن هذا خروج عن تعاليم الشريعة الإسلامية, وعدم امتثال لأمر الله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ﴾ أي يُغَطِّين وجوههن ورؤوسهن بجلابيبهن؛ أي بأكسيتهن وأرديتهن اللاتي يرتدينها. تُعْرَفُ المرأة بذلك أنها عفيفة, قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ﴾ إذا عُرِفَتِ المرأة بأنها عفيفة وأنها محتشمة، وأنها بعيدة عن أن تميل إلى الرجال الأجانب ونحوهم, فإنها لا تطمع فيها الأهواء والأنفس، بل لا يمتد نظر أحد إليها، فهكذا جاء الإسلام.
جاء الإسلام أيضًا بأمر المرأة بالاختمار في قوله تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ والخمار هو الذي تلبسه على رأسها.
أمرها الله عند الرجال أن تستر جيبها، أن تُدَلِّيَ خمارها من رأسها حتى يستر وجهها، ثم يستر فتحة جيبها، الفتحة التي هي مدخل الرأس من اللباس. مع أن بُدُوَّ الصدر مثلا، إذا بدا قَدْرُ الإصبع من صدرها الذي هو محل فتحة الجيب ليس فيه فتنة كفتنة النظر إلى الوجه، فلذلك يُسْتَدَلُّ بأن الله تعالى أمرهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، وأن يضربن بخمرهن على جيوبهن، تستر رأسها بالخمار وتدليه على وجهها حتى يستر فتحة جيبها.
كذلك إذا كانت أخفت شيئًا من الزينة، فلا يجوز لها أن تعلن الزينة التي أخفتها. كان بعض النساء يلبسن في أرجلهن خلاخل؛ أي أنواع من الفضة يجعل فيها شيء من حبات الحجارة، إذا مشت يكون لها صوت فَنُهِيَتْ أن تبدي ذلك، فقال تعالى: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ ؛ أي لا يجوز لها إذا مشت أمام الرجال أن تضرب برجلها حتى يُصَوِّتَ، أو يسمع صوت ذلك الخلخال؛ لِيُعْلَمَ أنها عليها زينة خفية قد أخفتها باللباس.
وهذه الخلاخل تكون في أسفل الساق، وتسترها الْحُلَلُ, إذا لبست ثيابًا فإنها تسترها. فهكذا جاء الإسلام بالحرص على ستر المرأة حتى في الصلاة. لما سألت أم سلمة رضي الله عنها: هل تصلي المرأة في الدرع الواحد؟ قال: « نعم إذا كان ساترًا يغطي ظهور قدميها » إذا كانت في الصلاة ولو وحدها، تؤمر بأن تستر قدميها، مع أنه ليس عندها أحد, فكيف بزينتها؟!
وكذلك لما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن الإسبال, وقال : « ما أسفل من الكعبين فهو في النار » سأله بعض النساء عن ذيول النساء, كيف تفعل المرأة بذيلها؟ ؛ يعني بأسفل ثوبها؟ فقال: « يرخين شبرًا »؛ أي ترخي المرأة ثوبها على الأرض شبرًا فقيل: إذًا تبدو أقدامهن، إذا سارت فإنه قد يتقلص ذلك الثوب فتبدو قدمها فقال: « يرخين ذراعا » أمرها إذا لبست ثوبًا، أو عباءة أن ترخيه ذراعًا.
فعلى المرأة أن تبتعد عن الأشياء التي تخدش في كرامتها، أو تجرها إلى فعل فاحشة, أو تُعلق الأنظار إليها، أو تحصل فتنة بها بالنظر إليها أو بخروجها، وأن تلزم بيتها ولا تخرج إلا لشيء ضروري، كمدرسة أو مستشفى، أو ما أشبه ذلك؛ حتى تكون بذلك قد صانت وحفظت نفسها ، وأحصنت فرجها, وحافظت على كرامتها, وعلى دينها، وبذلك تكون عفيفة محصنة بفضل الله تعالى.
قاله
عبد اللَّـه بن عبد الرَّحمن الجِبرِيْن
رحمه اللَّـهُ تعالى
منقول