الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
|||
|
|||
امين
وجزاك الله خيرا |
#12
|
|||
|
|||
الله اكبر
بارك الله فيكِ غاليتي على هذا الطرح الطيب وجعله الله في ميزان حسناتك ولا حرمنا الله من طلاتكِ علينا |
#13
|
|||
|
|||
بارك الله فيك أمَّنا
الموضوع أجوبة لكلِّ التساؤلات التي تدور في أذهاننا هذه الأيام جزاك الله خيرًا حفظك الله ورعاك و بموفور الصحة كلَّلك وجزى الله خيرًا الشيخ ممدوح جابر
|
#14
|
|||
|
|||
عاجل جدا وجديد وحصري : تفريغ سلسلة دروس ومحاضرات في السياسة الشرعية والتي ألقاها فضيلة الشيخ ممدوح جابر في معهد الشهداء , وهي 14 محاضرة , وقد تم الفراغ من هذا العمل بتاريخ 21/9/2012 , هذا هو رابط التفريغ :
https://hotfile.com/dl/173145682/f86..._____.rar.html التفريغ : : إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا ، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله r . $pkr'¯»t ] tûïÏ%©!$# (#qãYtB#uä (#qà)®?$# ©!$# ¨,ym ¾ÏmÏ?$s)è? wur ¨ûèòqèÿsC wÎ) NçFRr&ur tbqßJÎ=ó¡B [ [آل عمران: 102] ، ] $pkr'¯»t â¨$¨Z9$# (#qà)®?$# ãNä3*/u Ï%©!$# /ä3s)n=s{ `ÏiB <§øÿ¯R ;oyÏnºur t,n=yzur $pk÷]ÏB $ygy_÷ry £]t/ur $uKåk÷]ÏB Zw%y`Í #ZÏWx. [ä!$|¡ÎSur 4 (#qà)¨?$#ur ©!$# Ï%©!$# tbqä9uä!$|¡s? ¾ÏmÎ/ tP%tnöF{$#ur 4 ¨bÎ) ©!$# tb%x. öNä3øn=tæ $Y6Ï%u [ [النساء: 1] ، ] $pkr'¯»t tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qà)®?$# ©!$# (#qä9qè%ur Zwöqs% #YÏy ÇÐÉÈ ôxÎ=óÁã öNä3s9 ö/ä3n=»yJôãr& öÏÿøótur öNä3s9 3öNä3t/qçRè `tBur ÆìÏÜã ©!$# ¼ã&s!qßuur ôs)sù y$sù #•öqsù $¸JÏàtã [ [الأحزاب: 70، 71] . أما بعدُ فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ r ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلَّ محدثةٍ بدعةٍ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٍ ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ ، وبعدُ : فهذه سلسلة دروس ومحاضرات تتعلق بالسياسة الشرعية , وسنتعرض في البداية إلى مقدمة للسياسة الشرعية , وهذه المقدمة تنقسم إلى عدة أجزاء , الجزء الأول : التعريف بالسياسة الشرعية والتفرقة بينها وبين السياسة الغربية ( العلمانية ) التي لا تنتمي إلى الشرعية بشيء , والثاني : إسلامية الدولة ونظام الحكم , والباب الثالث : تعريف الحضارة , والباب الرابع : أركان النظام السياسي الإسلامي , والباب الخامس : التدرج في تطبيق الشريعة , والباب السادس : السمات العامة للحكم الإسلامي . الباب الأول : التعريف بالسياسة الشرعية والتفرقة بينها وبين السياسة الغربية نقول في البداية : إنَّ الغرض من دروس السياسة الشرعية هذه : الوصول إلى المصطلحات الثلاثة , العقيدة السياسة , والنظام السياسي , والمشروع السياسي . سنتكلم عن تعريف السياسة الشرعية , وهل نحن نختص بهذه السياسة الشرعية أم لا ؟ ومِن أين أتت السياسة غير الشرعية , وذلك حتى نصل في النهاية إلى تعريف العلمانية , وماذا فعلت في الناس , وهل يصح أن تكون العلمانية علاجًا لنا ؟ أولاً : السياسة هي عمل الأنبياء كما وَرَد في صحيح البخاريّ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ , كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ , خَلَفَهُ نَبِيٌّ - وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي - . وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ . قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : فُوا ( يعني : أَوْفُوا ) بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ , أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ , فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ( ) . يعني : كأنَّ النبي يخبر بأنَّه يعمل بهذه السُّنَّة , وهذه السياسة , غير أنَّه لا نبيَّ بعده . والشاهد من هذا الحديث أنَّ النبي يُصَرِّح بأنَّ السياسة هي سنَّة وعمل الأنبياء , ويُصرِّح أيضًا بأنَّ هذا هو عمله هو نفسه , وسنته , وما بُعِثَ به يؤكد ذلك . ثانيًا : تعريف السياسة : السياسة هي : إدارة شئون العامة على وجهٍ من الحكمة , فإن كانت على وجهٍ من الظلم , فهو الاستبداد والطغيان . وبعضهم يقول : السياسة هي فنّ الممكن . أو : هي الموازنة بين المصالح والمفاسد . والموازنة بين المصالح والمفاسد هي دين الإسلام , فالدين كله يقوم على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد . تنبيه : لا نقول – كما هو شائع ويكاد يكون نصًّا محفوظًا - : إذا تعارضت المصلحة مع المفسدة , فَدَرْءُ المفاسد مُقَدَّمٌ على جلب المصالح , فهذه القاعدة غير صحيحة ؛ لأنه ما مِن مصلحة إلا وتجد فيها مفسدة ؛ ولذلك يقول بعض العلماء – وهو صحيح - : ليست هناك مصلحة خالصة , وليست هناك مفسدة خالصة , وهذا هو الصحيح كتابًا وسنَّة وكلامَ أهلِ العلم . شرح التعريف : قولنا : ( شئون العامة ) : لأن هناك شئون الخاصّة , وشئون العامة , فالخطاب يوجّه لمجموعات من الناس , فهناك خطاب يوجّه للمؤمنين بالآخرة , وهناك خطاب يوجّه للمؤمنين بالله , وهناك خطاب يوجّه للمؤمنين بالإسلام , وهناك خطاب يوجّه للعامة , مسلمهم وكافرهم , الملتزِم منهم , وغير الملتزِم , يعني : الساكنين في بُقعة واحدة , الذين جَمَعَهم مكان وزمان واحد . فإذًا : محور السياسة هو شئون النَّاس ( الشعب ) , لكن الخطاب يوم الجمعة – مثلاً – يوجَّه لنوعية معينة , مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر . وقولنا : ( على وجه من الحكمة ) : إذا لم تُفَسَّرِ " الحكمةُ " بمعنى : " الشرع " يكون هذا خطأ , ويكون تفسير العلمانية . الفارق بين الخطاب الديني وبين الكلام بالسياسة الشرعية : الكلام بالسياسة الشرعية يعني الانضباط بأمرين : الأول : أن يكون الخطاب موجَّه للجميع . والثاني : أن يكون الخطاب نابعًا من الكتاب والسنَّة . وسيتضح لنا بعد ذلك أنَّ السياسة الشرعية تعني الدين والشرع كله , وأصل الأصول التي قام عليها شرع الله , وأتى بها رسول الله , وأن أيَّ سياسة غير شرعية تعني : لا دين , وتكون ضد الدين . معنى " كَوْن الخطاب نابعًا من الكتاب والسنَّة " : هناك أناسٌ متخصصون في تدريس السياسة مطلقًا , وهناك جامعات ومراكز أبحاث وأقسام , كقسم السياسة والعلوم الاقتصادية , وقسم الاقتصاد والعلوم السياسة , وهذه الأماكن تُدَرِّس السياسة بالمفهوم العام دون مراعاة الأصول الشرعية . فإذًا : - هناك سياسة في الكتاب والسنَّة , كما هو واضح في الحديث الذي بدأنا الكلام به , وهذا أصل عمل الأنبياء , والذي مُحِيَ على مرِّ التاريخ . - من الخلل ما كان يحاول أن يُقنعنا به البعض من أن عمل الأنبياء هو الصلاة والصوم والزكاة والحج , وكلما ابتعدت عن التعاملات الدنيوية , كلما اقتربت من الله , لأن العمل بالسياسة الشرعية أصل عمل الأنبياء , ولأنَّ هذا الخلل أدَّى بنا لأن نكون في ذَيْل الأمم , فهذا الفَهم يؤدي بِنا إلى إهمال إدارة شئون العامة , وهذا أمر لا يُمكن الاستغناء عنه . والذي يراجع القرآن المَكِّي سيجد أنَّه يتكلم عن إقامة دولة .. وأصول حكم .. أنواع الناس , كافر , مسلم , منافق . وإذا راجعنا سورة الشورى – وهي مكية – ستجد أنها تتكلم عن أصول الحكم , مع أنَّ هذا التوقيت كانت الدعوة فيه سرِّية , ومع ذلك , مِن أصول الدولة التي تكلمت عنها هذه السورة : مبدأ الشورى , بل سورة الشورى لم تأمرْ بالشورى , فالأمر بها كان في المدينة في غزوة أحد , وشاورهم في الأمر [آل عمران: 159] , أمَّا في سورة الشورى قال تعالى : وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] , وهذا كمثل قول الله : كنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] , يعني : لكي تُسَمُّوا أمّة , لابد أن يكون من أهم صفاتكم " الأمر بالمعروف ... " , وهذا أعلى في المقام من أن يأمرك بأن تأمر بالمعروف ... , لكن بهذا التعبير كأنَّه يقول لك : إذا أردت أن تعرف صقات المسلم , فالمسلم هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , والمسلمين هم الذين أمرهم شورى بينهم . وهذا الوصف بمبدأ الشورى كان يسبقه الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة . وإذا تأملْنا باقي الآيات في سورة الشورى سنجد أنها تتكلم عن أصول الحكم , وأنَّ الحكم لله وحده . فإذا تأملنا الآيات المكية دون أن نعلم أنها مكية سنشعر بأن هذه الآيات نزلت في حكم قائم . وسنجد أنَّ رسول الله كان يعرض نفسه على القبائل , وسنقف عند أهم قبيلة عَرَضَ نفسه عليها , وهي قبيلة بني حارثة . فقد صحَّ عن النبي فيما رواه البيهقي وغيره حينما كان يعرض نفسه على القبائل , أنه كان يعرض نفسه على هذا المبدأ , أن يستجيبوا له , وأن يقيموا كيانًا , فعرض نفسه على بني شيبان( ) , فقال سيِّدهم المثنَّى بن حارثة( ) : إنما نزلنا في العراق على عهدٍ أخذه كسرى علينا , أن لا نُحْدِثَ حَدَثًا , ولا نؤي مُحْدِثًا , وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك [ إذًا هو لم يأمره بالصلاة والتسبيح فقط وإلا لما أجابه بهذه الإجابة , فهذا لا يضر بالملوك , ولذلك نريد أن نقول : الدين يعني دولة , وهذا أول دعوة النبي ] فإن أحببت أن نؤيدَك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق , وإنَّ دين الله لن ينصره إلا مَن حاطه من جميع جوانبه ... فنلاحظ هنا أن المثنَّى بن حارثة فهم لب هذه الدعوة , أنها عبارة عن منازعة الملوك في ملكهم , في نظام الحكم والمعيشة والسياسة . إذًا : النقطة الأولى : أنّ هذا الدين لن ينصره إلا مَن أحاطه من جميع جوانبه . النقطة الثانية : بيعة العقبة الثانية , في حديث جابر بن عبد الله : قلنا : يا رسول الله , عَلَامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ [ وهذا يبيّن أنه نظام قائم , ليس صلاة وصوم وحج وزكاة , وإنما هناك مَن يقول , وهناك مَن يستمع ] وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ , وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ [ يلاحظ أنه يكلم اثنين وسبعين رجلاً مختبئين في شعاب مكة , يخافون أن يخرج عليهم أحد فينفضَّ المجلس وكل شيء , لكنه يقول لهم وإن بدا أننا الآن بعيدين عن هذا الأمر , لكن هذا هو الذي ينبغي أن يكون في حِسِّنا وفي وِجداننا وفي خطابنا وفي أفعالنا ] . ونلاحظ هنا أن البيعة نفسها لا ترتبط بشخص النبي , وإنَّما هي بيعة عامة كما هو ملاحظ في ألفاظ الحديث , ليس هذا فقط بل رفع النبي هذا اللبْسَ فقال : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ , كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ , خَلَفَهُ نَبِيٌّ - وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي - . وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ . قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ , أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ , فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ . يعني : هذه سنَّة الأنبياء , وكان من المفترض أن يحدث ذلك في هذه الأمة , لكن لا نبي بعده , فأنا مثل هؤلاء الأنبياء لكن مَن يأتي بعدي خلفاءٌ وليسوا أنبياءً . ووضح هذا الأمر في عمل الصحابة ؛ حيث أنهم انشغلوا في أثناء تغسيل النبي وقبل أن يُدْفَن , بأمر غريب جدًا , وهو أنهم انشغلوا في سقيفة بني ساعدة لكي يقيموا أمر هذه الدولة , وهذا لعلمهم أنَّ هذا الأمر من صلب الدين , وأن هذا عمل كل مسلم وليس مخصوصًا بالنبي . أهم المراجع والمصادر في السياسة الشرعية : سنذكر بعض المصادر القديمة والحديثة , حتى يُلِمَّ المرءَ بالأمرِ . ففائدة الكتب الحديثة : - أن تُطْلِعَك على الكتب القديمة , وأسماء هذه الأشياء التي فيها في يومنا هذا . - وأنَّها تتكلم عن النُّظم القائمة الموجودة الآن , فَتُشَخِّصَها بمنظور إسلامي . وفائدة الكتب القديمة : - أنَّها توضِّح أن المسلمين لهم نظام قائم على حراسة الدنيا وعمرانها , وحراسة العقيدة . أهم الكتب القديمة : كتاب " السياسة الشرعية " لابن تيمية وهو موجود داخل مجموع الفتاوى , ومطبوع أيضًا في جزء منفصل . وكتاب الأحكام السلطانية لأبي يعلى الماوردي . أهم الكتب الحديثة : كتاب " العلمانية " للدكتور سفر الحوالي , وهناك كتاب " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " , وكتاب " الإسلام والحضارة الغربية " وهو أهم , وكلاهما للدكتور محمد حسين( ) , وكذلك كتاب " الانحرافات العقائدية في القرني الثالث عشر والرابع عشر الهجريين " للزهراني , وكتاب " تحرير الإنسان وتجريد الظغيان " و " الحرية أو الطوفان " للدكتور " حاكم المطيري " , وكتابي " صلاح الدين " , و " الدولة العثمانية " للصلابي , ومجموعة رسائل " الإصلاح " للشيخ محمد الخضر حسين , وكتب الشيخ محمود شاكر , ومِن أهم كتبه كتاب " رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " و " الرَّد على لويس عوض " , ومجموعة كتب الدكتور محمد عمارة , وهناك مقالتين عن العلمانية للدكتور محمد المبروك في أعداد جريدة البيان , وهناك مقال أيضًا في نفس الجريدة للدكتور أحمد محمد الدغاشني , والدكتور رفيق حبيب أيضًا , وأهم كتاب في العلمانية للدكتور محمد البهيّ وهو أزهري على عقيدة سليمة . والناس إلى عهدٍ قريب لم يكونوا يعرفوا السياسة إلا ما كانت عند المسلمين , وهذه من الفوائد التي ندرِّسُ من أجلها هذه المادة , أن نبيِّن أننا لسنا عالة على أحد , وأنَّ عندنا السياسة الشرعية الكفيلة بنا . وإذا راجعنا سورة الأعراف وسورة الأنعام تحديدًا , سنجد أن الرسل كانوا يأتون إلى قومهم ببرنامج كامل متكامل , كإقامة الميزان بالقسط , وعدم الظلم , وعدم السعي في الأرض فسادًا , وإعطاء الحقوق , وفعل كذا وكذا , مع حراسة العقيدة . فإذا اقتصر الأمر على عمران الدنيا فقط , كانت هذه تُسَمَّى الدنيوية أو العلمانية بالألفاظ الحديثة , وهذا سيقودنا للحديث عن العلمانية . نظرة واقعية إلى بعض الدعاوى داخل المنهج السلفي : ونحن نعلم أن المنهج السلفي يُنسَب في العصور المتأخرة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية , أو للشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمة الله على الجميع – فلمَّا تقرأ في سيرة هؤلاء تعجب جدًا لِما أصابنا من تعميةٍ لهذا المنهج . فلو نظرنا إلى الدعوة السلفية من عصر الشيخ محمد عبد الوهاب , سنجد أنَّ الأمر انحرف انحرافًا شديدًا عن أصل الدعوة السلفية , فدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب السلفية قامت على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في أسلوبه البسيط , ثم أخذ الشيخُ يتدرج , فإذا باللسان لا يصلح , فبدأ يغيّر باليد , فبدأ يظهر المعترضون , وأنَّه لا يجوز التغيير باليد , وأن التغيير يكون باللسان فقط , والنصح يكون سرًّا ! وأن لا تُسيءَ له بالكلام أيضًا . فهنا أظهر الشيخ الأدلة , وأقوال السّلف في أن التغيير يكون أيضًا باللسان , وأنَّه مُقتضى النصوص الشرعية , وهذا الكلام كان في ظل وجود خلافة عثمانية , وليس في ظل حكّام باعوا الشرع والبلاد وضمائرهم . ووضَّح للناس أن الخليفة لا يكون خليفة إلا إذا دعا للجهاد , ولا يكون خليفة إلا إذا قام على حفظ الدين , فإن فرَّط في ذلك فلا يكون له سمع ولا طاعة . أمَّا الآن فتجد أن هذا المعنى قد انعكس , تجد أن المشهور في السلفية الآن هو تسكيين الناس عن الخروج عن الحكام , ليس بدعوى أن هذا يترتب عليه مفاسد أكبر – كما نقول – وإنما بدعوى خطيرة جدًا وهي أنه وليّ أمر المسلمين !!! وتتكرر نفس الصورة التي تحدث الآن , فإذا ببعض العلماء يفتون بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الخوارج ! ولم تكن هذه الفتاوى تصدر من علماء السلاطين ؛ فمِن الذين أَفْتَوْا بذلك " ابن عابدين " الحنفي . وإذا بالأمر بعد ذلك ينقلب إلى عكس ذلك , حتى أن " محمد علي " أرسلَ ابنه " إبراهيم باشا " لإخماد الدعوة الوهابية , ثم يُعَدُّ هذا من إنجازات " إبراهيم " باشا ! فلمَّا صنع " إبراهيم " باشا هذا الأمر , اعتبر العلماء أنّ هذا اعتداء , وأنّه يجب جهادهم ؛ لأنهم معتدون غاصبون للبلاد . وفي واقعنا الحالي حدث عكس هذا الأمر بالضبط , أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الحاكم , يُعتبر على أيدي هؤلاء مِن الخروج على الحاكم , أيًّا كان هذا الحاكم , ليس هذا فقط , بل يجب أن تدعوَ له ! وهذه الدعوة في الحقيقة تُناقض الفطرة السَّوية التي تقتضي دفع الظلم . ونفس الكلام أيضًا حينما دخل الاحتلال بلادنا , بدأت الفتاوى تَخرج مِن هؤلاء أنَّ هؤلاء دخلوا بلادنا بعهد أمان , والذي أعطاهم الأمان ولي الأمر ؛ وعليه فلا يجوز الغدر بهم أو مقاومتهم , والأعجب من ذلك أنهم جوَّزوا إعانتهم على اعتدائهم على إخواننا ! فهذه الأمور أدَّت إلى تحريف المنهج السلفيّ , فأصبح عبارة عن منهج يختص بركن العبادات , أمَّا كيفية إدارة هذه الدنيا , وما يفعل هؤلاء أو غيرهم , تجد أنهم نزعوا أنفسهم منه , بل تجد أنهم أفهموا الناس أن منازعة وجهاد هؤلاء لتطبيق شرع الله , جعلوا هذا ليس من الدين , وليس من السلفية في شيء , وطبعًا هذا فهم قاصر جدًا أن يُختصر الدين في مجموعة من العبادات والهيئات فقط . نص الدستور على إسلامية الدولة ليس بدعًا من القول : إنَّ الذي ينظر في دساتير العالم سيجد أنَّ هناك ما لا يقل عن سبعة دساتير من أعرق الديمقراطيات في العالم تنص في المادة الأولى أو المادة الثانية على ديانة الدولة , منهم السويد والدنمارك وأسبانيا واليونان , وقوانين المملكة المتحدة , والعجيب أنَّهم يذكرون ناحية معيّنة من الدين , فمثلاً الدستور في أسبانيا يحمي الديانة المسيحية الكاثولويكية , وفي اليونونان الأرثوذوكسية , وفي السويد والدنمارك تجد الدستور يحمي الديانة المسيحية البروتستانتينية اللوثارية , وعندهم أيضًا لا تكون عضوية البرلمان إلا لصاحب هذه الملة . وقد عرَّفت القواميسُ الإسلاميةُ السياسةَ انطلاقًا من هذه الصورة الإسلامية , وهذه الصورة الإسلامية هي : إقامة شؤون الدنيا , وحراسة العقيدة . أو : هي الخضوع والانقياد لله وِفْقَ ما جاء وأخبر عنه الرسول من الشرائع والأحكام . ومن التعريفات المهمة للسياسة أيضًا : أنَّها استصلاح الْخلق بإرشادهم إِلَى الطَّرِيق المُنْجي فِي العاجل والآجل ، وَتَدْبِير المعاش مَعَ الْعُمُوم ( شئون العامة ) على سنن الْعدْل والاستقامة . السياسة الشرعية ليست مُطْلَقَ طلبِ الصلاح والمصلحة الدنيوية والعاجلة , بل الصلاح والمصلحة التي تجعل نجاة الدنيا محققة للنجاة في الآخرة . أو : هي ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلي الصلاح ، وأبعد عن الفساد . وتنقسم إلى قسمين : الأول : السياسة العادلة غير مخالفة للشريعة الكاملة ، بل هي جزء من أجزائها , وباب من أبوابها . الثاني : السياسة الفاسدة وهي المخالفة للشريعة , وهي العلمانية , والعلمانية اقتصرت على كل ما هو دنيوي وَحَسْب , وجاءت أساسًا بفصل الدين عن الدولة , مِن رحم ( ضد الدين ) يعني : مِن رَحِم الثائرون على الدين , فعندما اشتد الكهنة والقساوسة على الناس في أوربا , قامت ضدهم ثورة لترفض ما هم عليه , وهذه الثورة هي العلمانية . تعريف السياسة الغربية ( العلمانية ) ومن أين أتت ؟ وأثر ذلك على الناس . كلامنا طبعًا عن السياسة الصحيحة غير مخالفة للشريعة . أمَّا السياسة التي دارت حديثًا في الحضارة الغربية فهي السياسة ذات الطابع الوضعي ( أي : من صنع الإنسان نفسه ) , وإنما تقف عند تدبير الإنسان لحياته الدنيا وحدها . وفي عرْف هذه الحضارة يكون الإنسانُ هو السيد . وفي هذا التوقيت الذي ظهرت فيه هذه التعريفات , كانت السياسة الشرعية هي المنتشرة في العالم , ثم بعد ذلك بدأت تظهر مصطلحات السياسة الغربية , وهي : إصلاح أمور الدنيا فقط مع صرف النظر عن أمور الآخرة , أو عدم تدخل الآخرة أصلاً في تسيير أعمال الدنيا . فأهم تعريفات السياسة الغربية في ثَوْب العلمانية : أنَّ العلمانية نسبة إلى العَلَم بمعنى العالم ، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي , وهذه التفرقة مسيحية لا وجود لها في الإسلام , وأساسها وجود سلطة روحية هي سلطة الكنيسة , وسلطة مدنية هي سلطة الولاة والأمراء . والعلمانيون يحكّمون العقل بوجه عام , ويراعون المصلحة العامة دون تقيّد بنصوص أو طقوس دينية . وهذا المصطلح جاء مع بداية الثورة على الكنيسة في أوربا التي كانت تحكم باسم الباباوات , وأن حكمَهم هذا حكمٌ إلهي لا يقبل الرَّد . نلاحظ مما سبق أنَّ السياسة الغربية ( العلمانية ) نشأت قرينة لإزاحة الدين من حياة الناس . فأول فارق بين السياسة الشرعية والسياسة الغربية : أن نهضة الغرب جاءت على حِسِّ الفُرْقَة عن الدين , أمَّا نهضة المسلمين جاءت من التمسك بالدين ؛ لأن الدين عندنا يقيم الدنيا , أمَّا عندهم لا يكون ذلك( ) . وأحد التعريفات المشهورة لها : أنها أسلوب معين للعلم , اُخْتُبِرَ بطريقة مقصودة بعد استعراض كافة البدائل الممكنة , دونما أي إشارة إلى الصلاح الديني الذي يربط سياسة الدنيا بمقاصد الآخرة , ومِن هنا اشتهر التعريف المشهور بأن السياسة : " فن الممكن " . ويلاحظ أيضًا من التعريف أنه يقطع الصلة تمامًا بأي شيء يتعلق بالدين . تعريف الديمقراطية : حتى يحقق الغرب هذه الشهوات الدنيوية لجأوا إلى فكرة الديمقراطية , والديمقراطية تتلخص في " حكم الشعب نفسه بنفسه " , ولما طبَّقوا هذا الأمر ظهرت لهم معضلة كبيرة جدًا وهي أن الأغلبية ( 50% + 1 ) ستطبق كلمتها على الباقي ( 50 % - 1 ) , وهذا الباقي غير مقتنع بفكرة الأغلبية , فهو ينفذها وهو كاره لها , ولكي يوجدوا حلاً لهذه المعضلة , اخترعوا لهم " الحرية " , وهم الليبراليون , فأعطوا الحق لهم في أن يفعلوا أي شيءٍ حتى وإن كان هذا الشيء هو الاعتداء الله , أو الاستهزاء به , ومع ذلك فهم لا يعطون الحرية لمَن اعتدى على السامية أو لمَن أرادت أن تلبس النقاب ! فلم يستطيعوا أن يوجدوا حلاً للتعارض الواقع بين الديمقراطية والليبرالية . لا يصح أن تكون العلمانية علاجًا لنا : بناءً على ما سبق , يستحيل أن نأخذ هذا المثال ونسقطه عندنا ؛ لأن هذا خلاف الأصول التي قامت عليه , ومن هنا ظهر أهمية أن يُطبّعوا العلمانية بطابع العِلم وليس بطابع الدنيا , فلا يمكن لدعوةٍ مثل ذلك أن نستقي منها أي شيء ؛ لأن أصل الموضوع غير صحيح . إشكال : إذا كانت نشأة العلمانية هي الثورة على الدين , فكيف ينصون في دساتيرهم على هذا الدين ؟ والجواب : أنهم في الحقيقة لا يعترفون ولا يقرّون بدين أصلاً , وأمَّا نصهم على ذلك في الدستور فما هو إلا مراعاة لِما عليه الأغلبية , ذلك لأنهم جربوا أن يجردوا الإنسان من أي شيء رُوحي فلم يستطيعوا , فهذا اعتراف حقيقي منهم بأن فطرتهم تقرّ بأن هناك أمر روحي لابد أن يتمسكوا به , فلجأوا لذلك ؛ لأن الديانة المسيحية لا تشكل أي قيودًا عليهم , وفي نفس الوقت تشبع الجانب الروحي عندهم . وأمَّا عن ظهور هذا الأمر في تجمعاتهم كما ظهر على لسان " رِيجَن " أو " جورج بوش الابن " أو في غيرهم , فهذا سببه أنهم لا يدينون بالمسيحية ولا باليهودية , ولكن بما يُسمَى " المسيحية الصهيونية أو الإنجيلية " وهؤلاء يأخذون على عاتقهم أنه لابد لهم أن يأخذوا دولة فلسطين لليهود ؛ لأن هذا هو تفسير الكتاب المقدس عندهم , ولذا كانت فلسطين هي نقطة الالتقاء بين المسيحيين واليهود , وأجّلوا كل الخلافات التي بينهم حتى معركة " هرمجدون " ؛ لأن عندهم عندما تحدث هذه المعركة سينزل المسيح , وسيُقتل جميع الأشرار , وتُطهّر الأرض , ولمَّا اعتقدوا ذلك وأن هناك معركة قادمة , انقسموا فريقين , فريق المشائين وهم الذين لن يفعلوا شيئًا حتى تحدث هذه المعركة , والفرقة الثانية الخبيثة والتي عدد أفرادها الرسميين أربعين مليونًا , غير المتعاطفين , فهذه هي المسيحية الصهيوينية , التي تدفع في اتجاه احتلال فلسطين وإزالة كل ما فيها من عرب . فهذا هو سرّ ظهور مَسَحَات التدين على " رِيجَن " بالذات ؛ لأنههم عدّوا عليه في خطاباته أنه استخدم كلمة الإنجيل وآيات الإنجيل 12 مرّة , و" جورج بوش الابن " . إذًا : أهم الفوارق بين السياسة الشرعية والسياسة الغربية , أن السياسة الغربية تعتمد على فصل الدين عن الدولة , أو ما يُعَبّر عنه بفصل الدين عن السياسة , وذلك زعمًا منهم أن أهل الدين ليس لهم في السياسة , ولم يكتف هؤلاء بهذا الفصل فقط , بل تدخلوا في الدين ليخدم أغراضهم . فالسياسة الدنيوية تقف مرجعيتها عند العقل كَمَلَكةٍ للإنسان الدنيويّ , بينما تجعل السياسة الإسلامية من الشريعة إطارًا حاكمًا لحركة العقل المسلم , وصولاً بالسياسة إلى سعادة الدنيا والآخرة كليهما . السياسة الشرعية من خصائص المسلمين وليست أمرًا حادثَا : فإن ديننا كان يحكم حتى قرابة مائة عام سابقة , ولا يوجد ملة ولا عقيدة ولا شرع ولا مذهب منذ آدم إلى الآن حكم هذه المدة , ولا هذه البقعة التي حكمناها , فنحن حكمنا الأرض كلها 1300 عام , فحتى مارس 1924 كان أكثر من نصف الكرة الأرضية يحكمها شريعة واحدة , وهي شريعة محمد , وبنجاح تام , ويحدث بين الشعوب ما يحدث الآن وأكثر , وحينما سقطت الخلافة , حدثت كارثة لم تمر بالبشرية منذ عصر آدم إلى يومنا هذا , وهي الحرب العالمية الأولى والثانية , والتي وصل عدد القتلى فيها إلى 100 مليون , وهذا تصديق لقوله : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] , يعني : لما اختفت رِيَادةُ الإسلام حدث ذلك , ففي مدينة واحدة وهي عاصمة ألمانيا قُتِلَ 20 مليون , منهم 800 ألف جندي فقط , وقد صرَّح الطيَّارون الإنجليز في مذكراتهم أن الأوامر قد صدرت إليهم بقتل المدنيين والمصانع والمدار والمباني وكل شيء . نحن الوحيدون الذين جرَّبنا ما نقوله , فلا يليق بنا أن نستمع إلى السياسة الغربية الغير شرعية ثم نجرب هذه السياسات تحت دعوى أن هذه من أمور الدنيا التي أباحها الشرع لنا , وهذا من جهلنا ؛ لأن للشرع كلام في هذه الأمور . نعم , هناك قاعدة شرعية تقول : " الأسماء إذا جاءت عامة فإن مرجعها يكون للعرف القائم , وهذا العرف يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة , لكن هذا لا يمكن أن نقوله في أمور السياسة إلا إذا لم يكن هناك حكمًا شرعيًّا لها , وهذا لا يكون إلا بعد دراسة السياسة الشرعية , وهذا نفس الجهل الذي أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية على أول مَن أدخل السياسة الغاشمة الجاهلية في حكم الشرع , كما كان في عهد خلفاء بني العباس في فترة , ثم اختفى هذا الأمر وعاد مرَّة أخرى على يد المماليك . وهذه النظريات الغربية التي يريد البعض أن يُحوِّل الإسلام إليها , عبارة عن نظريات فقط لم تثبت في الواقع . ونفس أصحاب كل نظرية تجدهم يقولون لنا : ستحكِّمون الشريعة على أي مذهب , مذهب مالك أم أبي حنيفة أم الشافعي ؟ هذا كلام يضحك , وكلام جاهل ؛ لأن ما مِن ملة أو نحلة أو مذهب على وجه الأرض إلا وفيها اتجاهات , فالنظام الرأسمالي مثلاً , لو افترضنا أنه واحد , فَلِمَ يعادي النظام الرأسمالي الأمريكي النظام الرأسمالي الأوربي ؟ الباب الثاني : إسلامية الدولة : حينما نتكلم عن إسلامية الدولة , نقصد إسلامية نظام الحكم القائم , ونحن نعلم أن الشرع جاء بأمرين أساسيين , الأول : تحصيل المنفعة الحقيقية في الدنيا ( عمران الدنيا ) , والثاني : تحصيل السعادة الحقيقية ( حراسة العقيدة ) . والسياسة الشرعية تدور حول هذين الأمرين . وإسلامية( ) العمران البشري عبارة عن التوفيق بين سنن الله الكونية التي تُصلح ما في الكون , وبين الوحي الذي أنزله الله , فالصيغة الإسلامية والطابع الإيماني والمعايير الشرعية للعمران الإنساني ليست مجرد خيار واختيار محقق للتوازن ، ومن ثم للمنفعة والسعادة , وإنما هي تكاليف وفرائض وواجبات دينية لا يصح الإيمان الديني بإنكارها وجحودها , إنها عبادة المخلوق للخالق في شئون العمران الدنيوي ، كما أن الصلاة والصوم – وغيرهما من التكاليف الفردية – هي عبادة المخلوق للخالق ، بها تؤدى شعائر التكاليف الدينية . اهـ . التعليق : إسلامية الدولة تأتي من عدة نصوص رئيسية في كتاب الله , وفي سنة رسوله , أهم ما ورد من هذه النصوص قول الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58] . وهذه الآية خطاب للحكَّام في المقام الأول , وإن كانت طبعًا العبرة بعموم اللفظ , والآية التالية خطاب للمحكومين والرّعية , حيث يحكي القرآن عن أنه لا يلتقي في قلب عبد مسلم الإيمان مع تردده في تحكيم شرع الله ؛ قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [60 – 65] . فإذا استعرضنا هذه الآيات مع ما قلناه في إسلامية الدولة , سنجد أن مَن لم يتحاكم إلى شرع الله لا يصح إيمانه , ويبطل إيمانه , كما هو ظاهر في قَسَمِ الله على ذلك , والأصل في النهي هو البطلان . فعلى الحاكم أن يؤدي الأمانات إلى أهلها , وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل , فكأن هذا تفسير , ومِن ضمن أداء الأمانات إلى أهلها أن يحكم الحاكم بين الناس بالعدل . وإذا نظرنا إلى لفظة " أهلها " في قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا , ولفظة " أهله " في قول النبي : " وأن لا تنازعوا الأمر أهله " سنجد أن من الفهم القاصر أن هذا معناه : أن لا ننازع الحاكم في حكمه , كالوزير وغيره , ثم اتضح لنا أن هذا المفهوم قاصر , فالمقصود أن لكل وقت أهله , فقبل أن يكون حاكمًا , فالشعب هو الذي له الحق في أن يقول كلمته من خلال البيعة والشورى , فالشعب هو أهله , وهو أهل لأن لا يُنازع في اختياره , وبعد أن يوجد الحاكم , أصبح " أهله " هنا عائدة إلى فريقين , إلى الحاكم فلا نعزله ما دام يطيع الله فينا , وإلى الناس فلا ينازعهم الحاكم في أن يسلب حقهم في الشورى والتي لها موضعين في ظل النظام الإسلامي , الأول : في اختيار الحاكم , والثاني : في طريقة تسيير الدولة . فلو خالف الحاكم ذلك فقد نازعهم فيما هم له أهل , وأمَّا أن يكون الناس بمجرد أن ينتخبوا الحاكم قد انتهى دورهم وصاروا مجموعة من النعاج تُساق ولا تعترض ! كلا , فالحديث يقول : وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ , وراوي الحديث – عبادة بن الصامت - استخدم هذا الحديث مع معاوية , وهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية . وقوله تعالى : وأولي الأمر منكم فيه ثلاثة إشارات : الإشارة الأولى : أنه جاء بلفظ الجمع مما يدل على أن هذا الأمر مشورة , وليس محصورًا في شخص واحد , وإنما هو في جماعة المسلمين , فتذكرهم بصيغة الجمع ، تأكيدًا على نفي الاستبداد والانفراد بالسلطة والسلطان . الإشارة الثانية : قوله : منكم إشارة إلى وجوب أن يكون أولي الأمر من جماعة المسلمين . الإشارة الثالثة : أنَّ هذه الآية من أوضح الأدلة على حجية الإجماع , فإن لم يكن الأمر مُجمعًا عليه , فالقول قول الأغلبية , ودلَّ على ذلك فعل عمر بن الخطاب بمحضر من الصحابة دون أن يُنكر ذلك أحد , حينما جعل أمر الخلافة في ستة نفر . يقول : فَإِن تَنَـٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍۢ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ ولا تكتفي الآية بهذا التحديد لهذه المرجعية – وهو التحديد الذي يؤكد على إسلامية المرجعية للدولة الإسلامية ، وحاكمية الشريعة الإلهية في مختلف ميادين سياساتها – لا تكتفي الآية بهذا التحديد الواضح الجلي .. وإنما تصنيف الإعلان الإلهي عن أن الوفاء ببنود هذا التعاقد – المحدد لإسلامية الدولة .. وإسلامية علاقة الحكام بالمحكومين – هو شرط الإيمان بالله واليوم الآخر . فإسلامية الدولة هي الشرط في تحقيق الإيمان بالدين ... والإسلام ليس بالدين الذي نزل ليقف الرسول به عند حدود " البلاغ " وإنما هو دين جاء ليقيمه الناس معيارًا حاكمًا للعمران ، وليجسدوه نُظما وسياسات في الدنيا ، وأعمالاً ترد عليهم يوم القيامة وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ثم يأتي ختام السياق بقسم الله بذاته أن الإيمان الديني منفي عن الذين لا يُحكِّمون الشريعة الإلهية ... تلك هي بنود التعاقد القرآني بين " الأمة " وبين " أولي الأمر " ، على إقامة الدولة الإسلامية , أمة ملتزمة بالكتاب والسنة , و " أولو أمر " منها ، ومثلها في هذا الالتزام بالكتاب والسنة , والمرجعية الإسلامية لهذا التعاقد هي الشرط لتحقق الإيمان بالله واليوم الآخر لكل من الحاكمين والمحكومين . اهـ . الباب الثالث : الحضارة : قبل أن نعرِّف الحضارة , لابد أولاً من تعريف بعض المصطلحات . 1- تعريف المُلك : قال ابن خلدون في مقدمته : حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر ... فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها ...( ) . شرح التعريف : قوله ( الاجتماع ) : لأن الأصل في الإنسان أنّه اجتماعي بطبعه , وينفر عن الوِحدة , وحيث أن في فطرة الإنسان أن يجتمع بغيره , ظهرت بين البشر سنن كونية من سنن الاجتماع , ومنها أن يتحدوا على أن يُؤَمِّروا أحدًا منهم لكي يسوسهم ويقودهم , ولكي يفعلوا ذلك لابد أن يكون هذا التأمير لهذا الشخص مقابل تنازل كل واحد منهم عن جزء من حريته , مع أن الأصل أن الإنسان خُلِقَ حُرًّا , لكن لكي يستجيب لهذه الفطرة , فطرة الاجتماع , وجب على كل إنسان أن يتنازل عن جزء من حريته لصالح هذه الهيئة التي انتُخِبَت أو عُيِّنَت , وهذه الهيئات التي اجتمعت تختلف تسميتها على حسب القاعدة التي تجمعهم , فتُسَمَّى ملكًا , أو سياسة , أو خِلافة ( السياسة الشرعية ) , فهذه أوصاف ثلاثة لحال الاجتماع بين الناس . وقوله ( الضروري ) : لأن فطرته وكتاب الله وقواعد الدين تدعوه إلى ذلك , وهذا يظهر لأي أحد يتصفح جزء فقط من أي فهرس من كتب الفقه , سيجد أن هذا الدين لم يترك شاردة ولا واردة , وأنه يشمل جميع أحوال الإنسان من قبل ولادته إلى بعد موته . وأمَّا القواعد التي ترجع إلى العقل فتنقسم على قسمين : إما قواعد ترجع إلى العقل في تحصيل مصلحة الدنيا فقط , وهذه هي السياسة المستبدة , وإمَّا قواعد ترجع إلى إصلاح الدنيا مع حراسة العقيدة فهي الخلافة أو السياسة الشرعية . 2- فالخلافة هي : حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة( ) . قال ابن خلدون : وإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها , ولا يتم استيلاؤها : سنة الله في الذين خلوا من قبل . فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة عقلية ، وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي الأخرة , وذلك أن الخلق ليس المقصود بهم دنياهم فقط ، فإنها كلها عبث وباطل , إذ غايتها الموت والفناء ، والله يقول : أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً فالمقصود بهم إنما هو دينهم المفضي بهم إلى السعادة في آخرتهم . صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض . فجاءت الشرائع بحملهم على ذلك في جميع أحوالهم من عبادة ومعاملة ، حتى في الملك الذي هو طبيعي للاجتماع الإنساني ، فأجرْته على منهاج الدين ليكون الكل محوطًا بنظر الشارع , فما كان منه بمقتضى القهر والتغلب وإهمال ( أي : إطلاق ) القوة الغضبية في مرعاها , فَجَوْرٌ وعدوان ومذموم عنده كما هو مقتضى الحكمة السياسية . وما كان منه بمقتضى السياسة وأحكامها فمذموم أيضًا ؛ لأنه نظر بغير نور الله : ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور ؛ لأن الشارع أعلم بمصالح الكافة فيما هو مغيب عنهم من أمور آخرتهم ، وأعمال البشر كلها عائدة عليهم في معادهم ، من مُلك أو غيره ، قال : " إنما هي أعمالكم ترد عليكم " ، وأحكام السياسة إنما تطلع على مصالح الدنيا فقط : يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا ، ومقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم , فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم . وكان هذا الحكم لأهل الشريعة وهم الأنبياء , ومَن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء . فقد تبيَّن لك من ذلك معنى الخلافة ، وأن الملك الطبيعي : هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة ، والسياسي هو : حمل الكافة على مقتضي النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار ، والخلافة هي : حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به( ) . وقبل أن نُعَرِّفَ " الحضارة " لابد أن ننبه أولاً على أن جَناحَي التحدي الحضاري هما " التخلف الموروث " , و " هيمنة التغريب العلماني " . تعريف الحضارة( ) : الحضارة في اللغة : الحضارة هي بفتح الحاء وكسرها , فهي لغةً : الإقامة في الحَضَر , والحَضَر هو خلاف البدو( ) . الحضارة في الاصطلاح : هي كل ما ينشئه الإنسان في ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ونواحيه ، عقلاً , وخلقًا ، مادةً , وروحًا ، دنيا , ودينًا . فهي في إطلاقها وعمومها قصة الإنسان في كل ما أنجزه على اختلاف العصور وتقلب الأزمان . أو هي : تراث الأمة والجماعة الذي يميزها عن غيرها من الجماعات والأمم ( المدنية( ) ) . والحضارة بهذا المعنى الاصطلاحي نظير المدنية التي هي في أصل الاستعمال سكنى المدن , وهي التي تقابل الكلمة الأوربية (Civilization)( ) . إذًا : مَن قال : " المدنية " تعني : أن لا تكون المرجعية شرعية , فهذا الإنسان لا يعرف اللغة ولا الواقع ؛ لأن المدني أو الحضاري هو موروث تلك الأمة روحيًّا ودينيًّا , وهو الذي يميزها عن غيرها من الأمم , أي : تَحْمِل خصائص هذه الأمة . والحضارة بهذا المعنى أعم من الثقافة ، التي تطلق على الجانب الرُّوحي , أو الفكري من الحضارة ( العقيدة السياسية ) ، بينما تشمل الحضارة الجانبين الرُّوحي والمادي ، أو الفكري والصناعي . كأنما لوحظ فيها أن النشاط البشري في مختلف جوانبه ومواهبه يكون في أرقى حالاته في الحواضر والمدن , وأن سَكْنَى الحواضر مرحلة أكثر تقدمًا من مِن سَكْنَى البادية( ) . وبعدما عرَّفنا كلمة " الحضارة " في الاصطلاح سنجد أن هذا الكلام مأخوذ من كتب الفقهاء , فقد ذكر هذا التعريف " ابن خلدون " في مقدمته , وهو مُتَّسِقٌ تمامًا مع ما ذكرناه . وكلمة " الحضارة " بهذا المعنى الاصطلاحي قديمة في الاستعمال العربي , فقد استخدمها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حين كتب فصولاً متعددة عن ( العمران في البدو وفي الحضر وطبائع كل منهما ) وعن ( انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة ) وفي ( أنَّ الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره , وأنها مؤذنة بفساده ) . وهذا هو المعنى الاصطلاحي المشهور المعروف لكلمة " الحضارة " , وقد استخدم الفقهاء وعلماء المسلمين كلمة " الحضارة " في بعض الأحيان بمعنى " الترف " ؛ يقول ابن خلدون : والحضارة كما علمت هي التفنن في الترف واستجادة أحواله ، والكلف بالصنائع التي تُؤَنَّق من أصنافه وسائر فنونه ، كالصنائع المهيئة للمطابخ أو الملابس أو المباني أو الفرش أو الآنية ولسائر أحوال المنزل ... وإذا بلغ التأنق في هذه الأحوال المنزلية الغاية تبعه طاعة الشهوات ، فتتلون النفس من تلك العوائد بألوان كثيرة لا يستقيم حالها معها في دينها ولا دنياها( ) . إذًا : هذا معنًى آخر مِن معاني الحضارة يَرِدُ في كلام الفقهاء والعلماء كابن خلدون , غَيْر المعنى المشهور المتعارف عليه ( أنها قصة حياة الإنسان المادية والمعنوية ) . تعريف مصطلح " الغرب " : مصطلح الغرب اصطلاح حديث اصْطَلح عليه الأوربيون في عصور الاستعمار , من تقسيم العالم على " شرق " و " غرب " ويَعْنُون بالـ " الغرب " أنفسهم , ويعنون بالـ " الشرق " أهل آسيا وإفريقية , والشرق والغرب هما طرفي الصراع حاليًَا , وقبل ذلك كان طرفي الصراع فارس والروم , وبدا جديدًا مصطلح الإسلاميين وغير الإسلاميين . الباب الرابع : أركان النظام السياسي الإسلامي : قبل أن ندخل في البرنامج السياسي يهمنا أن نتكلم عن مقدمة عن أركان النظام السياسي , ومنها نصل إلى برنامج رئاسي . أركان النظام السياسي الإسلامي : هذا البرنامج عبارة عن أسئلة سنجيب عليها( ) , وعندما نجيب عليها سنجد أننا عندنا برنامج إسلامي نأمل أن نستطيع أن نخاطب بع الناس . 1- ما طبيعة الدولة الإسلامية ؟ التعليق : يعني : هل هي دولة دينية التي تُحْكم باسم الشرع , وهذه هي الدولة الإسلامية التي يحكمها بشر , يُخطئ ويصيب , أم ودولة ثيوقراطية والتي تُحكم باسم الرب ؟ يقول : وهل للإسلام نظام سياسي واضح المعالم ؟ التعليق : نعم , وقد غُيِّب هذا عنَّا عن عمد ؛ لأنه النبي لم يقل : " عليكم بسنتي , وسنة أمتي الصالحين العباد الزهاد " وإنما قال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي , فنجد أنه ربط السنة بمعنى سياسي مأخوذ من الكتاب والسنة , فلم يُسمهم بأسمائهم وإنما سماهم بأوصافهم , فإذًا : السنة أصلا : إقامة نظام الحكم على الخلافة الراشدة , وهذه أعظم معاني السنة , وكذلك : أعظم معاني البدعة الخروج عن النظام السياسي الراشدي , وهذا ما قالته الأحاديث , فقد قال النبي : أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ( ) . فأول مَن غيّر سنة النبي معاوية الذي خرج من نظام الشورى إلى نظام الملك , إذًا : السنة والبدعة في المعاني الرئيسية لها , يُعْنَى بها أولاً في شرعنا : النظام السياسي الراشدي , ومن الغريب أن هذا لم يُذْكَر في أي كتاب إلا قليلاً من أهل العلم ذكروا ذلك , كابن عبد البر وغيره , لكن قد تقرأ كتابين بأكملهم ككتاب الاعتصام للشاطبي , وتقرأ أكثر من ذلك عن معنى السنة والبدعة وأصلها وتعريفاتها ... الخ , وتجد الأمثلة عن بدع الصلاة وبدع الزكاة وبدع الحج , وبدع الجنائز , لكن لا تجد مَن يذكر بدع الحكم , وكذلك السنة , تجد الأمثلة عن السنة في الصلاة والسنة في الكلام والسنة في النوم ... الخ , ولا تجد مَن يذكر السنة في الحكم , وهذه من المعاني المهمة الأساسية التي غُيِّبَت عمدًا عن هذه الأمة , بينما الأحاديث أساسًا , واللغة والشرع يعرِف السنَّة أولاً بالمعنى الرئيسي لها وهو إقامة نظام حكم راشدي أو نظام حكم على منهاج النبوة , والبدعة هي الخروج على ذلك . يقول : وهل في الإمكان بعث هذا النظام من جديد التعليق : نعم , بل هذا ما كان عليه الناس قبل ذلك . يقول : وهل نحن في حاجة إليه ؟ التعليق : نعم , وهذه الحاجة ناتجة عن العقيدة ؛ لأن هذه الحاجة تساوي مسلم أو غير مسلم . 2- ما العلاقة بين المجتمع والدولة ؟ التعليق : إذا أردنا أن نقيم نظامًا , لابد أن نتطور مِن مرحلة إلى مرحلة , وهي مرحلة التطور الطبيعي للبشر , فبدلاً من أن الكل يتكلم في نفس واحد ونعترض , لن تستمر الحياة بذلك , ولكن لابد من التنازل عن جزء من الحرية الشخصية في مقابل مصلحة أكبر , وهي أن تسير مصلحة الجماعة . يقول : وما مدى تدخلها في شؤون المجتمع ؟ التعليق : يعني : إلى أي حد سيتنازل المرء عن جزء من حريته للسلطة الحاكم , وما هي حدود السلطة أن تقود مجريات حياة الفرد ؟ 3- ما الحقوق السياسية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ؟ التعليق : حرية الاعتراض , وحرية الإنكار , وحرية التغيير , والإسلام بغير ذلك يكون رهبانية مبتدعة , فالله سمى هذه الأمة : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] فلو تنازلت الأمة عن هذه الوظيفة , لم تصبح خير أمة , فسنجد أن الحقوق السياسية التي جاءت بها الشريعة حقوق في منتهى الرُّقي , وأن الغرب يحاولون الوصول إلى هذه الأمور ؟ 4- كيف تراجع الخطاب السياسي الإسلامي ؟ التعليق : وستجد أن هذا الانحدار بمقدار بُعْد الناس عن دينهم , وليس عن سياستهم , وهذا التراجع في جانبين , الأول : يخص الساسة والحكام , وكيف انحرفوا ونزلزا ؟ وهذا ستجده في مجموعة الكتب التي أشرْتُ إليها , ونخص منها كتب الدكتور حاكم المطيري , والدكتور محمد عمارة , والثاني : يخص طبقة العلماء والمثقفين , وكيف سكتوا على ذلك ؟ وستجد هذا مذكور بدقة في كتاب " الإسلام والحضارة الغربية " وهناك كتب تلحقه ككتاب " الانحرافات العقدية " إلا أن هذا الكتاب الأول أدق . يقول : وما أسباب تراجعه ؟ وما علاقة الفقه السياسي بالواقع ؟ وما أثر هذا الفقه على ثقافة المجتمع ؟ 5- كيف بدأ الإسلام دينًا يدعو إلى تحرير الإنسان من العبودية والخضوع لغير الله إلى دين يوجب على أتباعه الخضوع للرؤساء والعلماء مهما انحرفوا وبدَّلوا بدعوى طاعة أولي الأمر ؟ 6- لِمَ لم يعد أكثر علماء الإسلام ودعاته اليوم يهتمون بحقوق الإنسان وحريته والعدالة الاجتماعية والمساواة( ) والرحمة ؛ كما قال الله : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين , وهي المبادئ التي طالما دعا إليها النبي وهو في مكة، وأكدها في المدينة ، هي التي أدت إلى سرعة انتشار الإسلام في العالم كله، إذ رأت الأمم أنه دين العدل والمساواة والحرية والرحمة ؟ التعليق : الإسلام رحمة للمسلم لأنه سيدخله الجنة في الآخرة , وفي الدنيا سيكون معززًا , وأمَّا الكافر فالإسلام رحمة له لأن هذا الدين يحفظ له جميع حقوقه حتى جعل إيذاء هذا الكافر سببًا لدخول النار , ولا يُكرهه على دخول الإسلام . 7- كيف تم اختزال مفهوم الشريعة لتصبح السياسة الشرعية ، وحقوق الإنسان , والحريات ، والعدالة الاجتماعية ، والمساواة ، كل ذلك لا علاقة له بالشريعة التي يراد تطبيقها والدين الذي يدعى الناس إليه اليوم ؟ 8- ما حقيقة الدعوة النبوية والدين الذي جاء به النبي إذا لم يُدْعَ الناس إلى هذه المبادئ التي هي معاني كلمة " لا إله إلا الله " فلا إله يستحق الخضوع والطاعة والخوف والرّهبة سوى الله , وما سواه فبشرٍ كلهم إخوة من أب وأم , فلا طاعة , ولا تعظيم , ولا خوف من مخلوق مهما علا قدره وعظم شأنه ؛ إذ الجميع عبيد لله , وأحرار مع مَن سواه ؟ 9- كيف تم تفريغ الإسلام مِن مضمونه فصار الدعاة إليه اليوم يدعون الناس إلى دين لا قيمة فيه للإنسان ؟ وكيف تم تفريغ الدين إلى دين لا يدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية , بل يرفض تغيير الواقع ويدعو إلى ترسيخه بدعوى طاعة ولي الأمر ؟ 10- كيف ندعو شعوب العالم الحر الذي تساوى فيه الحاكم والمحكوم , حيث الشعب يحاسب رؤساؤه , وينتقدهم علانية , ويعزلهم بطرح الثقة بهم ؟ كيف ندعو شعوب العالم الحر ولا يستطيع الحاكم سجن أحد أو مصادرة حريته أو تعذيبه ؛ إذ الحاكم وكيل عن المحكوم , والذي يحق له عزله ؟ الباب الخامس : التدرج في تطبيق الشريعة : قبل أن ندخل في تفصيل هذه الأصول العشرة , نريد أن نتكلم عن قاعدة في تطبيق الشرع نفسه , وهي : هل الشرع يُطبَّق جملة واحدة , أم أن يُطبق على حسب الاستطاعة ؟ طبعًا من ناحية الإيمان بشرع الله , فالمؤمن المسلم يجب عليه أن يؤمن إيمانًا قاطعًا بكل ما جاء عن الله , وكل ما ورد عن نبيه جملة , ثم بعد ذلك يتعلم التفاصيل , لكن ينبغي عليه أن يكون مُسَلِّمًا بكل ما جاء عن الله , قال تعالى : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] , فيجب على العبد أن يكون مُسَلِّمًا بكل ما جاء عن الله , وأن الله نزَّه نفسه عن أن يظلم أحدًا , وأنه أرفق بالعباد من أنفسهم ؛ لأنه هو الذي خلقهم ؛ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ [الملك: 14] . ولا يعتبر العبد مؤمنًا إذا استثنى حكمًا واحدًا من أحكام الشريعة , أمَّا في تطبيق شرع الله فالأصل أن يقوم المرء بتطبيق شرع الله كله , لكن هذا التطبيق يطبقه على حسب الاستطاعة ؛ كما قال الله : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] , وكما قال الله : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] . أمَّا في كيفية التطبيق , فهذا يُمكن أن يدخله نوع مِن التدرج , وذلك على حسب الاستطاعة , ومرجعنا في ذلك : النصوص الشرعية , منها الآيتين السابقتين . بل لو كان الوالي لا يستطيع إلا إيقاف الفساد , أو تقليله , أو يمنع زيادته , لكان وجوده في هذا المكان واجبًا كما قال أهل العلم , يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : والسُّلْطَانُ يُؤَاخَذُ [ يعني من قِبَل الله ] عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْعُدْوَانِ وَيُفَرِّطُ فِيهِ مِنَ الْحُقُوقِ مَعَ التَّمَكُّنِ , لَكِنْ أَقُولُ هُنَا : إذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي لِلسُّلْطَانِ الْعَامَّ أَوْ بَعْضَ فُرُوعِهِ كَالْإِمَارَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ وَتَرْكُ مُحَرَّمَاتِهِ على الوجه الأكمل , جَازَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ , وَرُبَّمَا وَجَبَتْ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا كَانَتْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ تَحْصِيلُ مَصَالِحهَا مِنْ جِهَادِ الْعَدُوِّ , وَقَسْمِ الْفَيْءِ , وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ , وَأَمْنِ السَّبِيلِ : كَانَ فِعْلُهَا وَاجِبًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِتَوْلِيَةِ بَعْضِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ , وَأَخْذِ بَعْضِ مَا لَا يَحِلُّ , وَإِعْطَاءِ بَعْضِ مَنْ لَا يَنْبَغِي , وَلَا يُمْكِنُهُ تَرْكُ ذَلِكَ : صَارَ هَذَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوِ الْمُسْتَحَبُّ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا , إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ دُونَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ , بَلْ لَوْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ [ تكون الولاية غير واجبة إذا كان هناك بديل آخر , أو المصالح لن تضيع ] وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ظُلْمٍ , وَمَنْ تَوَلَّاهَا أَقَامَ الظُّلْمَ , حَتَّى تَوَلَّاهَا شَخْصٌ قَصْدُهُ بِذَلِكَ تَخْفِيفُ الظُّلْمِ فِيهَا , وَدَفْعُ أَكْثَرِهِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِ , كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ , وَكَانَ فِعْلُهُ لِمَا يَفْعَلُهُ مِنَ السَّيِّئَةِ بِنِيَّةِ دَفْعِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا جَيِّدًا . وَهَذَا بَابٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ [ وهذا ليس كلام شيخ الإسلام فقط , بل يكاد يكون من القواعد المستقرة عند فقهاء المسلمين ] فَمَنْ طَلَبَ مِنْهُ ظَالِمٌ قَادِرٌ وَأَلْزَمَهُ مَالًا , فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ بَيْنَهُمَا لِيَدْفَعَ عَنِ الْمَظْلُومِ كَثْرَةَ الظُّلْمِ , وَأَخَذَ مِنْهُ وَأَعْطَى الظَّالِمَ مَعَ اخْتِيَارِهِ أَنْ لَا يَظْلِمَ وَدَفْعَهُ ذَلِكَ , لَوْ أَمْكَنَ كَانَ مُحْسِنًا , وَلَوْ تَوَسَّطَ إعَانَةً لِلظَّالِمِ كَانَ مُسِيئًا . وَإِنَّمَا الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَادُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ , أَمَّا النِّيَّةُ فَبِقَصْدِهِ السُّلْطَانَ وَالْمَالَ , وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ , لَا لِأَجْلِ التَّعَارُضِ وَلَا لِقَصْدِ الْأَنْفَعِ وَالْأَصْلَحِ . ثُمَّ الْوِلَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ وَاجِبَةً فَقَدْ يَكُونُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْمُعِينِ غَيْرُهَا أَوْجَبُ أَوْ أَحَبُّ , فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وُجُوبًا تَارَةً وَاسْتِحْبَابًا أُخْرَى . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَوَلِّي يُوسُفَ الصِّدِّيقَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِمَلِكِ مِصْرَ [ مسألة شرع مَن قبلنا لا ترِد هنا ؛ لأننا نتكلم عن إقامة مظالم , ولا يُتَصور الظلم في شرع مَن قبلنا ] بَلْ وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ , وَكَانَ هُوَ وَقَوْمُهُ كُفَّارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ الْآيَةَ [ يعني : ما زلتم في شكٍّ منذ جاءكم يوسف إلى الآن ] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْآيَةَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَعَ كُفْرِهِمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَادَةٌ وَسُنَّةٌ فِي قَبْضِ الْأَمْوَالِ وَصَرْفِهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَجُنْدِهِ وَرَعِيَّتِهِ , وَلَا تَكُونُ تِلْكَ جَارِيَةً عَلَى سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَدْلِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ يُوسُفُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا يُرِيدُ وَهُوَ مَا يَرَاهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ , لَكِنْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [ وهذا قطعًا ؛ لأنه نبي الله ] وَنَالَ بِالسُّلْطَانِ مِنْ إكْرَامِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ أَنْ يَنَالَهُ بِدُونِ ذَلِكَ [ لأنه تبع دخولهم مصر أمور كبيرة , فهذا سبب دخول بني إسرائيل مصر , أنهم أول ما دخلوا , دخلوا مع الهكسوس , فلمَّا هُزِمَ الهكسوس , اعتبر أهل المصر أن الهكسوس خَوَنَة ؛ ولذلك لمَّا كانت وظيفتهم عندما جاء فرعون أن يكونوا خادمين فقط ] وَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . فإذا ازْدَحَمَ وَاجِبَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فَقُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا [ أوكدهما من جهة قوة دليله , أو لكثرة المصالح العامة التي تترتب عليه ... وغير ذلك ] لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبًا , وَلَمْ يَكُنْ تَارِكُهُ لِأَجْلِ فِعْلِ الْأَوْكَدِ تَارِكَ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ مُحَرَّمَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ أَعْظَمِهِمَا إلَّا بِفِعْلِ أَدْنَاهُمَا , لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْأَدْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَرَّمًا فِي الْحَقِيقَةِ , وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَرْكُ وَاجِبٍ , وَسُمِّيَ هَذَا فِعْلُ مُحَرَّمٍ بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ لَمْ يَضُرَّ . وَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا : تَرْكُ الْوَاجِبِ لِعُذْرِ , وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِدَفْعِ مَا هُوَ أحرم( ) . اهـ . لأن الدولة الإسلامية الإسلامية لا تقوم إلا على شرع الله , وهذا الشرع يحتاج إلى دولة , والدولة تحتاج إلى حاكم , والحاكم يحتاج إلى قوة ينفذ بها هذا الشرع , ويحمي بها هذا الشرع , فالدولة كما تحتاج إلى تشريعات , تحتاج إلى مؤسسات تحمي هذه التشريعات . قال ابن تيمية : وِلَايَةَ أَمْرِ النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ ؛ بَلْ لَا قِيَامَ لِلدِّينِ وَلَا لِلدُّنْيَا إلَّا بِهَا . فَإِنَّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَلَا بُدَّ لَهُمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ رَأْسٍ ... لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِقُوَّةِ وَإِمَارَةٍ . وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا أَوْجَبَهُ مِنَ الْجِهَادِ وَالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ , لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقُوَّةِ وَالْإِمَارَةِ( ) . وننبه إلى : - قولنا : " التدرج " أو : " الفعل حسب الاستطاعة " فهذا خلاف لفظي . - أننا لا نقصد بالتدرج في تطبيق الشريعة : التدرج في التشريع , فالتدرج في التشريع مثل : المراحل التي مرَّت بها الخمر حتى حُرِّمَت , فهذا ليس مقصودنا بكلمة التدرج , ولإنما تقصد : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ , لكن لا نقصد بالتدرج أن نُسَمِّيَ الحرامُ حلالاً , أو أن الكفر نُسميه إيمانًا ... الخ , لكننا نتكلم عن إلزام الناس بهذه الأمور , وهذا هو الذي يدخل تحت قوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ , وهذا المبحث تناوله العلماء من قبل في باب : الا ستطاعة , وتكلم فيه شيخ الإسلام ابن تيمية ~ باستفاضة في المجلد العشرين , وتكلم عليه العلماء بعد ذلك الذين تكلموا في السياسة كأبي الأعلى المودودي وغيره في باكستان حينما انفصلت باكستان عن الهند , فتكلموا عن هذه المسألة من ناحية النصوص ومِن ناحية الواقع . نعود إلى مسألة التدرج في تطبيق الشريعة فنقول : المراد بالتدرج هو القيام بأحكام الشرع التي هي من قبيل الأحكام الوضعية( ) , ولا يدخل في التدرج ما هو مِن قبيل الاعتقاد سواء كان ذلك عقيدةً أو فقهًا . عقيدة : مثل حقيقة الإسلام , وأن الله أنزل على نبيه كتابًا ليكون حكمًا بين الناس , وأنَّ التحاكم إلى كتاب الله وإلى سنَّة نبيه ركنٌ مِن أركان الدين . فقهًا : فالمحرمات كما هي , كالزنا والربا وشرب الخمر , والواجبات كما هي كالصلاة والزكاة والحج ... الخ . فالمحرمات والواجبات والمكروهات والمباحات لا يدخلها التدرج , فالتدرج لا يتعلق بتغيير الأحكام , وإنما التدرج يكون في القضاء , وهذا فرق كبير بين الحكم والقضاء . مثال : ثبت تحريم الربا , وهو أصل من أصول الديانة , وهذا في المرحلة المكية , فلا يمكن أبدًا أن نقول للعبد : لك في هذه المرحلة أن لا تعتقد بتحريم الربا , والرسول في حجة الوداع , يعني : قبل وفاته بعام , منع الربا , فقال : وربا الجاهلية موضوع , وأول ربا أضعه ربانا , ربا العباس . فإذًا : بعد هذه الحادثة لن يعتدَّ القاضي بأي عقد ربوي , ولكن قبل هذه الحادثة إذا تعامل الناس بهذا , فلا يوجد ما يمنعهم من ذلك في نظام الدولة , لكن يقول لهم : هذا محرَّم , وكبيرة , وأنت مُتَوعّد بكذا وكذا , لكن قُضِيَ بذلك قبل وفاة النبي بعام , فالتدرج دخل في القضاء فقط , وهكذا بقية الأشياء . وفي نفس هذا الوقت تتم دعوة الناس وتفهيمهم حتى يكون التغيير أمرًا مطلوبًا من الناس , ولا يُفْهم مِن ذلك أن تطبيق شرع الله يحتاج إذنًا من الناس , كلا , ولكن هذه هي السنن الربانية , فالنبي لم يظهر أمره إلا حينما أسلم أهل المدينة وظهر منهم الجمع ثم الجمع ثم الجمع , ثم جعل له قاعدة في المدينة قبل أن يهاجر , وعندما هاجر إلى المدينة ترك اليهود كما هم , وترك أسواقهم كما هي , وتركهم على ما هم يفعلون من الربا ... الخ , وعمل سوقًا أخرى , ومجال آخر لعباد الله الذين يريدون الحق , فأصبح هذا البديل هو المتغلب بقوة الناس , وهذا هو المراد بقوة الناس , أن ذلك لا نقصد به استئذان الناس . فما مِن دعوة إلا وتحتاج إلى قوة تساندها , وهذه القوة هي التي نتكلم عليها . وهنا كلام جيد في مسألة التدرج لابد من ذِكْرِه , وهو للشيخ أبو الأعلى المودودي( ) , يقول : فالانجليز في الهند صرفوا مدة قرن كامل تقريبًا فى تبديل نظام البلاد القانوني ، وبدلوا نظام حياتها شيئًا فشيئًا , وأعدوا رجالاً لا يتفكرون ولا يعملون إلا حسب نظرياتهم وأفكارهم , وعملوا عملاً متواصلاً على تغيير أذهان الناس وأخلاقهم ونظامهم الاقتصادي بنشر الأفكار وبتأثير السلطة والاستيلاء ، أي : ظلوا يلغون القوانين القديمة وينفذون مكانها قوانينهم الجديدة على قدر ما ظلت تأثيراتهم المختلفة تغير من نظام البلاد الاجتماعي . ونحن وإن كنا نريد الآن إحياء القانون الإسلامي وتنفيذه من جديد في دولتنا الفَتِيَّة , فإنه من المستحيل قطعًا أن نمحو آثار الحكم الإنجليزي , ونثبت مكانها آثارنا الجديدة من عندنا بهزَّة واحدة من القلم . إنَّ تغيير نظام البلاد القانوني دُفعة واحدةً ( إن أمكن على فرض المُحال ) , لا يكاد يُجدي ؛ لأن نظام الحياة , ونظام القانون لابد أن يكونا فيها على غير ما علاقة , بل متضاربين بينهما , ولابد أن يبوء هذا التغيير بمثل الفشل ... فمن المحتوم إذًا أن لا يتم هذا الإصلاح والتغيير المنشوب إلا على مبدأ التدرج , وأن لا يتغير نظامنا القانوني إلا بطريق متَّزن مساير للتغييرات الخلقية والثقافية والاجتماعية والمدنية والاقتصادية في البلاد , فنحن إذا درسنا القرآن والسنة دراسة عميقة , علمنا بدون التباس ولا ارتياب كيف , وبأي تدرج وانسجام تمَّ الانقلاب الإسلامي في بلاد العرب على يد النبي , فقد نفَّذ قانون الوراثة في سنة ثلاث من الهجرة , وتمَّت قوانين النكاح والطلاق شيئًا فشيئًا إلى سنة سبع , وما زالت القوانين الجنائية تُنَفَّذ مادة مادة إلى أن اكتملت في سنة ثمان , وما زال يعمل بصفة غير منقطعة إلى عدّة سنوات لتمهيد الأرض وتوطيد الجو لتحريم الخمر , إلى أن أعلن تحريمها النهائي بصفة قطعية في سنة ثمان , والربا , وإن كان قد نُعِيَ على المتعاملين به بكل صراحة , لم يُلْغَ على الفور مع قيام الدولة الإسلامية في المدينة , ولكن لمَّا تم العمل لإفراغ النظام الاقتصادي كله في القوالب الجديدة أُعْلِنَ تحريمه وإلغاءه بصفة نهائية قطعية في سنة تسع , فكأنَّه كان في كل ذلك كمهندسٍ جمع حوله البنائين والفاعلين لرفع بناءٍ كان قد خطَّ له رسمًا في ذهنه , واستجمع له الوسائل والأسباب , ومهَّد له الأرض , وحفر له الأساس , ثم ما زال يرفعه من كل جهةٍ , واضعًا لَبِنَةً فوق لَبِنَة حتى أكمله أخيرًا بعد بذل الجهود لعد عدة سنوات متواصلة( ) . اهـ . طبعًا الذي يطَّلع على سنَّة النبي سيعرف فقه هذا الكلام الذي يقوله الشيخ في التدرج , الذي لم يُنْسَخْ , إنما هو مِن قبيل الإنساء , أي : تأخير العمل بها , فهناك نسخ , وهو : الرفع والإزالة , وهناك النَّسْأ , وهو : تأخير العمل لحين أن تأتيَ مثل هذه الظروف , فإن جاءت مثل هذه الظروف عاد العمل ثانيةً بمثل هذه السنة . الباب السادس : السمات العامة للحكم الإسلامي : لابد من الحديث عن السمات العامة للحكم الإسلامي , والتصور العام للدولة في الإسلام , وصفات الرجل الذي يجلس على رأس هذه الدولة , وحدود السمع والطاعة له ؛ لأن هذه المسائل يفرضها علينا الوقت الحاضر . ونذكِّرُ هنا ابتداءً أننا نتكلم عن واقعنا الذي كان موجودًا , ولسنا نتكلم عن شيء لم يتحقق على أرض الواقع . والذي يهمنا في نظام الحكم الإسلامي : الأمر الأول : ما هو شكل الحكم الإسلامي ؟ يعني : التشكيل الهرمي القائم عليه النظام . بمعنى : مَن هو أعلى شيء في الدولة , ومَن الذي يتبعه . والأمر الثاني : ما هي سلطات هذا الحاكم ؟ والأمر الثالث : ما هي مواصفات هذا الحاكم ؟ وسنتناول هذا المبحث من أحد المقالات لإخواننا في الأسكندرية , ونعلّق عليه , يقول الكاتب( ) : وانطلاقًا مِن نصوص شرعية عامة تتبيّن بعض القوانين ، وعلى رأسها : 1- وجوب تحكيم شرع الله - تبارك وتعالى - على الحاكم والمحكوم , وهذا راجع لنصوص كثيرة , منها قوله تعالى : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ... [المائدة: 49] . 2- وجوب طاعة ولي الأمر ما أطاع الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59] . 3- لزوم الشورى : وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [ آل عمران: 159] ، وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] . 4- ضرورة أن يكون للمسلمين إمامٌ واحدٌ ما أمكن : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] . التعليق : يعني : لابد أن يكون للمسلمين حاكمًا , وهذا الحاكم لكي يحكم لابد أن يأتي عن طريق الشورى بين المسلمين , وليس إلزامًا لهم , ولكي يؤدي الناس أمر الشورى ينبغي أن تكون هذه الشورى عن طريق البيعة , وصورة البيعة حديثًا هي الانتخابات , والتي ينبغي أن تكون في ظل الحرية . ومن الضروري أن يكون للمسلمين إمامًا واحدًا , وعليه فلابد أن يكون جميع المسلمين متحدون , وهذا ما نتمناه , ويتنمناه كل أحد , لكن إذا لم يكن هذا , بمعنى : إذا كان هناك حكَّامًا على بلدان , هل يفقدون شرعيتهم ؟ كأن إخواننا أصحاب المقال يميلون إلى هذا , يعني : الإمام الصحيح لا يكون إلا إمامًا على المجموع , يعني : لا تتعدد الأئمة , وهذا كلام صحيح , لكن إذا تعددت الأئمة , هل الإمام في كل مكان إن جاء بالطرق الشرعية السابقة ( الشورى , والانتخاب عن حرية , على أن يحكم الحاكم بشرع الله ) يكون غير شرعي أو تكون شرعيته منقوصة ؟ كأن المقال يميل إلى هذا , أن الإمام الحقيقي هو إمام الجميع . وهناك فرق بين أن أقول : هذا هو الإمام المنشود , وهذا تفسير قول النبي : مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . لكن لو لم يكن هذا , وكانت بلدانًا - كواقعنا اليوم – ونشأت فيه نظم حكم , وهذه النظم تقوم على أسس صحيحة , أقل ما في هذه الأسس أنها ترجع إلى شريعة رب العالمين , حتى لو كان المراد بالرجوع إلى الشريعة : إيقاف أو منع الفساد أو الظلم , فهذا من شريعة رب العالمين . فهذا الرجل الذي بويع على ذلك لا يكون له سمع ولا طاعة ؛ لأن المراد بالسمع والطاعة خليفة المسلمين ؟ كلا , فلا يوجد في كتاب الله , ولا سنة نبيه أن السمع والطاعة تكون فقط لمَن كان إمامًا لجميع المسلمين , وإلا فالأئمة في وضع باطل منذ عصر الدولة العباسية ؛ لأنه قبل قيام الدولة العباسية كان جميع المسلمين على وجه الأرض حتى في الأندلس يحكمهم إمام واحد من دمشق – عاصمة الخلافة – وبدخول العباسيين كان هذا أول بذور الانقسام , فأصبح هناك خليفة في الأندلس , يدين للدولة الأموية , وأصبح هناك خليفة في بغداد , وبتوسع الأمر ظهر آخر في المغرب , وظهر رابع في مصر , وبقدم الأمر ظهر خامس وسادس في الهند وبلاد السند والصين , هذه هي الكيانات الكبيرة جدًا التي كانت تحكم الأرض كلها بشريعة رب العالمين , ومع ذلك لم نسمع من أحد من أهل العلم , ولا أي طرف كلام أن هذه الخلافة خلافة باطلة , وأنه لا يجب السمع والطاعة لهم , وأما حديث : " إن قام آخر يطلب البيعة فاقتلوه " فهذا إن كان في نفس المكان , يعني : يريد أن يصنع انقلابًا عسكريًّا على غير حق وعلى غير رغبة من الناس . ومما سبق نريد أن نقول : كون الواقع اليوم أقطارًا متعددة , وليس هناك خليفة واحدًا , لا يمنع من أن تتنزل نصوص السمع والطاعة لهم , وخلاف ذلك غير صحيح ؛ لأن واقع الأمة وإجماعها العملي والفقهي يدل على أن ذلك غير باطل بحجة أن هناك أكثر من خليفة . يقول الكاتب : 5- وجوب إنكار منكرات الحكام لدخولهم بصفة عامة في قوله : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ . رواه مسلم ، والنص عليهم خاصة في قوله : أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وصححه الألباني . وإنكار منكرات الحكَّام شأنه شأن غيره من حالات إنكار المنكر يُراعى فيها " المصالح والمفاسد " ؛ إلا أن المفاسد المتوقعة مِن إنكار منكرات الحكَّام الظلمة قد تكون أشد من غيرها ؛ لذلك حذَّر منها العلماء ، وظنَّ البعض أن هذا إغلاق لباب الإنكار على الحكام تمامًا ! وهذا مخالف للنصوص النبوية ، ولسيرة الصحابة والتابعين ، وغاية ما فيه هو أخذ الحيطة التي تناسب الضرر المتوقع . وانطلاقًا مِن هذه الأصول العامة استنبط علماء الأمة نظامًا سياسيًّا كاملاً ، طبَّقته الأمة لقرون عديدة ... كانت أهم ملامحه الآتي : 1- الإمامة وظيفة شرعية يُراد بها : "حفظ الدين ، وسياسة الدنيا بالدين " . التعليق : عندما نعرِّف السياسة الشرعية ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا أن النبي في صلح الحديبية عندما وقَّع مع المشركين هذا الصلح , وهذا الصلح يُعَدُّ بين دولة الإسلام ودولة الكفر , هذا هو الواقع , لكن عند الكتابة وجدنا أنَّ الكتابة لا تمثّل الواقع ! فأَوَّلُ ما قال النبي : اكتب باسم الله الرحمن الرحيم , قال الكافر : " نحن لا ندري ما الرحمن الرحيم , ولكن اكتب : باسمك اللهم , الأمر الثاني : اكتب : هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله , فقال الكافر : " لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك " , وهو طبعًا يكذب في ذلك ؛ لأن الله يقول : فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33] . والشاهد : أننا نريد أن نقول : لا يُشْتَرط في هذه المرحلة أن يخرج الكلام تحت هذه العناوين الإسلامية , لكن يكفي أن يكون الأصل موجودًا , ويكفي أن يكون المعنى موجودًا , فهكذا علمتنا سنة الله في كونه , وسنة النبي أن الأمر يأتي بالتدرج , وأن الإنسان الحكيم لا ينبغي أن يَجمع عليه كل أعداءه , وإنما يُحيِّدُ هذا , ويُسَكِّتُ هذا , ويصرف هذا ؛ حتى لا يجمعهم عليه كلهم , فإن كان هذا مقابل بعض الأشياء التي هي شكليات فلا حرج . فعندما يأتي رجل ويقول : أنه سيحكم بالقرآن والسنة , ثم يأتي في موطن آخر ويقول : سنبني دولة حديثة ديمقراطية , وقد وضَّح هذا الرجل قبل ذلك أنه يقصد بالديمقراطية : الآلية لتنفيذ الشورى , فلا حرج في ذلك , ولا ينبغي أن يُقال له : الديمقؤاطية تعني كذا وكذا ؛ لأنه لا يُقرّ بهذا المعنى للديمقراطية . يقول : 2- هذه المهام في الأصل هي مهام للأمة ككل ، وهي : إما فروض كفايات أو فروض أعيان ... 3- ومِن خلال بيعة أبي بكر وعمر { ، وجماعة الشورى التي أسند إليها عمر اختيار الخليفة تَمَهَّد للأمة مفهوم " أهل الحل والعقد " ، وهم الذين يتولون اختيار الحاكم نيابة عن الأمة ، ثم يقومون بعد ذلك بالدور الأكبر في مراقبة الحاكم وعزله إذا لزم الأمر ، ويجب على الأمة ككل أن تساهم في هذا الدور ؛ إلا أن قرار عزل الحاكم يرجع إلى مَن ولاه . التعليق : هذه النقطة فيها لبس , وقد وضَّحناه في " السياسة الشرعية " بما يخالف هذا الفهم , فهو يقول : نشأ مفهوم " أهل الحل والعقد " عندما قَصَرَ عمر الخلافة في الستة نفر , وهؤلاء الستة ولَّوا عثمان بن عفان , ومن هنا قال صاحب المقال : " أصبح هؤلاء هم أهل الحل والعقد الذين ينوبون عن الأمة , ثم يقومون بعد ذلك بالدور الأكبر في مراقبة الحاكم وعزله إذا لزم الأمر " , كلا فالكلام مِن أوله خطأ ؛ لأن عمر لم يُوَلِّ هؤلاء الستة , وإنما أناط بهؤلاء الستة أن يرشحوا واحدًا , وانتبهوا إلى الدقة , فهناك فرق أن يُفْرَض واحدٌ على الأمة , وبين أن نُرشح واحدًا , فلابد أن يكون هناك هيئة أو لجنة للانتخابات لكي تتولى ترشيح الناس بناءً على معايير عندها , فكل الذي صنعه عمر أن جاء بهيئة من المَرْضِيّ عنهم من رسول الله , وهذه الهيئة منوط بها أن ترشح الرجل الكفؤ من بينها , يعني : قال لهم : أنتم أكثر ستة رضي عنكم رسول الله , فلابد أن يكون الخليفة منكم , لكن ليس هذا معناه أن هذا هو الخليفة ؛ لأنه لا يصح أن يكون خليفتين في وقت واحد , يعني : لابد أن يكونوا محصورين , مثل ما نفعل اليوم فنحصر هذا الأمر في كل مَن وصل عمره إلى 45 سنة ... الخ , وعندما اتفقوا على عثمان لم يصبح بذلك خليفة , وكذلك حينما اتفق المهاجرون والأنصار على أبي بكر في ثقيفة بني ساعدة , لم يصبح بذلك خليفة كما قال العلماء , وإنما صاروا خلفاء بعد ذلك عندما بُيعوا مِن قِبل باقي المسلمين ؛ ولذلك حرص الحكَّام بعد ذلك حتى وإن كانوا ظلمة بغاة حصلوا على السلطة بحدّ السيف كالعباسيين وغيرهم , إلا أن أكثر شيء حرصوا عليه هو أن يُرسلوا إلى الأمصار حتى يأتوا لهم بالبيعة , سواء كانت هذه البيعة حقيقية أو شكلية , وهذا يدل على أنَّه في حِس الأمة أن الخليفة لا يكون إلا ببيعة الناس . ومن ذلك نريد أن نقول : أهل الحل والعقد ليسوا هم مَن يتولى تعيين الإمام أو عزل الإمام , وإنما عزل الإمام في الشرع يكون بنفس الطريقة التي عُيِّنَ بها , أي : بالشورى , وهذا يعني أن العلاقة بين الحاكم وبين الناس أنه وكيل , وليس هو ظل الله في أرضه – كما في بعض الأحاديث الضعيفة - وليس هو سلطان الله في أرضه , وإنما هو وكيل عن الناس كما هو مذكور في كتب الفقه كـ " كشف القناع " في الفقه الحنبلي , وعقد الوكالة هذا يترتب عليه أشياء , وهي : 1- أن مَن وكَّله يملك أن يعزله , فلمَّا أراد الخوارج أن يعزلوا عثمان , قال لهم : لو أن الذين بايعوني , عزلوني لانعزلت . 2- وهذا هو الأهم أنَّه ما دام عقد وكالة فيجوز أن يكون مدة , فليس هناك ما يمنع هذا كما ذهب إليه بعض أهل العلم , وكما هو واقع في كتاب " الأحكام السلطانية " أن بعض صور الحكم تجوز أن تكون بمدة , فليست تحديد المدة هذه مخالفة للسنة . انتهى |
#15
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم .
|
#16
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|