#1
|
|||
|
|||
42-إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل/ بستان السُنَّة ~
~الحديث الثاني والأربعون من مشروع بستان السنة~ [] ~الحديث~ عن إبن عمر رضي الله عنه قال ,قال رسول الله صلى الله عليه و سلم {إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل} رواه البخاري ~شرح الحديث~ قَدْ رَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَهُ , أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَالْفَاء لِلتَّعْقِيبِ , وَظَاهِره أَنَّ الْغُسْل يَعْقُب الْمَجِيء , وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَاد وَإِنَّمَا التَّقْدِير إِذَا أَرَادَ أَحَدكُمْ , وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَة اللَّيْث عَنْ نَافِع عِنْد مُسْلِم وَلَفْظه " إِذَا أَرَادَ أَحَدكُمْ أَنْ يَأْتِي الْجُمُعَة فَلْيَغْتَسِلْ " وَنَظِير ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) فَإِنَّ الْمَعْنَى إِذَا أَرَدْتُمْ الْمُنَاجَاة بِلَا خِلَاف . وَيُقَوِّي رِوَايَة اللَّيْث حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَة الْآتِي قَرِيبًا بِلَفْظِ " مَنْ اِغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة ثُمَّ رَاحَ " فَهُوَ صَرِيح فِي تَأْخِير الرَّوَاح عَنْ الْغُسْل , وَعُرِفَ بِهَذَا فَسَاد قَوْل مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْغُسْل لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ , لِأَنَّ الْحَدِيث وَاحِد وَمُخَرِّجه وَاحِد , وَقَدْ بَيَّنَ اللَّيْث فِي رِوَايَته الْمُرَاد , وَقَوَّاهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَرِوَايَة نَافِع عَنْ اِبْنِ عُمَر لِهَذَا الْحَدِيث مَشْهُورَة جِدًّا فَقَدْ اِعْتَنَى بِتَخْرِيجِ طُرُقه أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه فَسَاقَهُ مِنْ طَرِيق سَبْعِينَ نَفْسًا رَوَوْهُ عَنْ نَافِع , وَقَدْ تَتَبَّعْت مَا فَاتَهُ وَجَمَعْت مَا وَقَعَ لِي مِنْ طُرُقه فِي جُزْء مُفْرَد لِغَرَضٍ اِقْتَضَى ذَلِكَ فَبَلَغَتْ أَسْمَاء مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِع مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا , فَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ هُنَا ذِكْر سَبَب الْحَدِيث , فَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عَنْ نَافِع عِنْد أَبِي عَوَانَة وَقَاسِم بْن أَصْبَغَ " كَانَ النَّاس يَغْدُونَ فِي أَعْمَالهمْ , فَإِذَا كَانَتْ الْجُمُعَة جَاءُوا وَعَلَيْهِمْ ثِيَاب مُتَغَيِّرَة , فَشَكَوْا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَة فَلْيَغْتَسِلْ " وَمِنْهَا ذِكْر مَحَلّ الْقَوْل , فَفِي رِوَايَة الْحَكَم بْن عُتَيْبَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْوَاد هَذَا الْمِنْبَر بِالْمَدِينَةِ يَقُول " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ يَعْقُوب الْجَصَّاص فِي فَوَائِده مِنْ رِوَايَة الْيَسَع بْن قَيْس عَنْ الْحَكَم , وَطَرِيق الْحَكَم عِنْد النَّسَائِيِّ وَغَيْره مِنْ رِوَايَة شُعْبَة عَنْهُ بِدُونِ هَذَا السِّيَاق بِلَفْظِ حَدِيث الْبَاب إِلَّا قَوْلَهُ " جَاءَ " فَعِنْده " رَاحَ " وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوب وَمَنْصُور وَمَالِك ثَلَاثَتهمْ عَنْ نَافِع , وَمِنْهَا مَا يَدُلّ عَلَى تَكْرَار ذَلِكَ فَفِيرِوَايَة صَخْر بْن جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِع عِنْد أَبِي مُسْلِم الْكَجِّيّبِلَفْظِ " كَانَ إِذَا خَطَبَ يَوْم الْجُمُعَة قَالَ " الْحَدِيث . وَمِنْهَا زِيَادَة فِي الْمَتْن , فَفِيرِوَايَة عُثْمَان بْن وَاقِد عَنْ نَافِع عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان فِي صِحَاحهمْبِلَفْظِ" مَنْ أَتَى الْجُمُعَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلْيَغْتَسِلْ , وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْل " وَرِجَاله ثِقَات , لَكِنْ قَالَ الْبَزَّار : أَخْشَى أَنْ يَكُون عُثْمَان بْن وَاقِد وَهِمَ فِيهِ . وَمِنْهَا زِيَادَة فِي الْمَتْن وَالْإِسْنَاد أَيْضًا ,أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان وَغَيْرهمْ مِنْ طُرُق عَنْ مُفَضَّل بْن فَضَالَة عَنْ عَيَّاش بْن عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيّ عَنْ بُكَيْر بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْنِ عُمَر عَنْ حَفْصَة قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى كُلّ مُحْتَلِم , وَعَلَى مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَة الْغُسْل " قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط : لَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِع بِزِيَادَةِ حَفْصَة إِلَّا بُكَيْر , وَلَا عَنْهُ إِلَّا عَيَّاش تَفَرَّدَ بِهِ مُفَضَّل . قُلْتُ : رُوَاته ثِقَات , فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ حَدِيث آخَر وَلَا مَانِع أَنْ يَسْمَعهُ اِبْن عُمَر مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ غَيْره مِنْ الصَّحَابَة , فَسَيَأْتِي فِي ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب مِنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اِخْتِلَاف الْمُتُون , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَعْلِيق الْأَمْر بِالْغُسْلِ بِالْمَجِيءِ إِلَى الْجُمُعَة , وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَر أَنْ يَكُون الْغُسْل مُتَّصِلًا بِالذَّهَابِ , وَوَافَقَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث وَالْجُمْهُور قَالُوا : يُجْزِئ مِنْ بَعْد الْفَجْر , وَيَشْهَد لَهُمْحَدِيث اِبْن عَبَّاسٍالْآتِي قَرِيبًا . وَقَالَ الْأَثْرَم : سَمِعْت أَحْمَد سُئِلَ عَمَّنْ اِغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ هَلْ يَكْفِيه الْوُضُوء ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . وَلَمْ أَسْمَع فِيهِ أَعْلَى مِنْ حَدِيث اِبْن أَبْزَى , يُشِير إِلَى مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ وَلَهُ صُحْبَة " أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِل يَوْم الْجُمُعَة ثُمَّ يُحْدِث فَيَتَوَضَّأ وَلَا يُعِيد الْغُسْل " وَمُقْتَضَى النَّظَر أَنْ يُقَال : إِذَا عُرِفَ أَنَّ الْحِكْمَة فِي الْأَمْر بِالْغُسْلِ يَوْم الْجُمُعَة وَالتَّنْظِيف رِعَايَة الْحَاضِرِينَ مِنْ التَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَة , فَمَنْ خَشِيَ أَنْ يُصِيبهُ فِي أَثْنَاء النَّهَار مَا يُزِيل تَنْظِيفه اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّر الْغُسْل لِوَقْتِ ذَهَابه , وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي لَحَظَهُ مَالِك فَشَرَطَ اِتِّصَال الذَّهَاب بِالْغُسْلِ لِيَحْصُل الْأَمْن مِمَّا يُغَايِر التَّنْظِيف وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَلَقَدْ أَبْعَدَ الظَّاهِرِيّ إِبْعَادًا يَكَاد أَنْ يَكُون مَجْزُومًا بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِط تَقَدُّم الْغُسْل عَلَى إِقَامَة صَلَاة الْجُمُعَة حَتَّى لَوْ اِغْتَسَلَ قَبْل الْغُرُوب كَفَى عِنْده تَعَلُّقًا بِإِضَافَةِ الْغُسْل إِلَى الْيَوْم , يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث الْبَاب الثَّالِث , وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ بَعْض الرِّوَايَات أَنَّ الْغُسْل لِإِزَالَةِ الرَّوَائِح الْكَرِيهَة يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيث عَائِشَة بَعْد أَبْوَاب , قَالَ : وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُود عَدَم تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْد إِقَامَة الْجُمُعَة , وَكَذَلِكَ أَقُول لَوْ قَدَّمَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَحَصَّل هَذَا الْمَقْصُود لَمْ يُعْتَدّ بِهِ . وَالْمَعْنَى إِذَا كَانَ مَعْلُومًا كَالنَّصِّ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا مُقَارِنًا لِلْقَطْعِ فَاتِّبَاعه وَتَعْلِيق الْحُكْم بِهِ أَوْلَى مِنْ اِتِّبَاع مُجَرَّد اللَّفْظ . قُلْتُ : وَقَدْ حَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ مَنْ اِغْتَسَلَ بَعْد الصَّلَاة لَمْ يَغْتَسِل لِلْجُمُعَةِ وَلَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ . وَادَّعَى اِبْن حَزْم أَنَّهُ قَوْل جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَطَالَ فِي تَقْرِير ذَلِكَ بِمَا هُوَ بِصَدَدِ الْمَنْع , وَالرَّدّ يُفْضِي إِلَى التَّطْوِيل بِمَا لَا طَائِل تَحْته , وَلَمْ يُورِد عَنْ أَحَد مِمَّنْ ذَكَرَ التَّصْرِيح بِإِجْزَاءِ الِاغْتِسَال بَعْد صَلَاة الْجُمُعَة , وَإِنَّمَا أَوْرَدَ عَنْهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط اِتِّصَال الْغُسْل بِالذَّهَابِ إِلَى الْجُمُعَة , فَأَخَذَ هُوَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن مَا قَبْل الزَّوَال أَوْ بَعْده وَالْفَرْق بَيْنهمَا ظَاهِر كَالشَّمْسِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَاسْتُدِلَّ مِنْ مَفْهُوم الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْغُسْل لَا يُشْرَع لِمَنْ لَمْ يَحْضُر الْجُمُعَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيح بِمُقْتَضَاهُ فِي آخِررِوَايَة عُثْمَان بْن وَاقِد عَنْ نَافِع , وَهَذَا هُوَ الْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيَّة , وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور خِلَافًا لِأَكْثَر الْحَنَفِيَّة , وَقَوْلُهُ فِيهِ " الْجُمُعَة " الْمُرَاد بِهِ الصَّلَاة أَوْ الْمَكَان الَّذِي تُقَام فِيهِ , وَذَكَرَ الْمَجِيء لِكَوْنِهِ الْغَالِب وَإِلَّا فَالْحُكْم شَامِل لِمَنْ كَانَ مُجَاوِرًا لِلْجَامِعِ أَوْ مُقِيمًا بِهِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْر لَا يُحْمَل عَلَى الْوُجُوب إِلَّا بِقَرِينَةٍ لِقَوْلِهِ كَانَ يَأْمُرنَا مَعَ أَنَّ الْجُمْهُور حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْب كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام عَلَى الْحَدِيث الثَّالِث , وَهَذَا بِخِلَافِ صِيغَة افْعَلْ فَإِنَّهَا عَلَى الْوُجُوب حَتَّى تَظْهَر قَرِينَة عَلَى النَّدْب . ~ حكم غسل الجمعة~ جاءت أحاديث و آثار كثيرة في بيان فضل غسل الجمعة و التأكيد عليه ، فمن ذلك : 1- ما أخرجه الجماعة عن ابن عمر مرفوعاً : " إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل " ، و في لفظ لمسلم : " إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " 2- ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد مرفوعاً : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، و السواك و أن يمس من الطيب ما يقدر عليه " 3- ما أخرجاه أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً : " حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه و جسده " . 4- ما أخرجاه أيضاً عن ابن عمر أن عمر بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة ، إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر : أيةُ ساعة هذه ؟! فقال : إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأتُ . قال : و الوضوء أيضاً ؟! و قد علمَّت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر بالغسل ! ". فهذه الأحاديث و غيرها تدل علي مشروعية غسل الجمعة و تأكيده ، و قد اختلف الناس في ذلك . قال النووي : " و اختلف العلماء في غسل الجمعة ، فحكي وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة ، و به قال أهل الظاهر ، و حكاه ابن المنذر عن مالك و حكاه شارع الغنية لابن سريج قولاً للشافعي . و قد حكى الخطابي و غيره الإجماع علي أن الغسل ليس شرطاً في صحة الصلاة و أنها تصح بدونه ، و ذهب جمهور العلماء من السلف و الخلف و فقهاء الأمصار إلي أنه مستحب . قال القاضي عياض: و هو المعروف من مذهب مالك و الصحابة . و احتج من أوجبه بظواهر هذه الأحاديث ، و احتج الجمهور بأحاديث صحيحة : منها : حديث الرجل الذي دخل و عمر يخطب و قد ترك الغسل ، و قد ذكره مسلم ، و هذا الرجل هو عثمان بن عفان جاء مبيناً في الرواية الأخرى .و وجه الدلالة أن عثمان فعله و أمَرَّه عمر و حاضرو الجمعة و هم أهل الحل و العقد ، و لو كان واجباً لما تركه و لألزموه . و منها : قوله صلى الله عليه و سلم : " من توضأ فبها و نعِمتْ،و من اغتسل فالغسل أفضل " حديث حسن في السنن مشهور . و فيه دليل علي أنه ليس بواجب . و منها : قوله صلى الله عليه و سلم : " لو اغتسلتم يوم الجمعة " . و هذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب ، لأن تقديره لكان أفضل و أكمل و نحو هذا من العبادات . و منها : قوله صلى الله عليه و سلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة فاستمع و أنصت غفر له ما بين الجمعة إلي الجمعة و زيادة ثلاثة أيام ". قال القرطبي في تقرير الاستدلال بهذا الحديث علي الاستحباب : ذكر الوضوء و ما معه مرتباً عليه الثواب المقتضي للصحة ، و يدل علي أن الوضوء كاف . و قال ابن حجر في التلخيص : إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة . و أجابوا عن الأحاديث الواردة في الأمر به أنها محمولة علي الندب جمعاً بين الأحاديث ". ~مناقشة أدلة الفريقين~ *أما أدلة القائلين بالوجوب ، فقد نوقشت كالتالي : 1-أما حديث : " غسل يوم الجمعة واجب علي كل محتلم ، و السواك ، و أن يمس من الطيب ما يقدر عليه " . 2-و كذا حديث : " حق علي كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً … " فأجاب الجمهور عنها بأن قوله " حق " و قوله " واجب " المراد به متأكد في حقه ، كما يقول الرجل لصاحبه : حقك عليَّ و ليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب ، بل المراد أن متأكد حقيق بأن لا يخل به . و أجاب القائلون بالوجوب علي هذا التأويل بأن هذا الحديث ضعيف ، قال ابن دقيق العيد : إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحاً في الدلالة علي هذا الظاهر. أجاب الجمهور أيضاً على الحديث الأول بأن اقتران الأمر بالسواك و الطيب بالأمر بالغسل قرينة صارفة عن الوجوب ، قال القرطبي : ظاهره وجوب الاستنان و الطيب لذكرهما بالعاطف ، فالتقدير: الغسل واجب و الاستنان و الطيب كذلك . قال : و ليسا بواجبين اتفاقاً ، فدل على أن الغسل ليس بواجب ، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد . أ ﻫ . و أجيب علي هذا الاعتراض من وجهين : الأول : أنه لا يمنع عطف ما ليس بواجب علي الواجب ، لا سيما و لم يقع التصريح بحكم المعطوف، قاله ابن الجوزي . و قال ابن المنير في الحاشية : إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه ، لأن للقائل أن يقول : أخرج بدليل، فبقي ما عداه علي الأصل . الثاني : أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة ، فقد روى سفيان في جامعه عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة . و كذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر . 3-و أما الحديث : " إذا جاء أحدكم إلي الجمعة فليغتسل " فإنه محمول علي الندب ، و القرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة ، و الجمع بين الأدلة ما أمكن هذا الواجب و قد أمكن بهذا ، فيصار إليه . ّو أما أدلة الجمهور القائلين بالاستحباب و الندب لا الوجوب ، فقد نوقشت كالتالي : 1-أما حديث عثمان الذي دخل و عمر يخطب و قد ترك الغسل فأجاب القائلون بالوجوب عن هذا الحديث بأنه حجة على القائل بالاستحباب له . قال الشوكاني : لأن إنكار عمر علي رأس المنبر في ذلك الجمع علي مثل ذلك الصحابي الجليل و تقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة ، و لو كان الأمر عندهم علي عدم الوجوب ، لما عدل ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره ، فأي تقرير من عمر و من حضر بعد هذا ؟! … اعترض الجمهور على ذلك بأنه أنكر عليه ترك السنة المذكورة و هي التبكير إلي الجمعة و ليس ذلك واجباً اتفاقاً ، فيكون الغسل كذلك . كما أن القول بترك عثمان الغسل مع اعتقاده بوجوبه يلزم منه تأثيم عثمان رضى الله عنه . و أجاب القائلون بالوجوب على الاعتراض الثاني بأن عثمان رضى الله عنه معذوراً لأنه إنما تركه ذاهلاً عن الوقت ، قال الحافظ : مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار ، لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء ، و إنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر ، لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلي الجمعة كما هو الأفضل. 2-و أما حديث : " من توضأ فبها نعمت ، و من اغتسل فالغسل أفضل " . فاعترض القائلون بالوجوب بأن للحديث طرقاً أشهرها و أقواها فيه علتان، كما قال الحافظ في الفتح : إحداهما : أنه من عنعنة الحسن . و الأخرى : أنه اختلف عليه فيه . و سائر طرق الحديث ضعيفة . قال ابن دقيق العيد : و لا يقاوم سنده سندي هذه الأحاديث . أ ﻫ . أي أحاديث الوجوب . أجاب الجمهور أن الحديث يصلح للاحتجاج به و قد حسنه غير واحد من الأئمة ، فيصلح قرينة صارفة للأمر عن الوجوب إعمالاً للدليلين ، و لغيره من الأدلة . 3-و أما حديث عائشة قالت : كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم و من العوالي فيأتون في العباء فيصبن الغبار و العرق ، فتخرج منهم الريح … الحديث و فيه قوله صلى الله عليه و سلم : " لو اغتسلتم يوم الجمعة " . أجاب القائلون بالوجوب عن الحديث بأنه ليس فيه نفي الوجوب ، و بأنه سابق علي الأمر به و الإعلام بوجوبه و لا يلزم من زوال العلة سقوط الوجوب تعبداً و لا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة ، كالسعي فإنه واجب مع زوال العلة التي شرع لها و هي إغاظة المشركين و كذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له و هو ظهور الشيطان بذلك المكان. أجاب الجمهور بأنه فرق بين زوال العلة معقولة المعنى كما هي في الأمر بغسل الجمعة ، و بين العلة التي مبناها على التعبد و امتثال الأمر كما في السعي و الرمي و نحوهما ، فتبقى دلالة الحديث و ظاهر اللفظ دليلاً علي الندب و المشروعية لا الوجوب . 4-و أما حديث : " من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع و أنصت غفر له " . فأجاب القائلون بالوجوب عن الحديث بأن ليس فيه نفي الغسل ، و قد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ : " من اغتسل " فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله علي الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء … الترجيح : قال الشوكاني في نيل الأوطار بعد أن ساق أدلة الفريقين : و بهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة علي عدم الوجوب ، و عدم إمكان الجمع بينها و بين أحاديث الوجوب ، لأنه و إن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يمكن بالنسبة إلى لفظ : " واجب " و " حق " إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله ، و لا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه ، لأن أوضحها دلالة علي ذلك حديث سمرة و هو غير سالم من مقال … و أما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية …. " و قال الصنعاني في سبل السلام : … فالأحوط للمؤمن أن لا يترك غسل الجمعة … و في الهدي النبوي الأمر بالغسل يوم الجمعة مؤكد جداً و وجوبه أقوى من وجوب الوتر ~وقت الغسل للجمعة ~ اختلف العلماء في وقت الغسل للجمعة و تعلقه بالذهاب إليها علي ثلاثة أقوال : الأول : اشتراط الاتصال بين الغسل و الرواح . و إليه ذهب مالك و وافقه الأوزاعي و الليث . لحديث : " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " و في لفظ مسلم : " إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " . الثاني : عدم اشتراط ذلك ، و يجزئ من بعد الفجر لكن لا يجزئ فعله بعد صلاة الجمعة ، و يستحب تأخيره إلي الذهابو إلي هذا ذهب الجمهور . الثالث : أنه لا يشترط تقدم الغسل على صلاة الجمعة ، فلو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه ، و إليه ذهب داود و نصره ابن حزم ، و حجتها تعلق الغسل باليوم في الأحاديث لا بالصلاة . و قد أنكر هذا القول ابن دقيق العيد و قال : يكاد يجزم ببطلانه ، و حكى ابن عبد البر الإجماع علي أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة . فائدة : قال النووي : " قال أصحابنا : و وقت جواز غسل الجمعة من طلوع الفجر إلي أن يدخل في الصلاة … قالوا : و لا يجوز قبل الفجر . و انفرد إمام الحرمين بحكاية وجه أنه يجوز قبل طلوع الفجر ، كغسل العيد علي اصح القولين . و الصواب المشهور أنه لا يجزئ قبل الفجر ، و يخالف العيد ، فإنه يُصلى في أول النهار ، فيبقى أثر الغسل ، لأن الحاجة تدعو إلى تقديم غسل العيد ، لكون صلاته أول النهار ، فلو لم يجز قبل الفجر ضاق الوقت و تأخر التبكير إلى الصلاة " قال الشوكاني : و الظاهر ما ذهب إليه مالك . لأن مجمل الأحاديث التي أطلق فيها : اليوم علي حديث البابالمقيد بساعة من ساعاته واجب ، و المراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع و هو الصلاة لا اسم اليوم. قال الحافظ :و مقتضى النظر أن يقال : إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة و التنظف رعاية الحاضرين من التأذى بالرائحة الكريهة ، فمن خشي أن يصيبن في أثناء النهار ما يزيل تنظفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ، و لعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظف و الله أعلم . مسألة هل يشرع الغسل لمن لم يحضر الجمعة : قال الحافظ : و استدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة ، و قد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن واقد عن نافع . و هذا هو الأصح عند الشافعية ، و به قال الجمهور خلافاً لأكثر الحنفية . و يدل لقول الجمهور ما أخرجه البيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً : " من أتى الجمعة من الرجال و النساء فليغتسل ، و من لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال و النساء " قال النووي :رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد صحيح. مسألة : هل يجزئ غسل الجنابة لمن حصلت له عن غسل الجمعة ؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : أن غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة و إن لم ينوه ، و أن الغسل حيث وقع في الجمعة قبل الصلاة كفى، أياً كان سببه . و هذا قول جمهور العلماء . قال ابن المنذر : حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة و التابعين . قال الحافظ في شرح قوله صلى الله عليه و سلم : " اغتسلوا يوم الجمعة و إن لم تكونوا جنباً " قال : " معناه : اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنباً للجنابة ، و إن لم تكونوا جنباً للجمعة " و أخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا ، و في الاستدلال به علي ذلك بعد . الثاني : أنه لا يجزئ و لابد ليوم الجمعة من غسل مخصوص ، و هذا قول ابن حزم و جماعة . قال ابن حزم : " برهان ذلك قول الله تعالى ( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) . و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنما الأعمال بالنيات ، و لكل امرئ ما نوى " . فيصح يقيناً أنه مأمور بكل غسل من هذه الأغسال ، فإذا قد صح ذلك ، فمن الباطل أن يجزئ عمل عن عملين أو أكثر … " . و حكى ابن حزم هذا القول عن جماعة من السلف منهم جابر بن زيد و الحسن و قتادة و إبراهيم النخعي و الحكم و طاءوس و عطاء و عمرو بن شعيب و الزهري و ميمون بن مهران . و قد نقل الحافظ عن أبي قتادة أنه قال لابنه و قد رآه يغتسل يوم الجمعة : " إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلاً آخر للجمعة " . أخرجه الطحاوي و ابن المنذر و غيرهما . القول الثالث : أنه لا يجزئ عنه إلا بالنية ، أي إذا نوى الكل . قال النووي : " و أما إذا وجب عليه يوم الجمعة غسل جنابة فنوى الغسل عن الجنابة و الجمعة معاً فالمذهب صحة غسله لهما جميعاً و به قطع المصنف و الجمهور … " . و احتج أصحاب هذا القول بقوله صلى الله عليه و سلم : " إنما الأعمال بالنيات ، و إنما لكل امرئ ما نوى ". قال النووي في شرح المهذب :" .. و لو نوى الغسل للجنابة حصل بلا خلاف ، و في حصول غسل الجمعة قولان : أصحهما عند المصنف في التنبيه و الأكثر ين : لا يحصل ، لأن الأعمال بالنيات ، و لم ينوه . و أصحهما عند البغوي حصوله ، و المختار أنه لا يحصل " . و حمل الحافظ كلام أبي قتادة لابنه علي ذلك ، حيث قال في شرح قوله صلى الله عليه و سلم : " غسل يوم الجمعة " ، قال : " … و استنبط منه أيضاً أن ليوم الجمعة غسلاً مخصصاً حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية ، و قد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه و قد رآه يغتسل يوم الجمعة : " إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلاً آخر للجمعة " . قال المنبر:لكن هناك وجه آخر يمكن أن يحمل عليه كلام أبي قتادة غير الإجزاء و عدمه ، ألا و هو تحصيل فضيلة مخصوصة لمن يقصد إلى غسل الجمعة و ينويه كما جاء عند ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم و غيرهم عن عبد الله بن أبي قتادة قال : دخل علي أبي و أنا أغتسل يوم الجمعة ، فقال : غسلك هذا من جنابة أو للجمعة ؟ قلت : من جنابة . قال : أعد غسلاً آخر ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلي الجمعة الأخرى " . فائدة : قال الحافظ في الفتح : " حكى ابن العربي و غيره أن بعض أصحابهم قالوا : يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب ، لأن المقصود النظافة . و قال بعضهم : لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد و نحوه . و قد عاب ابن العربي ذلك و قال : هؤلاء وقفوا مع المعنى ، و أغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين ، و الجمع بين التعبد و المعنى أولى . انتهى . و عكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم ، فإنه تعبد دون نظر المعنى . أما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود ، لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ، و لو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك ، و الله أعلم " . أ ﻫ . و نقل ابن عثيمين عن شيخ الإسلام قوله : " جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها ، فإنه لا يتيمم عنها ، لأن التيمم إنما شرع للحدث . و معلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير ، لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه . ~مشــروع بستــان الســنّة ~ لا تنسـونا من طيّـب دُعائـكم
|
#2
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيرا
|
#3
|
|||
|
|||
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
42-إذا, لديكم, الجمعة, السُنَّة, بستان, حال, فليغتسل/, ~ |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|