الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أسباب محبة الله للعبد احرصوا عليها
د. أمين بن عبدالله الشقاوي الأسباب الجالبة لمحبة الله الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله. وبعد: فإن محبة الله سبحانه هي أصل دين الإسلام، فبكمالها يكمل، وبنقصها ينقص توحيد الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]. روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"[1]. وذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله - أن الأسباب الجالبة لمحبة الله عشرة: الأول: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه، وما أريد به، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]. وقال عبد الله بن مسعود: "لا تنثروه كنثر الدقل، ولا تهذوه كهذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة"[2] الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت و أنا أكره مساءته"[3]. الثالث: دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر هذا قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم"[4]. الرابع: إيثار محابه على محابك، عند غلبة الهوى، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، فلابد من إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده، فيحب ما يحبه الله، ويبغض-: ما يبغضه الله، ويوالي فيه، ويعادي فيه، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"[5]. وفي صحيح البخاري أن عمر - رضي الله عنه – قال: عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الآن يا عمر"[6]. الخامس: مطالعة القلب لأسماء الله الحسنى وصفاته، ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]. السادس: مشاهدة بره، وإحسانه، ونعمه الظاهرة، والباطنة، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53]. ومن أعظم هذه النعم: نعمة الهداية لهذا الدين، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. السابع - وهو أعجبها -: انكسار القلب بين يديه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل"، روى البخاري في صحيحه من حديث شداد بن أوس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد... فذكر الحديث" فجمع في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي" بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل، فمشاهدة المنة توجب له المحبة والشكر لولي النعمة والإحسان، ومطالعة عيب النفس، والعمل، توجب الذل والانكسار والافتقار في كل وقت، وألا يرى نفسه إلا مفلسًا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالًا، ولا مقامًا، ولا سببًا يتعلق به، ولا وسيلة يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه، ويرى في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة، وضرورة كاملة إلى ربه، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك، وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود إلى الله ويتداركه برحمته[7].اهـ. الثامن: الخلوة وقت النزول الإلهي، وتلاوة كتابه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة، قال تعالى: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18]، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له؟"[8]. التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، وعدم الكلام إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعة لغيرك، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لولا ثلاث ما أحببت العيش في الدنيا: الغزو في سبيل الله، ومكابدة الساعات من الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر"[9]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"[10]. العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله – عز وجل. فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب سبحانه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] صحيح البخاري برقم (١٦)، وصحيح مسلم برقم (٤٣). [2] مصنف ابن أبي شيبة (2/256)، برقم (8733). [3] برقم (٦٥٠٢). [4] البخاري برقم (٧٤٠٥)، ومسلم برقم (٢٦٧٥) واللفظ له. [5] البخاري برقم (١٥)، ومسلم برقم (44). [6] برقم (٦٦٣٢). [7] انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص ٧ -8). [8] البخاري برقم (١١٤٥)، ومسلم برقم (٧٥٨). [9] مختصر قيام الليل للمروزي (ص ٦٢) بمعناه. [10] جزء من حديث في صحيح البخاري برقم (٦١٣٦)، وصحيح مسلم برقم (٤٧). رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/4284...#ixzz88b3Suwg7
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|