ولن يُـقـدِّر هذه النعمة قدرها إلا من حُـِرمَ منها .. وهل يُحرم الأخ من أخيه ؟! نعم يحرم ،
وليس الحرمان بالسفر أو البعد ، فمن الممكن أن يفترقا وهما متجاوران ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" والذي نفس محمد بيده ما تَـوَادَ اثنان ففرّق بينهما إلا بذئب يحدثه أحدهما "
فلقد عوقب الصحابي الجليل ( كعب بن مالك ) على تخلفه عن غزوة مؤتة بهجر إخوانه له ،
يقول كعب : ونهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين مَن تخلف عنه ،
فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي نفسي ، وضاقت عليّ الأرض، فما هي التي أعرف ..
ومشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه ،
فو الله ما ردّ عليّ السلام ، فقلت : يا أبا قتادة : أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟
فسكت .. فعدت له فنشدته ، فقال : الله ورسوله أعلم .. ففاضت عيناي " * رواه البخاري .
انظري كيف كان حاله بعد أن تركه إخوانه لذنب أذنبه ،
فاحذري يا أختي من الذنوب التي تباعد بينك وبين أخواتك ،
واعلمي أن تباعد أخواتك عنك يمكن أن يعود إلى ذنب اقترفته يداك ..
الأخوة نعمة يجب شكرها .. فاعلمي قيمتها ، واحذري أن تسلب منك ، ولا تلقي اللوم على أختك وابدئي بنفسك ..
قال بشر الحافي : " إذا قصّرَ العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه ، وذلك لأن الإخوان مسلاة عن الهموم وعون على الدين "
:: رســــالــــة على صـفـحـة بـيــضــاء ::
تخرجت معها في نفس الكلية في نفس العام .. جمع بيننا هدف واحد وغاية واحدة ..
وضم خيالنا نفس الآمال والآلام والمشاعر .. كنا نتفق معاً في كل شيء ، ليس في الأداء فقط ،
بل في الكلمات والأحلام والرؤى كذلك ..
وجدتها .. لكأني وجدت نفسي .. كنت استمع لحديثها الصافي لكأن الكلمات فيه عطور ورياحين وأحرف نور وزهور ..
تعلمت منها الكثير .. تعلمت أنني وهي ملك لهذا الدين ، وأننا بحاجة إليه وما هو بحاجة إلينا ،
وأصبحت أتقد معها أن هذا هو الطريق الوحيد لسعادتنا وسعادة البشرية جمعاء ..
مرت الأيام والسنون .. كبرنا سويّـًا .. وأصبحت أختي تحمل على عاتقها مسئولية العديد من الجمعيات الخيرية
التي تقوم على خدمة الفقراء والمشردين من أبناء هذا الوطن ، وأنا أحمل على عاتقي مسئولية العشرات
من الأيتام المعذبين واللقطاء وذوي الحاجة ، اتصل بهم ، وأزورهم ، وأقوم على حاجتهم ..
أصبحنا لا نلتقي إلا قليلاً من الوقت ونتابع بعض الإجراءات الإدارية الخاصة بالجمعية ،
وكنت ما أزال كلما رأيتها أشعر بما كنت أشعر بالأمس : حب وشوق وصفاء..
أراها تمر من أمامي فأشعر وكأني طير في السماء أطير .. أترك ما في يدي وأقبل عليها لأصافحها بسلام حار
ينبئها بكل ما يعتمل لها في قلبي وخاطري من حب وتقدير ، وهي كأن قلبها قد تبدل بقلب آخر ..
أصبحت لا تلقاني إلا وهي تحمل الأوراق والجداول والمتابعات ،ولا تسألني إلا عن سير العمل وسهولة الإجراءات ،
ولا تتصل بي في الهاتف إلا لتبلغني خبر اجتماع أو عمل ..
اختفت من ملامحها الابتسامة الحلوة التي كانت تأسرني وأستزيد منها لإيماني كي أتقوى على العمل ..
واختفت كلمات الود اللطيفة التي كنت أقتات منها الحب ، حتى إنني كنت ألقاها فأبتسم لها متكلفة لأذّكرها
بأن تبسمك في وجه أختك صدقة فلا تتذكر ..
والآن جئت أذكرها من بعيد على هذه الصفحات البيضاء كبياض قلبها الصافي بأن العمل والمودة لا يتعارضان
وأن القدرة على الاستمرار في مغالبة الآلام ، ورسم الجداول ، وإتقان المتابعات ، وإحسان القيام على أحوال الخلق
طعامها وشرابها العاطفة والابتسامة .