عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
مذهب أهل السنة والسلف اثبات الأفعال الاختيارية لله سبحانه
محمد عبد العليم الدسوقى ذكر علماء الأصول وأئمة الدين أن كل ما ثبت من صفات الله في الوحيين- الكتاب والسنة-صفات مدح وصفات كمال، وأن ما تعلق منها بذاته سبحانه من نحو صفات العلم والقدرة والبصر والعز والحكمة والعلو والعظمة- ويندرج تحتها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين- تسمى بالصفات الذاتية، وما تعلق منها بمشيئته تعالى إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها من نحو صفات النزول الاستواء والضحك والغضب والإتيان والمجيء، فتسمى بالصفات الفعلية.. بله أن متأخري الأشاعرة الذين تراجع معظمهم كانوا يرون غضاضة في نسبة الصفات الفعلية وكثير من الصفات الخبرية إلى الله بحجة تنزيهه تبارك وتعالى عنها لكونها- على حد قولهم- من لوازم البشر ومما يتوهم منها التشبيه والتجسيم، وقد دعاهم هذا إلى تأويلها وإخراجها عن ظاهر معناها إلى المجاز، مع أن ما اكتفوا بإثباته هو كذلك مما يمكن أن يتوهم منه التشبيه وأن لازم قولهم هو نفي جميع الصفات لكون السمع والبصر والعلم والقدرة هي أيضاً من لوازم البشر ومما يتصف به المخلوقين. وكما قلنا فقد تراجع عن هذا الفهم الخاطئ جل أولئك وعلى رأسهم إمام المذهب أبو الحسن الأشعري، لكن- وذلك من شديد ما يؤسف له- ما نسب إلى أبي الحسن أولاً وما كان يعتقده قبل تراجعه، وكذا ما سطره المتأخرون ممن تأثروا بهذه الحقبة من حياته ودبجوا به كتبهم، لا يزال هو المعتمد والسائد في دراسة العقيدة وما فتئ السواد الأعظم من الأمة تعتنقه وتعتقده صواباً، وتناسى هؤلاء وأولئك تراجع جل من كانوا يعتنقون هذا المعتقد وأن مذهب الإنسان هو ما تراجع إليه وما مات عليه، وأن دلالة السمع [1] والعقل على ما ثبت من صفات الذات كدلالتهما على ما أنكروه من صفات الفعل وأن قولهم هذا مؤد لا محالة إلى نفي سائر صفات الذات وإلى تعطيلها وأن الإيمان بها جميعاً دون تأويل ودون القول بمجازيتها هو من التوحيد، ومن ثم فاعتناق صحيحه من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض، ولقد كان هذا هو معتقد خير القرون وسلف هذه الأمة التي لا تجتمع أبداً على ضلالة. 1 – مخالفة (حمل صفات الأفعال على غير ظاهرها) لأدلة الشرع والعقل: إن القول بحمل آيات صفات الأفعال أو بعضها على غير ظاهرها أي على المجاز تحت زعم أنها توهم التجسيم أو التشبيه، وكذا الادعاء بأن حمل تلك الآيات على الظاهر- لما زُعم فيها من معنى الحسية والجسمية- يُوجب تناقضاُ بين هذه الآيات الوارد فيها هذه الصفات وبين قوله سبحانه: (ليس كمثله شئ .. الشورى/11).. قول غير صحيح وادعاء باطل، بل هو ضرب لكتاب الله بعضه ببعض وذلك- كما ورد في الحديث- تكذيب لله ورسوله. وهو فضلاُ عن كونه مناقضاً لأدلة الشرع التي امتلأت بها مصنفات القوم ويضيق المقام عن ذكرها [2] والتي يتحتم معها حملها على ظاهر معناها طالما لا توجد القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي ...هو مناقض كذلك لأدلة العقل التي تقضي بمخالفة الله للحوادث وأن كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وأن الدلالة العقلية على علمه وقدرته وسمعه وبصره كدلالتها على رضاه وغضبه ونزوله واستوائه، وأن التفريق بين صفة وأخرى تحكم محض، وبالتالي فادعاء المجاز في شئ منها، يستلزم- لكون الصفة تابعة لموصوف- ألا يكون رب العالمين موجودا حقيقة ولا حياً حقيقة ولا قادراً حقيقة وكفى أصحاب هذه المقولة كفراً، وأنه إذا كان المخلوق لا يشاركه غيره فيما له في ذاته وصفاته وأفعاله، فالخالق أولى ألا يشاركه غيره في شئ مما هو له سبحانه، وأنه كما أن الناس مفطورون على الإقرار بالخالق فإنهم مفطورون على أنه أكبر وأعلى وأجل من أن تشبه صفاته صفاتهم، لأن ذاته سبحانه لا تشبه ذواتهم فكذا صفاته لا تشبه صفاتهم، وأن الذي فر إلى القول بالمجاز في أيٍّ من صفات الله فأخرجها عن ظاهرها لظنه أن حقائق ذلك مما يختص بالمخلوقين كمن تأول الاستواء مثلا بالاستيلاء، والضحك بالرحمة أو القرب، واليد بالقدرة إلخ، إنما فر من صفة لازمة للمخلوق إلى صفة أخرى لازمة له، وأن لو كانت"كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله.. صفة مجاز لتحتم تأويل جميع الصفات، ولقيل: معنى البصر كذا ومعنى السمع كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام، بل ولبطل- على حد قول الإمام القصاب فيما نقله عنه الذهبي- أن تكون صفات لله، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بيّن"[3] . 2- الأصل في الكلام وما يستلزمه القول بحمل الصفات على غير ظاهرها: والذي يجب الانتباه إليه أن الأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته وأنه لا يجوز إخراجه عن الحقيقة إلى المجاز أو على غير ظاهره إلا عند تعذر الحمل على الحقيقة أو لقرينة عقلية أو عرفية أو لفظية، فلا يستقيم بحال من الأحوال أن نحمل قول القائل مثلاً (جاء الأمير) على معنى (جاء خادم الأمير) أو نحو ذلك من التقديرات دون قرينة تصرفه عن معناه، وإلا فهم منه غير مراد المتكلم وكان ضرباً من الكذب، وهكذا هو الحال في جميع آي الصفات من نحو قوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفاً صفاً..الفجر/22)، وقوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام..البقرة/210)[4] ، وقول النبي صلوات الله عليه: (ينزل ربنا كل ليلة)، فالأمر في مثل هذه الصفات- على حد ما ذكر محيي السنة الإمام البغوي فيما نقله عنه الإمام الذهبي- "أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكِل علم كنهها إلى الله، ويعتقد أن الله منزه عن سمات الحدوث، على ما كان عليه أئمة السلف وعلماء السنة"[5] ، وإلا فهل كان الله عاجزاً عن أن يقول: (وجاء أمر ربك) أو عجز رسوله عن أن يقول: (تنزل رحمته)؟ وهل من تأولوا المجيء والإتيان، بمجيء أمره كما فعل الجهمية لما فهموا من هذه المعاني ما يتعلق منها بالمخلوق فصيرهم ذلك إلى هذه التأويلات الباطلة، كانوا في ذلك أعلم من قتادة وابن جريج وابن مسعود الذين نقل عنهم ابن جرير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور مجيأه سبحانه يوم القيامة على النحو اللائق به؟. كما أن القول بأن مراد الصفات غير ظاهرها، ينافي قصد البيان والإرشاد وهذا يستلزم أن الله قد أنزل في كتابه وعلى لسان نبيه من الألفاظ ما يضلهم ظاهره ويوقعهم في التشبيه والتمثيل، وأن يكون سبحانه قد ترك بيان الحق ولم يفصح به وألغزه إلغازاً وأن يكون ما جاء في نحو قوله تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون .. الزخرف/3) عبثاً من القول، وأن يكون سبحانه قد كلف عباده ألا يفهموا من تلك الألفاظ حقائقها وأن يفهموا منها ما لا تدل عليه، كما يستلزم القول بإخراج الصفات عن ظاهرها إنشاء وضع جديد لألفاظها وأن الله أراد بهذه الألفاظ خلاف معانيها المفهومة منها عند التخاطب وأن تكون الصفات حقيقة للمخلوق مجازاً في حق الخالق فلا يكون رب العزة سبحانه موجوداً حقيقة ولا حيا حقيقة .. إلخ، وفي هذا من فساد العقيدة ما فيه، وعليه فليس يعني ذلك- حيال كل ما ذكرنا- إلا حمل آيات الصفات جميعها على ظاهرها على النحو اللائق به سبحانه دون تشبيه ولا تكييف ولا تجسيم وهذا ما كان عليه سلف الأمة ودل عليه إجماعهم. 3- مخالفة (حمل صفات الأفعال على غير ظاهرها) للإجماع: وكما أن القول بإخراج صفات الأفعال عن ظاهرها إلى المجاز مخالف لأدلة الشرع والعقل فإنه كذلك قول وادعاء مناهض لإجماع السلف الذي يقضي بحمل جميع ما وصف الله به نفسه دون ما استثناء على ظاهره. ونذكر من ذلك مما نقله عن أهل العلم الإمام الحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في كتاب (العلو للعلي الغفار وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها)، قول الخطابي صاحب معالم السنن ت 388في كتاب الغنية ونقله عنه من العلماء من لا يحصى عددهم: "فأما ما سألت عنه من الكلام في الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنن الصحيحة، فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها"[6] ، وقول القادر بالله أحمد بن المقتدر أمير المؤمنين ت422في معتقده المشهور الذي ذكر أنه هو قول أهل السنة والجماعة: "وأنه خلق العرش لا لحاجة، واستوى عليه كيف شاء لا استواء راحة، وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز"[7] ، وقول الحافظ أبي عمرو الطلمنكي ت429في كتابه الوصول إلى معرفة الأصول: "أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله (وهو معكم أينما كنتم..الحديد/4) ونحو ذلك من القرآن: أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، وقال أهل السنة في قوله (الرحمن على العرش استوى.. طه/5): أن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، فقد قال قول من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الأسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق، فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه، فإذا سُئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الاجتماع في التسمية يوجب التشبيه، قلنا هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لا يحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض.. ولو كانت الأسماء توجب اشتباهاً لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها، فنسألهم أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا نعم، قيل لهم: يلزمكم على دعوكم أن يكون مشبهاً للموجودين، وإن قالوا: موجود ولا يوجب الاشتباه بينه وبين الموجودات، قلنا فكذلك هو في سائر الصفات"[8] ، وقول حافظ المغرب ابن عبد البر صاحب التمهيد والاستذكار والاستيعاب ت368: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه"[9] ، وقول القاضي أبي يعلي ت458في (إبطال التأويل): "لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات لله عز وجل لا تشبه صفات الموصوفين بها من الخلق .. ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً- يعني على ما زعم من قال إن في الحمل على ظاهرها تشبيه- لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه"[10] ، وقول الحافظ أبي بكر الخطيب ت463: "أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها .. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات .. وإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول إنها جوارح وأدوات للفعل، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) وقوله: (ولم يكن له كفواً أحد.. الإخلاص/4)"[11] ، وقول الإمام البغوي صاحب (شرح السنة) و(معالم التنزيل) ت516في تفسير (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام): "الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله، ويعتقد أن الله منزه عن سمات الحدوث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة"[12] ، وقول الحافظ أبي القاسم التيمي الأصبهاني ت535: "مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدى وإسحاق بن راهويه، أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولا تشبيه ولا تأويل، قال ابن عيينة: كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره، أي هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل"[13] ، وقول العلامة أبي بكر محمد بن موهب في شرحه لرسالة الإمام أبي محمد بن أبي زيد بعد كلام طويل في الاستدلال على علوه سبحانه فوق عرشه: "فلما أيقن المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سماواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء، علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بوصفه بالاستواء على عرشه وأنه على الحقيقة لا على المجاز لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله إذ ليس كمثله شئ"[14] ، وقول القرطبي ت671في تفسيره لقول الله تعالى (ثم استوى على العرش.. الأعراف/54، يونس/3، الرعد/2، الفرقان/59، السجدة/4، الحديد/4): "لم ينكر أحد من السلف الصالح أن استواءه على عرشه حقيقة، وخص عرشه بذلك لأنه أعظم مخلوقاته وإنما جهلوا كيفية الاستواء"[15] . ففيما سبق - وهو قليل من كثير - ما يشير صراحة إلى أن إجماع أئمة السلف وخير القرون كان على حمل آي الصفات على ظاهرها وعلى أن علوه تعالى إنما هو علو قدر وعلو ذات لا كما يدعيه كثير من الناس أنه فقط علو قدر بعد أن تصورا وشبهوا علوه سبحانه بالعلو الحسي، وإجماعهم- كما هو معلوم- هو سبيل المؤمنين، والخارج عليه منخرط والعياذ بالله في عداد الجهمية والمعطلة والقدرية، بل ومندرج تحت من قال الله في شأنهم: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً.. النساء/ 115) كما أنه طاعن في عقيدة من قال النبي في حقهم (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، من هنا عظم النكير على خالف ذلك حتى صرح الحافظ أبو العباس السراج ت313 بأن: "من لم يقر ويؤمن بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: (من يسألني فأعطيه)، فهو زنديق كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضُربت عنقه، ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين"[16] ، وذلك كائن – بالطبع- بعد إقامة الحج التي جاءت الإشارة إليها في قول الشافعي رحمه الله: "لله أسماء وصفات لا يسع أحداً قامت عليه الحجة ردها، فإن خالف بعد ثبوت الحجة فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والفكر"، وإنه لمن الغريب حقاً ألا يرفع القائلون بمجازية صفات الأفعال وكذا من يقلدونهم رؤوسهم إلى هذه النصوص ويصرون على مخالفتها على الرغم من انسجامها مع نصوص الكتاب والسنة وأدلة العقل، وعلى الرغم من دلالتها الصريحة على إجماع الصحابة والسلف؟؟؟أمر غريب!!!. والأغرب أن تترك هذه النصوص الصريحة والدالة على ما كان عليه سلف هذه لأمة إلى مذهب المتأخرين على الرغم من تراجعهم إلى مذهب السلف، وعلى الرغم من اعترافهم بأن ما كانوا يدينون به في مسألة الصفات من صرف لها عن ظاهر معناها مما أعلنوا ندمهم عليه، وأنه من بدع المتكلمين الذين قال الحافظ الذهبي في حقهم: "فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن- يعني في إثبات الوجه واليدين واستوائه سبحانه على عرشه- ولزموها لأحسنوا، ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله"[17] . فاللهم أهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك واهدنا إلى صراطك المستقيم اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. التأويل السائغ وغير السائغ في صفات الأفعال ----------------------- [1] أي نصوص القرآن والسنة. [2] ونذكر منها على سبيل المثال: ما ذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش وفي مختصر الصواعق المرسلة، وما ذكره الحافظ الذهبي في كتابه (العلو) الذي قام الألباني باختصاره، وما ذكره الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول. [3] ينظر مختصر العلو للألباني ص 260وسير أعلام النبلاء16/214. [4] والقول بحمل هذه الآية على قوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك..النحل/33)، قول غير صحيح لاختلاف السياق في الآيتين. [5] ينظر مختصر العلو للشيخ الألباني ص280. [6] مختصر العلو ص257. [7] مختصر العلو263. [8] مختصر العلو264 بتصرف. [9] المختصر269وينظر التمهيد 7/145. [10] المختصر270. [11] لمختصر272وينظر سير أعلام النبلاء18/284. [12] المختصر280. [13] المختصر282. [14] المختصر283. [15] المختصر286. [16] المختصرص232. [17] مختصر العلو ص
|
#2
|
|||
|
|||
يقول الذهبي فيما نقله عن العلامة ابن موهب وبنحوه فيما نقله عن الإمام أبي الحسن على بن مهدي تلميذ أبي الأشعري في قوله تعالى (أأمنتم من في السماء.. الملك/16): "قال أهل التأويل: يريد فوقها، وهو قول مالك مما فهمه عمن أدرك من التابعين مما فهموه عن الصحابة مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء، يعني فوقها وعليها"[1] ، ويقول فيما نقله عن الأزهري إما م أهل اللغة: "يجوز أن يقال في المجاز هو في السماء لقوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)"[2] .. وكتفسيرهم القرب في قوله (ونحن أقرب إليه منكم) بقرب ملائكته للقرينة الشرعية المفهومة من سياق قوله: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ..الأنعام/61).. وكتفسير ابن عباس وأبي عبيدة للعلو الوارد في قوله: (ثم استوى إلى السماء..البقرة/29، فصلت/11) بـ(صعد)، وتفسير ابن راهويه والخليل والربيع بن أنس والبخاري فيما نقله عن أبي العالية للعلو الوارد في الآية الكريمة: (ثم استوى على العرش) بـ(ارتفع)، وتفسير أبي عبيدة ومجاهد له بـ(علا) وذلك فيما نقله عنه ابن جرير الذي علق عليه بقوله: "ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا" وقد ذكر الذهبي هذه التفسيرات وصرح بها [3]، وألمح إلى أن حمل الاستواء على معنى القهر أو الاستيلاء، هو مما أجمع أئمة الحديث واللغة والمحققين من أهل التفسير على بطلانه، لكونهما- ولو من غير المغالبة- مما يليقان بالمخلوق دون الخالق، يقول لغوي زمانه ابن الأعرابي ت231 لمن جادله وارتأى أنها بمعنى استولى: "اسكت ما يدريك ما هذا؟ العرب لا تقول للرجل استولى على الشئ حتى يكون له مضاد ، قال النابغة: إلا لمثلك أو من أنت سابقه * سبق الجواد إذا استولى على الأمد.. والله لا مضاد له، وهو على عرشه كما أخبر" وقد حدّث بهذا شيخ العربية ابن نفطويه ت323 ونقله عنهما الحافظ الذهبي [4]، قال علي بن مهدي تلميذ أبي الحسن الأشعري: "لما كان الباري عز وجل لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكناً لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء"، وقال: "لو كان الأمر كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول على العرش وعلى الخلق، ليس للعرش مزية.. فبان بذلك فساد قول القائل أنه بمعنى استولى"[5] .
ومن التأويل المقبول تفسير قوله تعالى: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله..الزخرف/84) بأنه (الذي يعبد في السماء ويعبد في الأرض) كما لو قال قائل: (فلان بالشام وبالعراق ملك) لدلالة العقل على أن ملكه فيهما لا ذاته، كذا ذكره ابن مهدي .. ومنه تفسير (هو معهم...المجادلة /7) بـ (علمه) وهو ما ورد عن أحمد وغيره من أئمة السلف، لدلالة النصوص على علوه سبحانه علو شأن وعلو ذات وعلى استوائه وفوقيته وتنزيهه تعالى عن الحلول والاتحاد، فهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ولا شك أن هذا النمط هو أعلى وجوه التفسير وأصوبها، واقرأ معي إن شئت قوله تعالى في صدر نفس الآية: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم .. الآية)، وقوله في عجزها: (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم...المجادلة /7)، وتأمل كيف خلص منها أهل التفسير والسلف قاطبة على أن هذا التأويل هو جمع بين نصوص الكتاب والسنة الدالين على علوه سبحانه بذاته، يقول أبو القاسم اللالكائي: "سياق ما روي في قوله: (الرحمن على العرش استوى) وأن الله على عرشه، قال الله عز وجل: (إليه يصعد الكلم الطيب)، وقال: (أأمنتم من في السماء)، وقال: (وهو القاهر فوق عباده) فدلت هذه الآيات على أنه في السماء وعلمه بكل مكان، روى ذلك عن عمر وابن عباس وأم سلمة، ومن التابعين: ربيعة وسليمان التيمي ومقاتل، وبه قال مالك والثوري وأحمد"[6] ، وقال الحافظ أبو نصر السجزي: "أئمتنا كسفيان الثوري ومالك وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة والفضيل - يعني ابن عياض- وابن المبارك وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء"، قال ابن عبد البر: "أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنه التأويل، قالوا.. هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله"، والكلام في هذا أكثر من أن يحصى، وجميعه مدون في كتاب العلو للحافظ الذهبي ويلزم مراجعته قال الإمام ابن عبد البر: "أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل .. هو سبحانه على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله"[8] ، وساق مثل هذا الإجماع فيما صرح به الحافظ الذهبي الإمام الأوزاعي، وحماد بن زيد، وابن المبارك [9]، والخزاعي، وابن راهويه [10]، وأبو زرعة الرازي القائل: "هو على عرشه وعلمه في كل مكان ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله"، والحافظ محمد ابن أبي شيبة [11]، والبوشنجي الحافظ فيما نقله عنه شيخ الإسلام الهروي، وأبو أحمد العسال [12]، والآجري، وابن بطة [13]، وابن أبي زيد شيخ المالكية، وأبو عمر الطلمنكي [14]، وأبو نصر السجري، وأبو الحسن الكرجي، وابن موهب [15]. ومن التأويل المخالف لقواعد الشرع ومبادئ اللغة وأصول الدين، ويعد مع ذلك من تحريف الكلم عن مواضعه: تأويل اليدين في قوله تعالى: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ..ص/75) بـ(العناية والحفظ) أو بـ(القدرة)، إذ أي فضيلة تكون لآدم على إبليس إن لم يكن الله قد خلقه بيده التي هي صفته، وما معنى قوله تعالى للملائكة: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون .. ومنه تأويلهم الاستواء بالاستيلاء، مستشهدين ببيت جاء على خلاف وجهه منسوب إلى رجل ليس على دين الإسلام هو الأخطل النصراني يقول فيه: قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق، تاركين وراءهم أكثر من ألف دليل من التنزيل، ومن كلام سيد المرسلين، ومتجاهلين اتفاق أئمة التفسير والحديث واللغة قرناً بعد قرن على إبطاله وعلى أنه بمعنى الاستعلاء والارتفاع .. ومنه تأويل نزوله تعالى بنزول رحمته، لبطلان هذا التأويل من عدة وجوه أهمها ما جاء في سياق بعض روايات حديث النزول من قوله عليه السلام فيما يرويه عن رب العزة: (أنا الملك) [16]، وهو صريح في حسم الخلاف، ونظيره قوله: (يستغفرني) (يدعوني)، وقوله: (فأغفر له) إلى غير ذلك مما يستحيل معه صرف اللفظ عن ظاهره وجعل المعنى يستغفر أمري أو رحمتي أو يدعو أيهما، ومن تلك الوجوه إضافة النزول إلى رب العزة صراحة في نحو ثلاثين رواية عن ثمانية وعشرين نفساً من الصحابة كلها جاءت مصرحة بلفظ: (ينزل ربنا)، وعدم وجود رواية واحدة منها بلفظ (تنزل رحمة ربنا) حتى يحمل ما خرج عن نظائره عليه، ومنها تضافر القرائن الدالة على إرادة المعنى الحقيقي كقوله: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)، وقوله: (من ذا الذي يسألني فأعطيه.. إلخ)، وقوله في بعضها: (فيكون كذلك حتى يطلع الفجر ثم يعلو على كرسيه)، فهذا وغيره مانع من حمله على المجاز.. ومن التأويل غير المشروع والمخالف لما عليه ظاهر نصوص الوحيين تأويل المجيء في قوله تعالى: (وجاء ربك..الفجر/22) بقدرته أو بمجيء أمره، فهو فضلاً عما اشتمل عليه من تكذيب لكتاب الله ولنصوص السنة المطهرة، فإن فيه خروجاً على الأصل وادعاء حذف ما لا دليل على حذفه، بل فيه مخالفة للدليل على عدم الحذف، لأن عطف مجيء المَلَك على مجيئه سبحانه دال على تغاير المجيئين وأن مجيء كلٍّ إنما هو بحسبه، ولنفس العلة يُستبعد عطف الملك على الأمر أو القدرة المقدرين إذ ذلك مما لا يستسيغه عقل، يضاف لذلك أن اطراد نسبة المجيء للفصل بين العباد يوم القيامة والإتيان ونحوهما من صفات الأفعال إليه سبحانه دليل الحقيقة، إذ لو كانا مستحيلين على الله لكانا كالأكل والنوم والغفلة ولما ساغ أن ينسبهما سبحانه إلى نفسه، بل إن في إنكار ونفي ذلك إلحاد في أسمائه وصفاته لكون المجيء والإتيان وكذا النزول والاستواء كلها من أنواع أفعاله وأفعاله كصفاته قائمة به، فكيف يتأتى نفيها عنه وهو الفعال لما يريد؟ بل كيف يتأتى نفيها ولولاها لم يكن فعالاً ولا موصوفاًً بصفات الكمال؟ لكن الأوهام الباطلة والعقول الفاسدة لمّا فهمت من نزول الرب ومجيئه وإتيانه واستوائه ما فهمته من فعل المخلوق نفتها عنه، فوقعت بذلك في محذورين: أولهما التشبيه وثانيهما التعطيل. وما ادعي على الإمام مالك في أن نزوله سبحانه نزول رحمة، وادعي على الإمام أحمد في أمر المجيء وأنه مجيء أمره وقدرته، وكذا ما احتيل به على الإمام البخاري والخطابي وسفيان الثوري، كذب وافتراء لتعارضه مع ما جاء في مذاهبهم، يقول الذهبي في تعليقه على ما ورد عن مالك من أن الاستواء منه تعالى معلوم والكيف غير معقول: "هذا ثابت عن مالك .. وهو قول أهل السنة قاطبة..أن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه وأنه كما يليق به لا نتعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاُ، بل نسكت ونقف كما وقف السلف ..ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً" [17]، ويقول أبو نصر السجزي: "أئمتنا كسفيان الثوري ومالك وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء" [18] ، ويقول أبو الحسن الأشعري: "قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث .. وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فاللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك واهدنا إلى صراطك المستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. منقول صيد الفوائد بتصرف
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|