انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


واحة أصحاب المواهب الأدبية إن كنتَ صاحبَ موهبة أدبية من شعر أو نثر أو كتابة قصصية فشاركنا بإنتاجاتك في هذا القسم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2015, 11:16 PM
كامل محمد محمد محمد عامر كامل محمد محمد محمد عامر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي الحكم على المعاني

 

ما لا يسع طالب العلم جهلة
الحكم على المعاني
إعداد
دكتور كامل محمد عامر
مختصر بتصرف
من كتاب
المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر
تأليف
نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، الجزري، أبو الفتح، ضياء الدين، المعروف بابن الأثير الكاتب
(المتوفى: 637هـ)
1436هـ ــــ 2014م
(الطبعة الأولي)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على آلائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هو أفصح من نطق بالضاد ونسخ هديه شريعة كل هاد وعلى آله وصحبه الذي منهم من سبق وبدر ومنهم من صابر وصبر ومنهم من آوى ونصر. ‏
وبعد
فالأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل.
كقوله تعالى‏:‏ {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر: 4] فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس ومن تأول ذهب إلى أن المراد هو القلب لا الملبوس وهذا لا بد له من دليل لأنه عدول عن ظاهر اللفظ.
إن المعنى المحمول على ظاهره لا يقع في تفسيره خلاف والمعنى المعدول عن ظاهره إلى التأويل يقع فيه الخلاف إذ باب التأويل غير محصور
والعلماء متفاوتون في هذا فإنه قد يأخذ بعضهم وجهاً ضعيفاً من التأويل فيكسوه بعبارته قوة تميزه على غيره من الوجوه القوية.
الفرق بين التفسير والتأويل
التفسير يطلق على بيان وضع اللفظ حقيقة ومجازاً لأنه من الفسر (الفَسْرُ: الإِبانَةُ، وكشْفُ المُغَطَّى، كالتَّفْسيرِ، والفِعْلُ كضَرَبَ ونَصَرَ، ثَعْلَبٌ: "التَّفْسيرُ والتَّأويلُ واحدٌ" أو هو كشْفُ المُرادِ عنِ المُشْكِلِ، والتأويلُ رَدُّ أحَدِ المُحْتَمِلَيْنِ إلى ما يُطابِقُالظاهِر) وهو الكشف.
وأما التأويل فإنه أحد قسمي التفسير وذاك أنه رجوع عن ظاهر اللفظ وهو مشتق من الأَوَل وهو الرجوع يقال‏:‏ آل يؤل إذا رجع وعلى هذا فإن التأويل خاص والتفسير عام فكل تأويل تفسير وليس كل تفسير تأويلاً.
لا يخلو تأويل المعنى من ثلاثة أقسام‏:‏
(1) إما أن يفهمَ منه شيءٌ واحدٌ لا يحتمل غيره
وإما أن يفهم منه الشيء وغيره وتلك الغيرية‏:‏
(2) إما أن تكون ضداً.
(3) أو لا تكون ضداً ‏.‏
فالأول: يقع عليه أكثر الأشعار ولا يجري في الدقة واللطافة مجرى القسمين الآخرين‏.‏
وأما القسم الثاني‏:‏ فإنه قليل الوقوع جداً وهو من أظرف التأويلات المعنوية لأن دلالة اللفظ على المعنى وضده أغرب من دلالته على المعنى وغيره مما ليس بضده
فمما جاء منه:
قول النبي صلى الله عليه وسلم "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" [البخاري:كِتَاب الْجُمُعَةِ بَاب فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ]فهذا الحديث يستخرج منه معنيان ضدان‏:‏
أحدهما‏:‏ أن المسجد الحرام أفضل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.‏
والآخر‏:‏ أن مسجد رسول الله ‏أفضل من المسجد الحرام‏:‏ أي أن صلاة واحدة فيه لا تفضل ألف صلاة في المسجد الحرام بل تفضل ما دونها بخلاف باقى المساجد.
وكذلك جاء قول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ" [البخاري:كِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ بَاب حَدِيثُ الْغَارِ]
وهذا يشتمل على معنيين ضدين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن المراد به إذا لم تفعل فعلاً تستحي منه فافعل ما شئت.
والآخر‏:‏ أن المراد به إذا لم يكن لك حياء يزعك عن فعل ما يستحى منه فافعل ما شئت.
وهذان معنيان ضدان أحدهما مدح والآخر ذم‏.‏
فتح البارى لابن حجر
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنْ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاس مِنْ كَلَام النُّبُوَّة )
النَّاس بِالرَّفْعِ فِي جَمِيع الطُّرُق وَيَجُوز النَّصْب أَيْ مِمَّا بَلَغَ النَّاس ، وَقَوْله " مِنْ كَلَام النُّبُوَّة " أَيْ مِمَّا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاء ، أَيْ إِنَّهُ مِمَّا نَدَبَ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاء وَلَمْ يُنْسَخ فِيمَا نُسِخَ مِنْ شَرَائِعهمْ ، لِأَنَّهُ أَمْر أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْعُقُول .
قَوْله : ( فَاصْنَعْ مَا شِئْت )
هُوَ أَمْر بِمَعْنَى الْخَبَر ،
أَوْ هُوَ لِلتَّهْدِيدِ أَيْ اِصْنَعْ مَا شِئْت فَإِنَّ اللَّه يَجْزِيك
أَوْ مَعْنَاهُ اُنْظُرْ إِلَى مَا تُرِيد أَنْ تَفْعَلهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَحَيَا مِنْهُ فَافْعَلْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحَيَا مِنْهُ فَدَعْهُ ،
أَوْ الْمَعْنَى أَنَّك إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْ اللَّه مِنْ شَيْء يَجِب أَنْ لَا تَسْتَحْيِيَ مِنْهُ مِنْ أَمْر الدِّين فَافْعَلْهُ وَلَا تُبَالِ بِالْخَلْقِ ،
أَوْ الْمُرَاد الْحَثّ عَلَى الْحَيَاء وَالتَّنْوِيه بِفَضْلِهِ ، أَيْ لَمَّا لَمْ يَجُزْ صُنْع جَمِيع مَا شِئْت لَمْ يَجُزْ تَرْك الِاسْتِحْيَاء .
ومثله ورد في الحديث النبوي أيضاً وذلك أنه ذكر شريح الحضرمي عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ ‏"‏[صحيح وضعيف سنن النسائي تحقيق الألباني :صحيح الإسناد]
وهذا يحتمل مدحاً وذماً
أما المدح فالمراد به أنه لا ينام الليل عن القرآن فيكون القرآن متوسداً معه لم يتهجد به
وأما الذم فالمراد به أنه لا يحفظ من القرآن شيئا فإذا نام لم يتوسد معه القرآن وهذان التأويلان من الأضداد‏.‏
شرح سنن النسائي
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله ( لَا يَتَوَسَّد الْقُرْآنَ )
بِنَصْبِ الْقُرْآن عَلَى الْمَفْعُولِيَّة فِي الصِّحَاح وَسَّدْته الشَّيْءَ أَيْ بِتَشْدِيدِ السِّين فَتَوَسَّدَهُ إِذَا جَعَلَهُ تَحْت رَأْسه وَفِي الْقَامُوس يَحْتَمِل كَوْنه مَدْحًا أَيْ لَا يَمْتَهِنهُ وَلَا يَطْرَحهُ بَلْ يُجِلّهُ وَيُعَظِّمهُ وَذَمًّا أَيْ لَا يُكِبّ عَلَى تِلَاوَته إِكْبَابَ النَّائِمِ عَلَى وِسَادَة وَمِنْ الْأَوَّل قَوْله صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ وَمِنْ الثَّانِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاء إِنِّي أُرِيد أَنْ أَطْلُبَ الْعِلْمَ فَأَخْشَى أَنْ أُضَيِّعَهُ فَقَالَ لَأَنْ تَتَوَسَّدَ الْعِلْمَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَتَوَسَّد الْجَهْلَ اِنْتَهَى وَكَلَام النِّهَايَة وَالْمَجْمَع يُفِيد أَنَّ التَّوَسُّدَ لَازِمٌ وَالْقُرْآن مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنُ مَعَهُ فَقَالَا أَرَادَ بِالتَّوَسُّدِ النَّوْمَ وَالْكَلَام يَحْتَمِل الْمَدْحَ أَيْ لَا يَنَام اللَّيْل عَنْ الْقُرْآن فَيَكُون الْقُرْآن مُتَوَسِّدًا مَعَهُ بَلْ هُوَ يُدَاوِم عَلَى قِرَاءَته وَيُحَافِظ عَلَيْهَا وَالذَّمّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْفَظ مِنْ الْقُرْآن شَيْئًا أَوْ لَا يُدِيم قِرَاءَته فَإِذَا نَامَ لَمْ يَتَوَسَّد مَعَهُ الْقُرْآن . وَالْوَجْه هُوَ الْأَوَّل وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .
حَاشِيَةُ السِّيُوطِيِّ :
( لَا يَتَوَسَّد الْقُرْآن )
قَالَ فِي النِّهَايَة يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَدْحًا وَذَمًّا فَأَمَّا الْمَدْح فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنَام اللَّيْل عَنْ الْقُرْآن وَلَا يَتَهَجَّد بِهِ فَيَكُون الْقُرْآن مُتَوَسِّدًا مَعَهُ بَلْ هُوَ يُدَاوِم قِرَاءَته وَيُحَافِظ عَلَيْهَا وَالذَّمّ مَعْنَاهُ لَا يَحْفَظ مِنْ الْقُرْآن شَيْئًا وَلَا يُدِيم قِرَاءَته فَإِذَا نَامَ لَمْ يَتَوَسَّد مَعَهُ الْقُرْآن وَأَرَادَ بِالتَّوَسُّدِ النَّوْم
وكثيراً ما يرد أمثال ذلك في الأحاديث النبوية‏.‏
ويجري على هذا النهج من الشعر قول أبي الطيب في قصيدة يمدح بها كافوراً‏:‏
وأظلم أهل الظلم من بات حاسداً
لمن بات في نعمائه يتقلب
وهذا البيت يستخرج منه معنيان ضدان‏:‏
أحدهما: أن المنعم عليه يحسد المنعم
والآخر‏:‏ أن المنعم يحسد المنعم عليه‏.‏
وأم القسم الثالث فإنه يكون أكثر وقوعاً من القسم الثاني وهو واسطة بين طرفين لأن القسم الأول كثير الوقوع والقسم الثاني قليل الوقوع وهذا القسم الثالث وسط بينهما‏.‏
فمما جاء منه قوله تعالى‏:‏ ‏{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فإن هذا له وجهان من التأويل‏:‏
أحدهما القتل الحقيقي الذي هو معروف.
والآخر هو القتل المجازي وهو الإكباب على المعاصي فإن الإنسان إذا أكب على المعاصي قتل نفسه في الآخرة‏.‏
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"ولا تقتلوا أنفسكم"، ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملة واحدة، ودعوة واحدة، ودين واحد. فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضَهم من بعض. وجعل القاتل منهم قتيلا = في قتله إياه منهم = بمنزلة قَتله نفسه، إذ كان القاتلُ والمقتول أهلَ يد واحدة على من خالف مِلَّتَهُما.
تفسير القرطبى
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ- قَرَأَ الْحَسَنُ (تُقَتِّلُوا) عَلَى التَّكْثِيرِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ النَّهْيُ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا. ثُمَّ لَفْظُهَا يَتَنَاوَلُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ بِقَصْدٍ مِنْهُ لِلْقَتْلِ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدنيا وطلب المال بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسُهُ عَلَى الْغَرَرِ الْمُؤَدِّيَ إِلَى التَّلَفِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) فِي حَالِ ضَجَرٍ أَوْ غَضَبٍ، فَهَذَا كُلُّهُ يتناول النَّهْيُ. وَقَدِ احْتَجَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِهَذِهِ الْآيَةِ حِينَ امْتَنَعَ مِنَ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حِينَ أَجْنَبَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ، فَقَرَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتِجَاجَهُ وَضَحِكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ شيئا. خرجه أبو داود وغيره، وسيأتي.
ومن ذلك ما ورد في قصة إبراهيم وذبح ولده عليهما السلام فقال الله تعالى حكاية عنه {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 99 - 112]فقوله تعالى‏:‏ { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قد يكون بشارة بنبوته بعد البشارة بميلاده وقد يكون استئنافاً بذكره بعد ذكر إسماعيل عليه السلام وذبحه والتأويل متجاذب بين هذين الأمرين ولا دليل على الاختصاص بأحدهما ولم يرد في القرآن ما يدل على أن الذبيح إسماعيل ولا إسحاق عليهما السلام وكذلك لم يرد في الأخبار التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏وأما ما يروى عنه أنه قال ‏"‏ أنا ابن الذبيحين ‏"‏ فخارج عن الأخبار الصحيحة وفي التوراة أن إسحاق عليه السلام هو الذبيح‏.‏ السلسلة الضعيفة (1/ 408) " أنا ابن الذبيحين " .قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 500 ) :لا أصل له بهذا اللفظ . و في " الكشف " ( 1 / 199 ) : قال الزيلعي و ابن حجر في " تخريج الكشاف " : لم نجده بهذا اللفظ . قلت : الحديث في التخريج ( 4 / 141 ) و نص ابن حجر فيه : قلت : بيض له – يعني الزيلعي - و قد أخرجه .قلت : كذا قال ، و الظاهر أنه ترك بياضا في الأصل بعد قوله : أخرجه ، لإملائه فيما بعد فلم يتمكن ، و كأنه كان يظن أن له أصلا فلم يجده ، والله أعلم .و قد وجدت الحاكم قد علق هذا الحديث مجزوما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في " المستدرك " ( 2 / 559 ) بعد أن روى أثرين عن ابن عباس و ابن مسعود أن الذبيح هو إسحاق : و قد كنت أرى مشايخ الحديث قبلنا و في سائر المدن التي طلبنا الحديث فيه وهم لا يختلفون أن الذبيح إسماعيل ، و قاعدتهم فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا ابن الذبيحين " إذ لا خلاف أنه من ولد إسماعيل و أن الذبيح الآخر أبوه الأدنى عبد الله بن عبد المطلب ، و الآن فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال : إنه إسحاق . قلت : فلعل الحاكم يشير بالحديث المذكور إلى ما أخرجه قبل صفحات ( 2 / 551 ) من طريق عبد الله بن محمد العتبي ، حدثنا عبد الله بن سعيد ( عن ) الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل و إسحاق ابني إبراهيم فقال بعضهم : الذبيح إسماعيل ، و قال بعضهم : بل إسحاق الذبيح ، فقال معاوية : سقطتم على الخبير ، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه الأعرابي فقال : يا رسول الله خلفت البلاد يابسة ، و الماء يابسا ، هلك المال و ضاع العيال ، فعد علي بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم و لم ينكر عليه ، فقلنا : يا أمير المؤمنين و ما الذبيحان ؟ قال : إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده ، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله ، فأراد ذبحه ، فمنعه أخواله من بني مخزوم و قالوا : أرض ربك و افد ابنك ، قال : ففداه بمئة ناقة ، قال :فهو الذبيح ، و إسماعيل الثاني ، و سكت عليه الحاكم ، لكن تعقبه الذهبي بقوله : قلت : إسناده واه ، و قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 4 / 18 ) بعد أن ذكره من هذا الوجه من رواية ابن جرير : و هذا حديث غريب جدا .و أما ما في " الكشف " نقلا عن " شرح الزرقاني " على " المواهب " : و الحديث حسن بل صححه الحاكم و الذهبي لتقويه بتعدد طرقه ، فوهم فاحش ، فإنما قال الزرقاني : هذا في حديث " الذبيح إسحاق " و فيه مع ذلك نظر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . ثم إن صاحب " الكشف " عقب على ما سبق بقوله : و أقول : فحينئذ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب و في إسناده من لا يعرف .قلت : و قد عرفت أن الطرق المشار إليها في كلام الزرقاني ليست لهذا الحديث ،فقد اتفق قول الذهبي و السيوطي على تضعيفه . و من جهل الدكتور القلعجي أنه جزم بنسبة حديث الترجمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تعليقه على " ضعفاء العقيلي " ( 3 / 94 ) ثم ساق عقبه حديث الحاكم و سكت عنه متجاهلا تعقب الذهبي ! و بناء على جزمه ذكره في " فهرس الأحاديث
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه‏:‏ ‏"‏ أطولكن يداً أسرعكن لحوقاً بي ‏"‏
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ [البخاري:كِتَاب الزَّكَاةِ فَضْلِ صَدَقَةِ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ]
فتح الباري لابن حجر
وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهُوَ لَفْظ " أَطُولُكُنَّ " إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْذُور . قَالَ الزَّيْن بْن الْمُنَيِّرِ : لَمَّا كَانَ السُّؤَال عَنْ آجَال مُقَدَّرَة لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ أَجَابَهُنَّ بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ وَأَحَالَهُنَّ عَلَى مَا لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا بِآخَرَ . وَسَاغَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ . وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَمَلَ الْكَلَام عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ لَمْ يُلَمْ وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَجَازه ، لِأَنَّ نِسْوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلْنَ طُولَ الْيَدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِنَّ فلما مات صلوات الله عليه جعلن يطاولن بين أيديهن حتى ينظرن أيتهن أطول يداً ثم كانت زينب أسرعهن لحوقاً به وكانت كثيرة الصدقة فعلمن حينئذ أنه لم يرد الجارحة وإنما أراد الصدقة فهذا القول يدل على المعنيين المشار إليهما‏.‏
ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال‏:‏ خدمت رسول الله عشر سنين فلم يقل لشيءٍ فعلته لم فعلته ولا لشيءٍ لم أفعله لم لا فعلته
تحقيق الاحتجاج بالقدر لابن تيمية (ص: 43)
قال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته؟ وكان بعض أهله إذا أعتبني على شيء يقول: دعوه دعوه فلو قضي شيء لكان [الاحتجاج بالقدر لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية تحقيق الألباني: صحيح]
وهذا القول يحتمل وجهين من التأويل‏:‏
أحدهما وصف رسول الله ‏ ‏بالصبر على خلق من يصحبه.
والآخر أنه وصف نفسه بالفطنة والذكاء فيما يقصده من الأعمال كأنه متفطن لما في نفس رسول الله ‏ ‏فيفعله من غير حاجة إلى استئذانه‏.‏
وظفرت الحرورية برجل فقالوا له‏:‏ ابرأ من علي وعثمان فقال‏:‏ أنا من علي ومن عثمان أبرأ
فهذا يدل على معنيين أحدهما أنه بريء من عثمان وحده والآخر‏:‏ أنه بريء منهما جميعا والرجل لم يرد إلا الوجه الأول‏.‏
وعلى هذا ورد قول أبي تمام‏:‏
بالشعر طولٌ إذا اصطكت قصائده
في معشرٍ وبه عن معشرٍ قصر
فهذا البيت يحتمل تأويلين‏:‏
أحدهما أن الشعر يتسع مجاله بمدحك ويضيق بمدح غيرك يريد بذلك أن مآثره كثيرة ومآثر غيره قليلة
والآخر‏:‏ أن الشعر يكون ذا فخر ونباهة بمدحك وذا خمول بمدح غيرك فلفظة الطول يفهم منها ضد القصر ويفهم منها الفخر من قولنا ‏"‏ طال فلان على فلان ‏"‏ أي فخر عليه‏.‏
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
وهذا يحتمل وجهين من التأويل‏:‏
أحدهما أنه أراد بسعي الدهر سرعة تقضي الأوقات مدة الوصال فلما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون والبطء
والآخر أنه أراد بسعي الدهر سعي أهل الدهر بالنمائم والوشايات فلما انقضى ما كان بينهما من الوصل سكنوا وتركوا السعاية
وهذا من باب وضع المضاف إليه مكان المضاف كقوله تعالى‏:‏ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } [يوسف: 82] أي أهل القرية‏.‏
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-13-2015, 04:12 PM
أبوأنس هدي القرآن أبوأنس هدي القرآن غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

احسنت واجدت بارك الله فيكم ( متابع )
التوقيع


علي الفيس
خاطري خاطرك
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:32 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.