عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
فتنةُ الديمقراطية
الشرك بقهره والصلاة والسلام خاتم الانبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً ام بعد فأن زماننا زمان فتن وكل يوم يمر على الناس الا وفتن تظهر لهم فالناجي والثابت من تمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيهِ صلى الله عليه وسلم ومن اتخذ طريق البدع والاهواء واهل الفلسفة والكلام وقع في الفتن اعاذنا الله والمسلمين منها ومن الفتن التي ظهرت في هذا الزمان حتى تكاد تكون ديناً مستقلاً بل اصبحت ديناً له ثوابته وعقيدته وله من يدافع عنه ويشن الحروب على من ينكر ويجحد ويكفر بالديمقراطية فهي فتنةٌ وقع فيها الكثير ومن الحماقة عند دعاة هذا الدين ان غلفوه باغلفة وعناوين ليخدعوا به المساكين الذين لايميزون بين صحيح القول من سقيمه ومن ظمن هذه الاغلفة والشبه هي قولهم ان الديمقراطية هي نفس مبدأ الشورى وانا لله وانا اليه راجعون فبما ان الديمقراطية تنسف اصل الدين وقواعده وثوابته فكان لزامن الرد على دعاتها حتى لا ينسب احد الديمقراطية للاسلام لان الديمقراطية دين ومبدأ يقول(إنِ الحكم إلا للشعب) والاسلام يقول (إنِ الحكم إلا لله)فشتان بين التوحيد والكفر وفي هذا المقام انقل لكم كتاباً للشيخ(ابو محمد المقدسي) حفظه الله تعالى بعنوان الديمقراطيّة دين " ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه" تأليف الشيخ أبي محمد عاصم المقدسي مقدمة الناشر الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشرِّكون. والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته وتمسك بسنّته إلى يوم الدين. وبعد.. فإننا نقدم للقراء الكرام كتاباً نفيساً، وهو على صِغر حجمه، وقِلَّة عدد صفحاته، مليءٌ بالأجوبة الكافية لمن سأل عن دين الديمقراطية والاشتراك في البرلمانات التشريعية الشركية، وهو للأخ الفاضل ـ أبي محمد عاصم المقدسي ـ أحد الدعاة الذين وقفوا أنفسهم على نشر العلم وتحصيله، مع الجهر بالحق، داعين له بالتوفيق والسداد والقبول، وأن ينفع الله به وبعلمه إنه جوادٌ كريم. وندعوا القراء الباحثين عن الحق أن يقرأوا هذه الرسالة متجردين لله من أجل الوصول إلى الحق واتباعه. اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه. نسأل الله العلي القدير أن يجعل العمل خالصاً لوجه الكريم، نافعاً لعباده. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. الناشر بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.. وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو حسبنا ونعم الوكيل... وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله هو قائدنا وأسوتنا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين... وبعد: فهذه ورقات سطرتها على عُجالة بين يدي الانتخابات البرلمانية التشريعية الشركية، وذلك بعد أن فُتِن النّاس بفتنة الديمقراطية، وجادل عنها المجادلون من الطواغيت المنخلعين من الدين أو ممن لبسوا لباس الدين والدعوة إليه… ولبّسوا الحق بالباطل، فتارة يسمونها حرية… وتارة شورى، وتارة يحتجون لها بولاية يوسف عليه الصلاة والسلام عند الملك، وتارةً بحُكم النجاشي… وأخرى بالمصالح والاستحسانات… ليُموّهوا الحق بالباطل على الطغام، وليخلطوا النور بالظلام، والشرك بالتوحيد والإسلام… وقد رددنا فيها بتوفيق الله تعالى علـى جميع هذه الشبه وبيّنا أن الديمقراطية دين غير دين الله وملّة غير ملّة التوحيد، وأنَّ مجالسها النيابية ليست إلا صروحاً للشرك ومعاقل للوثنية يجب اجتنابها لتحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد بل والسعي لهدمها ومُعاداة أوليائها وبُغضهم وجهادهُم... وأنَّ هذا ليس أمراً اجتهادياً كما يحلو لبعض الملبِّسين أن يجعلوه... بل هو شركٌ واضحٌ مستبين وكفرٌ بواحٌ صراح قد حذر الله تعالى منه في محكم تنزيله، وحاربه المصطفى صلى الله عليه وسلم طيلة حياته... فاحرص أخا التوحيد أن تكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأنصاره الذين يُنابذون الشرك وأهله، وبادر في ظل هذه الغربة باللحاق بركب الطائفة القائمة بدين الله تعالى، التي قال المصطفى صلى الله عليه وسلم عنها: (لا تزال طائفةٌ من أُمتي قائمةً بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله). جعلني الله وإياك منهم، والحمد لله أولاً وآخراً. أبو محمد عاصم المقدسي فصل في بـيان أصل الأصول والغاية من الخلق وإنـزال الكتب ودعوة المرسلين وملة ابراهيم والعروة الوثقى التي عليها مدار النجاة اعلم رحمك الله تعالى أنَّ رأس الأمر وأصله وعموده، وأول ما افترض الله على ابن آدم تعلمه والعمل به، قبل الصلاة والزكاة وسائر العبادات، هو الكفر بالطاغوت واجتنابه، وتجريد التوحيد لله تعالى. فلأجل ذلك خلق الله سبحانه الخلق وبعث الرسل وأنزل الكتب وشرع الجهاد والاستشهاد... ومن أجله كانت الخصومة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ومن أجله أصلاً تقوم الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة... قال تعالى: {وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون}(1) أي: ليعبدونني وحدي.. وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(2). وهذا الأمر أعظم عروة من عُرى الإسلام، و لاتقبل دعوة ولا جهاد ولا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج إلا به، ولا يمكن النجاة من النار دون التمسك به، إذ هو العروة الوحيدة التي ضمن الله تعالى لنا ألا تنفصم... أما ما سواها من عُرى الدين وشرائعه فلا تكفي وحدها دون هذه العروة للنجاة... قال تعالى: {قد تبيَّن الرُّشد مِن الغَيِّ فمن يكفر بالطاغوت ويُؤمن بالله فقد استمسك بالعُروة الوُثقى لا انفصام لها...}(3). وقال سبحانه: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهمُ البشرى فبشر عباد}(4). وتأمل كيف قدّم الله الكفرَ بالطاغوت واجتنابه في الذكر على الإيمان به والإنابة إليه سبحانه.. تماماً كما قدم النفي على الإثبات في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)... وما ذلك إلا تنبيهاً على هذا الركن العظيم من هذه العروة الوثقى، فلا يصح الإيمان بالله ولا ينفع إلا بالكفر بالطاغوت أولاً... والطاغوت الذي يجب عليك أن تكفر به وتجتنب عبادتَه لتستمسك بعروة النجاة الوثقى ليس فقط أحجاراً وأصناماً وأشجاراً وقبوراً تُعبد بسجود أو دعاء أو نذر أو طواف وحسب... بل هو أعم من ذلك... فيشمل (كلَّ معبودٍ عُبِد من دون الله تعالى بأي نوعٍ من أنواع العبادة وهو غير منكر لذلك)(5). فالطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة المخلوق حده الذي خلقه الله له... والعبادة أنواع، فكما أن السجود والركوع والدعاء والنذر والذبح عبادة فكذلك الطاعة في التشريع عبادة... قال تعالى عن النصارى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}(6). وهم لم يكونوا يسجدون أو يركعون لأحبارهم... لكن أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال وتواطؤوا معهم على ذلك فجعل الله تعالى ذلك اتخاذاً لهم أرباباً... لأن الطاعة في التشريع عبادة لا يجوز أن تُصرف لغير الله... فلو صرفها المرء لغير الله تعالى ولو في حُكمٍ واحدٍ كان بذلك مشركاً... ويدل على هذا دلالة واضحة تلك المناظرة التي حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان في شأن الميتة وتحريمها، حيث أراد المشركون أن يُقنعوا المسلمين بأنه لا فرق بين الشاة التي يذبحها المسلمون وبين الشاة التي تموت وحدها، بحجةٍ وشبهةٍ أنَّ الميتة إنما ذبحها الله تعالى، فأنزل الله تعالى حكمه في هذه الواقعة من فوق سابع سماءٍ فقال تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}(7). فيدخل في مسمى الطاغوت كلُّ من جعل من نفسه مُشرِّعاً مع الله سواء كان حاكماً أو محكوماً، نائباً في السلطة التشريعية أو منوباً عنه ممن انتخبوه... لأنه قد جاوز بذلك حده الذي خلقه الله تعالى له، إذ هو خُلق عبداًلله، وأمره مولاه أن يستسلم لشرعه فأبى واستكبر وطغى وتعدّى حدود الله تعالى، فأراد أن يَعْدِل نفسَهُ بالله ويُشاركه بصفة التشريع التي لا يجوز أن يُوصف بها غير الله عز وجل... وكل من فعل ذلك فقد جعل من نفسه إلهاً مُشرِّعاً، وهذا لاشك من رؤوس الطواغيت التي لا يصح توحيد المرء وإسلامُهُ حتى يكفر بها ويجتنبها ويبرأ من عبيدها وأنصارها... قال تعالى: {يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به}(8). يقول مجاهد: (الطاغوت.. الشيطان في صورة الإنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمْرِهِم). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: (ولهذا سُمِّيَ من تُحوكِم إليه من حاكمٍ بغير كتاب الله: طاغوت)(9). ويقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: (الطاغوت كلُّ ما تجاوز به العبدُ حدَّه من معبودٍ أو متبوعٍٍ أو مُطاعٍٍ؛ فطاغوتُ كلِّ قومٍ مَنْ يتحاكمون إليه غيرَ الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعةٌ لله)(10). ويقول أيضاً: (من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه)(10). فمن أنواع الطواغيت المعبودة من دون الله تعالى في هذا الزمان، والواجبُ على كلِّ موحِّد أن يكفر بها ويتبرأ منها ومن أتباعها ليستمسك بالعروة الوثقى وينجوَ من النَّار؛ هذه الآلهة الزائفة والأرباب المزعومون الذين اتخذهم كثيرٌ من الخلق شركاء مشرِّعين من دون الله تعالى... {أمْ لهم شُركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمةُ الفصل لقُضِيَ بينهم...}(11). حيث تابعوهم على جعل التشريع حقاً وصفةً لهم ولبرلماناتهم وهيئاتهم الحاكمة الدولية أو الإقليمية أو المحلية... ونصوا على ذلك في قوانينهم ودساتيرهم وهو معروفٌ مشهورٌ عندهم(12) فكانوا بذلك أرباباً لكلِّ من أطاعهم وتابعهم وتواطأ معهم على هذا الكفر والشرك الصُراح كما حكم الله تعالى على النصارى لما تابعوا الأحبار والرهبان في مثل ذلك... بل حال هؤلاء شرٌّ وأخبث لأن أولئك الأحبار فعلوه وتواطؤوا عليه ولم يُقننوه أو يُنظموه، ولا جعلوا له دساتير وكتباً ومراسيم، يُعاقب الخارج عنها والطاعن فيها، ويعدلون بها كتاب الله بل تُهيمن وتحكم عليه، كما هو حال هؤلاء... إذا فهمتَ هذا، فاعلم أن أعظمَ درجاتِ التمسك بهذه العروة الوثقى وأعلى مراتب الكفر بالطاغوت، هو ذِروة الإسلام، أعني جهاده، وجهاد أوليائه وأتباعه والسعي لهدمه، وإخراج النّاس من عبادته إلى عبادة الله سبحانه وحده... ومِن ذلك الصدع بهذا الحق وإعلانه كما كان شأن الأنبياء وطريقتهم التي بيّنها الله تعالى لنا أحسنَ بيان، عندما أمرنا بالإقتداء بملَّة إبراهيم ودعوته فقال: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه (13) إذ قالوا لقومهم إنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تُؤمنوا بالله وحده}(14). فقوله: {بدا} أي ظهر وبان... وتأمل تقديمَ العداوة على البغضاء، لأنها أهم لأنَّ الإنسان قد يُبغض أولياءَ الطاغوت ولا يُعاديهم فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء... وتأمل كيف ذكر الله تعالى براءتهم من الأقوام المشركين قبل البراءة مما يعبدون لأنَّ الأولى أهم من الثانية... وذلك لأن كثيراً من النَّاس قد يتبرء من الأصنام والطواغيت أو الدساتير والقوانين والأديان الباطلة ولا يتبرأ من عبيدها وأنصارها وأشياعها... فلا يكون آتياً بالواجب... لكن إذا تبرأ من عبيدها المشركين فهذا يستلزم البراءة من معبوداتهم وأديانهم الباطلة... (15). أما أدنى تلك الدرجات الواجبة على كلِّ مُكَلَّفٍ، ولا ينجو المرءُ إلا بها... فهي اجتنابُ الطاغوت وعدم عبادته أو مُتابعته على شركه وباطله.. قال تعالى: {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(16). وقال تعالى: {واجتنبوا الرجس من الأوثان}(17). وقال عن دعاء إبراهيم: {واجْنُبْنِي وبنيّ أن نعبد الأصنام}(18). وهذا إنْ لم يحققه المرءُ في الدنيا فيجتنبَ الطاغوت وعبادته أو متابعته الآن، فسيكون في الآخرة من الخاسرين... ولن ينفعه أو يُغنيَ عنه وقتها شيء آخر من الدين إن فرط بهذا الأصل الأصيل، وسيندم حين لا ينفع الندم حيث سيتمنى لو يرجع إلى الدنيا ليحقق هذا الركن العظيم وليستمسك بهذه العروة الوثقى، ويتبع هذه الملّة العظيمة... قال تعالى: {إذْ تبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا ورأوُا العذاب وتقطَّعت بهمُ الأسباب * وقال الذين اتَّبَعوا لو أن لنا كرةً فنتبرأ منهم كما تبرءُوا منا كذلك يُريهِمُ الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار}(19). لكن هيهاتَ... هيهات، قد فات الأوان وليس مِن كَرةٍ ولا رجعةٍ إلى الدنيا، فإن كنتَ يا عبد الله ترومُ النّجاة وترجو رحمة ربّك التي كتبها للذين يتقون فاجتنب الطواغيت كلَّها، واتقِ شركهم الآن الآن... فإنه لا يجتنبهم يوم القيامة وينجو من مصيرهم في الآخرة إلا مَن فارقهم واجتنبهم في الدنيا... أما من رضي بدينهم الباطل وتابعهم عليه فإنَّ منادياً في عرصات القيامة يُنادي: (من كان يعبدُ شيئاً فليتبعه، فيتبعُ من كان يعبدُ الشمس الشمس، ويتبعُ من كان يعبدُ القمر القمر، ويتبعُ من كان يعبدُ الطواغيت الطواغيت..) إلى قوله في الحديث عن المؤمنين حين يقال لهم: (ما يحبسكم وقد ذهب النّاس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادي، ليلحق كلُّ قومٍ بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربَّنا)(20). فتأمل قولَ المؤمنين: (فارقناهم ونحن أحوجُ منا إليه) أي: فارقناهم في الدنيا... ونحن نحتاج إلى درهمهم ودينارهم وأمور دنياهم... فكيف لا نفارقهم في هذا المقام العظيم... ففي هذا بعض معالم الطريق... ومنه قول الله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون}(21). أزواجهم أي: أمثالهم وقرناءهم وأشياعهم وأنصارهم على باطلهم... ثم يقول الله تعالى بعد ذلك: {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون}(22). فإياك يا عبد الله أن تُعرض عن كلمة التوحيد وتُفرّط في إثبات ما أثبتته ونفيِ ما نفته وتستكبر عن اتباع الحق وتصر على نُصرة الطاغوت فتكون مع الهالكين... وتُشاركهم في مصيرهم... ثم اعلم أنَّ الله تعالى ضمّن هذا التوحيد الخالص وهذا الأصلَ الأصيل؛ دين الإسلام، واصطفاه لعباده الموحِّدين، فمن جاء به قُبِلَ منه، ومن جاء بغيره من الأديان رد في وجهه وكان من الخاسرين... قال تعالى: {ووصى بها إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون}(23). وقال تعالى: {إنَّ الدينَ عِندَ الله الإسْلاَم}(24). وقال: {ومَن يَبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(25). وإياك أن تُحَجِّر لفظةَ الدين فقط على النصرانية واليهودية ونحوِها... فتتبع غيرها من الأديان الضالة فتضل... فهي تشملُ كلَّ ملّةٍ أو منهجٍ أو نظامَ حُكمٍ أو قانونٍ من القوانين التي يتبعها الخلق ويدينون لها... فكلُّ ذلك أديان يجب البراءة منها واجتنابها... والكفر بها واجتناب أهلها... حاشى ملَّةَ التوحيد ودين الإسلام... قال تعالى آمراً لنا أنْ نقول لكلِّ الكفار على اختلاف ملّلهم ونحلّهم: {قل يا أيها الكافرون * لا أعبدُ ما تعبدون... إلى قوله تعالى.. لكم دينكم ولي دين}... فكلِّ ملَّةٍ من ملل الكفر اجتمعت على نظام ومنهاج يُخالف ويُضاد دين الإسلام فهو دينهم الذي ارتضوه... فيدخل في ذلك الشيوعية والإشتراكية والعلمانية والبعثية ونحوها من المبادئ والمناهج المبتدعة التي اخترعها الخلق بأفكارهم المتهافتة وارتضوها أدياناً لهم... ومن ذلك (الديمقراطية) فإنها دينٌ غير دين الله تعالى... وإليك كلمات عابرة في بيان ضلال هذا الدين المبتدع المخترع الذي فُتن به كثيرٌ من الخلق، بل كثيرٌ ممن ينتسبون للإسلام، لتعلم أنه ملَّةٌ غير ملَّةِ التوحيد وسبيلٌ من السبل المنحرفة عن الصراط التي يقف على باب كلِّ واحدٍ منها شيطان يدعو إلى النَّار... فتجتنبه... وتدعو النَّاس إلى اجتنابه. وذلك... تذكيراً للمؤمنين... وتنبيهاً للغافلين... وإقامةً للحجة على المعاندين... ومعذرةً إلى ربِّ العالمين... فصل اعلم أن أصل هذه اللفظة الخبيثة (الديمقراطية) يوناني وليس بعربي... وهي دمجٌ واختصارٌ لكلمتين؛ (ديموس) وتعني الشعب.. و (كراتوس) وتعني الحكم أو السلطة أو التشريع... ومعنى هذا أن ترجمة كلمة (الديمقراطية) الحرفية هي: (حكم الشعب) أو (سلطة الشعب) أو (تشريع الشعب)..الديمقراطية دينٌ كفريٌّ مبتدع وأهلها بين أرباب مشرِّعين وأتباع لهم عابدين وهذا هو أعظمُ خصائص الديمقراطية عند أهلها... ومن أجله يلهجون بمدحها، وهو يا أخا التوحيد في الوقت نفسه من أخص خصائص الكفر والشرك والباطل الذي يناقض دين الإسلام وملَّةَ التوحيد أشدَّ المناقضة ويُعارضه أشدَّ المعارضة... لأنك قد عرفتَ فيما مضى أنَّ أصل الأصول الذي خُلق من أجله الخلق وأنُزلت الكتب وبُعث الرسل، وأعظم عُروة في الإسلام هو توحيد العبادة لله تعالى واجتنابُ عبادة ما سواه.. وأنَّ الطاعة في التشريع مِن العبادات التي يجب أن تُوّحد لله تعالى وإلا كان الإنسان مُشركاً مع الهالكين.. وسواءٌ طبقت هذه الخاصية في الديمقراطية على حقيقتها، فكان الحكم للجماهير أو غالبية الشعب، كما هي أسمى أماني الديمقراطيين من علمانيين أو منتسبين للدين.. أو بقي على ما هو عليه في الواقع اليوم، حيث هو: حكم الملأ من الحكام وعصابتهم المقربة إليهم من عائلاتهم أو كبار التجار (الهوامير) والأثرياء الذين بيدهم رؤوس الأموال ووسائل الإعلام ويستطيعون بواسطتها أن يصلوا أو يُوصلوا إلى البرلمان (صرح الديمقراطية) من يشاؤون... كما يستطيع مولاهم أو ربُّهم (الملك أو الأمير) أن يحلَّ المجلس ويربطه في أي وقتٍ شاء وكيفما شاء... فالديمقراطية على أي الوجهين كفرٌ بالله العظيم وشركٌ بربِّ السماوات والأرضين ومناقضةٌ لملِّةِ التوحيد ودين المرسلين... لأسباب عديدة وعديدة... منها:- أولاً: لأنها تشريعُ الجماهير أو حكمُ الطاغوت وليست حُكمَ الله تعالى... فالله جل ذكره يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بما أنزل الله عليه، وينهاه عن اتباع أهواء الأمة أو الجماهير أو الشعب، ويُحَذِّره من أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله عليه فيقول سبحانه وتعالى: {وأنِ احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}(26)... هذا في ملَّةِ التوحيد ودين الإسلام.. أما في دين الديمقراطية وملَّةِ الشرك فيقول عبيدها: (وأنِ احكم بينهم بما ارتضى الشعب واتبع أهواءهم واحذر أن تُفتن عن بعض ما يُريدون ويشتهون ويُشرِّعون)... هكذا يقولون... وهكذا تقرر الديمقراطية، وهو كفرٌ بواحٌ وشركٌ صراحٌ لو طبقوه... ومع هذا فالحق أن واقعهم أنتن من ذلك فإنه لو تكلم عن حالهم لقال: (وأنِ احكم بينهم بما يهوى الطاغوت وملؤه، ولا يُسن تشريعٌ ولا قانونٌ إلا بعد تصديقه وموافقته...)!!! هذا ضلالٌ مبينٌ واضحٌ أبداً بل هو الشركُ بالمعبودِ عُدواناً ثانياً: لأنها حُكم الجماهير أو الطاغوت، وفقاً للدستور وليس وِفقاً لشرع الله تعالى... وهكذا نصت دساتيرهم وكُتبهم(27)التي يقدسونها أكثر من القرآن بدليل أن حُكمها مُقدّم على حُكمه وشرعها مُهيمنٌ على شرعه.. فالجماهير في دين الديمقراطية لا يقبل حُكمها وتشريعها ـ هذا إذا حَكمت فعلاً ـ إلا إذا كان مُنطلقاً من نصوص الدستور وَوِفقاً لمواده لأنه أبو القوانين وكتابها المقدس عندهم... ولا اعتبار في دين الديمقراطية لآيات القرآن أو لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يمكن سن تشريعٍ أو قانون وِفقاً لها إلا إذا كانت مُوافقة لنصوص كتابهم المقدس (الدستور).. واسألوا فقهاء!! القانون عن هذا إنْ كنتم في مِرية منه...الله يقول: {فإنْ تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرسول إنْ كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}(28). ودين الديمقراطية يقول: (إن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الشعب ومجلسه ومليكه وفقاً للدستور الوضعي والقانون الأرضي)..!! {أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون ا لله أفلا تعقلون}(29). وعلى هذا فلو أرادت الجماهير تحكيم شرع الله تعالى عن طريق دين الديمقراطية هذا ومن خلال مجالسه الشركية التشريعية.. فلا يمكنها ذلك ـ إنْ سمح الطاغوت بذلك ـ إلا عن طريق الدستور ومن خلال مواده ونصوصه... لأنه هو كتاب الديمقراطية المقدس أو قُل توراتها وإنجيلها المحرّف تِبعاً للأهواء والشهوات... ثالثاً: إنَّ الديمقراطية ثمرةُ العلمانية الخبيثة وبنتها غير الشرعية... لأن العلمانية: مذهبٌ كفريٌّ يرمي إلى عزل الدين عن الحياة أو فصل الدين عن الدولة والحكم... والديمقراطية: هي حكمُ الشعب أو حُكم الطاغوت... لكنَّها على جميع الأحوال ليست حكم الله الكبير المتعال، فهي كما عرفت لا تضع أي اعتبار لشرع الله تعالى المحكم إلا إذا وافق قبل كلِّ شيءٍ مواد الدستور، وثانياً؛ أهواء الشعب، وقبل ذلك كلِّه رغبات الطاغوت أو الملأ... لذلك لو قال الشعب كُله للطاغوت أو لأرباب الديمقراطية: نريد أن نُحكم بما أنزل الله، ولا يكون لأحدٍ لا الشعب ولا مُمثيله من النواب ولا الحاكم حق في التشريع أبداً... ونريد أن نُنفذ حُكم الله في المرتد وحُكم الله في الزاني والسارق وشارب الخمر...و... ونُريد أن نُلزم المرأة بالحجاب والعفاف... ونمنع التبرج والعُري والخنا والفجور والزنا واللواط وغير ذلك من الفواحش... سيقولون لهم على الفور: هذا مناقضٌ لدين الديمقراطية وحريته..!!! إذاً هذه هي حرية الديمقراطية: التحرّر من دين الله وشرائعه وتعدّي حدوده.. أما شرع الدستور الأرضي وحدود القانون الوضعي فمحفوظةٌ مقدسةٌ محروسةٌ في ديمقراطيتهم العفنة بل ويُعاقب كلُّ من تعداها أو خالفها أو ناقضها... فتباً لكم تباً لكم تباً لكم تباً لكم حتى يَكِلَّ لسانِ فالديمقراطية ـ إخوة التوحيد ـ إذاً... دينٌ غير دين الله تعالى... إنها حُكمُ الطاغوت وليست حُكمُ الله تعالى... إنها شريعةُ أربابٍٍ مُتشاكسين متفرقين وليست شريعةَ الله الواحد القهار... والذي يقبل بها ويتواطأ عليها من الخلق... فهو في الحقيقة قد قبل أن يكون له حق التشريع وِفقاً لمواد الدستور وأن يكون تشريعه هذا مقدماً على شرع الله الواحد القهار...وسواءٌ أَشرَّع بعد ذلك أم لم يُشرِّع وفاز بالإنتخابات الشركية أم لم يفز، فإنَّ تواطأه مع المشركين على دين الديمقراطية، وقبولَهُ بأن يكون الحكمُ والتشريعُ له، وأن تكون سلطته فوق سلطة الله وكتابه وشرعه هو الكفر بعينه؛ هذا ضلالٌ مبينٌ واضحٌ أبداً بل هو الشركُ بالمعبودِ عُدواناً. فالشعبُ في دين الديمقراطية يُنيبُ عن نفسه هؤلاء النواب، فتتخير كلُّ طائفةٍ أو جماعةٍ أو قبيلةٍ منهم ربًّا من هؤلاء الأرباب المتفرقين، ليشرِّعوا لهم تبعاً لأهوائهم ورغباتهم... لكن كما عُلم: وِفقاً لمواد ونصوص الدستور وفي حدوده... فمنهم من يتخيّر معبوده ومشرِّعه تبعاً للفكر والايديولوجية... فإما ربٌّ من الحزبِ الفُلاني.. أو إلهٌ من الحزبِ العَلاّني... ومنهم من يتخيَّره تبعاً للقبيلةِ والعصبية... فإما إلهٌ منَ القبيلةِ الفُلانية... أو وثنٌ معبودٌ من القبيلة العَلانية... ومنهم من يتخيّره إلهاً سلفياً بزعمهم، وآخر يجعله ربًّا إخوانياً(30)... أو معبوداً ملتحياً وآخر حليقاً... وهكذا ... {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضيَ بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم}(31). فهؤلاء النواب هم في الحقيقة أوثانٌ منصوبةٌ وأصنامٌ معبودةٌ وألهةٌ مزعومةٌ منصوبةٌ في معابدهم ومعاقلهم الوثنية (البرلمانات) يدينون هم وأتباعهم بدين الديمقراطية وشرع الدستور، إليه يحتكمون ووِفقاً لنصوصه ومواده يُشرِّعون ويُقننِّون... ويحكمهم قبل ذلك كلِّه ربُّهم وإلههم وصنمهم أو وثنهم الكبير الذي يُقر تشريعاتهم هذه ويُصدّق عليها أو يرفضها ويردها... وهو الأمير أو الملك أو الرئيس... هذه يا إخوة التوحيد هي حقيقة الديمقراطية وملَّتها... دينُ الطاغوت... لا دينَ الله... وملَّة المشركين... لا ملَّة النبيِّين... وشرع أرباب وآلهة متفرقة متنازعة... لا شرعَ الله الواحد القهار.. {ءَأربابٌ متفرقون خيرٌ أمِ الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}(32). {ءَإلهٌ مع الله؟ ؟ تعالى الله عما يشركون}(33). فلتختر يا عبد الله... إما دينَ الله وشرعه المطهر وسِراجه المنير وصِراطه المستقيم... أو دينَ الديمقراطية وشركها وكفرها وطريقها الأعوج المسدود... حُكمَ الله الواحد القهار... أم حُكمَ الطاغوت... {قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها...}(34). {وقلِ الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً...}(35). {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون * قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمــون * ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(36). فصل يقول تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر مُتشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربِّنا وما يذكر إلا أُولو الألباب * ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}(37)باطيلأ.ردود على شبهات وأباطيل تسوِّغ دين الديمقراطية يبين الله تعالى لنا في هذه الآيات أن الناس مع شرعه سبحانه قسمان: ـ 1- أهل علم ورسوخ: يأخذونه ويؤمنون به جميعاً، فيربطون العام بمخصصه، والمطلق بمقيده، والمجمل بمبينه، وكل ما أشكل عليهم ردوه إلى أمه من الأصول المحكمات البينات والقواعد الراسيات الراسخات التي تضافرت عليها دلائل الشرع.2- أهل زيغ وضلال: يتبعون المتشابه منه، يأخذونه ويفرحون به وحده ابتغاء الفتنة.. معرضين عن محكمه أو مُبينه أو مفسره... وها هنا.. في باب الديمقراطية والمجالس النيابية الشركية ونحوها... يسلك القوم طريق أهل الزيغ والضلال فيتتبعون حوادث وشبهات ويأخذونها منفردة، دون أن يربطوها بأصولها المبينة أو المقيدة أو المفسرة من قواعد الدين وأسسه الراسيات... وذلك ليلبسوا الحق بالباطل والنور بالظلام... لذا، فسنعرض ها هنا سريعاً لأشهر شُبهاتهم في هذا الباب، نُفنِّدها وندحضها ونرد عليها بعون الملك الوهاب مُجري السحاب وهازم الأحزاب. الشبهة الأولى: عمل يوسف عند ملك مصر وجوابها اعلم أن هذه الشبهة تعلق بها بعض من أفلس من الأدلة...فقالوا: ألم يتول يوسف عليه السلام منصب الوزارة عند ملك كافر لايحكم بما أنزل الله تعالى؟ إذن يجوز المشاركة بالحكومات الكافرة بل والولوج في البرلمانات ومجالس الأمة ونحوها.. فنقول وبالله تعالى التوفيق: ـأولاً: إنَّ الاحتجاج بهذه الشبهة على الولوغ في البرلمانات التشريعية وتسويغها باطل وفاسد، لأن هذه البرلمانات الشركية قائمة على دين غير دين الله تعالى ألا وهو دين الديمقراطية الذي تكون ألوهية التشريع والتحليل والتحريم فيه للشعب لا لله وحده.. وقد قال تعالى: {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(38). فهل يجرؤ زاعمٌ أن يزعم بأنَّ يوسف عليه السلام اتبع ديناً غير دين الإسلام أو ملّة غير ملّة آبائه الموحِّدين.. أو أقسم على احترامها..؟؟ أو شرَّع وِفقاً لها..؟؟ كما هو حال المفتونين بتلك البرلمانات(39)..؟؟ كيف وهو يعلنها بملء فيه في وقت الاستضعاف فيقول: {إني تركتُ ملّة قومٍ لا يُؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعتُ ملّة ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء}(40). ويقول: {يا صاحبيَ السّجن ءأربابٌ مُّتفرقون خيرٌ أمِ الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سمَّيتموها أنتم وءاباؤُكم ما أنزل الله بها من سلطان إنِ الحكمُ إلالله أمر ألاَّ تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون}(41). أفيُعلنها ويصدع بها ويدعو إليها وهو مستضعف.. ثم يُخفيها أو ينقضها بعد التمكين..؟؟!! أجيبونا يا أصحاب الاستصلاحات..!! ثم ألا تعلمون يا دهاقين السياسة أن الوزارة سلطة تنفيذية والبرلمان سلطة تشريعية.. وبين هذه وهذه فروق وفروق، فالقياس ها هنا لا يصح عند القائلين به (42)... ومنه تعلم أن الاستدلال بقصة يوسف عليه السلام على تسويغ البرلمانات لا يصح أبداً، ولا مانع أن نُواصل إبطال استدلالهم بها على الوزارة لاشتراك المنصبين في زماننا بالكفر.. ثانياً: إنَّ مُقايسة تولي كثير من المفتونين للوزارة في ظلِّ هذه الدول الطاغوتية التي تشرع مع الله وتحارب أولياء الله وتوالي أعداءه على فِعل يوسف عليه السلام قياس فاسد وباطل من وجوه: ـ 1 ـ أنَّ متولي الوزارة في ظلِّ هذه الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله تعالى لابد وأن يحترم دستورهم الوضعي ويدين بالولاء والإخلاص للطاغوت الذي أمره الله أول ما أمره أن يكفر به {يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمِروا أن يكفروا به}(43). بل لابد عندهم من القسم على هذا الكفر قبل تولي المنصب مباشرة تماماً كما هو الحال بالنسبة لعضو البرلمان(44). ومن يزعم أن يوسف الصدِّيق الكريم ابن الكريم ابن الكريم كان كذلك مع أن الله زكاه وقال عنه: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}(45). فهو من أكفر الخلق وأنتنهم، قد برىء من الملّة ومرق من الدين، بل هو شرٌّ من إبليس اللعين الذي استثنى حين أقسم فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصـين}(46). ويوسف عليه السلام يقيناً وبنص كلام الله تعالى من عباد الله المخلصين بل من ساداتهم.. 2 ـ إنَّ متولي الوزارة في ظلِّ هذه الحكومات ـ أقسم اليمين الدستورية أم لم يقسم ـ لابد له أن يدين بالقانون الكفري الوضعي وأن لا يخرج عنه أو يخالفه، فما هو إلا عبدٌ مخلصٌ له وخادمٌ مطيعٌ لمن وضعوه في الحقِّ والباطل والفسق والظلم والكفر.. فهل كان يوسف الصدِّيق كذلك، حتى يصلح الاحتجاج بفعله لتسويغ مناصب القوم الكفرية..؟؟ إنَّ مَن يرمي نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله بشيءٍ من هذا لا نشكُ في كفره وزندقته ومروقه من الإسلام.. لأن الله تعالى يقول: {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(47). فهذا أصل الأصول وأعظم مصلحة في الوجود عند يوسف عليه السلام وسائر رسل الله.. فهل يعقل أن يدعو النَّاس إليه في السراء والضراء وفي الاستضعاف والتمكين ثم هو يناقضه فيكون من المشركين؟؟ كيف والله قد وصفه بأنه من عباد الله المخلصين؟ ؟ ولقد ذكر بعض أهل التفسير أنَّ قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك...}(48). دليل على أنَّ يوسف عليه السلام لم يكن مُطبقاً لنظام الملك وقانونه ولا مُنقاداً له ولا مُلزماً بالأخذ به.. فهل يوجد في وزارات الطواغيت أو برلماناتهم اليوم مثل هذا؟؟ أي أن يكون حال الوزير فيها كما يقال (دولة داخل دولة)..؟؟ فإن لم يوجد فلا وجه للقياس ها هنا.. 3 ـ إنَّ يوسف عليه السلام تولى تلك الوزارة بتمكين من الله عز وجل، قال تعالى: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض}(49). فهو إذاً تمكين من الله، فليس للملك ولا لغيره أن يضره أو يعزله من منصبه ذاك، حتى وإن خالف أمر الملك أو حكمه وقضاءه... فهل لهؤلاء الأراذل المتولين عند الطواغيت اليوم نصيبٌ من هذا في مناصبهم المهترئة التي هي في الحقيقة لعبة بيد الطاغوت، حتى يصح مقايستها على ولاية يوسف عليه السلام تلك وتمكينه ذاك؟ 4 ـ إنَّ يوسف عليه السلام تولى الوزارة (بحصانة) حقيقية كاملة من الملك، قال سبحانه وتعالى: {فلما كلَّمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين}(50). فأطلقت له حرية التصرف كاملة غير منقوصة في وزارته {وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء}(51). فلا معترض عليه ولا محاسب له ولا رقيب على تصرفاته مهما كانت.. فهل مثل هذا موجود في وزارات الطواغيت اليوم أم أنها حصانات كاذبة زائفة… تُزال وتسحب سريعاً إذا لعب الوزير بذيله، أو ظهر عليه شيء من المخالفة أو الخروج عن خط الأمير أو دين الملك؟؟ فما الوزير عندهم إلا خادمٌ لسياسات الأمير أو الملك يأتمر بأمره وينتـهي عن نهيه، وليس له الحق بأن يُخالف أمراً من أوامر الملك أو الدستور الوضعي ولو كان مضاداً لأمر الله تعالى ودينه... ومن زعم أن شيئاً من هذا يشبه حال يوسف عليه السلام في ولايته فقد أعظم الفرية وكفر بالله وكذّب تزكيته سبحانه ليوسف عليه السلام... فإن علم أن حاله عليه السلام ووضعه ذاك غير موجود اليوم في وزارات الطواغيت... فلا مجال للقياس ها هنا، إذاً فليترك البطالون عنهم الهذر والهذيان في هذا الباب.. ثالثاً: من الردود المبطلة لهذه الشبهة، ما ذكر بعض أهل التفسير من أن الملك قد أسلم، وهو مروي عن مجاهد تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا القول يدفع الاستشهاد بهذه القصة من أصله... ونحن ندين الله ونعتقد بأن اتباع عموم أو ظاهر آية في كتاب الله تعالى أولى من كلام وتفسيرات وشقشقات واستنباطات الخلق كلّهم العارية من الأدلة والبراهين... فمما يدل على هذا القول؛ قوله تبارك وتعالى عن يوسف عليه السلام: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض}(52). وهذا مجمل قد بيّنه الله تعالى في موضع أخر من كتابه فوصف حال من يُمَكِّنَ لهم في الأرض من المؤمنين بقوله: {الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}(53). ولا شك أن يوسف عليه السلام من هؤلاء بل من ساداتهم، الذين إن مكنهم الله أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.. ولا شك ولا ريب عند من عرف دين الإسلام أن أعظم معروف فيه هو التوحيد الذي كان أصل الأصول في دعوة يوسف وآبائه عليهم السلام... وأعظم منكر هو الشرك الذي كان يحذر منه يوسف ويمقت ويبغض ويُعادي أربابه.. وفي دلالة واضحة وقاطعة على أن يوسف بعد أن مَكَّنَ الله له كان صادعاً بملة آبائه يعقوب واسحاق وإبراهيم، آمراً بها ناهياً محارباً لكلِّ ما خالفها وناقضها... فلا هو حكم بغير ما أنزل الله، ولا هو أعان على الحكم بغير ما أنزل الله، ولا أعان الأرباب المشرِّعين والطواغيت المعبودين من دون الله ولا ظاهرهم أو تولاهم كما يفعل المفتونون في مناصبهم اليوم.. فضلاً أن يُشاركهم في تشريعاتهم كما يفعل اليوم المفتونون في البرلمانات بل يُقال جزماً إنه قد أنكر حالهم وغيَّر مُنكرهم وحكم بالتوحيد ودعا إليه ونابذ وأبعد من خالفه وناقضه كائناً من كان... وذلك بنص كلام الله تعالى... ولا يصف الصدِّيقَ الكريم ابن الأكرمين بغير هذا إلا كافرٌ خبيثٌ قد برىء من ملّته الطاهرة الزكية... ومما يدل على هذا أيضاً دلالة واضحة ويؤكده.. بيان وتفسير مجمل قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين}(54). فما تُرى الكلام الذي كلّم يوسف الملك به هنا، حتى أعجِب به ومكّنه وأمنه؟؟ أتُراه انشغل بذكر قصة امرأة العزيز وقد انتهت وظهر الحق فيها... أم تُراه كلَّمه عن الوحدة الوطنية!! والمشكلة الاقتصادية!! و..و... أم ماذا؟؟؟ ليس لأحد أن يرجم بالغيب ويقول ها هنا بغير برهان، فإنْ فعلَ فهو من الكاذبين.. لكن المبيِّن المفسر لقوله تعالى: {فلما كلَّمه} واضحٌ صريحٌ في قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(55). وقوله تعالى: {ولقد أُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}(56). وقوله تعالى في وصف أهم المهمات في دعوة يوسف عليه الصلاة السلام: {إني تركتُ ملَّة قومٍ لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملّة ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء..}(57). وقوله تعالى عنه: {...ءأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار* ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر النّاس لا يعلمون}(58). لا شك أنَّ هذا أعظم كلام عند يوسف عليه السلام فهو الدين القيِّم عنده وأصلُ أصولِ دعوته وملَّته وملَّة آبائه.. فإذا أمر بمعروف فهذا أعظم معروف يعرفه... وإن نهى عن منكر فليس بمنكر عنده أنكر مما يُناقض هذا الأصل ويُعارضه.. فإذا تقرر هذا.. وكان جوابُ الملك له: {إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين} فهو دليلٌ واضحٌ على أنَّ الملك قد تابعه ووافقه عليه وأنه قد ترك ملَّة الكفر واتبع ملَّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام... أو قُل إنْ شئتَ: على أقلِّ الأحوال أقرّه على توحيده وملَّة آبائه، وأطلق له حرية الكلام والدعوة إليها وتسفيه ما خالفها ولم يعترض عليه في شيءٍ من ذلك ولا كلفه بما يُناقضه أو يخالفه... وحسبك بهذا فرقاً عظيماً بين حاله عليه السلام هذه.. وبين حال المفتونين من أنصار الطواغيت وأعوانهم في وزارات اليوم أو المشاركين لهم بالتشريع في برلماناتهم..(59). رابعاً: إذا عرفت ما سبق كلَّه وتحقق لديك يقيناً بأنَّ تولي يوسف عليه السلام للوزارة لم يكن مخالفاً للتوحيد ولا مُناقضاً لملَّة إبراهيم كما هو حال توليها في هذا الزمان.. فعلى فرضِ أن الملك بقي على كفره.. فتكون مسألةُ تولي يوسف هذه الولاية مسألةً من مسائل الفروع لا إشكال فيها في أصل الدين لما تقرر من قبل بأن يوسف لم يقع منه كفرٌ أو شركٌ أو تولي للكفار أو تشريعٌ مع الله بل كان آمراً بالتوحيد ناهياً عن ذلك كلِّه.. وقد قال الله تعالى في باب فروع الأحكام: {لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً} (60). فشرائعُ الأنبياء قد تتنوع في فروع الأحكام لكنِّها في باب التوحيد واحدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشرَ الأنبياء إخوةٌ لعلات ديننا واحد) (61). يعني: إخوةٌ من أمهات مختلفة والأب واحد.. إشارةٌ إلى الإتفاق في أصل التوحيد والتنوع في فروع الشريعة وأحكامها... فقد يكون الشيءُ في باب الأحكام في شريعة من قبلنا حراماً ثم يحل لنا كالغنائم، وقد يحصل العكس، أو شديداً على من قبلنا فيخفف عنا وهكذا.. ولذا فليس كلُّ شرعٍ في شرع من قبلنا شرعاً لنا.. خصوصاً إذا عارضه من شرعنا دليل.. وقد صح الدليل في شرعنا على معارضة هذا الذي كان مشروعاً ليوسف عليه السلام، وتحريمه علينا.. فروى ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين عليكم أُمراء سفهاء يقربون شرار النّاس، ويُؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفًا، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولاخازناً). والراجحُ أنَّ هؤلاء الأمراء ليسوا كفاراً بل فُجاراً سفهاء، لأن المحذِّر عادةً إذا حذر فإنما يذكر أعظم المفاسد والمساوئ، فلو كانوا كفاراً لبينه e، لكن أعظمَ جرائمهم التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هنا؛ هي تقريب شِرار النّاس وتأخيُر الصلاة عن مواقيتها.. ومع هذا فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم ها هنا نهياً صريحاً عن أن يكون المرءُ لهم خازناً.. فإذا كان توالي وظيفة الخازن عند أُمراء الجور منهياً عنه في شرعنا ومحرماً.. فكيف بتولي وزارة الخزانة عند ملوك الكفر وأُمراء الشرك؟ {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم} (62). فهذا دليلٌ صحيحٌ وبرهانٌ صريحٌ على أنَّ هذا كان من شرع من قبلنا، وأنه منسوخٌ في شرعنا... والله تعالى أعلم.. وفي هذا الكفاية لمن أراد الهداية.. لكن من يُقدِّم استحسانه واستصلاحه وأقاويل الرجال على الأدلة والبراهين، فلو انتطحت الجبال بين يديه لما ظفر بالهدى.. {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً..} (63). وأخيراً وقبل أن أختم الكلام على هذه الشبهة أُنبِّه إلى أنَّ بعض المفتونين الذين يسوِّغون الشرك والكفر باستحسانهم واستصلاحهم الولوغَ في الوزارات الكفرية والبرلمانات الشركية يخلطون في حججهم وشبههم كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ حول تولي يوسف عليه السلام الوزارة... وهذا في الحقيقة مِن لَبس الحق بالباطل ومن الإفتراء على شيخ الإسلام وتقويله ما لم يقله.. إذ هو رحمه الله تعالى لم يحتج بالقصة لتسويغ المشاركة في التشريع والكفر أو الحكم بغير ما أنزل الله... معاذ الله فإننا نُنزه شيخ الإسلام ودينَه بل نُنزه عقله عن مثل هذا القول الشنيع الذي لم يجرؤ على القول به إلا هؤلاء الأراذل في هذه الأزمنة المتأخرة، نقول هذا.. حتى ولو لم نقرأ كلامه في هذا الباب، لأن مثل هذا الكلام لا يقوله عاقل، فضلاً عن أن يصدر من عالم رباني كشيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ... فكيف وكلامُه في هذا الباب واضحٌ وجليٌّ.. حيث كان كلُّه مُنصباً على قاعدة درء أعظم المفسدتين وتحصيلِ أعلى المصلحتين عند التعارض.. وقد علمتَ أنَّ أعظم المصالح في الوجود هي مصلحةُ التوحيد وأنَّ أعظم المفاسد هي مفسدة الشرك والتنديد.. وقد ذَكر أنَّ يوسف عليه السلام كان قائماً بما قدر عليه من العدل والإحسان، كما في الحسبة (64) حيث يقول في وصف ولايته: (وفَعلَ من العدل والخير ما قدر عليه ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان) اهـ. ويقول: (لكنْ فَعلَ الممكنَ من العدل والإحسان) اهـ (65). ولم يذكر مُطلقاً أنَّ يوسف عليه السلام شرّع مع الله تعالى أو شارك بالحكم بغير ما أنزل الله أو اتبع الديمقراطية أو غيرها من الأديان المناقضة لدين الله، كما هو حالُ هؤلاء المفتونين الذين يخلطون كلامه رحمه الله تعالى بحججهم الساقطة وشبهاتهم المتهافتة ليضلوا الطَغام، وليلبسوا الحق بالباطل والنور بالظلام... ثم نحن يا أخا التوحيد... قائدنا ودليلنا الذي نرجع إليه عند التنازع هو الوحي لا غير ـ كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.. وكلُّ أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤخذ من قوله ويرد ـ فلو أنَّ مثل ما يزعمون صدر عن شيخ الإسلام وحاشاه ـ لمَا قبلناه منه ولا ممن هو أعظمُ منه من العلماء، حتى يأتينا عليه بالبرهان من الوحي... {قل إنما أُنذِركم بالوحي} (66). {قلْ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (67). فتنبه لذلك وعَض على توحيدك بالنواجذ، ولا تغتر أو تكترث بتلبيسات وإرجافات أنصار الشرك وخصوم التوحيد... أو تتضرّر بمخالفتهم وكن من أهلِ الطائفة القائمة بدين الله الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتيَ أمرُ الله وهم كذلك) (68). الشبهة الثانية: أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله ومع ذلك كان مسلماً واحتج أهلُ الأهواء أيضاً بقصة النجاشي للترقيع لطواغيتهم المشرِّعين سواءً كانوا حكاماً أو نوّاباً في البرلمان أو غيرهم...فقالوا: إنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله تعالى بعد أن أسلم وبقي على ذلك إلى أن مات ومع هذا فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبداً صالحاً وصلى عليه وأمر أصحابه بالصلاة عليه. فنقول وبالله تعالى التوفيق: ـأولاً: يلزم المحتج بهذه الشبهة المتهافتة قبل كلِّ شيءٍ أن يثبت لنا بنصٍ صحيحٍ صريحٍ قطعي الدلالة أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله بعد إسلامه.. فقد تتبعتُ أقاويلهم من أولها إلى أخرها.. فما وجدتُ في جعبتهم إلا استنباطات ومزاعم جوفاء لا يدعمُها دليلٌ صحيحٌ ولا برهانٌ صادقٌ، وقد قال تعالى: {قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين} (69). فإذا لم يأتوا بالبرهان على ذلك فليسوا من الصادقين بل هم من الكاذبين.. ثانياً: إنَّ مِن المسَلَّم به بيننا وبين خصومنا أنَّ النجاشي قد مات قبل اكتمال التشريع.. فهو مات قطعاً قبل نزول قوله تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام ديناً...}(70). إذ نزلت هذه الآية في حَجة الوداع، والنجاشي مات قبل الفتح بكثير كما ذكر الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ وغيره..(71). فالحكمُ بما أنزل الله تعالى في حقه آنذاك؛ أن يحكم ويتبع ويعمل بما بلغه من الدين، لأن النذارة في مثل هذه الأبواب لابد فيها من بلوغ القرآن قال تعالى: {وأُوحِيَ إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ..}(72). ولم تكن وسائل النقل والاتصال في ذلك الزمان كحالها في هذا الزمان إذ كانت بعض الشرائع لا تصل للمرء إلا بعد سنين وربما لا يعلم بها إلا إذا شدَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرحال... فالدينُ ما زال حديثاً والقرآنُ لا زال يتنزل والتشريعُ لم يكتمل... ويدل على ذلك دلالةً واضحة.. ما رواه البخاريُّ وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (كنا نُسلِّم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إنَّ في الصلاة شغلاً).. فإذا كان الصحابة الذين كانوا عند النجاشي بالحبشة مع العلم أنهم كانوا يعرفون العربية ويتتبعون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغهم نسخ الكلام والسلام في الصلاة مع أنَّ الصلاة أمرها ظاهر لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلي بالنّاس خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة... فكيف بسائر العبادات والتشريعات والحدود التي لا تتكرر كتكرر الصلاة؟؟ فهل يستطيع أحدٌ من هؤلاء الذين يدينون بشرك الديمقراطية اليوم أن يزعم أنه لم يبلغه القرآن والإسلام أو الدين حتى يَقيس باطله بحال النجاشي قبل اكتمال التشريع...؟؟؟ ثالثاً: إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنَّ النجاشي قد حكم بما بلغه مما أنزل الله تعالى، ومَنْ زعم خلافَ هذا، فلا سبيل إلى تصديقه وقبول قوله إلا ببرهان{قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.. وكلُّ ما يذكره المستدلون بقصته يدلُ على أنَّه كان حاكماً بما بلغه مما أنزله الله تعالى آنذاك... 1 ـ فمما كان يجبُ عليه آنذاك من اتباع ما أنزل الله: (تحقيق التوحيد والإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله)... وقد فعل. انظر ذلك فيما يستدل به القوم.. رسالته التي بعثها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. ذكرها عمر سليمان الأشقر في كُتيّبه: (حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية)(73). 2 ـ وكذا بيعتَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والهجرة، ففي الرسالة المشار إليها آنفاً يذكر النجاشي: (أنه قد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع ابنٌ له جعفر وأصحابه وأسلم على يديه لله ربِّ العالمين، وفيها أنه بعثَ إليه بابنه أريحا بن الأصحم ابن أبجر، وقوله: إنْ شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول الله فإنني أشهدُ أنَّ ما تقولُ حق). فلعلَّه مات بعد ذلك مباشرة، أو لعلَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِدْ منه ذلك آنذاك... كلُّ هذه أمور غير ظاهرة ولا بينة في القصة فلا يحل الجزم بشيء منها والاستدلال به، فضلاً عن أن يُناطح به التوحيد وأصولُ الدين!!! 3 ـ وكذا نصرةُ النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وأتباعه، فقد نصر النجاشي المهاجرين إليه وآواهم وحقّق لهم الأمن والحماية، ولم يخذلهم أو يُسلمهم لقريش، ولا ترك نصارى الحبشة يتعرضون لهم بسوء رغم أنهم كانوا قد أظهروا معتقدهم الحق في عيسى عليه السلام... بل ورد في الرسالة الأخرى التي بعثها إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وقد أوردها عمر الأشقر في كتابه المذكور صفحة 73) أنه بعث بابنه ومعه ستون رجلاً من أهل الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم... وكلُّ ذلك نصرةً له واتباعاً وتأييداً.. ومع هذا فقد تهوّر عمر الأشقر فجزم في كتابه المذكور [ص73] أنَّ النجاشي لم يحكم بشريعة الله وهذا كما عرفتَ كذبٌ وافتراءٌ على ذلك الموحِّد.. بل الحق أن يُقال إنه حكم بما بلغه مما أنزل الله آنذاك، ومن زعم خلافه فلا يُصدق إلا ببرهانٍ صحيحٍ قطعيّ الدلالة، وإلا كان من الكاذبين {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وهو لم يأتِ على دعواه هذه بدليلٍ صحيحٍ صريح، لكن تتبع واحتطب من كتب التاريخ بليلٍ أموراً ظنها أدلة.. والتواريخ معروفٌ حالها... يقول القحطاني الأندلسي ـ رحمه الله تعالىـ في نونيته: ـلا تقبلن من التــــوارخ كلما جمع الرواة وخـط كـلَّ بنـــانِ اروِ الحديث المنتقــى عن أهـله سيما ذوي الأحـلام والأســـنانِفيقال له ولمن تابَعَه: (أثبتوا العرش ثم انقشوا).. رابعاً: إنَّ الصورة في قصة النجاشي لحاكم كان كافراً ثم أسلم حديثاً وهو في منصبه، فأظهر صدق إسلامه بالاستسلام الكامل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنْ يُرسل إليه ابنه وبرجال من قومه ويبعثُ معهم إليه يستأذنه بالهجرة إليه ويظهرُ نصرتَه ونصرةَ دينه وأتباعه، بل ويظهرُ البراءة مما يُناقضه من معتقده ومعتقد قومه وآبائه... ويُحاول أن يطلب الحق ويتعلم الدين وأن يُسدد ويُقارب إلى أن يلقى الله على هذه الحال وذلك قبل اكتمال التشريع وبلوغه إليه كاملاً... هذه هي الصورة الحقيقية الواردة في الأحاديث والآثار الصحيحة الثابتة في شأنه.. ونحن نتحدى مخالفينا في أن يثبتوا غيرها.. لكن بدليل صريحٍ صحيحٍ أما التواريخ فلا تُسمن ولا تُغني من جوع وحدها دون إسناد... أما الصورة المستدل لها والمقيسة عليه فهي صورةٌ خبيثةٌ مختلفةٌ كلَّ الاختلاف، إذ هي صورةُ فِئامٍ من النَّاس ينتسبون إلى الإسلام دون أن يتبرؤوا مما يُناقضه، بل ينتسبون إليه وإلى ما يُناقضه في الوقت نفسه ويفتخرون بذلك، فما تبرؤوا من دين الديمقراطية كما برِىء النجاشي من دين النصرانية، كلا.. بل ما فتِئُوا يمدحونها ويُثنون عليها ويسوّغونها للنَّاس ويدعونهم إلى الدخول في دينها الفاسد.. ويجعلون من أنفسهم أرباباً وآلهةً يُشرِّعون للنَّاس من الدين ما لم يأذن به الله.. بل ويُشاركون معهم في هذا التشريع الكفري الذي يتمُ وِفقاً لبنود الدستور الوضعي من يتواطأ معهم على دينهم الكفري من نواب أو وزراء أو غيرهم من الشعوب... ويُصِرُّون على هذا الشرك ويتشبثون به بل ويذمون من حاربه أو عارضه أو طعن فيه وسعى لهدمه... وهذا كلُّه بعد اكتمال الدين، وبلوغهم القرآن بل والسنَّة والآثار.. فبالله عليك يا مُنصف كائناً من كُنتَ، أيصحُ أنْ تُقاس هذه الصورةُ الخبيثةُ المنتنةُ المظلمةُ مع ما جمعَتْهُ من الفوارق المتشعّبة.. بصورةِ رجلٍ حديث عهد بالإسلام يطلب الحق ويتحرى نُصرته قبل اكتمال التشريع وبُلوغه إليه كاملاً.. شتان شتان بين الصورتين والحالين... والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا حتى تشيبَ مفارقُ الغربانِنعم قد يجتمعان ويستويان لكن ليس في ميزان الحق.. بل في ميزان المطففين ممن طمس الله على أبصارهم فدانوا بدين الديمقراطية المناقضِ للتوحيد والإسلام. {ويلٌ للمطففين * الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون * ألا يظن أُولئك أنهم مبعوثون * ليومٍ عظيم}(74). الشبهة الثالثة: تسمية الديمقراطية بالشورى لتسويغها هذا وقد استدل بعض عِميان البصائر وخَفافِيش الدُجى لدينهم الكفري الباطل هذا (الديمقراطية) بقوله تعالى عن المؤمنين الموحِّدين {وأمرهم شورى بينهم} وبقوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وشاورهم في الأمـر}. فسموا ديمقراطيتهم العفنة بالشورى لإسباغ الصبغة الدينية الشرعية على هذا المذهب الكفري ومن ثم تسويغه وتجويزه ..فنقول وبالله التوفيق: ـأولاً: إنَّ تغيير الأسماء لا قيمة له ما دامت الأشياء أو الحقائق هي هي... وبعض الجماعات الدعوية التي تنتهج هذا المذهب الكفري وتدينُ به تقول: (نحن نعني بالديمقراطية حين نُنادي بها ونُطالب بها ونُشجعها ونسعى لها وبها "حرية الكلمة والدعوة")(75). ونحو ذلك من الشقشقات.. فنقول لهم: ليس المهم ما تعنونه أنتم وما تُرقعونه وتتوهمونه.. لكن المهم ما هي الديمقراطية التي يطبقها الطاغوت ويدعوكم للدخول فيها وتُجرى الانتخابات من أجلها ويكون التشريع والحكم الذي ستشاركون فيه وِفقاً لها.؟ فإنْ ضحكتم على النَّاس وخادعتموهم، فلن تستطيعوا ذلك مع الله {إنّ المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم}(76). {يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}(77). فتغيير أسماء الأشياء لا يُغيِّر أحكامها ولا يُحل حراماً أو يُحرِّم حلالاً... يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيَسْتَحِلَّنَ طائفةٌ مِنْ أُمّتي الخمرَ باسمٍ يُسَمُّونَها إِيَّاه)(78). هذا وقد كفّر العلماء من سبَّ التوحيد أو حاربه وهو يُسميه دين الخوارج أو التكفير.. وكفّروا من حسَّنَ الشرك وسوّغه أو فعله وهو يُسميه بغيرِ اسمه(79).كما يفعل هؤلاء فيُسمُّون دينَ الكفر والشرك (الديمقراطية) بالشورى.. لتجْويزه وتسويغِه ودعوةِ النَّاس إلى الدخول فيه.. فبُعداً بُعداً... ثانياً: إنَّ قياس ديمقراطية المشركين على شورى الموحِّدين وتشبيه مجلس الشورى بمجالس الكفر والفسوق والعصيان تشبيهٌ ساقطٌ وقياسٌ باطلٌ مُتهافت الأركان، فقد علمتَ أنَّ مجلس الشعب أو الأمة أو البرلمان معقلٌ من معاقل الوثنية وصرحٌ من صُروح الشرك، تُنصب فيه آلهة الديمقراطيين وأربابهم المتفرقون وشركاؤهم الذين يُشرِّعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله وِفقاً لدساتيرهم وقوانينهم الأرضية(80). قال تعالى: {ءأربابٌ متفرقون خيرٌ أمِ الله الواحدُ القهّار * ما تعبدونَ من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وءَاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطانٍ إنِ الحكمُ إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيّمُ ولكنَّ أكثرَ النّاسِ لا يعلمونَ}(81). وقال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}(82). فهذا القياس هو من قبيل قياس الشرك على التوحيد والكفر على الإيمان.. وهو من القول على الله بغير علم والإفتراء على دينه والكذب على الله، والخوض والإلحاد في آياته سبحانه وتلبيس الحق على الخلق بالباطل، والنّور بالظلام.. إذا تبيّن هذا فليعلم المسلم أنَّ الفوارق الجليّة بين الشورى التي شرعها الله لعباده، وبين الديمقراطية العفِنة هي كما بين السماء والأرض... بل هي في عِظَمها كعِظم الفارق بين الخالق والمخلوق. qفالشورى نظامٌ ومنهجٌ ربانيٌّ.. والديمقراطية من صنع البشر الناقصين الذين تتخللهم الأهواءُ والنزوات. qالشورى من شرع الله تعالى ودينه وحكمه... والديمقراطية كفرٌ بشرع الله ودينه ومناقضةٌ لحكمه. qوالشورى تكون فيما لا نصَّ فيه، أما عند ورود النص فلا شورى، يقول الله تعالى: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسولُه أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}(83). أما الديمقراطية فهي استخفافٌ وتلاعبٌ في كلِّ باب ولا اعتبار فيها لنصوص الشرع وأحكام الله ولكن الاعتبار كلِّ الاعتبار في الديمقراطية هو لحكم الشعب وتشريع الشعب في كلِّ المجالات(84). لذا عرَّفوها في دساتيرهم بقولهم: (الأمة مصدر السلطات جميعاً). qوالديمقراطية تَعتبر الشعب أعلى سلطة في الوجود وهي حكم أكثرية الشعب وتشريع الأكثرية ودين الأكثرية، الأكثرية تحلِّل والأكثرية تحرِّم... فالأكثرية هي الإله والربُّ في الديمقراطية... أما في الشورى فالشعب أو الأكثرية هي الملتزمة المأمورة بالسمع والطاعة لله ولرسوله ثم لإمام المسلمين، ولا يُلْزم الإمام برأيِ الأكثرية ولا حُكمِها وإنما الأكثرية مأمورةٌ بالسمع والطاعة للأئمة وإن جاروا ما لم يأمروا بمعصية(85). qفالديمقراطية ميزانها وإلهها الأكثرية، وهي مصدر السلطات جميعاً.. أما الشورى فليس للأكثرية فيها أثرٌ ولا ميزان بل قد حَكَم الله على الأكثرية بحكمٍ واضحٍ في كتابه فقال: ـ {وإنْ تُطع أكثر من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}(86). {وما أكثرُ النّاس ولو حرصتَ بمؤمنين}(87). {وإن كثيراً من الناس بلقائ ربهم لكافرون}(88). {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}(89). {ولكن أكثر النّاس لا يشكرون}(90). {ولكن أكثر النّاس لا يؤمنون}(91). {ولكن أكثر النّاس لايعلمون}(92). {فأبى أكثر النّاس إلا كفوراً}(93). هذا من كلام الله وهو كثير.. ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النّاس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة) رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.. وفي البخاري أيضاً عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: يا آدم.. أخرجْ بعثَ النّار. قال وما بعثُ النّار؟ قال: مِنْ كلِّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملها، وترى النّاس سُكارى وما هم بسُكارى ولكنَّ عذاب الله شديد) هذا شرع الله ودين الله يبيّن ضلال الأكثرية وانحرافهم، ولذلك يحكم الله سبحانه فيقول: {إنِ الحكمُ إلا لله}(94). وتأبى الديمقراطية ودعاة الديمقراطية ويرفضون الاستسلام لحكم الله وشرعه ويعاندون ويقولون: (إنِ الحكمُ إلا للأكثرية) فتباً وسُحقاً لمن تبعهم وسار على دربهم وهتف لديمقراطيتهم مهما طالت لحيته أو قَصُر ثوبُه كائناً من كان... نقولها لهم في الدنيا لعلهم يؤوبون ويرجعون، خيراً لهم وأهون من أن يسمعوها في الموقف العظيم يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين فيقصدون حوضَ النبي صلى الله عليه وسلم فتحجزهم الملائكة ويقال: إنهم بدّلوا وغيّروا فيقولها النبي صلى الله عليه وسلم: (سُحقاً سُحقاً لمن بدّل بعدي)...(95). وهكذا فالديمقراطية مبنىً ومعنىً نشأت في تُربة الكفر والإلحاد وترعرعت في منابت الشرك والفساد في أوروبا حيث فصلوا الدين عن الحياة، فنشأت هذه اللفظة في تلك الأجواء التي تحمل كلَّ سمومها وفسادها لا علاقة لجذورها بتربة الإيمان أو رِي العقيدة والإحسان.. ولم تستطع أن تثبت وجودها في العالم الغربي إلا بعد أن تم فصل الدين عن الدولة هناك، فأباحت لهم اللواط والزنا والخمر واختلاط الأنساب وغير ذلك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن... لذلك لا يجادل عنها ويمدحها ويُساويها بالشورى إلا اثنان لا ثالث لهما إما ديمقراطيٌّ كافرٌ أو سفيهٌ جاهلٌ بمعناها ومحتواها.. والله لستَ بثالثٍ لهما بلى إما حمـــاراً أو من الثــيرانِوهذا زمانٌ اختلطت فيه المصطلحات واجتمعت فيه المتناقضات، وليس العجب أن يتغنى بمثل هذه المذاهب الكفرية كثير من أولياء الشيطان، وإنما العجبُ أن يُشجِّعها ويُسوِّغها ويُسبغ عليها الصبغة الشرعية كثيٌر ممن ينتسبون إلى الإسلام.. فبالأمس عندما فُتِنَ النَّاس بالاشتراكية خرج علينا بعض النّاس ببدعة (اشتراكية الإسلام) وقبلها القومية والعروبة ومزجوها مع الإسلام.. واليوم يتغنى كثيٌر منهم بالدساتير الأرضية ولا يستحيون من تسمية عبيدها (بفقهاء القانون) تشبيهاً (بفقهاء الشريعة) ويستعملون نفسَ الألفاظ الشرعية؛ كالمشرِّع والشريعة والحلال والحرام والجائز والمباح والمحظور، ثم ومع هذا يحسبون أنهم على شيءٍ بل يحسبون أنهم مهتدون... فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... وما هذا والله إلا من ذهاب العلم والعلماء وإسناد الأمر إلى غير أهله وخُلُوِّ الجوّ والزمان لأراذل من الورى يتخبطون فيه كما يحلو لهم... خلا لكِ الجو فبيضي واصفريفيا حسرةً على العلم والعلماء، ويا أسفاه على الدين ودُعاته الربانيِّين المخلصين... والله إنه لغريبٌ غربةً ما مثلها غربة، ولا أقول بين عوام النَّاس بل بين كثير من المنتسبين إلى الإسلام ممن لا يفقهون معنى (لا إله إلا الله) ولا يعرفون لوازمها ومقتضياتِها وشروطَها، بل أكثرهم ينقضها بالليل والنهار، ويتلطخون بشرك العصر وذرائعه ثم يحسبون أنهم موحِّدون بل يزعمون أنهم من دعاة التوحيد فليُراجعوا أنفسهم وليجلسوا في حلقِ العلم ليتعلموا حقيقة (لا إله إلا الله) فإنها أول ما افترض الله على ابن آدم تعلمه، وليتعلموا شروطَها ونواقضَها قبل نواقض الوضوء والصلاة فإنه لا يصح وضوءٌ ولا صلاةٌ لمن نقضها... فإنْ أعرضوا واستكبروا فهم وحدهم بذلك الخاسرون.. وأختتم هذا بكلامٍ نفيس للعلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى يرد فيه على أمثال هؤلاء الملبِّسين الذين يُحرِّفون كلام الله ويفترون عليه سبحانه الكذب باستشهادهم بقوله سبحانه تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}(96). لنصرةِ وتطبيقِ الديمقراطية الكافرة. حيث قال رحمه الله في هامش (عمدة التفسير)(97). عند تفسير قوله تعالى: {وشاورهم في الأمر}(98). والآية الأخرى {وأمرهم شورى بينهم}: (اتخذهما اللاعبون بالدين في هذا العصر ـ من العلماء وغيرهم ـ عُدتهم في التضليل بالتأويل، ليُواطؤا صنع الإفرنج في منهج النظام الدستوري الذي يزعمونه، والذي يخدعون النّاس بتسمينه "النظام الديمقراطي"! فاصطنع هؤلاء اللاعبون شعاراً من هاتين الآيتين، يخدعون به الشعوب الإسلامية أو المنتسبة للإسلام. يقولون كلمة حق يُراد بها الباطل يقولون: (الإسلام يأمر بالشورى) ونحو ذلك من الألفاظ. وحقاً إنَّ الإسلام يأمر بالشورى. ولكن أيُّ شورى يأمر بها الإسلام؟ إنَّ الله سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمتَ فتوكل على الله}. ومعنى الآية واضحٌ صريح، لا يحتاج إلى تفسير، ولا يحتمل التأويل. فهو أمرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم لمن يكون ولي الأمر من بعـده: أن يستعرض آراء أصحابه الذين يراهم موضع الرأي، الذي هم أولو الأحلام والنهى، في المسائل التي تكون موضع تبادل الآراء وموضع الاجتهاد في التطبيق. ثم يختار من بينها ما يراه حقاً وصواباً أو مصلحة، فيعزم على إنفاذه، غير متقيد برأي فريقٍ معـين، ولا برأي عددٍ محدد، لا برأي أكثرية، ولا برأي أقلية، فإذا عزم توكل على الله، وأنفذ العزم على ما ارتآه. ومن المفهوم البديهي الذي لا يحتاج إلى دليل: أن الذين أمر الرسول بمشاورتهم ـ ويأتسى به فيه من يلي الأمر من بعده ـ هم الرجال الصالحون القائمون على حدود الله، المتقون لله، المقيمُو الصلاة، المؤدُو الزكاة، المجاهدون في سبيل الله، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِيلني منكم أولو الأحلام والنهى). ليسوا هم الملحدين، ولا المحاربين لدين الله، ولا الفجار الذين لا يتورعون عن منكر، ولا الذين يزعمون أنَّ لهم أن يضعوا شرائع وقوانين تخالف دين الله، وتهدمُ شريعة الإسلام. هؤلاء وأُولئك ـ من بين كافرٍ وفاسقٍ ـ موضعهم الصحيح تحت السيف أو السوط، لا موضع الاستشارة وتبادل الآراء. والآية الأخرى، آية سورة الشورى ـ كمثل هذه الآية وضوحاً وبياناً وصراحةً: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} اهـ. الشبهة الرابعة: مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول هذا واحتج بعض سُفائهم بمشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حِلف الفضول قبل البعثة، لتجويز المشاركة في البرلمانات التشريعية الشركية.فنقول وبالله التوفيق: ـ إنَّ المحتج بهذه الشبهة إما أنه لا يعرف ما حلفُ الفضول فيهرفُ بما لا يعرف ويتكلمُ فيما لا يعلم.. أو أنه يعرف حقيقته فيخلط الحق بالباطل على الخلق ليلبس النور بالظلام والشرك بالإسلام.. وذلك لأن حلف الفضول كما ذكر ابن اسحاق في السيرة وابن كثير(99) والقرطبي في تفسيره(100) وغيرهم.. تكوَّن لما "اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جُدْعان ـ لشرفه ونسبه ـ فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى تُرَدّ عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحِلف حلفَ الفضول. أي حِلف الفضائل" اهـ. ويقول ابن كثير: (كان حلفُ الفضولِ أكرمَ حِلفٍ سمع به وأشرفه في العرب، وكان أولُ من تكلم به ودعا إليه الزبير ابن عبد المطلب، وكان سببه أنَّ رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عن حقه، فاستعدى عليه الزبِيدي أقواماً من الأحلاف فأبوا أن يُعينوا على العاص بن وائل وانتهروا الزبِيدي، فلما رأى الزبيديُّ الشرَّ أوفَى على جبل أبي قُبيْس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة منادياً بأعلى صوته: ـيا آل فهرٍ لمظلــومٍ بضـاعتـــه ببطنِ مكة نائي الـدار والنفـرِ ومحرمٍ أشعــتٍ لم يقـضِ عُمرته يا للرجال وبين الحِجْر والحَجـرِ إنَّ الحرام لمن ماتت كرامتــــه ولا حرامٌ لثـوب الفاجـر الغدرِفقام لذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مُترك؟ فاجتمعت هاشم وزُهرة وتيم بن مُرة في دار عبد الله بن جُدعان، فصنع لهم طعاماً وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يداً واحدةً مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه ما بلَّ بحرٌ صوفة وما رسيَ ثبير وحراء(101) مكانهما وعلى التأسي في المعاشي، فسمَّت قريش ذلك الحلف حِلْف الفضول، وقالوا لقد دخل هؤلاء في فضلٍ من الأمر، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبِيدي فدفعوها إليه. وذكر قاسم بن ثابت في غريب الحديث: أنَّ رجلاً من خثعم قدم مكة حاجاً ـ أو معتمراً ـ ومعه ابنة له يقال لها القتول من أوضأ نساء العالمين، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه، فقال الخثعمي: من يعديني على هذا الرجل؟ فقيل له: عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة ونادى: يا لحلف الفضول: فإذا هم يعنقون إليه من كلِّ جانب؛ وقد انتضوا أسيافهم يقولون: جاءك الغوث فما لك؟ (102) فقال: إنَّ نبيهاً ظلمني في بنتي وانتزعها مني قسراً، فساروا معه حتى وقفوا على باب داره، فخرج إليهم فقالوا له: أخرج الجارية ويحك! فقد علمت ما نحن وما تعاقدنا عليه، فقال: أفعل. ولكن متعوني بها الليلة، فقالوا: لا ولا شَخْبُ لقحة(103) فأخرجها إليهم..وقال الزبير في حِلْفِ الفضول: ـإنَّ الفضول تعاقدوا وتحالفوا ألا يُقيم ببطن مكــــة ظالمُ أمرٌ عليه تعاقدوا وتواثقــوا فالجارُ والمُعْتــَرُّ فيهمُ ســالمُ(104) ففي هذا الحِلف وحول هذه الأهداف يتنزل ما يحتج به هؤلاء القـوم، مما رواه البيهقي والحميدي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حِلفاً ما أُحب أن لي به حمر النَّعم(105) ولو أُدعَى به في الإسلام لأجبت). ولذا زاد الحميدي (تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وألا يعِد ظالمٌ مظلوماً). فنسأل القوم ها هنا فتقول: ـ qما وجه الدلالة يا أهل الفقه والاستدلال في هذا الحلف وما حواه من فضائل على جواز دخول مجلسٍ يُشَرَّعُ فيه مع الله وِفقاً لدستور إبليس، ويستفتح أهل المجلس مجلسهم هذا بالقسم على احترام ياسق الكفر وقوانينه والولاء لعبيده وطواغيته المحاربين لدين الله وأوليائه، المتولين لأعداء الله وكُفرياتهم..؟؟ qهل كان في حلف الفضول كفرٌ وشركٌ وتشريعٌ مع الله واحترامٌ لدين غير دين الله، حتى يصح الاستدلال به..؟؟ إنْ قلتم نعم.. فأنتم تزعمون إذاً أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شارك بالكفر والتشريع واتبع ديناً غير دين الله، وأنه لو دُعي في الإسلام لمثل ذلك لأجاب!! ومن زعم هذا فقد أشهد الثقلين على كُفره وردتِه وزندقتِه.. وإنْ قلتم: لا، لم يكن فيه كفرٌ ولا تشريعٌ بل ولا منكرٌ من المنكرات... وكلُّ ما كان فيه نصرة المظلوم وإغاثةُ الملهوف ونحوه من الفضائل.. فكيف إذاً تستحلون وتستجيزون مقايسته بمجالس الكُفر والفسوق والعصيان..؟؟ qثم نحن نسألهم سؤالاً واضحاً ونُريد منهم شهادةً صريحةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب هذا السؤال {ستُكْتبُ شهادتهُم ويُسئَلون}(106). لو كان المشارك في حِلْفِ الفضول هذا مهما كانت صفته ـ أعني الحلف ـ؛ لا يُشارك فيه إلا إذا أقسم بين يدي دخوله للحلف على احترام اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى والولاء لدين قريش الكفري ولأوثانها وجاهليتها.. ثُمَّ على نُصرة المظلوم وإغاثة المكروب... ونحو ذلك.. أقول: لو كان الحالُ كذلك.. لشارك به النبي صلى الله عليه وسلم أو أجاب إليه لو دُعي في الإسلام لمثله..؟؟ أجيبونا يا أصحاب المصالح والاستحسانات..!! ويا أهل الحفلات والمهرجانات..!! فإن قالوا: نعم سيجيب إليه وسيشارك فيه.. وكذلك كان.. فقد برئت منهم الأمة وأشهدوا الخلق على كُفرهم.. وإن قالوا: كلا وحاشاه من ذلك... قلنا: فخلوا إذاً عنكم هذه السفسطات والشقشقات وتعلموا كيف وبماذا يكون الاستدلال.. الشبهة الخامسة: مصلحة الدعوة قالوا: إنَّ دخول المجلس فيه مصالح كثيرة، بل بعضهم زعم أن المجلس من أصله مصلحةٌ مرسلةٌ وذكروا: الدعوة إلى الله، وقول كلمة الحق، وذكروا: تغيير بعض المنكرات وتخفيف بعض الضغوط على الدعوة والدعاة... وذكروا: عدم ترك هذه الأماكن والمجالس للنصارى أو الشيّوعيين ونحوِهم... وبعضهم بالغ وذكر: مصلحة تحكيم شرع الله وإقامةِ دينه من خلال المجلس.. ونحوِه من استصلاحاتِهم وأحلامِهم وأهوائِهم.. وكلّ ما في هذا الباب يدور حول المصلحة...(107). فنقول وبالله تعالى التوفيق: ـ نسألهم أولاً فنقول: ـ qمَنِ الذي يحدد مصالح دينه وعباده ويعرفها حق المعرفة؟؟ الله اللطيف الخبير؟؟ أم أنتم باستحساناتكم واستصلاحاتكم؟؟ * فإن قالوا: نحن. qقلنا: إذاً لكم دينكم ولنا دين، لا نعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما نعبد... لأنَّ الله جل ذكره يقول: {ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ}(108). ويقول مُنكِراً على هؤلاء الديمقراطيين وأمثالهم: {أيحسبُ الإنسان أن يُتْرك سدىً}(109). ويقول: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً}(110).. وهذا في ديننا وملَّتنا... أما في دين الديمقراطية وملَّتها فلا مكان لهذه الآيات المحكمات لأنَّ الإنسان عندهم هو المشرِّع لنفسه... فهم يقولون: نعم قد تُرك الإنسان سُدىً وله مُطلقُ الحرية في أن يختار ويُقرر ويَترك ويُثبت ما يشاء من التشريع والدين... ولا يهم إن كان ذلك التشريع الذي يخترعه مُوافقاً لما في كتاب الله أم مُعارضاً له... لكنَّ العبرة أن لا يُعارض الدستور والقانون... {أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} (111) . * فإن قالوا: بل الله جل ذكره هو وحده الذي يحد الحدود ويقدِّر المصالح أحسنَ تقدير، لأنَّه هو الذي خلق الخلق وهو أعلمُ بمصالحهم {ألا يعلمُ من خلقَ وهو اللطيف الخبير}(112). qسألناهم: فما هي أعظمُ مصلحةٍ في الوجود قرّرها الله تعالى في كتابه وأرسل من أجلِّها الرسل وأنزل الكتب وشرع الجهاد والاستشهاد، ولأجلها تُقام الدولة الإسلامية... يا دعاة الخلافة؟؟؟ * فإن تخبطوا في مصالح جزئية ثانوية وانحرفوا عن أصل الأصول. qقلنا لهم: خَلُّوا عنكم الفشر والهذيان واجلسوا تعلموا أصل دينكم تعلموا معنى (لا إله إلا الله) الذي لا تُقبل دعوةٌ ولا جهادٌ ولا استشهادٌ دون تحقيقها ومعرفة معناها... * وإن قالوا: أعظمُ مصلحةٍ في الوجود هي: تجريدُ التوحيد لله تعالى واجتنابُ ما يُضاده ويُناقضه من الشرك والتنديد.. qقلنا: فهل يُعقل يا أُولي الألباب!! أَنْ تهدموا هذه المصلحة العظيمة الكلية القطعية فتتواطؤوا مع الطواغيت على دين غير دين الله (الديمقراطية) وتقبلوا وتحترموا شرعاً غير شرعه سبحانه (الدستور) وتتبعوا أرباباً مشرِّعين متفرقين مع الله الواحد القهار..؟؟ فتهدموا بهذا أعظم مصلحة في الوجود وهي التوحيد والكفر بالطواغيت... لمصالح ثانوية جزئية ظنية مرجوحة؟؟ أيُّ ميزانٍ وأيُّ عقلٍ وأيُّ شرعٍ وأيُّ دينٍ يرضى بهذا إلا دينُ الديمقراطية الكفري؟؟ qوكيف يتجرّؤ بعضكم على الزعم بأنَّ هذه المجالس الشركية من (المصالح المرسلة).. إنَّ المصلحة المرسلة عند القائلين بها: (ما لم يشهد لها الشرع باعتبار ولا إلغاء) فهل تزعمون أنَّ الشرع لم يُلغِ الشرك والكفر ولم يُبطل كلَّ دينٍ يُناقض دينَ الإسلام وكلَّ ملَّةٍ تُناقضُ ملَّةَ التوحيد...؟؟ qثم أيُّ دعوة هذه التي تزعمون قولها وأيُّ حقٍ ذاك الذي تزعمون الصدع به في هذه المجالس الشركية بعد أن دفنتم أصل أصول الدعوة الإسلامية وقُطبَ رَحى الحق المبين؟؟ وهل يُدفن ويُقبر ذلك الأصل الأصيل والمصلحة العظمى لتناقش على حسابه جزئيات وفرعيات من الدين...؟؟ qثم حين تناقشون تلك الجزئيات والفرعيات ـ كمن يسعى لتحريم الخمر ـ إلى ماذا تستندون في مُطالبتكم بالتحريم وبماذا تستدلون وتستشهدون.. أتقولون: قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم؟؟ ثمَّ إنْ زعمتم هذا: كذبتم، لأنَّ هذا ليس له اعتبارٌ في دين الديمقراطية وشرع الدستور، إلا ما شهد الدستور له واعتبره وهيمن عليه... لاشك أنكم ستقولون: نصت المادة الثانية... والمادة 24... والمادة 25... ونحوها من تشريعات الكفر والضلال... فهل بعد هذا كفرٌ وشركٌ وإلحادٌ؟ وهل يبقى لمن سلك هذا الطريق أصلٌ وملَّةٌ وتوحيدٌ..؟؟؟ {ألمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَا أنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أمِرُواْ أن يَكْفُرُواْ بِهِ وِيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}(113). أجيبونا.. هل يمكن سن قانونٍ أو تشريعٍ في هذه الأوكارِ الوثنية عن غير هذه الطرق الشركية الكفرية..؟؟ أجيبونا يا أهل الاستصلاحات والأفهام..؟؟ وحتى الحكمُ بما أنزل الله كلُّه الذي تتباكون عليه. أتريدون إقامته عن هذه الطريق..؟؟ ألا تعلمون أنها طريق كفرية ومسدودة... لأنها إنْ نجحت ـ جدلاًـ فلن يكون هذا حُكمَ الله، بل هو حُكْمُ الدستور وحُكْمُ الشعب وحُكْمُ الجماهير.. ولن يكون حكم الله إلا حين يكون استسلاماً لكلام الله وانشراحاً لشرْعه وعبودية له سبحانه.. أما حين يكون استسلاماً لدين الديمقراطية ولشرع الدستور ولحكمِ الشعب والجمهور.. فهو حُكْمُ الطاغوت وإنْ وافقَ حُكْمَ الله ساعتها بأشياءٍ وأشياء، فالله جل ذكره قد قال: {إنِ الحكمُ إلا لله}(114). ولم يقل: (إنِ الحكم إلا للنَّاس) وقال: {وأنِ احكم بينهم بما أنز ل الله}(115). ولم يقل: (بمثل ما أنزل الله) أو (وأنِ احكم بينهم بما نص عليه الدستور والقانون)... بل هذا قول المشركين من عبيد الديمقراطية والدساتير الأرضية.. ثم أين أنتم؟ أما زلتم في سُباتكم وغيِّكم القديم؟ أتدفنون رؤوسكم في الرمال.. ألا تُشاهدون تجارب أمثالكم من حولكم؟؟ هذه الجزائر وتلك الكويت وهناك مصر وغيرها وغيرها.. ألم توقنوا بعد بأنَّ هذه لعبةٌ كفرية، وملهاةٌ شركية عوجاء ومسدودة الطريق؟؟ ألم تتحققوا بعد بأنَّ هذه المجالس لعبة في يد الطاغوت يفتحها متى شاء ويُغلقها كيف شاء ويحلها حين يشاء(116) وأنه لا ولن يُسن فيها قانون حتى يُصدِّق ويُوافق عليه الطاغوت(117). فلماذا تُصِرُّون على هذا الكفر البواح.. وعلى هذه الذلة الصراح..؟؟ ثم ومع هذا تجدهم يجعجِعون ويصيحون ويقولون: كيف نتركُ هذه المجالس للشيوعيين أو النصارى... أو غيرهم من الملاحدة..؟؟ فبُعداً، بُعداً... وسُحقاً، سُحقاً... يقول تعالى: {ولا يحزنكَ الذين يُسارعون في الكفر إنَّهم لن يضروا الله شيئاً يُريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ}(118). فإنْ كُنتم من جملة الملاحدة، فهنيئاً لكم هذه المقاسمة والمشاركة.. شاركوهم بكفرهم وشركهم إنْ شئتم، لكن اعلموا أنَّ المشاركة في هذه الحال لا تقف عند حدود الدنيا.. بل كما قال الله تعالى في سورة النساء بعد أن حذر من أمثال هذه المجالس، وأمر بمفارقة أهلها وعدمِ القعود معهم وإلا القاعد مثلهم قال محذراً سبحانه: {إنَّ الله جامعُ المنافقين والكافرين في جهنَّم جميعاً}(119). ألم تُوقِنُوا بعد هذا كلِّه أنَّها شركٌ صراحٌ.. وأنها كفرٌ بواحٌ.. ألم تعلموا أنها دينٌ غير دين الله..؟؟ وأنها ملَّةٌ غير ملَّة التوحيد؟؟ فعلام التكالب إذاً عليها.. ذروها لهم.. نعم ذروها واجتنبوها واتركوها لأهل ملَّتها.. واتبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين... وقولوا كما قال حفيده يوسف عليه الصلاة والسلام وهو مستضعفٌ خَلْفَ قُضبان السجون: {.. إني تركتُ ملَّة قومٍ لا يُؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملّة ءَاباءِى إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أنْ نُشرك بالله من شيءٍ ذلك فضل الله علينا وعلى النَّاس ولكنَّ أكثرالنّاس لا يشكرون}(120). يا قوم... اجتنبوا الطاغوتَ ومجالِسه وتبرّؤوا منها واكفُروا بها ما دامت كذلك... هذا هو الحق المبين... والنّورُ الواضحُ المستبين، ولكن أكثر النّاس لا يعلمون.. {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هَدى الله ومنهم من حقَّت عليه الضلالة..}(121). {ءأربابٌ متفرقون خيرٌ أمِ الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إنِ الحكمُ إلالله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر النّاس لا يعلمون}(122). اجتنبوها يا قوم وتبرّؤوا من أهلها وشركها قبل فوات الأوان... وقبل أن يأتيَ يوم يكون ذلك أسمى وأعظم ما تتمنون ولكن بعد فواتِ أوانِه، ولن ينفعكم يومَها الندم ولا الآهات أو الحسرات... {وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرةً فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يُريهمُ الله أعمالهم حسـرات عليهم وما هم بخارجـين من النّار}(123). اجتنبوها الآن وقولوا لأهلها ـ إن كنتم على ملَّة إبراهيم وطريق الأنبياء والمرسلين ـ كما نقول في خاتمة كلامنا هذا: ـيا عبيد القوانين الوضعية... والدساتير الأرضية... يا أصحاب دين الديمقراطية ... ويا أيها الأرباب المشرِّعون ... إنا نبرؤ إلى الله منكم ومن ملّتكم ... كفرنا بكم ... وبدساتيركم الشركية وبمجالسكم الوثنية وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تُؤمنوا بالله وحده... وقائع برلمانية فاعتبروا يا أولي الأبصار () (لم أكن أظن أن ما قضى الله به في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى مُوافقة عِباد الله، ولكنني فُوجئت أنَّ قول الربِّ الأعلى يظل في المصحف ـ له قداسته في قلوبنا ـ إلى أن يُوافِقَ عباد الله في البرلمان على تصيير كلام الله قانوناً. وإذا اختلف قرار عباد الله في البرلمان عن حُكْمِ الله في القرآن فإنَّ قرار عِباد الله يصير قانوناً معمولاً به في السلطة القضائية مكفولاً تنفيذُه من قِبَلِ السلطة التنفيذية؛ ولو عارض القـرآن والسنّة. والدليل على ذلك أن الله حرم الخمر، وأباحها البرلمان. وأنَّ الله أمر بإقامةِ الحدود، وأهدرها البرلمان. والنتيجة على ضوْءِ هذه الأمثلة أن ما قرره البرلمان صار قانوناً رغم مخالفته للإسلام). هذه الكلمات هي خلاصة ما انتهى إليه أحد علماء الإسلام بعد أن قضى ثماني سنواتٍ كنائبٍ في البرلمان. وكان ذلك النائب العالم قد أحس بضرورة الخطابة على المنابر، والكتابة في الصحف، بعد طُول معايشته لتلك الأساليب، ازداد إيماناً بجدواها لكنه شعر أنها وحدها لا تحدث تغييراً في القوانين، ولا تأثيراً مُستمراً في السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، فرشح نفسه لعضوية البرلمان بحثاً عن أسلوب جديد لإعلاء كلمة الله تعالى بتطبيق الشريعة الإسلامية، إنقاذاً للعباد من الضلالة وتخليصاً لهم من الأباطيل ودفعاً بهم إلى رِحاب الإسلام. فاز العالم بعضوية البرلمان تحت شعار (أعطني صوتك لنُصلح الدنيا بالدين) وأعطاه النّاس أصواتهم ثقةً فيه رغم كلِّ وسائل التزييف والتزوير في الانتخابات. واستمر النائب في عضوية البرلمان دورتين متتاليتين ثم قال بعدها: (إنه عَزَّ على البيان الإسلامي أن يجد صداه المنطقي في هاتين الدورتين). ذهب النائب العالم يوماً إلى واحدة من مدريات الأمن لقضاء مصالح مُواطنيه ففوجئ في مكتب الآداب بحوالي ثلاثين امرأةٍ يجلسن على البلاط فسأل قائلاً: ما ذنبُ هؤلاء؟ فقال له المسؤول: إنهنَّ الساقطات! فسأل وأين الساقطون؟ إنها جريمةٌ لا تتم إلا بين زانٍ وزانية. فأخبره المسؤول بأنَّ الزاني عندهم هو مجردُ شاهدٍ بأنَّه قد ارتكب الزنا مع هذه وأعطاها على ذلك أجراً فهي تحاكم ليس لأنها ارتكبت الزنا ولكن لأنها تقاضت الأجر. فتحول المُقِّرُ والمعترفُ بأنه زان إلى شاهد عليها ولا يلتفتُ القانون إلى قراره واعترافه بالزنا. غضب النائب العالم غضبةً لله، فقال له المسؤول ببساطة: (نحن ننفذُ قانوناً أنتم أقررتموه في البرلمان). أدرك النائب العالم أنه مهما كثرت الجماهير المنادية بتطبيق الشريعة، ومهما ساندها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الآمال في تطبيق الشريعة لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق البرلمان الذي يسمونه (السلطة التشريعية)، ولأنَّ السلطة القضائية لا تحكم إلا بالقوانين التي تصدر عن البرلمان، وأنَّ السلطة التنفيذية لا تتحرك لحماية القرآن والسنّة، ولا لحماية الإسلام إلا بمقدار ما أقره البرلمان من هذه الجوانب المقدسة، اعتقد النائب العالم بأنَّ الوصول إلى هذه الغاية ممكنٌ إذا عَلِم نوابُ البرلمان أن هذا قول الله، وقوله رسوله صلى الله عليه وسلم، وحُكْمُ الإسلام ليقروه. انطلق النائب العالم فقدم مشروعَ قانون لإقامة الحدود الشرعية، ومشروع قانون لتحريم الربا مع اقتراح الحلِّ البديل، ومشروعَ قانون لتطويع وسائل الإعلام لأحكام الله، ومشروعَ قانونٍ لرعاية حرمة شهر رمضان، وعدم الجهر بالفطر في نهاره، ومشروع قانون لتنقية الشواطئ من العربدة، والعديد من المشاريع الإسلامية الأخرى. ووقع معه على مشاريع هذه القوانين عددٌ كبيرٌ من أعضاء البرلمان. وذهب النائب العالم لأداء العمـرة، واصطحب معه بعضَ أعضاء البرلمان، وعند الحجر الأسود عاهدوا الله جميعاً على مناصرة شريعة الله في البرلمان، ثم ركبوا الطائرة إلى المدينة المنورة، ثم تعاهدوا في رِحاب المسجد النبوي على رفع أصواتهم لنصرة شرع الله لا لنصرة انتماءاتهم الحزبية. حمّل النائب العالم السلطات الثلاث في الدولة مسؤولية إقرار المحرمات ومخالفة الشريعة، وتوعد وزيرَ العدل آنذاك بأنه سيستجوبه بعد بضعة شهور إذا هو لم يقدم ما تم إنجازُه من قوانين تطبيق الشريعة الإسلامية. ولم يقدم له الوزيرُ ما طلبه منه النائب فوجه إليه النائب استجواباً ـ والاستجواب في عرف البرلمانات ملزم للمستجوب بالرد عليه ما لم تسقط عضوية الوزير أو يخرج الوزير المستجوب من الوزارة ـ وأصر النائب على استجواب الوزير ووقفت الحكومة خلف وزيرها، وأصرت على اسقاط الاستجواب، ولما اشتد إصرارُ النائب على الاستجواب أحدثت الحكومة تعديلاً وزارياً لم يخرج منه إلا وزيرُ العدل، أي أن الوزير أُخرج من الوزارة ليسقط الاستجواب، وتكرر هذا العمل حتى أصبح قاعدةً من قواعد التعامل مع البرلمان. لجأ النائبُ العالم مرةً ثانيةً إلى أعضاء البرلمان وقال لهم: إنَّ مشاريع القوانين الإسلامية وُضِعت في أدراج اللجان، وقد عاهدتم الله في الحرمين على أنْ تكون أصواتُكُم لله ورسوله، وطالب بتوقيعهم على المطالبة بالتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية فاستجابوا، ووقعوا على ما طالبهم به ووضعَ النائب العالم هذه الوثيقة في أمانةِ البرلمان، وطالب باسم النواب جميعاً النظر في قوانين شرع الله. فقام رئيس البرلمان وطالب باسم النواب جميعاً النظر في قوانين شرع الله. وقال للنواب: إنَّ الحكومة لا تقل عنكم حماسةً للإسلام، ولكننا نطلبُ منكم فرصةً للمواءمات السياسية، فصفق له النواب الموقعون، المتعاهدون في الحرمين على العمل على تطبيق شريعة الله، ووافقوا على طلبه، فضاعتِ المطالبة بالتطبيق الفوري للشريعة وانتصرت الحكومة. غلب اليَأْسُ النائب العالم لعدم جدوى محاولاته في سبيل تطبيق الشريعة مع أعضاء يُناديهم فيستجيبون ثم يعدلون، ثم فُوجئ يوماً باقتراح من رئيس البرلمان للموافقة على تكوين لجنّة عامة لِقَوْنَنَةِ الشريعة الإسلامية، وتبيَّن حقيقة الأمر فوجد أنَّ قرار الحكومة المفاجئ هذا لم يكن إلا تغطيةً لفضيحةٍ كبرى مست كرامة البلاد. ولم تتخذِ الحكومة قراراً لصالح الإسلام. ورحب النائب بالفكرة رغم فهمه لأبعادها، واجتمعت اللجنة لكنَّ النائب العالم أحس عدم جِدية الدولة في تطبيق شرع الله لأنها إذا أرادت إرضاء الله فهناك أمور لاتحتاج إلى إجراءات. فإغلاق مصانع الخمور يمكن أن يكون بجرة قلم. وإغلاقُ الحانات يمكن أن يتم بجرةِ قلم. كانت هناك مظاهر تدل على ما في الأعماق حقيقة، تضافرت كلُّها لتترك في نفس النائب العالم انطباعاً ـ يُشكل في حد ذاته قاعدة من قواعد التعامل مع البرلمانات ـ مؤاداه: أنَّ شرع الله لن يتحقق أبداً على أيدي هؤلاء. فُوجئَ النَّاس وفُوجئَ النائب العالم بحلِّ البرلمان بعد أن كان هو رئيساً للجنة مرافعات تطبيق الشريعة الإسلامية، وظل يُوالي مع اللجنة عملية الدراسة والتقنين عبر ثلاثين اجتماعاً. وفي غيبة البرلمان صدر قرارٌ خطيرٌ في مسألة تمس حياة النّاس الشخصية. فوقف النائب العالم ضد هذا القرار لأنه مخالفٌ للإسلام والدستور، ولكن القاعدة تقول: أنَّ البرلمان كلّه يمكن أن يحل بقرار إذا أرادت الدولة فرض أمر على الناّس حتى ولو كان مخالفاً للإسلام. أما أهم قاعدة يستند إليها البرلمان فقد لخصها النائب العالم بقوله: (إنه مهما أُوتِيتُ من حجج ومهما استند موقفي إلى الكتاب والسنّة فإن من عيوبِ البرلمان ومسئوليته الفادحة أنَّ الديمقراطية تجعل القرار مُلكاً للغالبية المطلقة بإطلاق وبلا قيد ولا شروطٍ ولو خالف الإسلام). أحس النائب العالم بأنَّ زحفاً من التضييق عليه يشتد من جانب الحكومة، ومن رئيس البرلمان، ومن حزب الغالبية؛ وافتعلت رئاسة البرلمان ثورات ضده، واتهمته بأنه يُعطل أعمال اللجان. ولكنَّه استمر في بذل جهوده. فقدم العديد من الأسئلة التي لم تدرج في جداول الأعمال، وقام بالعديد من طلبات الإحالة فوجدها قد دُفنت ولم تقم لها قائمة، ثم عاد إلى استخدام سلاح الاستجواب الذي لا يمكن رده. فاستجوب وزراء الحكومة عن ضرب الدولة للقضاء الشرعي والأوقاف، والمعاهد الدينية، ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم، وعن ضربها لمناهج التعليم في الجامعات الدينية بحجة تطويرها، وعن ضربها للمساجد بإصدارها قانوناً لا يسمح لأحد حتى ولو كان من (المشايخ) أن يدخل دُور العبادة، وأن يقول ولو على سبيل النصيحة الدينية قولاً يُعارض به قراراً إدارياً أو قانوناً مُسْتَقِراً؛ ومن فعل ذلك حبس وغرم، فإن قاوم ضُوعفت الغرامة وسجن. قدم النائب العالم استجواباً إلى وزير السياحة لأنَّ طلاباً في المدارس الفندقية أُرغموا على تذوق الخمور فرفضوا ففصلوا، وقدم استجواباً آخر إلى وزير الإعلام بُغية تطهير وسائل الإعلام من العربدة التي تعصفُ بالقِيَّم والأخلاق ومقدسات البلاد، واستجواباً ثالثاً إلى وزير النقل والمواصلات عن صور القصور والتقصير بهذه المرافق، وشعر النائب العالم أنه يقدم الاستجواب تِلْوَ الاستجواب إلى بالوعات، فوقف في البرلمان يحاسب رئيسه ويتهمه بالخروج على لائحة البرلمان، فأمر رئيس البرلمان في لعبةٍ مثيرة بإدراج الاستجوابات الثلاثة في جلسة واحدة مع أنَّ كلّ استجواب يحتاج إلى أيام، ثم دعا الهيئة البرلمانية لحزب الأغلبية لتحبط هذه الاستجوابات، ونودي على وزير السياحة فتدخلت الحكومة التي اعترضت على إدراج هذا الاستجواب في جدول الأعمال لأنَّ فيه كلمةً نابية هي بالضبط (اتهام صاحب الاستجواب الوزير بأنه جافى الحقيقة أثناء رده على السؤال) ثم طُرح الموقف على نُواب البرلمان فقرروا إحباط الاستجواب وعطلوا ما يسمى بالحق الدستوري للنائب في محاسبة الدولة، ثم نُودِي على الاستجواب الثاني المقدم لوزير الإعلام، وكما انتصر النواب للخمر، انتصروا للرقص رغم أنَّهم عاهدوا الله على النصرة لشريعته، ثم نُودِي على وزير النقل لكن النواب رأوا أنّ محاسبة الوزير تتلاقى مع أهوائهم، فقام النائب العالم إلى المنصة وقال لنواب البرلمان: ـ (يا حضرات النواب المحترمين لستُ عابدَ منصبٍ ولستُ حريصاً على كرسي لذاته، ولقد كان شعاري مع أهل دائرتي (أعطني صوتك لنصلح الدنيا والدين) وكنت أظن أنه يكفي لإدراك هذه الغاية أن تقدم مشروعات القوانين الإسلامية لكنه تراءى لي أنَّ مجلسنا هذا لا يرى لله حكماً إلا من خلال الأهواء الحزبية، وهيهات أنْ تسمح بأن تكون كلمة الله هي العليا.. لقد وجدتُ طريقي بينكم إلى هذه الغاية مسدوداً، لذلك أُعلن استقالتي من البرلمان غير آسفٍ على عضويته). وانصرف النائب العالم إلى داره في أبريل 1981 ورفعت الجلسة. رحل النائب العالم عن البرلمان، ثم رحل عن هذه الدنيا كلِّها بعد ذلك بعدة سنوات، وبقي البرلمان يقضي ويُشرع ويُنفذ بغير ما أنزل الله. الفهرس مقدمةالناشرمقدمة المؤلففصل: في بيان أصل الأصول والغاية من خلق الخلق وبعثة الرسل تعريف الطاغوت بيان أن المشرِّعين مع الله طواغيت يجب اجتنابهم أعلى درجات الكفر بالطاغوت وأدناهافصل: الديمقراطية دين كفري وأهلها مشركون تعريف الديمقراطية وحقيقتها بيان أهم خصائص الديمقراطية وأنه كفرٌ محضٌ الديمقراطية تشريع الجماهير أو حكم الطاغوت وهي تشريعهم وحكمهم وِفقاً للدستور لا غير الديمقراطية ثمرة العلمانية المنتنة حقيقة المشاركين في الديمقراطيةفصل: ردود على شبهات وأباطيل تُسوِّغ دين الديمقراطية ردود على ما جاء في كتاب عمر الأشقر - الشبهة الأولى: عمل يوسف عند ملك مصر والرد عليها من وجوه شبهة مؤمن آل فرعون - الشبهة الثانية: أنّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله وكان مسلماً - الشبهة الثالثة: تسميتهم الديمقراطية بالشورى أو حرية الكلمة لتسويغها - الشبهة الرابعة: مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حِلف الفضول - الشبهة الخامسة: مصلحة الدعوةوقائع برلمانية إنّ الديمقراطية دين غير دين اللـه وملّة غير ملّة التوحيد، وأنّ مجالسها النيابية ليست إلا صروحاً للشرك ومعاقل للوثنية يجب اجتنابها لتحقيق التوحيد الذي هو حق اللـه على العبيد بل والسعي لهدمها ومعاداة أوليائها وبُغضهم وجهادُهم... وأنّ هذا ليس أمراً اجتهادياً كما يحلو لبعض الملبِّسين أن يجعلوه... بل هو شركٌ واضحٌ مستبين وكفرٌ بواحٌ صراح قد حذر اللـه تعالى منه في محكم تنزيله، وحاربه المصطفى صلى اللـه عليه وسلم طيلة حياته... وهذه قصيدة جميلة للكاتب(محمد صادق مغلّس) المدرس بجامعة الايمان اضفتها مع الكتاب لارتباطها بالموضوع وهي بعنوان(فتنة الدهيماء الديمقراطية) خطابي ليس بدعاً في الخطاب إلى الأحباب طلاب الصوابِ بذلتُ القول والرحمنُ حسبي رجاءَ النفعِ في يوم الحساب كذلك أرتجي بالقول رشداً يُزيلُ يقينُهُ وهمَ السرابِ غَزَتْنا فتنةُ "الدهماء" غزواً كما قال النبي بلا ارتيابِ تصيبُ المسلمين بكلِّ أرضِ وما يُغني مُصابٌ عن مصابِ فحامت في حمى الإسلام حتى تشعَّبَ جمعُنا أي انشعابِ وأضحى الدِّيْنُ فُسْطاطين: هذا على صدقٍ وهذا في كذابِ صحافاتٌ سخافات خرابٌ وتلفازٌ لإنجاز الخرابِ صُحُونٌ في حُصُونٍ جارفاتٌ جذور الخير من عمقِ الترابِ وتمييْعٌ وتضييعٌ وقبح ونشرٌ للرذيلة في الشبابِ وتجويعٌ وتطبيعٌ وفتحٌ لأمريكا لتدخل كلَّ بابِ مُراباةٌ وعوْلمةٌ ونزعٌ لأية شوكةٍ ولأي نابِ وللنِّسوان شهرٌ كلَّ شهرٍ مساواةٌ ونبذٌ للكتابِ حملنا بعدهم فكر التساوي فجاءتنا الجنادر بالعقابِ وكم من مُنكرٍ قد صار عُرْفاً بتقريب الخطاب من الخطابِ وألوانُ الخلاعة ألفُ لونٍ بلا ردعٍ.. وعزفٍ كالشرابِ وعرسٌ كل يومٍ وانتخابٌ تعيش الدهر أعراسُ انتخابِ وللعمال ترشيحٌ وفرزٌ وللطلاب من أجل الطلابِ وللفنَّان والحيطان فوزٌ نقابات تكالُ بلا حسابِ يعيش الناخبون على ظُنونٍ وقانون لتمليك السَّحابِ وكم أفنوا جهوداً أو نُقودا وكم ساروا ذهابا في إيابِ فلم يجنوا سوى هم طويلٍ وأوهامٍ بتبييضِ الغرابِ ولو عملوا قليلاً من كثيرٍ على نور لعادوا بالجوابِ وللتزوير فنٌ لا يُبارى وقد يعلوا الرويبضُ كالشهابِ ومن لم يفعل التزوير مكراً أعاد الفوز قهراً بانقلابِ وأحلامٌ التداول في انتخابٍ لأحكام التحايل في انتخابِ وإنا في الحديث لفي زمانٍ يُقامُ الملك جبراً بالحرابِ وقد جزم الرسولُ فلا مجالٌ لتنظير وأحلام كذابِ سلوا مصراً، سلوا الإخوان فيها سلوا الأردنّ في العمل النيابي سلوا الأتراك واليمن المعنَّى وما جنتِ الجزائرُ من مُصابِ أما تكفي تجاربهم دروساً ليرتدع المؤمِّل في السرابِ وزد يا صاح؛ فـ"المقراطُ" نهجٌ يناقض غيهُ نهج الكتابِ "دمقراطية" وردت شعاراً مزينة مزيفة الثيابِ تخادعُ كل قومِ كل يومٍ بألفاظ منمَّقةٍ عذابِ يُساوى الوغدُ والمرتدُّ فيها بأكبر عالم بل بالصحابي بل التدّليل بالقرآن رأيٌ يساوي أي رأي في الخطابِ يقولون الشريعة نفتديها ويثخنها الذئابُ بألف نابِ وفي التصويت حسمٌ واختيارٌ وكم حسموا بإسقاط الصوابِ فهل قد أصبح "المقراط" ربّاً وفي القاعات يُعبدُ بالنصابِ؟ وهل هو سافرٌ عند النصارى ؟ وعند المسلمين مع الحجاب؟ وبالشورى يُشبِّهُهُ أناس وأين التبر من أدنى الترابِ يُجاري نهجه نفرٌ نفيرٌ مجاراةً لتخفيف الخرابِ فطوراً قدروا في الصمت عذراً وطوراً في مسايرة الرِّكابِ وطوراً يُقحم الإرهاب قسراً ولا يخلو الجهادُ من المصابِ وتمضي المنكرات بلا أناةٍ وتسرع بالجميع إلى تبابِ ونهيُ المنكرات به نجاةٌ ولكن المجاري كم يحابي ونعصي كي نطيع ولا فلاحٌ لمن شاب الوسيلة بالشِّيابِ وما الطاعات تُطلبُ بالمعاصي ولا الغايات تُكسبُ بالمعابِ وإن التاركين لمنكراتٍ بزعم الجدِّ في نيل اكتسابِ كمصطاد الجرادة بعد جُهدٍ وعشرٌ قد هربن من الجرابِ ومن ركب السَّفين بلا احتسابٍ سيغرق في السفين مع الصحابِ ومن للمدبرين يكن جليساً يكن أيضاً شريكاً في العذابِ وأنت بمنطقِ "المقراط" حرٌ فكيف تلام من أجل الغيابِ؟ ولو دخل الفرنجةُ جُحر ضبٍ فهل تلج الجحور مع الضبابِ؟ ولن ترضى الذيول وإن حرصنا فأذيالُ الذئاب من الذئابِ وهل ترضى اليهود أو النصارى وقد حكم الكتابُ بلا ارتيابِ وللإسلام رب لن تضيعوا وإدمان التنازل شرّ غابِ وحسبُ العاجزين عن التناهي إذا حجبوا التهاني عن خرابِ فقل للحائرين: كفى اغتراباً فلن ترثوا الخلافة باغترابِ وخلطُ الدين بالطاغوت نُكرٌ وإن طرق المؤمِّلُ كل بابِ ومن رام الحلاوة لم ينلها إذا خلط الحلاوة بالترابِ وهذا القول قولٌ من خبيرٍ تشبَّع من سرابٍ وانتخابِ وهذي الفتنة الكبرى بلاءٌ فكن يا صاح من أهل الصوابِ وما قصد القصيدة لوم قومٍ ولكن دعوةٌ نحو الإيابِ أقدِّمها عموماً لا خصوصاً لمن شرفوا بميراث الكتابِ لكل المسلمين بكل أرضٍ وأرجو الله حُسناً في الثوابِ . |
#2
|
|||
|
|||
ماشاء الله
بارك الله فيك هذه الشبه والرد عليها استفدت منها كثيرا جزاك الله خيرا ونفع بك |
#3
|
|||
|
|||
بوركتي اختي على هذا المرور
الطيب وأسأل الله رب العرش العظيم بمنه وكرمه ان ينفع بهذه المادة المسلمين وان يبتعدوا عن هذه الفتنة وان يحفظ الشيخ المقدسي وجزاكِ الله خيراً |
#4
|
|||
|
|||
جازاك الله خيرا أخي الفاضل و للإضافة أنقل كلاما جميلا للشيخ أبي بصير قال الشيخ ونؤمن بالقدر خيره وشره، وأن الله خلق الخلق وقدّر لهم أقداراً وضرب لهم آجالاً، وعلم ما هم عاملون من قبل أن يخلقهم، فعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن؛ لو كان كيف يكون. هداهم النجدين، فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته. ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد – إلا ما شاء لهم – فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء، ويعصم وينجي فضلاً منه، ويضل من يشاء، ويُشقي ويخذل عدلاً منه، وكل العباد يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقّبَ لحكمه، ولا غالب لأمره. ما للعباد عليه شيءٌ واجبٌ كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُإن عذبوا فَبِعَدْلِهِ أو نُعّموا فبفضله وهو الكبيرُ الواسعُ والخير والشر؛ مقدران على العباد. ولم يكلف الله العباد إلا ما يطيقون، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ أي لا حيلة لأحد، ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله سبحانه، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله. وكما أن المسبَّبات من قدر الله الذي فرغ منه، فكذلك أسبابها أيضاً من قدر الله الذي فرغ منه. والإيمان بالقدر على درجتين؛ وكل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون، فسبق علمه في كل كائن في خلقه، فقدَّر ذلك تقديراً محكماً، قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِيْنٍ} [يونس: 61]، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، وقال: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرَاً مَقْدُورَاً} [الأحزاب: 38]. ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وضمَّنه مقادير الخلق. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (يا بني! إنك لا تجد حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"، يا بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني") [7]. قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]. وهذا التقدير يكون في مواضع مجملاً، وفي مواضع مفصلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات أن يكتبها؛ رزقه، وأجله وعمله، وشقي أم سعيد. فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه. الدرجة الثانية: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد. ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد. فله سبحانه مشيئتان؛ وهما خلق الله وأمره، وقدرته وشرعه، كما قال سبحانه وتعالى: {أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]. مشيئة شرعية؛ وهي أمره الشرعي الذي قد يُعصى سبحانه فيه ويُخالف. ومشيئة قدرية؛ فلن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، فلا يُعصى أمره الكوني القدري. فتلك سنته شرعاً وأمراً، وهذه سنته قضاءً وقدراً. وأفعال العباد؛ خلق الله وفعل العباد، فالعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن أو الكافر، والبر أو الفاجر، والمصلي والصائم، وللعبادة قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافت: 96]، وقال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29]، وهذه الدرجة يكذب بها عامة القدرية وغلا فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره وأخرجوا عن أفعال الله وأحكامه حِكَمها ومصالحها. فنحن وسط في القدر بين الجبرية والقدرية، فأفعالنا ومشيئتنا؛ مخلوقتان، والإنسان فاعل لأفعاله على الحقيقة مختار، له إرادة ومشيئة. وهذا جملة ما يحتاج إليه في هذه المسألة من نَوَّر اللهُ قلبَه من أولياء الله تعالى. فأصل القدر سر الله في خلقه، قد طوى الله تفاصيل علمه عن عباده، ونهاهم عن التعمق فيه، فقال في كتابه: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب؛ فقد كفر وخسر وخاب. وذلك أن العلم علمان: علم أنزله الله تعالى في الخلق؛ فهو موجود. وعلم حجبه الله عنهم؛ فهو مفقود. فإنكار العلم الموجود؛ كفر، وادعاء العلم المفقود؛ كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك العلم المفقود، ورده على عالمه الغفور الودود. ومن آثار الإيمان بالقدر وثمراته: أن يتوكل المؤمن على الله حق التوكل، فلا يتخذ الأسباب أرباباً، ولا يتكل عليها، بل يخلص توكله على الله وحده، فكل شيء بتقديره سبحانه. ومنها؛ اطمئنان قلب المؤمن وعدم جزعه أو تحسره على ما يصيبه ويجري عليه من أقدار الله تعالى، فلا يأسى لفوات محبوب أو حصول مكروه، فكل ذلك بقدر الله تعالى، وما أصابه ما كان ليخطئه، وما أخطأه ما كان ليصيبه. [7] رواه أحمد وأبو داود، واللفظ لأبي داود. |
#5
|
|||
|
|||
جزاك الله خيراً اخي الحبيب
ونفع الله بك وأسأل الله رب العرش العظيم ان يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك وبوركت |
#6
|
|||
|
|||
من أفضل المواضيع التي قرأتها للرد على شبهات القوم
وأجمل الكلمات التي أبكتني هي كلمات هذا العالم المجاهد رحمه الله (يا حضرات النواب المحترمين لستُ عابدَ منصبٍ ولستُ حريصاً على كرسي لذاته، ولقد كان شعاري مع أهل دائرتي (أعطني صوتك لنصلح الدنيا والدين) وكنت أظن أنه يكفي لإدراك هذه الغاية أن تقدم مشروعات القوانين الإسلامية لكنه تراءى لي أنَّ مجلسنا هذا لا يرى لله حكماً إلا من خلال الأهواء الحزبية، وهيهات أنْ تسمح بأن تكون كلمة الله هي العليا.. لقد وجدتُ طريقي بينكم إلى هذه الغاية مسدوداً، لذلك أُعلن استقالتي من البرلمان غير آسفٍ على عضويته) فيا حسرتاه على شريعة الإسلام المضيعة في بلاد تدعي الإسلام! |
#7
|
|||
|
|||
بوركت اخي الغالي وجزاك الله خيراً
ونفع الله بك |
#8
|
|||
|
|||
جزاكَ اللهُ خيراً أخي الحبيب . التعديل الأخير تم بواسطة أبو عمر الأزهري ; 12-08-2008 الساعة 06:44 PM |
#9
|
|||
|
|||
بوركت اخي وجزاك الله خيرا
|
#10
|
||||
|
||||
سبحان الله
نفس الشبهات التي نسمعها اليوم نسأل الله الثبات على الحق ويرزقنا الإتباع.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|