الهزيمة كانت درساً ضرورياً للمسلمين

[أم كريم]

 

الهزيمة في أحد درساً ضرورياً للمسلمين


إن الذى يستعرض مواقف غزوة أحد ويتأمل ماكان فيها من الحوادث والصور يعتقد أنها كانت شيئا لابد أن يكون ودرساً كان لابد أن يتلقاه المسلمون وهم فى أول عهدهم بالقتال فى سبيل الله 0
فقد كانت الهزيمة فى أحد أول هزيمة تصدم المسلمين الذين نصرهم الله ببدر وهم قليل فكأنما وقَر فى أنفسهم أن النصر فى كل موقعة هو الأمر الطبيعى فى كل الظروف والأحوال ومهما يكن تصرفهم وبعدهم عن أسباب النصر الحقيقية من أستعداد وطاعة وتغلب على شهوات النفس ومطامعها
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعلم عباده المسلمين أن النصر لايكون إلا لمن يأخذ بأسباب النصر وأن الهزيمة لاتكون إلا على من يجنح لأسباب الهزيمة وأن الله لن يتخلى عن المؤمنين ماداموا يخلصون له النية والعمل0

فإذا ماشغلهم عنه شاغل من أعراض الحياة الدنيا فإنه يتخلى عنهم بمقدار مايشغلهم من ذلك الشاغل ولايكون معهم حتى يكونوا معه بقلوبهم وحواسهم وظاهرهم وباطنهم 0
ومن أســــــــباب الهزيمة : -



أولا / خروج المسلمون إلى أحد وهم على غير أتفاق
فقد خرج المسلمون لها وهم فى ظاهر أمرهم جمع ملتئم يتلهب حماسة إلى لقاء العدو فما كادوا يقطعون بعض الطريق حتى ظهر الخلاف بينهم فرجع عبد الله بن أبى بثلث الجيش 0
ثانياً / خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
عندما التحمت المعركة بدت ظاهرة أخرى من ظواهر الضعف فى تنازع الرماة وتهافتهم على الغنيمة ومخالفتهم أمر رسول الله رغم تحذيره لهم ألا يغادروا أماكنهم فلم يهتموا بطاعة الرسول ففسدت الخطة وصار الأمر فوضى وهذا ماحدث فى وقعة أحد خالف الرماة أمر رسول الله وهو القائد الأعلى واندفعوا مع رغباتهم فى احتياز الغنائم ففسدت الخطة التى وضعها القائد ورتب خطواتها على أساس الطاعة التامة من الجنود فكان عصيان الجنود سبباً فى فساد الخطة وكان فساد الخطة سببا فى اضطراب الجيش وكان اضطراب الجيش سببا فى تحول النصر إلى الهزيمة 0
ثالثاً / تفرق المسلمون عن رسول الله وشغلوا بأنفسهم
ظاهرة أخرى من ظواهر الضعف فى صفوف المؤمنين كشفتها هذه المعركة ذلك أنهم لم يتضاموا ويتكتلوا حين أحاط العدو بهم بل تفرقوا فى كل وجهحتى فر بعضهم إلى المدينة فلم يمنعه من دخولها إلا الحياء وحتى شغلهم أمر أنفسهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركوه فى المعركة وحيدا ً فى قلة من الرجال ماكانت لتغنى عنه شيئا لولا رعاية الله 0
رابعاً/ كف بعض المؤمنين عن القتال حين سمعوا بموت رسول الله
حين شاع نبأ موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كف بعض المؤمنين عن القتال وأستسلموا للهزيمة
وكأنما جاءوا إلى القتال لاعن عقيدة يدافعون عنها ويموتون فى سبيلها بل جاءوا إليه متورطين إما لطاعة أمر رسول الله وتحرجا من مخالفته وإما وفاء بالعهد الذى أعطوا على أنفسهم بالدفاع عنه فلما مات ذهب السبب الذى من أجله يقاتلون 0
خامساً/ طائفة أهمتهم أنفسهم
وظاهرة أخرى من ظواهر الضعف سجلتها معركة أحد ذلك أن فريقا من المسلمين لم يكونوا قد آمنوا بعد بمبدأ التضحية فى سبيل العقيدة ولم يكونوا قد أدركوا بعد سُنن الله فى الكون وكأنما كانوا يقيسون صلاح العقيدة وفسادها بما يصيب أتباع العقيدة من نصر أو هزيمة أو كانوا يظنون أن صلاح العقيدة وحده كاف لأن ينصرها ولو لم يأخذ أصحابها بأسباب النصر 0
فعلمهم الله سبحانه وتعالى أن النصر والهزيمة لاصلة لهما بصلاح العقيدة وفسادها وأن الموت والحياة لا صلة لهما بالحرب أو السلم فمن أخذ بأسباب النصر كان له النصر ومن جاءه أجله سعى إلى مضجعه من الأرض طائعا ليموت حيث كتب الله له أن يموت 0

على أنه كانت إلى جانب هذه الصور صور أخرى تنبىء عن البطولة وصدق الإيمان ومنها : -



بلاء حمـــــزة
فقد كان حمزة بن عبد المطلب يخوض فى هذه المعركة كما يخوض الجمل الأورق يَهُدّ الناس بسيفه هداً مايقوم له شىء حتى قتله وحشى ذلك العبد الحبشى الذى خرج من مكة وهدفه الأول والأخير أن يقتل حمزة ليشترى به حريته 0
بلاء أبى دجانة
وكان أبو دجانة مثلا للبطل الواثق بنفسه الشجاع فقد رُوِى أن رسول الله صفَّ أصحابه للقتال ثم أخذ سيفا فجعل يعرضه على أصحابه قائلا :
( من يأخذ هذا السيف بحقه ) ؟ فقال أبو دجانة : وماحقه يارسول الله ؟
قال : ( أن تضرب به فى العدو حتى ينحنى )
فقال أبو دجانة : أنا يارسول الله
فأخذه وكانت له عصابة حمراء تسمى عصابة الموت وكان إذا اعتزه القتال عصب بها رأسه فأخرج عصابته فاعتصب بها ثم أمسك السيف فجعل يتمايل به أمام الصفوف فى تخايل وعجب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها لمشية يبغضها الله إلا فى مثل هذا الموقف )
ثم أنزل المعركة فأبلى فيها أحسن البلاء ودافع عن رسول الله أحسن الدفاع فكان مثلا عالياً فى التضحية والفداء
بلاء أنس ابن النضير
كان مؤمنا صادقا مر بنفر من المؤمنين وهم قعود قد ألقوا بأيديهم فقال : مايُقعِدكم ؟
قالوا : قُتِل رسول الله صلى الله عليه وسلم !
قال أنس : ( فما تصنعون بالحياة من بعده ؟ قوموا فموتوا على مامات عليه !)
ثم جعل يقاتل حتى قُتِل فوجد به أكثر من ثمانون طعنة وماستطاعت أخته أن تستدل عليه إلا ببَناَنه
بلاء سعد ابن الربيع
قاتل حتى أثخن بالجراح فمر به الصحابة وهو يجود بنفسه فقال له : أما علمت أن محمدا قد قتل ؟
فقال سعد : أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه فقاتل عن دينك فإن الله حى لايموت !
بلاء عبد الله بن جحش
ضرب مثلا عالياً فى تمنى الشهادة والرغبة فى ثواب الآخرة فقد تمنى الموت والشهادة وأن يمثل الأعداء به غاية التمثيل فقال :
اللهم إنى أقسم عليك أن نلقى العدو غدا فيقتلونى ويبقرون بطنى ويمثلون بى فألقاك مقتولا قد صُنع هذا بى فتقول : فيم صُنع بك هذا ؟ فأقول : فيك
فقاتل حتى قتل ووجد وقد صنع به الأعداء ماتمنى
روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من الذهب فى ظل العرش
فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا :
ياليت إخواننا يعلمون ماصنع الله بنا لئلا يوهنوا فى الجهاد ولاينكلوا عن الحرب
فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم
فأنزل الله هذه الآيات :
{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }


اللهم احشرنا مع الأنبياء والصحابة يوم القيامة وارزقنا شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم وارزقنا ومتعنا النظر إلى وجهك الكريم اللهم آمين

تـــابعوا رحلة الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأوصيكم وأوصى نفسى بكثرةالصلاة والسلام عليه و بنصرته وأتباع سنته

أسألكم الدعاء لى ولكم بأن يجمعنا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الفردوس الأعلى
أختكم فى الله

جميـــع الحلقـــــات
المثل الأعلى للقدوة الكاملة ( متجــدد)