عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-11-2011, 02:20 PM
د. حازم د. حازم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الحلقة الثانية : لا لسرقة جهود الآخرين
الحمد لله الذي جعل الدنيا ميدان لعمارة الآخرة , والصلاة والسلام على خير قدوة في ذلك سيدنا الهادي الأمين محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم-, و بعد فإن من أطال النظر في هذا الزمن اعتبر , وإن الحصيف يرى أن الله-عز وجل- ذلل كل شيء لهذا الإنسان , ليعبد الله ويتقه .
لقد فطن أرباب الإيمان , وعلموا بأن العمر محدود , فأحسنوا وزينوا واتخذوا من العمل الصالح خير زاد .
إن لــلــه عــبـــاداً فــطــنــا --- طـلقـوا الـدنـيـا وخـافـوا الـفـتـنـا
نـظـروا فـيـهـا فـلـمـا عـلـمــوا --- أنـهـا لـيـســت لـحــي وطـنــا
جـعـلـوهــا لــجــة واتــخــذوا --- صـالـح الأعـمـال فـيـهـا سـفـنــا
روى البخاري عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أنه قال :" ارتحلت الدنيا مدبرة , وارتحلت الآخرة مقبلة , ولكل واحدة منهما أبناء , فكونوا من أبناء الآخرة , ولا تكونوا من أبناء الدنيا , فإن اليوم عمل ولا حساب , وغداً حساب ولا عمل".


وإن من أبشع السيئات أن يكن من هؤلاء من عرف الله , وأدرك نعمه , وقد يكون ممن وُفق للخير ثم تأخذه زبانية الأماني إلى الهاوية , و لا رجعة بعد ذلك (نسأل الله العافية والسلام) ,
وإن ما دفعني لهذا الموضوع مشاهدة بعض المظاهر التي يتجلى فيها هذا الداء في المسلمين ,

الفرح الشديد بحمد الناس , وإطلاعهم على محاسن عمله , وربما كان يُخفي العظام من الموبقات , وهو يحرص على إخفائها , كحرص المتقين على إخفاء حسناتهم , وهو بذلك يغالط المنهج الرباني الذي يدعو للإخلاص , وابتغاء الأجر من الله , قال الله تعالى :" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء...". ( الآية 5: سورة البينة) , وقد يصل بهذا المبتلى أن يحاول سرقة جهود الآخرين , ومن ثم يصعد على أكتاف المجتهدين , وليفز هو بالحظوة الدنيا , والآخرة لا شك لم يحلو له النظر فيها في الوقت الحاظر , وهذا دال على ذلك أيما دلالة , قال الله –تعالى-:"لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " . قال السعدي-رحمه الله- في تفسير (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا): أي, بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه فجمعوا بين فعل الشر وقوله ، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه .



قال تعالى:
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران 188).
( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) أي: من القبائح والباطل القولي والفعلي.
( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه.
( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) أي: بمحل نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه، وسيصيرون إليه، ولهذا قال: ( ولهم عذاب أليم ) .
ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم أنه محق وغيره مبطل، كما هو الواقع من أهل البدع.
ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ وقال: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وقد قال عباد الرحمن: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.
رد مع اقتباس