عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-15-2008, 10:03 PM
أم البراء أم البراء غير متواجد حالياً
.:: لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ::.
 




افتراضي الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] للشيخ (محمد المنجد)

 



الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1]
إن حب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم دفعهم لقبول ما يروى عنه دون تثبت، لاسيما إذا خاطب ما يروى عليهم عواطفهم ومشاعرهم، ورتب على قليل الفعل جزيل الأجر. وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة قد تركت آثاراً سيئة على الفرد والمجتمع كالتفرقة بين المسلمين، وإلغاء قواعد في أصول الفقه، وإيقاع المسلمين في الشرك، ورد الحديث الصحيح، وغيرها من الآثار السيئة التي بينتها هذه المادة، والتي بينت كذلك: خطورة التقول على النبي صلى الله عليه وسلم .. وخطورة انتشار هذه الأحاديث .. أسباب الوضع .. فضل العلماء في الذب عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتنقيحه .. وأسباب انتشار هذه الأحاديث بين الناس.
خطورة انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إخواني في الله، أهل هذا البلد الآمن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإني والله مسرورٌ ومنشرح الصدر لهذا اللقاء، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا مجلساً يرضاه سبحانه وتعالى، وأن يجعل فيه خيراً كثيراً للسامع والمتكلم. أيها الإخوة: كان في الذهن أكثر من موضوعٍ لإلقائه في هذه الليلة، ورأيت الآن وأنا في مجلسي هذا أن أبدأ معكم بالموضوع المتفق عليه أصلاً وهو: (الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة)؛ لأني أخشى لو أنني بدأت بالموضوع الآخر ألا ننتهي منه، وأن يطول الكلام عليكم جداً، ولعلكم تسمعونه في مناسبة أخرى إن شاء الله، وعلى العموم فهذا الموضوع أو الموضوع الآخر مذكورة تفاصيلهما في كتب أهل العلم، ولكن حسبنا في هذه الجلسة أن نتذاكر ونتواصى معاً ونحقق قول الله عز وجل في الذين استثناهم من الخسران: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[العصر:3] وهذه الآية تبين لنا أن هناك أشياء في الإسلام لا يمكن أن تؤدى بشكلٍ فردي، ولا بد من عباداتٍ جماعية يقوم بها المسلمون، ومنها التواصي على الحق والصبر، ومن التواصي بالحق -أيها الإخوة- التواصي بالمحافظة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله سبحانه وتعالى ليبين لنا ما أنزل إلينا من ربنا، فكانت سنته صلى الله عليه وسلم شارحة للكتاب العزيز، مفصلة لمجمله، مخصصة لعمومه في بعض الأحكام، ولذلك كان لا بد لحفظ الكتاب من حفظ السنة، والذي نراه -أيها الإخوة- في هذا العصر أن تفريطاً عظيماً حصل من المسلمين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا التفريط: التساهل في رواية الأحاديث التي تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون عليه السلام منا براء، ولا يمكن أن يقول عليه الصلاة والسلام مثل بعض الكلام الذي ينسبه بعض الجهلة إليه صلى الله عليه وسلم. وقد يكون في أذهان البعض أن هذا الموضوع من البديهيات، ولكن -أيها الإخوة- المتأمل في أضرار هذه المسألة وهي انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس لَيُدْرِكُ بجلاء أن المسألة خطيرة، ولعلنا نخلص من عرض هذه المحاضرة إلى شيءٍ من هذه الخطورة التي نريد أن نبينها، حتى يعي المسلم من أين يؤتى، وحتى يعي المسلم ما هو مصدر الأمراض المنتشرة في المجتمع، فإنه أحياناً يكون خارجياً، من أعداء الإسلام في الخارج، وأحياناً يكون من الداخل، وبعض المسلمين يوحون إلى آخرين بأن السبب في تقهقر المسلمين وانهزامهم مؤامرات خارجية، وقد تتخذ هذه النقطة شماعة تعلق عليها الأخطاء الداخلية التي ترتكب في المجتمع الإسلامي.......

خطورة التقول على النبي صلى الله عليه وسلم

بادئ ذي بدءٍ -أيها الإخوة- لا بد لنا أن نذكر هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنتم تعلمون أن حديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) حديثٌ متواتر، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً من سبعين صحابياً وربما مائة صحابي، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن الذي أصله في الصحيحين : (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وقد ترجم عليه ابن حبان رحمه الله: فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالمٍ بصحته. وروى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه : (من حدث عني بحديثٍ يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِيْن -أو الكاذِبَيْن-). ......

أسباب الوضع

لقد كانت حركة الوضع في الحديث من المؤامرات الباطنية التي يقصد منها تشويه الإسلام، والتي يقصد منها إشاعة الفتنة وإبعاد المسلمين عن الصحيح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من هؤلاء زنادقة يضعون الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعبد الكريم بن أبي العوجاء وغيره، الذي كان يقول لما قدم ليضرب عنقه: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديثٍ أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام. وكان من هؤلاء أصحاب أهواءٍ كما قال ذلك الشيخ الخارجي: كنا إذا اشتهينا أمراً أو هوينا أمراً صيَّرنا له حديثاً. وممن اشترك في وضع الحديث أناسٌ يضعونه صناعة وتسوقاً جراءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن أحدهم ليسهر عامة ليلة، في وضع حديث. ومنهم من كان ينسب إلى الزهد والتدين، ولكنه جاهل على الأقل في هذه النقطة، فكان يضع الأحاديث يظن ذلك احتساباً عند الله كـنوح الجامع ، وسمي بالجامع لأنه كان يجمع التفسير والفقه والمغازي وعلوماً كثيرة إلا شيئاً واحداً وهو التورع من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن عنده، وعندما يجهل المسلم المنطلق الصحيح وتقع له شبهة، ولكنه غير معذورٍ فيها مثل هذا الرجل، لأن الأمر قد بين له ونوقش ولكنه مع ذلك أصر وقال: رأيت الناس يشتغلون بـمغازي ابن إسحاق ، وفقه أبي حنيفة فأردت إرجاعهم إلى القرآن، فقعد يضع الحديث في فضائل السور سورة سورة. ومنهم أناسٌ كانوا يضعون الأحاديث في تمجيد رؤساء مذاهبهم كما وضعت الكرامية هذا الحديث: (يجيء في آخر الزمان رجلٌ يقال له: محمد بن كرام يحيي السنة والجماعة، هجرته من خراسان إلى بيت المقدس كهجرته من مكة إلى المدينة) حديثٌ مكذوب يريدون به رفع شأن هذا المبتدع حتى يتلقف الناس منه العلم، ويزينونه في أعين الناظرين والسامعين، ويُخدع به عباد الله المسلمون. ومنهم أناسٌ كان فيهم حقدٌ على الإسلام وعلى هذا القرآن الذي نزل بلغة العرب، يريدون نسف اللغة العربية، ويريدون إعلاء شأنهم حقداً على هذا الدين، منهم بعض الفرس الذين وضعوا مثل هذا الحديث: (إن كلام الله حول العرش بالفارسية، وإن الله إذا أوحى أمراً فيه لينٌ أوحاه بالفارسية، وإذا أوحى أمراً فيه شدة أوحاه بالعربية) ما هو المقصود؟! ماذا يوحي هذا الحديث؟! ماذا يلقي في أنفس السامعين؟ إنه يلقي كراهية اللغة العربية ومحبة اللغة الفارسية. وهل سكت الجهلة المقابلون لهم من العرب؟ كلا. فإنهم وضعوا أحاديث أيضاً في فضل اللغة العربية وأن كلام أهل الجنة عربي، وفي المقابل وضعوا أحاديث في ذم بلاد خراسان مدينة مدينة. فلا يجوز أن ترد البدعة ببدعة ولا يجوز أن نرد على الخطأ بخطأ آخر! إن الرد على البدعة والخطأ -أيها الإخوة!- يكون بتبيان الصواب أولاً، ثم بنقد الخطأ والبدعة ثانياً. وبعض الوعاظ يظنون أن السبيل إلى تحميس الناس لأمرٍ معين هو أن يضع حديثاً في فضل هذا الأمر، فيأتي واعظ جاهل يرى الناس قد قصروا في زكاة الفطر مثلاً فيضع لهم هذا الحديث: (شهر رمضان معلقٌ بين السماء والأرض لا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) لماذا؟! قال: لأن الناس لا يخرجون زكاة الفطر، نريد أن نحمس الناس على إخراج زكاة الفطر. وبعضهم من الفرق الباطنية الذين كان همهم تمجيد بعض الأشخاص كشخص علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى يوصلوه إلى مرتبة الألوهية، انظروا مثلاً إلى هذا الحديث: (ستكون فتنة فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله و علي بن أبي طالب) علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، مناقبه مشتهرة متكاثرة لا يماري فيها إنسان مسلم يعرف الله عز وجل، ويعرف حق صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن أن تصل المسألة أن يجاء برجل ولو كان صحابياً فيُعتبر هو المرجع بعد كتاب الله. إذاً: -أيها الإخوة!- المسألة مخططٌ لها، مذاهب قامت في التاريخ يريد كل أصحاب مذهبٍ منهم أن يؤصلوا لمذهبهم بأحاديث يروجونها بين المسلمين، يؤصلون للمذهب ويقعدون له بأحاديث موضوعة ومكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم. وضعوا حديثاً عن علي : (غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فشربت ماء محاجر عينيه فورثت علم الأولين والآخرين) ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا حديث: (النظر إلى علي عبادة)، ونحن نعرف أن النظر إلى المصحف عبادة، هل وقف الأمر عند هذا الحد؟ كلا. لتعزيز المذهب وتأصيله أيضاً لا بد من الاختلاق في مجال التفسير فلذلك جاءوا بحديث: (اسمي في القرآن وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا[الشمس:1]، واسم علي وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا [الشمس:2]، واسم الحسن و الحسين وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا[الشمس:3]، واسم بني أمية وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا[الشمس:4])، ولما وصل الحقد بهؤلاء الباطنية على صحابيٍ جليل مثل معاوية رضي الله عنه، فقد وضعوا الحديث السابق وأحاديث أخرى مثل حديث: (لكل أمة فرعون وفرعون هذه الأمة معاوية) عندما يسمع الناس -أيها الإخوة!- هذه الأحاديث ماذا يُحدث في قلوبهم على معاوية رضي الله عنه؟ ما هو الأثر السيء لهذا الحديث في قلوب الناس على صحابة أجلاء كرام من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ولكن المتعصبة للطرف الآخر هل ستتوب؟ كلا. فقد وضعوا أحاديث منها: (أخذ القلم من علي ودفعه إلى معاوية) علي لا يصلح فـمعاوية هو الكاتب الأمين؟! صحيح أنهم أقل شراً من أولئك ولكن المشكلة أن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم صار أمراً سهلاً لا يُتورعُ عنه، ولا يخاف الإنسان ربه من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فيختلقون آلاف الأحاديث الموضوعة المكذوبة في شتى المجالات. ولما حقد هؤلاء الباطنية على أبي بكر و عمر ؛ قام بعض الناس يضع الأحاديث في فضل أبي بكر و عمر ومنها حديث لـعثمان : (لما أسري بي إلى السماء فصرت في السماء الرابعة سقط في حجري تفاحة فأخذتها بيدي فانفلقت فخرج منها حوراء تقهقه فقلت لها: تكلمي لمن أنت؟ قالت: للمقتول شهيداً عثمان) وأما الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر و عمر فهي كثيرة ولكنها ليست أكثر من الأحاديث الموضوعة في فضل الرجال الذين يريد الباطنية أن يمجدوهم، ومن هذه الأحاديث مثلاً: (من شتم الصديق فإنه زنديق، ومن شتم عمر فمأواه سقر، ومن شتم عثمان فخصمه الرحمن، ومن شتم علياً فخصمه النبي صلى الله عليه وسلم) فهذه الطائفة أرادت أن تقرب بين وجهات النظر المختلفة فقالوا: نضع أحاديث في فضل الأربعة حتى تجتمع الأمة عليهم، والأحاديث في فضل الأربعة موجودة، فلماذا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقد يحمل التعصب المذهبي الذميم بعض الناس على اختلاق الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنه مثلاً الحديث المشهور المعروف: (سراج أمتي أبو حنيفة النعمان) .. (يكون في أمتي رجلٌ كنيته أبو حنيفة النعمان هو سراج أمتي، ويكون رجلٌ في أمتي اسمه محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس) يقصدون الشافعي رحمه الله تعالى الذي هو مجدد من المجددين في الأمة في أصول الفقه، فهل سكت الطرف الآخر؟ كلا. بل اختلقوا حديث: (عالم قريش يملأ الأرض علماً) يقصدون الشافعي ، وتظهر الأشياء المتبادلة في الأخذ والرد، ولكن المشكلة أنها في مجال الأحاديث والسنة النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحمل إرضاءٌ لخليفة أو سلطان من السلاطين رجلاً أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرضي ذلك الأمير مثلما وقع لـغياث بن إبراهيم لما كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة: (لا سبق إلا في نصل أو خفٍ أو حافر) فأضاف هذا الرجل: (.. أو جناح) لكي يرضي المهدي الذي كان يلعب بالحمام، ولكن المهدي رحمه الله كان مشهوراً بتعقب الزنادقة ، فلما سمع رجلاً يكذب من أجل إرضائه رجع إلى نفسه فذبح الحمام، فلما تولى غياث بن إبراهيم قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب. وقد يكون دافع الانتقام من أشخاصٍ معينين أو هيئاتٍ معينة سبباً لوضع الأحاديث فمثلاً يحنق أحدهم على قاضٍ من القضاة لم يعجبه حكمه فيطلق الحكم على القضاة فيطرده طرداً فيأتي بحديثٍ مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليذم هذه الطائفة طائفة القضاة مثلاً كحديث: (عرج حجرٌ إلى الله فقال: إلهي وسيدي! عبدتك كذا وكذا سنة ثم جعلتني في حش كنيس -مرحاض، الحجر يشتكي- فقال -يعني الله عز وجل، وتعالى الله أن يقول ذلك-: أما ترضى أني عزلت بك عن مجالس القضاة) أي أن المرحاض أحسن من مجالس القضاة. وقد يحنق أحدهم على الشرطة فيضع الأحاديث في ذلك، فمنها مثلاً: (دخلت الجنة فرأيت فيها ذئباً فقلت: أذئبٌ في الجنة؟! فقال إني أكلت ابن شرطي) فلأنه أكل ابن شرطي دخل الجنة. فالمدهش -أيها الإخوة!- أنه قد يكون أحياناً السبب تافهاً، ولكن المقابل لهذا الأ......
فضل العلماء في الذب عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتنقيحه


ولذلك -أيها الإخوة!- قيض الله لهذه الأمة علماء أفذاذاً نقحوا هذه الأحاديث، وبينوا ما هو الصحيح من الضعيف، ما تركوا حديثاً إلا وتكلموا فيه، وبينوا نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسوا محدودين في عصرٍ أو مصرٍ بل هم يتكررون على مر العصور والدهور، ولا يخلي الله منهم عصراً غير أن هذا الضرب من العلماء نادر:
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أعز من القليل
كان العالم عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول: "لأن أعرف علة حديثٍ هو عندي أحب إلي من أن أكتب حديثاً ليس عندي"، ما الفائدة من الجمع فقط؟ لا بد أن أعرف هل الذي جمعت يحتج به أم لا؟ هل هو صحيح فيعمل به، أم هو ضعيف فيحذر الناس منه. قال سفيان الثوري رحمه الله: "الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض" وقال يزيد بن زريع : "لكل دينٍ فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد" ولذلك مرة من المرات -كما ذكر الحافظ الذهبي في الميزان- أتى هارون الرشيد رحمه الله بزنديق ليقتله، فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديثٍ وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ -يعني: ماذا تستفيد من قتلي وقد وضعت ألف حديث وقد سرت بين الناس؟- فقال له هارون رحمه الله: وأين أنت من أبي إسحاق الفزاري و عبد الله بن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً، يبينانها للناس. فإذاً: وجد هؤلاء العلماء، ووجد هؤلاء المهتمون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد مر أحمد بن حنبل رحمه الله على نفرٍ من أصحاب الحديث وهم يعرضون كتاباً لهم فقال: ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة) قال ابن حبان رحمه الله: ومن أحق بهذا التأويل من قومٍ فارقوا الأهل والأوطان، وقنعوا بالكسر والأطمار في طلب السنن والآثار، يجولون البراري والقفار، ولا يبالون بالبؤس والإقتار، متبعين لآثار السلف الماضين، وسالكين طريق الصالحين. بأي شيء؟ برد الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذب الزور عنه، ولذلك كان للعلماء جهودٌ جبارة في كشف الكذب، وتعيين الأحاديث المكذوبة، وتبيين الضعيف للناس والمكذوب حتى يحذروا منه، ولذلك ألفوا مصنفاتٍ خاصة في تبيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وفي تبيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وقعدوا القواعد في روايات أهل البدع، وشددوا في قبول الحديث، ودعوا الناس إلى تلقي الصحيح، والحث على التثبت في الرواية، وألفوا الكتب في أسماء الضعفاء والوضَّاعين، وبينوا الأحاديث المسروقة والمركبة وأحاديث القصاصين، وكانت لهم مواقف من الكذابين: بفضحهم، وترك السلام عليهم، ووعظهم، والتشهير بهم، وتمزيق كتبهم بين أعينهم، والاستعداء عليهم من أهل الخير، ووصفهم بألقابٍ تناسبهم، فكان أحد العلماء يقول: فلان كذاب أكذب من حماري، وقال: فلان مَدْلٌ في جلد خنزير، وقال: فلان أكذب من فرعون ..إلخ.......
رد مع اقتباس