عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-09-2023, 01:51 AM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مصطلح حلول الحوادث عند ابن تيمية:

من الإطلاقات التي نسبت إلى ابن تيمية -ولم يقل بها- أنه يقول بقول الكرامية في مسألة (حلول الحوادث)، وهذه المسألة تخللها نوع تساهل في التعبير عن مراد الشيخ وبيان مراده. فدائمًا ما يقال: إن شيخ الإسلام قائلٌ بحلول الحوادث، وهذا الإطلاق غير دقيق، والصواب أنه مصطلح مُجمل مثل الجسم والجوهر والعرض.

وابن تيمية يقول بشكلٍ صريح: “ولا ريب أن أهل السنة والحديث لا يطلقون عليه أنه محل للحوادث، ولا محل للأعراض ونحو ذلك من الألفاظ المبتدعة”([33]).

وحلول الحوادث يُطلقه أهل الكلام ويُراد به معنيان:

أولًا: أن الصفة قد حدثت في ذات الله، ولم تكن موجودة من قبل، مثل أن تحدث صفة الكلام، فيصبح مُتكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، وخالقا بعد أن لم يكن خالقًا، وهذا قول الكرامية، ويُسمون هذا بحلول الحوادث.

ثانيًا: قيام الأفعال بمشيئته وإرادته، بأن يتكلم بمشيئته وإرادته، ويخلق بمشيئته ويرزق بمشيئته، وإن كان لا زال ولا يزال متكلمًا خالقًا رازقًا فعالًا لما يريد. وهو قول السلف قاطبة وجمهور أهل الحديث، وهو قول ابن تيمية.

وأهل الكلام يُسمون هذا بحلول الحوادث أيضًا، ويوهمون استلزامه حلول التغيرات والاستحالات من جنس ما يحصل للبشر، فتُحيلهم وتُفسدهم، فينفون المعنى الباطل والصواب معًا في قالب تنزيه الله عن الحوادث.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وإذا قالوا: لا تحله الحوادث؛ أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلًّا للتغيرات والاستحالات، ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم، وهذا معنًى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه، ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان أو مجيء، وأن المخلوقات التي خلقها لم يكن منه عند خلقها فعلٌ أصلًا، بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل ومفعول، وخلق ومخلوق، بل المخلوق عينُ الخلق، والمفعول عين الفعلُ، ونحو ذلك”([34]).

وأهل السنة يقولون بقيام الأفعال بمشيئته وإرادته على الوجه اللائق به، أما مصطلح (حلول الحوادث) فلا يثبتونه ولا ينفونه، إنما يُستفصل في مراد القائل، ولا يصفون الله به، كما لا يصح وصف الله بالجسم والجوهر والعرض، وإن كان يُفصّل فيه من جهة المعنى، فيُقبل الحق ويُرد الباطل.

ويرى ابن تيمية أن هذه المصطلحات الكلامية ليست من لغة العرب، فيقول: “وإذا قيل: قيام هذه الأفعال يستلزم قيام الحوادث به؛ كان كما قيل: قيام الصفات له يستلزم قيام الأعراض به، ولفظ الأعراض والحوادث لفظان مجملان، فإن أريد بذلك ما يعقله أهل اللغة من أن الأعراض والحوادث هي الأمراض والآفات كما يقال: فلان قد عرض له مرض شديد، وفلان قد أحدث حدثًا عظيمًا… فهذه من النقائص التي ينزه الله عنها. وإن أريد بالأعراض والحوادث اصطلاح خاص فإنما أحدث ذلك الاصطلاح من أحدثه من أهل الكلام، وليست هذه لغة العرب، ولا لغة أحد من الأمم، لا لغة القرآن ولا غيره، ولا العرف العام ولا اصطلاح أكثر الخائضين في العلم، بل مبتدعو هذا الاصطلاح هم من أهل البدع المحدثين في الأمة الداخلين في ذم النبي صلى الله عليه وسلم”([35]).

ويقول ابن أبي العز: “حلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم لم يرد نفيُه ولا إثباته في الكتاب ولا في السنة، وفيه إجمال، فإن أريد بالنفي أنه لا يحلّ في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة أو لا يحدث له وصف متجدّد لم يكن فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل. وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث، فيسلّم السني للمتكلم ذلك على أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله، فإذا سلّم له هذا النفي ألزمه نفي الصفات الاختيارية وصفات الفعل، وهو غير لازم له، وإنما أتي هذا السني من تسليم هذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه”([36]).

مصدر الوهم:

وإنما مصدر هذا الوهم عند من نسبوا ذلك إلى ابن تيمية: وقوع الاشتباه في كلام الشيخ رحمه الله، من خلال اعتراضه على مبدأ (نفي حلول الحوادث) عند المتكلمين واتخاذ ذلك المصطلح تكأة لنفي قيام الأفعال الاختيارية. فلمّا لم يُسلم ابن تيمية لهم بتلك المُسلَّمة وأبطلها فَهِم البعض أنه قائلٌ بقول الكرامية في حلول الحوادث، حتى شاع هذا القول عند الأشعرية ونسبوه إلى شيخ الإسلام، وحتى بعض السلفيين ينسبونه إليه كذلك، وهو خطأ منهم ومن الأشعرية في فهم مراد الشيخ رحمه الله.

وقد رد ابن تيمية على مذهب الكرامية في حلول الحوادث، فقال رحمه الله: “وأما الكرامية فيقولون: صار متكلما بعد أن لم يكن، فيلزم انتفاء صفة الكمال عنه، ويلزم حدوث الحادث بلا سبب، ويلزم أن ذاته صارت محلا لنوع الحوادث بعد أن لم تكن كذلك كما تقوله الكرامية، وهذا باطل”([37]).

فالحاصل أن حلول الحوادث لفظ مجمل، يُستفصل فيه، فإن أُريد به الأفعال الاختيارية فالمعنى صحيح، وإن كانت اللفظة ذاتها من ابتداع أهل الكلام، وإذا أُريد به أن الله يحل فيه الحوادث المخلوقة أو التي تُحيله وتجعله محلًّا للتغيرات المخلوقة والاستحالات أو أن الله استحدث صفة لم تكن موجودة من قبل كما تقول الكرامية، فالمعنى واللفظ خطأ معًا.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

منقول من موقع مركز السلف
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس