عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 09-29-2012, 11:27 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

سد ذرائع شرك التشريع أولى!

السلام عليكم ورحمة الله.



قاعدة سد الذرائع...تحريم قول أو فعل لأنه ذريعة لأمر محرم. طبقها علماء السلفية وبعضهم توسع فيها احتياطا للدين، ثم عندما خاض العلماء العمل السياسي للمرة الأولى لم يطبق أكثرهم هذه القاعدة في أخطر قضايا العصر، قضايا الحكم بغير ما أنزل الله وسيادة الشعب والولاء والبراء. لم يسدوا الذرائع بل فتحوها ووسعوا شقوقها. في هذه الحلقة نذكر العلماء بهذه القاعدة...
ونطالبهم بتطبيقها.



وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الممارسات المشوهة التي ننتقدها في العمل السياسي الديمقراطي ليست ذريعة إلى المحرم، بل هي محرمة في ذاتها، بل منها ما هو نقض لعرى الإسلام، كتبني الديمقراطية.

والدعوة إلى انتخاب الديمقراطيين محرمة في ذاتها لأسباب أجملناها في كلمة (الموقف من الانتخابات). فلماذا الحديث عن سد الذرائع إذن؟ لنقول للعلماء والدعاة: لئن كنتم تحرمون أقوالا وأفعالا هي ذريعة للحرام فكيف بالحرام ذاته؟ خاصة أننا لا نتكلم عن صغائر بل عن الحرام الأكبر، عن الشرك في التشريع وتضييع العبودية. أليس أولى بكم أن تنكروها وتحذروا منها بدلا من دعوة الناس إلى الولوج فيها وانتخاب ممارسيها ثم السكوت عن أفعالهم الضالة بحيث أصبحت هذه الأقوال والأفعال مدموغة بختمكم؟!



إذن نعيد: خوض "إسلاميين" من أطياف منهجية متباينة، خوضهم في العمل الديمقراطي تسبب في تلوث عقائد الناس ومفاهيمهم، لا مجردُ أنه اشتمل على ممارسات يمكن أن تؤول إلى هذا التلويث في المستقبل. هنا سنستعرض موقف الشرع من كلمات وعبارات يمكن أن تؤدي إلى تلويث عقائد الناس. لنقول للعلماء والدعاة بعدها: إن كان الله عز وجل قد حرم هذه الأقوال والأفعال حتى ولو كانت عقيدة صاحبها نقية غير ملبسة، لكنه حرمها لأنها ذريعة إلى فساد العقيدة، فكيف وقد وقع هذا الفساد والتلبيس والتخليط بالفعل؟


لنقول لهم: لطالما أصلتم وفصلتم في قاعدة سد الذرائع لمعاص مما يُمكن أن يُغتفر، فأين سدكم لذرائع الشرك الذي لا يُغتفر في مسائل الديمقراطية وسيادة الشعب والحكم والتشريع؟



سمى الله رسوله عبدا في أشرف المقامات وهذا فيه سد لذريعة المغالاة في تعظيم النبي حيث أن غاية ما يصل إليه إنسان من مراتب العظمة هو العبودية لله.

ونهى النبي عن الغلو في مدحه فقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله))...سدا لذريعة المبالغة في تعظيمه.

وقال قبيل وفاته: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، يحذر ما صنعوا...يحذر من بناء المساجد على القبور حتى ولو بِنِيَّة عبادة الله وحده فيها، لكنه أراد سد الذريعة إلى عبادة من في القبور.

قال ابن تيمية: ((إنه –صلى الله عليه وسلم- نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها، ونهى عن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا، وحرم ذلك على من قصد هذا ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا، للذريعة)).

يعني حتى من أراد إفراد الله بالعبادة يحرم عليه كل الأفعال التي قد تكون ذريعة في يوم من الأيام إلى شرك القبور.

ونهى النبي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر سدا لذريعة التشبه بالمشركين الذين كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين...مع أن هذا التشبه –كما قال ابن القيم- (لا يكاد يخطر ببال المصلي). فليس من المسلمين من يخطر بباله إن صلى في هذين الوقتين مشابهة الكفار، لكن رسول الله أراد سد ذريعة المشابهة بالكلية.



ونذر رجل على عهده صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها _يعني في بوانة_ وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا:لا، قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالو: لا . فأمره النبي أن يوفي بنذره. (صححه الألباني) لاحظ: هل كان فيها، قديما وليس الآن! كل هذا سدا لذريعة عودة الشرك.



ونهى عليه الصلاة والسلام عن الحلف بالآباء وبأي شيء دون الله بل وقال في الحديث الحسن: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)). كل هذا سدا لذريعة التسوية في التعظيم مع الله تعالى.



ونهى رسول الله أصحابه أن يقولوا (ما شاء الله وشئت) وذم الخطيبَ الذي قال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن عصاهما فقد غوى)، كل هذا حسما لمادة الشرك، حتى في اللفظ.



وقال: ((لا يقل أحدكم:أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل:سيدي، مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي وغلامي)) (البخاري ومسلم).

مع أن ألفاظ ربي بمعنى سيدي وعبدي بمعنى فتاي المملوك...هذه كلها كانت تستخدم لغةً دون قصد الشرك. قال البغوي: (فإدخاله مملوكه تحت هذا الاسم –اسم: عبد- يوهم التشريك) يعني مع الله عز وجل...انظر: لمجرد أنه يوهم.

ونهى عن أن ينحني الرجل لصديقه إذا لقيه....

كل هذا لماذا؟ حفاظا على سلامة العقيدة. فليس هذا تنطعا ولا تكلفا ولا مبالغة. بل أي شيء يمكن أن يؤدي إلى التلبيس العقدي ولو بعد حين، وإن تيقَّنَّا سلامة نية قائله في الوقت الحاضر...هذا كله يمنعه الشرع ويحذر منه.



ألستم تقرون أيها العلماء الذين حشدتم الناس إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية بما تقدم كله بل درَّستموه ونشرتموه؟ فأين حراستكم للتوحيد وحسمكم لمادة التلبيس وسدكم للذرائع عندما يقول القائل للشعب: (أنتم الشرعية التي لا تعلو عليها شرعية).

أين سدكم للذرائع وهو يقول لعباد الله:

(لكم ما تشاؤوا وتَمنعوا عما من تشاؤوا)

أيهما أقرب للشرك وأولى أن يُنكر سدا للذريعة؟

تسمية السيد ربا مع سلامة القصد، أم عبارة: (السيادة للشعب وحده والشعب مصدر السلطات جميعها)، والتي تعني ربوبية التشريع بالقصد الفاسد الذي يُكرَّس في نفوس الناس؟

أيهما أقرب للشرك وأولى أن يُنكر سدا للذريعة؟

إضاة المصابيح على القبور أم عبارات التعظيم للدستور الوضعي والقسم على احترامه؟!



هل يُعقل أن تمنع الشريعة من السجود لله عند طلوع الشمس وغروبها سدا للذريعة وتسمح بالقسم على احترام دستور يجعل التشريع للبشر من دون الله؟! ما لكم كيف تحكمون؟!



أيهما أقرب إلى الشرك: عبارة ما شاء الله وشئت، أم (الشعب مصدر السلطات جميعها)، وعبارة (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)؟ فهي ليست عبارات ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده! ومع ذلك حشدتم الناس للموافقة على دستورٍ تضمن هذه العبارات!

ألم تكونوا تحرمون على الناس تعليق صورة أبٍ متوفى على اعتبار أن هذا التعليق تعظيم وهو ذريعة إلى الشرك؟ فتمنعون من ذلك قولا واحدا ولا ترونه قابلا للخلاف، حتى غدا ذلك من ملامح الدعوة السلفية. فأين حزمكم وعزمكم وإنكاركم في الحملات الانتخابية لتعليق صور عملاقة لرئيس سيحكم بغير ما أنزل الله؟!



ألم تكونوا تحتاطون جدا في سد الذرائع في العلاقة بين الجنسين حتى أنكم حرمتم استخدام الفيس بوك فترة من الزمن؟ سؤل الشيخ ياسر برهامي عن التشات بين الجنسين فقال: (إن من باب سد الذريعة إغلاق هذا الباب (التشات بين الجنسين) لما فيه من الفتن).



ألم تكونوا تتمسكون بوجوب النقاب وتذكرون من حججكم سد ذريعة الفتنة وتعرضونه على أنه القول الأوحد الذي لا يُقبل فيه خلاف؟ أليس سد ذريعة التلبيس العقدي أولى وأحرى ألا يُقبل فيه خلاف؟!



ألا تهدينا مرونة التفكير إلى أن شرك الأصنام والقبور كان الظاهرة الأشد خطرا وقت نزول الرسالة فسد الشارع الحكيم الذرائع إليه، فكذلك شرك التشريع هو الظاهرة الأشد خطرا في زماننا فينبغي سد الذرائع إليه؟!



ألا ترون أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس قد تطهروا من المفاسد العقدية فَسدَّ النبي الذرائع لئلا تعود إليهم، بينما في زماننا انتشرت مفاسد وتلبيسات عقدية من جديد فانتشال الناس منها وسدُّ الذرائع إليها أولى؟!



المشكلة أننا عندما ننكر الأقوال الضالة للديمقراطيين يدافع عنهم المجادلون بأنهم قالوا خلافها في مقام آخر! ننكر قول قائلهم: (نريد تطبيق مبادئ الشريعة فقط) فيُقال لنا: لكنه قال في المقام الآخر: (نريد تحكيم الشريعة)!

ألم يكن النبي يمنع من ألفاظ موهمة لفساد عقدي حتى وإن جاء الصحابة بألفاظ أخرى صحيحة أحيانا أخرى؟ فهم وإن حلفوا بآبائهم أحيانا إلا أنهم حلفوا بالله وحده أحيانا أخرى. فكيف والصحابة في ذلك كله سليمةٌ عقائدهم يحاربون ليكون التشريع كله لله بينما أصحاب التصريحات التي فيها شرك تشريع واضح وفيها تسويغ للحكم بغير ما أنزل الله يطبقون تصريحاتهم هذه على أرض الواقع وتبقى تصريحات تطبيق الشريعة في المقابل وعودا في الهواء تدغدغ عواطف المطالبين بها وليس لها من الواقع نصيب؟!

وهنا نلاحظ ازدواجية عجيبة! فالمدافعون عن المسلك الديمقراطي يتعذرون لهذه التصريحات الفاسدة بأن "الناس فاهمة كل شيء" و "هذه التصريحات لن تلبس على الناس لأنهم يعرفون أنه إنما يراد بها مراوغة العسكري". بينما هؤلاء المتعذرون أنفسهم يبررون تعطيل الشريعة بقولهم أن "الناس لديهم جهل بمفاهيم الدين وتصورات مشوهة عنه، فكيف تريدنا أن نطبق عليهم الشريعة مرة واحدة"!

فالناس عندهم مرة يفهمون كل شيء ومحصنون ضد التلبيس العقدي، ومرة أخرى جهلة ملوثوا المفاهيم! حسب مصلحة المدافعين عن المسلك الديمقراطي!



ثم هل الناس أكثر فهما للعقيدة وأكثر حصانة ضد التلبيس من صحابة النبي الذين حرم عليهم رسول الله هذه الألفاظ سدا للذريعة؟



خلاصة الأمر أن سالكي المسار الديمقراطي لم يفشلوا في سد الذرائع إلى شرك التشريع فحسب بل صرحوا تصريحات فيها شرك تشريع واضح وفيها تسويغ للحكم بغير ما أنزل الله ثم ها نحن هذه التصريحات تطبق على أرض الواقع. ليست مشكلتنا أنهم قالوا: ما شاء الله وشاء الشعب، بل قالوا ما شاء الشعب وحده. ثم لم يكن هذا سوء تعبير جبَرَه الواقع، بل قناعة آتت ثمارها الخبيثة في مفاهيم الناس وفي منظومة الحكم والتشريع.



في الحلقة القادمة سنعرض لمفهوم سيادة الشعب وآثاره على عقيدة الناس وتصوراتهم، ونرصد مدى انتشار هذه الآثار في المجتمعات الإسلامية بإذن الله.



خلاصة الحلقة: لئن كان العلماء يسدون الذرائع إلى محرماتٍ فسد الذرائع إلى شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله أولى.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس