عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 08-23-2008, 04:11 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الرسول صلوات الله وسلامه عليه مع قومه

إن انتصار أهل الإيمان على أهل الكفر في المعارك القتالية، يظهر جليًا في سيرة النبي e وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي تاريخ الأمة المجيدة.

إن النبي e بعد استقراره في المدينة شرع يخطط للأعمال الجهادية، ويحث أصحابه على فنون القتال ويرسل السرايا والبعوث، ليضيق على حركة قريش التجارية، ويؤدب القبائل المشركة ويؤمن دولة الإسلام من أعدائها، ويخوّف المتربصين بالمسلمين، ويهيئ أصحابه للمهمات التي تنتظرهم بعد أن أذن الله لهم بالقتال، فبعث e مجموعة من البعوث والسرايا حققت بعض الأهداف الاستراتيجية من أهمها:

1- الاستطلاع: حتى يتعرف المسلمون على الطرق المحيطة بالمدينة والمؤدية إلى مكة، خاصة الطرق الحيوية التجارية لقريش في الجزيرة واهتموا بالتعرف على قبائل المنطقة وموادعة بعضها.

2- الحصار الاقتصادي: على قريش ومنعها من مواصلة تجارتها مع الشام ما أمكن إلى ذلك سبيلاً ومنع الحصار الاقتصادي المتوقع على المدينة من قبل القبائل المحيطة بها، وذلك بعقد أحلاف مع بعضها وقتال البعض الآخر, ومفاجأة كل تجمع يخشى منه ضرر على الدولة المسلمة، فكان e يقظًا سريع الحركة ما يكاد يسمع بتجمع للمشركين يهدده إلا فاجأهم وشتت شملهم وألقى الرعب في قلوبهم، فالهجوم عنده أقوى وسائل الدفاع.

3- لقد أثبتت حركة السرايا والبعوث أن المسلمين أصبحوا قوة يحسب لها حسابها من قبل المشركين من قريش والقبائل المجاورة, واضطرت بعض القبائل إلى مهادنة وموادعة المسلمين، هذه بعض الأهداف التي حققتها تلك السرايا والبعوث.

إن معارك النبي e ضد المشركين وانتصاره عليهم نوع من أنواع التمكين, ومن أهم هذا المعارك: بدر، والخندق، ففي معركة بدر بيَّن تعالى أن حقيقة النصر من الله تعالى, قال تعالى:*وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [آل عمران:123].

إن الله تعالى بين أن النصر لا يكون إلا من عند الله عَزَّ وَجَلَّ, والمعنى ليس النصر إلا من عند الله دون غيره، و(العزيز) أي ذو العزة التي لا ترام ([1]), و(الحكيم) أي الحكيم فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى ([2]).

ويستفاد من هاتين الآيتين: تعليم المؤمنين الاعتماد على الله وحده، وتفويض أمورهم إليه من التأكيد على أن النصر إنما هو من عند الله وحده وليس من الملائكة أو غيرهم، فالأسباب يجب أن يأخذ بها المسلمون لكن يجب أن لا يغتروا بها, وأن يكون اعتمادهم على خالق الأسباب والوسائل حتى يمدهم الله بنصره وتوفيقه، ثم بين سبحانه مظاهر فضله على المؤمنين وأن النصر الذي كان في بدر وقتلهم المشركين، ورمي
النبي eالمشركين بالتراب يوم بدر إنما كان في الحقيقة بتوفيق الله أولاً وبفضله ومعونته، وبهذه الآية الكريمة يربي القرآن المسلمين ويعلمهم الاعتماد عليه, فقال تعالى:

*فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [الأنفال:17].

ولما بين سبحانه وتعالى أن النصر كان من عنده وضح بعض الحكم من ذلك النصر:

فقال تعالى:*لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ ` لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ" [آل عمران: 127، 128].

وأمر سبحانه المؤمنين أن يتذكروا دائمًا تلك النعمة العظيمة نعمة النصر في بدر، ولا ينسوا من أذهانهم كيف كانت حالتهم قبل النصر.

قال تعالى: *وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [الأنفال: 26].

لقد كانت نتائج غزوة بدر على المسلمين عظيمة، ومن أهم تلك النتائج:

1- ضعف موقف المشركين واهتزاز هيبتهم أمام قبائل الجزيرة العربية.

2- ظهور قوة جديدة في الجزيرة أصبح الجميع يحسب لها حسابها.

3- بدأ النفاق في المدينة يظهر جليًا بعد بدر، واستمر المنافقون في أذاهم للمسلمين.

4- شرع اليهود في إظهار عداوتهم للمسلمين بعد بدر حسدًا وبغيًا وأول من أظهر بغيه يهود بنى قينقاع.

5- أصبحت الحرب معلنة بين المسلمين وقريش لم تنته إلا بفتح مكة.

6- تشجع كثير من الناس لدخول الإسلام ودخلت المدينة في طور جديد من الجهاد المسلح.

7- خص الله أهل بدر من الصحابة الكرام بالمغفرة وشرّف من حضرها من الملائكة وأصبحت غزوة بدر شرفًا ومنقبة لمن حضرها من المسلمين والملائكة.

أما غزوة الخندق فقد تحدث القرآن عنها وبين أمورًا من أهمها:

1- تذكير المؤمنين بنعم الله عليهم كما قال تعالى:*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" [الأحزاب: 9].

2- التصوير البديع لما أصاب المسلمين من هم بسبب إحاطة الأحزاب بالمدينة *إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا" [الأحزاب: 10].

3- الكشف عن نوايا المنافقين السيئة، وأخلاقهم الذميمة، وجبنهم الخالع, ومعاذيرهم الباطلة ونقضهم للعهود, قال تعالى:*وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا" [الأحزاب: 12].

4- حض المؤمنين في كل زمان ومكان على التأسي برسول الله e في أقواله وأفعاله وجهاده وكل أحواله استجابة لقوله تعالى:*لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا" [الأحزاب: 21].

5- مدح المؤمنين على مواقفهم النبيلة وهم يواجهون جيوش الأحزاب بإيمان صادق، وفاء بعهد الله تعالى، قال تعالى:*مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" [الأحزاب: 23].

6- بيان سنة من سنن الله التي لا تتخلف, وهي جعل العاقبة للمؤمنين والهزيمة لأعدائهم، قال تعالى: *وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" [الأحزاب: 25].

7- امتنانه سبحانه على عباده المؤمنين حيث نصرهم على بنى قريظة وهم في حصونهم المنيعة بدون قتال يذكر, حيث ألقى سبحانه الرعب في قلوبهم فنزلوا على حكم الله ورسوله ([3])، قال الله تعالى: *وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ` وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا" [الأحزاب: 26، 27].

لقد كانت غزوة الأحزاب من الغزوات الهامة التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم وحققوا فيها نتائج مهمة:

1- انتصار المسلمين وانهزام أعدائهم وتفرقهم ورجوعهم مدحورين بغيظهم قد خابت أمانيهم وآمالهم.

2- تغير الموقف لصالح المسلمين فانتقلوا من موقف الدفاع إلى الهجوم, وقد أشار إلى ذلك النبي e حيث قال: «الآن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم» ([4]).

3- كشفت هذه الغزوة خبث يهود بنى قريظة وحقدهم على المسلمين وتربص الدوائر بهم، فقد نقضوا عهدهم مع النبي e في أحلك الظروف وأصعبها.

4- كشفت غزوة الأحزاب حقيقة صدق إيمان المسلمين وحقيقة المنافقين وحقيقة يهود بنى قريظة، فكان الابتلاء بغزوة الأحزاب تمحيصًا للمسلمين وإظهار حقيقة المنافقين واليهود.

5- كانت غزوة بنى قريظة نتيجة من نتائج الأحزاب حيث تمّ فيها محاسبة يهود بنى قريظة الذين نقضوا العهد مع النبي e في أحلك الظروف وأقساها.





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) انظر: تفسير ابن كثير (1/411).

([2]) المصدر نفسه (2/303).

([3]) انظر: حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول × (1/490، 491).

([4]) البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5/58) رقم 4109.
رد مع اقتباس