عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 05-07-2009, 02:28 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

العائق التاسع والعاشر

التسويف والتمني

التسويف : التأخير والمدافعة ([54]) يقال : سوف الأمر ، إذا قال سوف أفعل ([55])

ويطلق التسويف على الأماني . يقال فلان يقتات السوف : أي يعيش بالأمني . قال الكميت :

وكان السوف للفتيان قوتاً تعش به وهنئت الرقوب

والتمني : حديث النفس بما يكون مستقبلاً وما لا يكون – أى مستحيلاً – وقيل إرادة تتعلق بالمستقبل ([56])

والتسويف والتمني داءان خطيران ، يفسدان القلب والوقت ، ويعرجان بالمرء إلى عالم الخيال .

أما التسويف : فصفة بليد الحس ، عديم المبالة . كما همت نفسه بخير ، وعاقها بـ (( سوف )) و ((سأعمل )) حتى يفجأه الموت فيقول ( رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ)

فعلي طالب العلم أن يتنزه عن هذه المنقصة ، ويبادر بالأعمال ، عملاً بقوله تعالى ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)

فهو أعرف الناس بقيمة الوقت ، وأولاهم للانتفاع لقيمة الوقت وأولاهم بالانتفاع به كله .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - :

(( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ))

وكان ابن عمر يقول : (( وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )) ([57])


قال ابن الجوزي :

ومن أجال علي خاطره ذكر الجنة التي لا موت فيها ولا مرض ولا غم ، بل لاذاتها متصلة من غير انقطاع ، وزيادتها علي قدر زيادة الجد ههنا : انتهب هذا الزمان ، فلم ينم إلا ضرورة ، ولم يغفل عن عمارة لحظة . ا هـ ([58])


وأما التمني : فمنه ممدوح ، ومنه مذموم .

أما الممدوح : فهو أن يتمنى فعل الخير المندوب ولا يستطيعه ، وله ثلاثة شروط :

الأول : العزم علي الفعل متى ما قدر عليه

الثاني : كونه في حدود الشرعيات ، كتمني بناء مسجدٍ ونحوه .

الثالث : أن لا يكون ديدن الإنسان ([59]) .

وأما المذموم فقد عبر عنه ابن القيم – رحمه الله تعالي – في شرح كلام شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي عن مفسدات القلب : ركوبه بحر التمني ، وهو بحر لا ساحل له وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم ، كما قيل :

إذا تمنيت بت الليل مغتبطاً إن المنى رأس أموال المفاليس

وبضاعة ركابه مواعيد الشيطان ، وخيالات المحتال والبهتان . فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة ، والخيالات الباطلة ، تتلاعب براكبه ، كما تتلاعب الكلاب بالجيفة . وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية ، وليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية بل اعتاضت عنها بالأماني الدنية .. قال فيتمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه ، وقد فاز بوصلها ، والتذ بالظفر بها فبينما هو على هذه الحال ، إذا استيقظ فإذا يده والحصير . ا هـ ([60]).

وأما أحسن ما قال أبو تمام :

من كان مرعى عومه وهمومه روض الأماني لم يزل مهزولا

وقد قيل لبعض الحكماء : من أسوء الناس حالاً ؟ قال من بعدت همته ، واتسعت أمنيته ، وقصرت آلته ، وقلت مقدرته .

وقال آخر : تجنبوا الأماني ، فإنها تذهب ببهجة ما خولتهم ، وتستصغرون بها نعمة الله عليكم ([61]).

فليتجنب هذا المرض ، وليحذر تمكنه منه ، فإنه كالسرطان الفتاك ، قل من يبرأ منه .

فكمن صريعٍ لا يفيق من سباته ، ولا يفتئت من قيوده ، أعاذنا الله وإياكم منه ، و أشغلنا بالعمل الصالح عن الأماني الكاذبة والخيالات الكاسدة ، وأحلام اليقظة ، التي تضيع الوقت ، وتخفف الميزان .

قال الشاعر : تمنيت أن تمسي فقيهاً مناظراً بغير عناء والجنون فنون

وهذه أبيات من قصيدة لي في هذا الموضوع



واهاً لأيام الدراسة إنها تكسو الفؤاد سعادة وتنفس

والمرءُ في زمن الصبا متوثب خيلاً تغير على الخيال وتنهس

حتى إذا بلغ المدى وتكشفت أحلامه عن سوءةٍ لا تحبس

وجد المعيشة صعبة لا تقتنى بالأمنيات ولا الزمان يؤنسُ

فاختر لنفسك غير أودية المنى فالعطب في وادي المني يترأس
رد مع اقتباس