عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-07-2009, 02:24 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

العائق السادس

الغرور والعجب والكبر

معصية الله تعالي عائقة عن مي العلم الشرعي ، لأنه نور الله يقذفه في أفئدة من يشاء من عباده ، ولا يجتمع في قلب نور وظلمة ، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأحسب الرجل ينسي العلم قد علمه بالذنب يعلمه ([36])

ورحم الله الشافعي حيث قال :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي

وإن أقبح ما تلبس به طالب العلم من المعاصي – وكلها قبيح – التكبر والتعاظم والغرور ، فيزدري هذا ويترفع عن هذا ، ويتبختر في المشي ، ويتشدق في الكلام ، إلي غير ذلك من صفات العجب بالنفس ، التى نهي الله تعالى عنها في قوله تعالى :

( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(لقمان: من الآية18)

المرح : التبختر . وقال تعالي : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83)

وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله ص :

(( بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه ، مرجل رأسه ، يختال في مشيته ، إذا خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة )) .

قال ابن الجوزي – رحمه الله –

أفضل الأشياء التزيد من العلم ، فغنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافياً استبد برأيه ، فصار تعظيمه لنفسه مانعاً من الاستفادة .

قال : غير أن اقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوعُ رؤية للنفس حبس عن إدراك الصواب نعوذ بالله من ذلك . ا هـ ([37]) .

وصدق علي بن ثابت حينما قال :

العلم آفته : الإعجاب والغضب والمال آفته : التبذير والنهب

قال أيوب السختياني : ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله .

وقالوا المتواضع من طلاب العلم أكثر علماً ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء .

وقيل لحكيم : ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها : قال التواضع . قيل له فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه قال العجب . ([38])

فليحذر الطالب من هذه الصفات الذميمة التي يمقتها الله ويمقتها المؤمنون ، فإن من تواضع لله رفعه ، وضده : من لم يتواضع لله سفل .

وإذا حدثته نفسه بشيءٍ من ذلك فليذكر مآله ومصيره ، وليعلم أن هناك من هو أصغر منه سناً ، وأكبر منه علماً .

ولقد بلينا في هذا الزمن بشرذمةٍ قليلةٍ – ولله الحمد – يقرؤون كتاباً أو كتابين ، ويحفظون مسألة أو مسألتين ، ثم بعد يوم أو يومين – من أعمارهم في الطلب – يصبحون مجتهدين ، وليتهم يقتصرون على هذا الخيال الكاسد بل يستصغرون غيرهم من العلماء ، بله طلبة العلم والدعاة ، ويرون لأنفسهم مكاناً عالياً لا يصل إليه أحد ، يظهر ذلك علي ملابسهم ، ومشيهم وكلامهم فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وما أعظم ضررهم ، وأقل نفعهم ، وأمتن جهلهم ، نسأل الله تعالي أن يهديهم سواء السبيل .

وإلى هؤلاء أسوق فضلاً نفيساً لابن الجوزي – رحمه الله – حيث يقول :

انتقدت على أكثرالعلماء والزهاد : أنهم يبطنون الكبر .

فهذا ينظر من موضعه وارتفاع غيره عليه ، وهذا لا يعود مريضاً فقيراً يرى نفسه خيراً منه .

وقل من رأيت إلا وهو يرى نفسه . والعجب كل العجب ممن يرى نفسه ، أتراه يماذا رآها !

إن كان بالعلم فقد سبقه العلماء ، وإن كان بالتعبد فقد سبقه العباد ... إلى أن قال :

ومن تلمح خصال نفسه وذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب ، والتقصير ، وهومن حال غيره على شك .

فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس ، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه .

وقد قيل لعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – إن مت ندفنك في غرفة رسول الله ص ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك ، أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك . ا هـ ([39]) .

قال في تهذيب الأحياء :

والكبر بالعلم ، وهو أعظيم الأفات ، وأغلب الأدواء ، وأبعدها عن قبول العلاج ، إلا بشدةٍ شديدةٍ وجهدٍ جهيدٍ ، وذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله ، عظيم عند الناس ، وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما .

ولن يقدر العالم على دفع الكبر إلا بمعرفة أمرين :

أحدهما : أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد ، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عشره من العالم ، فإن من عصى الله تعالى عن معرفةٍ وعلم فجنايته أفحش ، إذا لم يقض نعمة الله عليه في العلم .

الأمر الثاني : أن العالم يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ، وأنه إذا تكبر صار ممقوتاً عند الله بغيضاً . ([40]) لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله ص :

(( قال الله تعالى : العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن ينازعني عذبته )) ([41]) .

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )).

فقال الرجل : أن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنةً ؟ قال : (( إن الله جميل يحب الجمال ، والكبر بطر الحق ، وغمط الناس )) ([42])

غمط الناس : احتقارهم .

* * *
رد مع اقتباس