عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-07-2009, 02:23 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

العائق الخامس

عدم التدرج في العلم


لا ترى أحداً من العلماء يناززع في مبدأ (( التدرج )) لأنه الوسيلة الناجحة لأخذ العلم وفهمه .

وهذا مأخوذ من كتاب الله تعالى ، قال تعالي : )وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الاسراء:106)

(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الاسراء:106)

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32)

قال الزبيدي نقلاً عن (( الذريعة )) في وظائفالمتعلم : ( يجب أن لا يخوض في فن حتي يتناول الفن الذي قبله على الترتيب بلغته ويقضي منه حاجته فازدحام العلم في السمع مضلة الفهم ) .

وعلي هذا قال تعالي :

)الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ )(البقرة: من الآية121)

أي لا يتجاوزون فنا حتي يحكموه علماً وعملاً فيجب أن يقدم الأهم فالأهم من غير إخلال في الترتيب .

وكثير من الناس منعوا الوصول لتركهم الأصول . وحقه أن يكون قصده في كل علم يتحراه التبلغ به إلى ما فوقه ، حتى يبلغ النهاية . ا هـ ([25])

والتدرج يكون في أمرين

الأول تدرج بين الفنون .

الثاني : تدرج في الفن الواحد .

وكلا الأمرين يخضع الاجتهاد المعلم ن وطبيعة المكان ، ولذا فإن إشارات العلماء في التدرج تختلف باختلاف مذاهبهم ، وأماكنهم ، وسأضع بين يدي القارئ نماذج من توجيهاتهم ليأخذ ما يلائمه ، بعد موافقة شيخه ومعلمه .

روى ابن المديني عن عبد الوهاب بن همام عن ابن جريح قال : ( أتيت عطاء ) وأنا أريد هذا الشأن ، وعنده عبد الله بن عبيد بن عمير . فقال لي ابن عمير : قرأت القرآن ؟ قلت لا . قال : فاذهب فاقرأه ، ثم اطلب العلم . فذهبت فغبرت زماناً ، حتى قرأت القرآن ، ثم جئت عطاءً ، وعنده عبد الله / فقال : قرأت الفريضة ؟ قلت لا . قال فتعلم الفريضة ، ثم اطلب العلم . قال فطلبت الفريضة ثم جئت . فقال الآن فاطلب العلم ) ([26])

وقال أبو العيناء :أتيت عبد الله بن داود ، فقال : ما جاء بك ؟ قلت : الحديث قال : أذهب فتحفظ القرآن . قلت قد حفظت القرآن – قال : أقرأ .

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ .... )

فقرأت العشر حتى أنفذته . فقال : أذهب الآن فتعلم الفرائض . قلت قد تعلمت الصلب والجد ،والكبر قال : فأيما أقرب إليك من أخيك ، أو عمك ؟ قلت : ابن أخي . قال : ولم ؟ قلت : لأن أخي من أمي وعمي من جدي . قال أذهب الآن فتعلم العربية . قال قد علمتها قبل هذين . قال فلما قال عمر – يعني حين طعن – يا لَله ولِلمسلمين ، لم فتح تلك وكسر هذه ؟ قلت فتح تلك اللام علي الدعاء وكسر هذه علي الاستغاثة ، والانتصار .

فقال : لو حدثت أحد لحدثك ([27])

قال أبو عمر ابن عبد البر – رمه الله تعالي - ([28]) طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها ، ومن تعداها جملة فقد نعدى سبيل السلف – رحمهم الله – ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل ، ومن تعداها مجتهداً زل

فأول العلم حفظ كتاب الله جل وعز وتفهمه ، وكل ما يعين علي فهمه ، فواجب طلبه . ولا أقول : إن حفظه كله فرض ، ولك أقول إن ذلك واجب لازم من أحب أن يكون عالماً ليس من باب الفرض .

فمن حفظه قبل بلوغه ثم فرغ إلى ما يستعين به علي فهمه من لسان العرب ، كان له ذلك عوناً كبيراً على مراده منه ، ومن سنن رسول الله ص .

ثم ينظر في ناسخ القرآن ومنسوخه وأحكامه ويقف على اختلاف العلماء واتفاقهم في ذلك وهو أمر قريب على من قربه الله عليه .

ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله ص فبها يصل الطالب إلى مراد الله جل وعز في كتابه ، وهى تفتح له أحكام القرآن فتحاً .

وفي سير رسول الله ص تنبيه علي كثير من الناسخ والمنسوخ في السنن .

ومن طلب السنن فليكن معوله علي حديث الأئمة الثقات الحفاظ ... إلى أن قال ص 172 :

فعليك يا أخي بحفظ الأصول ، والعناية بها .

واعلم أن من عني بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن ، ونظر في أقاويل الفقهاء فجعله عوناً له علي اجتهاده ، ومفتاحاً لطرائق النظر وتفسيراً لجمل السنن المحتملة للمعاني ، ولم يقلد أحداً نهم تقليد السنن التي يجب الإنقياد إليها علي كل حال دون نظر ، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها واقتدي بهم في البحث والتفهم والنظر وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه وحمدهم علي صوابهم – الذي هو أكثر أقوالهم – ولم يبرأهم من الزلل ، كما لم يبرئوا أنفسهم منه .

فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح ، وهو المصيب لحظه والمعاين لرشده والمتبع لسنة نبيه ص وهدي صحابته – رضي الله عنهم ... إلخ . ا هـ

وقال ابن الجوزي :

وقد علم قصر العمر ، وكثرة العلم ، فيبدأ – أي الطالب – بالقرآن وحفظه ، وينظر في تفسيره نظراً متوسطاً لا يخفي عليك بذلك منه شيء .

وإن صح له قراءة القراءات السبعة ، وأشياء من النحو وكتب اللغة ، وابتدأ بأصول الحديث من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن ، ومن حيث علم الحديث كمعرفة الضعفاء والأسماء ، فلينظر في أصول ذلك . وقد رتبت العلماء من ذلك ما يستغني به الطالب عن التعلب . ولينظر فيالتواريخ ليعرف ما لا يستغني عنه كنسب رسول الله ص ، وأقاربه ، وأزواجه ، وما جرى له ، ثم ليقبل علي الفقه فلينظر في المذاهب والخلاف وليكن اعتماده علي مسائل الخلاف ، فلينظر في المسألة وما تحتوي عليه ، فيطلبه من مظانه ، كتفسير آية ، وحديث ، وكلمة لغة .

وتشاغل بأصول الفقه ، وبالفرائض وليعلم أن الفقه عليه مدار العلوم . ا هـ ([29])

هذه شذرات من توجيهاتالعلماء – رحمهم الله تعالي – لطالب العلم وهى خلاصة تجاربهم في طريق التعلم ، أهدوها لنا حفاظاً علي وقتنا ورعاية لتأسيسنا علي النهج القويم ، فلا نحد عن طريقهم لئلا يقع الخلل في معلوماتنا ، فتخوننا ونحن أحوج ما نكون إليها .

من لم يشافه عالماً بأصوله فيقينه في المشكلات ظنون

ورحم الله ابن عبد البر إذ نعى طلاب العلم في زمنه فقل : واعلم – رحمك الله – أن طلب العلم في زماننا هذا ، وفي بلدنا ، قد حاد أهله عن طريق سلفهم ، وسلكوا في ذلك ما لا يعرفه أئمتهم وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم . ا هـ ([30])

وقد رتب ابن الجوزي جدولاً للطالب يبلغ به المنتهى فقال : وأول ما ينبغي أن يكلف – أي طالب العلم – في صباه – حفظ القرآن متقناً ، فإنه يثبت ويختلط باللحم والدم ، ثم مقدمة في النحو يعرف بها اللحن ، ثم الفقه مذهباً وخلافاً ، وما أمكن بع هذا من العلوم فحفظه حسن . ا هـ ([31]) .

ويضاف إلى ذلك النظر في متون الحديث ومصطلحه ، ليكون الفقه مبنياً علي القرآن ، وما صح عن الرسول ص فيبلغ صاحبه الذروة في الفضائل .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله تعالي - :

أما العلم النافع فهو : العلم المزكي للقلوب والأرواح ، المثمر لسعادة الدارين ، وهو ما جاء به الرسول ص من حديث وتفسير وفقه وما يعين علي ذلك من علوم العربية بحسب حالة الوقت ، والموضوع الذي فيه الإنسان .

وتعيين ما يشتغل به من الكتب يختلف باختلاف الأحوال والبلدان .

والخالة التقريبية في نظرنا هنا : أن يجتهد طالب العلم في حفظ مختصرات الفن الذي يشتغل به فإن تعذر أو قصر عليه حفظه لفظاً ، فليكرره كثيراً حتى ترسخ معانيه في قلبه ، ثم تكون باقي كتب الفن كالتوضيح والتفسير لذك الأصل الذي أدركه وعرفه .

فلو حفظ طالب العلم (( العقيدة الواسطية ))لشيخ الإسلام ابن تيمية . (( وثلاثة الأصول )) وكتاب (( التوحيد )) للشيخ محمد .

وفي الفقه (( مختصر الدليل )) ([32]) و (( مختصر المقنع )) ([33])

وفي الحديث (( بلوغ المرام ))

وفي النحو(( الأجرومية ))

واجتهد في فهم هذه المتون ، وراجع عليها ما تيسر من شروحها ، أو كتب فنها فإنها كالشروح لها . لأن طالب العلم إذا حفظ الأصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها الصغار والكبار . ومن صيغ الأصول حرم الوصول .

فمن حرص علي هذه العلوم النافعة ،واستعان بالله ، أعانه وبارك له في عمله ، وطريقه الذي سلكه . ومن سلك في طلبه للعلم غير الطريقة النافعة فاتت عليه الأوقات ، ولم يدرك إلا العناء ، كما هو معروف بالمشاهدة والتجربة . ا هـ ([34])

فهذا اقتراح مفصل من الشيخ – رحمه الله تعالي – حري بالاعتناء وقد استقرينا تراجم علمائنا فما منهم من خرج عن هذا السبيل ،وبذلك حازوا قصبات السبق .

وليكن معلوم لدى طالب العلم أن حثنا علي حفظ مختصرٍ في الفقه ليس دعوة إلي التقليد المذموم ،وإنما هو لفوائد شتى ، منها امتلاك الطالب أساسً قوياً في هذه المادة الشاهقة الارتفاع وحصر ذهنه في المسائل الموجودة في هذا المختصر لئلا تختلط عليه المسائل فلا يستطيع التمييز بين أحكامها والسعي في تدرجه إلي مراحل الاجتهاد درجة درجة ،وأول السلم هذه المختصرات .

وليس معنى حفظها العمل بكل ما فيها ، إذ لابد من معلم تقرأ عليه ، فيوضح غامضها ويحل مشكلها ، ويبين الراجح من المرجوح فيها .

والدخول في هذا المبحث مما يستدعي إطالة لا نريدها هنا إلا أنني أنقل أحرفاً عن المصنف الكبير المربي الفاضل العلامة الذهبي – رحمه الله – إذ جعل لكل إنسان منزلته ، فقال من بلغ رتبة الاجتهاد وشهد له بذلك عدة من الأئمة لم يسغ له أن يقلد .

كما أن الفقيه المبتدئ ، والعامي الذي بحفظ القرآن أو كثيراً منه لا يسوغ له الاجتهاد أبداً ، فكيف يجتهد وماذا يقول ؟ وعلام يبني ؟ وكيف يطير ولما يُريش ؟

والقسم الثالث : الفقيه المنتهي ، اليقظ الفهم المحدث ، الذي قد حفظ مختصراً في الفروع ، وكتاباً في قواعد الأصول ، وقرأ النحو وشارك في الفضائل ، مع حفظه لكتاب الله وتشاغله بتفسيره ، وقوة مناظرته فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيد ، وتأمل للنظر في دلائل الأئمة ، فمتى وضح له الحق في مسألة ، وثبت فيها النص ، وعمل به أحد الأئمة الأعلام ... فليتبع فيها الحق ، ولا يسلك الرخص ، وليتورع ولا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليداً . ا هـ ([35]) .

فرحم الله امرأً عرف قدر نفسه ، ولم يرفعها فوق منزلتها ، وأخذ العلم على طريقة سلفه .والله المستعان .
رد مع اقتباس