عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-07-2009, 02:20 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي

العائق الثاني

ترك العمل




عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله ص :

(( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما فعل به ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه )) ([15])

وأخرج الخطيب نحوه وفيه : (( وعن علمه ماذا عمل فيه )) ([16])



وفيه عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه قال : (( لا تكون عالماً حتى تكون متعالماً ، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تتكون به عاملاً ))

وفيه عن علي – رضي الله عنه – أنه قال ( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل )

وعن الفضيل بن عياض أنه قال : ( لا يزال العالم جاهلاً بما علم حتى يعمل به ، فإذا عمل به كان عالماً )

العمل بالعلم مدعاة لحفظه وثباته ، كما أن عدم العمل مدعاة لضياع العلم ونسيانه ، ولذلك قال الشعبي – رحمه الله – ( كنا نستعين علي حفظ الحديث بالعمل به ، وكنا نستعين على طلبه بالصوم ) ([17])

وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - :

( إني لأحسب العبد ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها ) .

وقد كان دأب السلف الصالح العمل بالعلم وبذلك حازوا قصبات السبق ، وبورك في علمهم ولذا قال أبو عبد الرحمن السلمى – رحمه الله تعالى - : ( حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلموا القرآن والعمل جميعاً ) .

وترك العلمل بالعلم على قسمين :

الأول : ترك الائتمار بالواجبات الشرعية ، وترك الانتهاء عن المحرمات الشرعية فهذه كبيرة من الكبائر ، وعليه تحمل الآيات والأحاديث المتوعدة من ترك العمل بالعلم .

القسم الثاني : ترك المستحبات ، وترك اجتناب الممكروهات فهذا قد يذم ولكن لا يدخل في أحاديث الوعيد ، إلا أن العالم وطالب العلم لهما المحافظة علي السنن ، واجتناب المكروهات ([18]) . والله أعلم .

قال ابن الجوزي – رحمه الله - :

( والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ، ففاته لذات الدنيا ، وخيرات الآخرة ، فقدم مفلساً مع قوة الحجة عليه ) . ا هـ ([19]).

** * * *

العائق الثالث

الاعتماد على الكتب دون العلماء



يرى بعض الطلبة من نفسه قدرةً على أخذ العلم من الكتب دون الرجوع إلى العلماء فى توضيح عباراتها ، وحل مشكلاتها وهذه الثقة بالنفس داء طالما رأينا صرعاه منبوذين ، وعن عداد أهل العلم مبعدين ، ما أكثر خطأهم ، وأبعد نجعتهم وأشنع تناقضهم .

قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالي - : ( من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام )

وكان بعضهم يقول : ( من أعظم البلية تشيخ الصحيفة ) . أي الذين تعلموا من الصحف . ([20])

قال الفقيه سليمان بن موسي : ( كان يقال : لا تأخذوا القرآن من المصحفين ، ولا العلم من الصحفيين ) .

وقال الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي – وكان يساوى بالأوزعى - : كان يقال : ( لا تحملوا العلم عن صحفي ، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي ) ([21])

وقديماً قيل : ( من كان شيخه كتابه ، كان خطؤه أكثر من صوابه )

ولقد أحسن أبو حسان النحوى حينما قال :

يظن الغُمر أن الكتب تجدي أخا فهمٍ لإدراك العلوم

وما يدري الجهول بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم

وتلتبس الامور عليك حتى تكون أضل من توما الحكيم



وقد شرح العلماء المعني الذي من أجله ألزم الطالب أخذ العلم من أفواه العلماء ، فمن ذلك قول ابن بطلان – رحمه اله - : ( يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم وهى معدومة عند المعلم وهي : التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بروغان البصر ... وقلة الخبرة بالإعراب ، أو فساد الموجود منه ، وإصلاح الكتاب ، وكتابة ما لا يقرأ ، وكتابة ما لا يكتب ، ومذهب صاحب الكتاب ، وسقم النسخ ، ورداءة النقل ،وإدماج القارئ مواضع المقاطع ، وخلط مبادئ التعليم ، وذكر ألفاظٍ مصطلح عليها في تلك الصناعة ... فهذه كلها معوقة عن العلم ، وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قرءته علي المعلم .

إذا كان الأمر علي هذه الصورة ، فالقراءة علي العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان ، وهو ما أردنا بيانه ) . ا هـ .

وقد ذكر قبل هذا الوجه خمسة أوجهٍ في بيان العلل التي من أجلها صار التعلم من أفواه الرجال أفضل من التعلم من المصحف ، فالتنظر في (( شرح إحياء علوم الدين )) ([22])

********

العائق الرابع

أخذ العلم عن الأصاغر


لقد فشت ظاهرة أخذ العلم عن صغار الأسنان بين طلاب العلم في هذا الزمن .

وهذه الظاهرة – في الحقيقة – داء عضال ، ومرض مزمن يعيق الطالب عن مراده ، ويعوج به عن الطريق السليم الموصل إلي العلم .

وذلك لأن اخذ العلم عن صغار الأسنان ، الذين لم ترسخ قدمهم ، ولم تشب لحاهم في وجود من هو أكبر منهم سناً ، وأرسخ قدماً ، يضعف أساس المبتدئ ، ويحرمه الإستفادة من خبرة العلماء الكبار ، واكتساب أخلاقهم التي قومها العلم والزمن ... إلي غير ذلك من التعليلات التي يوحي بها أثر ابن مسعود – رضي الله عنه – حيث يقول :

( ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، وعن أمنائهم ، وعلمائهم ، فإذا أخذوه عن صغارهم ، وشرارهم هلكوا ) .

وثبت الحديث عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله ص قال :

(( إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر )).

وقد اختلف الناس في تفسير : (( الصغار )) هنا علي أقوال ذكرها ابن عبد البر في (( الجامع )) ( 1/157 ) ، والشاطبي في (( الاعتصام )) ( 2/93 )

وقد ذهب ابن قتيبة – رحمه الله تعالي – إلى أن الصغار هم صغر الاسنان ، فقال علي أثر ابن مسعود الآنف الذكر : ( يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ، ولم يكن علماؤهم الأحداث ، لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب ، وحِدته وعجلته ، وسفهه ، واستصحب التجربة والخبرة ، ولا يدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولا يميل به الطمع ، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث ، فمع السن : الوقار ، والجلالة ، والهيبة .

والحدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت علي الشيخ ، فإذا دخلت عليه ،وأفتى هلك وأهلك ) . ا هـ ([23]) .

وقد روى ابن عبد البر عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال : (( قد علمت متى صلاح الناس ، ومتى فسادهم : إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من الكبير تابعه الصغير فاهتديا ))ز

وروى ابن عبد البر – أيضاً – عن أبي الأحوص عن عبد الله قال ( إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم ، فإن كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير )

ففي هذين الأثرين تعليل لعدم الأخذ عن (( الصغير )) آخر غير الذي ذكره ابن قتيبة . وهو : خشية رد العلم إذا جاء من الصغير .

وعلى كلً فإن لفظه (( الصغير )) عامة تتناول الصغير حساً ومعنىً .

وهذا الحكم ليس علي إطلاقه في (( صغير السن ))فقد أفتي ودرس جمعة من الصحابة والتابعين في صغرهم بحضرة الأكابر . إلا أن هؤلاء يندر وجود مثلهم فيمن بعدهم ، فإن وجدوا وعلم صلاحهم ، وسبر علمهم فظهرت رصانته ، ولم يوجد من الكبار أحد يؤخذ عنه العلوم التي معهم ، وأمنت الفتنة ، فليؤخذ عنهم .

وليس المراد أن يهجر علم الحدث مع وجود الأكابر كلا ،وإنما المراد أنزال الناس منازلهم ، فحق الحدث النابغ أن ينتفع به في المدارسة والمذاكرة ، والمباحثة ... أما أن يصدر للفتوى ، ويكتب غليه بالأسئلة ، فلا وألف لا ، لأن ذلك قتل له ، وفتنة ، وتغرير .

قال افضيل ابن عياض – رحمه الله – ( لو رأيت رجلاً اجتمع الناس حوله لقلت : هذا مجنون ، من الذي اجتمع الناس حوله لا يحب أن يجود كلامه لهم ) .

وقال أيضاً : ( بلغني أن العلماء فيما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا ،وإذا عملوا شغلوا ، وإذا شغلوا فقدوا وطلبوا ، فإذا طلبوا هربوا ) ([24]) فيا أيها الطلاب إن أردتم العلم من منابعه فهاؤهم العلماء الكبار الذين شابت لحاهم ، ونحلت جسومهم وذبلت قواهم في العلم والتعليم ، الزموهم قبل أن تفقدوهم ، واستخرجوا كنوزهم قبل أن تواري معهم ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .

تنبيه : في هذا الزمان اختل معيار كثير من العامة في تقييم العلماء ، فجعلوا كل من وعظ موعظة بليغة ، أو ألقي محاضرات هادفة ، أو خطب الجمعة مرتجلاً ... عالماً يرجع إليه في الإفتاء ويؤخذ العلم عنه .

وهذه رزية مؤلمة ، وظاهرة مرزية ، تطاير شررها وعم ضررها ، إذ هي في إسناد العلم إلى غير أهله فانتظر الساعة .

فليحذر الطالب في أخذ العلم عن هؤلاء ، إلا إذا كانوا من أهل العلم المعروفين ، فما كل من أجاد التعبير كان عالماً ولا كل من حرف وجوه الناس إليه بالوقيعة في ولاة أمور المسلمين ، أو بذكر النسب لوفيات الإيدز ونحوها يكون عالماً .

وليس معني ما تقدم – كما يفهم البعض – عدم الاستماع إليهم ، أو الإنتفاع بمواعظهم ، كلا إنما المراد عدم أخذ العلم الشرعي عنهم وعدم رفعهم إلي منازل العلماء ، والله الموفق .



رد مع اقتباس