عرض مشاركة واحدة
  #56  
قديم 08-30-2008, 05:35 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي



قـواعــد متفـرقـة


القاعدة الأولى : الأمور بمقاصدها

عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) . أخرجه البخاري ( 1 ) وسلم ( 1907 ) .
قال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3/98 ) :
فبين في الجملة الأولى : أن العمل لا يقع إلا بالنية ، ولهذا لا يكون عملا إلا بنية ، ثم بين في الجملة الثانية : أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه ، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال ، وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا ولا يعصمه من ذلك صورة البيع ، وأن من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللاً ولا يخرجه من ذلك صورة عقد النكاح لأنه قد نوى ذلك وإنما لامرئ ما نوى .
وقال أيضا ( 3/97 ) : أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى ذكره فإن القربات كلها مبناها على النيات ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقصد ولهذا الووقع في الماء لم ينو الغسل أو سبح لتبرد لم يكن غسله قربة ولا عبادة باتفاق فإنه لم ينو العبادة فلم تحصل له وإنما لامرئ ما نوى ، ولو أمسك عن المفطرات عادة واشتغالا ولم ينو القربة لم يكن صائماً ، ولو دار حول البيت يلتمس شيئا سقط منه لم يكن طائفاً . انتهى .

القاعدة الثانية : الأحكام الشرعية مبنية على تحقيق المصالح وإكمالها

قال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3/3 ) : فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجوار ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عبادة ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها . انتهى .

القاعدة الثالثة : الأحكام الشرعية مبنية على المتماثلات

قال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 1/195 ) : وأما أحكام الأمرية الشرعية فكلها هكذا ، تجدها مشتملة على التسوية بين المتماثلين ، وإلحاق النظير بنظيره ، واعتبار الشيء بمثله ، والتفريق بين المختلفين وعدم تسوية أحدهما بالآخر ، وشريعته سبحانه منزهة أن تنهى عن شيء لمفسدة فيه ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيد منها ، فمن جوز ذلك على الشريعة فما عرفها حق معرفتها ولا قدرها حق قدرها . انتهى .

القاعدة الرابعة : العبرة في الأحكام الشرعية بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام )) فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ قال : ( لا هو حرام ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوها ثم باعوه فأكلوا ثمنه )) .
أخرجه البخاري ( 2236 ) ومسلم ( 1581 ) .
قال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 2/99 ) : لو كان التحريم معلقا بمجرد اللفظ وبظاهر من القول دون مراعاة المقصود للشيء المحرم معناً وكيفية لم يستحقوا اللعنة لوجهين :
أحدهما : أن الشحم خرج بجملته عن أن يكون شحما وصار ودكاً كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا إلى أن يصير بيعا عند من يستحل ذلك … .
الوجه الثاني : أن اليهود لم ينفقوا بعين الشحم ، وإنما انفقوا بثمنه ، ويلزم من راعى الصور والظواهر والألأفاظ دون الحقائق والمقاصد أن لا يحرم ذلك فلما لعنوا على استحلال الثمن وإن لم ينص على تحريمه علم أن الواجب النظر في الحقيقة والمقصود لا إلى مجرد الصورة ، ونظير هذا أن يقال لرجل : لا تقرب مال اليتيم فيبيعه ويأخذ عوضه ويقول : لم أقرب ماله . انتهى ملخصاً .
وقال أيضا ( 3/136 ) : إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالة على ما في نفوسهم فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه ، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكاماً بواسطة الألفاظ ، ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول ، ولا على مجرد ألفاظ مع العلم أن المتكلم بها لم يرد معانيها ، ولم يحط بها علما ، بل تجاوز للأمة عما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل به ، أو تكلم به ، وتجاوز لها عما تكلمت به مخطئة أو ناسية ، أو مكروهة ، أو غير عالمة به إذا لم تكن مريدة لمعنى ما تكلمت به ، أو قاصدة إليه ، فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم ، هذه قاعدة الشريعة وهي من مقتضيات عدل الله وحكمته ورحمته ، فإن خواطر القلب وإرادة النفوس لا تدخل تحت الإختيار فلو ترتبت عليها الأحكام مكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة ورحمة الله تأبى ذلك . انتهى .

القاعدة الخامسة : الحكم للغالب والنادر لا حكم لها

استقرأ العلماء النصوص الشرعية فوجدوا أن الأحكام تبنى على الغالب وأن النادر لا محكم له ، قال القرافي في الفروق ( 4/104 ) : الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر وهو شأن الشريعة ، كما يقدم الغالب في طهارة المياه وعقود المسلمين ويمنع شهادة الأعداء والخصوم لأن الغالب منهم الحيف . انتهى .

القاعدة السادسة : الأحكام الشرعية المحددة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان

قال ابن القيم في إغاثة اللهفان ( 10/330 ) : الأحكام نوعان :
النوع الأول : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك ، فهذت لا يتطرق إليه تغيير ، ولا اجتهاد يخالف ما وضع له .
والنوع الثاني : ما يتغير حسب المصلحة له ، زماناً ومكاناً وحالاً ، كمقادير التعزيرات ، وأجناسها ، وصفاتها ، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة . انتهى .
وضرب ابن القيم لهذه القاعدة مثالا فقال في إعلام الموقعين ( 3/16 ) ما حاصله : أن النبي صلى الله عليه وسلم نص في المصرَّاة على ردِّ صاع من تمر بدل اللبن ، فقيل هذا حكم عام في جميع الأمصار حتى في المصر الذي لم يسمع أهله بالتمر قط ولا رأوه ، فيجب إخراج قيمة الصاع في موضع التمر ، ولا يجزئهم إخراج صاع من قوتهم ، وجعل هؤلاء التمر في المصراة كالتمر في زكاة التمر لا يجزيء سواه ، وخالفهم آخرون فقالوا : بل تخرج في كل موضع صاعاً من قوت ذلك البلد الغالب ، فيخرج إلى البلاد التي قوتهم البر صاعا من بُرٍّ ، وإن كان قوتهم الأرز فصاعاً من أرز ، وإن كان الزبيب والتين عندهم كالتمر في موضعه أجزأ صاع منه وهذا هو الصحيح ، ولا ريب أنه أقرب إلى مقصود الشارع ، ومصلحة المتعاقدين من إيجاب قيمة صاع من التمر في موضعه ، والله أعلم .

القاعدة السابعة : اليقين لا يزول بالشك

عن عبادة بن تميم عن أبيه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال : (( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )) .
أخرجه البخاري ( 137 ) ومسلم ( 361 ) .
هذا الحديث يدل على أن الأشياء يحكم ببقائها على ماهي عليه حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطاريء ، وهناك أدلة أخرى على هذه القاعدة منها حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كان ترغيماً للشيطان )) . أخرجه مسلم ( 571 ) .
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 5/25 ) : في هذا الحديث من الفقه أصل عظيم مطرد في أكثر الأحكام وهو أن اليقين لا يزيله الشك ، وأن الشك مبني على أصله المعروف حتى يزيله يقين لا شك فيه . انتهى .



يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس