عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 08-04-2008, 08:57 AM
البتار البتار غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وعلى نبينا محمد أفضل الصلوات وأتم التسليمات ، أما بعد :

_لا أعرف شخصاً من المعاصرين ظلم كما ظلم الأستاذ سيد قطب رحمه الله من قبل البعض ، حتى أن بعضهم جعله إماماً لكل بدعة ، بل أنه جعل سيدًا شراً من اليهود والنصارى .. وأشد خطراً على الإسلام منهم _اللهم إلا المجاهدين الموحدين الغرباء الذين تكالب عليهم العرب والعجم_..

يقول الشيخ أبو محمد المقدسي حفظه الله :

(قد كتب الناس في سيد بين إفراط وتفريط، وظلمه البعض وغالى فيه آخرون، ولسنا بحمد الله من هؤلاء ولا هؤلاء، بل ندور مع الحق حيث دار، ولا نعتقد العصمة في أحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحفظ لسيد وأمثاله من أنصار الدين حقهم ولا نبخسهم ما قدموه، فنحب فيهم ثباتهم على الحق ونصرتهم للدين وشرعه وبراءتهم من الطاغوت وشركه.)

ويقول حفظه الله :

(إن من عجائب هذا الزمان الذي لا تنقضي عجائبه أن يسأل عن سيد أمثالي ويتكلم فيه جرحا أو تعديلا، وهو الذي فارق هذه الدار مستعليا على زخرفها وحطامها وفتاتها الذي تهالك عليه وأخلد إليه أكثر الخلق، ويبذله الطواغيت لأهلها المنقادين الخاضعين لهم، وأبى هو رحمه الله أن يخط ببنانه الذي سطر به ظلال القرآن والتوحيد؛ كلمات تعتق رقبته من الموت، يلبس بها الحق بالباطل أو يقر بها حكم الطاغوت.

في الوقت الذي يسود فيه كثير من أهل زمانها وجوههم وصحائفهم، ومنهم بعض أولئك الطاعنين الذين أطالوا ألسنتهم فيه؛ ما هو أحط من تلك الكلمات التي ترفع عنها رحمه الله، ويطوعون دينهم ليل نهار للطواغيت ويبيعونه بثمن بخس دون أن يكرهوا أو يهددوا بالموت والإعدام...)



_لم ينتقل سيد رحمة الله عليه من حياة الضياع إلى أن أصبح مفكراً إسلاميا في سنة أو سنتين , بل أخذ وقتا طويلاً حتى نضجت أفكاره ، وكان في هذه الفترة يؤلف ويكتب فكان لا بد من وقوعه في أخطاء ..

يقول الخالدي في كتابه ( سيد قطب من الميلاد للاستشهاد):

(( لم ينتقل سيد نقلته الجديدة الإيمانية فجأة , ولم يتحول بين يوم وليلة , من ذلك الحائر الضائع إلى هذا المفكر الإسلامي الرائد .

كانت النقلة بالتدريج , وكان التفاعل مع العالم الجديد بالتدريج !

بدأت النقلة عندما أقبل على القرآن الكريم , يدرسه لدواع أدبية في مكتبة القرآن الجديدة ..

ووقف على بعض التوجيهات القرآنية الفكرية التي سجلها في كتابه " العدالة الاجتماعية في الإسلام " !

وسافر إلى أمريكا , وهناك تعمقت معاني الإيمان في نفسه وشعشع النور في شغاف قلبه ))



وهذا يوضح أن سيد كان يكتب شيئاً ثم يتراجع عنه بعد فترة نتيجة لمعرفته لأشياء كان يجهلها , أو تصحيحه لمفاهيم خاطئة عنده .

----

-مر سيد رحمه الله بمراحل عديدة في حياته :

أولا : مرحلة الضياع الكامل:
وهي المرحلة التي قال عنها الدكتور صلاح الخالدي أنها بدأت من 1925 – 1939 م وهي مرحلة ضياع كامل لسيد قطب رحمه الله ..

يقول الخالدي في كتاب ( سيد قطب من الميلاد للاستشهاد) :
(( رحلة ضياع سيد هي الفترة الزمنية التي عاشها وهو جاهل بنفسه وهدفه ورسالته ووظيفته , وهو جاهل بسر الحياة , وطبيعة الكون , والصلة بينه وبين الحياة والكون .

رحلة ضياع سيد هي المرحلة التي تلقى فيها المبادئ والأفكار والتصورات والفلسفات الأوروبية والغربية المادية الجاهلية عن الكون والحياة والإنسان ..

رحلة الضياع عنده هي تلك المرحلة التي وقع فيها صراع بين التصورات الإسلامية التي تلقاها من قبل , والتصورات المادية الغربية التي تلقاها في شبابه ))




ثانيا : مرحلة الإسلاميات الفنية الأدبية:
تبدأ من عام 1939 ( مقال سيد عن التصوير الفني للقرآن ) إلى 1947 ..

وهي مرحلة دراسة القرآن دراسة ( أدبية ) للبحث عن النواحي الجمالية الفنية في القرآن .. ومن كتب هذه المرحلة : التصوير الفني / مشاهد القيامة في القرآن .


يقول سيد رحمه الله :

(( فلا أقل من أن يعاد عرضه – أي القرآن - وأن ترد إليه جدته , وأن يستنقذ من ركام التفسيرات اللغوية والنحوية والفقهية والتاريخية والأسطورية أيضا ، وأن تبرز فيه الناحية الفنية وتستخلص خصائصه الأدبية , وتنبه المشاعر إلى مكامن الجمال فيه . وذلك هو عملي الأساسي في مكتبة القرآن )) من كتاب مشاهد القيامة في القرآن ص 8 .

وهذا يوضح أن الأستاذ سيد قطب رحمه الله كَتَبَ ما كَتَبَ في هذه المرحلة كأديب لا يلتفت للنواحي الفقهية ولا لغيرها ..


ثالثا : مرحلة الإسلاميات الفكرية العامة:
تكلم الدكتور الخالدي عن هذه المرحلة الثالثة وسماها :

مرحلة الإسلاميات الفكرية العامة .. حيث قال الخالدي أنها بدأت عام 1947 بكتاب العدالة الاجتماعية وانتهت عام 1953 حينما انضم سيد رحمه الله لجماعة الإخوان المسلمين .


رابعا : مرحلة النضج الفكري:
هذه المرحلة بدأت من عام 1953 إلى محنته الأخيرة .. وكتب هذه المرحلة هي التي أودع فيها سيد خلاصة تجربته وأفكاره ، وهي : هذا الدين ، المستقبل لهذا الدين ، خصائص التصور الإسلامي ، مقومات التصور الإسلامي ، معالم في الطريق ، في ظلال القرآن .


أخيراً: محنة سجنه الأخيرة :
وفيها أوصي سيد بعد قراءة كتبه القديمة , وتخلي عنها كما ذكر الأستاذ الشيخ محمد قطب رحمه الله , والمستشار العقيل والقرضاوي وغيرهم وقد سبق أن وضعت هذه الشهادات في رد سابق..

وتجدر الإشارة إلي أن البعض لا يثبتون هذه المرحلة كالدكتور صلاح الخالدي , والشيخ يوسف العظم , فهم يقرون بتراجعه عن أفكاره القديمة , ولكنهم لا يقرون بطلب سيد رحمه الله من إخوانه عدم طبع كتبه القديمة ..

والدليل علي إقرارهم بتراجعه عن أفكاره القديمة علي سبيل المثال:

يقول الدكتور الخالدي :

((ونورد نموذجين لشعر الضياع في الأربعينات )) ..... إلى أن قال الخالدي : (( قصيدة قافلة الطريق : نشرها في مجلة الكتاب عدد يونيو عام 1946 م )) "

أي بعد التصوير الفني بسنة ! لأن سيد كتب أصول كتاب التصوير الفني عام 1939 ونشره ككتاب عام 1945 ! وبالطبع لا يقول الخالدي بأن سيد يتمسك بأفكاره التي كتبها في فترة ضياعه أو فترة ( الإسلاميات الأدبية ) ..

والخالدي يقول أيضا في نفس الكتاب :

" كانت النقلة بالتدريج , وكان التفاعل مع العالم الجديد بالتدريج !

بدأت النقلة عندما أقبل على القرآن الكريم , يدرسه لدواع أدبية في مكتبة القرآن الجديدة ..

ووقف على بعض التوجيهات القرآنية الفكرية التي سجلها في كتابه " العدالة الاجتماعية في الإسلام " !


أي أن العدالة الاجتماعية كتبه سيد لنواح ( أدبية ) وقبل أن يتحول للكتابات الإسلامية !

---

الشاهد أن كلا الفريقين يتفقان علي تراجع سيد عن أفكاره القديمة المخالفة للتصور الإسلامي , ولا يثبت البعض أنه أوصي بعدم طبع كتبه القديمة ..

والراجح هو قول الشيخ محمد قطب رحمه الله فهو أعرف الناس بأخيه ، والمستشار العقيل يثبت وجود رسالة من سيد قطب يعلن فيها تراجعه عن كتبه القديمة ، وأنه نشر هذه الرسالة وأرسلها لإخوانه في العالم الإسلامي .


----

وتبقي هناك نقطة واحدة بخصوص التراجع ، ألا وهي إحالة سيد قطب في الظلال لكتاب التصوير الفني في القرأن ..


فأقول وبالله التوفيق :


كتابات سيد قطب القديمة ... فيها ما هو حق و فيها ما هو باطل ... فينبغي النظر في المواضع التي أحال عليها سيد قطب ... من أي الصنفين هي ؟؟؟

و من المتصور أن يتبرأ سيد قطب من كتب جمعت ما هو حق و ما هو باطل ... بل بعض هذه الكتب يكاد يخلو من الأخطاء إلا في مواضع بعينها ... أقول من المتصور أن يتبرأ منها بالكلية من باب الإحتياط ... لكنه كذلك قد يحيل على مواضع معينة فيها يري أنها خالية من الأخطاء ...

فما المانع إذاً من الإحالة لكتاب تخلى صاحبه عنه ؟؟

ولو كنت تتكلم عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت جزء من قصيدة البردة فهل يعني أنك توافق البوصيري على كل ما فيها ؟

ولو أحلت لكتاب به بعض الأخطاء العقدية فهل يعني هذا تبنيك لكل ما فيه ؟؟

بل لو أحلت للإنجيل أو التوراة للاستشهاد وزيادة البيان فهل نقول أنك تؤمن بما فيهما ؟؟

لو كان سيد رحمه الله يحيل للمواضع التي فيها كلام سيئ عن الصحابة ، أو فيها دعوة لهذا القدح ، ومدح لمن فعله وتزيين له ودفاع عن فاعله … لكان هذا دليل إدانة ، والحاصل أنه كان يحيل لمواضع غير هذه من باب زيادة التوضيح … فما هو المانع ؟

وهل هناك فرق بين من يحيل لأبيات من الشعر الجاهلي الذي يحوي تعظيماً للأصنام والشرك وكبائر الذنوب للاستشهاد وزيادة الإيضاح ، وبين من يحيل لموضع من كتاب فيه أخطاء ولكن في باب غير هذا الباب ؟

والشاهد هنا أن الإحالة للكتاب لا تعني الموافقة لكل ما فيه ..

والأهم من ذلك أن سيدا رحمه الله أعلن تراجعه وتخليه عن كتبه وأفكاره السابقة .. وهذا يعني بالتالي عدم جواز محاسبته على ما فيها من أخطاء .


يتبع
-----
رد مع اقتباس