عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-17-2012, 02:42 AM
أبو عائشة السوري أبو عائشة السوري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي مصطلح الحديث و علومه

 

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ،و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله
.
لا يخفى على أي طالب علم مكانة السنة المطهرة وقيمة علومها وأثرها على أمة الإسلام وواقع المسلمين، وسأبدأ هذا الموضوع المتعلق بالسنة المطهرة وعلومها مستعيناً بالله وحده لا شريك له وهو ولي التوفيق
.
قال الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم :{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
"
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية بما معناه:"{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} هي مرتبة الإسلام ، {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} هي مرتبة الإيمان ،{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}هي مرتبة الإحسان" نوضح المعنى أكثر فأكثر على ضوء السنة المطهرة ،لنتدبر معاً هذا الحديث الذي رواه عمر رضي الله عنه:" بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال :{يا محمد أخبرني عن الإسلام}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً}، قال:{صدقت}، قال (يعني عمر رضي الله عنه و أرضاه):{ فعجبنا له يسأله ويصدقه} قال (يعني الرجل السائل):{فأخبرني عن الإيمان} قال:{ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره} قال:{صدقت}، قال : {فأخبرني عن الإحسان} قال :{أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} قال :{ فأخبرني عن الساعة}، قال :{ما المسؤول عنها بأعلم من السائل}، قال:{ فأخبرني عن أمارتها}(الأمارة هي العلامة) قال:{ أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان} قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي (يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم) {يا عمر أتدري من السائل ؟}، قلت:{ الله ورسوله أعلم}، قال:{ فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم}"لنتدبر معاً هذا الحديث المهم، لقد ميز الوحي بين ثلاثة أمور كما نرى ،الإسلام، و الإيمان ، و الإحسان، عندما قال بأن الإسلام هو شهادة ألا إله إلا الله و أن محمداً صلى الله عليه و سلم رسول الله، و الصلاة، و الصيام، و الزكاة، و الحج ،هو يتكلم عن أعمال ظاهرية ،فكم من الناس ينطق بالشهادتين و يشرك بالله مثل من همّ بالصلاة ثم نقض وضوءه ،و كم من الناس يصلون الفرائض بحركات و كلمات، و كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش، هنا يأتي قوله تبارك و تعالى: { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }فهذه أول درجة للداخل في دين الله، و هي المقصود بقوله تبارك و تعالى:{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فتحكيم شرع الله موجود على اللسان و الجوارح ،لكنه بانتظار المرتبة الثانية و هي قوله تبارك و تعالى: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} هي مرتبة الإيمان ،فلقد انتفى الحرج في القلب ،و الإيمان عبر عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله عندما سُئِلَ عن الإيمان :{ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره} و أعمال القلب من توحيد و إخلاص و خشوع في الصلاة بحاجة إلى علم و تعلم، و العلم كما قال إمام الهجرة مالك رحمه الله:{ليس العلم كثرة المسائل ،و لكن العلم الخشية}،لكن الآن لدينا مرتبة ثالثة ألا وهي الإحسان ،عبر عنها الله تعالى بقوله :
{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} و فسرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله:
{أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك}
و على سبيل المثال و التوضيح لمراتب الإسلام و الإيمان و الإحسان ، الذي يصلي الفريضة بحركات و سكنات و كلمات و عقله و قلبه بأمور الدنيا و الحسابات و غيرها بلغ مرتبة الإسلام، و الذي يدافع الوسواس في الصلاة حتى تغلب على الوسواس بنسبة 90 % على سبيل المثال يكون قد بلغ مرتبة الإيمان و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم ، و القلة الصالحة التي تذرف الدموع و قلوبها وجِلَةٌ أمام رب العزة جل شأنه في الصلاة بلغت مرتبة الإحسان و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم .

السنة في اللغة مشتقةٌ من الفعلِ " سنّ " بفتح السين المهملة وتشديد النون، ولهذا الفعل عدة معانٍ لغوية ، منها:
1- الصقلُ: يقال: سنّ فلان السكين إذا حدّها وصقلها
الابتداءُ: يقال: سنّ فلان العمل بكذا، أي: ابتدأ به
2-
العناية بالشيء ورعايته: يقالُ: سنّ الإبل إذا أحسن رعايتها والعناية بها
3-
4- السيرة المستمرة والطريقة المتبعة سواء كانت حسنةً أو سيئةً
السُّنَّةُ اصطلاحًا
:
للمحدثين تعريفاتٌ متعددة للسنَّة، من هذه التعريفات
:
هي أقواله صلى الله عليه و سلم ،وأفعاله، و تقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلقية، وسائر أخباره سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها.
السُّنَّةُ في اصطلاح الأصوليين:
عرف
الأصوليون السنة بأنها: أقوال النبي صلى الله عليه و سلم التي يمكن أن تكون دليلاً لحكم شرعي .
السُّنَّةُ في اصطلاح الفقهاء
:
هي كل ما ثبت عن النبيصلى الله عليه و سلم ولم يكن مفروضًا ولا واجبًا مثل تثليث الوضوء، ومثل المضمضة .
وما يهمنا من هذه التعاريف هو تعريفها من وجهة نظر المحدثين كما ورد أعلاه
.
يقصد بأقواله صلى الله عليه و سلم كلُّ ما تلفظَ به في مختلف الظروف والمناسبات .
ويقصَدُ بتقريراته
صلى الله عليه و سلم:
كلُّ ما صدر عن بعض أصحابه رضوان الله عليهم من قول أو فعل وأقرَّه بسكوت منه وعدمِ إنكار، وإمَّا بموافقة وإظهار استحسان . إمَّا
ويقصد بصفاته
صلى الله عليه و سلم الخَلقية: ما يتعلق بذاته وتكوينه .
ويقصد بصفاته صلى الله عليه و سلم الخُلُقية: ما يتعلق بأخلاقه الشريفة

ويقصدُ بسائر أخباره صلى الله عليه و سلم :ما صدر عنه في كلِّ أحواله حركةً وسكونًا ويقظةً ومنامًا سواءً كان ذلك قبل البعثة أم
بعدها .
أهمية السنة المطهرة ووجوه الحاجة إليها:
إن القرآن الكريم – وهو المصدر الأول في التشريع – لا يمكن أن يستغني عنها، ولا يستطيع أن يؤدي دوره كاملاً بدونها، و نذكر دليلاً واحداً على ذلك
::
قوله تبارك تعالى:{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} فلقد تكفل الله تبارك وتعالى ببيان القرآن، لكن كيف؟ إليكم الجواب، و هو قوله تبارك و تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه و سلم
:
{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون
}
فلقد تكفل رب العزة جلّ شأنه بتبيان الذكر عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو واضح بإذن الله تبارك وتعالى .
و أما عن قول القرآنيين منكري السنة بأن السنة لا تلزم لأنها تأتي في المرتبة بعد القرآن فالرد على ذلك سهل أيضاً ،مثل هؤلاء كمثل طالب تعلم الجمع في المرحلة الابتدائية ،ولما وصل إلى المرحلة المتوسطة الإعدادية تعلم جدول الضرب، و بعدها وصل إلى المرحلة الثانوية عُرِضَت عليه مسألة في الجمع فأبى أن يحلها ،وعندما سأله المعلم عن السبب أجاب قائلاً :{لا يوجد شيء اسمه جمع و طرح و لو وجد فلا حاجة لنا به و جدول الضرب نحفظه جميعاً و يكفينا} و نحن نعلم بديهياً أن حاصل 5 ×
3 هو
5+ 5 + 5 و الأمر واضح إن شاء الله .
ونذكر الآن وجوه أهمية السنة وارتباطها بالقرآن ...
الصورة الأولى :أن في القرآن الكريم آياتٍ لا يمكن فهم المراد منها إلا بعد معرفة سبب نزولها، ولا طريق لمعرفة سبب النزول إلا السنَّة ،إليكم هذا الرابط لتحميل كتاب الصحيح من أسباب النزول للعلامة المحدث مقبل الوادعي رحمه الله:

http://saaid.net/book/open.php?cat=2&book=5355


الصورة الثانية: أن في القرآن الكريم آيات مجملة، ولا سبيل إلى تفصيلها وبيان المراد منها إلا السنة ، من ذلك قوله تعالى في شأن الصلاة: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}فلو أخذ هذا الكلام على ظاهره لاكتفى من كل إنسان بأدنى ما يقع عليه اسم الصلاة وهي ركعة واحدة مثلاً، وتؤدى بأية كيفية كانت، مع أن هذا خلاف مراد الله تعالى.
لذلك جاءت السنة مبينة: أوقات الصلاة، وعدد ركعاتها، وكيفية أدائها، وأركانها، وشروطها، وسننها، وهيئاتها، وآدابها، ومبطلاتها ...
الصورةُ الثالثة: أن في القرآن الكريم آيات عامة، مع أن المراد منها خاص، ولا سبيل إلى تخصيصها وبيان مراد الله منها سوى السنة النبوية، والعام هو لفظ وضع للدلالة على أفراد غير محصورين على سبيل الاستغراق والشمول، سواءٌ أكانت دلالته على ذلك بلفظه ومعناه، بأن كان بصيغة الجمع، كالمسلمين والمسلمات والرجال والنساء، أم كانت بمعناه فقط: كالرهط والقوم والجن والإنس
والخاصُّ لفظٌ وضع للدلالة على فرد واحد أو أفراد محصورين

بعد هذا البيان لدلالة العام والخاص، نأتي على ذكر أمثلة لتخصيص السنة لعموم القرآن الكريم، فمن ذلك:
قول الله عز وجل: (حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخنْزيْرُ ...)
فهذه الآية تفيد أن كل ميتة وكل دم حرام، لكن جاءت السنة فخصصت من هذا التحريم نوعين من الميتة، ونوعين من الدماء يباح أكلهما. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:{ أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، الْجَرَادُ وَالْحِيتَانُ وَالْكَبْدُ وَالطِّحَالُ} .
الصورة الخامسة: أن في القرآن الكريم آيات ظاهرها أنها مشكلة مع غيرها أو مع سنن أخرى صحيحة أو مع العقل، وكمثال على ذلك
:
قوله تعالى: (وَكُلُوْا وَاْشْرَبُوْا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوْا الْصِّيَامَ إِلَى الَّلْيْلْ....)
فقد فهم بعض الصحابة من الخيط الأبيض والخيط الأسود حقيقتهما وأنه يباح الأكل للصائم حتى تتبين له رؤيتهما فجاءت السنة فرفعت هذا الإشكال، وبينت أن الخيط الأبيض والخيط الأسود: مجازان عن بياض النهار وسواد الليل .
فعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ رضى الله عنه قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ :{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ ، فَلاَ يَسْتَبِينُ لِي ، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه و سلم فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ :{ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَار} .
وقد يسأل البعض: لماذا لم يتحدث كتاب الله عز وجل عن تفصيلات هذه الأمور التي تركها لبيان الرسول صلى الله عليه و سلم؟
والجواب من وجوه :
الأول: أن ذلك يعدُّ آية من آيات إعجاز القرآن الكريم والسنة المطهرة، حيث تضمن الأصول العامة والقواعد الكلية للأحكام الشرعية، تاركًا التعرض إلى تفاصيلها والتفريع عليها للسنة ليحقق بذلك النهضة الإنسانية الشاملة، والرقي الاجتماعي والفكري في كل أمة مهما كانت بيئتها وأعرافها، وفي كل زمان.
الثاني: أن القرآن الكريم لو اهتم بهذه التفصيلات لطال إطالة تجعل من الحرج على المؤمنين أن يستقصوه، ويحفظوه، ويرتلوه، وكل هذا واجب عليهم.
الثالث: أن القدوة بالرسول صلى الله عليه و سلم حتى تتحقق، فلا بد من الاقتناع العقلي .
كان حديثنا عن ارتباط السنة بالقرآن، و نأتي الآن إلى مبحث آخر.
دور السنة في التشريع وأهميتها:

إذ أن هناك أحكامًا كثيرةً استقلتِ السنة النبوية بتشريعها، وقد تلقت الأمة هذه الأحكام بالقبول، وإن كانت زائدةً على ما جاء في القرآن الكريم .
من هذه الأحكام :تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وأنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وأنه لا يقتل مسلم بكافر، وحد الرجم، وحد الردة، والنهي عن زواج المتعة، وغير ذلك كثير وكثير .
قال ابن القيم رحمه الله:{ وَالسُّنَّةُ مَعَ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ؛ أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ فَيَكُونُ تَوَارُدُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ بَابِ تَوَارُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَظَافُرِهَا.
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرًا لَهُ.
الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِحُكْمٍ سَكَتَ الْقُرْآنُ عَنْ إيجَابِهِ أَوْ مُحَرِّمَةً لِمَا سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ ، وَلَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ ، فَلَا تُعَارِضُ الْقُرْآنَ بِوَجْهٍ مَا ، فَمَا كَانَ مِنْهَا زَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ فَهُوَ تَشْرِيعٌ مُبْتَدَأٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ وَلَا تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ ، وَلَيْسَ هَذَا تَقْدِيمًا لَهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، بَلْ امْتِثَالٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و سلم} .
وقد قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} .
شرفُ أهلِ الحديثِ:
روى الترمذي بسنده عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ
قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول:{ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ } .
روى الطبراني في الشاميين أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال:{ يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ , يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ , وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ , وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ } .
التعريف بتاريخ السنة ومناهج المحدثين:
التاريخ لغة : مأخوذ من الفعل (أرخ) يقال : أرخ الكتاب :حدد تاريخه، وأرخ الحادث ونحوه : فصل تاريخه وحدد وقته
.
والتاريخ اصطلاحاً : فنٌّ يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين و التوقيت، بل عما كان في العالم، وموضوعه : الإنسان والزمان .
ومن خلال هذا التعريف للتاريخ، يمكننا تعريف (تاريخ السنة) بأنه:
{الأدوار التي تقلبت فيها السنَّةُ أو المراحلُ التي مرت بها من لدنْ صدورها عن صاحب الرسالة
صلى الله عليه و سلم من حفظ في الصدور، وتدوين في الصحف، وجمع لمنثورها، وتهذيب لكتبها، ونفي لما اندس فيها، واستنباط من عيونها، وتأليف بين كتبها، وشرح لغامضها... إلى غير ذلك مما يعرفه القائمون على خدمتها، والعاملون على نشر رايتها } .
أطوارُ تاريخ السنة

السنة في عصر النبوة:
لقيت السنة النبوية في عصر النبوة عناية تامة ،واهتماماً كبيراً ،بحيث أثمر ذلك أموراً ثلاثة:
الأول: الصيانة والحفظ: على معنى أن السنة جمعت في عهده
صلى الله عليه و سلم وحوفظ عليها، بحيث لم يضع منها شيء أبداً .
الثاني: الذيوع والانتشار: على معنى أنها لم تنحصر في مكان بعينه كالمدينة أو مكة مثلاً ،وإنما انتشرت في سائر أنحاء شبه الجزيرة العربية بل تعدت شبه الجزيرة العربية إلى سائر الأقطار الأخرى التي وصل إليها الإسلام
.
الثالث: تأسيس المنهج العلمي للرواية
وتفصيله كالتالي
...
أولاً :عوامل صيانة السنة وحفظها
وهي ثمانية عوامل، أربعة منها في المعلِّم وهي:
1- أن يكون على درجة عالية من الأخلاق بحيث يقترب الطلاب منه فيتمكن من غرس الفضيلة في نفوسهم بفعله وسلوكه، قبل أن يغرسها فيهم بقوله وكلامه.
2- وأن يكون متمكناً من مادته العلمية، بحيث يستطيع أن يعطي الطلاب التصور الصحيح لها، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه.
3 - وأن يكون محبًّا لمادته العلمية، مخلصا لها ،بحيث يضحي في سبيلها بوقته وراحته
.
4 - وأن يكون ذا منهج صحيح في التربية والتعليم، كيلا يضيع الوقت سدى
.
وواحدة منها في المادة العلمية، وهي
:
5 - أن تكون مثمرة، ومفيدة، ومهمة في حياة الفرد والجماعة
وثلاثة منها في الطالب، وهي
:
. 6- أن يدرك أهمية، وفائدة، وثمرة ما يتعلمه ليقبل عليه بهمة ونشاط
7 - وأن تكون هناك مشاركة عامة من جميع أبناء المجتمع – رجالاً و نساءاً، صغاراً وكباراً – في طلب العلم
.
8 - وأن يكون هذا الطالب صاحب منهج صحيح في التلقي، والسماع، ليعي ويحفظ كل ما يصل إلى سمعه
.
أسس المنهج السليم للنبي صلى الله عليه و سلم :
1 - الترغيب في العلم، والحث عليه: ببيان فضله، وفضل العلماء والمتعلمين، إذ يقول صلى الله عليه و سلم : {من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله له طريقاً إلى الجنة ،وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاءاً لطالب العلم ،وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ،وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء ،إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر}.
2 - تعهدهم بالعلم والموعظة بين الحين والحين مخافة أن يسأموا أو يملوا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ :{كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا} .
3 - مخاطبةُ كل قوم بلهجتهم حتى يفهموا ويعوا عنه الكلام، عن كعب بن عاصم الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ليس من أمبر امصيام في امسفر} 4 - إعادة كل كلمة ثلاثا حتى تفهم عنه و تحفظ .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا .
5 - الفصلُ بين كلمة وأخرى كيلا يقع تحريف أو تغيير في المنقول عنه ، في رواية عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ .
6 - إقناع السائل: أحيانا بالقياس، وأحيانا بضرب المثل.
فمن الأول: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ :" يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ" ،فَقَالَ – رسول الله صلى الله عليه و سلم-: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟"
قَالَ:" نَعَمْ "، قَالَ:" مَا أَلْوَانُهَا ؟" ،قَالَ:" حُمْر
"
:"
فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟"- الأورق مائل بين السواد و السمرة- قَالَ:" نَعَمْ ". قَالَ: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟"
؟"، قَالَ :"أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ " ، قَالَ :"فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ
ومن الثاني: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :

قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :"مَا
يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟" قَالَ:" لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ "، قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ "لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ " وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ:
{ مَثَلُ

الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى} .
7 - الرفقُ والرحمة بالطلاب، والتيسير عليهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :{ إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها} .
8 - استعمالُ العبارات الرقيقة التي تستميلُ القلوب وتؤلفها، وترغبها في التعلم والتنفيذ والتطبيق: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم
أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ :{ يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ} فَقَالَ :{أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ} .
9 - التوقف عن الفتوى فيما لا يعلم جوابه من المسائل ، كما في أول قوله صلى الله عليه و سلم عندما سأله جبريل عليه الصلاة و السلام :" متى الساعة؟" فأجابه النبي صلى الله عليه و سلم :{ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ}

10 - طرحُ بعض المسائل على السامعين بغية استثارة قرائحهم، وشحذ أذهانهم. أو بيان معنى جديد غير معروف لديهم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم:" إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِي ؟" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما:{فَوَقَعَ النَّاس فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ،وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا:" حَدِّثْنَا مَا هِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ :" هِي النَّخْلَة ".
11- تخصيصُ بعض الناس بمسائل من العلم دون الآخرين، لما يرى فيهم من النبوغ، والتقدم، والفهم مع منعهم من أن يحدثوا العامة بذلك خشية ألا يفهموا فيفتتنوا.
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه و سلم وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ:" يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"، قَالَ:" لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ "قَالَ: "يَا مُعَاذُ " قَالَ:" لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ" ثَلاَثًا .
قَالَ :" مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ " قَالَ :"يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ؟"قَالَ:
"إِذًا يَتَّكِلُوا" وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّماً .
عواملُ انتشار السنَّة وذيوعها
العامل الأول: نشاطه وحده صلى الله عليه و سلم في تبليغ الدعوة ونشر الإسلام.
العامل الثاني: طبيعةُ الإسلام، ونظامه الجديد .
العامل الثالث: نشاطُ الصحابة رضوان الله تعالى عليهم رجالاً و نساءاً في طلب العلم، وحفظه، وتبليغه .
العامل الرابع: نشاطُ أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن في حفظ السنَّة وتبليغها .
العامل الخامس: ولاته وبعوثه إلى القبائل المسلمة لتبليغها الدعوة، وتعليمها إياها .
العامل السادس: رسلُه وكتبُه صلى الله عليه و سلم إلى الملوك، والأمراء، ورؤساء القبائل المجاورين يدعوهم إلى الإسلام .
العامل السابع : الوفود بعد فتح مكة، وحجة الوداع
نشأة علم المصطلح وتطوره
لقد بدأت البواكير الأولى لهذا العلم منذ مرحلة مبكرة جداً منذ عصر النبي صلى الله عليه و سلم وبأمر من القرآن الكريم الذي طلب منا التثبت من نقل الرواة، وعدم إقامة الأحكام قبل التأكد من صدقها، فقال عز و جل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ولما قامت الفتنة بعد مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه اشتدوا أكثر في أمر الرواية، حتى لا تؤدي الفتنة إلى إفشاء الكذب ، وتكلم من الصحابة رضوان الله عليهم كثيرٌ في أمر الرواية والجرح والتعديل، فتكلم أنس بن مالك، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، والسيدة عائشة، وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين
.
علم المصطلح في القرنين الثاني والثالث
كتب في بعض موضوعاته في ثنايا مؤلفاته الإمام الشافعي المتوفي سنة 204 هـ ، رضي الله تعالى عنه، حيث تكلم في كتابيه الرسالة والأم عن بيان السنة والقرآن الكريم، وعن الاحتجاج بالسنة وعن حجية خبر الواحد، وشرط الحفظ في الراوي، وقبول رواية المدلس إذا صرح بالسماع وغير ذلك وتكلم البخاري سنة في 256 ه ، صحيحه وتواريخه عن بعض مباحث هذا العلم، كما تعرض الإمام مسلم رحمه الله تعالى المتوفي سنة 261 هـ في مقدمة صحيحه لبعض مباحث هذا الفن .
علم المصطلح بعد القرن الثالث
ويستعرض الحافظ ابن حجر العسقلاني تلك المرحلة فيقول : {فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث، قد كثرت للأئمة في القديم والحديث، فمِن أوّلِ مَن صَنَّفَ في ذلك :
1 - القاضي أبو محمد الرامَهُرْمُزِي في كتابه: "المحدِّثُ الفاصل"، لكنه لم يَستوعب
2 - والحاكم أبو عبد الله النيسابوريّ، لكنه لم يُهَذِّب، ولم يُرَتّب
3 - وتلاه أبو نعيم الأصْبهاني فعَمِل على كتابه مستخْرَجاً وأبقى أشياءَ للمُتَعَقِّب
4 - ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغداديُّ فصَنَّفَ في قوانين الرواية كتاباً سَمَّاهُ: "الكفاية" "، وفي آدابها كتاباً سَمَّاهُ: "الجامع لآداب الشيخ والسامع"، وقَلَّ فَنٌّ مِن فنون الحديث إلا وقد صَنَّفَ فيه كتاباً مفْرَداً؛ فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كلُّ مَن أَنْصف عَلِم أنّ المحدِّثين بعد الخطيب عيالٌ على كُتُبِه} .
تعريفات تمهيدية:
1 - علم المصطلح: علم بأصول وقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد.
2 – موضوعه: السند والمتن من حيث القبول والرد .
3 - ثمرته: تمييز الصحيح من السقيم من الأحاديث .
4 – الحديث: لغة: الجديد، ويجمع على أحاديث .
اصطلاحاً : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .
5 – الخَبَر: لغة: النبأ . وجمعه أخبار .
اصطلاحاً: فيه ثلاثة أقوال وهي:
1ً - مرادف للحديث: أي إن معناهما واحد اصطلاحاً .
2ً - مغاير له: فالحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم، والخبر ما جاء عن غيره .
3ً - أعم منه: أي أن الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم و الخبر ما جاء عنه أو عن غيره .
6 - الأثَر:
أ) لغة: بقية الشيء.
ب) اصطلاحاً: فيه قولان هما:
1ً - هو مٌرادف للحديث: أي أن معناهما واحد اصطلاحاً .
2ً - مٌغاير له: وهو ما أٌضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال .
7 - الإسناد: له معنيان:
أ) عَزْو الحديث إلى قائله مسنداً .
ب) سلسلة الرجال المٌوصلة للمتن . وهو بهذا المعنى مرادف للسند .
8 – السند:
أ) لغة: المعتمد، وسمي كذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه .
ب) اصطلاحاً: سلسلة الرجال الموصلة للمتن .
9 - المتن:
أ) لغة: ما صلب وارتفع من الأرض .
ب) اصطلاحاً: ما ينتهي إليه السند من الكلام .
10 - المٌسْنَد:
أ) لغة: اسم مفعول من أسند الشيء إليه بمعنى عزاه ونسبه له.
ب) اصطلاحاً: له ثلاثة معان:
1ً - كل كتاب جمعَ فيه مرويات كل صحابي على حِدَة .
2ً - الحديث المرفوع المتصل سنداً .
3ً - إن يٌراد به " السند " فيكون بهذا المعنى مصدراً ميمياً.
11 - المٌسْنِد:
هو من يروي الحديث بسنده ، سواء أكان عنده علم به أم ليس له إلا مجرد الرواية، وهي المرتبة الثانية لمن يبدأ رحلة طلب الحديث وتسبقها الأولى رتبة طالب العلم .
12- المٌحدِّث:
هو من يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية ، ويطلع على كثير من الروايات وأحوال رواتها ،و هي المرتبة الثالثة بعد كل من طالب العلم والمسنِد .
13 - الحافظ : فيه قولان:
أ) مرادف للمحدِّث عند كثير من المحدثين .
ب) وقيل هو أرفع درجة من المحدِّث ،فبالإضافة لمعرفته لفنون الحديث رواية ودراية فهو يحفظ أكثر من المحدِّث ،وقدرها أهل الاختصاص بمئة ألف حديث ،وأضاف الكثيرون على مرتبة الحافظ مرتبة "حافظ حجة" .
14 - الحاكم:
هو من أحاط علماً بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير على رأي بعض أهل العلم، و قدّرها بعض أهل الاختصاص بـ "98%" .
15 - أمير المؤمنين في الحديث:
صار علماً في الحديث رواية ودراية وسعة حفظ وفهم، وممن حاز هذه المرتبة نذكر : " البخاري ـ أحمد بن حنبل" رحمهما الله .
16 - الصحابي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم و مات على الإيمان وإن تخلل حياته ردة .
17 - التابعي: رأي الصحابي و كان على الإيمان .
الخبرُ المتواتر
1 – تعريفُه:
لغة: هو اسم فاعل مشتق من المتواتر أي التتابع، تقول تواتر المطر أي تتابع نزوله.
اصطلاحاً: ما رواه عدد كثير تُحيلُ العادةُ تواطؤهم على الكذب .
2 – شروطُه:
لا يتحقق التواتر إلا بشروط أربعة وهي:
الشرط الأول: أن يرويه عدد كثير وضابط هذا العدد هو العادة كما أسلفنا ...
قال القاضي الباقلاني: ولا يكفي الأربعة, وما فوقها صالح, وتوقَّف في الخمسة.
وقال الاصطخري: أقله عشرة, وهو المُخْتار, لأنَّه أوَّل جموع الكَثْرة.
وقيلَ: اثنا عشر عدَّة نُقباء بنى إسرائيل. وقيلَ: عشرُون. وقيلَ: أربَعُون.
وقيلَ: سبعون عدَّة أصحاب موسى عليه الصَّلاة والسَّلام.
وقيلَ: ثلاث مئة وبضعة عشر, عدَّة أصحاب طالوت وأهل بدر, لأنَّ كل ما ذكر من العدد المذكور أفاد العلم.
الشرط الثاني: أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند .
الشرط الثالث: أن تٌحيلَ العادة تواطؤهم على الكذب ، وذلك كأن يكونوا من بلاده مختلفة، وأجناس مختلفة.
الشرط الرابع: أن يكون مٌسْتَنَد خبرهم الحس ،كقولهم سمعنا أو رأينا أو لمسنا
أو ..... أما إن كان مستند خبرهم العقل، كالقول بحدوث العالم مثلاً ، فلا يسمى الخبر حينئذ متواتراً .
3 - حُكمُه:
المتواتر يفيد العلم الضروري، أي اليقيني الذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقاً جازماً كمن يشاهد الأمر بنفسه كيف لا يتردد في تصديقه .
4 – أقسامه:
ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين هما، لفظي ومعنوي.
المتواتر اللفظي : هو ما تواتر لفظه ومعناه. مثل حديث :" مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " رواه بضعة وسبعون صحابياً .
المتواتر المعنوي: وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مُختلفة, تَشْترك في أمر يتواتر ذلك القدر المُشترك.
كما إذا نقلَ رَجُل عن حاتم مثلاً أنَّه أعْطَى جملاً, وآخر أنَّه أعْطَى فرسًا, وآخر أنَّه أعْطَى دينارًا, وهلمَّ جرًّا, فيتواتر القدر المُشترك بين أخبارهم, وهو الإعطاء, لأنَّ وجوده مشترك من جميع هذه القضايا .
فالمتواتر المعنوي ما تواتر معناه دون لفظه.
مثل : أحاديث رفع اليدين في الدعاء ، لكنَّها في قضايا مُختلفة, فكل قضية منها لم تتواتر, والقدر المُشْترك فيها وهو الرَّفع عند الدُّعاء تواتر باعتبار المَجْموع .

يتبع إن شاء الله ...

التوقيع

من عجائب الشمعة أنها تحترق لتضيء للآخرين ... ومن عجائب الإبرة أنها تكسو الناس وهي عارية ... ومن عجائب القلم أنه يشرب ظلمة ويلفظ نوراً
لئن تغدو فتشعل شمعة واحدة ، خير لك من أن تلعن الظلام مليون مرة
الإيجابي : يفكر في غيره
السلبي : يفكر في نفسه
الإيجابي : يصنع الظروف
السلبي : تصنعه الظروف
لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كان منحنياً
قال ابن القيم رحمه الله :{ كما أنه ليس للمصلي من صلاته إلا ما عقل منها ، كذلك فإنه ليس للإنسان من حياته إلا ما كان لله }
رد مع اقتباس