تبسيط علوم السلف
للحافظ أبى اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمىّ الغرناطىّ
هو قلب الأحكام الثابتة شرعاً إلى أحكام أُخَر بفعلٍ صحيح الظاهر, لغو فى الباطن؛ سواء كانت الأحكام من خطاب التكليف أو من خطاب الوضع.
إن الله تعالى أوجب أشياء وحرم أشياء:
إما مطلقا من غير قيد ولا ترتيب على سبب كما أوجب الصلاة والصيام والحج وأشباه ذلك وحرم الزنى والربا والقتل ونحوها.
وإما مرتبة على أسباب كإيجاب الزكاة والكفارات والوفاء بالنذور وكتحريم المطلقة والإنتفاع بالمغصوب أو المسروق وما أشبه ذلك.
فإذا تسبب المكلف فى إسقاط ذلك الوجوب عن نفسه أو فى إباحة ذلك المحرم عليه بوجه من وجوه التسبب حتى يصير ذلك الواجب غير واجب فى الظاهر أو المحرم حلالاً فى الظاهر أيضاً فهذا التسبب يسمى حيلة وتَحَيُّلاً.
أمثلة
كما لو دخل وقت الصلاة عليه فى الحضر فإنها تجب عليه أربعا فأراد أن يتسبب فى إسقاطها كلها بشرب خمر أو دواء مخدر حتى يخرج وقتها وهو فاقد لعقله كالمغمى عليه أو أراد قصرهافأنشأ سفراً ليقصر الصلاة
وكذلك من أظله شهر رمضان فسافر ليأكل
أو أراد بيع عشرة دراهم نقدا بعشرين إلى أجل فجعل العشرة ثمناً لثوب ثم باع الثوب من البائع الأول بعشرين إلى أجل.
أو أراد قتل فلان فوضع له فى طريقه سبباً قاتلاً كحفر البئر ونحو ذلك.
وكالفرار من وجوب الزكاة بهبة المال أو إتلافه أو جمع متفرقه أو تفريق مجتمعه.
وهكذا سائر الأمثلة فى تحليل الحرام وإسقاط الواجب.
ومثله جارٍ فى تحريم الحلال كالزوجة ترضع الضرة لتحرم على زوجها.
وهذا جارٍ أيضاً فى إثبات حق لا يثبت كالوصية للوارث فى قالب الإقرار بالدين.
الحيل فى الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة فى الجملة
قال تعالى فى أصحاب الجنة: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا(تفسير الجلالين: يقطعون ثمرتها) مُصْبِحِينَ {17} وَلَا يَسْتَثْنُونَ {18} فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ {19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ {20}} [القلم 17-20]لما احتالوا على إمساك حق المساكين بأن قصد الصرام[صَرَمَهُ يَصْرِمُهُ صَرْماً، ويُضَمُّ: قَطَعَهُ بائناً،وـ النَّخْلَ والشَّجَرَ: جَزَّهُ القاموس المحيط]،فى غير وقت إتيانهم عذبهم الله تعالى بإهلاك مالهم وقال تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[البقرة:65]وأشباهها لأنهم احتالوا للاصطياد في السبت بصورة الاصطياد فى غيره.
ومن الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام "وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ"[البخارى كتاب الحيل]فهذا نهي عن الإحتيال لإسقاط الواجب أو تقليله والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة و قد ذكر البخارى منها جمل كثيرة فى كتاب الحيل وعليه عامة الأمة من الصحابة والتابعين.