لربي الحمد (1 / 2)
للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله
الحمد(1) أوسع الصفات، وأعمُّ المدائح، والطرق إلى العلم به في غاية الكثرة، والسبيل إلى اعتباره في ذرّات العالم وجزئياته وتفاصيل الأمر والنهي واسعة جداً، لأن جميع أسمائه تبارك وتعالى حمد، وصفاته حمد، وأفعاله حمد، وأحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمده، ووجِدَ بحمده، وظهر بحمده، وكان الغاية هي حمده، فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله، فحمده روح كل شيء، وقيام كل شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات وظهور آثاره فيه أمر مشهود بالأبصار والبصائر.
____________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الحمد هو الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة لها".الفتاوى (8/378)
فمن الطرق الدالة على شمول معنى الحمد وانبساطه على جميع المعلومات معرفة أسمائه وصفاته، وإقرار العبد بأن للعالم إلها حيّاً جامعاً لكل صفة كمال واسم حسن، وثناء جميل، وفعل كريم، وأنه سبحانه له القدرة التامة، والمشيئة النافذة، والعلم المحيط، والسمع الذي وسع الأصوات، والبصر الذي أحاط بجميع المبصرات، والرحمة التي وسعت جميع المخلوقات، والملك الأعلى الذي لا يخرج عنه ذرة من الذرات، والغنى التام المطلق من جميع الجهات، والحكمة البالغة المشهودة آثارها في الكائنات، والعزة الغالبة بجميع الوجوه والاعتبارات، والكلمات التامات النافذات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من جميع البريات، واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في إلهيته، ولا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وليس له من يشركه في ذرة من ذرات مكله، أو يخلفه في تدبير خلقه، أو يحجبه عن داعيه أو مؤمليه أو سائليه، أو يتوسط بينهم وبينه بتلبيس أو فرية أو كذب كما يكون بين الرعايا وبين الملوك، ولو كان كذلك لفسد نظام الوجود وفسد العالم بأسره؛ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، ولو كان معه آلهة أخرى كما يقوله أعداؤه المبطلون لوقع من النقص في التدبير وفساد الأمر كله ما لا يثبت معه حال ولا يصلح عليه وجود.
ومن أعظم نعمه علينا وما استوجب حمد عباده له أن جعلنا عبيدا له خاصة، ولم يجعلنا ربنا منقسمين بين شركاء متشاكسين، ولم يجعلنا عبيدا لإله نحتته الأفكار، لا يسمع أصواتنا، ولا يبصر أفعالنا، ولا يعلم أحوالنا، ولا يملك لعابديه ضراً ولا نفعاً ولا وموتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ولا يتكلم، ولا يأمر، ولا ينهى، ولا تُرفع إليه الأيدي، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا يصعد إليه الكلم الطيب، ولا يُرفع إليه العمل الصالح، ولا تنزل الملائكة من عنده، ولا يُحِب، ولا يُحَب، ولا يلتذ المؤمنون بالنظر إلى وجهه الكريم في دار الثواب ... فله الحمد والمنة والثناء الحسن الجميل إذ لم يجعلنا عبيدا لمن هذا شأنه؛ فنكون مضيعين ليس لنا رب نقصده، ولا صمد نتوجه إليه ونعبده، ولا إله نعوّل عليه، ولا رب نرجع إليه، بل قلوبنا تنادي في طرق الحيرة من دلنا وجمع علينا ربا ضائعا ...
فلله العظيم أعظم حمد وأتمه وأكمله على ما منَّ به من معرفته وتوحيده والإقرار بصفاته العليا وأسمائه الحسنى، وإقرار قلوبنا بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة رب العالمين، قيوم السموات والأرضين، إله الأولين والآخرين، لا يزال موصوفا بصفات الجلال، منعوتا بنعوت الكمال، منزها عن أضدادها من النقائص والتشبيه والمثال، فهو الحي القيوم الذي لكمال حياته وقيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم، مالك السموات والأرض الذي لكمال ملكه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، العالم بكل شيء الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، فلا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب حيث لا يطّلع عليها الملَك، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب البصير، الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضائها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى ما تحت الأرضين السبع كما يرى ما فوق السموات السبع، السميع الذي قد استوى في سمعه سر القول وجهره، وسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه أصوات الخلق ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه كثرة السائلين، قالت عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله وإني ليخفى علي بعض كلامها فأنزل الله عز و جل: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
القدير الذي لكمال قدرته يهدي من يشاء، ويُضل من يشاء، ويجعل المؤمن مؤمنا، والكافر كافرا، والبر برا، والفاجر فاجرا، وهو الذي جعل إبراهيم وآله أئمة يدعون إليه ويهدون بأمره، وجعل فرعون وقومه أئمة يدعون إلى النار، ولكمال قدرته لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء أن يعلمه إياه، ولكمال قدرته خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوب، ولا يعجزه أحد من خلقه ولا يفوته بل هو في قبضته أين كان، فإن فرَّ منه فإنما يطوي المراحل في يديه كما قيل:
وكيف يفر المرء عنك بذنبه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إذنه إليه، ولكمال عظمته وعلوه وسع كرسيه السموات والأرض ولم تسعه أرضه ولا سماواته ولم تحط به مخلوقاته بل هو العالي على كل شيء وهو بكل شيء محيط، ولا تنفد كلماته ولا تبدل ولو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مداداً، وأشجار الأرض أقلاماً، فكتب بذلك المداد وبتلك الأقلام لنفد المداد وفنيت الأقلام ولم تنفد كلماته.
وهو سبحانه يحب رُسله وعباده المؤمنين ويحبونه، بل لا شيء أحب إليهم منه، ولا أشوق إليهم من لقائه، ولا أقرَّ لعيونهم من رؤيته، ولا أحظى عندهم من قربه، وأنه سبحانه له الحكمة البالغة في خلقه وأمره، وله النعمة السابغة على خلقه، وكل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وأنه أفرح بتوبة عبده من واجد راحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقدها واليأس منها، وأنه سبحانه لم يكلِّف عباده إلا وِسْعهم وهو دون طاقتهم؛ فقد يطيقون الشيء ويضيق عليهم بخلاف وسعهم فإنه ما يسعونه ويسهل عليهم ويفضل قدرهم عنه كما هو الواقع.
وأنه سبحانه لا يعاقب أحداً بغير فعله، ولا يعاقبه على فعل غيره، ولا يعاقبه بترك ما لا يقدر على فعله، ولا على فعل ما لا قدرة له على تركه، وأنه حكيم كريم جواد ماجد محسن ودود صبور شكور، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، لا أحد أصبر على أذى سمعه منه، ولا أحد أحب إليه المدح منه، ولا أحد أحب إليه العذر منه، ولا أحد أحب إليه الإحسان منه، فهو محسنٌ يحب المحسنين، شكورٌ يحب الشاكرين، جميلٌ يحب الجمال، طيبٌ يحب كل الطيب، نظيفٌ يحب النظافة، عليمٌ يحب العلماء من عباده، كريمٌ يحب الكرماء، قويٌ والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، بَرٌ يحب الأبرار، عدلٌ يحب أهل العدل، حيي ستير يحب أهل الحياء والستر، غفورٌ عفو يحب من يعفو عن عباده ويغفر لهم، صادقٌ يحب الصادقين، رفيقٌ يحب الرفق، جوادٌ يحب الجود وأهله، رحيمٌ يحب الرحماء، وترٌ يحب الوتر، ويحب أسماءه وصفاته، ويحب المتعبدين له بها، ويحب من يسأله ويدعوه بها، ويحب من يعرفها ويعقلها ويثني عليه بها ويحمده ويمدحه بها، كما في الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- لا أحد أحبَّ إِليه المَدْحُ من الله تعالى ، من أجل ذلك مَدَحَ نَفْسَهُ. ولا أحد أَغْيَرَ من الله، من أَجل ذلك حرَّمَ الفواحشَ مَا ظهرَ منها وما بَطَنَ. ولا أحد أحبَّ إِليه العُذْرُ من الله، من أجل ذلك أنزلَ الكتاب، وأرسلَ الرُّسُلَ. وفي حديث آخر صحيح: لا أحد أصْبَرَ على أذى سَمِعَهُ من الله - عزَّ وجلَّ - : إِنَّهُ لَيُشْرَكُ به ، ويُجْعَل له الولدُ ، ثم يعافيهم ويرزُقُهم.
ولمحبته لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها؛ فأمرهم بالعدل والإحسان والبر والعفو الجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأناة والتثبت، ولمّا كان سبحانه يحب أسماءه وصفاته كان أحب الخلق إليه من اتصف بالصفات التي يحبها، وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التي يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأن اتصافه بها ظلم؛ إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه لمنافاتها لصفات العبد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية، ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحده، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة الإحسان والصبر والشكر فإنها لا تنافي العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره ولم يخرج بها من دائرة العبودية.
والمقصود أنه سبحانه لكمال أسمائه وصفاته موصوف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، له كل ثناء حسن، ولا يصدر عنه إلا كل فعل جميل، ولا يسمى إلا بأحسن الأسماء، ولا يثنى عليه إلا بأكمل الثناء، وهو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى ما أمر به وشرعه.
ومن كان له نصيب من معرفة أسمائه الحسنى واستقراء آثارها في الخلق والأمر رأى الخلق والأمر منتظمين بها أكمل انتظام، ورأى سريان آثارها فيهما، وعلم بحسب معرفته ما يليق بكماله وجلاله أن يفعله وما لا يليق، فاستدل بأسمائه على ما يفعله وما لا يفعله، فإنه لا يفعل خلاف موجب حمده وحكمته، وكذلك يعلم ما يليق به أن يأمر به ويشرعه مما لا يليق به، فيعلم أنه لا يأمر بخلاف موجب حمده وحكمته. فإذا رأى في بعض الأحكام جوراً وظلماً أو سفهاً وعبثاً ومفسدة، أو ما لا يوجب حمدا وثناء فليعلم أنه ليس من أحكامه ولا دينه وأنه بريء منه ورسوله، فإنه إنما أمر بالعدل لا بالظلم، وبالمصلحة لا بالمفسدة، وبالحكمة لا بالعبث والسفه، وإنما بعث رسوله بالحنيفية السمحة لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإنه أرحم الراحمين ورسوله رحمة مهداة إلى العالمين، ودينه كله رحمة، وهو نبي الرحمة، وأمته الأمة المرحومة وذلك كله موجب أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة، فلا يخبر عنه إلا بحمده ولا يثنى عليه إلا بأحسن الثناء، كما لا يسمى إلا بأحسن الأسماء.
وقد نبه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأن حمد نفسه في أول الخلق وآخره وعند الأمر والشرع، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرده بالإلهية، وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله من اتخاذ الولد والشريك وموالاة أحد من خلقه لحاجته إليه، وحمد نفسه على علوه وكبريائه، وحمد نفسه في الأولى والآخرة، وأخبر عن سريان حمده في العالم العلوي والسفلي، ونبه على هذا كله في كتابه، وحمد نفسه عليه، فتنوع حمده وأسباب حمده، وجمعها تارة وفرقها أخرى ليتعرف إلى عباده ويعرفهم كيف يحمدونه وكيف يثنون عليه، وليتحبب إليهم بذلك ويحبهم إذا عرفوه وأحبوه وحمدوه.
قال تعالى: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا . قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقال وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
وقال: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}
وأخبر عن حمد خلقه له بعد فصله بينهم والحكم لأهل طاعته بثوابه وكرامته، والحكم لأهل معصيته بعقابه وإهانته: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وأخبر عن حمد أهل الجنة له وأنهم لم يدخلوها إلا بحمده كما أن أهل النار لم يدخلوها إلا بحمده فقال عن أهل الجنة {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} و {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال عن أهل النار {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} وقال {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} وشهدوا على أنفسهم بالكفر والظلم، وعلموا أنهم كانوا كاذبين في الدنيا، مكذبين بآيات ربهم، مشركين به، جاحدين لإلهيته، مفترين عليه، وهذا اعتراف منهم بعدله فيهم، وأخذهم ببعض حقه عليهم، وأنّه غيرُ ظالم لهم، وأنهم إنما دخلوا النار بعدله وحمده، وإنما عوقبوا بأفعالهم وبما كانوا قادرين على فعله وتركه، لا كما تقول الجبرية. وتفصيل هذه الحكمة مما لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة به، ولا إلى التعبير عنه، ولكن بالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناء جميل، وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء وتسبيح تقديس، فسبحانه وبحمده، لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني به عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخراً، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده.
فهذا تنبيه على أحد نوعي حمده وهو حمد الصفات والأسماء والنوع الثاني حمد النعم والآلاء وهذا [ تجده على هذا الرابط ]
من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين ص 208-218 نقلاً عن مدونة أبي راشد
التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 12-08-2010 الساعة 02:46 PM
|