عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 11-15-2007, 12:01 AM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

11- القطب الغوث

بعد يومين ذهبوا بي عند أعظمهم بلاءاً .. وأكثرهم شهرة .. ووقفوا بي الساعات الطوال ينتظرون الأذن بالدخول ! سبحان الله ! ألهذا الحد يمنع دخول أي شخص إليه ؟! هل هو إله مقدس ؟ هل يختلف تكوينا عن البشر ؟

طال الانتظار وهم ينظرون إليّ بين اللحظة والأخرى .. إنهم ينتظرون اهتماما مني أو سؤالا !! ترددت كثيرا في طرح السؤال أو إبداء الاهتمام والقلق يساورني .. ترى أي نوع من الناس يكون هذا أيضا ؟؟

أخيراً .. فتح الباب الكبير على مصراعيه !! ارتجفوا !! فتح كبير ونصر بالدخول إليه أكبر !! تسارعت خطاهم ! أي مغفرة ستقع لهم ؟ أي رضى عنهم بفتح الباب والسماح بالدخول إليه ؟ ( تساءلت باستهتار في نفسي ) !! تقدمني الجميع وأنا أنظر في دهشة ! ثم عادوا يمسكون بي وقالوا :

- أنت ولية من أولياء الله الصالحين ! لقد فتح الباب بسببك !! كم حاولنا الدخول ولكنه لم يسمح لنا ولم يسمع لرجائنا !!

دخلت بخطوات مترددة .. البيت مظلم , ساكن , لا حراك فيه مطلقا ..ولا أصوات تبدد وحشة المكان .. بدأت المخاوف تنتابني شيئا فشيئا !!

وعندما فتح الباب الداخلي .. ركضوا .. فتتبعتهم بتردد وتخوف شديد .. ما نوع الكائن الموجود بالداخل ؟ ! وفجأة .. رأيته !! شخص قرب موته كثيراً لا حراك !! ينام على سرير وكأنه جثة هامدة ! هو لا يتكلم ! لا يتحرك ! لا ينظر ! لا يعلم من دخل إليه ومن خرج ؟! لا يفقه شيئا .. إنه شبه ميت ..

توجهت أنظر فيمن معي .. أي عقول معتوهة يحملون ؟ تهافتوا عليه كالمصروعين !! ما هذا ؟ إنهم يلمسونه ! يتباركون به ! أوه حتى النساء يلمسنه ! يقبلن يديه ورأسه ووجهه !!! يمسحون على وجهه الهرم ! رباه .. إنهم يبكون ! بل ينتحبون ! علا بكاؤهم ودوت صيحاتهم !! إنهم يلهجون بالدعاء ! لمن !! له !! يتوسلون !!

أما أنا فقد وقفت وحدي ... هائمة على وجهي ! ماذا حدث ؟ لم كل هذا التبجيل والتعظيم ؟ إنه بشر مثلنا ! بل هو أشلاء إنسان

وفيما أخذ التفكير مني والتأمل وقتا طويلا .. غذ بالزوج يقول من بين أدمعه وشهيقه :

- هيا تعالي والمسيه .. فرصتك الذهبية ! لا يحصل عليها أي كان ! انظري على وجهه .. ونور الصوفية الظاهر عليه .. يا إلهي لو تعلمين ماذا كسبنا وماذا جنينا ؟؟

فخاطبت نفسي بتشكك :

- هل كسبوا الجنة مثلا ؟! ربما !! لسان حالهم يجزم بذلك ..

بقيت جامدة في مكاني .. كيف لي أن أمسك برجل ؟ حتى وإن كان الموت يتهافت لخطفه !! لا ... لن أسمح لنفسي بذلك ! فأنا أخاف من الله .. كفاني إلى هذا الحد ... كفاني ..

ثم أكرهوني .. وأجبروني بغضب وأحرجوني .. فتوقفت أمام هذه البقايا الهامدة أخاطبها :

- بم تشعرين ؟؟ هل أنت على حق ؟؟ أم أنك خارجة عن جادة الطريق القويم ؟؟!!

أمسك الزوج بيدي وهو غارق في البكاء :

- هيا سارعي بالإمساك به , بيديه قبليهما .. قبلي رأسه .. أمسكي بجسده والمسي وجهه !! انظري بربك إلى هذا النور والإيمان .. أنظري !!

نظرت إليهم وقد عكفوا على أقدامه أذلاء صاغرين ! ماذا جرى لهم ؟ قام الزوج بأمري مرة أخرى .. فقمت بحركة آلية لا شعورية .. ثم بحركة متعمدة .. وسترت يدي بإدخالها في ثنايا العباءة .. وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر .. ثم ..تصنعت تقبيلها حتى لا يفعلوا بي ما ينوون فعله أكثر من ذلك ..

تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فجفت ! وقبض على يديه بقوة كادتا منها أن تتهشم ! انتفض جسده رغبة في الانتقام مني ! رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !

يا إلهي ما الخطأ الجديد الذي ارتكبته !؟ أهو الستر أيضاً؟؟ رباه ما العمل ؟ ما العمل ؟ عدنا إلى المنزل وما إن دخلنا من عتبة الباب حتى انفجر كالبركان قائلا والكل يؤيده :

- والآن .. لم فعلت ما فعلته أيتها ال ... ؟ هل تتحدينني ؟؟

فقلت بهدوء وذهول يطويان الخوف والهلع منه :

- وماذا ؟ .. وماذا فعلت ؟ أنا لم أفهم ؟!

قال حانقا منفجراً :

- لِمَ لَمْ تتركي يديك تلامس يديه الطاهرتين ؟ يديه الشريفتين ؟ - لِمَ لَمَ ؟ أجيبي !! ثم قال مردفا قبل أن أجيب :

- نعم لو كان أباك أو خالك أو عمك أو أنا .. لما توانيتي مطلقاً عن تقبيل أيدينا !! صح ؟ ولكن هذا الولي الصالح الغوث القطب تضعين بينك وبينه حجاب !! سبحان الله !!

وبحركة لا شعورية استدرت نحوه قائلة :

- أي غوث وقطب تعني ؟؟!!

رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء .. ثم قال بعد صمت ثقيل وبلهجة متلعثمة :

- أقصد أن الله عندما يريد إنزال أمرٍ ما بالعباد من غضب أو حكم يُظلم به الناس .. فإن الغوث يغيث هؤلاء العباد ويخفف عنهم الحكم ويُعدّ له . ثم ينزله إلينا .. أو أنه يلطّف بقدرته من قسوة وقوة حكم الله علينا .. أفيكون هذا جزاؤه ؟؟!!

آه ماذا يقول هذا الأرعن ؟؟ رباه ..ما للموازين اختلفت ؟ قلت بلهجةٍ متهدجة :

- ولكن الله هو المتحكم بالكون ولا سلطة لأحدٍ سواه عليه ؟؟

سيطر عليه الارتباك .. ثم قال :

- تباً لكم من وهابية !! إن القطب هو أكمل إنسان .. وهو نظر الله في الأرض .. وفي كل زمان .. عليه تدور أحوال الخلق .. ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته ... أفهمتي ؟؟

قاطعته باعتراض :

- ولكن إن هذه معتقدات كالأساطير الخرافية .. أقصد ..

صرخت أمه في وجهي غاضبة :

- الويل لك !! ماذا تقولين ؟؟ إنك حمقاء !!

دق قلبي بشدة .. فقلت أستحث الكلمات على الخروج :

- ولكن هذه الصفات .. تنزع إلى تجريد الله من الربوبية و الإلهية

قال مدافعاً وبلهجة حادة :

- ألا تعلمين أيتها العنيدة بأن مما أكرم الله به هذا القطب أنه علّمه ما قبل وجود الكون .. وما وراءه وما لا نهاية له ؟! وألا تعلمين أنه علّمه وخصصه بأسرار الإحاطة بالغيب ؟ وأنه مكّنه من إدارة الوجود بيده كيفما شاء ؟

قلت بمرارة وتألم :

- كفى .. كفى .. كفى أرجوكم .. لا أريد سماع المزيد .. لا أريد ..

صرخ بأعلى صوته في وجهي :

- بل يجب أن تعلمي كل شيء .. فأنت تعيشين في وهم مع هؤلاء الجهلة الضلالين ..

تقدم أحد إخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا مشاعري فقال :

- حسناً لا تتعجلي الأمور ... أنا سأثبت لك .. ألا تعلمين أن في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه القطب الأكبر بما يشاء ويصرف أقدار الوجود ؟!

التفت إليه متعجبة .. فسألته بهدوء :

- أي ديوان تعني ؟ وأي أقدار هذه التي تخضع لقدرة غير الله ؟! إن هذا غير صحيح ولا يمكن أن ... قاطعني بهدوء أكثر :

- استمعي إلي ..عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها الأقطاب أقدار الله دون أن تستطيع أية قدرة إلهية نسخ حكم لها .. فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ومن يحضره ؟

صرخت بقلبٍ قد ملأه الوجل .. فهمت إلى أين يريدون الوصول بي .. نظرت إليه بتخوف .. انقبض قلبي .. وهن عقلي .. هل أعيش في واقعي ؟ لا أصدق .. ساد صمت قاتل فيه انتظار حارق لإجابتي على السؤال المطروح .. أصبحت لا أميز شيئا... ليطل انتظارهم .. ارتجفت .. هممت بالدفاع عن نفسي والاحتجاج على ما يتفوهون به .. تصورت ما سيفعلونه بي إن نطقت بخلاف ما يعتقدون .. تحديتهم ووافقت على مجاراتهم فقلت بانقباض :

- لا .. ولا أريد أن ...

تدخل الزوج في هذه اللحظة وأجاب بحماس ظاهر :

- إن الديوان في غار حراء ! ويحضره النساء .. وبعض الأموات .. فالأمواتحاضرون في الديوان ينزلون من البرزخ يطيرون طيرانا بطيران الروح وتحضره الملائكة والجن ...

أكملت أمه بفرح ..

- ليس هذا فحسب .. ففي بعض الأحيان يحضره النبي .. وكل ذلك يكون في الساعة التي ولد فيها النبي من كل عام .. أما الأنبياء فيحضرونه في ليلة واحدة هي ليلة القدر .. وتحضره كذلك أزواج النبي الطاهرات ..

ابتسمت .. فظن الجميع بأني آمن أخيراً وأيقنت .. نظروا إلى بعضهم .. توقفوا عن الكلام .. انفرجت أساريرهم .. فقلت أخاطب الجميع :

- حقاً ؟؟ هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟؟

- أجل .. أجل .. ألم نقل لكِ بأنك ستقتنعين ؟؟

استبشر الجميع ..أخيراً !!! فقلت بعد أن أخفيت تلك الابتسامة عن الوجود :

- وهل كانت أزواج النبي الطاهرات تحضرن هكذا في وسط الرجال ؟! أي هراء هذا ؟؟

أطبق الصمت .. حملقوا فيّ بنيران نظراتهم .. ولكني لم أعد أحتمل .. دعوني وشأني .. دعوني ..

وقف الزوج هائجاً يصول ويجول .. يريد الإمساك بي .. وإخفائي عن الدنيا .. فأمسك به أخوه بسرعة .. وفهمت على الفور بأنني ارتكبت في نظرهم خطأً جسيماً في سخريتي من حديثهم .. لا بأس .. إلى متى هذا الخوف ؟ إلى متى هذا التراجع ؟

بادرت بالاعتذار فورا تخفيفا من وطأة الغضب الجامح :

- أنا آسفة .. لم أقصد إغضابك .. ولكنك فتحت باب النقاش .. أعتذر مرة أخرى .. أعتذر .. لم أنتظر المزيد من الجدل .. انطلقت بسرعة .. أخذت أصعد السلم .. لا مكان لي هنا .. يجب أن أرحل .....

يتبع ....
رد مع اقتباس