وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ عَاقَهُ الحَرُّ وَالبَرْدُ
ثانيًا: لتعلم أخي طالب العلم أنه وبالرغم من هذه المرارة وهذا التعب الذي تجده في طلب العلم، إلا أنَّ الله - سبحانه - قد مزج هذه المرارة بحلاوة ولذَّة لا تجدها إلا في السَّعْي لطلَب العلم، واسْمع إلى ما يقولُه علماءُ السلَف - رحمهم الله - في ذلك:
قال ابن أبي حاتم: سمعتُ المزَنيّ يقول: قيل للشافعي:
كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف - أي: بالكلمة - مما لَم أسمعه، فتودُّ أعضائي أنَّ لها أسماعًا تتنعم به ما تنعَّمت الأذنان.
فقيل له:
كيف حِرْصك عليه؟
قال: حرصُ الجَمُوع المنوع في بلوغ لذته للمال.
فقيل له:
فكيف طلبك له؟
قال: طلب المرأة المضلَّة ولدها، ليس لها غيره.
وقال الزمخشري - رحمه الله - واصفًا تلذُّذ العلماء بإيقاظ ليلهم، وطول سهرهم:
سَهَرِي لِتَنْقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لِي
مِنْ وَصْلِ غَانِيَةٍ وَطِيبِ عِنَاقِ
وَتَمَايُلِي طَرَبًا لِحَلِّ عَوِيصَةٍ
أَشْهَى وَأَحْلَى مِنْ مُدَامَةِ سَاقِي
وَصَرِيرُ أَقْلاَمِي عَلَى أَوْرَاقِهَا
أَحْلَى مِنْ الدُّوكَاءِ وَالعُشَّاقِ
وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الفَتَاةِ لِدُفِّهَا
نَقْرِي لِأُلْقِي الرَّمْلِ عَنْ أَوْرَاقِي
أَأَبِيتُ سَهْرَانَ الدُّجَى وَتَبِيتَهُ
نَوْمًا وَتَبْغِي بَعْدَ ذَاكَ لَحَاقِي؟!
وبهذا ينتهي ما أردتُ بيانَه، واللهَ أسأل أنْ يجعل في هذه الكلمات النفع، وأن يكون حافزًا لإخواني في تحصيل العلم الشرعي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد الحميد ضحا