عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 04-17-2009, 05:35 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي




طارق بن زياد بعد وادي برباط

بعد النصر الكبير الذي أحرزه المسلمون في وادي برباط ورغم فقدهم ثلاثة آلاف شهيد ، وجد طارق بن زياد أن هذا الوقت هو أفضل الفرص لاستكمال الفتح وإمكان تحقيقه بأقل الخسائر ؛ وذلك لما كان يراه من الأسباب الآتية :



1 - النتيجة الحتمية لانتصار اثني عشر ألفا على مائة ألف ، وهي الروح المعنوية العالية لدى جيش المسلمين .
2 - وفي مقابل ذلك ما كان من أثر الهزيمة القاسية على القوط النصاري ، والتي جسدت انعدام تلك الروح وفقدانها تماما
3 - وإضافة إلى انعدام الروح المعنوية فقد قتل من القوط النصارى وتفرق منهم الكثير ؛ فأصبحت قوتهم من الضعف والهوان بمكان كبير.
4 - وجد طارق بن زياد أن كون لذريق المستبد بعيدا عن الناس وعن التأثير فيهم ؛ وذلك كونه قُتل أو فر، وكون الناس له كارهين - وجد أن في هذا فرصة كبيرة لأن يُعلّم الناس دين الله سبحانه وتعالى ، ومن ثم فقد يقبلوه ويدخلون فيه .
5 - لم يضمن طارق بن زياد أن يظل يوليان صاحب سبتة على عهده معه مستقبلا ؛ ومن ثم فعليه أن ينتهز هذه الفرصة ويدخل بلاد الأندلس مستكملا الفتح .
ولهذه الأسباب فقد أخذ طارق بن زياد جيشه بعد انتهاء المعركة مباشرة واتجه شمالا لفتح بقية بلاد الأندلس ، فاتجه إلى إشبيلية وكانت أعظم مدن الجنوب على الإطلاق ، وكانت تتميز بحصانتها وارتفاع أسوارها وقوة حاميتها ، لكن رغم كل هذا فقد تحقق فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً .




ففتحت المدينة أبوابها للمسلمين دون قتال ، وصالحت على الجزية ، ولا بد هنا وقبل استكمال مسيرة الفتح من وقفة مع مصطلح الجزية لبيان كنهه وحقيقته .

وقفة مع الجزية :

لم يكن المسلمون بدعا بين الأمم حين أخذوا الجزية من البلاد التي فتحوها ودخلت تحت ولايتهم ، فإن أخذ الأمم الغالبة للجزية من الأمم المغلوبة أمر حدث كثيرا ويشهد به التاريخ ، ورغم ذلك فقد كثر الكلام حول أمر الجزية في الإسلام ، ودعوة القرآن لأخذها من أهل الكتاب ، حتى رأى البعض أن الجزية هذه ما هي إلا صورة من صور الظلم والقهر ، والإذلال للشعوب التي دخلت تحت ولاية المسلمين ، وهذا فيه إجحاف كبير ومغايرة للحقيقة ، نحن بصدد الكشف عنه وبيانه فيما يلي :

أولاً : تعريف الجزية

الجزية في اللغة مشتقة من مادة ( ج ز ي ) بمعنى جَزاهُ بما صنع، تقول العرب : جزى يجزي ، إذا كافأ عما أسدي إليه ، والجزية مشتق من المجازاة على وزن فِعلة ، بمعنى أنهم أعطوها جزاءَ ما مُنحوا من الأمن .

وهي في الاصطلاح تعني : ضريبة يدفعها أهل الكتاب بصفة عامة ، ويدفعها المجوس والمشركون في آراء بعض الفقهاء الغالبة ، نظير أن يدافع عنهم المسلمون ، وإن فشل المسلمون في الدفاع عنهم ترد إليهم جزيتهم وقد تكرر هذا في التاريخ الإسلامي كثيرا .

ثانياً: على مَن تُفرض الجزية ؟

من رحمة الإسلام وعدله أن خص بالجزية طائفة ومنعها عن آخرين، فهي :

- تؤخذ من الرجال ولا تؤخذ من النساء.

- تؤخذ من الكبار البالغين ولا تؤخذ على الأطفال.

- تؤخذ من الأصحاء ولا تؤخذ على المرضى وأصحاب العاهات الغير قادرين على القتال .

- تؤخذ من الغني ولا تؤخذ من الفقير ، بل إن الفقير من أهل الكتاب ( النصارى واليهود ) والمجوس والمشركين قد يأخذون من بيت مال المسلمين إن كانوا في بلد يحكم فيها بالإسلام .

فهي تؤخذ من القادرين الذين يستطيعون القتال فقط ، ولا تؤخذ من القادرين الذين تفرغوا للعبادة.

ثالثاً: قيمة الجزية :

لا حظ إذن لمن طعن في أمر الجزية وقال بأنها من صور الظلم والقهر والإذلال للشعوب ، خاصة حين يعلم أنها تُدفع في مقابل الزكاة التي يدفعها المسلمون ، بل ما الخطب إذا علم أن قيمة الجزية هذه أقل بكثير من قيمة ما يدفعه المسلمون في الزكاة ؟

في هذا الوقت الذي دخل فيه المسلمون الأندلس كان قيمة ما يدفعه الفرد ( ممن تنطبق عليه الشروط السابقة ) من الجزية للمسلمين هو دينارا واحدا في السنة ، بينما كان المسلم يدفع ٥ر٢% من إجمالي ماله إن كان قد بلغ النصاب وحال عليه الحول ، وفي حالة إسلام الذمي تسقط عنه الجزية ، وإذا شارك مع المسلمين في القتال دفعوا له أجره ، فالمبالغ التي كان يدفعها المسلمون في الزكاة كانت أضعاف ما كان يدفعه أهل الكتاب وغيرهم في الجزية ، تلك الزكاة التي هي نفسها أقل من أي ضريبة في العالم ؛ فهناك من يدفع 10 و 20 % ضرائب ، بل هناك من يدفع 50 وأحيانا 70 % ضرائب على ماله ، بينما في الإسلام لا تتعدى الزكاة 2.5 % ، فالجزية كانت أقل من الزكاة المفروضة على المسلمين ، وهي بهذا تعد أقل ضريبة في العالم ، بل كانت أقل بكثير مما كان يفرضه أصحاب الحكم أنفسهم على شعوبهم وأبناء جلدتهم .

وفوق ذلك فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يُكلّف أهل الكتاب فوق طاقاتهم ، بل توعّد صلى الله عليه وسلم من يظلمهم أو يُؤذيهم فقال في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود والبيهقي في سننهما : أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أَوْ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أي أنا الذي أخاصمه وأحاجه يوم القيامة .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 07-31-2009 الساعة 05:53 PM
رد مع اقتباس