عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 04-16-2009, 01:15 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي




مشكلة سبتة والعناية الإلهية


استطاع موسى بن نصير أن يتغلب على قلة عدد الجيش من خلال البربر أنفسهم ، كذلك تغلب على العقبة المتمثلة في قلة السفن نسبياً ببناء موانئ وسفن جديدة ، وبقيت أرض الأندلس كما هي أرضاً مجهولةً لهُ ، وكذلك ظلت مشكلة ميناء سبتة قائمةً لم تُحل ، وهي -كما ذكرنا - ميناءٌ حصينٌ جداً يحكمه النصراني يوليان ، وقد استنفد موسى بن نصير جهده وطاقته وفعل كل ما في وسعه ولم يجد حلاً لهاتين المشكلتين ، وهنا وفقط كان لابد للأمر الإلهي والتدبير الربانيُّ أن يتدخل : { إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [الحج:38] . { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى } [الأنفال:17] . وهذا بالفعل ما حدث وتجسد في فعل يوليان صاحب سبتة وكان على النحو التالي :



- فكَّرَ يوليان جدياً في الأمر من حوله ، وكيف أن الأرض بدأت تضيق عليه وتتآكل من قِبَل المسلمين الذين يزدادون قوة يوماً بعد يومٍ ، وإلى متى سيظل صامداً أمامهم إن هم أتوا إليه ؟

- كان يوليان مع ذلك يحمل الحقد الدفين على لذريق حاكم الأندلس ذلك الذي قتل غيطشة صاحبه الأول ، وقد كان بينهما علاقات طيبة ، حتى إن أولاد غيطشة من بعده استنجدوا بيوليان هذا ليساعدهم في حرب لذريق ، ولكن هيهات فلا طاقة ليوليان بلذريق ولا طاقة لأولاد غيطشة أيضاً به ، ومن هنا فكان ثمة عداء متأصل بين صاحب سبتة وحاكم الأندلس ؛ ومن ثم فإلى أين سيفرُّ يوليان إن استولى المسلمون على ميناء سبتة ؟

- الأمر الأخير الذي دار في خلد يوليان هو أن أولاد غيطشة القريبين منه كان لهم من الضياع الضخمة في الأندلس الكثير والتي صادرها وأخذها منهم لذريق قاتل أبيهم ، وكان يوليان يريد أن يستردها لهم ، وكان لذريق أيضاً قد فرض على شعبه الضرائب الباهظة وأذاقهم الأمرّين ؛ فعاشوا في فقر وبؤس شديد بينما هو في نعيم دائم ومُلك يتصرف فيه كيف يشاء ؛ ومن هنا فكان شعبه يكرهه ويتمنى الخلاص منه .




عرضٌ ثمينٌ !!

ومن تدبير رب العالمين أن اختمرت هذه الأفكار جيدا ًفي عقل يوليان - وموسى بن نصير آنذاك قد استنفد جهده وحار في أمره - فإذا به يُرسل إلى طارق بن زياد والي طنجة (على بعد عدة كيلو مترات من ميناء سبتة ) برسل من قِبَله يعرض عليه عرضاً للتفاوض ، أما تدبير العناية الإلهية والمفاجأة فكانت في بنود هذا العرض وهذا الطلب العجيب الذي نص على ما يلي :


1 - نسلمك ميناء سبتة . تلك المعضلة التي حار المسلمون أعواماً في الاهتداء إلى حل لها؛ حيث كانت فوق مقدراتهم .

2 - نمدك ببعض السفن التي تساعدك في عبور مضيق جبل طارق إلى الأندلس . وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول : سأتم ما لم يستطع المسلمون إتمامه ووقفت عندهم قدراتهم ، حتى ولو كان ذلك من قِبَل أعدائهم ، وقد علمنا مدى احتياج موسى بن نصير لهذه السفن .

3 - نمدك بالمعلومات الكافية عن أرض الأندلس .


أما المقابل فهو : ضياع وأملاك غيطشة التي صادرها لذريق . وكان لغيطشة ثلاث آلاف ضيعة ( ضيعة تعني عقَارُ وأرضٌ مُغِلَّةُ ) ، وكانت ملكاً لأولاده من بعده ، فأخذها منهم لذريق وصادرها .


وبهذا العرض فقد أراد يوليان صاحب سبتة أن يتنازل للمسلمين عن سبتة ويساعدهم في الوصول إلى الأندلس ، ثم حين يحكمها المسلمون يسمع يوليان ويطيع ، على أن يرد المسلمون بعد ذلك ضيعات وأملاك غيطشة ، فما أجمل العرض وما أحسن الطلب ! وما أعظم السلعة وما أهون الثمن !


المسلمون لم يفكروا يوماً في مغنم أو ثروة أو مال حال فتوحاتهم البلاد ، لم يرغبوا يوماً في دنيا يملكها غيطشة أو يوليان أو لذريق أو غيرهم ، كان جلَّ هدفهم تعليم الناس الإسلام وتعبيدهم لرب العباد ، فإذا دخل الناس في الإسلام كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، بل لو لم يدخلوا في الإسلام وأرادوا دفع الجزية فحينئذ يُترك لهم كل ما يملكون ، وسنتحدث عن الجزية في الإسلام بعد قليل .

ومن هنا فكان الثمن هيناً جداً والعرض غاية الآمال ، فبعث طارق بن زياد إلى موسى بن نصير وكان في القيروان عاصمة الشمال الإفريقي آنذاك ( وهي في تونس الآن ) يخبره هذا الخبر، فسُرّ سرورا عظيما، ثم بعث موسى بن نصير بدوره إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يطلعه أيضاً الخبر ويستأذنه في فتح الأندلس .


وهنا أذن له الوليد بن عبد الملك إلا أنه شرط عليه شرطاً كان قد فكر فيه قبل ذلك موسى بن نصير نفسه، وهو : ألا تدخل بلاد الأندلس حتى تختبرها بسرية من المسلمين ، فمن أدراك أن المعلومات التي سيقدمها لك يوليان عن الأندلس ستكون صحيحة ؟ ومن يضمن لك ألا يخون يوليان عهده معك أو يتفق من ورائك مع لذريق أو مع غيره عليك ؟






التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 07-21-2009 الساعة 07:58 PM
رد مع اقتباس