انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-27-2008, 04:02 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam مبادئ علم التوحيد(4)

 




حكم علم التوحيد
د0محمد يسري


المقصود بحكم تعلم علم التوحيد: ما ثبت بخطاب الله تعالى من أثر متعلق بتعلم هذا العلم، كالإيجاب أو الندب مثلاً، "وينبغي أن يعلم أن حكم العلم كحكم معلومه، فإن كان المعلوم فرضًا أو سنة فعلمه كذلك، إذا توقف حصول المعلوم على تعلم ذلك العلم"( 1 ).
والحق أن تعلم علم التوحيد منه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية، و هذا شأن العلوم الشرعية عامة، وإن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} {محمد:19} ، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} {الإسراء:23} ، وفي حديث معاذ رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟"، قلت: "الله ورسوله أعلم"، قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا"( 2 )، وفي حديث معاذ الآخر قال صلى الله عليه وسلم: "فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"( 3 ).

فكان أول الواجبات وأوجب التكليفات، هو إفراد الله تعالى بالتوحيد والبراءة من الشرك باتفاق أهل السنة، قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله: "اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل... ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله لا النظر( 4 )، ولا القصد إلى النظر( 5 )، ولا الشك(5).. فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب"( 6 ).
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في منظومته:
أول واجـب على العبيـد معرفة الرحمـن بالتوحيـد
إذ هو من كل الأوامر أعظم وهو نوعان أيـا من يفهـم

ومما يدل على أنه آخر واجب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"( 7 )، وفي الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة"( 8 ).

فتعلم فرض العين من علم التوحيد هو أول الواجبات وأولاها على المكلفين أجمعين.
وفرض العين منه هو: ما تصح به عقيدة المسلم في ربه، من حيث ما يجوز ويجب ويمتنع في حق الله تعالى، ذاتًا وأسماء وأفعالاً وصفات، على وجه الإجمال، وهذا ما يسميه بعض العلماء بالإيمان المجمل أو الإجمالي أو مطلق الإيمان.
وأما فرض الكفاية من علم التوحيد، فما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل، وتحصيل القدرة على رد الشبهات، وهذا ما يسمى بالإيمان التفصيلي، وهو من أجلِّ فروض الكفايات في علوم الإسلام؛ لأنه ينفي تأويل المبطلين وانتحال الغالين، فلا يجوز أن يخلو الزمان والمكان ممن يقوم بهذا الفرض الكفائي المهم؛ إذ لا شك أن حفظ عقائد الناس أكثر أهمية من حفظ أبدانهم وأموالهم وأعراضهم.

ويشترط للتكليف بالتوحيد أربعة شروط، وهي:
أولاً: العقل:
ويسمى بالعقل الغريزي أو الطبعي، فإذا غاب تمامًا أو زال بالكلية، فقد أصبح الإنسان غير مكلف، وإذا أخذ الله ما وهب أسقط ما أوجب، وفي الحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"( 9 ).
فالعقل الطبعي الموهوب هو شرط التكليف، ولكن لما كان التكليف لا يناط بكل مقدار من العقل، وإنما هناك درجة من العقل إذا بلغها الصبي كان مكلفًا، ولما كان من الصعب معرفة بلوغ الصبي تلك المرتبة التي هي مناط التكليف، فقد أقام الشارع البلوغ -كوصف ظاهر منضبط- دليلاً على اكتمال القدر المطلوب من العقل للتكليف.

ثانيًا: البلوغ:
ويقصد به انتهاء حد الصغر، وانتقال الصبي من حالة الطفولة إلى حالة الرجولة، وعنده يتم التكليف ويجري القلم، ويدرك الصغير قضاياه المصيرية، ويفكر بجدية في إجابات الأسئلة الضرورية، فإذا مات الصبي قبل البلوغ، فقد مات مرفوعًا عنه القلم وناجيًا عند الله تعالى، سواء في ذلك أبناء المسلمين والكفار على الراجح.
وللبلوغ علامات وأمارات، اثنتان يشترك فيها الذكر والأنثى، وهما الإنزال أو الاحتلام وإنبات شعر العانة، واثنتان تخص الأنثى وهما الحيض والحبل، فإن لم يوجد شيء من ذلك فبالسن، فمتى بلغ الصغير خمس عشرة سنة ذكرًا كان أو أنثى، عدَّ بالغًا ما لم يبلغ بأمارة أخرى قبل ذلك.

ثالثًا: سلامة الحواس:
الحواس خمس وهي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، وهي تنقل إلى الأذهان ما تستطيع الإحساس به، "وهذه الحواس لا تستقل بإدراك المعاني والحقائق دون مساعدة العقل أو الدماغ، فالعقل أو الدماغ هو الذي يترجم هذه المحسوسات إلى معان، ودليل ذلك قوله {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} {البقرة:171} ، حيث شبه الله الكافرين بالبهائم التي يناديها الراعي، فالبهائم تسمع الصوت، لكن لعدم المقدرة العقلية التي تمكنها من التمييز بين الأصوات ومعرفتها، فإن الأصوات عندها سواء، لا تحمل إليها شيئًا من المعاني المعينة"( 10 ).
وأهم الحواس للتكليف حاسة السمع، فإن فقدت قبل حصول العلم فقد انسدت منافذ المعرفة الصحيحة، وامتنع بلوغ الدعوة وقيام الحجة على وجهها التام -وإن أمكن نوع معرفة بالإشارة والكتابة ونحو ذلك-، فعن الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أربعة يحتجون يوم القيامة"، وذكر منهم: "أصم لا يسمع شيئًا..، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام ولا أسمع شيئًا..، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلامًا"، وفي رواية أبي هريرة: "فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها يسحب إليها"( 11 ).

رابعًا: بلوغ الدعوة وقيام الحجة:
فلا حساب ولا عذاب إلا بعد قيام الحجة الرسالية وقطع العذر على أكمل وجه، قال تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} {الاسراء:15} ، وقال:{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} {النساء:165} ، والناس بحسب بلوغ الدعوة وقيام الحجة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
- أهل القبلة: وهم الذين بلغتهم دعوة الرسول فآمنوا وشهدوا بالتوحيد، وماتوا على ذلك، قال النووي رحمه الله: "اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين"( 12 )، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"( 13 )، وقال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا حرمه الله على النار"( 14 ).
- أهل الفترة: وهم كل من لم تبلغه دعوة الرسل، ولم تقم عليه الحجة، أو عاشوا بين موت رسول وبعثة رسول آخر، ولم تبلغهم دعوة الأول( 15 )، فمن لم تبلغه دعوة الرسول مطلقًا ومات على الشرك فهو معذور في الدنيا، ممتحن في الآخرة -على الراجح- بنار يؤمر باقتحامها، فمن أطاع في الآخرة فإنه من أهل الطاعة في الدنيا لو جاءته الرسالة، ومن عصى في الآخرة فإنه من أهل الكفر في الدنيا لو جاءته الرسالة، وهذا مذهب السلف وعامة أهل السنة، كما نقله ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين( 16 ).
- الكفار: وهم كل من سمع بدين الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمن ظاهرًا وباطنًا، قال تعالى: ...ومن يبتغ........ آل عمران:85 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أهل النار"( 17 ).







________________________________________
المبحث الخامس
فضل علم التوحيد


وهو مزيته وقدره الزائد على غيره من العلوم الشرعية إذ إنه في الذروة من هذا الفضل العميم، وذلك يظهر بالنظر إلى جهات ثلاث: موضوعه، ومعلومه، والحاجة إليه.
أولاً: فضله من جهة موضوعه:
- من المتقرر أن المتعلِّق يشرف بشرف المتعلَّق، فالتوحيد يتعلق بأشرف ذات، وأكمل موصوف، بالله الحي القيوم، ثم بصفوة خلق الله أجمعين، ومآل العباد إلى جحيم أو نعيم، لأجل هذا سماه السلف الفقه الأكبر.
- وتحقيق التوحيد هو أشرف الأعمال مطلقًا، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أفضل؟"، فقال: "إيمان بالله ورسوله"( 18 ).
- وهو موضوع دعوة رسل الله أجمعين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وجميع الرسل إنما دعوا إلى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} {الفاتحة:5} ، فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم، فقال نوح لقومه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} {الأعراف:59} ، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} {النحل:36}( 19 ).

ثانيًا: فضله من جهة معلومه:
- إن معلوم علم التوحيد هو مراد الله الشرعي الذي يجمع أمورًا ثلاثة، وتترتب عليه أمور ثلاثة، فهو يجمع أن الله تعالى أراده وأحبه فأمر به، ويترتب على كونه أمر به أن يثيب فاعله، ويعاقب تاركه، وأن ينهى عن مخالفته؛ لأن الأمر بالتوحيد نهي عن الشرك ولابد.
فالقرآن من فاتحته إلى خاتمته في تقرير التوحيد بأنواعه، أو في بيان حقوق التوحيد ومقتضياته ومكملاته، أو في البشارة بعاقبة الموحدين في الدنيا والآخرة، أو في النذارة بعقوبة المشركين والمعاندين في الدارين.
ثم إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته في بيان القرآن بيانًا عمليًّا "إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك، إذ هذا تحقيق قولنا: لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم، والإجلال والإكرام، والرجاء والخوف"( 20 ).

ثالثًا: فضله من جهة الحاجة إليه:
- أن الله تعالى طلبه، وأمر به كل مكلَّف، وأثنى على أهله، ومدح من توسل به إليه، ووعدهم أجرًا عظيمًا، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} {محمد:19} ، وقال عز من قائل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} {البينة:5} ، وقال {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} {البقرة:136} ، وقال {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} {المؤمنون:1} ، وقال {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} {النساء:146} .
- ومنها أن عقيدة التوحيد هي الحق الذي أرسلت من أجله جميع الرسل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} {الانبياء:25} ، وهي ملة أبينا إبراهيم عز وجل التي أمرنا الله باتباعها، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {النحل:123} .

- وهي حق الله على عباده كما في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا"( 21 ).
- ومنها أن الله تعالى جعل الإيمان شرطًا لقبول العمل الصالح وانتفاع العبد به في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} {الاسراء:19} ، فإذا جاء العبد بغير الإيمان فقد خسر جميع عمله الصالح، قال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} {الزمر:65} .
لهذا سمى الله تعالى غير الموحِّد ميتًا حقيقة، قال تعالى:{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} {الروم:52} ، فمقابلة الموتى بالسامعين تدل على أن الموتى هم المشركون والكافرون، وهذا تفسير جمهور السلف( 22 )، ومما يشهد لذلك أن الله تعالى سمى ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم نورًا لتوقف الهداية عليه، وسماه شفاء لأنه دواء للنفوس من عللها، قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {الأنعام:122} ، فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وسمى الله تعالى الرسـالة روحًا، والروح إذا عدمت فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {الشورى:52} ( 23 ).
وما ذلك إلا لأن أكبر معضلة في حياة البشرية على ظهر الأرض هي الإجابة على ما يسمى بأسئلة التصور: من خلقني؟ ولم خلقت؟ وإلى أي شيء أصير؟ ومن خلق الكون من حولي؟ وما علاقتي به؟ وإلى أي شيء سيصير؟ والإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة هي ما قدمه الوحي لأنها متسقة مع الفطرة والعقل الصحيح.

قال بعض السلف: "ما طابت الدنيا إلا بتوحيده، وما طابت الآخرة إلا بجنته والنظر إليه تعالى"( 24 )، فالمؤمن في الدنيا ينعم بحياة طيبة باطمئنان نفسه، واستراحة عقله، وطهارة قلبه، وصلاح عمله، فإذا مات وصار إلى قبره كان في حياة طيبة في روضة من رياض الجنة، فإذا قامت القيامة وصار إلى الجنة دار الطيبين فقد كملت النعمة وتمت المنة.

________________________________________
المبحث السادس
استمداد علم التوحيد


يُستمد علم التوحيد من فهم دلالات ألفاظ الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وذلك بمعرفة مناهج الاستنباط، وطرائق الاستدلال، واستخراج الأحكام، وهذا يلزم له إلمام بالعربية التي هي لسان الوحي، قرآنًا وسنة، وبها نطق أهل العلم في الأمة من السلف الصالح، كما يلزم له إدامة نظر في كتب الشروح والتفسير المأثور للقرآن والحديث، مع بلوغ غاية من علم الأصول، إذ هو سبيل الوصول إلى معرفة الأحكام الشرعية، العقدية والعملية، التي هي مناط السعادة الدنيوية والأخروية.
وعلم التوحيد هو أوثق العلوم الشرعية دليلاً، وأصرحها برهانًا، وأظهرها بيانًا، تقوم دعائم دلائله على أربعة أمور:

أولاً: صحائح المنقول:
إن صحائح المنقول تشمل الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، وبيان مسائل الاعتقاد من أول وأولى ما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نصوص السنة، وهو صلى الله عليه وسلم أنصح الأمة وأفصحها، وأحرصها على أمانة البلاغ والرسالة، لهذا كانت نصوص السنة مع الكتاب هي معول السلف ومعتمدهم في الاستدلال على مسائل الاعتقاد، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يحتج بها مطلقًا -بشرط الصحة-، لا فرق في ذلك بين العقائد والأحكام من حيث حجيتها ومجالها، ولا بين المتواتر والآحاد من حيث ثبوتها وقبولها.

ثانيًا: الإجماع المتلقى بالقبول:
والإجماع مصدر من مصادر الأدلة الاعتقادية؛ لأنه يستند في حقيقته إلى الوحي المعصوم من كتاب وسنة، وأكثر مسائل الاعتقاد محل إجماع بين الصحابة والسلف الصالح، ولا تجتمع الأمة في أمور العقيدة ولا غيرها على ضلالة وباطل، وعلى هذا فإجماع السلف الصالح في أمور الاعتقاد حجة شرعية ملزمة لمن جاء بعدهم، وهو إجماع معصوم، ولا تجوز مخالفته.

ثالثًا: العقل السليم:
"العقل مصدر من مصادر المعرفة الدينية، إلا أنه ليس مصدرًا مستقلاً؛ بل يحتاج إلى تنبيه الشرع، وإرشاده إلى الأدلة؛ لأن الاعتماد على محض العقل، سبيل للتفرق والتنازع"( 25 )، فالعقل لن يهتدي إلا بالوحي، والوحي لا يلغي العقل.
والنصوص الشرعية قد جاءت متضمنة الأدلة العقلية صافية من كل كدر، فما على العقل إلا فهمها وإدراكها، فمن ذلك: قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} {الأنبياء:22} ، وقوله سبحانه:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} {الطور:35} .

والعقل قد يهتدي بنفسه إلى مسائل الاعتقاد الكبار على سبيل الإجمال، كإثبات وجود الله مع ثبوت ذلك في الفطرة أولاً، أما مسائل العقيدة التفصيلية مما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته ورسوله وأنبيائه، فما كانت العقول لتدركها لولا مجيء الوحي، ثم إن كثيرًا من مسائل الاعتقاد بعد معرفتها والعلم بها لا تدرك العقول حقيقتها وكيفيتها، وذلك كصفات الله تعالى وأفعاله، وحقائق ما ورد من أمور اليوم الآخر من الغيبيات التي لا يحيلها أو يردها العقل، ولا يوجبها أو يطلبها، قال السفاريني رحمه الله: "لو كانت العقول مستقلة بمعرفة الحق وأحكامه، لكانت الحجة قائمة على الناس قبل بعث الرسل وإنزال الكتب، واللازم باطل بالنص:{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} {الاسراء:15} ، فكذا الملزوم"( 26 ).
وأخيرًا فإن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح؛ لأن الأول خلق الله تعالى والثاني أمره، ولا يتخالفان؛ لأن مصدرهما واحد وهو الحق سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {لأعراف:54} ، "وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو أن العقل مع النقل كالعاميّ المقلد مع العالم المجتهد؛ بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالمًا، ولا يمكن العالم أن يصير نبيًّا رسولاً"( 27 ).

رابعًا: الفطرة السوية:
أما الفطرة فهي خلق الخليقة على قبول الإسلام والتهيؤ للتوحيد، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} {الروم:30} ، قال ابن كثير رحمه الله: "فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره"( 28 )، وقوله تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} معناه: أن الله ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، وفي الحديث الصحيح: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تُنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء؟"( 29 ).

والفطرة السوية تهدي العبد إلى أصول التوحيد والإيمان، وجمهرة أهل العلم من أهل السنة وغيرهم على فطرية الإيمان، وليس يحتاج العبد لتحصيله من أصله إلى استدلال أو برهان، فضلاً عن أن يشك ويخرج من ثوب اليقين والإذعان، "والقلوب مفطورة على الإقرار به سبحانه أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، كما قالت الرسل:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} {ابراهيم:10} "( 30 ).

والفطرة تهتدي إلى تفرده تعالى بالألوهية وإن غشيتها غاشية الإلحاد، يظهر ذلك في أوقات الشدة والمحنة، فإن القلب يفزع إلى خالقه، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً} {الاسراء:67} .
والعقل والفطرة وإن كانا من دلائل التوحيد، إلا أنه لا تقوم الحجة على بني آدم إلا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وقطع العذر، فإن قيل: إذا كان وجود الله وتعظيمه مركوزًا في الفطر، والعقول تستدل على ذلك، فعلام توقف التكليف على مجيء الرسول، وإنزال الكتاب؟ فيقال: إن الله تعالى تكرمًا منه لا يعاقب قبل بلوغ الحجة الرسالية{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} {الأنعام:131} ؛ بل تمتنع المؤاخذة حتى يبعث إليهم الرسول، ومن حكمة ذلك أن معرفة الله وإثبات وجوده المركوز في الفطرة والعقول إجمالي لا تفصيلي، فلابد له من وحي يهديه ويرشده، ويبين له معاقد الحل والحرمة في أفعال المكلفين.

التعديل الأخير تم بواسطة أم الزبير محمد الحسين ; 04-07-2012 الساعة 01:35 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-27-2008, 04:34 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-27-2008, 05:00 AM
أمّ يُوسُف أمّ يُوسُف غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

نفع الله بكم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-27-2008, 05:05 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وفيك بارك ربي اخي ابو الفدا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-27-2008, 05:06 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وبك اخية وبارك فيكي اختي الفاضلة ام يوسف
اشكرك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-21-2009, 03:32 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

http://www.hor3en.com/vb/showthread.php?t=21419&highlight=%E3%C8%C7%CF%C6+% C7%E1%CA%E6%CD%ED%CF
رابط الحلقة التالية
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-15-2012, 12:46 AM
أم سُهَيْل أم سُهَيْل غير متواجد حالياً
" منْ أراد واعظاً فالموت يكفيه "
 




افتراضي

رحمكِ الله ياأمي وغفر لكِ ورفع قدركِ ويمن كتابكِ وأثقل ميزانكِ
وجعل الفردوس الأعلى داركِ ومستقركِ من غير حساب ولا سابقة عذاب
اللهم آآآآآآآآآآآآآمين
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 09:08 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.