انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > الفقه والأحكــام

الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-17-2008, 04:40 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي حكم رتق غشاء البكارة{دراسة فقهية للشيخ محمد نعيم ياسين}

 

السلام عليكم
أنشر لكم هذا الكتاب الذي يطرح قضية عصرية مستجدة لم تشهدها الأزمنة الماضية ,و لكن نتيجة التطور و التقدم العلمي ظهرت في هذا العصر,و عنوان الكتاب دال على محتواه و موضوعه.

و قبل وضع الكتاب أرجوا من الإخوة و الأخوات الأفاضل لا يلوموني على طرح مثل هذا الموضوع قائلين بأن المنتدى فيه إناث,فالحمد لله لم أخالف الشرع في طرح هذا الموضوع بل لي الأجر إن شاء الله و لا حرج للمرأة أن تستفتي الرجل في كل شؤون دينها و لنا في هذا سلف و قدوة و هو رسول الله صلى الله عليه و سلم,و إليكم هذا الحديث المتفق على صحته

عن عائشة ؛ أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض ؟ فقال " تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر [ فتطهر ؟ ؟ ] . فتحسن الطهور . ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا . حتى تبلغ شؤون رأسها . ثم تصب عليها الماء . ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها " فقالت أسماء : وكيف تطهر بها ؟ فقال " سبحان الله ! تطهرين بها " فقالت عائشة ( كأنها تخفي ذلك ) تتبعين أثر الدم . وسألته عن غسل الجنابة ؟ فقال " تأخذ ماء فتطهر ، فتحسن الطهور . أو تبلغ الطهور . ثم تصب على رأسها فتدلكه . حتى تبلغ شؤون رأسها . ثم تفيض عليها الماء " . فقالت عائشة : نعم النساء نساء الأنصار ! لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين . وفي رواية : قال " سبحان الله ! تطهري بها " واستتر .

فانظر يا لائمي إلى هذا السؤال الذي طرحته أسماء على النبي صلى الله عليه و سلم الذي نراه مخجلا مخدشا للحياء,و انظر لتزكية عائشة لنساء الأنصار{نعم النساء}.

و إليك حديث ثان لعلك تزداد يقينا بخطأ لومك لي

جاءت أم سليم ، أمرأة أبي طلحة ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إذا رأت الماء . {رواه البخاري}.

أسأل الله العطيم أن يوفقنا لكل خير و أن يهدينا إلى سواء السبيل و أن يجنبنا الغلو و الجفاء و يجعلنا من الطائفة المنصورة اإلى قيام الساعة.


" رتق غشاء البكارة "

في

"ميزان المقاصد الشرعية "

للدكتور / محمد نعيم ياسين

رئيس قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية

جامعة الكويت

مدخل وتقسيم : ـ

البكارة بالفتح هي الجلدة التي على قبل المرأة ، وتسمى عذرة أيضا والعذراء هي المرأة التي لم تفتض ، والبكر هي التي لم يمسها رجل ،ويقال للرجل بكر إذا لم يقرب النساء ، ومنه حديث (البكر بالبكر جلد مائة ثم نفي سنة ) .

والبكارة ـ كسائر أجزاء الجسد ـ معرضة لأن تصاب بتلف كلي أو جزئي نتيجة حادث مقصود أو غير مقصود ، بسبب آفة سماوية أو بسبب تصرف إنساني ، وقد يكون هذا التصرف في ذاته معصية وقد لا يكون .

وقد نشأت أعراف وتقاليد اجتماعية تعطي كثيرا من الأهمية والاعتبار لوجود هذا الغشاء في الفتاة البكر ، وتجعله دليلا على عفتها ، وتجعل تمزقه قبل الزواج عنوانا على فسادها ، ويترتب على ذلك من ردود الفعل عند الزوج وأهل الفتاة والناس ما يتراوح بين مجرد الظنون والشكوك وبين تدمير الأسرة الناشئة وإيقاع الأذى في تلك الفتاة المتهمة .

ورتق البكارة إصلاحها وإعادتها إلى وضعها السابق قبل التمزق أو إلى وضع قريب منه ، وهو عمل الأطباء المتخصصين .

والبحث يدور في موضوعه حول الحكم الشرعي لهذا الفعل بالنسبة للطبيب الذي يقوم به .

والمنهج في استنباط أحكام التصرفات الإنسانية من حيث الجملة يتلخص في عرضها على النصوص أولا ، فإن لم تدخل في متناولها ، نظر إلى مثيلاتها مما تعرضت له النصوص وقيست عليها ، وإلا فيجتهد في استنباط حكمها بعرضها على مباديء الشريعة وروحها ومقاصدها وقواعدها العامة ، والنظر في المصالح والمفاسد المترتبة على التصرف ، وترجيح بعضها على بعض .

ولا شكل في أن رتق البكارة مسألة مستجدة ، لم يتناولها نصل من نصوص الشريعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ولم يتعرض الفقهاء لبيان حكمها ؛ لعدم تصور عن إمكان حدوثها في عصرهم ، وليس لها مثيل في عهد التشريع حتى يمكن قياسها عليه . فلم يبق إلا النظر في روح الشرع ومقاصده وقواعده العامة ، والمصالح والمفاسد التي يمكن أن تترتب على هذا التصرف .

هذا وفي سبيل الوصول إلى استنباط الحكم الشرعي لرتق البكارة نتناول هذا الموضوع في ثلاثة مباحث وخاتمة : ـ

المبحث الأول : في بيان المصالح والمفاسد التي يعتبر الرتق مظنة لها من حيث الجملة .

المبحث الثاني : في بيان تفاوت المصالح والمفاسد بالنظر إلى أسباب تمزق البكارة ، والموازنة بينها .

المبحث الثالث : في بيان موقف الطبيب من الحالات التي تعرض عليه في طبيعة تلك الأحكام ورد بعض الشبهات .

المبحث الأول

المصالح والمفاسد التي يعتبر

الرتق مظنة لها من حيث الجملة

المطلب الأول
المصالح التي يعتبر الرتق مظنة لها .

إذا نظرنا إلى هذا التصرف من حيث آثاره ، آخذين بعين الاعتبار ما أشرنا إليه من الأعراف الناشئة التي ترتب على اكتشاف تمزق البكارة كثيرا من المؤاخذات وردود الفعل ، وجدنـاه مظنة لتحقيق طائفة من المصالح المعتبرة في الشرع ، أهمها : ـ

أ – مصلحة الستر :

فإن هذا العمل الذي يقوم به الطبيب فيه معنى الستر على الفتاة ، مهما كان سبب تمزق بكارتها ؛ حيث يخفى من أمرها ما لو اكتشف لترتب عليه كثير من الأذى .

والستر لا يقتصر على مجرد الامتناع عن التبليغ ، فيها ستر بالموقف السلبي ، وقيام الطبيب برتق البكارة ستر بموقف إيجابي ، وكلاهما ينبغي به درء الفضيحة والمؤاخذة عن المستور .

وهذا المعنى لا يتم في حق الفتاة البكر إلا بالنوع الثاني ، والنوع الأول لا ينفعها في تحقيق تلك الغاية ، في ظل ما ذكرنا من العادات ، وإن كان ينفع غيرها كالرجل والثيب ، وسيأتي زيادة إيضاح لهذا في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى . والستر مقصد شرعي عظيم قررته عدة نصوص من السنة المشرفة .منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة " . وقوله " لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه إلا أدخله الله بها الجنة " ، وقوله " من ستر عورة فكأنما استحيا موؤدة في قبرها " ، وقوله لهزال ـ الرجل الذي عرف أمر ماعز عندما زنى ـ " لو سترته بثوبك كان خيرا لك "

ب – ويترتب على تحقيق مصلحة الستر مصلحة أخرى : ـ

وهي حماية بعض الأسر التي ستتكون في المستقبل من بعض عوامل الانهيار ؛ فإنه إذا امتنع الطبيب عن إصلاح ما فسد من البكارة ، وتزوجت الفتاة ، وعرف الزوج أمرها ، كان ذلك مظنة القضاء على هذه الأسرة الوليدة في مهدها ، أو على الأقل إضعافها بالشك وفقدان الثقة بين طرفيها ولا شك في أن إيجاد الأسرة المتماسكة بالفقه بين طرفيها مقصد شرعي .

ج – الوقاية من سوء الظن : ـ

فإن قيام الطبيب بهذا العمل يساعد على إشاعة حسن الظن بين الناس ، ويسد بابا لو ظل مفتوحا لاحتمل أن يدخل منه سوء الظن إلى النفوس ، والحوض فيما حرم الله تعال وحذر مجتمع الإيمان منه تحذيرا شديدا ، وقد يترتب على ذلك ظلم البريئات من الفتيات . وإشاعة حسن الظن بين المؤمنين مقصد شرعي معتبر ؛ فقد قال عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ..) ويقول أيضا ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث .." ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول " ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك ! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرا " .

د – تحقيق المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة :

وذلك أن الرجل مهما فعل من الفاحشة ، لا يترتب على فعله أي أثر مادي في جسده ، في الوقت الذي صارت فيه المرأة البكر تؤاخذ اجتماعيا وعرفيا على زوال بكارتها ، حتى وإن لم يقم أي دليل معترف به في الشرع على ارتكابها الفاحشة ، كذلك فإن المرأة المتزوجة أو التي سبق لها الزواج ، كالمطلقة والأرملة لا تتعرض لمثل تلك المؤاخذة الاجتماعية والعرفية مهما ارتكبت من الفاحشة ما دامت البينات الشرعية قاصرة عن إثبات ما ارتكبت .

ولا شك في أن تحقيق العدالة بين الناس أمام القانون الإسلامي مقصد شرعي ، إلا ما ثبت استثناؤه بدليل شرعي معتبر . وليس في الشرع ولا فيما قرره الفقهاء ما يدل على زيادة الوسائل التي تثبت بها جريمة الزنى في حق الفتاة البكر .

لذلك فإننا نجد إجماعا من الفقهاء على أن الزنى لا يثبت بمجرد اكتشاف زوال بكارة المرأة ، لتعدد أسباب هذا الزوال ، فإن لم يقترن باعتراف أو شهادة أو حبل لم يكن فيه أية دلالة على ارتكاب الفاحشة ،ولا يترتب علبه أية عقوبة .

ويرى الفقهاء التساوي في وسائل الإثبات في جريمة الزنى بين الرجل والمرأة من حيث الجملة ، ويرى كثير منهم أن هذا التساوي ليس له استثناء ، فلا تثبت عندهم هذه الجريمة إلا بشهادة أربعة رجال عدول ، أو إقرار يصير عليه صاحبه إلى حين الانتهاء من إقامة الحد عليه . والاستثناء الوحيد الذي اختلفوا فيه هو دلالة قرينة واحدة بالنسبة للمرأة ، وهي قرينة الحبل الذي يظهر على امرأة غير متزوجة ؛ فرأى بعضهم الاكتفاء به في إثبات الزنى على المرأة إذا لم تثر شبهة معتبرة حوله كإكراه واستغاثة بالناس ونحو ذلك . ورأى جمهورهم أن هذه القرينة ليست كافية في إثبات الفاحشة ما لم يصاحبها اعتراف أو إقرار . وأما زوال البكارة فلم نجد أحدا منهم قال بإثبات الزنى به إذا لم يقترن بأدلة الإثبات الأخرى.

والمفروض في مجتمع يدين بالإسلام و يحكم قيمه وأخلاقه وموازينه أن لا يتهم شخصا بأدلة أو بقرائن لا يراها الشرع ولا يقيم لها وزنا . وهذا هو التحكيم الاجتماعي لشرع الله تعالى ، ينبغي أن يكون مكملا للتحكيم القانوني والقضائي لذلك الشرع ومتناسقا معه . ولا يكون الحكم بشرع الله كاملا إلا بذلك ، أي يجعل الأعراف والتقاليد والمؤاخذات الاجتماعية على أي تصرف تبعا للمناهج والمؤاخذات الشرعية التي تتمثل فيما يصدره القضاء وينفذه السلطان من الأحكام .

فإذا ما قامت أعراف وتقاليد اجتماعية مغايرة للقانون الإسلامي كان ذلك انحرافا في المجتمع ، ينبغي تصحيحه بالتوعية الإسلامية من جهة ، وعدم ترتيب أية آثار شرعية عليه من جهة أخرى ، ومن جهة ثالثة ينبغي حماية المتضررين من هذا الانحراف الاجتماعي ، الذين يؤاخذون بما لم يؤاخذهم به الله تعالى ، في الدنيا على الأقل ، ويتحملون من المضايقات بسببه ما لم يحملهم الشرع .

إن الشريعة ـ كما تقدم ـ لا ترتب على المرأة التي يظهر تمزق بكارتها أية عقوبة في الدنيا ، إذا لم يقترن ذلك باعتراف منها أو شهادة عدول أربعة عليها ، ومع ذلك فإن طائفة من مجتمعاتنا تعاقب هذه المرأة بعقوبات تفوق في شدتها أحيانا ما يعاقب به الشرع امرأة بكرا ثبت عليها الزنى بالوسائل الشرعية ، فتكون سببا في تدمير حياتها الزوجية أحيانا ، أو في حرمانها من الزواج أحيانا ،وقد يصل الأمر في بعض المجتمعات إلى إزهاق روحها . فتكون هذه المجتمعات بذلك قد نصبت نفسها قاضيا ظالما بما لم يأذن به الله عز وجل ، وبناء على قرائن لا يعترف بها شرعه الحنيف .

وإذا كان من الصعب ـ في كثير من الأحيان ـ تغيير هذه التقاليد ، فلا أقل من حماية المرأة من هذا العسف الاجتماعي بإخفاء القرينة ـ التي لم يعتبرها الشرع ـ عن أولئك الذين يبنون عليها أحكامهم الظالمة .

هـ – إن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينـة الوهمية (في دلالتها على الفاحشة ) له أثر تربوي عام في المجتمع وخاص يتعلق بالفتاة نفسها .

فأما الأثر التربوي العام فبيانه أن المعصية إذا أخفيت انحصر ضررها في نطاق ضيق جدا ، وقد يقتصر فاعلها إن لم يتب عنها ، فإن تاب عنها أمحى أثرها تماما، أما إذا شاعت بين الناس وتناقلتها الأخبار فإن أثرها السيء يزداد ، وتتناقص هيبة الناس من الإقدام عليها ، فإن تكررت مرات ومرات ازداد ذلك التناقص إلى أن يضمر الحس الاجتماعي بآثارها السيئة ، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد صار من الهين على أفراد المجتمع الإقدام على هذه المعصية ،ولقد قيل في الأثر : ( إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها ، فإن أعلنت ولم تنكر أضرت بالعامة ). ولعل هذا المعنى بعض من حكمة الستر الذي حث عليه الإسلام ـ كما تقدم ـ ولعله حكمة من حكم التشدد في إثبات فاحشة الزنى ودرئها عن المتهم بأدنى شبهة ،وحكمة من حكم العقاب الجسيم الذي شرعه الإسلام لمن رمى الناس بها بغير دليل معتبر .

فإن من مقاصد هذه التعاليم والأحكام الشرعية ضرب الحصار حول المعاصي والفواحش التي لم تثبت بالأسلوب الشرعي في الإثبات ، ولم تعرض على القضاء ، حتى لا تتسرب روائحها الخبيثة إلى الناس ، فتثير ردود فعلهم في باديء الأمر ، فإذا كثرت وطغت اعتادوا عليها وصارت أمرا غير مستنكر ولا مستقبح ولا يسوغ في الإسلامي إعلان المعاصي وفك الحصار الذي ضربه حولها بتلك التعاليم إلا لسبب واحد هو أن تعرض على القضاء وتثبت أمامه بالوسائل المشروعة ، وعندئذ يوفي العاصي عقوبته على مرأى من الناس ومسمع منهم ، إذ يصبح إعلان العقوبة عندئذ وسيلة لإبقاء المعصية الثابتة المعلنة في حيز دائرة لاستنكار من نفوس الناس .

والطبيب عندما يقوم بالستر على فتاة بطمس علامة سيتخذها الزوج في المستقبل ومن بعده الناس ، دليلا على الفاحشة ،مع أنها في الحقيقة وفي الشرع ليست كذلك ، إنما يحقق ذلك المقصد الشرعي ويعرقل تطبيعا غير مقصود لتقبل المعاصي على المدى الطويل قد يقع فيه الحس الاجتماعي .

وأما الأثر التربوي الخاص بالفتاة نفسها فذلك أن الطبيب برتقه بكارتها إنما يشجعها على التوبة وييسر أمرها عليها ، على فرض وقوعها في المعصية ، ويثبتها على العفاف الذي كانت عليه على فرض أن تمزق بكارتها لم يكن بسبب معصية .

وأما إحجامه عن ذلك وإيصاد الباب أمام الفتاة في إزالة أثر يحاسب عليه المجتمع أشد الحساب ، فإن لم يكن إيمانها بالله تعالى واليوم الآخر راسخا فإنها قد تندفع برد فعل معاكس إلى هاوية الرذيلة وارتكاب الفاحشة مرة ومرات وبخاصة أنها لا تخشى من زوال العلامة التي ترضى المجتمع وتقنعه بالعفة والاستقامة بعد أن فقدتها بسبب لا يد لها فيه أو بغلطة غلطتها ، وهذا في الوقت الذي ستمتنع فيه عن الزواج وترفض الخطاب بأعذار تختلقها ، ويكون في ذلك ضياعها وتوظيفها وسيلة فساد وإفساد في المجتمع ، مع أن استصلاحها كان ممكنا لو أن الطبيب استجاب لاستغاثتها من أول الأمر .

المطلب الثاني

المفاسد التي يعتبر الرتق مظنة لها

1 – الغش والخداع :

الذي يتبادر إلى الذهن في أول الأمر أن قيام الطبيب برتق بكارة فتاة عمل فيه تمويه وخداع لمن يريد الزواج من هذه الفتاة في المستقبل ؛ حيث يحجب عنه علامة قد تكون أثرا من آثار سلوك شائن وقعت فيه تلك الفتاة ، لو عرفه منها قبل الزواج لما تزوجها ، ولو عرفه عند الدخول ، بها لما استمر معها في الحياة الزوجية ، احتياطا لنسله ،وخوفا من أن تدخل عليه من الأولاد من ليس من صلبه.

وبخاصة أن الله تعالى قد وجه المؤمنين في كتابه الكريم إلى أنه لا ينكح الزانية أو المشركة إلا زان أو مشرك ؛ فقال عز وجل ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية ولا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) وقد نقل عن بعض العلماء أن الزاني إذا تزوج عفيفة ، وأن الزانية إذا تزوجها عفيف فرق بينهما عملا بظاهر الآية .

والطبيب برتقه غشاء البكارة قد يكون سببا في استمرار الزوج في زواج لا يشجع الشرع على استمراره حسب الفهم السابق للآية الكريمة .

ومن جهة أخرى فإن بعض الفقهاء قد ذهبوا إلى أن للزوج الحق في فسخ الزواج إذا كان قد اشترط على الزوجة أنها عذراء فتبين خلاف ذلك . فيكون الطبيب بعمله قد فوت على مثل هذا الزوج حقه في الفسخ ، وغشه في ذلك حيث أوهمه بالعذرية المصطنعة أن شرطه متحقق في الفتاة التي تزوجها .

2 – تشجيع الفاحشة :

كذلك قد يتبادر أن رتق الطبيب لغشاء البكارة يؤدي إلى تشجيع فاحشة الزنى في المجتمع ؛ وذلك أنه بهذا العمل يزيل كثيرا من التهيب والشعور بالمسؤولية الذي ينتاب عادة أية فتاة تحدثها نفسها بارتكاب هذه الفاحشة ؛ فإنها إذا علمت أن فعلتها سوف تترك أثارا في جسدها يرتب عليها المجتمع عقوبات قاسية ، وإن استطاعت أن تفلت من العقوبة الشرعية المفروضة على مثل هذه الجريمة ، إذا علمت ذلك ، وأحست بمخاطر المستقبل المنتظر على فرض وقوعها في الزنى أحجمت عنه إيثارا للسلامة في الدنيا على الأقل .

أما إذا علمت أن بإمكانها التخلص من آثار جريمتها ، بإصلاح ما أفسدته تلك الجريمة ، تناقص إحساسها بالمخاطر المستقبلية ، وشجعها ذلك على الإقدام على المعصية . وهذا يتنافى مع روح الشريعة في مكافحة الزنى ، وسد جميع الأبواب التي توصل إليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فكان تشريع حد الزنى والأمر بستر العورات ، والنهي عن خلوة الرجل بالمرأة ، والنظر إليها وسفرها من غير محرم ،وغير ذلك .

كشف العورة :

وذلك أن فرج المرأة وما حوله عورة مغلظة عند جميع الفقهاء ؛ ولا يجوز النظر إليه ولا لمسه لغير الزوج ، سواء أكان الناظر أو اللامس رجلا أم امرأة ، والرتق يقتضي النظر واللمس قطعا . وكشف العورة ، وبخاصة المغلظة منها لا يحل إلا لضرورة أو حاجة ، والطب لم يكتشف بعد أية فائدة صحية للبكارة ؛ فالحاجة المقتضية لحل الكشف غير متوفرة ، اللهم إلا إذا حدث نزيف نتيجة تمزق البكارة.

المبحث الثاني

بيان تفاوت تلك المصالح والمفاسد بالنظر

إلى أسباب التمزق والموازنة بينهما

تلك هي المفاسد والمصالح التي يعتبر الرتق مظنة لها بصورة عامة ،ولكن مدى تحققها في الواقع يختلف باختلاف الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى فساد غشاء البكارة ، ولمعرفة ذلك يمكن تصنيف هذه الأسباب إلى ثلاثة أصناف :

الأول : أسباب ـ غير وطء النكاح ـ لا تعتبر في ذاتها معاصي .

الثاني : ارتكاب فاحشة الزنى دون إكراه .

الثالث : وطء النكاح وما يلتحق به .

ونبحث المصالح والمفاسد التي يحتمل أن تترتب على رتق البكارة المتمزقة بكل سبب من هذه الأسباب في ثلاثة مطالب :

المطلب الأول

الصنف الأول

وهي الأسباب التي لا تعتبر في ذاتها معاصي ، ولا يترتب عليها إثم أخروي ، بل قد تكون أسبابا للمغفرة وحط الخطايا ؛ لأنها حوادث وآفات ومصائب تصيب الفتاة فتؤدي إلى تمزق بكارتها كالسقطة والصدمة ، والحمل الثقيل وطول العنوسة ،وكثرة دم الحيض والخطأ في بعض العمليات التي يكون الغشاء محلا لها ،ونحو ذلك .

ويلتحق بذلك الاغتصاب الذي قد يقع على الفتاة ، وإن كانت بالغة راشدة ؛ فإنها لا حيلة لها فيما يصيبها نتيجة هذا الإكراه . وكذلك الزنى الذي تقع فيه نائمة أو جارية صغيرة بناء على مخادعة أو غير ذلك ؛ فإن المسئولية في الدنيا والآخرة مرفوعة عن الصغار مهما ارتكبوا من المعاصي ، وعن المكرهين على فعلها ؛ حيث قال رسول الله r " رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يعقل ، وعن النائم حتى يستيقظ ،وعن المجنون حتى يفيق " ،وقال " وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

إن إصلاح تمزق البكارة الناشيء عن هذا النوع من الأسباب مظنة لتحقيق جميع ما تقدم من المصالح في المبحث الأول بصورة كاملة ؛ لأن الفتيات اللواتي يقعن في مثل هذه الأسباب أحق بالنظر والرعاية والمساعدة ؛ وهن معذورات عند الله تعالى وعند الناس .فالستر مثلا إذا كان أمرا مندوبا بالنسبة لمن وقعن في الفاحشة بالفعل ؛ لما تقدم من النصوص الشرعية ، فلان يكون كذلك بالنسبة لهذا الصنف من الفتيات أولى بكثير ؛ إذ لم يقعن في فاحشة أصلا ،أو لم يكن لهن اختيار عند الوقع فيها ، والستر عليهن يحميهن من مؤاخذات ظالمة .

وأما مصلحة حسن الظن فإن تصرف الطبيب مع هذا الصنف من الفتيات بإزالة أثر الحادث الذي تعرضن له يسهم إلى حد كبير في تحقيق هذه المصلحة ؛ حيث يمحو بتصرفه هذا مبررا وهميا قد يدفع أفراد المجتمع ـ لو بقي ـ إلى سوء الظن ببعض بناته .

وهو من جهة أخرى يشجع هذا الصنف من الفتيات على مواصلة الاستقامة ، ويسد بابا قد ينفذ منه الشيطان إلى نفوسهن لو لم يستجب إلى ما طلبن من العون والمساعدة .

ومن جهة ثالثة يحتمل أن يكون تصرف الطبيب هذا سببا في إنقاذ المجتمع وكذلك الأزواج الذين قد يرتبطون بهذا الصنف من الفتيات من ردود فعل تجاههن ليس لها أي مبرر ، ومن ظلم لهن كانوا سيقعون فيه لو وقف الطبيب موقفا سلبيا .

وأما مفاسد الرتق لهذا الصنف فهي ضئيلة إذا ما قيست بتلك المصالح ، وبيان ذلك فيما يأتي :

أولا : إن النوع الأول من المفاسد التي سبق ذكرها ، وهو غش الزوج وخداعه غير موجود في هذا التصرف ؛ لأن الغش إنما هو إخفاء عيب أو نقص في المحل بحيث يبدوا أمام طالبيه خاليا من ذلك العيب ، فيترتب عليه الإضرار بذلك الطالب . فإذا كانت الفتاة قد تمزقت بكارتها بسبب لا يبعد معصية ، ولا عيبا في عرف الشارع ولا في عرف الناس ، ثم قام الطبيب بإصلاح هذا الخلل ، لم يكن بذلك غاشا للزوج ؛ لأن العيب في الفتاة إما أن يكون خلقيا ، وإما أن يكون خلقيا ، والفتاة التي تمزقت بكارتها بحادث أو رغما عنها ليس فيها أي عيب خلقي ، وإنما حدث فيها عيب طفيف في الجسد ، فإذا أصلحه الطبيب ، وأعاده إلى سابق خلقته فإن صنيعه هذا إظهار للحقيقة ، ووضع للأمر في نصابه ، وليس في فعله إخفاء عيب كان موجودا في الفتاة ، بل حقيقته منه الوقوع في الوهم وسوء الظن ؛ حيث إن إحجامه عن رتق البكارة سيؤدي إلى اتهام الفتاة بما لم تقع فيه ، وتعريض الزوج والناس إلى الوقوع في الإثم بسبب هذا الاتهام . وفعله هذا لا يقل في استجلاب الأجر من علاجه لجرح عادي وقع على الجسد ، بل هو أولى بالأجر من ذلك ؛ لما ذكر من تخليص الفتاة من مفاسد معنوية كثيرة تفوق ما يترتب على الجرح العادي أو تمزق غشاء آخر من أغشية الجسد الآدمي .

ومن الناحية الفقهية فإن الفقهاء يكادون يتفقون على أن فوات وصف العذرية لا يعتبر عيبا يستوجب فسخ عقد النكاح إذا لم يشترطه الزوج بصراحة .

وبناء على هذا فإن الطبيب ؛ برتقه بكرة الفتاة ، لا يكون قد فوت على من سيتزوجها حقه في الفسخ .

أما إذا اشترط الخاطب أن تكون الفتاة بكرا ، فباتت ثيبا ،وكان سبب ثيوبتها ما تقدم ذكره من وثبة أو حدة حيض أو تعنيس أو حمل ثقيل ، لم يكن للزوج حق الرد عند جمهور الفقهاء ؛ لأن البكر عندهم هي التي لم توطأ في عقد نكاح .

وهذه الفتاة التي زالت بكارتها بغير وطء في نكاح يصدق عليها أنها بكر ،وبالتالي لا يكون الطبيب بالرتق قد فوت حقا للزوج ، وإن اشترط البكارة عند الزواج .

نعم ذهب بعض الفقهاء إلى أن للزوج فسخ العقد إذا اشترط أن تكون عذراء ، وهو أخص من شرط البكارة ؛ إذ يعني على التحديد أن يكون غشاء البكارة موجودا ، قالوا : لأن وصف العذرية وصف مرغوب فيه عند الناس ، فإذا اشترطه أخذ بالاعتبار وترتب على تخلفه ثبوت الخيار للزوج في الرد وعدمه ، مثل بقية الأوصاف التي يرغب فيها الناس ، فإن كانت محل اشتراط ، ولم يتحقق ثبت الخيار ، كما لو اشترط أن تكون بيضاء فبانت سوداء ، أو اشترط أن تكون كبيرة أو صغيرة ، أو غير ضعيفة السمع أو البصر ، فإذا هي خلاف ما شرط .

وهذا قول بعض الفقهاء ، ورأى آخرون عدم ثبوت الخيار للزوج مهما اشترط ، إذا لم يتبين فيها عيب من العيوب المحددة التي تستوجب الخيار من غير اشتراط .

وهذه الحالة المحددة التي أعطى فيها بعض الفقهاء للزوج حق الرد لا تنقض ما ذكر من أن رتق الطبيب لبكارة تمزقت بسبب ليس فيه معصية لا يضيع حقا لأحد ، وليس فيه أي نوع من الغش ؛ لأن فعله هذا ليس فيه تدليس على الزوج ؛ حيث لم يفوت عليه الوصف الذي اشترطه ، وإنما كان سببا في تحقيق هذا الوصف في الوقت الذي لم يتستر برتقه البكارة على عمل مشين أو معصية كانت الفتاة قد ارتكبتها ؛ وهو في ذلك كالطبيب الذي تأتيه فتاة فاقدة السمع أو البصر ، فيجري لها عملية تعيد إليها سمعها أو بصرها ، ثم يتقدم لخطبتها شخص ، ويشترط أن تكون مبصرة أو سميعة ، ثم يتبين له بعد ذلك أنها كانت في وقت ما عمياء أو صماء ، فليس له أن يفسخ الزواج بناء على ذلك .

ثانيا : لا شك في أن قيام الطبيب بإصلاح غشاء البكارة الذي تمزق بهذا الصنف من الأسباب لا يترتب عليه أي معنى من معاني التشجيع على فعل الفاحشة ؛ إذا المفترض أن الفتاة لم تقع في فاحشة أصلا ، ولم تعص ربها سبحانه بما وقع عليها رغما عنها . وامتناع الطبيب عن الرتق ليس فيه أي معنى من معاني الزجر عن الوقوع في فاحشة الزنى ؛ لأن الزجر لا يتأتى إلا بالنسبة للعصاة . وقد عرفنا ذلك من تجاوز الشرع عن المكرهين والمضطرين والمخطئين ؛ حيث رفع عنهم المسؤولية والعقاب ؛ لما فيه من ظلم أولا ، ولعدم جدداه ثانيا .

بل إن هذه المفسدة ، وهي تشجيع الفاحشة ، قد تكون أثرا لامتناع الأطباء عن الرتق ، كما أشرنا إليه فيما سبق ؛ لأن الفتاة التي تجد نفسها وقد زال دليل عذريتها ،وأغلقت الأبواب أمام إعادته ، في مجتمعات تؤاخذ على ذلك ، ستكون أقرب إلى مطاوعة الشيطان والوقوع في الفاحشة ، في زمن انتشرت فيه الوسائل الكفيلة بالوقاية من القرينة الأكثر دلالة على تلك الفاحشة وهي الحمل ، مع ملاحظة ما ركب في ابن آدم وبناته من الغريزة الجنسية ، التي لاحظها الشارع في تشجيع الزواج . وهذه الفتاة تخشى من الإقدام على الزواج ، الذي سيكشف عن حالها ، ولا يبقى أمامها سبيل يلبي لها داعي فطرتها ، سوى الاتصال المحرم الذي يمكن ببعض الاحتياط أن يكون مستورا .

ثالثا : وأما مفسدة كشف العورة والنظر إليها فلا شك في وجودها في الرتق مهما كان سبب التمزق .

غير أن الفقهاء أجازوا كشفها والنظر إليها إذا وجدت حاجة أو مصلحة راجحة أو ترتب على الكشف دفع مفسدة أعظم من مفسدته ، يقول العز بن عبد السلام ( كشف العورات والنظر إليها مفسدتان محرمتان على الناظر والمنظور إليه ؛ لما في ذلك من هتك الأستار ويجوزان لما يتضمنه من مصلحة الختان أو المداواة أو الشهادات على العيوب أو النظر إلى فرج الزانين ؛ لإقامة حدود الله ، إن كان الناظر أهلا لشهادة بالزنى وكمل العدد … " .

وبناء على ذلك ، وما دامت المصالح التي سبق ذكرها قائمة ، وما دام تمزق البكارة مظنة قوية لترتب مفاسد تصيب الفتاة والمجتمع ، فإن الحاجة إلى الكشف عن العورة في هذه المسألة جائز ، ولا تقل عن تلك الحاجات التي ذكرها الفقهاء واعتبروها مبررات لكشف العورات والنظر إليها .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-17-2008, 04:49 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

نتيجة الموازنة بين المصالح والمفاسد في هذا الصنف :

بعد ذلك التحليل لما يترتب على قيام الطبيب بإصلاح بكارة تمزقت بغير معصية من مصالح ومفاسد ، يتبين أن كفة المصالح التي يحققها ذلك التصرف راجحة رجحانا كبيرا وأمام هذا التحليل . يغلب على الظن إمكان القول بجواز ذلك ، واستحباب الستر على الفتاة برتق بكارتها . ولولا أن ما ذكر من المفاسد المترتبة على الإحجام محتملة وليست مؤكدة الوقوع لكان القول بالوجوب ممكنا ؛ لأن دفع المفسدة التي يغلب على الظن وقوعها ، إذا تعين على أحد كان واجبا شرعيا عليه.

هذا ولا يكفي في الستر على هذا الصنف من الفتيات أن يقف الطبيب من حالتهن موقفا سلبيا بأن يحفظ سرهن ولا يبلغ عنهن ؛ فإن ذلك مجرد تأجيل لما سيلتصق بهن من الفضيحة ، وما سيحيق بهن من الآثار السيئة .

وكذلك لا يكفي في الستر ودفع الأذى عنهن أن يحرز لهن شهادة طبية بسبب التمزق دون إصلاح الغشاء ؛ لعدم فاعلية هذا الإجراء في الواقع ، وعدم كفايته في إقناع زوج المستقبل ببراءة زوجته ، وعدم إقناع المتسامعين بذلك من الناس ، فإن شيطان الشك في قضايا العرض أقوى من أن يدفع بمثل هذا .

وبذلك يتعين على الطبيب لدفع الشر والأذى ـ إذا كان يغلب وقوعه في مجتمع من المجتمعات ـ أن يقوم بإصلاح غشاء البكارة في هذه الحالات إذا كان ذلك بإمكانه ، ويرجى له بذلك أن يكون مأجورا غير مأزور إن شاء الله تعالى ، ولا يقل أجره في هذا عن أجره فيما يقوم من علاج للمرضى العاديين .

المطلب الثاني

الصنف الثاني

قد يكون سبب تمزق البكارة زنى وقعت فيه الفتاة باختيارها ، وهي بالغة عاقلة ، فما مدى تحقق ما ذكر من المفاسد والمصالح على إصلاح الطبيب لهذا التمزق ؟

أغلب الظن أن الإجابة على هذا السؤال تقتضي التمييز بين صورتين :

الأولى : أن تكون الفتاة قد ظهر زناها وعرف بين الناس كالبغي التي اشتهرت بالفاحشة ، وكالتي صدر عليها حكم قضائي الزنى .

الثانية : أن لا تكون كذلك ، وإنما زنت مرة واحدة ، ولم يفتضح أمرها بين الناس ، ولا عرض على القضاء . ونبحث هاتين الصورتين في الفرعين الآتيين :

الفرع الأول

إصلاح بكارة تمزقت بسبب زنى ظهر أمره

في هذه الصورة لا يترتب شيء من المصالح على رتق بكارة أمثال تلك المرأة ؛ لأن ما تقدم ذكره من المصالح ودفع المفاسد المترتب على الرتق مبناه في جملته على استتار أمر الفتاة وعدم افتضاحه ، فإذ كان أمرها مفتضحا لم يكن الستر عليها مجديا بإصلاح بكارتها . ولا يكون لهذا الإصلاح أي أثر في إشاعة حسن الظن بين الناس ؛ لأن دوافع سوء الظن قد وجدت بشيوع أمر الفاحشة ، وكذلك لا يكون لهذا الرتق أي أثر في منع ردود الفعل الاجتماعية ؛ لوجود سبب آخر لإثارة هذه الردود / والطبيب لا يقدر على إخفاء هذا السبب .

وهكذا فإن رتق غشاء البكارة لهذا الصنف من النساء يخلو من أية مصلحة ، في الوقت الذي لا يخلو من المفاسد ، والتي أقلها مفسدة كشف العورة بدون مبرر يقتضي ذلك .

وبهذا النظر يتبين أن مفاسد الرتق لهذا الصنف من النساء هي الراجحة ، والقول بتحريمه أقرب إلى روح الشرع من القول بجوازه .

وقد يتأيد هذا بما قرره العلماء من أن العصاة الذين يندب الستر في حقهم هم أولئك الذين لم تتكرر منهم المعصية ، ولم تعرف عنهم ، وأما الذين تكررت معصيتهم فالأولى الإخبار عنهم وعدم سترهم .

كما يتأيد بما قاله بعض العلماء من أن ( من كان معروفا بالزنى أو بغيره من الفسوق ، معلنا به ، فتزوج إلى أهل بيت ستر وغرهم من نفسه فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه ؛ وذلك كعيب من العيوب ) ؛ واحتج بقول الرسول r " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " . وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق ، وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره ، فأما من لم يشتهر بالفسق فلا .

هذا ويلتحق بهذا الصنف من كان أمرها معروضا على القضاء ، وإن لم يصدر بعد حكم قضائي يدينها بالزنى ؟ لأن وجود البكارة غير ممزقة يعتبر شبهة تدرأ العقاب عن المرأة عند جمهور الفقهاء ، وإن شهد عليها أربعة رجال عدول .

ففي هذه الحالة يمكن أن يتخذ الرتق وسيلة لتكذيب الشهود أو التشكيك في شهادتهم بغير حق ، فلا يجوز .

الفرع الثاني

إصلاح بكارة تمزقت بسبب زنى لم يظهر أمره

في هذه الصورة ، حيث لا يكون زنى الفتاة معروفا بين الناس ؛ ولم يصدر عليها به حكم قضائي ، فإن معظم ما ذكر في أول هذا البحث من المصالح التي تترتب على رتق البكارة مرجو تحققه ؛ وذلك أن الستر الذي حث عليه الإسلامي محله عندما يكون العصاة مستترين غير مجاهرين ، أمثال هذه الفتاة . فإذا وضع في موضعه ترتبت عليه تلك المصالح ، وكان مظنة لدرء مفاسد كثيرة عن الفتاة وعن المجتمع . كما أنه مظنة لتشجيعها على التوبة والإحجام عن العود إلى الفاحشة ، ومظنة لإشاعة حسن الظن بين المؤمنين ، والوقاية من سوء الظن بهم ، والحيلولة دون ردود الفعل الاجتماعية التي أشير إليها في المبحث الأول ، وتحقيق العدالة أمام قانون وسائل الإثبات الشرعي ، بين أصناف النساء من جهة وبينهن وبين الرجال من جهة أخرى ، وغير ذلك .

ولكن ما مدى تحقق ما ذكر من مفاسد الرتق بالنسبة لهذا الصنف ؟

أولا : قد يظن لأول وهلة أن الرتق في هذه الصورة سيؤدي إلى غش من سيتزوج الفتاة وخداعه ؛ لأن الاطمئنان إلى براءة الزوجة من الفاحشة أمر مقصود للزوج ، وطمس ما يدل على عكس هذه البراءة يفوت عليه ذلك المقصود ،ويخفي عنه حقيقة عروسه .

وقد يبدو هذا الأمر ظاهرا ، غير أن قدرا من النظر يكشف عدم صحة هذا الظاهر في الواقع ويبين أن فعل الطبيب بالنسبة لهذه الفتاة الزانية برتق بكارتها ليس فيه أي خداع من الناحية الشرعية لمن سيتزوجها في المستقبل .

نعم لا جدال في أن طمس ما يدل على عيب من العيوب في شيء ما يعتبر تغريرا لطالب هذا الشيء ، إذا كان ذلك الطمس سببا لخفاء العيب عل ذلك الطالب . ولكن حقيقة عمل الطبيب ليس فيه طمس لما يدل على زنى الفتاة ؛ إذ المقصود بالدليل المطموس هنا ،والذي يكون في إخفائه تغرير ، الدليل الشرعي وليس مجرد القرائن والأدلة التي تعارف عليها الناس ، بالرغم من إهدار الشرع لها وعدم اعتبارها .

والطبيب عندما يعيد غشاء البكارة إلى ما كان عليه لا يطمس دليلا اعتبره الشارع مفيدا لوقوع الزنى ؛ لأن غشاء البكارة لا يدل عدم وجوده على زنى المرأة بإجماع الفقهاء كما تقدم ، ولو أن الطبيب ترك الفتاة ، ثم تزوجت وليس لها بكارة ، ما كان للزوج شرعا أن يتهمها بالزنى ، ولا أن يردها . بل إن هذا لا ينبغي أن يعتبر مبررا للتطليق ـ بينه وبين الله تعالى ؛ لأن مبناه على ظن سيء ، وليس على غلبة ظن ؛ فإن هذه لا تكون إلا ثمرة لقريتة شرعية ، وليس لمجرد قرينة عرفية لم يعترف بها الشرع .

فالطبيب بالرتق لم يغرر بالزوج ؛ لأنه لم يحجب عنه دليلا أو قرينة يعتبرها الشرع دالة على الزنى ، ومفيدة للعلم أو غلبة الظن بارتكاب الفاحشة .

وبهذا النظر يتبين أن مفسدة التغرير في فعل الطبيب برتق البكارة مفسدة موهومة ولا تصلح أن يبنى عليها حكم بالتحريم .

ثانيا : وأما المفسدة الأخرى ،وهي احتمال تشجيع الفاحشة ، بقيام الأطباء بعمليات الرتق ، فهي مفسدة موهومة أيضا ؛ لأن هذا الاحتمال مبناه على إبطال هذا التصرف لفاعلية الأثر الزجري لردود الفعل الاجتماعية التي كونتها العادات والتقاليد عند اكتشاف فتاة ذهبت بكارتها دون معرفة الأسباب . وقد تقدم أن هذه الردود ليس لها مستند شرعي بالنسبة للفتاة المجهولة الحال ، والتي لم يثبت عليها فعل الفاحشة بدليل معتبر شرعا ، ولم تكن بغيا مشهورة ، وأنها عقوبات زائدة على العقوبات المشروعة ،ومبنية على قرائن غير شرعية . وكونها مفيدة في بعض الحالات لا يبررها ؛ لأن الأثر الزجري للزيادة على العقوبات الشرعية أو على وسائل إثبات موجبات هذه العقوبات لا يبرر هذه الزيادة ؛ فإن الزيادة على الحدود الشرعية مثلا يعطي أثرا زجريا أقوى ، ومع ذلك فإنها محرمة بإجماع الفقهاء وأن التساهل في إثبات موجبات هذه الحدود قد يكون له أثر زجري أبلغ من التشدد في إثباتها ، ومع ذلك اختار الشارع الطريق الثاني " ، وأهمل الأول ،ودرأ الحدود بالشبهات .

ولو كانت العادات والتقاليد منطبقة تمام الانطباق على الوضع الذي يتطلبه الشرع عند اكتشاف فتاة تمزقت بكارتها ، بحيث لا تكون ردود فعل لهذا الاكتشاف ، لما كان احتمال تشجيع الفاحشة واردا على قيام الأطباء بعمليات الرتق .

وقد يقول قائل : إن الله عز وجل قد وجهنا في كتابه الكريم إلى وجوب الحيلولة دون ارتباط العفيفين والعفيفات بالزناة والمشركين ؛ فقال تبارك وتعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) ، يقول ابن قيم الجوزية : ( فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور ، وأخبر أن من نكح الزانية فهو إما زان أو مشرك ؛ فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أولا ، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك ، وإن اعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه فقال : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) . ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله تعالى ( وأنكحوا الأيامي منكم ) من أضعف ما يقال ، وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان ، وهو العفة فقال : ( فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) ؛ فإنما نكاحها في هذه الحالة دون غيرها .. وأيضا فإنه سبحانه قال : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ) ، والخبيثات الزواني ، وهذا يقتضي أن من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن ، وأيضا فمن أقبح القبائح أن يكون الرجل زوج بغي ، وقبح هذا مستقر في فطر الخلق ، وهو عندهم غاية المسبة وأيضا فإن البغي لا يؤمن أن تفسد على الرجل فراشه ، وتعلق عليه أولادا من غيره ، والتحريم يثبت بدون هذا ..) .

وقيام الطبيب برتق غشاء بكارة لامرأة زانية قد يؤدي إلى الوقوع فيما يتنافى مع هذا التوجيه الرباني الذي فسره ابن القيم فيما سبق ، وهو ارتباط رجل عفيف بامرأة زانية ، وبقاؤه معها ؛ لما يجد من عذريتها . ولو أنه امتنع عن ذلك لكان بامتناعه أقرب إلى التزام هذا التوجيه القرآني ؛ لبقاء احتمال مفارقة الزوج لها إذا اكتشف عدم عذريتها . وبهذه المفارقة يكون النص القرآني قد وضع موضع التنفيذ.

والجواب عن هذا القول من عدة وجوه :

الوجه الأول : أن معظم الفقهاء لا يرون تطبيق هذا النص على امرأة زانية بالفعل ولكن زناها لم يثبت بدليل شرعي معتبر من شهادة أو اعتراف أو حبل ، وأن هذه المرأة لا يجوز أن تنعت بالزنى ، ومن نعتها بذلك عد قاذفا واستحق الجلد ورد شهادته . ولو أن ثلاثة شهدوا على امرأة بالزنى وكانوا أعدل الناس ، ولم يشهد عليها رابع لكان فرضا على الناس بما فيهم الشهود أن يعاملوها في الدنيا باعتبارها عفيفة ، وأمرها إلى الله عز وجل . وتمزق غشاء البكارة لا يساوي في دلالته على الزنى عشر معشار رؤية أولئك العدول .

وبناء على ذلك لا يوجد أي وجه لتطبيق النص عليها في الحياة الدنيا .

الوجه الثاني : أن العلماء اختلفوا في تأويل الآية السابقة اختلافا كثيرا ، وأكثرهم لم يحملها على المتبادر منها كما حملها ابن القيم وبعض العلماء ؛ فقد نقل الشوكاني والقرطبي للعلماء فيها خمسة أقوال :

أحدهما : أنها منسوخة ؛ فقد روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) نسخت هذه الآية التي بعدها ( وأنكحوا الأيامى منكم ) حيث دخلت الزانية في أيامى المسلمين ، قال أبو جعل النحاس : وهذا القول عليه أكثر العلماء . وأهل الفتيا يقولون : إن من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها . وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك بن أنس وأبي حنيفة وأصحابه . وقال الشافعي : القول فيها كما قال سعيد بن المسيب ، إن شاء الله هي منسوخة .

الثاني : أن النكاح هنا الوطء ، والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنى .

الثالث : أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة ، وكذلك الزانية :

الرابع : أن هذا كان في نسوة بغايا ، كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنى ، واحتج أهل هذا القول بما ورد أن الآية نزلت في مرثد بن أبي مرثد ، كان يحمل الأسارى بمكة ، وكان فيها بغي يقال لها " عناق " . وكانت صديقته ، فجاء إلى النبي r وسأله أن ينكحها ، فنزلت الآية ، قال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة ، فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ . وقيل : إنها مخصوصة في رجل من المسلمين أيضا استأذن رسول الله r في نكاح امرأة يقال لها " أم مهزول " وكانت من بغايا الزانيات ، وشرط أن تنفق عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.وقيل : إنها نزلت في أهل الصفة ، وكانوا قوما من المهاجرين ، ولم يكن لهم في المدينة مساكن ولا عشائر فنزلوا في صفة المسجد ،وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ، ويأوون إلى صفة المسجد بالليل ، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور ، مخاصيب بالكسوة والطعام ، فهم أهل الصفة أن يتزوجوهن ، فيأووا إلى مساكنهن ، ويأكلوا من طعامهن وكسوتهن ، فنزلت هذه الآية صيانة لهم عن ذلك .

الخامس : أن الآية محكمة غير منسوخة . وعند أصحاب هذا القول : من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته ، وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها . وقال قوم من هؤلاء : لا ينفسخ النكاح بذلك ، ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا زنت ، ولو أمسكها أثم . ولا يجوز التزوج بالزانية ، ولا من الزاني إذا لم يتوبا ، فإن ظهرت التوبة منهما جاز النكاح .

فيتيين من هذه النقول أن معظم الفقهاء لا يرون تحريم الزواج من الزانية ، وأن نكاحها جائز ،ولم يشترطوا لجوازه شروطا زائدة على الزواج بغيرها . وذهب الحنابلة إلى أنه يحل النكاح من الزانية لمن علم زناها إذا تحقق شرطان :

الأول : انقضاء عدتها لتعلم براءة رحمها .

الثاني : أن تتوب من الزنى بالاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب .

الوجه الثالث : أن حث الشارع على الستر يشعر بأنه قد رجح مصالحه على تلك المفسدة على فرض احتمال وقوعها ؛ لأن من يستر على الرجل الزاني أو علي المرأة الزانية بكرا كانت أو ثيبا يحول دون تطبيق ذلك الحكم الشرعي الذي أخذه بعض العلماء من الآية السابقة ؛ إذ بستره عليهم يحول دون معرفتهم ، ويعرض بذلك بعض الناس العفيفين للارتباط بهم برباط الزوجية . ومع قيام هذا الاحتمال ندب الشارع إلى الستر على العصاة ، وبخاصة في باب العرض وتأويل ذلك لا يعدوا أحد معنيين .

الأول : أن الشارع قد رجح مصالح الستر على مصلحة ارتباط الزناة بالعفيفين كما ذكرنا .

الثاني : أن الشارع لم يحرم الارتباط بالزناة ، وأن الآية التي يفيد ظاهرها ذلك التحريم إما أن تكون منسوخة ، وأما أن تكون مؤولة ، كما قال جمهور العلماء فيما سلف .

وقد يقول قائل : إن قيام الطبيب برتق غشاء البكارة فعل زائد عن مجرد الستر ؛ لأن الستر يتحقق بأن يحجم الطبيب الذي تعرض عليه الفتاة التي تمزقت بكارتها بسبب الزنى عن إفشاء سرها والتبليع عنها ، ولا يقتضي أن يصلح لها ما فسد من بكارتها .

والجواب عن هذا أن الستر الذي حث عليه الشارع جاء عاما شاملا للموقف السلبي الذي يتخذه الإنسان ، وللموقف الإيجابي الذي قد يكون أكثر فاعلية . والستر بالموقف الإيجابي الذي يتخذه الطبيب تجاه الفتاة هو الذي يحقق ما ذكر من المصالح في أول هذا البحث .

وستره لها بالموقف السلبي لا يحقق شيئا منها ؛ لأنه ستر مؤقت إلى حين ، ثم ينتهي مفعوله بالزواج من الفتاة ، واكتشاف الزوج لحالها .

على أن الموقف الإيجابي الذي يتخذه الطبيب بعملية الرتق تجاه فتاة زانية لا يزيد من حيث الآثار العاجلة والآجلة عن الموقف السلبي الذي يتخذه شاهد زنى بإحجامه عن التبليغ عن رجل زان أو امرأة زانية متزوجة أو مطلقة أو أرملة ؛ ذلك أن هذا الأخير بستره على هؤلاء إنما يستر عن معصية لم يترك حدوثه أية علامة فيمن ارتكبوها مما يجعل ستره أبعد أثرا من ستر فتاة بكر وقعت في الزنى ؛ لأن المعصية تركت في هذه الفتاة علامة لا يمحوها مجرد الستر بالموقف السلبي ، ولا بد لمحوها من فعل إيجابي يزيل ما أحدثه الزنى من أثر .

الوجه الرابع : روى الإمام مالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي أن رجلا خطب إلى رجل أخته ، فذكر أنها قد كانت أحدثت ـ أي زنت ـ فبلغ ذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، فضربه أو كاد يضربه ، ثم قال :مالك وللخبر ؟

وعن طارق بن شهاب أن رجلا خطب إلى رجل ابنة له ، وكانت قد أحدثت ، فجاء إلى عمر ، فذكر ذلك له ،فقال عمر : ما رأيت فيها ؟ قال : ما رأيت إلا خيرا ، قال : فزوجها ولا تخبر . وفي رواية أخرى أنه فجرت جارية فأقيم عليها الحد ، ثم تابت وحسنت توبتها وحالتها ، فكانت تخطب إلى عمها ، فيكره أن يزوجها حتى يخبر ما كان من أمرها ،وجعل يكره أن يفشي ذلك عليها ، فذكر أمرها لعمر ، فقال له : زوجها كما تزوجوا صالحي فتياتكم .

وعن الشعبي قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين إني وأدت ابنة لي في الجاهلية ، فأدركتها قبل أن تموت ، فاستخرجتها ، ثم إنها أدركت الإسلام معنا ، فحسن إسلامها ، وإنها أصابت حدا من حدود الإسلام ، فلم نفجأها إلا وقد أخذت السكين تذبح نفسها ، فاستنقذتها ، وقد جرحت نفسها ، فداويتها حتى برأ كلمها ، فأقبلت إقبالا حسنا وإنها خطبت إلى ، أفأذكر ما كان منها ؟ فقال عمر : هاه ، لئن فعلت لأعاقبنك عقوبة يتحدث بها أهل الأمصار ، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة .

إن هذه الأخبار عن عمر رضي الله عنه تدل على جواز النكاح من الزانية وإن كان الزوج عفيفا ، وعلى أن زنى المرأة لا يعتبر من العيوب التي يجب على الولي أن يخبر بها إذا تبعته توبة . ولو أن عمر كان يرى أن الزنى عيب في الفتاة يعطي زوجها الحق في ردها لما اتخذ ذلك الموقف من الأولياء ، ولشجعهم على تصرفهم بالإخبار عما علموا ؛ لما في إخفائه من تضييع الحقوق على الأزواج . يقول الباجي في شرحه للخبر السابق الذي رواه مالك في الموطأ ( إخبار الرجل عن أخته إذا خطبت إليه أنها أحدثت ، يريد أنها قد أصابها ما يوجب عليها حد الزنى ، وروى نحوه في المدينة عن عيسى بن دينار . فأنكر ذلك عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،ولعلها كانت أقلعت وتابت ،ومن عاد إلى مثل هذه الحال لا يحل ذكره بسوء ؛ فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ،ويعفوا عن السيئات ، ولا يلزم الولي أن يخبر من حال وليته إلا بما يلزم في ردها ، وهي العيوب الأربعة :

الجنون والجذام البرص وداء الفرج .

ثالثا : وأما مفسدة كشف العورة والنظر إليها ، فهذه موجودة في تصرف الطبيب بالرتق لهذا الصنف أيضا . ولكن يمكن أن يقال فيها ما قيل في الصنف الأول ، من أن الحاجة إلى دفع مفاسد التمزق تبرر تحمل هذه المفسدة .

المطلب الثالث

الصنف الثالث

وهو زوال البكارة بسبب وطء في عقد نكاح ، سواء أكانت المرأة مطلقة أو أرملة.

فمن زالت بكارتها بهذا السبب ، لم يكن لها آية مصلحة تبتغيها بالرتق ؛ لأن زوال البكارة بالنسبة لهذا الصنف من النساء لا يترتب عليه أية مفسدة ، لا في العرف ولا في الشرع ، والرتق إنما يراد لدفع مفاسد محتملة تترتب على التمزق ، وقد تقدم ذكرها .

وإذا كان الرتق في حق هذا الصنف من النساء خاليا من أية مصلحة ، فإنه لا يخلوا عن بعض المفاسد المحرمة ؛ إذ فيه على الأقل كشف عورة المرأة دون مبرر شرعي من ضرورة أو حاجة ، فأغلب الظن أنه حرام ، ولا يصح .

خلاصة أحكام الرتق بالنظر إلى أسباب التمزق

مما تقدم من المقابلات السابقة بين ما يحققه الرتق من مصالح وما يؤدي إليه من مفاسد يتبين ما يأتي : ـ

1 – إذا كان سبب التمزق حادثة أو فعلا لا يعتبر في الشرع معصية ، وليس وطئا في عقد نكاح ، ينظر : -

فإن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتا وظلما بسبب الأعراف والتقاليـد السائدة كان إجراء الرتق واجبا ؛ لما فيه من دفع مفاسد يغلب على الظن وقوعها ؛ فإن المفسدة المتوقعة بأغلبية الظن تعتبر في حكم الناجزة المحققة ، فإذا غلب وقوع المفسدة ولو في المآل جعلت كالمفسدة الواقعة .

وإن لم يغلب ذلك على الظن كان إصلاح الغشاء مندوبا ، ولكنه غير واجب ، لما فيه من دفع مفاسد محتملة . والذي يحدد ما تقدم طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه الفتاة وأعرافه وتقاليده .

2 – إذا كان سبب التمزق وطئا في عقد نكاح ، كان إجراء الرتق حراما فيحرم إجراؤه لمطلقة أو أرملة ؛ لأن هذا الفعل لا مصلحة فيه . ومن باب أولى يحرم إجراؤه لمتزوجة ؛ لأنه لعب ولهو ؛ ولا يجوز للطبيب النظر إلى عورة المرأة دون ضرورة أو حاجة .

3 – إذا كان سبب التمزق زنى اشتهر بين الناس ، سواء أكان اشتهاره نتيجة صدور حكم قضائي على الفتاة بالزنى ، أم كان نتيجة تكرار الزنى من الفتاة ، وإعلانها لذلك واشتهارها بالبغاء ، ففي هذه الحالة يحرم على الطبيب رتق غشاء البكارة ؛ لعدم وجود المصلحة ، ولعدم خلو فعله هذا من المفسدة .

4 – إذا كان سبب التمزق زنى لم يشتهر بين الناس بالمعنى السابق ، كان الطبيب مخيرا في إجراء عملية الرتق أو عدم إجرائها وإجراؤها أولى إذا كان ذلك بإمكانه ؛ لأن فعله هذا من باب الستر كما تقدم ، والستر على العصاة تتناوبه أحكام عدة:

فقد يكون حراما إذا ترتب عليه تضييع حق من حقوق العباد ، وهذا الفعل ليس فيه تضييع لحق أحد كما قد يتوهم ؛ لما سبق تفصيله .

وقد يكون واجبا إذا ترتب على الإظهار وقوع مفسدة أو معصية ، كما لو كان الشخص وحيدا عندما رأى حادثة الزنى ، فإن بلغ ولم يقر المتهم كان ذلك منه قذفا ،وعدم قيام الطبيب بالرتق لا يوقعه في القذف .

ويكون الستر مندوبا إذا تبين أن الذي وقع في المعصية قد ندم وتاب ولم يكررها .

فإذا جهل حال العاصي من حيث التوبة وعدمها فمقتضى ما تقدم أن يكون الستر عليه جائزا ، إلا إذا قلنا بحمل أمر الناس على الصلاح في مجتمع الإسلام وأن الأصل فيهم عدم الإصرار على الفسق ، فيمكن القول عندئذ باستحبابه .

المبحث الثالث

موقف الطبيب من الحالات التي تعرض عليه

ما تقدم ذكره من المصالح والمفاسد التي يمكن أن تترتب على عملية الرتق لغشاء البكارة ، وتفاوتها حسب الأسباب التي أدت إلى تمزقها ، إنما هو تحليل لما يمكن أن يكون في الحقيقة وواقع الأمر .

فإذا تمكن الطبيب من معرفة السبب الذي أدى إلى التمزق كان عليه التزام نتائج ذلك التحليل ، من حيث بناء الأحكام على المصلحة الراجحة .

غير أن الطبيب لا يتمكن ـ في الأعم الأغلب ـ من معرفة سبب التمزق ، لا على وجه اليقين ، ولا على وجه الظن الغالب ، وبخاصة إذا كان التمزق قديما ، والجرح مندملا ، فماذا يصنع ؟

وقبل الإجابة عن هذا التساؤل لابد من معرفة جواب تساؤل آخر هو : أن الطبيب هل يجب عليه ـ شرعا ـ أن يبحث عن سبب التمزق ، ويطلب الأدلة ويستقصي الأحوال لمعرفة ذلك ؟ .

إن مما لا شك فيه أن الطبيب ليس بقاض يحكم بين المتخاصمين ، وهو لا يملك من الوسائل والسلطات ما يملكه القاضي من طلب الشهود وتزكيتهم واستقصاء الأحوال والقرائن . وبناء عليه لا يكلف بما لا يملك وسائله ؛ فإن المسؤولية تكون بقدر السلطات الممنوحة ،ولكن لما كان العمل المطلوب منه إنجازه عندما تقدم عليه فتاة تريد إصلاح غشاء البكارة المتمزق يختلف حكمه باختلاف أسباب التمزق ،كان عليه أن يأخذ بعين الاعتبار ما يتحصل لديه من أسباب العلم أو تغليب الظن من غير طلب أو بطلب سهل لا يعطله عن عمله ، كأن تأتي الفتاة معترفة بالزنى أو تعترف بناء على سؤاله لها ، أو كأن يرى واقعة الزنى بنفسه ، أو يكون قد سبق إلى علمه بإحدى الوسائل المعتبرة شرعا أن الفتاة محكوم عليها بالوقوع في الفاحشة ، أو أن أمرها معروض على القضاء ؛ أو أنها كانت مشتهرة بين الناس بالبغاء . كذلك يسألها إن كانت مطلقة أو أرملة أو متزوجة . وفي جميع الأحوال ينبغي أن يأخذ بقولها ؛ لأن الأصل براءة ذمتها مما يدينها . فإن علم حالها بإحدى هذه الوسائل التزم بما ذكرنا من الأحكام .

فإذا غم عليه السبب ، ولم ينكشف له بما يتيسر من تلك الوسائل ، لم يكن واجبا عليه أن يطلبه بغيرها ، وإن شك أن التمزق كان نتيجة زنى ، فلا ينبغي له أن يحقق في الأمر ، وإنما يكتفي بالظاهر ؛ لأن الشك الذي لا يقوم على حجة شرعية من سوء الظن الذي نهى الله عنه ، وأمرنا باجتنابه ؛ حيث قال عز وجل " ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ..) ، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية ( الظن هو الهمة والتخون للأهل والناس في غير محله ؛ لأن بعض ذلك يكون إثما ) ، ويقول الماوردي ( يعني : ظن السوء بالمسلم توهما من غير أن يعلمه يقينا ) . ويقول في معنى قوله تعالى ( ولا تجسسوا ) " هو البحث عما خفي حتى يظهر " ، ويقول القرطبي ( معنى : الآية : خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين ، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حيث يطلع عليه بعد أن ستره الله ، وفي كتاب أبي داود عن معاوية قال : سمعت رسول الله r يقول : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم ) .

ويقول الرسول r "ثلاث لا زمات لأمتي : الطيرة والحسد وسوء الظن " ، فقال رجل : وما يذهبهن يا رسول ممن هن فيه ؟ قال r " إذا حسدت فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فامض " . فانظر إلى قوله r " وإذا ظننت فلا تحقق " ؛ فإنه يقتضي من المؤمن أن يكف عن مجاراة ظنه ، وأن لا يجتهد في البحث والتحقيق ليكتشف عورة المظنون فيه .

وبناء على هذا ينبغي للطبيب إذا جاءته فتاة تطلب رتق بكارتها المتمزقة ، أن يحمل أمرها على الصلاح ، وأن يفترض أن ما وقعت فيه كان بسب ليس فيه معصية الله عز وجل ، ولا يحقق في الموضوع بأكثر مما ذكرنا من الأمارات الظاهرة . ولا يجوز أن يبني موقفه على سوء الظن بها ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ) .

ولتمزق البكارة أسباب وأسباب ،واحد منها فقط فيه معصية لله عز وجل ، والأسباب الأخرى ليس فيها عصيان ، فباب الظن الحسن في هذه المسألة أوسع بكثير من باب الظن السيء ، ومحامل الخير فيها بكثير من محامل الشر ، والنهي الوارد في آية سورة الحجرات عن مجرد سوء الظن ، وإن لم يرتب عليه الظان أي حكم ، فما بالك بالظن السيء الذي يرتب عليه صاحبه أحكاما وتصرفات ؟! لا شك في أنه أولى بالتحريم .

وقد يقول قائل : إن الله تعالى لم يذم الظن جميعه ، وإنما أورد الذم في بعضه ، كذلك فإن كثيرا من الأحكام العملية مبناها في الشرع على غلبة الظن ، ولم ينكر العمل بالظن فيها إلا جماعة من المبتدعة ، أنكروا تعبد الله بالظن وجواز العمل به ، وما دامت الفتاة قد قام فيها ما يورث ظنا في أنها فعلت معصية ، وهو تمزق بكارتها ، فالظن فيها ليس داخلا في النهي الوارد في الآية الكريمة .

لا شك في أن هذا القائل محق في أول كلامه ، ولكنه ليس كذلك في آخره ، وبيانه : أن الظن نوعان : نوع مبني على وجه من وجوه الأدلة الشرعية ، فهذا الذي لا يدخل في النهي الوارد في الآية الكريمة ، ولا يذم صاحبه ،وليس عليه من الوزر شيء . ونوع لا يقوم على دليل معترف به في الشرع ، فهذا هو الذي وقه عليه النهي .

يقول القرطبي في توضيح هذا المعنى بعد أن أورد الآية وحديث الرسول r " إياكم والظن …" ( قال علماؤنا : فالظن هنا وفي الآية هو التهمة ،ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها ، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك . ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى : ( ولا تجسسوا ) ؛ وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ، ويبحث عنه ويتبصر ويستمع لتحقق ما وقع له من التهمة ، فنهى النبي r عن ذلك ، وإن شئت قلت : والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب ، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح ، وأونست منه الأمانة في الظاهر ، فظن الفساد به والخيانة محرم ، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث .. وللظن حالتان : حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها ، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن .

والثانية – أن يقع في النفس شيء من غير دلالة ، فلا يكون ذلك أولى من ضده ، فهذا هو الشك ، فلا يجوز الحكم به .. ) .

ويقول أيضا في تفسير قول الله عز وجل ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا .. ) : ( قالت : ولأجل هذا قال العلماء : إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع إذا كان أصله فاسدا أو مجهولا ) .

كذلك يبين العز بن عبد السلام أن الظن المنهي عنه في الآية والحديث هو أن نبني الأحكام على ظن لا يجوز البناء عليه ،مثل أن يظن بإنسان أنه زنى أو سرق أو قطع الطريق أو قتل نفسا أو أخذ مالا أو ثلب عرضا ، فأراد أن يؤاخذه بذلك من غير حجة شرعية يستند إليها ظنه .

هذه هي أقوال العلماء في تفسير الآية الكريمة ،مع ملاحظة أن ما ذكره القرطبي من السبب الموجب للظن والأمارة الصحيحة إنما يقصد به ما صرح به العز بن عبد السلام بأنه الحجة الشرعية .

فلنجعل هذا التفسير مع الآية ميزانا للصورة التي معنا ،وهي : فتاة قدمت إلى الطبيب تخبره أن غشاء بكارتها قد تمزق وتريد أن يصلحه لها ، ولم يسبق أن صدر عليها حكم بالزنى ، ولم تعترف به أمام الطبيب ،ولا رآها وهي تزني ،ولا هي مشتهرة بالبغاء ، فأية حجة شرعية بعد ذلك يستطيع الطبيب أن يبني عليها ظنه ؟ ليس أمامه إلا مجرد كون بكارتها ممزقة ، فهل هذه حجة شرعية وهل هي أمارة صحيحة على الزنى ؟

إن أحدا من فقهاء المسلمين لم يقل ذلك ، وطرق إثبات الزنى معروفة في القرآن والسنة وعند الفقهاء ،وليس فيها تمزق بكارة المرأة كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق .

وإن كان كذلك فإن الظن الذي يبنيه الطبيب على هذه الأمارة الفاسدة داخل في الظن المنهي عنه ، فينبغي أن يحجم عنه . فإن لم يمكنه التخلص منه نفسيا فلا أقل من أن لا يرتب عليه شيئا عمليا ، ويعاملها بمقتضى حسن الظن ويحمل أمرها على الصلاح ، ويلبي طلبها إن كان ذلك في مقدوره .

روى الزهري أن رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء كانت الحيضة خرقت عذريتها فأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها أن الحيضة تذهب العذرة يقينا . وعن الحسن والشعبي وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء ليس في ذلك شيء ؛ لأن العذرة تذهبها الوثبة وكثرة الحيض والتعنيس والحمل الثقيل .

ومن جهة أخرى فإن الأصل براءة الذمة ،ومن كان معه هذا الأصل كانت جنبته قوية لا يضعفها إلا حجة شرعية معاكسة ولا يضعفها مجرد ظن أو شك أو أمارة لم يعتبرها الشرع ، فيكون القول قوله مع غياب تلك الحجة ؛ يقول العز بن عبد السلام في توضيح هذا الأصل ( الأصل براءة ذمة الإنسان من الحقوق وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات ،ويراءته من الانتساب إلى شخص معين ،ومن الأقوال كلها ،والأفعال بأسرها ) .

وإذا كان الأصل كذلك فإن الأصل براءة الفتاة من الزنى ، ولا يضعف هذا الأصل اكتشاف تمزق بكارتها ؛ لأن هذه ليست أمارة شرعية كما تقدم ، ويجب حمل حالها على هذا الأصل ، ومعاملتها على أساسه ، وأن يؤخذ بقولها ،ما دامت لم تقم على عكس هذا الأصل أية حجة معتبرة في الشرع .

وبناء على ما تقدم فإن حكم رتق البكارة التي لم يعرف الطبيب سبب تمزقها كحكم الحالة التي يعرف أن سبب التمزق فيها راجع إلى حادثة ليست معصية كالسقطة ونحوها .

الخاتمة
نخصص خاتمة هذا البحث لتوضيح طبيعة ما توصلنا إليه من أحكام ، ومدى ارتباطها بالعرف ،وقابليتها للتغير بتغيره ، وللرد على شبهتين قد تثاران حولها أو حول البحث ، وذلك في المطلبين الآتيين :

المطلب الأول

طبيعة تلك الأحكام ومدى قابليتها للتغير

إن المصالح التي تعتبر عملية الرتق مظنة لتحقيقها ، والتي سبقت الإشارة إليها في مطلع هذا البحث ، وكذلك المفاسد التي يمكن أن تنشأ عن إحجام الأطباء عن تلك العملية ، معظم تلك المصالح والمفاسد من حيث احتمال وقوعها مترتب على الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي نشأت في كثير من المجتمعات الإسلامية ، والتي عولت كثيرا على وجود غشاء البكارة ليلة الدخول ، وأعطت لتمزقه أهمية أعظم بكثير مما أعطاه الشرع ، وحجما أكبر من الحجم الشرعي ، واعتبرته دليلا على سبق الوقوع في فاحشة الزنى

ولو أن هذه المجتمعات التزمت الحد الشرعي في هذه المسألة ، ولم تعط تلك الأهمية لتمزق البكارة ، ولم تقبل دليلا على الفاحشة سوى ما نصبه الشرع من الأدلة ولو أنها التزمت الأصول والقواعد الشرعية في مواجهة هذه المسألة ، فحملت أمر الفتاة على أصل براءة الذمة ،وافترضت فيها الصلاح .. أعني لو تغيرت لتك الأعراف والتقاليد إلى ما ذكر ، لما كان رتق غشاء البكارة مظنة لما قدمنا من المصالح ، ولما كان الإحجام عنه مظنة لما يقابلها من المفاسد ؛ إذ عندئذ لن يكون فيه معاني الستر ودفع الظن وتحقيق مبدأ العدالة بين الرجل والمرأة فيما لم يميز الشرع بينهما فيه ، ولا المعاني التربوية التي أشرنا إليها في صدر هذا البحث .

ولا يكون لهذا العمل سوى تلبية رغبة بعض الخطاب الذين يشترطون في الفتاة المخطوبة أن يكون لها عذرة ، وأغلب الظن أن هذه الرغبة سوف تقل إلى مدى بعيد لو أن تلك الأعراف تبدلت إلى الحالة التي ذكرنا ، وهي لا تزيد في أهميتها عن رغبة من يشترط في الفتاة طولا زائد أو بياضا أو سمرة أو صغرا في السن أو كبرا له ، ونحو ذلك . مع أن فريقا من الفقهاء لم يعولوا على مثل هذه الشروط ، وإن اشترطت صراحة ، ولم يروا رد الفتاة بتخلفها .

لو حدث مثل هذا فإن مجرى النقاش سوف يتغير بحيث يصبح حول مدى تحقق وصف الضرورة أو الحاجة المتمثلة في احتمال وقوع مثل ذلك الاشتراط من بعض الخطاب ، والتي تبيح كشف عورة المرأة على الطبيب .

والرأي عندئذ عدم كفاية هذه المصلحة المحتملة لإباحة الكشف عن عورة المرأة أمام الطبيب ،وبخاصة إذا قلنا بالرأي الذي يهمل ذلك الاشتراط ، ولا يعول عليه إلا إذا أصبح الاشتراط ظاهرة اجتماعية متفشية ؛ إذ يكون ذلك بداية العودة إلى التقاليد التي حملتنا إلى القول بتلك الأحكام ، والتي قامت أساسا على نصب تمزق البكارة أمارة على انحراف الفتاة .

المطلب الثاني

شبهتان والرد عليهما

الشبهة الأولى :

قد يقول قائل :

إن ما أسلفت من الدعوة إلى عدم التعويل على تمزق البكارة ، وتغيير الأعراف المبنية على ذلك دعوة إلى التشبه بما عليه المجتمعات الغربية التي غدت لا تكترث بذلك الأمر ، مما أدى إلى الفوضى الجنسية وانتشار فاحشة الزنى .

والجواب عن هذه الشبهة :

أن ما دعوت إليه هو الوضع الصحيح الذي يتفق مع روح الشريعة ، ومقاصدها وقواعدها في هذه المسألة ؛ فإن من قواعدها أن لا يتهم العباد بغير أدلة معتبرة في الشرع ، وأن الأصل فيهم البراءة مما يدينهم ، وأن هذا الأصل لا يغيره إلا ما نصبه الشرع من الحجج ، وأن الفتاة لا يثبت زناها إلا بشهود أو اعتراف أو حبل ، وأن تمزق البكارة لا يدل على ذلك من قريب ولا بعيد ، وأن إلصاق التهمة بها مع غياب تلك الأدلة من سوء الظن المنهي عنه وأن المجتمع الإسلامي مأمور بأن لا يترتب عليه أي أثر وأن انتشار هذا الظن بناء على تلك القرينة الفاسدة عرف اجتماعي فاسد لا ينبغي للمصلحين أن يستسلموا له .

هذا هو الوضع الشرعي لهذه المسألة ، فإذا ترتب عليه التشابه في النظرة إلى الفتاة ذات الغشاء الممزق مع المجتمعات الكافرة لم يكن ذلك مبررا لهجران ذلك الوضع الذي ارتضاه الشارع الحكيم لمجتمع المؤمنين ، واتباع عادات تخالفه أو تصادره ؛ إذ من المعلوم أن النتيجة الواحدة قد يكون لها أكثر من سبب وسبب تلك النظرة في تلك المجتمعات غير سببها في مجتمع الإسلام ، ولا يمت إليه بصلة ؛ فإن سببها عندهم ليس لعدم دلالتها على الزنى ، ولكن لأن الزنى على فرض كونه سببا للتمزق مقبول عندهم ، وقد يكون مستحسنا في بعض مجتمعاتهم .

وأما الفوضى الجنسية وانتشار الزنى في المجتمعات الغربية ، فليس سببه تلك النظرة إلى تمزق غشاء البكارة ، وإنما سببه يرجع إلى عقائد وفلسفات وأخلاق وأفكار وأحكام تناقض عقائد الإسلام وأخلاقه ومبادئه وأحكامه . والوقاية من ذلك الداء والحيلولة دون استيراده سيبلها التزام الإسلام في عقائده وتوجيهاته وتشريعاته ، وليس سبيلها ابتكار عادات جديدة .

الشبهة الثانية :

وقد يورد على ما توصلنا إليه من الأحكام لرتق غشاء البكارة أن الطب لم يكتشف بعد أية فائدة صحية له ، يمكن أن تعتبر حكمة لخلقه في جسد الفتاة . ولم يبق من حكمه إلا أن يقال بأن الله قد خلق هذا الغشاء لتعرف بوجوده عفة الفتاة ، وبغيابه أو تمزقه عدم عفتها . وأنت بما قررت تكون قد أنكرت شطر هذه الحكمة .

الجواب

والجواب ـ حسب ما يغلب على ظني ـ أن الله عز وجل قد خلق هذا الغشاء في الفتاة ليكون شاهدا لها لا عليها ، بمعنى أنه سبحانه قد خلقه ليدل وجوده على براءتها من إتيان الفاحشة الكبرى في مواجهة من يتهمها بها ، وإن كانوا شهودا أربعة عدولا أو أكثر ، وليس ليدل تمزقه أو عدم وجوده على وقوعها في الفاحشة.

وليس هذا من قبيل الحدس والتخمين ، ولكنه يستند إلى أساس فقهي وهو أننا وجدنا الفقهاء متفقين ـ كما تقدم ـ على أن تمزق البكارة لا يعتبر بمجرده دليلا على الزنى ، ثم نظرنا فوجدنا أن جمهور الفقهاء يرون عدم وجوب الحد على فتاة غشاء بكارتها سليم وإن شهد عليها شهود أربعة أو أكثر . ورجحوا دلالة هذه القرينة على دلالة البينة الشرعية .

ومن جهة أخرى فإن عدم اكتشاف فائدة صحية لغشاء البكارة لا يدل على عدم وجود هذه الفائدة في واقع الأمر ، وقد يأتي يوم يدرك فيه بعض المختصين لهذا الغشاء فائدة عضوية أو نفسية .

على أن عجزنا عن إدراك حكمة خلق هذا الغشاء لا يبرر تغيير الحكم الشرعي ، واعتبار تمزقه قرينة على فعل الفاحشة .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-05-2010, 12:42 AM
ابن اسلامي ابن اسلامي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

جزاكم الله خيرا
فإن الله لا يستحيي من الحق
فإن هذه القضية و إن كان المرء يستحي من الكلام فيها أو حتى القراءة عنها
إلا إنها من الحق الذي ينبغي أن يوضح للناس لأن مثل هذه القضايا أصبحت مما قد تعم به البلوى لذا وجب العلم بها و بأحكامها


و جزى الله شيخنا الدكتور / محمد نعيم ياسين خير الجزاء و جعل جنة الفردوس مثواه و جوار المصطفى مأواه و رؤية الرحمن منتهاه
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 09:48 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.