-هدفي أن أعبد الله طبعا !
-لا يا أختي الحبيبة ، لا أريد إجابات إنشائيّة ، حدّدي لي ما هو المشروع الذي تعملين على تحقيقه في هذه الحياة؟
-مشروعي هو أن أكون إنسانة ناجحة في كلّ الميادين...
وحلمي هو حلم كلّ فتاة أن يرزقني الله الزّوج الصّالح الذي يحبّني وأحبّه ، ويُكرمني أيّما إكرام ويكون عونا لي على إنشاء أسرة مسلمة ملتزمة...
-جميلْ...وكيف تنوين أن تصلي إلى صناعة أسرة ملتزمة؟
-لا أدري... سأتعاون مع زوجي على ذلك ،
عندما يرزقني الله الرّجل الصّالح ستتيسّر الأمور وتكون الصّورة أوضح أمامي...
أمّا الآن فأنا أريد أن أستغلّ فترة العزوبيّة في التّمتّع بحرّيتي ، أخرج متى أشاء وأذهب إلى حيث أشاء...
أطرقتُ إطراقة تجدّدت معها الأشجان ثمّ قلت :
-أما حلمت يوما أن تكوني داعية تأخذ بيد أولئك الفتيات البعيدات عن طريق الاستقامة؟أما يؤلمك حالهنّ؟
- مهلا أختاه !
الله تعالى يقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )
لا دخل لي في حياتهنّ ،
عليّ أن أشتغل بإصلاح نفسي ، لست أهلا لدلالتهنّ على الخير، الله هو الهادي ليس لي من الأمر شيء...
- إذن حجّتك في ترك الدّعوة هي عدم تأهّلك لخوض غمارها؟
-أجلْ ، تماما...
- لكن أما ترين أمامك فتيات قد تألّقن في مجال الدّعوة وصارت لهنّ بصماتُ تغييرٍ في مجتمعنا،
حسب رأيك كيف وصلن إلى تلك المنزلة ؟
- ربّما لأنّهم سخّرن من وقتهنّ جزءً كبيرا لطلب العلم وتعلّم أسس الدّعوة ...
-ولم لا تفعلين مثلهنّ؟
-لا وقت لديّ ...
دراستي تأخذ جلّ وقتي ، أريد أن أثبت أنّ الملتزمة ليست أمّيّة ، ليست مجرّد عالة على الرّجل ....
-كم يؤلمني أن تقولي " لاوقت لديّ" وكنتِ قد أخبرتني أنّك تقضين وقت فراغك في النّزه وفضول الكلام مع صديقاتك...
قاطعتني في حالة من الهجوم وقالت :
-أتريدينني أن أبقى بين الكتب طول اليوم؟
الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال : ( وإنّ لنفسك عليك حقّا)
لا أحبّ تلك المعيشة ،
لا أحبّ أن أعيش في الضّغوطات ، أريد أن أكون حرّة !
-حرّة !!! أولست أمة لربّ؟
-بلى ، ولكنّ الله يعلم أنّ طبيعة النّفس البشرّية ميّالة للذّات الدّنيا، وقد أباح لنا المرح، فلم تريدون أن تحرّموا ما أحلّ الله؟
- لست أحرّم ما أحلّ الله، لكنّ الله يحبّ معالي الأمور وأشرافها يكره سفسافها وامتنانه عليك بنعمة الهداية دليل على أنّه يريد بك خيرا غير أنّك بهذه الغفلة تعرّضين النّعمة للزّوال...
أختي الحبيبة قد أمرك الله بالتّفقّه في دينك ، فبصدق أخبريني ما نصيبك من ذلك؟
-أنا أتفقّه في ديني :أحضر الحلقات ، أسمع دروس الدّعاة ، ماذا تريدين أكثر من هذا؟
-لو كنتِ قد أصغيت قلبك إلى تلك المواعظ لما تعلّقت بالدّنيا الدّنيّة ،
لو كنت قد استفدت لكان في فؤادك حرقة لواقع الأمّة ،
ولكنت قد أتيت بما استطعت من جهود لإصلاح الفساد، للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر...
تصمت في محاولة لإعداد جواب تهرب به مرّة أخرى، فأسبقها :
-أختاه، عفوا لكنّي أراكِ قد بعتِ القضيّة التي لابدّ أن تعيش لأجلها كلّ مسلمة صادقة...
لأنّي أحبّك في الله سأصارحك بالحقيقة التي تفرّين منها ،
أنتِ وقريناتك قد آثرتنّ الدّنيا وغرّكنّ متاعهنّ، وخلتنّ الالتزام مجرّد قماش يُلبس وصلوات تؤدّى ومساجد تؤتى فقط ،
وغاب عنكنّ المعنى الحقّ للالتزام الذي هو أسمى من ذلك بكثير...
الالتزام مسؤوليّة معلّقة في رقبتكِ...
إلى الله المشتكى صارت التّفاهة ميزة جمع كبير من اللّواتي يدّعين الالتزام...
خنقني الألم فصمتّ أحدّث نفسي فوجدتها تقول لي:
-أصدقكِ القول يا أختي ، في قرار باطني أشعر أنّي أكذب على نفسي ،
أدرك أنّه يجب عليّ أن أكون قدوة يُحتذى بها ،
لكن ما هو السّبيل ؟
فما أجد في رفيقاتي إلاّ متحدّثة عن خطبة فلانة وزواج علاّنة وثراء ثالثة وتفوّق رابعة...
فأميل بطبعي إلى مشاركتهنّ في تلك المعيشة ، لكنّ ألمي يشتدّ حين أقف بين يدي ربّي فأجد قلبي قد مات ولا أستشعر لذّة العبادة...
-إذن هو اعتراف صادق بالتّفريط في جنب الله؟
-نعم فأنا جدّ مقصّرة...
-كلّنا كذلك يا أختاه ، لكنّي أوقفتكِ اليوم لتحاسبي نفسك لعلّك تغيّرين مسار حياتك
فيخرج من عزيمتكِ نور يضيء لك دربًا لا اعوجاج له يوصلك إلى الفردوس الأعلى...
نزلت على وجنتيها دمعات متتالية، ثمّ رفعت بصرها إليّ لتقول :
-وهل يمكنني أن أكون داعية بعد تلك الغفلة التي سجنتني وبعد أن قيّدتني الدّنيا بشهواتها؟
هل يمكنني أن أكون مثل تلك الفتاة التي أراها دوما مبتسمة قلبها ينبض بالسّعادة فرحا بفضل الله واستبشارا بجزائه؟
هل حقّا يمكنني أن أتغيّر ؟
-أبشري يا أمة الله ، فالله شكور إن يرى صدقكيزدك من فضلهويرفع قدرك ويعوّضك خيرا كثيرا عمّا فاتك...
وهذه مقتطفات من رسالة كتبتها يوما لأخت لي في الله و هي توأم روحي أضعها بين يديك
وأمضي داعية الله أن يغفر الله لي ولك وأن يستعملنا جميعا في نصرته ...