انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-20-2010, 12:20 PM
دنيا السلام دنيا السلام غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي فاعل الشرك جهلا ليس من المسلمين

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 59]، والصلاة والسلام على القائل: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) [متفق عليه]، أما بعد:

فقد قال الله تعالى في أم الكتاب: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
قال العماد ابن كثير رحمه الله: "غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق".اهـ

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "(المغضوب عليهم) الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم، (الضالين) الذين تركوا الحق عن جهل وضلال كالنصارى ونحوهم".اهـ
وقال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 13].

قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله: "هذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعته لهم ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجهال في أديانهم الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم من الشك والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته وفيما جاء به من عند الله وأمر البعث لإساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك وهم يحسبون أنهم إليها يحسنون وذلك هو عين السفه لأن السفيه إنما يفسد من حيث يرى أنه يصلح ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ فكذلك المنافق: يعصي ربه من حيث يرى أنه يطيعه ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يحسن إليها كما وصفهم به ربنا جل ذكره فقال: (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) وقال: (ألا إنهم هم السفهاء) دون المؤمنين المصدقين بالله وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه: (ولكن لا يعلمون)، وكذلك كان ابن عباس يتأول هذه الآية".اهـ

وقال الله تعالى: (قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ) [المائدة: 104 ].

قال العماد ابن كثير رحمه الله: "(أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا) أي لا يفهمون حقا ولا يعرفونه ولا يهتدون إليه فكيف يتبعونهم والحالة هذه لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا".اهـ

وقال الله تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 97].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "(لـ)ما ذكر جل وعز أحوال المنافقين بالمدينة ذكر من كان خارجاً منها ونائياً عنها من الأعراب؛ فقال كفرهم أشد. قال قتادة: لأنهم أبعد عن معرفة السنن.. ولذلك قال الله تعالى في حقهم: (وأجدر) أي وأخلق. (ألا يعلموا حدود ما أنزل الله) أي فرائض الشرع. وقيل: حجج الله في الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم".اهـ

وقال الله تعالى: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يونس: 68].

قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله: "(إن عندكم من سلطان بهذا) يقول: ما عندكم أيها القوم بما تقولون وتدعون من أن الملائكة بنات الله من حجة تحتجون بها -وهي السلطان- أتقولون على الله قولاً لا تعلمون حقيقته وصحته وتضيفون إليه ما لا يجوز إضافته إليه جهلا منكم بما تقولون بغير حجة ولا برهان".اهـ

وقال الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) [الكهف: 103-105].
قال الإمام ابن منده رحمه الله في كتابه التوحيد 1/314: باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند، ثم قال: قال الله تعالى مخبرا عن ضلالتهم ومعاندتهم: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).

ثم نقل أثر علي بن أبي طالب لما سُئل عن الأخسرين أعمالا فقال: كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

ثم ذكر أثر سلمان الفارسي رضى الله عنه لما ذكر للرسول حال النصارى قبل البعثة أنهم كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هم من أهل النار.اهـ

وقال العماد ابن كثير رحمه الله: "وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطىء وعمله مردود كما قال تعالى: (وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية) وقال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) وقال تعالى: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا)".اهـ

وقال الله تعالى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الزمر: 64-66].
قال الشيخ محمد سالم المجلسي فك الله أسره: "فصرف العبادة أو بعضها لغير الله هو الشرك بعينه، والأمر بذلك شرك، ومع ذلك وصف هؤلاء الجاهلون بالمشركين، ولم يُعذروا بجهلهم، وهذا من أقوى الأدلة في المسألة حيث ذكر الله حبوط العمل بالشرك الذي أمر به أولئك الجاهلون".اهـ [الرد السهل على أهل العذر بالجهل ص4].

وقال الله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح: 23].

أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ، يقول ابن عباس: "حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم عُبدت".اهـ

وقال الله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة:1].
قال العماد ابن كثير رحمه الله: "أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم وقال مجاهد: لم يكونوا (منفكين) يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق، وهكذا قال قتادة (حتى تأتيهم البينة) أي هذا القرآن،[1] ولهذا قال تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) ثم فسر البينة بقوله: (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن العظيم".اهـ

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [أخرجه البخاري].

وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (طريق الهجرتين) في سياق ذكره لمراتب المكلفين (الطبقة السابعة عشر) وهم: "طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين معهم تبعا لهم يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على أسوة بهم.."

قال: "وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة) أخرجه مسلم في (كتاب الإيمان) حديث (178)، وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف، لا يخرج عن الإسلام أو الكفر.."
إلى قوله: "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله وإتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل.

فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا..".اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "واسم الشرك يثبت قبل الرسالة لأنه يعدل بربه ويشرك به". اهـ [مجموع الفتاوى 20/38 – 37].

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر؛ فإني أذكر أنه قد جمعني مجلس حوار منذ بضع سنين، فكان مما استدل واحتج به علي، قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 112].

الرد على ذلك بإيجاز واختصار، فأقول –وبالله التوفيق-:
الوجه الأول: جاءت القراءة (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ ) بالتاء وفتح الباء، قرأ بها علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وعائشة بنت أبي بكر، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والكسائي وغيرهم، فتُحمل عليها القراءة الأخرى..

قال الإمام الطبري رحمه الله: "قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: (هل تستطيع) بالتاء (ربَّك) بالنصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك، وهل تستطيع أن تدعو ربك؟ أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكين أن الله تعالى ذكره قادر أن ينزل عليهم ذلك، وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟".اهـ [جامع البيان 4/3113].

وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "قراءة الكسائي وعلي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: (هل تستطيعُ) بالتاء (ربكَ) بالنصب".اهـ [الجامع في أحكام القرآن 8/284].

عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: كان الحواريون لا يشكون أن الله قادر أن ينزل عليهم مائدة، ولكن قالوا: يا عيسى هل تستطيع ربك؟".اهـ [أخرجه ابن جرير في تفسيره 4/3113، وانظر تفسير ابن أبي حاتم 4/1243، والنكت والعيون للماوردي 2/82، ومعالم التنزيل للبغوي 2/323].

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: "أقرأَنا النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تَستطيعُ ربَّكَ) قال معاذ: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم مراراً يقرأ بالتاء: (هل تستطيع ربك)".اهـ [أخرجه بنحوه الترمذي (2930)، والحاكم 2/238، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 8/286].

وعن سعيد بن جبير أنه قرأها كذلك: (هل تستطيعُ ربك) وقال: تستطيع أن تسأل ربك؟ وقال: ألا ترى أنهم مؤمنون؟ [أخرجه ابن جرير في تفسيره 4/3113، وذكره ابن حبان في الثقات 6/223، والسيوطي في الدر 3/231، وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردوية، وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز 2/259، والقرطبي في تفسيره 6/365].

وقال الفراء: "معناه: هل تقدر أن تسأل ربك".اهـ [زاد المسير 2/277].
وقال الزجاج: "المعنى: هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله".اهـ [معاني القرآن للزجاج 2/220، والنكت والعيون 2/82، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 8/286].

وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "وقيل: هل تستطيع أن تدعو ربك أو تسأله، والمعنى متقارب، ولا بدَّ من محذوف، كما قال: (وسئل القرية) [يوسف: 82]..".اهـ [الجامع لأحكام القرآن 8/286].

قلت: وهذا الذي يظهر لي في مثل أولئك الحواريين رضي الله عنهم، فإن قال قائل: لماذا استُعظم قولهم إذن؟! فيُقال: لأن ذلك منهم كان مسألة آية، والآية يسألها الأنبياء من كان بها مكذباً أو شاكاً أو نحوه، وهم ليسوا كذلك.. كما كانت مسألة قريش نبينا صلى الله عليه وسلم أن يحول لهم الصفا ذهباً، ويفجر فجاج مكة أنهاراً، وكما كانت مسألة صالح الناقة من قومه، ومسألة شعيب أن يسقط
كِسفاً من السماء ممن أرسل إليهم..إلخ

وقال العماد ابن كثير رحمه الله: "وذكر بعضهم أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم، فسألوا أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها، ويتقوون بها على العبادة. قال: (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين)، أي: أجابهم المسيح –عليه السلام- قائلاً لهم: اتقوا الله، ولا تسألوا هذا، فعساه أن يكون فتنةً لكم! وتوكّلوا على الله في طلب الرزقِ إن كنتم مؤمنين. (قالوا نريد أن نأكل منها) أي: نحن محتاجون إلى الأكل منها، (وتطمئن قلوبنا) إذا شاهدنا نُزُولها رِزقاً لنا من السماء (ونعلم أن قد صدقتنا) أي: ونزداد إيماناً بك وعلماً برسالتك، (ونكون عليها من الشاهدين) أي: ونشهد أنها آية من عند الله، ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به".اهـ [تفسير القرآن العظيم 2/150-151].

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الخير أنه قال: "لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة، كره ذلك جداً وقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السماء، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية، فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها..".اهـ
وعلى قراءة: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)، بالياء، نقول:

الوجه الثاني: قال السدي: "المعنى هل يُطيعُكَ ربُّك إن سألته أن يُنزل".اهـ [أخرجه الطبري 9/121]. قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فيستطيع بمعنى يُطيع، كما قالوا: استجاب بمعنى أجاب، وكذلك استطاع بمعنى أطاع".اهـ [الجامع في أحكام القرآن 8/284، وانظر تفسير البغوي 277].

وقال الإمام الماوردي رحمه الله: "معناه هل يستجيب لك ربك ويطعيك".اهـ [النكت والعيون 2/82].

وقال الإمام ابن الأنباري رحمه الله: "لا يجوز لأحدٍ أن يتوهم أن الحواريين شكوا في قدرة الله، وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي، وهو يعلم أنه مستطيع..".اهـ [زاد المسير 2/277].

وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "إن القوم لم يشكوا في استطاعة الباري سبحانه؛ لأنهم كانوا مؤمنين عارفين عالمين، وإنما هو كقولك للرجل: هل يستطيع فلان أن يأتي. وقد علمت أنه يستطيع فالمعنى: هل يفعل ذلك وهل يجبني على ذلك أم لا؟ وقد كانوا عالمين باستطاعة الله تعالى لذلك ولغيره عِلم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (رب أرني كيف تحيي الموتى) [البقرة: 260] على ما تقدم، وقد كان إبراهيم عَلِمَ ذلك علم خبر ونظر، ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريبٌ ولا شبهةٌ؛ لأن عِلم النظر والخبر قد تدخله الشبهةُ والاعتراضات، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك؛ ولذلك قال الحواريون: (وتطمئن قلوبنا) كما قال إبراهيم: (ولكن ليطمئن قلبي) [البقرة: 260].

قلت: هذا تأويل حسن.. قال ابن الحصار: وقوله سبحانه مخبرا عن الحواريين لعيسى: (هل يستطيع ربك) ليس بشك في الاستطاعة، وإنما هو تلطف في السؤال وأدب مع الله تعالى إذ ليس كل ممكن سبق في علمه وقوعه ولا لكل أحد، والحواريون هم كانوا خيرة من آمن بعيسى فكيف يظن بهم الجهل باقتدار الله تعالى على كل شيء ممكن".اهـ [الجامع في أحكام القرآن 8/285].

الوجه الثالث: لو سلمنا أنهم شكوا في سعة قدرة الله، فإن هذا الأمر يندرج تحت باب الأسماء والصفات التي لا تُعلم تفاصيلها وجزئياتها إلا بالحجة الرسالية، لذلك ورد عن بعض السلف التوسع في العذر في هذا الباب، ولقد كانوا حدثاء عهد بإسلام لذلك عذروا بجهلهم في هذه المسألة، وبين لهم نبيهم.. قال الله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ * إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ) [المائدة: 111-112].

قال الإمام الماوردي رحمه الله: "كان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام إيمانهم".اهـ [النكت والعيون 2/82].
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "..أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إيمانهم ومعرفتهم".اهـ زاد المسير 2/276].
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "وقيل المعنى: هل يقدر ربك، وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله عز وجل؛ ولهذا قال عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز: (اتقوا اللهَ إن كنتم مؤمنين) أي: لا تشكوا في قدرة الله تعالى".اهـ [الجامع لأحكام القرآن 8/284].

قال الإمام ابن حزم رحمه الله عن حديث العهد بالإسلام: "ولا خلاف في أن امرءا لو أسلم- ولم يعلم شرائع الإسلام- فاعتقد أن الخمر حلال، وأن ليس على الإنسان صلاة، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافرا بلا خلاف يعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر".اهـ[3]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة". اهـ [مجموع الفتاوى 3/147-148].

وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف".اهـ [الرسائل الشخصية ص244]
الوجه الرابع: إن من العلماء من قال بتكفيرهم بذلك القول، فاستتابهم نبيهم: (اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة: 112]، ثم تابوا واتقوا كما في قوله تعالى: (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ..) [الصف: 14].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "فبين إذ كان ذلك كذلك أن الله تعالى ذكره قد كره منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قيلهم ذلك والإقرار لله بالقدرة على كل شيء وتصديق رسوله فيما أخبرهم عن ربهم من الأخبار، وقد قال عيسى لهم عند قيلهم ذلك له استعظاما منه لما قالوا: (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) ففي استتابة الله إياهم ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم عند قيلهم ما قالوا من ذلك واستعظام نبي الله صلى الله عليه وسلم كلمتهم الدلالة الكافية من غيرها على صحة القراءة في ذلك بالياء ورفع الرب".اهـ

إلى أن قال: "قد أنبأ هذا من قيلهم أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدقهم ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوته فلا بيان أبين من هذا الكلام في أن القوم كانوا قد خالط قلوبهم مرض وشك في دينهم وتصديق رسولهم وأنهم سألوا ما سألوا من ذلك اختبارا".اهـ [جامع البيان 4/3114].
، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

وكتب: أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-27-2010, 01:48 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

أحسن الله إليكِ
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ليس, من, المسلمين, الشرك, جهلا, فاعل


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:36 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.