انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 10-23-2010, 09:07 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس الثامن
تكملة شرح مقدمة الكتاب

.. ولا عند خوفٍ إلا أزاله ، ولا عند كربٍ إلا كشـفه ...

إن ذكر الله يُزيل كل خوف ، ويُذهب كل كرب ، وذلك لما يبعث عليه من اليقين والثقة ، فالقلب الواجف إذا ذُكر الله إطمئن وهَدَأ وسَكَن . قال تعالى { ألا بذكر الله تطمئن القلوب }

ولا عند كرب إلا كشفه لأنه يورث فى القلب الأمل وعدم القنوط ، وهنا علاقة بين الكرب والكشف وكأن الكرب غطاء يُغطى عن صاحبه النفع فيكشفه الله ويرفع عنه هذا الغطاء فيذهب الضر ويجلب النفع .
.. ولا عند همٍ وغمٍ إلا فرَّجـه ...

والهم والغم هو ما يُصيب الإنسان من ألم ، لكن الهم نتيجة ترقب وقوع مصيبة ، والغم عند التلبُس بها أو عند وقوعها . فالهم هو الخوف والألم مما سيأتى ، والغم هو الشدة من شدائد الدهر وهو الضيق وعدم الإهتداء الى المخرج ، والغم هو الحزن أى الألم على ما فات وما هو كائن ، ومنه قوله تعالى { إنما أشكو بثى وحزنى الى الله } يوسف 86 ، وقوله { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } آل عمران 153 ، وقوله { الحمد لله الذى أذهب عنا الحَزَن } فاطر 34 ، وقوله { ولا تحزنوا } آل عمران 139 ،وقوله { ولا تحزن } العنكبوت 33 ، وليس ذلك بنهىٍ عن تحصيل الحزن : فالحزن ليس يحصل بالإختيار ولكن النهى فى الحقيقة إنما هو عن تعاطى ما يُورث الحُزن وإكتسابه ، وأيضاً يجب للإنسان أن يتصور ما عليه جُبلت الدنيا حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها ، ويجب عليه أن يروض نفسه على تحمل صغار النوب حتى يتوصل بها الى تحمل كبارها . ( المفردات للأصفهانى ) .

.. ولا عند ضيـق إلا وسّـعه ...

والضيق هو مايستشعر المرء معه عدم كفاية حاجته سواء فى طعام أو شراب أو مال أو أى شئ آخر ، فهو ليس شئ ثابت بل هو أمر نسبى يتفاوت فيه كل شخص . والضيق ليس له علاقة بالطمع لأن الإنسان لا يرضى بما يكفيه ولا يكون عنده ضيق ولكن ذلك من طمع نفسه فهو الذى يضيق على نفسه ، فهو لا يعترف بنعمة الله وفضله .

.. ولا تعلق به ضعيف إلا أفـاده القـوة ..

وهنا سؤال : هل التعلق بالإسم أم بالمسمى ؟
وهذه قضية بين الأشاعرة وأهل السنة ، والحقيقة أن التعلُق بالإسم والمسمى واحد مادام فى حق الله تعالى وإن كان فى حق غيره ينفصلان ، لأن أسماء الله وصفاته لا تنفك عن الله ويُقصد بها ذات الله وصفاته وأسمائه من حيث الحقيقة .
تجد أن الإنسان الضعيف الذى تقطعت به الأسباب ولكنه إعتمد على الله وتعلق به بقلبه فتجده أقوى فى ظاهره وباطنه ممن يملك الأسباب ولا يتعلق بالله ، فهذه القوة العظيمة مصدرها الإعتصام بالله سبحانه وتعالى ، ومن أبلغ الأمثلة على ذلك قصة يوسف عليه السلام لمّا رماه إخوته فى الجُب كان لا يملك شيئاً حتى قميصه لم يكن معه ، ورغم تقطع أسباب الحياة والنجاة إلا أن قلبه معلق بالله عز وجل فنجّـاه ربه ومكّـنه فى خزائن الأرض فمن بعد المحنة جاءت المنحة ..
.. ولا ذليـل إلا أنـاله العـزة ..
فمن ابتغى العزة من غير الله أذله الله ، فالعزة لا تكون إلا لله وحده من تعلق به أناله العزة ..

.. ولا فقيـراً إلا أصـاره غنيـاً ..

سؤال : ما الفرق بين الغنى وذا المال ؟
الإجابة : صاحب المال : من يملك الأسباب المادية ( مُلك – سلطان – مال - ...إلخ )
والغنى: هو من إستشعر كفايته بالله وإن كان لا يملك شيئاً ، والغنى الأعظم هو العلم لأنه يصحبك فى الآخرة .

.. ولا مستوحـش إلا آنســه ..

والإنسان يستشعر الوحشة إما لأنه وحيد وإما لأنه قليل ، وقد تكون الوحدة فتنة ، لذلك إذا رأيت أنك فى الطريق وحيد وأنه لا سائر معك يؤنس وحشتك وإنك بمفردك أينما حللت : فتذكّر الله وفضل الله فتشعر أن معك أنيس ، فإن فقدت الأُنس بالناس فلا تفقد أُنسك بالله ولا تطلب الأُنس إلا بالله .

.. ولا مغلوب إلا أيّـده ونصـره ..

والمغلوب هو من علا عليه أمره فمُنِعَ من فِعْل ما يُريد ن وأعلم أن الله ينصر من ينصره ، ونُصرة الله لا تكون بالأعمال فقط بقدر ما تكون بالقلوب ، وأعظم نُصرة لله هى إنزال الله المنزلة التى تليق به أى حُسن المعتقد ، فقد يكون إنسان آمراً بالمعروف ناهٍ عن المنكر لكنه ينفِ أسماء الله وصفاته ، فهذا لم ينصر الله ، قال تعالى { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }

.. ولا مضطـر إلا كشـف ضـره ..

المضطـر : هو الذى ضُيِّق عليه ، وقيل هو الذى يُحمل على أمر يكرهه كأن يفعل منقاداً أو يؤخذ قهراً ، والضر هو ما أضره ، وقيل هو سوء الحال إما فى نفسه لقلة العلم والفضل والعفة ، وإما فى بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإما فى حاله ظاهره من قلة مال وجاه ، وقيل ضره ضراً : جلب إليه ضراً ، كشف ضره : أى رفع ما يمنع وصول النفع والنعماء إليه ويمنع جلب الضراء له ..

.. ولا شريد إلا آواه ...

الشريد : هو من لا مأوى له ، واصل التشريد التطريد ، وهذا يجعل العبد متعلق بربه يعلم أن لا مأوى له إلا الله وأن هذا هو كل الخير له .

..فهو الإسم الذى تُكشـف به الكُربات ..

وقد عرفنا أن الكرب كأنه غطاء يمنع عن صاحبه النفع فيُزيله الله ويرفعه فيصل النفع الى العبد .
ومعنى الكشف : رفعك شيئاً عمّأ يواريه ويُغطيه ( قول الليث ) كأن يقال : كشف الثوب عن وجهه أو كشفت الغمة ، قال تعالى { وإن يمسسك الله بضُرٍ فلا كاشف له إلا هو } الأنعام 17 ، وقوله تعالى { فيكشف ما تدعون إليه } الأنعام 41 ، ومثل قوله تعالى { لقد كنت فى غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك } ق 22 ، وقيل : أصله من قامت الحرب على ساق أى ظهرت الشدة لقوله { يوم يُكشف عن ساقٍ } القلم 42 .
الكربات : جمع كُربة ، وهى ما يلم بالعبد مما يكرهه ، وهى الغم الذى يأخذ بالنفس ، وقوله : هو الإسم الذى تُكشف به الكُربات : ذكر الإسم هنا ليس معناه ذكر الإسم مجرد ولكن ذكر الذكر الذى يتعلق بالإسم وما جاء به الشرع فى ذلك ، ولقد جعل الله لكل أمر دعاء ، وما جعله أيضاً من ألفاظ شرعية فيها الخير والبركة والعطاء : فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب [ لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ] رواه البخارى ومسلم .

.. وتُسـتنزل به البركـات ..

النزول فى الأصل هو إنحطاط من عُلُو ، والسين إذا دخلت على الفعل المضارع تفيد القُرب ، وإذا دخلت على الفعل الماضى تفيد الطلب ، فإسم الله يجعل البركة تثبت وتحل فيما ذُكر عليه .
والبركات : جمع بركة ، والبركة : ثبوت الخير الإلهى فى الشئ ، قال تعالى { لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض } الأعراف 96 ، وسُمى بهذا لثبوت الخير فيه ثبوت الماء فى البِركة .
والمبارك ما فيه ذلك الخير قال تعالى { وهذا ذكرٌ مبارك أنزلناه } الأنبياء 50 تنبيهاً على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية ،ولما كان الخير الإلهى يصدر من حيث لا يُحس وعلى وجه لا يُحصى ولا يُحصر قيل لكل ما يُشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة .

.. وتُجاب به الدعـوات ..

من أفضل أبواب التوسل الى الله : التوسل إليه بأسمائه وصفاته مثل أن تقول : اللهم لا إله إلا أنت أسألك يا سميع يا سامعاً لكل شكوى أن تُفرّج كربى وتغفر لى ذنبى .. إلى غير ذلك ..
ألم تر قول النبى لمّا سمع رجلاً يدعو فقال : " لقد دعا باسمه الأعظم الذى إذا دُعى به أجاب "

.. وتُقـال بـه العـثرات ..

الإقـالة : هى الإزالة ، تقول : أقلت عثرته أى أزلت عثرته ، والإقالة هى الرفع وهى الحجب وكلها معانى قريبة ، والعثرات : هى ما يتعثر بها السائر وتعوقه عن المضى فى سيره أو إستكمال مسيرته ، والعثرات جمع عثرة وهى كل ما يعوق أو يحول بين السائر وطريقه ، فالإعاقة تسمى عثرة ، وقيل تعثّـر إذا سقط أو عاقه شيئاً ، والعثرة قد تكون معنوية أو مادية ، فقد لا يستطيع العبد أن يتحدث بفصاحة أو إقناع ، دليل ذلك { وأحلل عقدةً من لسانى يفقهوا قولى } طه 27-28 فهذه عثرة أعاقت موسى عليه السلام من التحدث ، وقد تكون حجر فى الطريق يمنع دون وصولك أو إستكمال طريقك ، وقد تكون العثرة فتنة فى الدين أو مصيبة فى الدنيا – عافانى الله وإياكم من هذا وذاك .

.. وتُسـتدفع بـه السـيئات ..


فإن السيئة كالقطار يريد أن يُهلكك ويدهسك إن وقفت فى طريقه ، وكالحجر الجاثم على صدرك فتحاول أن تدفعه عنك حتى لا يقضى عليك ، والسيئة لا تُدفع إلا بالحسنة ، وقد يُهدى إليك حسنة تكون سبباً فى نجاتك ، فمن الذى دفع عنك السيئة ووفقك الى الحسنة ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذى وفقك للحسنة وقَبِلَها منك ودفع بها السيئة عنك ، قال تعالى { أقم الصلاة طرفى النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات } هود 114
سؤال : ما الفرق بين دفع السيئة ومحو السيئة والمغفرة ؟
[ قال بعض العلماء : إن محو الذنوب والسيئات يُسمى عفو ، والعفو أبلغ من الغفران لأن المغفرة ستر الذنوب والعفو محو وإحسان وذلك من فضل الله ورحمته . وقال الغزالى : العفو قريب من الغفور ولكنه أبلغ منه فإن الغفران يُنبئ عن الستر والعفو يُنبئ عن المحو ، والمحو أبلغ من الستر ]
الإجابة : الدفع أى المزاحمة أو الإنهاء أو الصرف أو الرد ، ودفعه أى نحاه وأزاله بقوة ، هذا لغةً .
والدفع شرعاً : الإتيان بحسنة بحيث تربو فى الميزان أمام السيئة كما فى قولخه تعالى { إدفع بالتى هى أحسن السيئة } المؤمنون 96 ، وأحسن الحسن ذكر الله ، فإن كنت صادق وذكرت الله ليس بلسانك فحسب ولكن بقلبك وجارحتك لدفع الله عنك هذه السيئة .
والدفع هو جبر النقص أو معادلة الميزان وزيادة حتى تربو كفة الحسنات ، فالسيئة موجودة لكن الحسنة زادت عليها وثقل بها الميزان .
المحو: هو الإزالة بحيث لا يبقى أثر وكانك أتيت بورقة بيضاء وخططت بها خطوطاً ثم أتيت بممحاة وأزلت بها الخطوط فلم يبقى لها أثر وعادت الورقة بيضاء ، ويوضح هذا الحديث : " إن الله ليبتلى العبد حتى يمشى على الأرض وما عليه خطيئة " فهذا معناه أن سيئاته قد مُحيت ، وهذا قد يكون بالإبتلاء ، فالبلاء محو للخطايا وذلك مع الصبر.
المغفرة : لغةً : أصلها من غفر والغَفْرُ إلباس ما يصونه عن الدنس ومنه اغْفِر ثوبك فى الوعاء وأصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ ، وقيل : اغفروا هذا الأمر بغفرته أى : استروه بما يجب أن يستر به ( ملحوظة : يُقال للزارع كافر لأنه يستر الحبة ويُغطيها بالتراب فالغَفْر هو الستر والكَفْر ) والغِفارة : خِرقة تستر الخمار أن يمسه دُهن الرأس ، والغفران والمغفرة شرعاً : هو أن يصون الله العبد من أن يمسه العذاب ، قال تعالى { غفرانك ربنا } البقرة 285 ، وقوله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله } آل عمران 135 ، والإستغفار : طلب ذلك بالمقال والفِعال قال تعالى { إستغفروا ربكم إنه كان غفّاراً } نوح 10 ،
إذن فالمعصية موجودة وليس لها دافع يستدفعها ، ولم تُمح وزال أثرها ببلاء مثلاً أصاب العبد فى دنياه وصبر لكن هناك أمر ما له عند الله قد يكون توحيد أو إيمان أو موقف ما فيكون هذا سبباً لنيل مغفرة الله سبحانه وتعالى .
فالمغفرة هى وجود ذنب فعله العبد لكن لم يؤثر عليه هذا الذنب لأن الله حجب أثره فأصبحت رحمة الله حامية من أثر هذا الذنب ، فأصل المغفرة من المغفر الذى هو غطاء الرأس الذى يلبسه المقاتل ليحمى رأسه من أذى الحرب ، فكانت المغفرة هى حماية الله للعبد من أثر الذنوب ولكن المعصية أو الذنب نفسه موجود وذلك للحديث فى البخارى : إن الله يكتنف أحد عباده فيقول : أتذكر ذنب كذا يوم كذا ؟ فيقول : نعم يارب ، ويعد عليه ذنوبه فلا يُنكر منها شئ ، ثم يقول الله له : إنى قد غفرتها لك بصيام يوم قائظ شديد الحر ، فيكون ذلك سبباً لمغفرة الله له ، وهذا بالطبع لا يكون إلا للموحدين لأن الله عز وجل لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فالمشرك لا يدخل الجنة ولا يُغفر له وإن صام وصلى ، فلابد من وجود الأصول والثوابت لنيل مغفرة الله عز وجل .
ومن جهة أيهم أفضل : فالمحو هو الأفضل لأن الله لا يُعطيه إلا لأهل محبته ، فالله يبتلى المرء على قدر دينه ، فإن وجد فى دينه صلابة زيد له فى البلاء حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة وهؤلاء هم الصابرون الذين يُوفون أُجورهم بغير حساب ، فإذا جاءك البلاء فاعلم أن باباً للجنة قد فُتح لك فلا تُغلقه أنت بعدم الصبر والسخط ولأن الذى قدّر البلاء هو رب العالمين فأصبر لتكون من أهل الجنة .
لكن إعلم .. أن الذى غفر له ذنبه فى الجنة والذى مُحيت يسئاته فى الجنة والمدفوع سيئاته فى الجنة لكن الجنة درجات كما أن النار دركات ..
وأعلم أنك مطالب بأن تدفع وأن تصبر ومطالب بأن تطلب أسباب المغفرة لأنك قد تفعل ما يدفع ولا يدفع ، ويمكن أن تُبتلى فلا تصبر ، فالرجاء أن يمن الله عليك بالمغفرة ،وهذا سر كثرة ذكر المغفرة فى القرآن لأن الجميع يقع تحتها ، أما الدفع والمحو لا يبلغه إلا البعض .
قال العلماء : إن حظ العبد من إسم ربه الغفار أن الله يغفر لذاكره ويستر قبيح أعماله ويغطيها بجميل ظاهره .

.. وتُسـتجلب به الحسـنات ..

فهى المقابل لدفع السيئات ، ولابد أن تعلم أن :
1) لا يهدى الى البر إلا الله
2) لا يُعين على أدائه إلا الله
3) لايقبله منك إلا الله
4) لا يُثبتك عليه الى الممات إلا الله

وهو الإسم الذى قامت به الأرض والسموات ..

نعم ذلك لأنه قيوم السموات والأرض سبحانه وتعالى ، وهنا لما قال الإسم الذى قامت به : ذلك لأن الإسم والمسمى فى حق الله واحد وإن تصور عدم إتحادهم فى شأن غيره ، فالإسم علامة على ذات الله لا يتصور إنفصالهما ولا يُتصور أن يُراد إلا هو ، بينما فى حق المخلوق : من المتصور إنفصالهما فإنك إذا قلت أحمد : هذا إسم عَلَم لكن ليس بالضرورة أن يدل على مُعين بذاته بل من المتصور أن يدل على أكثر من مُعين ، وقد يُتصور إنفصال الإسم كلفظ لغوى ، وقد يكون لا مدلول له كأن تقول على شخص إسمه كريم ولا يكون هذا الإسم له مدلول حقيقى أو يدل على مسماه فقد يكون غير كريم ، وقد يُقال لشخص عبد الله وهو أكفر عباد الله ، لكن فى حق الله سبحانه وتعالى الإسم هو عين المسمى وهو ذات الله ، ولذلك لما نقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فلا يُفهم من ذلك أنه ثلاثة – نعوذ بالله من ذلك – لكن كل هذه الأسماء والصفات واحد ، وتعدد الصفات لا يقتضى تعدد الموصوف ولو كانت مئات وألوف الأسماء ، ولما نقول ربوبية وألوهية : ليس معنى ذلك أن هناك رب وهناك إله غيره ، لكن الرب والإله والأسماء والصفات كلها فى حق الله هى الله وحده .
وكذلك لما نقول هو الإسم الذى قامت به الأرض والسموات فلا يعنى هذا أنه الحروف والكلمات لكن قامت بالله جل فى عُـلاه ..

.. وبه أُنـزلت الكـتب ...

الإنزال من أعلى لأسفل ، والإنزال من الله إما إنزال الشئ نفسه كالقرآن ، وإما إنزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس والمطر ، قال تعالى { الله الذى أنزل الكتاب } الشورى 17 ، وقوله { وأنزلنا الحديد } الحديد 25 ، وقوله { وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً } الفرقان 48 .
والكتب جمع كتاب ، والكتاب فى الأصل مصدر ، ثم سمى المكتوب فيه كتاباً
والكتاب إسم للصحيفة مع المكتوب فيه ، قال تعالى { يسألك أهل الكتاب أن تُنزلّل عليهم كتاباً من السماء } النساء 153 ، فإنه يعنى صحيفة فيها كتابة ، والكَتْبُ : ضم أديم الى أديم بالخياطة ، يُقال : كَتَبْتُ السّـقَاء ، وكتبت البَغْلَة : جمعت بين شفريها بحلقة ، وفى التعارف : ضم الحروف بعضها الى بعض بالخط . وقد يُقال ذلك للمضموم بعضها الى بعض باللفظ ، فالأصل فى الكتابة النظم بالخط لكن يُستعار كل واحد للآخر ولهذا سُمى كلام الله ( كتاب ) وإن لم يكتب كتاباً كقوله تعالى { ألـ~ـم~ ذلك الكتاب } البقرة 1-2 ، وقوله تعالى {قال إنى عبد الله أتانىَ الكتاب } مريم 30 ، وسُمى جماعة من الرجال العسكر ( كتيبة ) لأنهم إجتمعوا بعضهم الى بعض ، ولذلك سُمى المكتوب كتاباً لضم الكلمات بعضها الى بعض .

.. وبه أُرسـلت الرسـل ..

الرسل جمع رسول ، ورسل الله تارةً يُراد بها الملائكة وتارةً يُراد بها الأنبياء لقوله تعالى { إنه لقول رسولٍ كريم } الحاقة 40 ، وقوله { إنّا رُسُل ربك لن يصلوا إليك } هود 81 ، وقوله { ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبُشرى } هود 69 .. أما عن الأنبياء قوله تعالى { وما محمد إلا رسول } آل عمران 144 ، وقوله تعالى { يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك } المائدة 67 ..
والرسول هو الذى يُبلّغ من الأعلى الى الأدنى أو يُبلّغ من الند الى الند ..
أما من يُبلّغ من الأدنى الى الأعلى يُسمى شفيعاً أو وسيطاً ..
والرسل أصلها الرِّسْـل : الإنبعاث على التؤدة ، ويُقال ناقة رِسْـلَة سهلة السير ومنه الرسول المنبعث ، وتُصُـوِّر منه الرفق فقيل : على رسلك ، وتارة الإنبعاث وهو الذى اشتق منه الرسول ، والرسول يُقال تارةً للقول المتحمل وتارةً لمتحمل القول والرسالة . والرسول شرعاً هو الذى جاء مُبلّـغاً عن ربه .
سؤال : ما الفرق بين الرسول والنبى ؟
الإجابة : الرسول معه رسالة ، والنبى ليس معه رسالة وإنما يأمر بما كان فىالناس من رسالة ويؤكد ويُبين رسالة من سبقه من الرسل ، وقال البعض : أن النبى والرسول قد يكون مع كلاهما رسالة لكن الرسول أُمر بالبلاغ والنشر والنبى لم يؤمر بالبلاغ والنشر إنما يُبلِّغ من أتاه ولا يخرج ولا ينشر ..

.. وبه شُـرعت الشـرائع ...

به : أى بسم الله
الشرائع : جمع شريعة وشرع ، وشُرعت بمعنى أُقيمت علامات ، والشَّرْع : نَـهْـجْ الطريق الواضح ، يُقال : شَرعتُ له طريقاً ، والشرع مصدر ثم جُعل إسماً للطريق النَّـهج فقيل له : شِرْعٌ وشَـرْع وشَـريعة ، وأستُعير ذلك للطريقة الإلهية ، قال تعالى { شِرعةً ومنهاجاً } المائدة 48 وذلك إشارة الى أمرين :
(1) ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود الى مصالح العباد وعمارة البلاد { ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضهُم بَعضاً سُخرياً } الزخرف 32 .
(2) ما قيل له من الدين وأمره به ليتحراه إختياراً مما تختلف فيه الشرائع وعترضه النسخ { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } الجاثية 18 .. قال ابن عباس : الشَّـرعة ما ورد به القرآن والمنهاج ما ورد به السنة . أ.هـ.
والشرائع هى منارات على الطريق ، ومنها شراع القارب .

وبه قامت الحـدود ..

وليس المقصود بالحدود هنا القِصاص إنما المقصود هو كما فى قوله تعالى { تلك حدود الله فلا تعتدوها } أى الموانع التى تمنع من الوقوع فيما يُغضب الله ، فالحد فى اللغة له معانى كثيرة منها الحد بمعنى القطع أو التعريف أو الحقيقة أو النهاية ... إلخ .

.. وبه شُـرع الجهـاد ..

قال تعالى { إن تنصـروا الله ينصركم } وفى الحديث :" قاتل بإسم الله " وفى رواية " على إسم الله " فمعنى ذلك أن تجعل الجهاد والقتال من أجل رفع إسم الله ونُصرة دينه وليس حمية أو تعصُـب ، إنما الجهاد فى سبيل الله سبحانه وتعالى ..

.. وبه انقسمت الخليقة الى سـعداء وأشـقياء ..

وهى لها عدة معان :
(1) أنه يقصد أنه قدر المقادير وقضى أن من الناس من هو سعيد ومن هو شقى .
(2) أن الناس أمام الإيمان بالله وإعلاء كلمة الله إنقسموا : فمنهم من قدس وعظم وهؤلاء هم السعداء ، ومنهم من إستخفّ وأستهزأ وهؤلاء هم الأشقياء .. فالسعداء هم المؤمنين الذين آمنوا ، والأشقياء هم الذين كفروا . أى إنقسمت الخليقة الى مؤمن موافق للغاية التى خلق الله الخلق لأجلها ، وكافر مخالف للغاية التى خلق الله الخلق لأجلها .أى إنقسمت الى فريقين :
1 - فريق فى الجنة
2 – وفريق فى النار ( قسم خالد فيها - وقسم لا يُخلـد فيها )

.. وبه حـقت الحـاقة ووقعت الواقعـة ...

حقت : أى ثبتت ووجبت وصدقت وصحت وتيقنت . والحاقة : النازلة أو الداهية ، وتُطلق على يوم القيامة ، والمعنى أيضاً : الشئ الثابت حقيقةً ويقيناً ..
ووقعت : أى أمر واقع أو حصلت ، وقيل ثبتت .
الواقعة : هى النازلة من صروف الدهر ، وهى إسم من أسماء يوم القيامة ، وهى الصدمة بعد الصدمة .. فهى من أسماء الساعة والساعة بإذن الله وحده لا يعلمها إلا هو .

.. وبها وضعت الموازين القسـط ونُصب الصـراط ...

فلله وحده نصـب الموازين ومحاسبة الخلائق ، والموازين القسط هى أضبط الموازين وأقومها ، ويُطلق عليها أيضاً : القسطاس . والقسط هو العدل .
والصراط : هو المعبر الذى يكون بين ضفتين ، فالصراط هو جسر جهنم الذى يمر عليه كل الناس يوم القيامة حتى الأنبياء ، وكلٌ منهم على حسب إمتثاله للأمر وإجتنابه للنهى ، وكلٌ حسب تحقيقه للغاية الت خلقهم الله لأجلها : من إستقام على صراط الله الذى هو دين الحق فى الدنيا إستقام على هذا الصراط فى الآخرة ، فمنهم من يمر كالرياح المرسلة ، ومنهم من يمر كأنقضاض الكواكب ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالبرق أو أسرع ما يكون ، ومنهم من يمر متباطئاً بحسب تباطئه فى الدنيا ، ومنهم من يرمل رملاً ، ويمر المُقِـل فى العمل الصالح تخـر يـدٌ وتعلق يـد وتُصيب جوانبه النار فيخلصـون ( فيخلصون : إذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذى نجّانا منكِ بعد أن أراناكِ ، لقد أعطانا الله ما لم يُعطِ أحد )
والصراط فى الدنيا هو الطريق ، وهو شرائع الله وحدوده وأوامره ونواهيه التى قضى بها سبحانه { وأن هذا صراطى مستقيماً } والصراط يكون بعد الحساب ، وهو عام لجميع الناس ، والمرور على الصراط هو الورود المذكور فى قوله تعالى { وإن منكم إلا واردها } مريم 71 . [ لا ينجو منه أحد ، وأشار النبى صلى الله عليه وسلم الى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، فالجميع يمرون فوق جهنم فوق الصراط ، ويُنجّـى الله المؤمنين ويذر الظالمين فيها جثياً ، وذلك فى الحديث الذى أخرجه مسلم (صحيح مسلم بشرح النووى ج 16 ص57)]

.. وقام سـوق الجـنة والنـار ..

فكل ما قدمته تستلمه ، من قدم ثمن الجنة يستلم بضاعته منها ، ومن قدم ثمن النار يستلم نصيبه منها { ذلك بما قدمت يداك }

.. وبه عُـبِـدَ رب العالمين وحُـمِـد ..

فنحن لا نعبد الله إلا بما علّمنا الله وبما شرّعه الله وبالله .
وحُمِد : فالله هو الحميد لنفسه أزلاً وبحمد عباده له أبداً ، فهو الذى علّمنا أن نحمده ، وهو المستحق لأن نحمده. وهنا ذكر الحمد بعد العبادة من باب عطف الخاص على العام لإبرازه لأهميته ، فالعبادة داخل فيها الحمد بلا شك ولكنه ذكره بعد العبادة رغم أنه داخلاً فيها لبيان أهميته وعظمته ..

.. وبحقه بُعثت الرسـل ..

بحق الله سبحانه وتعالى بُعثت الرسل ، فالرسل جاءت لتُقيم حق الله ، ولأن هذا هو حق الله الذى يستحقه ، وعن مُعاذ بن جبل قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : يا مُعاذ أتدرى ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً .. الحديث ، وهو فى البخارى .

.. وعنه السـؤال فى القـبر ..

جاء فى حديث البراء فى المسند وغيره وفيه :" إن العبد أول ما يُسئل فى قبره : من ربك .. الحديث ( أخرجه أبو داود 3212 وابن ماجه 1548 ) فهن هذا الإسم ( الله ) سيُسأل كل عبد كما جاء فى حديث فتنة القبر عند البخارى .

.. وبه الخصـام ..

فما كان بالله فهو الحق ، وما دون ذلك فهو الباطل .
.. وإليه المحاكمة ..

أى طلب الفصل فى الخصومات وإعطاء كل ذى حقٍ حقه .
.. وفيه الموالاة والمُعاداة ..

فنوالى المؤمنين فى الله ، ونُعادى الكافرين فى الله .
.. وبه سعد من عرفه وقام بحقه ، وبه شقى من جهله وترك حقه ...


فمن عرف الله وعرف أنه المُنعم المُستحق للعبادة وأنه لا إله غيره الذى يُفزع إليه فى النوائب ويُستعان به ويُستغاث به ، وأنه ذو الفضل العظيم الرحمن الرحيم الملك القدوس العزيز الجبار .. إذا عرف هذا كله لابد أن يحبه ، وإذا أحبه لابد أن يقوم بحقه ، وإذا قام بحقه سعد بلاشك بالله وبعطاءه ، ومن جهله وجحد نعمائه ولم يقم بحقه فهذا شقى لم يذوق أحلى مافى الدنيا وهو الإيمان { فمن تبع هُداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى } طه 123 ، فهـو سر الخلق والأمـر .. الله سبحانه وتعالى له وحده الخلق وله وحده الأمر ، له وحده الإيجاد وله وحده التشريع الأمر والنهى { أيحسبُ الإنسان أن يُترك سُـدى } ، { وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مُخلصين له الدين } .

.. وبه قاما وثبـتا وإليـه إنتهيـا ..

فالخلق به وإليه ولأجله ، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئاً منه منتهياً إليه .. فالله سبحانه وتعالى هو الأول والآخر وهو الذى يحتاج إليه غيره ولا يحتاج هو الى شئ ، وهو المستغنى بنفسه ولا يستغنى غيره عنه . والأول أولية لا يُحيط بها العقل ولا يُدركها الذهن ، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ " رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة – فهو الأول بلا إبتداء والآخر بلا إنتهاء ، وإذا ما حاولت بعقلك إدراك حقيقة أوليته عجزتَ ، وإذا حاولت أن تحيط بكنهه تحيرت فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك . وما من موجود إلا وله موجد يوجده ، وكل ما فى الكون موجود وموجده الله جل وعلا ، وسوف تفنى الخلائق جميعاً ويبقى الله وحده يُخاطب من لا يملك الرد على تساؤله : لمن المُلك اليوم ؟ فيرد سبحانه على نفسه بنفسه قائلاً : لله الواحد القهّـار " ..
.. وذلك موجبه ومقتضاه { ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار }.. آل عمران 191
إن الله سبحانه لم يخلق هذا باطلاً لأنه حكيم ومُنزّه عن كل عيبٍ ونقص ، فهو خلقه بحق وابتداءه حق ، وحتى ينتهى الى الله عز وجل فيُحاسب الخلائق فهناك جنة ونار وثواب وعقاب ، فإن المرجع إليه ، ولذلك فى الآية إعجاز عظيم فالمقتضى العقلى يقول : ربنا ما خلقت هذا باطلاً فأهدنا الى الحق ، ولكنه سبحانه قال :{ ربنا ما خلقت هذا باطلاً فقنا عذاب النار } . فلماذا ؟ لأنه طالما أنه لم يخلق هذا بالباطل وإنما بالحق فلابد من رجوع الخلائق إليه ليُحاسبهم ، فطلبهم الوقاية من النار هو طلب القيام على الحق وطلب الطاعة وترك المعاصى وطلب الخاتمة الحسنة وطلب الحشر على الخير ... إلخ ، فهذا الطلب له سوابق وهى أن هذا هو الحق ولذلك طلبوا ذلك ..


الواجب
ماهو الصراط ..؟وما احوال المارين به..؟
  #12  
قديم 10-26-2010, 10:34 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس التاسع
تكملة شرح مقدمة الكتاب


قولـه ( الرحمـــن الرحــيم )...

الرحمن على وزن فعلان ، والرحيم على وزن فعيل ، ومن المعلوم فى اللغة أن كثرة المبنى تدل على سعة المعنى فى اللفظ الواحد ، وبناء عليه فالرحمن أوسع معنى من الرحيم . وقال ابن كثير فى تفسيره : زعم بعضهم أن الرحيم أشد مُبالغة من الرحمن لأنه أكَّـد به والتوكيد يكون أقوى من المؤكد .
ولكنه رد عليهم بقوله : هذا ليس من باب التوكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه ، ويؤكد أن الرحمن أشد مبالغة فى الرحمة لعمومها فى الدارين لجميع خلقه ، ولذلك قرن هذا بالعرش فقال جل من قائل : { الرحمن على العرش إستوى } طه 5 . أما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين لقوله تعالى { هو الذى يُصلى عليكم وملائكته ليُخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيماً } الأحزاب 43 .
سؤال : إذا كان الرحمن أشد مُبالغة من الرحيم فلماذا لم يكتف به ؟
الإجابة : قد أجاب بعضهم عن ذلك بأنه حين تجرأ البعض من الكذابين فسمى نفسه ( الرحمن ) – وهو مسيلمة الكذاب – جئ بلفظ الرحيم ليقطع التوهم فى ذلك فإنه لا يُوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى .
لكن هذه الإجابة يرد عليها بأن القرآن قديم وتسمية الله تعالى بأسمائه قديمة وليست معللة بعلة إلا ما توحى به معانيها العظيمة وما يبطن فى علم الله منها . وإشتراك الأسماء فى اللفظ أو المعنى إنما هو لتأكيد عظمة الله وقيوميته وقد ورد من أسمائه المُعطى والرزاق والوهاب كما ورد الرءوف والرحيم والعفو وكلها تشير إلى معان متقاربة .
وقيل أن لفظ الرحمن يدل على من تصدُر عنه آثار الرحمة بالفعل وهى إفاضة النعم والإحسان أما لفظ الرحيم فيدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان وبهذا لا يستغنى بأحد الوصفين عن الآخر ولا يكون الثانى مؤكداً للأول ويكون ذكرها بعد صفة الرحمن كذكره الدليل بعد المدلول ليقوم به البرهان .
سؤال : هل ( الرحمن الرحيم ) مشتقان أم لا اشـتقاق لهما ؟
الإجابة :
قال القرطبى : إختلف العلماء فى إشتقاق اسم الرحمن ، فقال بعضهم : لا إشتقاق له ، لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولو كان مشتقاً من الرحمة لأتصل بذكر المرحوم فجاز أن يُقال : الله رحمن بعباده كما يُقال : رحيم بعباده . ولو كان مشتقاً من الرحمة لم تُنكره العرب حين سمعوه فقد كانوا لا يُنكرون رحمة ربهم ولكنهم إستنكروا هذا الإسم حين سمعوه وأخبر القرآن الكريم بذلك حيث قال :{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً } الفرقان 60 ، ولما كتب علىٌ رضى الله عنه فى صلح الحديبية بأمر النبى صلى الله عليه وسلم { بسم الله الرحمن الرحيم } قال سُهيل بن عمرو : أما بسم الله الرحمن الرحيم فما ندرى ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن أكتب ما نعرف ( بإسمك اللهم ) .
وقال تعالى { كذلك أرسلناك فى أمة قد خلت من قبلها أُمم لتتلوا عليهم الذى أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب } الرعد 30 .
وعلى هذا فهذا الإسم غير مشتق مرتجل ولم ينقل من الرحمة ..
ولكن .. بعض العلماء يقولون أنه منقول ومشتق من الرحمة ، وقد بُنى على هذه الصيغة لمقتضى المبالغة ومعناه : ذو الرحمة التى لا نظير لها أو لا نظير لله فيها ، وهو من أجل ذلك لا يُثنّـى ولا يُجمع كما يُثنى الرحيم يُقال ( رحيمان ) .. ومما يدل – فيما يحكيه القرطبى على إشتقاقه ما أخرجه الترمذى وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل [ أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من إسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ] .. لكن هذا النص يقضى بإشتقاق الرحم لا بإشتقاق الرحمن ..
والقرطبى يُرجح أن الإسم مشتق ويقول : لا معنى للمخالفة والشقاق أما إنكار الكفار لهذا الإسم فمرجعه إلى جهلهم بالله وما يجب له .
ويؤكد ابن منظور أن الرحمن إسم عربى مبنى على وزن فعلان الذى يفيد الكثرة ، وذلك أن رحمة الله وسعت كل شئ ، ومعنى ذلك أنه مشتق من الرحمة . وقد ذكر الرحيم بعده لأن الرحمن مقصور على الله عز وجل والرحيم يكون لله ولغيره .
وعلل الفارسى هذا الترتيب أى ذكر الرحيم بعد الرحمن بقوله : جئ بالرحيم بعد إستغراق الرحمن معنى الرحمة لتخصيص المؤمنين به فى قوله تعالى { هو الذى يُصلى عليكم وملائكته ليُخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً } الأحزاب 43 فخـصّ بعد أن عمَّ .
وقال الزجاج : وقد يكون إسم الرحمن موجوداً فى الكتب السابقة ولكنهم لم يكونوا يعرفون أنه من أسماء الله حتى جاء القرآن الكريم فعرّفهم ذلك .
أما الرحيم فلا خلاف فى إشتقاقه فهو فعيل بمعنى فاعل . قال الحسن : الرحمن إسم ممتنع لا يُسمى غير الله به أما الرحيم فليس كذلك فقد يُقال : رجل رحيم .
وقال غيره : الرحمن اسم يختص به الله عز وجل ولذلك قال تعالى :
{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحُسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تُخافت بها وابتغِ بين ذلكَ سبيلاً } الإسراء 110
وقيل هما مشتقان معاً وهما بمعنى واحد ويجوز تكرار الإسمين إذا اختلف إشتقاقهما على وجه التوكيد كما يُقال : فلان جادٌ مُـجدٌ .
سؤال : ما معنى اسم الرحمن وما معنى اسم الرحيم ؟

الإجابة : قال ابن عباس : الرحمن والرحيم إسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، وقد ورد إن الله رفيق يُحب الرفق ويُعطى على الرفق ما لا يُعطى على العُنف .
وقال ابن المبارك : الرحمن إذا سُئل أعطى والرحيم إذا لم يُسأل غضب ، وقد ورد ذلك فى حديث شريف رواه ابن ماجه والترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يسأل الله غَضِبَ عليه " . أجل الله يغضب حين لا يُسأل ، وهو الذى يقول لعباده : { وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين } غافر 60 .
وقال الحكيم الترمذى : الرحمن بالإنقاذ من النيران ، والرحيم بإدخال الجنان .
وقال علىّ بن أبى طالب : الرحمن فهو عون لكل من آمن ، وهو اسم لم يُسمَّ به غيره . وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحاً .
ويذكر ابن القيم أن من أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم من تضمنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ وإخراج الحب ، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح ، ولكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الإسم حظ البهائم والدواب وأدرك منه أولوا الألباب أمراً وراء ذلك .
واسم الرحمن يتضمن إثبات النبوات فإن رحمته تمنع إهمال عباده وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم .
وقال ابن القيم : الرحمن الذى الرحمة وصفه ، والرحيم الراحم لعباده ، ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين قال تعالى : { وكان بالمؤمنين رحيماً }33 – 43 وقال تعالى : { إنه بهم رؤوف رحيم } 9 – 117 مع ما فى اسم الرحمن الذى هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ، ألا ترى أنهم يقولون ( غضبان ) للمتلئ غضباً و ( ندمان ) و ( حيران ) و ( سكران ) و ( لهفان ) لمن مُلئ بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن إستواءه على العرش بهذا الإسم كثيراً كقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } 20 – 5 و { ثم استوى على العرش الرحمن } 26 – 59 فأستوى على عرشه بإسم الرحمن لأن العرش مُحيط بالمخلوقات قد وسعها ، والرحمة مُحيطة بالخلق واسعة لهم . كما قال تعالى { ورحمتى وسعت كل شئ } 7 – 126 فأستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شئ .
وفى الصحيح من حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " لما قضى الله الخلق كتب فى كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتى تغلب غضبى " وفى لفظ " فهو عنده على العرش " ، فتأمل إختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش .
وطابق بين ذلك وبين قوله : { الرحمن على العرش استوى } ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب ، وأما الرحمة فهى التعلق والسبب الذى بين الله وبين عباده ، فالتأليه منهم له ، والربوبية منه لهم ، والرحمة سبب وأصل بينهم وبينه ، بها أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ، وبها هداهم ، وبها أسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سببب الرحمة .
سؤال : ما هى خصـائص أسم الرحمن ؟

الإجابة : لقد أوجب الله سبحانه خصائص كثيرة لاسمه الرحمن ، فمن تلك الخصائص :
1) أنه جعل اسم الرحمن ذكراً للذاكرين ونبّـه إلىالإستعاذة به .
قال تعالى : على لسان مريم : { قالت إنى أعوذ بالرحمن منكَ إن كنتَ تقياً } مريم 18
2) وفىالتوكل على الله :
قال تعالى : { قل ربِ احكُم بالحقِ وربُنا الرحمنُ المستعانُ على ما تصفون } الأنبياء 112
وقال تعالى { قل هو الرحمنُ ءامنا بهِ وعليه توكلنا فستعلمون من هو فى ضلالٍ مُبين } المُلك
3) وفى الصوم :
قال تعالى : { فكلى واشربى وقرّى عيناً فإمّا تَرَيِنَّ من البشرِ أحداً فقولى إنى نذرتُ للرحمنِ صوماً فلن أكلم اليومِ إنسياً } مريم 26
4) وفى الذكر به : قال تعالى : { قلِ ادعو الله أو ادعو الرحمنَ أيّاً ما تدعو فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تُخافت بها وابتغِ بين ذلك سبيلاً } الإسراء 110
5) وفى حشر الناس :
قال تعالى : { يوم نحشرُ المتقينَ إلى الرحمنِ وفداً } مريم 85
6) كما أسند تعليم القرآن إلى هذا الإسم :
قال تعالى : { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علّمهُ البيان } الرحمن 1-4 .
7) ونبّه إلى أن الغفلة عن ذكر هذا الإسم تستوجب المقت من الله وإستيلاء الشيطان على الغافل . قال تعالى { ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نُقيِّـض له شيطاناً فهو لهُ قرين } الزخرف 36 .
8) وفى وصف الصالحين من عباده :
قال تعالى : { وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلونَ قالوا سلاماً } الفرقان 63 .
9) والصفة الوحيدة التى لها إسمان هى الرحمة ، فالكرم له إسم واحد ( الكريم ) والعطاء والسمع والبصر ... إلخ وهذا إمعان فى الطلب فيها وإمعان فى إستحقاقه لها سبحانه وتعالى .
قال تعالى : { فما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } .
سؤال : قال الله سبحانه وتعالى : { وعباد الرحمن .. } فلماذا قرن عباده بإسم الرحمن ولم يقل مثلاً ( وعباد الجبار ) ؟

الجوال : لأن ذلك من رحمة الله بنا أن عبدناه ولم نعبد غيره ، ولأن عبادتنا لله سبحانه وتعالى ناتجة من رحمته بنا وليست بناء على قهره لنا وهو القادر على ذلك ، فمن رحمة الله بنا أن هدانا إلى الحق والصواب فالنفس مفطورة على العبادة فإن لم تعبد الله عَبَدت غيره ، فتجد من يعبد الشجر أو الحجر أو البقر فهؤلاء فى ضلال.. أما من عرف الله الواحد الأحد المستحق للعبادة فهذا قد رحمه الله بأن هداه ، وهذا هو الفرق بين عبادتنا لله وبين عبادة غير الله ، ولذلك كان من التشريف أن أضاف العباد إلى إسمه سبحانه وتعالى وأختار إسم الرحمن لأنه فى موطن فضل وعطاء منه .
قوله ( الرحمن الرحيم ) قال ابن جرير : حدثنى السَّرِىُّ بن يحيى حدثنا عثمان بن زُفَر قال : سمعت العَزْرَمى يقول : الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين ، وساق بسنده عن أبى سعيد – يعنى الخدرى – قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم قال : الرحمن رحمن الآخرة والدنيا والرحيم : رحيم الآخرة ..
هذا الأثر يوضح أن الله سبحانه وتعالى اتصف بهاتين الصفتين وتسمى بهذين الإسمين ..
الرحمن على وزن فعلان والرحيم على وزن فعيل ، والمعلوم فى اللغة أن كثرة المبنى تدل على سعة المعنى فى اللفظ الواحد وهما من الرحمة فكان اسم الرحمن أوسع معنى من اسم الرحيم ، ولابد هنا من أن أذكر أن السعة غير الكمال فلا يُقال الرحمن أكمل من الرحيم ، فكلاهما صفة كمال وأسماء الله كلها كمال فأنتبه لذلك وراجع ما ذكرناه آنفاً بهذا الصدد .
وقالوا أن الرحمة فى إسم الرحمن أوسع حيث أنها للخلق جميعاً مؤمنهم وكافرهم ، أما الرحمة فى إسم الرحيم فهى خاصة بالمؤمنين فقط .
وقوله : وساق بسنده عن أبى سعيد ... إلخ .. فهذا الأثر ضعيف فى سنده إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة ، وهو كذاب ، ولكن ما يهمنا أن المعنى صحيح .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فأسمه ( الله ) دلَّ على كونه مألوهاً معبوداً يألهه الخلائق محبةً وتعظيماً وخضوعاً ومُفزعاً إليه فىالحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنين لكمال المُلك والحمد .. وإلهيته وربوبيته ورحمانيته ومُلكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحى ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ولا فعّال لما يُريد ولا حكيم فى أقواله وأفعاله . فصفات الجلال والجمال أخص بإسم الله ، وصفات الفعل والقُدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص بإسم الرب ، وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص بإسم الرحمن ..
الشرح : يقول ابن القيم أن إسم الله دالٌ على كونه مألوهاً معبوداً ، فقد ذكرنا آنفاً أن هناك عدة خصائص لفظية لإسم الجلالة ( الله ) منها : المحبة والإنابة واللوذ ... إلخ وأهمها هى المعبود ، فهى تشتمل على كل المعانى السابقة ، ويألهه أى يُحبه ويعبده ويخافه ولذلك قال يألهه الخلائق محبةً وتعظيماً وخضوعاً ومُفزعاً إليه . فمن المعلوم أن الإنسان عند الحوائج يرجو جهةٍ ما ويسلك مسلك ما يقضى به حاجته ، فالحاجة تدفع الإنسان ، والله هو المُفزع إليه لأنه مصدر قضاء هذه الحاجات وليس هناك غيره ، ولذلك كان ذلك مستلزم لكمال ربوبيته ، فما دام قادر على قضاء الحوائج للمحتاجين كان لزاماً أن يكون أهلاً لذلك ، وهنا قضية هامة وهى * قضيةالتلازم بين الإلهية والربوبية * : فكون العبد يعتقد أن الله قادر وحده على قضاء حوائجه فيفزع إليه هذا تأليه ، وكونه يعتقد هذا فيقوم بناءً على هذا الإعتقاد بإتباع مسلك معين ، والمسلك كما قلنا من قبل هو فرع عن التصور فإن سلم التصور سلم المسلك ، فكونه يعتقد أن الله يقضى حوائجه فيفزع إليه فيطلب منه ويدعوه فهذه ربوبية حيث أن الطلب عبادة تتضمن أنه تعالى مالك متصرف ، فهذه العبادة منزلة فى حق الله تعالى على أنه رب .. وهذا أيضاً مستلزم لكمال رحمته فكونه يقضى الحوائج فهذا لأنه أيضاً حنّان منّان . وهذا يتضمن كمال الملك والحمد فهو دائم العطاء فهو مجيد سبحانه يستلزم الحمد ،وهذا كله يستلزم جميع صفات الكمال فلابد أن يكون قادر لابد أن يكون سميع بصير .. إلخ فكيف يكون قاضى لحوائج المحتاجين ولا يتصف بهذه الصفات ..

* التلازم هو علاقة بين أمرين أو شيئين لا ينفك أحدهما عن الآخر بحيث يكون أحدهما ملزوم والآخر لازم ولكن بشروط : (1) وجود القدرة عند الملزوم أن يأتى بلازمه (2) أن لا يمنع من ترتب اللازم على ملزومه مانعاً مثال : الإضاءة فى المصباح الكهربائى لا تنفك عن المصباح إذا مرّ فيه تيار كهربائى لكن لابد من أمرين (1) قدرة التيار على إضاءة المصباح (2) عدم وجود عقبة فى المصباح ( ويكون الإضاءة لازم والتيار ملزوم )
ثم حاول ابن القيم إيجاد رابطة بين ثلاثة أسماء كثر إستخدامها فى الكتاب والسنة دلالة وتعريف برب العالمين .. وهى : اللــــه الرحمـــــن الــــــرب
وتجدها فى سورة الفاتحة : الحمد لله رب العالمين الرحمن .. ولهذا حكمة تتعلق بالتكليف ، وأراد ابن القيم توضيح شئ منها فقال : أن إسم الله دالٌ على التأليه ، وإسم الرب دال على الربوبية وخصائصها ثلاث : (1) المُلك (2) السيطرة (3) التصرف .. فأبواب الشرك تكون فى أحد هؤلاء الثلاث فيظن أن هناك شريك فى المُلك أو مُعين أو ظَهير أو يظنوا أن هناك شفيع ، ونفى الله سبحانه وتعالى هذا فى الآية { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةٍ فى السموات ولا فى الأرض .. }
فكانت هذه الآية بمثابة المناظرة من الله تعالى إلى المشركين ليعودوا إلى صوابهم فأبلغهم بحقيقة كل ما يمكن أن يجول فى خاطرهم .
أما إسم الرحمن فهو دالٌ على الرحمة والعفو والكرم والعطـف ...
وعلى هذا فصفات الله عز وجل تنقسم إلى ثلاث أقسام :
( أ ) صفات الجلال والكمال :وهذا يختص بإسم : اللــــــه
( ب ) صفات القوة ونُفوذ المشيئة والتفرد والعطاء : وهذا يختص بإسم : الـــــرب
( ج ) صفات الإحسان والجود والبر والرأفة والحنان : وهذا يختص بإسم : الرحمـــن
تنبيــه :

أن الإسم من أسماء الله تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التى إشتُق منها بالمطابقة فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم ، مثال : إسم السميع يدل على ذات الله وسمعه بالمطابقة وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن ويدل على إسم الحى وصفة الحياة باللزوم ، وكذلك سائر أسمائه وصفاته فلابد من فهم لوازم الصفات لأن من علم ذلك أثبت من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ما يُنكره ما لم يعرف لزوم ذلك مثال : إسمه العلى من لوازمه العُلو المُطلق من كل الوجوه ، عُلو القُدرة وعُلو الذات ، فمن جحد عُلو الذات فقد جحد لوازم إسمه العلى . وهكذا ..
وقال رحمه الله أيضاً : الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلُقها بالمرحوم ، وإذا أردت فهم هذا فتأمّل قوله تعالى { وكان بالمؤمنين رحيماً } ،وقوله تعالى { إنه بهم رؤوف رحيم } ولم يجئ قط رحمان بهم ، وقال : إن أسماء الرب تعالى هى أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله فلا تنافى فيها بين العلمية والوصفية فالرحمن إسمه تعالى ووصفه ، فمن حيث هو صفة جرى تابعاً لإسم الله ، ومن حيث هو إسم ورد فى القرآن غير تابع بل ورد الإسم العلم كقوله تعالى { الرحمن على العرش إستوى } .. إنتهى ملخصاً ..
الشرح :

يقول أن الرحمن إسم ذات مما يدل على تعلق صفة الرحمة بالله سبحانه وتعالى ، وأن الرحيم إسم صفة ، وبالتالى فهى دالة على رحمة الله لخلقه ودلالة ذلك أنه عندما وصف سبحانه رحمته بخلقه قال رحيماً ولم يقل قط رحمن ، وعندما يصف الله نفسه يقول : رحمـن ..
ولذلك فإن الرحمن صفة ذاتية ( خاصة بالله سبحانه ) والرحيم صفة فعلية ( خاصة بخلقه ) أو بمعنى آخر هى صفة لفعله سبحانه وتعالى . وأسماء الرب تعالى كما هى عقيدة أهل السُنة والجماعة مشتقة من مصادرها التى تدل على الصفة وليست مجرد أسماء وأعلام ، وليست كأسماء المخلوقين ليست لها معنى بل هى دالة على صفات كمال ولا تنافى فيها بين العلمية من حيث كونها دالة على الله سبحانه وتعالى والوصفية التى هى دالة على صفات الله سبحانه وتعالى ، فإن أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهى مشتقة من الصفات فهى أسماء وهى أوصاف ، وبذلك كانت حُسنى إذ لو كانت ألفاظاً لا معانى فيها لم تكن حُسنى ولا كانت دالة على مدح ولا كمال ولساغ وقوع أسماء الإنتقام والغضب مقام الرحمة والإحسان .. وأعلم أن نفى معانى أسمائه الحُسنى من أعظم الإلحاد فيها ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجُز أن يُخبر عنها بمصادرها ويوصف بها ، لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها كقوله تعالى { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } 51-58 فعُلمَ أن القوى من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة .. وهكذا أمثلة كثيرة من القرآن والسُنة ، ولو لم تكن أسماؤه ذوات معانى لكانت جامدة كالأعلام المحضة ولم يكن فرق فى مدلولاتها وهذا مكابرة صريحة وبهت بيِّن .. [ قال ابن القيم : فإن من جعل معنى إسم القدير هو معنى إسم السميع البصير ومعنى إسم التواب هو معنى إسم المنتقم ، ومعنى إسم المُعطى هو معنى إسم المانع ، فقد كابر العقل واللغة والفطرة . فنفى معانى أسمائه من أعظم الإلحاد فيها .. أ..هـ ]
فالرحمن والرحيم إسمان وصفتان لله سبحانه وتعالى أحدهما أوسع من الآخر فى المعنى ، والرحمن إسم ذات ، والرحيم إسم صفة ، فالرحمن دال على الله عز وجل مقترن بذاته وتلحق به الأفعال { الرحمن على العرش إستوى } والرحيم من حيث كونه صفة يلحق هو بإسم الله . الرحمن يدل على تعلق صفة الرحمة بالله وذات الله ، والرحيم يدل على وقوع الرحمة بالمرحوم .
قوله : الحمد لله

معناه الثناء بالكلام على الجميل الإختيارى على وجه التعظيم ، فمورده اللسان والقلب ، والشكر يكون باللسان والجنان والأركان فهو أعم من الحمد متعلقاً وأخص منه سبباً لأنه يكون فى مقابلة النعمة ، والحمد أعم سبباً وأخص متعلقاً لأنه يكون فى مقابلة النعمة وغيرها فبينهما عموم وخصوص وجهى يجتمعان فى مادة وينفرد كل واحد عن الآخر فى مادة ..
الشرح : عرفنا الحمد آنفاً وعرفنا أن الحمد مورده أى مصدره القلب واللسان ، أما الشكر فمورده القلب واللسان والجارحة . فهما من جنس واحد إلا أن :
الحمد يكون بغير مقابل والشكر يكون فى مقابل النعم .
الحمد مورده القلب واللسان والشكر مورده القلب واللسان والجارحة
فيكون الحمد أعم سبباً لأنه يكون بمقابل أو بدون مقابل ، وأخص متعلقاً لأنه بالقلب واللسان ولا دخل للعمل فيه .
أما الشكر فهو أعم متعلقاً لأنه يتعلق بالقلب واللسان والجارحة وأخص سبباً لأنه يكون مرتبط بوجود مقابل.
وكلاهما يجتمع فى مادة القلب واللسان ، ولكن الشكر إنفرد بالجوارح ، والحمد إنفرد بأنه بلا مُقابل ، ولذلك قال تعالى { إعملوا آل داول شكراً } لأن مقام الشكر يدخل فيه العمل .. ومقام الحمد أعلى لأنه بلا مقابل ، ولذلك فإن كل من حَمَد شَكَر وليس من شَكَر حمَد ، ولذلك قالوا : الحامدون هم العارفون لربهم أى أهل المعرفة ، والشاكرون هم العارفون لِنِعَمِهِ . ولذلك تجد الآيات التى جاءت بالحمد فيها تعريف بالله عز وجل { الجمد لله رب العالمين } { الحمد لله فاطر السموات والأرض } .
سؤال : هل الحمد لله هى تعريف فقط أم تعريف وإلزام ؟

هى تعريف وراءه إلزام ، مثلاً الفاتحة { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * } فهذا تعريفٌ بالله سبحانه وتعالى ثم جاء بعد التعريف { إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين } فهى وصف لله بأنه هو المستحق للإستعانة به فأصبحت إجابة الحمد لله الإنفعال بعد المعرفة ، ولذلك قال { إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعين } متضمنة لكل صفات الله عز وجل وأسمائه .
وهنا ملحوظة : أن الله عندما يصف نفسه يصفها بالأعلى ، وعندما يطلب من العباد يطلب الحد الأدنى وذلك حين وصف نفسه قال { الحمد لله } وحين طلب من العباد طلب الشكر فهذا هو الحد الأدنى الذى إذا تركه العبد هَلَك
نكمل المرة القادمة ان شاء الله

الواجب
اذكر خصائص اسم الرحمن

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 10-26-2010 الساعة 10:38 PM
  #13  
قديم 10-31-2010, 09:37 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس العاشر

تكملة شرح مقدمة الكتاب

سؤال : فى سورة الفاتحة ( أول ما يُطالعنا فى المصحف ) { الحمد لله رب العالمين } فهل هى على سبيل الخبر المجرد أم ماذا ؟
الإجابة : الحمد هنا جاءت خبر يقتضى أمراً .. أى خبر يُفيد إنشاء ، وكأن الله يأمرك أن تحمده وتُقدره لأنه هو رب العالمين ولأنه هو الرحمن الرحيم ، فهو يُخبر مِن جهة ويُفيد إنشاء من جهة أخرى فهو خبرى لفظاً إنشائى معنى .


قوله : وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم . أصح ما قيل فى معنى صلاة الله على عبده : ما ذكره البخارى رحمه الله تعالى عن أبى العالية قال : صلاة الله على عبده ثناؤه عليه عند الملائكة ، وقرره ابن القيم رحمه الله ونصره فى كتابيه ( جلاء الأفهام ) و ( بدائع الفوائد ) . قلت : وقد يُراد بها الدعاء كما فى المسند عن علىٌ مرفوعاً : الملائكة تصلى على أحدكم ما دام فى مصلاه : اللهم اغفر له اللهم ارحمه
الشرح : قوله صلى الله على محمد وعلى آله وسلم ...

وسوف نتحدث بإذن الله عن الصلاة علىالنبى صلى الله عليه وسلم فى عدة نقاط ، وهى :
أولاً : مشـروعيـتها :


بوب البخارى باب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وأسند عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال :
لقينى كعب بن عجرة فقال : ألا أهدى لك هدية ؟ إن النبى صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا : يارسول الله قد علمنا كيف نُسلم عليك * ، فكيف نُصلى عليك ؟ قال :" قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " ..صحيح أخرجه البخارى 6357 .
وروى مسلم فى صحيحه : عن أبى مسعود رضى الله عنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى مجلس سعد بن عُبادة فقال له بشير بن سعد : قد أمرنا الله أن نُصلى عليك ، فكيف نُصلى عليك ؟ قال : قولوا " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم ، والسلام كما قد علمتم ".. ورواه أحمد والنسائى والترمذى وصححه .
ثانياً : معنـاهـا :


أصل لفظة الصـلاة يرجـع إلى معـنيين :
________________________________
الأول : الدعـاء والتبـريك الثانى : العبادة
وهو نوعان
_________________________________
دعاء عبادة دعـاء مسـألة
قال تعالى : { والذين يدعون من دون قال تعالى { وقال ربكم إدعونى أستجب لكم }
الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون } 40-60
16 – 20
وأعلم أن لفظ الصلاة يختلف معناه بحسب ما أُضيف إليه ، ومثال ذلك لفظة ( يد ) إذا أُضيفت إلى الإنسان السيف ، تجد إختلاف معناها فيد الإنسان غير يد السيف بلا شك ، وكذلك لفظة ( رأس ) يُقال رأس المال رأس الإنسان ، رأس الوادى ، فكل منهم له معنى مختلف عن الآخر تماماً بلا شك رغم أن اللفظة واحدة . وكذلك لفظة الصلاة : فصلاة العبد غير صلاة الله غير صلاة الملائكة ، فصلاة العبد هى الدعاء والطلب وقد تأتى بمعنى العبادة أيضاً ، وقيل العابد داع والسائل داع ، والصواب أن الدعاء يعم النوعين ( المسألة والعبادة ) كما بيّـنا آنفاً .. أما صلاة الله عز وجل فهى نوعان ( عامة وخاصة ) أما العامة فهى صلاته على عباده المؤمنين قال تعالى { هو الذى يُصلى عليكم وملائكته } 23-43 أما الخاصة فهى على أنبيائه ورسله ، خصوصاً على خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم .. وأختلف الناس فى معنى الصلاة من الله سبحانه وتعالى على أقوال منها :
1) أنها رحمته ، وهو المعروف عن كثير من المتأخرين
2) أنها مغفرته : وهذا من جنس الذى قبله وهما ضعيفان لعدة وجوه هى :
أ - أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال : { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتُ من ربهم ورحمة } 2-157 فعطف الرحمة على الصلاة فأقتضى ذلك تغايرهما .
ب – أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين ، أما رحمته فوسعت كل شئ فليست الرحمة مرادفة للصلاة ولكنها من لوازمها وموجباتها وثمراتها .
ج – لا خلاف فى جواز الرحمة على المؤمنين ، وأختلف السلف والخلف على جواز الصلاة على غير الأنبياء . فعلم أنهما ليسا بمترادفين . كما أنه معلوم بجواز الرحمة للكافرين لقوله تعالى { وربك الغفور ذو الرحمة } فى حين أن الصلاة لا تكون إلا على المؤمنين فقط .
د – لو كانت الرحمة هى الصلاة لقامت مقامها فى إمتثال الأمر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال : اللهم ارحم محمداً وآل محمد ، وليس الأمر كذلك .
هـ- معلوم أن من رحم غيره فأطعمه أوسقاه أو كساه لا يُقال عنه أنه صلى عليه بل يُقال رَحِمَهُ إذاً الرحمة غير الصلاة .
و – لو قال أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله بدل من صلى الله عليه وسلم لبادرت الأُمة إلى الإنكار عليه وعَدّوه مبتدعاً غير مُوقّر للنبى صلى الله عليه وسلم ولا مُصلِ عليه ، فلو كانت الصلاة هى الرحمة لم يمتنع ذلك .
ز – لا يسوغ لأحد أن يقول ( اللهم صلى علىّ ) فى حين أنه يسوغ أن يقول ( اللهم ارحمنى ) ، بل يُستحب لكل واحد أن يسأل الله أن يرحمه . كما أن الداعى بـ (اللهم صلى علىّ) معتدٍ فى دعائه هذا والله لا يُحب المعتدين .. وغير ذلك .. وأكتفى بما ذكرته لبيان هذا الأمر .
3) وقيل : معنى الصلاة من الله هى الثناء على الرسول والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته . وهذا هو الصواب والله أعلى وأعلم ..

سؤال : هل ( صلى الله عليه وسلم ) خير أم طلب ؟


الجواب : هى تحمل الإثنين معاً فهى تتضمن خبر وطلب ، فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه ، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به . فالله عز وجل أخبرنا عن صلاته عز وجل وهى ثناء عليه وإظهار فضله وشرفه ، والصلاة المأمور بها { صلوا عليه وسلموا تسليماً } هى طلب من الله عز وجل وسؤالنا من الله أن يفعل ذلك .
ملحوظة : صلى الله عليه وسـلَم : تكون خبر ( بالفتح )
صلى الله عليه وسـلِم : تكون طلب ودعـاء ( بالكسـر )
فالله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه يصلى على النبى ونحن نصدق بذلك ونؤمن به ونطلب له ذلك .

سؤال : عرفنا معنى الصلاة على محمد فما معنى الآل ؟ ( صلى الله على محمد وعلى آله وسلم )


الإجابة : فيه قولان :
الأول : أنها أصلية غير مشتقة و أن أصله أهل ثم قُلبت الهاء همزة فقيل آل ، وهذا القول ضعيف من وجوه منها : ( ملحوظة كونه ضعيف لا يعنى أنه باطل ولا يمنع أن يكون بهذا المعنى ) :
1) لا دليل على ذلك . كما أنه يلزم القلب من غير موجب مع مخالفة الأصل .
2) الآل لا تضاف إلا إلى عاقل . وأهل تضاف إلى العاقل وغيره .
3) الآل تضاف إلى مُعظم من شأنه أن غيره يؤول إليه . والأهل تضاف إلى العَلَم والنكرة .
4) منع بعض النُحاة إضافة الآل إلى المُضمر ومن فعل وجوزها قليلة شاذة .. والأهل تضاف إلى الظاهر والمُضمر .
5) الآل يدخل فيه المضاف إليه مثل آل فِرعون ، كان فرعون داخلاً فيهم . أما الأهل بخلاف ذلك إذا قلت جاء أهل زيد لم يدخل زيد فيهم .
الثانى : أنه مشـتق وأن آل الرجل أهله وعياله . وأصله أوَّل ، وقيل أصله آل يؤول إذا رجع .فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويُضافون إليه ويؤلهم أن يسوسهم فيكون مآلهم إليه ، فآل الرجل هم أتباعه . وقيل منه الإيالة وهى السياسة فآل الرجل هم الذين يسوسهم ونفسه أحق بذلك من غيره فهو أحق بالدخول فى آله ولا يُقال مختص بأله . . هذا من حيث اللغة ..
أما معناه من حيث الشرع وأضافتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأختلف فيه العلماء على عدة أقوال وهى :
1) هم الذين حُرمت عليهمالصدقة : وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء :
أ - أنهم بنو هاشم وبنو المُطلب ، وهذا مذهب الشافعى وأحمد رحمهما الله فى رواية عنه .
ب – أنهم بنو هاشم خاصة ، وهذا مذهب أبو حنيفة ورواية عن أحمد وأختيار ابن القاسم صاحب مالك .
ج – أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب فيدخل فيهم بنو المطلب وبنو أمية وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بنى غالب وهو إختيار أشهب من أصحاب مالك .
2) هم ذريته وأزواجه خاصة حكاه ابن عبد البر فى التمهيد .
3) هم أتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم .
4) هم الأتقياء من أُمته حكاه القاضى حسين والراغب ( هذا القول لا دليل عليه )
والقول الراجح هم أزواجه وذريته من المؤمنين ، يليه القول بأنهم أتباعه وإن كان الثانى أقوى يقويه اللغة لكن جاءت النصوص الكثيرة موضحة أن الآل هم الأزواج والذرية ( انظر النصوص ص 79 من هذا المبحث : جاء الآل بمعنى الأهل فى المدلول الشرعى فهو أقوى الوجوه ليس من باب اللغة لكن من باب المدلول الشرعى ، وهو الذى يعنينا ، وإن كان الآل بمعنى الأهل فى اللغة ضعيف . لكن لما استخدم فى الشرع جاء على المعنى اللغوى الأضعف وهو الأهل ويدخل الأتباع بالمدلول اللغوى الأقوى .. )
والذى يعنينا هو المدلول الشرعى والذى إختاره الجمهور أنهم من حُرمت عليهم الصدقة . وقال أحمد : هُم أهل بيته .
وقال ابن القيم : الصحيح الأول ثم الثانى أما الثالث والرابع فضعيفان . أ. هـ إذ أن الآل هم أزواجه وذريته من المؤمنين ( علىالتحقيق ) ويدخل الأتباع بالمدلول اللغوى .

سؤال : لماذا جاء ذكر محمد وآل محمد بالإقتران دون الإقتصار على أحدهما فى عامة الأحاديث وجاء الإقتصار على ابراهيم وآله فى عامتها ؟


الجواب : أن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله ذُكرت فى مقام الطلب والدعاء ، وأما الصلاة على إبراهيم فإنما جاءت فى مقام الخبر وذِكر الواقع لأن قوله : ( اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ) جملة طلبية ، وقوله ( كما صليت على آل إبراهيم ) جملة خبرية ، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال كان بسطها وتطويلها أنسب من إختصارها وحذفها ، ولهذا يُشرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها فإنها دعاء والله يُحب المُلحين فى الدعاء فإن الدعاء عبودية لله وإفتقار إليه وتذلُل بين يديه فكل ما كثره العبد وطوله وأعاده ونوّع جُمله كان ذلك أبلغ فى عبوديته وإظهار فقره وتذلُله وحاجته وكان ذلك أقرب له من ربه وأعظم لثوابه . .. وأما الخبر فهو خبر عن أمر قد وقع وأنقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان فلم يكن فى زيادة اللفظ فيه كبير فائدة فكان الإيجاز فيه والإختصار أكمل وأحسن .

سؤال : هناك مسألة مشهورة بين الناس وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم فكيف طُلب له من الصلاة ما لإبراهيم مع أن المُشبه به أصله أن يكون فوق المُشبه ؟ فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين ؟ .


الإجابة : تكلم الناس فى هذه المسألة بأقوالٍ كثيرة ، وأحسن ما قيل فى ذلك :
أولاً : قالت طائفة : آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس فى آل محمد مثلهم فيكون الصلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء وكل نبى له فضل كل ذلك جمله مقسومة على محمد صلى الله عليه وسلم وآله فيبقى قَسْمِ النبى صلى الله عليه وسلم والزيادة المتوفرة التى لم يستحقها آله مختصة به صلى الله عليه وسلم فيصير الحاصل له من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم .
ثانياً : وهو الأحسن منه أن يُقال : محمد صلى الله عليه وسلم هو من آل إبراهيم بل هو خير آل إبراهيم فيكون قولنا كما صليت على آل إبراهيم متناولاً للصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم . وقد أمرنا الله أن نُصلى عليه وعلى آله خصوصاً بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً وهو فيهم ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم ويبقى الباقى كله له صلى الله عليه وسلم ، بمعنى : أنه يكون قد صلى عليه خصوصاً وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم ، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم .. فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم وعلى كل من آله وفيهم النبيون ما هو اللائق به وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له .

سؤال : ( اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ) .. هل الكاف هنا للتشبيه أم ماذا ؟


الإجابة : أكثر أهل العلم يقولون أنها للتشبيه ، وقال بعض العلماء أنها للتعليل وأن هذا من باب التوسل بفعل الله السابق لتحقيق الفعل اللاحق ، يعنى كما أنك سبحانك سبق الفضل منك على آل إبراهيم فألحِق الفضل منك على محمد وآله ،وهذا لا يلزم أن يكون هناك مشبه ومشبه به . يقول الشيخ صالح بن العثيمين – رحمه الله – فى كتابه ( الشرح الممتع على زاد المستقنع ) : فهذا القول أعنى أن الكاف فى قوله كما صليت للتعليل من باب التوسل بالفعل السابق إلى تحقيق اللاحق هو القول الأصح الذى لا يرد عليه إشكال . ( ذلك أن القول الأول : أنها للتشبيه : يفتح أو يرد إشكال وهو : أن القاعدة أن المشبه دون المُشبه به وهذا الرأى يُعارض القاعدة وقد أوضحنا الجواب على هذا )

حُكـمـهــا :


ذكر ابن حجر مذاهب العلماء العشر فى حُكم الصلاة على النبى صلىالله عليه وسلم :
1) قول ابن جرير الطبرى : أنها من المستحبات .
2) نُقل ابن القصـار وغيره الإجماع على أنها تجب فى الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الإجزاء : مرة .
3) قال أبو بكر الرازى وابن حزم وغيرهما : تجب فى العُمر فى صلاة أو فى غيرها وهى مثل كلمة التوحيد .
4) تجب فى القعود آخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحلُل .. قاله الشافعى ومن تبعه .
5) تجب فى التشهد وهو قول الشعبى وإسحق بن راهويه .
6) تجب فى الصلاة من غير تعيين محل . نقل ذلك عن أبى جعفر الباقر .
7) يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد . قاله أبو بكر بن بكير من المالكية
8) كلما ذكر . قاله الطحاوى والحليمى وابن العربى قال إنه الأحوط وكذا قال الزمخشرى .
9) فى كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مراراً . حكاه الزمخشرى
10)فى كل دعاء . حكاه الزمخشرى
والراجح والله أعلم أنها تجب لكن أقل ما يحصُل به الإجزاء : مرة . وفيما عدا ذلك فهى مستحبة . ( ملحوظة : الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عبادة فيُستحب الإكثار منها لما فى ذلك من حصول الثواب )

محـلهـا :


يؤخذ من حُكمها ، وأورد ابن القيم أربعين موطن من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من أراد الإستزادة والتفصيل فليراجع كتابه ( جلاء الأفهام فى الصلاة على خير الأنام ) ..

الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم :


[ كما ذكرها ابن القيم فى كتابه ( جلاء الأفهام فى الصلاة على خير الأنام ) ]
1 ) إمتثال أمر الله سبحانه وتعالى .
2 ) موافقته سبحانه فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وإن إختلفت الصلاتان .
3 ) موافقة الملائكة فيها .
4 ) حصول عشر صلوات من الله على المُصلى مرة .
5 ) يرفع له عشر درجات .
6 ) يُكتب له عشر حسنات .
7 ) يُمحى عنه عشر سيئات .
8 ) يُرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه .
9 ) سبب لشفاعته إذا قرنها بسؤال الوسيلة له .
10) سبب غفران الذنوب .

سؤال : هل يجوز كتابة ( ص ) أو ( صلعم ) عند كتابة إسم النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؟


الإجابة : لا يجوز ذلك فإن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عبادة ، فإن لم تستطع كتابتها فأذكرها بلسانك أو فى نفسِك ولكن لا تختصر هذا وتكتب ( ص ) أو ( صلعم ) لأن هذه الكلمة أو هذا الحرف لا يعنى شيئاً ولا يختصر فى العبادات والشرع ..

سؤال : ما هى النصوص التى تدل على أن الآل هُم الأزواج والذُرية ؟


الإجابة : وردت نصوص عديدة توضح أن الآل هم أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته ، ومن ذلك :
(1) عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إجعل رزق آل محمد قوتاً " وفى رواية " كفافاً " .. صحيح .
(2) عن الحسن بن على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" إنّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة " أخرجه أحمد فى مسنده وابن حِبان فى صحيحه .
(3) عن عائشة رضى الله عنها : " ما شبع آل محمد من خُبز شعير يومين متتابعين حتى قُبِض " .
(4) عن أنس :" والذى نفس محمدٍ بيده ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر " .
(5) عن أنس : " ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب وإن عنده يومئذٍ لتسع نسوة " .
(6) عن عائشة :" كُنا آل محمد نمكث شهراً ما نستوقد ناراً إن هو إلا الماء والتمر " .
(7) عن أبو بكر قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " إنما يأكل آل محمد من هذا المال – يعنى مال الله – ليس لهم أن يزيدوا على المأكل "
(8) وفى صحيح مسلم أن الحسن بن علىّ أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فِيهِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كخ كخ إرمِ بها أما علمتَ أنّا لا نأكل الصدقة "
وهذا كله يدل على أن آل محمد هم أزواجه وذريته وليس أُمته وأتباعه بالتأكيد ..

الواجب


الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
ملحوظة هامة

ارجو من الاخوة والاخوات ان يسامحوني عن التأخير في تصحيح صفحاتهم وذلك لمداهمة الالام الرقبة والظهر لي وقلة جلوسي على الجهاز في الوقت الحالى طلبا للشفاء واطمئنهم اني كلما اتيحت لي الفرصة اقوم بقراءة كل ماهو مكتوب من البداية و لااترك شئ بفضل الله
فاكملوا ولاتنتظروا
ولا تقلقوا لكن لا يمكني التصحيح للكل في ذات الوقت
فاعتذر عن التأخير والتمسوا لي العذر
بارك الله فيكم
وجزيتم خيرا
  #14  
قديم 11-05-2010, 05:14 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي




الدرس الحادي عشر



الباب الأول



كتاب التوحيــد


م/ ( ويقول الله تعالى : ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ [ الذاريات 56 ] )

ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ

م/ ( كتــاب التوحيــد )
كتاب : مصدر كتب يكتب كتابة ومادته من الكاف والتاء والباء
وأصله الضم والجمع مثل كتيبة اي مجموعة من الجنود وكتاب اي مجموعة من الصفحات ضُمت الى بعضها
التوحيــد : مصدر وحد يوحد فالتوحيد هو الافراد ومعنى وحدت اي اعتقدت ان الله واحدا في أمور الربوبية والالوهية والاسماء والصفات.
فيكون كتاب التوحيد : اي الكتاب الذي ضم مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالدعوة الى العقيدة والتوحيد الذي هو حق الله على العبيد

( وما خلقت ) أي : أوجدت . ( الجن ) : هو عالم غيبي مستتر عن الأنظار .ومادته من الجيم والنون وأصله كل ماخفي واستتر من العيون مثل الجنين فهو مستتر في بطن أمه , والجنة فهي عالم غيبي بالنسبة لنا لانراها ولانعرف ا لا ما قد ابلغنا به الله ورسوله
( والإنس ) : هم بنو آدم ، وسمـّوا بذلك لأنهم لا يعيشـون بدون إينـاس ، فهم يأنس بعضهم ببعض ، ويتحرك بعضهم ببعض .
( إلا ليعبدون ) أي : يوحدون ، روي ذلك عن ابن عباس .
والعبادة : قال شيخ الإسلام : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
المعنى الإجمالي للآية :
يخبر الله تعالى أنه ما خلق الإنس والجن إلا لعبادته ، فهذا هو الحكمة من خلقهم ، ولم يرد منهم ما تريده السادة من عبيدها من الإعانة لهم بالرزق والإطعام ، ولهذا قال تعالى : ﴿ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ﴾ بل هـو سبحـانه الرازق ذو القـوة المتين ، الذي يُطْعِمُ ولا يُطْعَم ، كما قال تعالى : ﴿ قل أغير الله أتخذ ولياً فاطـر السـموات والأرض وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَم قل إني أمـرت أن أكـون أول من أسـلم ولا تكوننَّ من المشركين ﴾ . [ الأنعام 14 ]
ولما كانت الحكمـة من خلق الإنسـان هي عبادته سبحانه ، أعطى البشـر عقولاً ، وأرسل إليهم رسلاً ، وأنزل عليهم كتباً ، ولو كان الغرض من خلقهم كالغرض من خلق البهائم لضاعت الحكمة من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، لأنه في النهاية يكون كشجرة نبتت ونمت وتحطمت ، ولهذا قال تعالى : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ .
مناسبة الآية للباب :
هذه الآية تدل على وجوب التوحيد ، إذ أن الإنس والجن ما خلقوا إلا لعبادة الله .
من فوائد الآية :
1. أن الحكمة من خلق الخلق عبادة الله .
وعبادته سبحانه هي : طاعته بفعل المأمور وترك المحظور ، وذلك هو حقيقة دين الإسلام ، لأن معنى الإسـلام هو الاستسلام لله المتضمن غاية الانقياد في غايـة الذل والخضـوع .
2. وفي الآية دليل على إثبات وجود الجن .
قال تعالى : ﴿ يا معشر الإنس والجن ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم . . . ﴾
قال تعالى : ﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثير من الجن والإنس ﴾
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يسمع صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) .
3. أن الجن خلقوا للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها وهي عبادة الله .
ففي يوم القيامة يقول الله مخاطباً كفرة الجن والإنس موبخاً ومبكتاً :
﴿ يا معشر الجن والإنـس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا ، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾ . [ الأنعام/ 130 ]
وعليه فمن كفر منهم دخل النار بالاتفاق ن ومن آمن منهم دخل الجنة على القول الصحيح .
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى [ 4 / 233 ] : ( الجن مأمورون بالأصول ، والفروع بحسبهم ، فإنهم ليسوا مما ثلين للإنس في الحد والحقيقة ، فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحد ، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي ، والتحليل والتحريم ، هذا ما لم أعلم فيه نزاعاً بين المسلمين ) . أ. ﻫ
4. أن الله هو الخالق .
كما قال تعالى : ﴿ الله خالق كل شيء ﴾ وقال تعالى : ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾
5. بيان الحكمة في أفعال الله حيث أن الله خلقنا للعبادة ولم يخلقنا هملا .
قال تعالى : ﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾
وقال تعالى : ﴿ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ﴾ قال الشافعي : ( لا يؤمر ولا ينهى ) .

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 11-06-2010 الساعة 01:52 AM
  #15  
قديم 11-09-2010, 06:26 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الدرس الثاني عشر


فوائد مستنبطة من الآية

م/ ( ويقول الله تعالى : ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ [ الذاريات 56 ] )
ـ لماذا ذكر الله عز وجل الجن قبل الانس في هذه الآية ..؟
قيل ان العبادة سرية وجهرية والسرية افضل من الجهرية وعبادة الجن سرية فلا يدخلها الرياء بعكس عبادة الانس فقد يكون فيها الرياء
وهذا مردود عليه
بأن ليس شرطا كوننا لانرى الجن أن عبادتهم سرية وذلك فاننا إن لم نكن نراهم فهم يرون بعضهم فيتحقق فيهم ما يتحقق في الانس وان كان المقصود ان عبادتهم سرية بالنسبة لنا فهذا لايعول عليه فانما التعويل على الواقع بينهم
وقيل قد يكون سبب تقديمهم في الاية هو تقدم وجودهم قبل الانس في الخلق
وهذا أولى من الاول وأقب وبه قال الكثير من المفسرين

ـ هل أسلوب الاية خبري أم انشائي..؟
خبري اي مجرد خبر يخبرنا الله عز وجل به
مثل : ألم تر كيف فعل ربك بعاد فهذه حكاية او خبر عن قوم عاد
والانشائي اي بمعنى الامر والنهي
مثل : أقيموا الصلاة
فهذا امر من الله اي اسلوب انشائي
فما نوع الاسلوب في هذه الاية؟
لو قلنا انه خبري لكان الواقع يكذبه لان هناك الكثير من الناس لايعبدون الله وهناك الكثير من الخلق كافرين
وهذا محال في حق رب العالمين فلا احد اصدق من الله قيلا
اذا فهو امر من الله بالعبادة وليس خبر مجرد
اي ان الله يأمرهم ان يعبدوه ويطيعون اوامره ويجتنبون نواهيه فمن امتثل للأمر فاز ومن خالف خاب وخسر

م/ ( قال تعالى ﴿ ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ )

﴿ بعثنا ﴾ أرسلنا .
﴿ أمة ﴾ طائفة من الناس ،

وتطلق الأمة في القرآن على أربعة معان :


1. الطائفة : كما في هذه الآية .
2. الإمام : كقوله تعالى ﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله ﴾ .
3. الملّة : ومنه قوله تعالى ﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة ﴾ .
4. الزمن : ومنه قوله تعالى ﴿ وادكر بعد أمة ﴾ .
﴿ رسولاً ﴾ : هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ، ورسول هنا نكره تعم جميع الرسل .
﴿ أن اعبدوا الله ﴾ : أي تذللوا له بالعبادة .
﴿ اجتنبوا ﴾ : أي ابتعدوا عنه تمام البعد ولاتقربوا حدوده

﴿ الطاغوت ﴾ : الطاغوت مشتق من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد ، كما في قوله تعالى : ﴿ إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ﴾ ، أي تجاوز حده ، وقد اختلف السلف في تفسير الطاغوت :

قال عمر بن الخطاب : الطاغوت الشيطان .
وقال مالك : الطاغوت هو كل ما عبد من دون الله .
وهذه صحيح لكن لا بد فيه من استثناء من لا يرضى بعبادته مثل عيس عليه السلام جعلوه الها وقالوا انه الله وقال البعض انه ابن الله لكن عيسى عليه السلام لم يرض بذلك فهو ليس طاغوتا بذاته ولكن في نفس من عبده وكذلك بالنسبة للملائكة والصالين من الخلق والجن وكل من عبده الناس بغير رضا منهم فهو طاغوت في نفس من عبده وليس طاغوتا في ذاته .
وأجمع ما قيل في تعريفه، ما قاله ابن القيم : وهو أن الطاغوت: ( ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) .أ.ﻫ.
ومراده رحمه الله أن من كان راضياً بذلك ، أو يقال طاغوت باعتبار عابده وتابعه ومطيعه ، لأنه تجاوز به حده ، حيث نزّله فوق منزلته التي جعلها الله له .
فالمتبوع مثل : الكهان ، السحرة ، علماء السوء .
والمعبود مثل : الأصنام .
والمطاع مثل : الأمراء الخارجين عن طاعة الله ، فإذا اتخذوهم أرباباً يحل ما حرم الله من أجل تحليلهم له ، ويحرم ما أحل الله من أجل تحريمهم له ، فهؤلاء طواغيت .
ـ المعنى الإجمالي للآية :

أخبر سبحانه وتعالى أنه بعث في كل أمة ، أي في كل طائفة وقرن من الناس رسولاًً بهذه الكلمة : أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت أي اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه ، فلهـذا خلقت الخليقه وأرسلت الرسـل وأنزلت الكتب ، كما قال ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه إلا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ . وقال تعالى : ﴿ قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ، إليه أدعو وإليه مئاب ﴾ .
هذه الآية هي معنى لا إله إلا الله ، فإنها تضمنت :
النفي في قوله ﴿ اجتنبوا الطاغوت ﴾ .اي لااله

والإثبات في قوله ﴿ اعبدوا الله ﴾ .اي الا الله

يثبت العبادة لله وحده وينفي عبادة ما سواه .
مناسبة الآية للباب :
قوله تعالى : ﴿ أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ وهذا أمر بالتوحيد وترك الشرك والأمر يقتضي الوجوب .
من فوائــد الآية :

1. دلت الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل هي عبادة الله وحده وترك ما سواه .
لم يزل الله تعالى يرسل الرسل بذلك ، منذ حدث الشرك في قوم نوح الذين أرسل إليهم ، وكان أول رسول بعثه الله إلى الأرض ، إلى أن ختمهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب ، وكلهم كما قال تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ .
2. دلت الآية على أن الرسل اتفقت دعوتهم على التوحيد وإن اختلفت شرائعهم .
كما قال تعالى : ﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الأنبياء أولاد عَلاّت ) .
أولاد العلات : هم الأخوة للأب من أمهات شتى .
معنى الحديث : أن الأنبياء أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة ، فإنهم متفقون في أصول التوحيد وأما فروع الشرائع فوقع فيها الخلاف .
3. أن الله أرسل في كل أمة رسولاً .
كما قال تعالى : ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ﴾ .
4. عظم شأن التوحيد وأنه واجب على جميع الأمم .
5. دلت الآية على أن الله بعث وأرسل الرسل فيجب التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، والكفر بما يعبد من دونه ، وأن جميعهم صادقون مصدقون ، بارّون راشدون ، كرامٌ بررة ، أتقياء أمناء ، هداة مهتدون ، والبراهين الظاهرة والآيات الباهرة من ربهم مؤيدة ، وأنهم بلغوا جميع ما أرسلهم الله به ، لم يكتموا ولم يغيروا ، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفاً ولم ينقصوه .
نكمل المرة القادمة ان شاء الله
الواجب

مامعنى الحديث الانبياء اولاد علات ..؟

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 11-09-2010 الساعة 06:29 AM
  #16  
قديم 11-15-2010, 04:42 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

الدرس الثالث عشر
تكملة فوائــد الآية :

ـ أن الله سبحانه ارسل في كل امة رسولا ولم يخصص امة دون امة بيان لكمال عدله سبحانه
ـ انه سبحانه لم يتركهم هملا بل ارسل اليهم من يرشدهم ويبين لهم
ـ انه ماخلقهم عبثا بل لغاية وهي عبادته سبحانه جل في علاه
ـ اختلاف الناس في الالوهية وليس في الربوبية
ـ اجتناب الطواغيت فرض وحق على العباد كما ان عبادة الله فرض وواجب على العبادولايتم التوحيد الا باجتناب الطاغوت
ـ ان دعوتهم في اصل الدين واحدة ولاتغاير بين دعوته ولا تخالف بين كلمتهم الا في الفروع وهي الشرائع

صور عبادة الطاغوت

ـ التحاكم اليه : قال تعالى :(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )النساء 60
هذا انكار من الله تعالى على من يدعي الايمان بما أنزل الله على رسله ومع ذبلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله
ـ القتال في سبيله : قال تعالى : (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت )
ـ العبادة من دون الله
ـ الموالاة والنصرة والقرب والحب :قال تعالى : (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت)

نكتفي بهذا القدر
ونكمل ان شاء الله يوم السبت القادم
حيث هذه الايام نحتفل فيها بعيد الاضحى المبارك اعاده الله على المسلمين بخير ونصرة ورفعة
تقبل الله منا ومنكم
وعساكم من عواده
وكل عام وانتم بخير
  #17  
قديم 11-21-2010, 05:07 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

الدرس الرابع عشر


م / قوله : ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ﴾ .

ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ

﴿ وقضى ﴾ : قال مجاهد يعني وصى , وكذلك أقر أبي بن كعب وابن مسعود .

وروى ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وقضى ﴾ : وأمر .

﴿ أن لا تعبدوا إلا إياه ﴾ : والمعنى أن تعبدوه ولا تعبدوا غيره . وهذا معنى لا إله إلا الله .

﴿ وبالوالدين إحساناً ﴾ : أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً كما قضى بعبادته وحده لا شـريك له .

المعنى الإجمالي للآية :

أخبر الله سبحانه وتعالى وأمر ووصى على ألسنة رسله أن يعبد وحده دون ما سواه وأن يحسن الولد إلى والديه إحساناً بالقول والفعل ولا يسيء إليهما لأنهما اللذان قاما بتربيته في حال صغره وضعفه حتى قوي واشتد .

مناسبة الآية للباب :

أن التوحيد هو آكد الحقوق وأوجب الواجبات ، ولأن الله بدأ به في الآية ولا يبتدأ إلا بالأهم فالأهم .

من فوائد الآية :

1. أن التوحيد هو أول ما أمر الله به من الواجبات .

2. ما في كلمة ( لا إله إلا الله ) من النفي والإثبات ، ففيها دليل على أن التوحيد لا يقوم إلا على النفي والإثبات ( نفي العبادة عما سوى الله وإثباتها لله ) .

3. وفي هذه الآية دلالة على أن الرسول مربوب لا رب , عابد لا معبود , فهو داخل في قوله ﴿ اعبدوا ﴾ وكفى بذلك شرفاً أن يكون عبداً لله .

ـ قال ابن كثير : وقد سمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته , مقام انزال الكتاب فقال : ﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ﴾

ومقام الدعوة :﴿ وأنه لما قام عبد الله يدعوه ﴾

ومقام الاسراء :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ﴾

فسماه عبداً عند إنزاله عليه وعند قيامه في الدعوة وإسرائه به .

وأرشـده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخاليق , حيث يقول : ﴿ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين , واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ .

4. عظم حق الوالدين ، حيث عطف حقهما على حق الله تعالى دليل على تأكد حقهما وأنه أوجب الحقوق بعد حق الله , وهذا كثير في القرآن أن يقرن بين حقه عز وجل وبين حق الوالدين , كقوله : ﴿ أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير ﴾ وقوله : ﴿ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ﴾

5. وجوب الإحسان إلى الوالدين بجميع أنواع الإحسان القولي والفعلي .

القولي : يكون بالكلام الجميل اللين ، كما قال تعالى : ﴿ وقل لهما قولاً كريماً ﴾ والدعاء لهم لقوله : ﴿ وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً ﴾ والنهي عن قول اي كلمة سوء لهما مهما صغرت مثل الاية التي معنا.

الفعلي : يكون بالنفقة عليهما والمصاحبة والخدمة وبذل كل فعل جميل لهما
والنهي عن اي فعل قبيح او شائن وقال العلماء مثل الاشاحة بالوجه والاعراض عنهما والاشارة باليد وهكذا.

ولقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر ببر الوالدين , والحث على ذلك وتحريم عقوقهما كما في القرآن ، ففي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال : ( سـألت الرسول صلى الله عليه وسلم, أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها , قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين , قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ) .

وعن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى , يا رسـول الله , قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين , وكان متكئاً فجلس فقال : ألا وقول الزور , ألا وشهادة الزور , فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) متفق عليه .

وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين ) . رواه الترمذي وصححه.

وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما ولم يدخل الجنة ) رواه أحمد .

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جـداً .

﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ﴾

المعنى الإجمالي للآية :

قال ابن كثير : في هذه الآية يأمر الله تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له , فإنه الخالق الرازق , المنعم المتفضل على خلقه في جميع الحالات , وهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته . أ.ﻫ

ـ وقرن الأمر بالعبادة التي فرضها بالنهي عن الشرك الذي حرمه . فدلت على أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة .

﴿ شيئاً ﴾ , نكرة في سياق النهي فتعم كل شيء , فلا يشرك معه احد مهما كان لا نبياً ولا ملكاً ولا ولياً ولا أمراً من أمور الدنيا , فلا يجعل الدنيا شريكاً مع الله , والإنسـان إذا كان همه الدنيا كان عابداً لها , كما قال صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار , تعس عبد الدرهم , تعس عبد الخميلة ) رواه البخاري .

﴿ واعبدوا ﴾ دليل على أن التوحيد هو أول واجب على المكلف , لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك في الله كما يقول بعض الضالين المحرفين , والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب , فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ـ وفي رواية ـ أن يوحدوا الله ) . متفق عليه .

وهو آخر ما يخرج به من الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ) . رواه أبو داود

﴿ واعبدوا ﴾ , العمل والعبادة لا تقبل إلا بشرطين :

1. الإخلاص : قال صلى الله عليه وسلم( إنما الأعمال بالنيات ) متفق عليه عن عمر .

2. أن يـكون موافقاً لما جـاء به الرسـول صلى الله عليه وسلم , قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليـس عليه أمـرنا هذا فهو رد ) . رواه مسلم عن عائشة .

﴿ ولا تشركوا به شيئاً ﴾ , الشرك بالله هو أعظم ذنب عصي الله به ، وهو هضم للربوبية وتنقص للألوهية , وهو [ تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله ] .

ـ فالشرك صاحبه مخلد في النار ، قال تعالى : ﴿ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ﴾

ـ وهو محبط للعمل ، قال تعالى : ﴿ لئن أشركت ليحبطن عملك ﴾

ـ وهو أكبر الكبائر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أكبر الكبائر الإشراك بالله )

ـ أن الله لا يغفر لصاحبه إذا مات ولم يتب منه ، كما قال تعالى : ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ .

وكيف لا يكون أعظم ذنب عصي الله به وقد جعل لله شريكاً في عبادته وقد أوجده من العدم , وغذاه بالنعم .

والشرك ينقسم إلى قسمين :

أولاً : شرك أكبر : وهو الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة , وصاحبه إن لقي الله به فهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين , قال تعالى : ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ .

ثانياً : شرك أصغر : وصاحبه إن لقي الله به فهو تحت المشيئة , إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة , وإن شاء عذبه , ولكن مآله إلى الجنة .

ومن أنواع الشرك الأصغر : الحلف بغير الله , وإن لم يقصد تعظيم المحلوف به ومنه يسير الرياء والتصنع للخلق .

نكتفي بهذا القدر ونكمل المرة القادمة باذن الله


الواجب
ماالفرق بين الشرك الاكبر والشرك الاصغر..؟
وجزاكم الله خيرا

  #18  
قديم 11-28-2010, 01:36 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الدرس الخامس عشر

م/ ( قوله : ﴿ قل تعالوا أتلو ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون . ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون . وأن هذا صـراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ... ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون المائدة .
ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ
قال ابن كثير : ( يقول الله تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله ، وحرموا ما رزقهم الله ، وقتلوا أولادهم ، كل ذلك فعلوه بآرائهم الفاسدة ، وتسويل الشيطان لهم .
﴿ تعالوا ﴾أي : هلمّوا وأقبلوا .
﴿ أتلُ ما حرم ربكم عليكم ﴾ أي : أقصص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقاً ، لا تخرُّصاً ولا ظنّاً .
﴿ ألا تشـركوا به شـيئاً ﴾ قال : وكأن في الكلام محذوفاً دل عليـه السـياق ، وتقديره : وصـاكم ألا تشركوا به شيئاً )
# وابتدأ الله تعالى هذه الآيات المحكمات بتحريم الشرك والنهي عنه ، فدل أن التوحيد أوجب الواجبات ، وأن الشرك أعظم المحرمات .
ولفظ الشرك يدل على أن المشركين كانوا يعبدون الله ، ولكن يشركون به غيره من الأوثان والصالحين والأصنام ، ولهذا سئلوا عما يقول لهم ، قالوا : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، كما قاله أبو سفيان .
﴿ وبالوالدين إحساناً ﴾ أي : وأتل عليكم الأمر بالإحسان إلى الوالدين .
قال القرطبي : الإحســان إلى الوالدين : بـرهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما .
﴿ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ﴾هذه الوصية الثالثة وهي تحريم قتل الأولاد ( الأولاد في اللغة العربية يشمل الذكر والأنثى ) بسبب الإملاق وهو الفقر ، وكانوا في الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفقر فنهاهم الله عن ذلك مع ذكر السبب الذي كانوا من احله يقتلونهم واخبر انه رازقهم ورازق اولادهم


قال الرازي انه بعد ان اوجب حقوق الوالدين اوجب حقوق الابناء .
وقال الشيخ ابن عثيمين في هذه الاية
بدأ هنا (ولاتقتلوا اولادكم من املاق) برزق الوالدين ( نحن نرزقكم واياهم) وفي سورة الاسراء (ولاتقتلوا اولادكم خشية املاق) بدأ برزق الاولاد ( نحن نرزقهم واياكم)والحكمة في ذلك انه قال هنا من املاق فالاملاق حاصل فبدأ بذكر الوالدين الذين املقا وهناك قال خشية املاق فهما غنيان يخشيان الفقر فبدأ برزق الاولاد قبل رزق الوالدين

﴿ ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ﴾

قال صاحب الظلال : الفواحش هو كل ما احش اي تجاوز الحد وان كانت احيانا تختص بنوع نها وهو فاحشة الزنا
قال الرازي الاولى الا يخصص هذا النهي بنوع معين بل يجري على عمومه في جميع الفواحش ظاهرها وباطنها لان اللفظ عام

قال ابن عطية : نهي عام عن جميع الفواحش ، وهي المعاصي .
﴿ ما ظهر منها وما بطن ﴾ قيـل : ما ظهـر فحشـه وما خفي ، وقيل : ما أظهـرتموه وما أسررتموه ، وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعاً : " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "
﴿ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾النفس التي حرم الله هي النفس المعصومة ، وهي : نفس المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن .
قال ابن كثيـر : هذا مما نص تعالى على النهي عنه تأكيـداً ، وإلا فهـو داخل في النهي عن الفواحش

سؤال كذلك قتل الاولاد داخل في النهي عن الفواحش وايضا داخل في النهي عن قتل المؤمن فلماذا ذكره منفردا رغم دخوله فيهما؟
لان هذا النوع من القتل رغم انه من الفواحش ورغم انه من الكبائر الا انه افرد لانه قتل يصحبه خلل عفائدي فلزم التنبيه عليه.
قال تعالى : ﴿ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجـزاؤه جهنم خـالداً فيها وغضب الله عليـه ولعنـه وأعـد له عذاباً عظيماً ﴾ .
وقال النبي :صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات ... وذكر منها : قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق " متفق عليه
وقال : " لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " . رواه النسائي
سؤال

ذكر في الحديث السابق من السبع الموبقات قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فما هو هذا الحق..؟
الحق الذي أثبته الشرع في قتل النفس المعصومة ، ما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امريء مسلم إلا بثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " متفق عليه
﴿ ذلكم وصاكم به ﴾ المشار إليه ما سبق من هذه المحرمات ، والوصية : هي الأمر المؤكد المقرر
﴿ لعلكم تعقلون ﴾لعل : للتعليل أن الله وصانا بهذه الوصايا ، وأمرنا بهذا ، وأكد علينا فيها لنعقلها ونعمل بها .
﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ﴾هذا حماية لأموال اليتامى أن لا نقربها إلا بالخصلة التي هي أحسن ، فإذا لاح للولي تصرفات أحدهما أكثر ربحاً فالواجب عليه أن يأخذ بما هو أكثر ربحاً لأنه أحسن
قال الجصاص وخص اليتيم فيما امرنا به من ذلك لعجزه عن الانتصار لنفسه ومنع غيره عن ماله ولما كانت الاطماع تقوى في اخذ ماله اكد النهي عن اخذ ماله بتخصيصه بالذكر

اليتيم هو من مات أبوه وهو صغير .
﴿ حتى يبلغ أشده ﴾ قال مالك وغيره : هــو الرشـد وزوال السـفه مـع البلـوغ بعـد أن نختبره .
﴿ وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ﴾ قال ابن كثير :
( يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والعطاء ، كما توعد عليـه في قوله تعالى : ﴿ ويلٌ للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ... ﴾ ) . أ . ﻫ
وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان وهم قوم شعيب .
﴿ لا نكلف نفساً إلا وسعها ﴾ قال ابن كثير :
( أي من اجتهد في أداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه ) .
﴿ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ﴾هـذا أمر بالعـدل في القول والفعل ، على القريب والبعيد ، قال تعالى : ﴿ ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ .
﴿ وبعهد الله أوفوا ﴾قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : الظاهر أن الآية فيما هو أخص ، كالبيعة والذمة والأمانة والنذر ونحو ذلك ، وهذه الآية كقوله تعالى : ﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ﴾ .
﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ﴾يقول تعالى : هذا وصاكم وأمركم به وأكد عليكم فيه لعلكم تذكرون ، أي : تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه .

﴿ وأن هذا صراطي مستقيماً ﴾يحتمل أن المشار إليه ما سبق ، ويحتمل أن المراد ما علم من دين الله ، وهو اتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وإخلاص العبادة له .
قال ابن القيم في الصراط المستقيم : ( وحقيقته شيء واحد ، وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلاً لهم إليه ، ولا طريق إليه سـواه ، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسـن رسـله ، وجعله موصلاً لعباده إليه ، وهو إفراده بالعبودية ، وإفراد رسله بالطاعة ) . أ . ﻫ
﴿ ولا تتبعوا السبل ﴾ السبل : قال مجاهد : هي البدع والشهوات .
وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية ، وعباد القبور ، والبدع والضلالات .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : (أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي ما عليه أنا وأصحابي ، وفي رواية : الجماعة )
﴿ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾أي ذلكم المذكور وصاكم به لتنالوا به درجة التقوى والالتزام بما أمر الله به ورسوله
مناسبة الآيات للباب :
أن الله سبحانه ذكر فيها جملاً من المحرمات فبدأ بالنهي عن الشرك فدل هذا على أن الشرك أعظم المحرمات .
فائدة ذكر في بداية الايات لعلكم تعقلون ثملعلكم تذكرون ثم قال لعلكم تتقون لو تأملتم في الترتيب فالانسان اذا تعقل تذكرواذا تذكر اتقى

فانتهى عن ماحرم الله
نكمل المرة القادمة ان شاء الله
الواجب

لماذا افرد قتل الاولاد رغم دخوله في الفواحش؟
  #19  
قديم 12-04-2010, 04:33 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الدرس السادس عشر

م/ ( قال ابن مسـعود : من أراد ينظر إلى وصية محمد e التي عليها خاتمه ، فليقرأ قوله تعالى : ﴿ قل تعالـوا أتلو ما حـرم ربكم عليكم ألا تشـركوا به شيئاً ... إلى قوله : وأن هذا صـراطي مستقيماً ﴾ . رواه الترمذي وحسنه
ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ
ابن مسـعود هو : عبـد الله بن مسعود بن غافل صحابي جليل من السابقين الأولين ، ومن أهل بدر ، وأحد ، والخندق ، وبيعة الرضوان ، وهو من كبار الصحابة ، مات سنة ( 32 ﻫ ) .
# معنى هـذا الأمر : من أراد أن ينظر إلى الوصية التي كأنها كتبت وختم عليها ، فلم تُغيَّر ولم تُبدَّل فليقرأ قوله تعالى : ﴿ قل تعالوا ... ﴾ إلى آخر الآيات .
شبهها بالكتاب الذي كتب ثم ختم ، فلم يزاد فيه ولم ينقص ، فإن النبي e لم يوصي إلا بكتاب الله سبحانه وتعالى ، كما قال u فيما رواه مسلم : ( وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله ) .
فابن مسعود يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كله ، فكأنها الوصية التي ختم عليها النبي e وأبقاها لأمته .
وكأن سبب هذا القول من ابن مسعود ـ والله أعلم ـ هو ما رواه البخاري عن ابن عباس t قال : ( لما اشتد بالنبي e وجعه ، قال : " ائتوني بكتـاب أكتب لكم كتاباً لا تختلفوا بعده " ، قال عمر : إن النبي e غلبه الوجع ، وعنـدنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : " قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع ، فخرج ابن عباس وهو يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول e وكتابه ) . البخاري (114) ، ومسلم (1637)

م/ ( وعن معاذ بن جبل t قال : كنت رديف رسول الله e ، فقال لي : " يا معاذ ! أتدري ما حق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ؟ " قلت الله ورسـوله أعلم ، قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً " ، قلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس ؟ قال : " لا تبشرهم فيتكلوا " ) . رواه البخاري (128) ومسلم (30)
ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ
معـاذ هـو: معاذ بن جبل بن أوس الأنصاري ، صحابي مشهور من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها .
قال النبي e : ( معاذ يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوة ) . أخرجه ابن سعد وأبو نعيم
قال في النهاية : ( إنه يتقـدم العلمـاء برتـوة أي : برميـة سهم ، وقيل : بميل ، وقيل : مد البصر ) . أ . ﻫ
وهــذه الثلاث أشبه بمعنى الحديث .
مات سنة (18ﻫ) بالشام في طاعون عمواس .
( كنت رديف النبي e ) رديف : بمعنى رادف ، أي راكب خلفه .
ـ جواز الإرداف على الدابة إذا لم يشق عليها .
ـ فيه فضيلة لمعاذ t من جهة ركوبه خلف النبي e ، وقد قال النبي e لمعاذ : ( إني أحبك في الله ) . رواه أبو داود
( على حمار ) فيه تواضع النبي u والركوب على الحمار خلاف ما عليه أهل الكبر .
( فقال لي : يا معاذ ، أتدري ) أتدري : أتعلم .
( ما حق الله على العباد ) حق الله على العباد : هو ما يستحقه عليهم ، ويجعله متحتماً ، وما يجب أن يعاملوه به .
( حق العباد على الله ) أي : ما يجب أن يعاملهم به ، والعبـاد لم يوجبوا شـيئاً ، بل الله أوجبه على نفسه فضلاً على عباده .
فأهل السنة يقولون : هو الذي كتب على نفسه الرحمة ، وأوجب هذا الحق على نفسه لم يوجبه عليه مخلوق .
المعتزلة يدعون أنه واجب عليه بالقياس على الخلق ، وغلطوا في ذلك .
( قلت : الله ورسوله أعلم ) : فيه حسن أدب المتعلم ، وأنه ينبغي لمن سُئل عما لا يعلم ، أن يقول ذلك ، خلاف أكثر المتكلفين .
( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) أي يوحدوه بالعبادة وحده ولا يشركوا به شيئاً .
وفائدة هذه الجملة: بيان أن التجرد من الشرك لا بد منه في العبادة ، ومن لم يتجرد من الشرك لم يكن آتياً بعبادة الله وحده.
( وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ) وهذا حق تفضل الله به على عباده ، ولم يوجبه عليه أحد .
المعنى الإجمالي للحديث :
أراد النبي e أن يبين وجوب التوحيد على العباد وفضله فألقى ذلك بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم ، فلما بيّن لمعاذ فضل التوحيد ، استأذنه معاذ أن يخبر بذلك الناس ليستبشروا ، فمنعه النبي e من ذلك خوفاً من أن يعتمد الناس على ذلك فيقللوا من الأعمال الصالحة .
فوائــد الحديث :
1. يستحب للعالم أو المدرس أن يطـرح بعض المعلومات على وجه الاستفسـار ليكون أوقع في النفس ، وأبلغ في فهم المتعلم ، فإن الإنسان إذا سُئل عن مسألة لا يعلمها ، ثم أخبر بها بعد الامتحان بالسؤال عنها ، فإن ذلك أوعى لفهمها وحفظها ، وهذا من حسن إرشاده وتعليمه e ، والأمثلة من السنة كثيرة جداً .
2. ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم .
ولنا في رسول الله e قدوة حيث قال لا أدري حينما سئل عما لا يعلم كما جاء في الحديث :
3. استحباب بشارة المسلم بما يسره ، سواءً كان من أمر الدنيا أو الدين .
ولذلك بشرت الملائكة إبراهيم u ، قال تعالى : ﴿ وبشروه بغلام عليم ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ فبشرناه بغلام حليم ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحي ﴾ .
ولهذا لما أنزل الله توبة كعب بن مالك وصاحبيه ذهب إليه البشير فبشره .
( البشارة هي الإخبار بما يسر ) .
4. جواز كتمان العلم للمصلحة ، أما كتمانه على سبيل الإطلاق فلا يجـوز .
لقول النبي e : ( من سُئِل عن علمٍ فكتمه أُلجم بلجامٍ من نار ) .
وأما كتمه أحياناً أو عن بعض الأشخاص فجائـز إذا ترتب على إظهاره مفسـدة متحققة ، ولذلك قال u لمعاذ : ( لا تبشرهم فيتكلوا ) ، وقد أخبر بها معاذ عند موته متأثماً ، أي : تحرجاً من الإثم .
5. أن هذه المسألة لا يعرفها كثير من الصحابة ، وذلك أن معاذ أخبر بها عند موته خروجاً عن إثم الكتمان بعد أن مات كثير من الصحابة .
6. الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله، لأن الاتكال على سعة رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي: الأمن من مكر الله .
7. جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض ، وذلك أن النبي u خص هـذا العلم بمعاذ دون أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، حيث أن بعض الناس لو أخبرته بشيء من العلم افتتن .
قال ابن مسعود : ( إنك لن تحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . رواه مسلم
وقال علي t : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ) . رواه البخاري
8. فضيلة معاذ ومنزلته من العلم ، لكونه خُص بما ذكر .
9. استئذان المتعلم في إشاعة ما خُص به من العلم .
10. فضل التوحيد وفضل التمسك به .
ـذكر المصنف في هذا الباب من النصوص ما يدل على أن الله خلق الخلق لعبادته والإخلاص له ، وأن ذلك حقه الواجب المفروض عليهم .
فجميع الكتب السماوية ، وجميع الرسل، دعوا إلى هذا التوحيد، ونهوا عن ضده من الشرك والتنديد، خصوصاً محمد e .
وهذا القرآن الكريم فإنه أمر به وفرضه وقرره أعظم تقرير ، وبيّنه أعظم بيان ، وأخبر أنه لا نجاة ولا سعادة إلا بهذا التوحيد وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية والأفقية والنفسية أدلة وبراهين على هـذا الأمر بهذا التوحيد ووجوبه .
فالتوحيد هو حق الله الواجب على العبيد ، وهو أعظم أوامر الدين ، وأصل الأصول كلها ، وأساس الأعمال .

وبذلك نكون انتهينا من الباب الاول في الكتاب

وبيان : يقام ان شاء الله اختبار في الباب بأكمله يوم السبت القادم 11/12/2010م
ارجو الا يتخلف احد
واجو الهمة والجد فهذا دينكم فلا تفرطوا فيه
يوم الخميس القادم ان شاء الله تابعوا هنا لاني سأقوم بوضع لوائح وقوانين الاختبار ان شاء الله
اجو ان ترفعوا رأسي وتشرفوني وتكونوا كلكم من الاوائل ان شاء الله
جزاكم الله خيرا
  #20  
قديم 12-21-2010, 10:37 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الباب الثاني

فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

لما ذكر في الترجمة السابقة وجوب التوحيد (الباب الاول)، وأنه الفرض الأعظم على جميع العبيد ، ذكر هنا (الباب الثاني )فضله ، وآثاره الحميدة ، ونتائجه الجميلة ، وليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة ، والفضائل المتنوعة ، مثل التوحيد ، فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله .

وقول المؤلف : ( وما يكفر من الذنوب ) من باب عطف الخاص على العام ، فإن مغفرة الذنوب وتكفير الذنوب من بعض فضائله وآثاره . بمن انه قال:

فضل التوحيد(وهذا فضائله كثيرة ومنها تكفير الذنوب)
ثم قال : ومايكفره من الذنوب وهي بلاشك داخلة في فضائل التوحيد لكنه ذكرها مرة اخري بعدها من باب عطف الخاص(الذي هو تكفير الذنوب) على العام (الذي هو فضائل التوحيد) وذلك لابراز اهميته


م/ ( وقول الله تعالى : ﴿ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )
ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ
﴿ الذين آمنوا ﴾ أي : وحدوا الله ، وأخلصوا له العبادة ، وآمنوا أن إلههم الحق .
﴿ ولم يلبسوا ﴾ لم يخلطوا ، ولبس الشيء بالشيء : تغطيته به ، وإحاطته به من جميع جهاته .
﴿ إيمانهم ﴾ توحيدهم .
﴿ بظلم ﴾ الظلم هنا المقصود به الشرك .
ولذلك روى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : ( لما نزلت هذه الآية ﴿ ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ﴾ قلنا يا رسول الله ، أينا لا يظلم نفسـه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ليس الأمر كما تظنون ، إنما المراد به الشرك ، ألم تسمعوا إلى قول الرجل الصالح : إن الشرك لظلم عظيم " ) .
قال شيخ الإسلام : ( الذي شق عليهم ظنوا أن الظلم المشروط هو ظلم العبد لنفسه ، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه ، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلمما دلهم على أن الشرك ظلمٌ في كتاب الله ، وحينئذٍ فلا يحصل الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبسوا إيمانهم بظلم ) .
﴿ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ﴾
قيل : ﴿ لهم الأمن ﴾ أي في الآخرة ، ﴿ وهم مهتدون ﴾ أي في الدنيا .
وقيل : ﴿ لهم الأمن ﴾ أي الأمن الكامل إذا لم يأتوا بكبيرة ، ﴿ وهم مهتدون ﴾ أي في الدنيا إلى شرع الله بالعلم والعمل وفي الآخرة إلى الجنة .
﴿ لهم الأمن ﴾ هل أمن كامل أم لا ؟
نقول : إن كان إيمانه كاملاً وسليماً من المعاصي فله الأمن الكامل ، وأما إذا سلم من الشرك الأكبر ولم يسلم من الشرك الأصغر وبعض الذنوب ، فهدايته وأمنه ليس كاملاً .
مثال ذلك : مرتكب الكبيرة آمن من الخلود في النار ، وغير آمن من العذاب ، بل هو تحت المشيئة .
وأما من وافى الله محققاً للتوحيد ، فإنه آمن أمناً مطلقاً ، آمن من الخلود في النار ، وآمن من العذاب .
قال شيخ الإسلام : ( فمن سلم من أجناس الظلم الثلاث ، يعني الظلم الذي هو الشرك ، وظلم العباد ، وظلمه لنفسه بما دون الشرك ، كان له الأمن التام والاهتداء التام ) . أ . ﻫ
المعنى الإجمالي للآية :
يخبر سبحانه أن الذين أخلصوا العبادة لله وحده ولم يخلطوا توحيدهم بشرك هم الآمنون المهتدون في الدنيا والآخرة
مناسبة الآية للباب :
أنها دلت على فضل التوحيد وتكفيره للذنوب .
من فوائد الآية :
1. دلت الآية على فضل التوحيد وتكفيره للذنوب ، لأنه من أتى به تاماً فله الأمن والاهتداء التام ، ودخل الجنة بلا عذاب .
2. أنه كلما انتفى الظلم وُجد الأمن والاهتداء ، وكلما كمل التوحيد ، وانتفت المعصية ، عظم الأمن والاهتداء
3. أن الشرك أعظم الظلم .
& والظلم أنـواع :
أولاً / الشرك بالله ، وهو أعظم الظلم كما قال تعالى : ﴿ إن الشرك لظلم عظيم ﴾ .
ثانياً / ظلم العبد نفسه بالمعاصي ، قال تعالى : ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ﴾ .
ثانياً / ظلم العبد لغيره ، وهو ظلم العباد بعضهم لبعض . قال تعالى : ﴿ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب عظيم ﴾ .
4. أن الشرك يسبب الخوف في الدنيا والآخرة ويمنع الامن .

نكتفي بهذا القدر اليوم

وموعدنا السبت القادم ان شاء الله
مع نتائج الاختبار
وحفل بسيط بهذه المناسبة
نقوم فيه بعون الله باعلان اسماء المتفوف الذي يحتل المركز الاول في هذا الاختبار (فياتري من سيكون؟؟)
وايضا توزيع الشهادات على الناجحين
وجزاكم الله خيرا
فلا تحرمونا وجودكم ودعوة الاهل والاصدقاء وكل من تحبون ليكتبوا كلمات التهنئة لكم وللفائزين فتكون دافع للخير دائما وتشجيع للاخرين

في انتظار الجميع ان شاء الله

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 12-21-2010 الساعة 10:41 PM
موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
(متجدد), المجيد, الباب, الثاني, دروس, شرح, فتح, إختبار, نهاية, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:56 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.