انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-27-2011, 09:51 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




Tamayoz تَساقطَ شَعْري.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .




تقول: إنها المرة الأخيرة التي أشاهدُ فيها حُلمًا!

كان ذلكَ قبل أن تخونني الأشياءُ منذ زمن، وليسَ أي زمن، إنه الزمن القصير جدًّا، والذي أقضيه؛ لتموت كلُّ أجزائي ببُطء.

كيف يُمكنني أن أتحسَّس ملامح العالَم، ويداي قد تجمَّدتْ بين شتاءَين؟


لقدَ مضى وقتٌ أطالتْه القوانين الكونية لأيِّ شيءٍ يتلاشى.

شيءٌ لَم يفارقه نفَسُ الحياة، لكنَّه بَقِي مكتوبًا عليه أن يُغادِر، أن ينتظر مَن يأخُذه ليُغادِر.

رُبَّما أنني أسكنُ هذه الجدران التي تُحيطني من كلِّ جانب، أتشكل كقاعدةٍ هزيلة، لا يُمكنُ أن تحملَ سقفًا، أو تسندَ زاوية.

الجدران التي بَقِيتْ خاويةً من كل شيء: الصور، البصمات، اللحظات، الوعود، الأمنيات والأحلام، بقيت كمَن تعمل بوَّابة تفتح وتغلقُ بابًا، تقفُ بجانبه ساعاتٍ طوالاً.

لا تَملكُ إلا نظرةً كسيرة، وعينين تُراقبانِ الأشياءَ العابرة بكل حزنٍ، وفقرٍ، وضَياع.

أصبحتُ بين الهجرة والهَجْر.

وصدري ذاكَ الذي يتنفسُ ببُطءٍ وكأنه يبتسمُ في وجْه الأكسجين بانكسارٍ، طالبًا إيَّاه ألاَّ يشحَّ عليه ببعض الذرات التي تسدُّ جوعَه، صار كبيتٍ عتيق، هجرتْه كلُّ الأشياء الجميلة.

وفتَح أبوابه لتُهاجر إليه الأشياءُ البشعة، تلك الأشياءُ التي تتكاثر وتنمو بشكلٍ مُخيف، تتمرَّد ولا يُمكنُ أن يَقِف أمامها شيء، الأشياء التي استقرَّتْ في صدري وأبتْ بعد الاستقرار أنْ تَهجُرني، أو تُهاجرني.

كيف لي أن أتخيَّل حجم الأمور الراحلة، والتي عليّ توديعُها؟
الأمور التي الْتحفتِ اللون الأبيض، ذلك اللون الذي يدل على الأشياء النقيَّة، اللون الذي يستبشرُ به الناس، ويغتسلون به من السواد، يُطهِّرون به أحلامهم وآمالَهم، يتخيَّلونه عالَمًا مُغطًى باليَاسَمين.

إنه اللون الذي تفرَّد بخاصية لا يَملكُ أيُّ لونٍ أن يقومَ بها، اللون الذي يناسبُ الرحيل ويشبهُه، ويَنتزع من أعيننا كلَّ الألوانِ بهدوء؛ لنصِل أخيرًا لنتيجةٍ واحدة هي: (الموت).

حاولتُ مرارًا أن أصنَعَ من الآمال - التي أُصيبتْ فجأةً بالعُقم - آمالاً حُبْلى؛ علَّها تلدُ لي جَنينًا أتمسك به، ويكبرُ معه فيَّ شيءٌ من الفرَح.

لكنَّها لَم تكنْ سوى محاولات مستحيلة، ولَم يكنِ الفرحُ سوى مَمَر ضَيِّق، لا يحتملُ أن تَعبُرَ من خلاله جِراحُ الصورة المكسورة.

وحْدَها المرآةُ بروازٌ لكلِّ ما حدَث في صورتي، مما أحدثتْه الأيامُ التي صنعتْ لي بين ساعاتها الكثير من لحظات الوداع، الذي لا أملكُ سواه كقبلة أخيرة.

لَم تَعُد المرآةُ سوى شبح مُخيف، كلما حدقتُ فيها أكثر، أُصبتُ بالرعب أكثر.

فأيُّ سلاحٍ ذاكَ الذي قد يَحميني من منظر عينين ذابلتين، ليس هناك حاجبٌ يَحميهما؟


وأيُّ تعويذة تلك التي قد تَحرسني من اصفرار شاحب، وشفاه مُمَزَّقة، ودمعاتٍ مَيِّتة على الأجفان؟

وأيُّ وسيلة تلك التي تستطيعُ - وإنْ أنْهَتْ من حياتي المرايا الزجاجية - أن تُنهي بقيَّة المرايا التي تعكِسُ صورتي؟ كأعينهم التي لا يُمكنُ أن تُمْحَى أو تتهشَّم النظرة المميتة في داخلها، كأحلامي العابرة أمامي إلى تابوت تنتظرُ لحاقي بها، ومُدن ومبانٍ، وفضاءات ضاقتْ، وأزهار ذَبُلَتْ، وربيع رثَاني، وخريف طيِّب احتواني كورقةٍ ذابلة، لا بدَّ لها أن تسقط، ولا تَملك إلاَّ أنْ تتقبَّله كأفضل الفصول.

لقد كان عليَّ أنْ أقوم بإزالة كل ما قد يُشيرُ إلى الحياة، أن أُبعد الثيابَ الجميلة، والزينة المركونة في زاويةٍ تحتضر، والصناديق المكتظَّة بالسنين؛ من أوراقٍ، وذِكرياتٍ، وحنين.

كان يجبُ أن أعيشَ في غرفةٍ جدارُها أبيض، وسَقْفها أبيض، وكل ما تحتويه - من ستائر، وخزانات، وطاولات، وسجَّاد - يتلبَّسُ بالأبيض.

أن أنام على سريرٍ مفارشه بيضاء، قواعدهُ بيضاء، أعمدته بيضاء.

وأن أكون داخل هذا كله الشيء الوحيد ذا اللون الأسود.

إنه الاستعدادُّ الجبريُّ للموت.

فلن يُجدي أن نحاوِلَ إبقاء شيءٍ كلُّ ما حولَه يدفعه للانتهاء.

إن تلك النظرات، الدموع، الآهات، التي خلفوها لي بعد كلِّ زيارة، أو حديث، أو حتى بصمة وداع، يتكرر صداها في كل أرجائي، حين أحاولُ أن أجعل الدائرةَ تتَّسِع، والتي لا تزدادُ إلا ضِيقًا وتكادُ تتلاشى إلى نقطةٍ صغيرة، لا تُرى في الوجود، حتى وإن وُضعِتْ تحت المجهر.

وحدها الذكرى مِجْهَر لا يمكنُ أن تختفي من تحته الأشياء.

الذكرى التي قد تكونُ سنينَ ورديَّة، أو قد تكونُ صورةً عابرة، أو قلمًا، أو بقايا كتاب تمزَّق إثرَ مصيبة حلَّت بالأشياءِ الساكنة، وتتابعتْ حتى وصلتْ لكلِّ شيءٍ مُتحرِّك ليسْكُنَ وينتهي.

كيف يكونُ للسماء حدٌّ؟ ويصبح الفضاء بقعة صغيرة لا يُمكنُ أن تمتدَّ؟


كيف تتباكَى الأغصانُ على الأوراق الساقطة، والتي حملتْ ما قد يؤذي ذلك الوطن الشجريّ إلى البعيد، واستسلمتْ للريحِ التي تعملُ على إبادة الأوطان؟

كيف تهاجر العصافير من مواطن الحياة خوفًا من وباء؟

وكيف يخونُ السحابُ أرضًا استبشرتْ به، ثم غادَر دون أن يرويَ ظمأها ولو بقطرةٍ عابرة؟

وكيف لي أن أكون وعاءً يحملُ في داخله دَمًا وسُمًّا يجري في الأوردة، وتتغذَّى منه كل خليةٍ تجهل أنها مصابة بالتسمُّم، وأنها عن قريبٍ ستصبحُ عليلةً لا تعمل، ليُصابَ الجسدُ بعطبٍ مروِّع؟

هل أستطيعُ أن أُخبِّئ بين عيْنَي أحلامي التي أصبحتْ كعقدٍ من لؤلؤٍ، تناثرتْ حَبَّاته واحدةً تلو الأخرى في لحظةِ انكسارٍ مؤلِمة؟

أم هل أعلِّق بين يدي الزمن أصواتًا عَبرت أيامي سريعة؟

صوت الحياة، صوت الأماني الباقيات، صوت الزَّهر الذي نَمَا في ربيعي ثم مات، صوت أمي وأبي، و الرجاء المنقطع خلف نحيبِ البكاء.

رُبَّما الشيء الوحيد الذي يقدِّمه لنا العِلمُ المسبق بالرحيل، هو إعطاؤنا فرصةً لتوديعِ كل الأشياء التي أحببناها يومًا، أو التي كُنَّا قد أحببناها.

ما زلتُ أحتفظُ ببقايا كتابٍ كان سيوصلُني يومًا للنجاح، وبقايا فستانٍ كنتُ سأصِلُ به يومًا إلى منصةِ الملكات، وبقايا قُصاصاتٍ مبعثرة من الأيام.

وصندوق عتيق أحتفظُ فيه بجزءٍ مني: شعري الذي أوجعتْه محاولاتُ الشفاء!

إنه الصندوق الوحيد الذي حين يكون بين يدي، أشعرُ برجفةٍ تكادُ تهزُّ الأرض من تحتي.

إنه الصندوق الوحيدُ الذي ما أنْ أفتحه - لأرى داخله خُصلاتي المتناثرة كجسدٍ ميِّت - إلاَّ وأنهمرُ باكيةً بكاءً لا يُمكنُ أن توقِفَه تلك المحاولاتُ الصعبة من الغصات الخانقة.

تساقطَ شَعري، وتساقطتْ معهُ كلُّ الأشياء من عيني؛ لتختنقَ أنفاسُ الصباحِ في جوْفي.

فأيُّ حزنٍ ذاكَ الذي يستطيعُ أن يصِفَ وجعي المتكاثر حول رئتيّ، حتى إنني أختنق ولا أكاد أتنفَّس؟

لقد انتهتْ مع كل خصلةٍ سقطتْ مئاتُ الأشياء في قلبي، وبِتُّ أموتُ في الثانية ألفَ مرة.

كم تمنَّيتُ أن أُغْمِض عينيّ فلا أفتحهما مُجَدَّدًا، أصبحتِ الحقيقةُ مُرَّةً للحد الذي لَم تَعُدْ فيه الحياة تُغريني بالبقاء.

هل أخافُ الموت، وأنا أفتحُ أبوابي كلَّ ليلةٍ لاستقباله، أرتبُّ خُصلاتَ شعري المتساقطة كجسرٍ ممتدٍّ؛ حتى توصلَني إلى السماء؟


لقد أصبحَت كحبالٍ طويلة أتعلقُ فيها؛ كي أرتفعَ عن الأرض، وعن كل الألَم في جوْف الأرض.

إنها السيئاتُ التي تتساقط، إنها الكبدُ التي تتفتَّت من شِدَّة الحُرقة، إنها النجومُ التي تنْزوي في الظُّلمة، إنها البكاءُ المميت.

تلك هي خُصلاتُ شعري، التي منذُ أن تناثرتْ تاركةً خلفها دمارًا فظيعًا، والنوافذ مُغلقة لا يُمكن أن تُفتَح، إلاَّ نافذة واحدة، تخترقُ الجدرانَ الحبيسة، تتخطَّى الأماكن المظلمة والأصواتَ المخنوقة، نافذة بيضاء، نافذة حريرية، تُطِلُّ على السماء، أنظرُ منها للعالمِ الذي يفوقُ أيَّ عالَم آخرَ.

النافذةَ التي منها يلفُّ زوايا أوجاعي حنانٌ ورحمة، فتهدأ الأنَّات وتَسْكُن الآلامُ حتى أنام.

تسَاقطَ شَعري، إنها:
إلى الزهورِ الماكثةِ تحت جبروت المرض الخبيث: (السرطان).
إلى القلوبِ التي أيقنتْ أنها مدعوَّة لعالَمٍ لا نصَبَ فيه ولا وصَب.
إلى كلِّ مَن حرَّك بداخله هذا الحرفُ شيئًا من ألَمٍ.
وإنها أيضًا إلى العالمين.
خلفَ سياج المعجزات، دثروا بردَ تلك الأرواح المتآكلة بدُعاءٍ يَشفي وجَعَ الموجوع في ظُلمةِ ليلٍ بَهيم.
وأغدقوا من فَيْضِ كرمكم ما يُعينُ الغُصنَ الحزينَ على الحياة.
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة








التعديل الأخير تم بواسطة نصرة مسلمة ; 04-27-2011 الساعة 09:55 PM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
تَساقطَ, شَعْري.


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 06:40 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.