انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-10-2010, 04:09 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي شبهات حول الحكم بغير ما أنزل الله والرد عليها هل هو كفر اكبر ام اصغر ام فيه تفصيل ؟

 

هذه المسألة كثر حولها الجدل و المعارك والنزاع و مثل هذه المسائل من المسائل
الدقيقة التى يجب الرجوع فيها للعلماء المعتبيرين
امثال شيخ الاسلام ين تيمية و الامام بن القيم و الامام بن كثير
و العلماء الاكابر المعاصرين
امثال الشيخ بن باز و الشيخ بن عثيمين
حتى لا نقع فى الافراط و التفريط
والنزاعات و التراشق بالسبات و التبديع
فهذا بحث فى المسالة مدعم بالادلة من الكتاب و السنة والاجماع وكلام الائمة لحسم مادة النزاع و قطع نزغات الشيطان عن من يتكلم بدون علم

ولا داعى للتطاول على العلماء بجهل لابد من التريث وارجاع الامر لاهله من أهل العلم لان هذه المسالة غلط فيها جمع من المعاصرين لعدم جمع أطراف المسألة بالكامل فأخذوا ببعض النصوص وتركوا بعضها فكانت الطامة


شبهات حول الحكم بغير ما أنزل الله
والرد عليها
قام بجمعه أحد طلبة العلم وعرضه على بعض العلماء فاجازه وأقره
..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ..



وبعد ؛
فإنه لمن الفتنة والابتلاء أن يؤخر الإنسان ليعيش في مثل هذا الزمان ، الذي انتشرت فيه الفتن بجميع أنواعها لبعده عن منهج النبوة فأطلت الفتنة برأسها ، ولم تعدم من يعجب بها ، بل ومن يتدين بها ، بل ومن يسعى في نشرها في أوساط المسلمين بأنها هي الصواب وما سواها باطل وضلال .
ومن تلك الفتن العمياء الصماء البكماء فتنة غياب تطبيق الشريعة الإسلامية ، التي كانت ملجأ الضعفاء وملاذ الأذلاء ؛ فالآن من لهؤلاء وقد ضاعت حقوقهم ، وليس لهم من ملجإ يلجؤون إليه سوى خالقهم وفاطرهم ، يتضرعون إليه أوقات السحر ليأخذ حقهم ممن ظلهم وينتقم ممن اعتدى وتكبر وطغى وتجبر .
فمن السبب في ضياع حقوق هؤلاء ؟ ومن السبب في غياب تطبيق حدود الله في أرضه ؟
من يقف مع هؤلاء المستضعفين ؟ ومن يقف في وجه أولئك المعتدين الظالمين ؟


..
إن السيادة والتشريع حق خالص لله عز وجل ، لا ينازعه فيه مخلوق كائنًا من كان ، فهذا من أخص خصائص توحيد الربوبية ..
ولا يسلم توحيد الألوهية إلا به ؛ ولهذا نازع فيه جميع المشركين ؛ لأنهم لو أقروا به لأقروا بكل ما أنزله الله على ألسنة رسله . فنجد في كل عصر من العصور من الجهلاء الظالمين المعتدين من يدعي ذلك الحق لنفسه ، أو يدعيه له بعض الذين سفهوا أنفسهم . ولذلك فقد كثرت الآيات والأحاديث التي تعلن النكير على من نسب لنفسه ما اختص الله به من الحكم والتشريع ، واستفاض كلام العلماء والدعاة في هذه المسألة ، حتى أفردها بعضهم في مصنفات خاصة .


ومع انتشار هذه المسألة وكثرة الكلام فيها ، انتحل بعض من لا علم عنده زي العلماء ولباس الفقهاء ، فتكلم بما لم يعلم ، فوقع في تفريط أو إفراط ، مما أدى إلى خروج فريق لا يعرف تأصيل مسألة الحكم تأصيلاً شرعيًا ، فغالى بعضهم فيها غلوًا فاحشًا ، وهون الآخرون من شأنها تهوينًا سيئًا ، جريًا وراء العاطفة أو الحماسة .
ولكن مع وجود كلام العلماء بين أيدينا ، وتأصيلهم لهذه المسألة ، انضبطت كثير من الأمور التي لم تكن واضحة عند كثير ممن يتكلم فيها ، إلا أنه قد بقيت بعض الشبهات التي يشيعها من يهون من هذه المسألة ، وهي - على سذاجتها وضعفها وسهولة الرد عليها – قد بدأت تدب بأطرافها بين أبناء الصحوة الإسلامية ، رغم ما بينه العلماء ووضحوه في مصنفاتهم .


وقد استعنت بالله تعالى في جمع هذه الشبهات والرد عليها حتى يعلم إخواننا حقيقة ما تستند إليه تلك الشبهات ، وكيفية الرد عليها ، فنسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا ويلهمنا رشدنا ويهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ..



مقدمة حول :
وجوب تحكيم الشريعة ونبذ ما عداها
...
قال ابن القيم رحمه الله :
الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلّها ، ورحمة كلّها ، ومصالح كلّها ، وحكمة كلّها. فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدّها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ؛ فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله أتم دلالة وأصدقها ، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون ، وهداه الذي به اهتدى المهتدون ، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل ، فهي قرة للعيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، فهي بها الحياة والغذاء والدواء و النور الشفاء والعصمة ، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصل بها ، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها ، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم . وهي العصمة للناس وقوام العالم ، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا ، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم ، رفع إليه ما بقي من رسومها ؛ فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة . اهـ (إعلام الموقعين عن رب العالمين : 3/3)


...
الحكم بما أنزل الله من أصول التوحيد
فهو يتبع توحيد الأسماء والصفات إذ قد قال الله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (يوسف : 40) ، وقال النبي : ((إن الله هو الحكم)) (رواه أبو داود والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1845) . فالحكم صفة ثابتة لله تعالى لا ينازعه فيها مخلوق ، وحكمه تعالى إما أن يكون كونيًا أو شرعيًا أو جزائيًا . فالحكم الكوني مثل قوله تعالى : ((أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (الرعد : 41) ، وقوله تعالى : ((وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)) (يونس : 109) ، والحكم الشرعي مثل قوله تعالى : ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) (الشورى : 10) ، وقوله تعالى : ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة : 50) ، والحكم الجزائي الذي يكون يوم القيامة مثل قوله تعالى : ((اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) (الحج : 69) ، وقوله تعالى : ((ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)) (الأنعام : 62)
وهو يتبع توحيد الربوبية ، فهو حق خالص لله تعالى ، فمن ادعى هذا الحق لأحد من دون الله فقد اتخذه ربًا ، قال تعالى : ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (التوبة : 31) ، وعن عدي بن حاتم أنه أتى النبي وهو يقرأ هذه الآية ، فقال : ((أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه)) (رواه الترمذي وصححه الألباني)
وهو يتبع توحيد الألوهية من جهة أن التحاكم يجب أن يكون مرده لله ورسوله ، فمن أعرض عن حكم الله متبعًا شرائع الشياطين وأهواء البشر فقد أشرك في العبادة ، كما قال تعالى : ((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) (الأنعام : 121)


...
الحكم بغير ما أنزل الله من أصول الكفر بالإجماع
.
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
قوله تعالى : ((وَما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) .
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختلف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده لا إلى غيره جاء موضحا في آيات كثيرة.
فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته قال في حكمه : ((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)) ، وفي قراءة ابن عامر من السبعة : ((وَلا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)) بصيغة النهي .
وقال في الإشراك به في عبادته : ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) ؛ فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله .
وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله ، والحرام هو ما حرمه الله ، والدين هو ما شرعه الله ، فكل تشريع من غيره باطل ، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لانزاع فيه .
وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله ، وأن اتباع تشريع غيره كفر به .
فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) ، وقوله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)) , وقوله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) , وقوله : ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) ، وقوله تعالى : ((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)) ، وقوله تعالى : ((كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) ، وقوله تعالى ((لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) , والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقد قدمنا إيضاحها في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : ((وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)) .
وأما الآيات الدالة على أن اتباع تشريع غير الله المذكور كفر فهي كثيرة جدا ، كقوله تعالى : ((إِنَّما سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)) ، وقوله تعالى : ((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) ، وقوله تعالى : ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ)) ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا ، كما تقدم إيضاحه في الكهف .
مسألة :
اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرةصفات من يستحق أن يكون الحكم له ، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة ، التي سنوضحها الآن إن شاء الله ، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية ، فينظر هل تنطبق عليهم صفات مَن له التشريع ؟ . سبحان الله وتعالى عن ذلك . فإن كانت تنطبق عليهم -ولن تكون- فليتبع تشريعهم . وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغرمن ذلك ، فليقف بهم عند حدهم ، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية . سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته ، أو حكمه أوملكه .
فمن الآيات القرآنية التي أوضح بهاتعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا ((وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ)) ، ثم قال مبيناً صفات من له الحكم ((ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً وَمِنَ ٱلاٌّنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ * لَهُ مَقَـلِيدُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ)) ؛ فهل في الكفرة الفجرةالمشرعين للنظم الشيطانية من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور ويُتوكل عليه ، وأنه فاطر السماوات والأرضأي خالقهما ومخترعهما على غير مثال سابق ، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجاً ، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورةفي قوله تعالى ((ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مِّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ)) ، وأنه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ)) ، وأن ((لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ)) ، وأنه هو الذي((يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ)) أي يضيقه على من يشاء ، ((وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ)) .
فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفاتمن يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم ، ولا تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل .
ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاٌّخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) ، فقوله فيها ((فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ)) كقوله في هذه ((فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ)) .
وقد عجب نبيه r بعد قوله ((فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ)) من الذين يدعون الإيمان مع أنهم يريدون المحاكمة إلى من لم يتصف بصفات من له الحكم، المعبر عنه في الآية بالطاغوت ، وكل تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلىالطاغوت ، وذلك في قوله تعالى ((أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـٰلاً بَعِيداً)) ؛ فالكفر بالطاغوت الذي صرح الله بأنهأمرهم به في هذه الآية شرط في الإيمان كما بينه تعالى في قوله ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ)) ؛ فيفهم منه أن من لم يكفربالطاغوت لم يتمسك بالعروة الوثقى ، ومن لم يستمسك بها فهو متردٍ معالهالكين .
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى ((لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا)) ؛ فهل في الكفرة الفجرةالمشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السماوات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكلالمسموعات وبصره بكل المبصرات ؟ وأنه ليس لأحد دونه منولي ؟ سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى ((وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) ؛ فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأنه الإله الواحد ؟ وأن كل شيء هالك إلا وجهه ؟ وأن الخلائق يرجعون إليه ؟ تبارك ربنا وتعاظم وتقدسأن يوصف أخس خلقه بصفاته .
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى ((ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـىِّ ٱلْكَبِيرِ)) ؛ فهل في الكفرة الفجرةالمشرعين النظمَ الشيطانيةَ من يستحق أن يوصف في أعظم كتاب سماوي بأنه العلي الكبير ؟ سبحانك ربنا وتعاليت عن كل ما لا يليق بكمالك وجلالك .
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : ((وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) ؛ فهل في مشرعي القوانين الوضعية من يستحق أن يوصف بأن له الحمد في الأولى والآخرة ، وأنه هو الذي يصرف الليل والنهار مبينا بذلك كمال قدرته وعظمة إنعامه على خلقه ؟
سبحان خالق السماوات والأرض ، جل وعلا أن يكون له شريك في حكمه أو عبادته أو ملكه .
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ)) ؛ فهل في أولئك من يستحق أن يوصف بأنه هو الإله المعبود وحده ، وأن عبادته وحده هي الدين القيم ؟
سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
ومنها قوله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)) ؛ فهل فيهم من يستحق أن يتوكل عليه وتفوض الأمور إليه ؟
ومنها قوله تعالى : ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الناسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْما لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) ؛ فهل في أولئك المشرعين من يستحق أن يوصف بأن حكمه بما أنزل الله وأنه مخالف لاتباع الهوى ؟ وأن من تولى عنه أصابه الله ببعض ذنوبه ؟ لأن الذنوب لا يؤاخذ بجميعها إلا في الآخرة ؟ وأنه لا حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون ؟
سبحان ربنا وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله .
ومنها قوله تعالى : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) ؛ فهل فيهم من يستحق أن يوصف بأنه يقص الحق، وأنه خير الفاصلين ؟
ومنها قوله تعالى : ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَما وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً)) ؛ فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي أنزل هذا الكتاب مفصلا ، الذي يشهد أهل الكتاب أنه منزل من ربك بالحق ، وبأنه تمت كلماته صدقًا وعدلاً ، أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام ، وأنه لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ؟ سبحان ربنا ما أعظمه وما أجل شأنه .
ومنها قوله تعالى : ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاما وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)) ؛ فهل في أولئك المذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي ينزل الرزق للخلائق ، وأنه لا يمكن أن يكون تحليل ولا تحريم إلا بإذنه ؟ لأن من الضروري أن من خلق الرزق وأنزله هو الذي له التصرف فيه بالتحليل والتحريم . سبحانه جل وعلا أن يكون له شريك في التحليل والتحريم .
ومنها قوله تعالى : ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) ؛ فهل فيهم من يستحق الوصف بذلك ؟
سبحان ربنا وتعالى عن ذلك .
ومنها قوله تعالى: ((وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ؛ فقد أوضحت الآية أن المشرعين غير ما شرعه الله إنما تصف ألسنتهم الكذب ، لأجل أن يفتروه على الله ، وأنهم لا يفلحون ، وأنهم يمتعون قليلا ثم يعذبون العذاب الأليم ، وذلك واضح في بُعد صفاتهم من صفات من له أن يحلل ويحرم .
ومنها قوله تعالى : ((قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)) ، فقوله : ((هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ)) صيغة تعجيز ، فهم عاجزون عن بيان مستند التحريم , وذلك واضح في أن غير الله لا يتصف بصفات التحليل ولا التحريم , ولما كان التشريع وجميع الأحكام -شرعية كانت أو كونية قدرية- من خصائص الربوبية , كما دلت عليه الآيات المذكورة كان كل من اتبع تشريعا غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع ربًا وأشركه مع الله .
والآيات الدالة على هذا كثيرة ، وقد قدمناها مراراً وسنعيد منها ما فيه كفاية ، فمن ذلك -وهو من أوضحه وأصرحه- أنه في زمن النبي وقعت مناظرة بين حزب الرحمن وحزب الشيطان في حكم من أحكام التحريم والتحليل . وحزب الرحمن يتبعون تشريع الرحمن في وحيه في تحريمه ، وحزب الشيطان يتبعون وحي الشيطان في تحليله . وقد حكم الله بينهما وأفتى فيما تنازعوا فيه فتوى سماوية قرآنية تتلى في سورة الأنعام .
وذلك أن الشيطان لما أوحى إلى أوليائه فقال لهم في وحيه : سلوا محمداً عن الشاة تصبح ميتة من الذي قتلها ؟ فأجابوهم أن الله هو الذي قتلها . فقالوا : الميتة إذًا ذبيحة الله ، وما ذبحه الله كيف تقولون إنه حرام ؟ مع أنكم تقولون إنما ذبحتموه بأيديكم حلال ، فأنتم إذًا أحسن من الله وأحل ذبيحة .
فأنزل الله بإجماع من يعتد به من أهل العلم قوله تعالى : ((وَلا تَأْكُلُوا مِما لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)) يعني الميتة ، أي وإن زعم الكفار أن الله ذكاها بيده الكريمة بسكين من ذهب : ((وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)) ، والضمير عائد إلى الأكل المفهوم من قوله: ((وَلا تَأْكُلُوا)) ، وقوله : ((لَفِسْقٌ)) أي خروج عن طاعة الله واتباع لتشريع الشيطان ، ((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ)) أي بقولهم : ما ذبحتموه حلال وما ذبحه الله حرام فأنتم إذًا أحسن من الله وأحل تذكية ، ثم بين الفتوى السماوية من رب العالمين في الحكم بين الفريقين في قوله تعالى : ((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) فهي فتوى سماوية من الخالق جل وعلا صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله ....
ومن الآيات الدالة على نحو ما دلت عليه آية الأنعام المذكورة قوله تعالى : ((إِنَّما سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)) ، فصرح بتوليهم للشيطان ، أي باتباع ما يزين لهم من الكفر والمعاصي مخالفا لما جاءت به الرسل ، ثم صرح بأن ذلك إشراك به في قوله تعالى : ((وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)) ، وصرح أن الطاعة في ذلك الذي يشرعه الشيطان لهم ويزينه عبادة للشيطان .
ومعلوم أن من عبد الشيطان فقد أشرك بالرحمن قال تعالى : ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً)) ، ويدخل فيهم متبعوا نظام الشيطان دخولاً أولياً ، ((أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)) ، ثم بين المصير الأخير لمن كان يعبد الشيطان في دار الدنيا في قوله تعالى : ((هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ))
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم : ((يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً)) , فقوله : ((لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ)) أي باتباع ما يشرعه من الكفر والمعاصي مخالفاً لما شرعه الله .
وقال تعالى : ((إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانا مَرِيداً)) , فقوله : ((وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانا)) يعني ما يعبدون إلا شيطاناً مريداً .
وقوله تعالى : ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)) ، فقوله تعالى : ((بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ)) أي يتبعون الشياطين ويطيعونهم فيما يشرعون ويزينون لهم من الكفر والمعاصي على أصح التفسيرين .
والشيطان عالم بأن طاعتهم له المذكورة إشراك به كما صرح بذلك وتبرأ منهم في الآخرة ، كما نص الله عليه في سورة إبراهيم في قوله تعالى : ((وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَما قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ...)) إلى قوله : ((... إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ)) , فقد اعترف بأنهم كانوا مشركين به من قبل أي في دار الدنيا ، ولم يكفر بشركهم ذلك إلا يوم القيامة .
وقد أوضح النبي هذا المعنى الذي بيننا في الحديث لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قوله : ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً)) , كيف اتخذوهم أربابا ؟ وأجابه أنهم أحلوا لهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم ، وبذلك الاتباع اتخذوهم أربابا .
ومن أصرح الأدلة في هذا أن الكفار إذا أحلوا شيئاً يعلمون أن الله حرمه وحرموا شيئا يعلمون أن الله أحله فإنهم يزدادون كفراً جديداً بذلك مع كفرهم الأول ، وذلك في قوله تعالى : ((إِنَّما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)) إلى قوله : ((وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))
وعلى كل حال فلا شك أن كل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله فقد أشرك به مع الله ، كما يدل لذلك قوله : ((وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ)) , فسماهم شركاء لما أطاعوهم في قتل الأولاد .
وقوله تعالى : ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) ؛ فقد سمى تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء ، ومما يزيد ذلك إيضاحاً أن ما ذكره الله عن الشيطان يوم القيامة ، من أنه يقول للذين كانوا يشركون به في دار الدنيا : ((إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ)) ، أن ذلك الإشراك المذكور ليس فيه شيء زائد على أنه دعاهم إلى طاعته فاستجابوا له كما صرح بذلك في قوله تعالى عنه : ((وَما كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)) ، وهو واضح كما ترى . انتهى كلام الشيخ رحمه الله . (أضواء البيان : 7/47-57)


وقال رحمه الله في قوله تعالى ((وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)) :
ويفهم من هذه الآيات كقوله : ((وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا)) أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله . وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر . كقوله : فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله : ((وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) ، فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم . وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى : ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم : ((يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً)) ، وقوله تعالى : ((إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً)) ، أي ما يعبدون إلا شيطاناً ، أي وذلك باتباع تشريعه . ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى : ((وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ...)). وقد بين النَّبي هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ...)) الآية ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله ، وحرموا عليهم ما أحل الله ، فاتبعوهم في ذلك ، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أرباباً .
ومن أصرح الأدلة في هذا : أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله ، يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون ، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب . وذلك في قوله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) .
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم ، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم .. اهـ (أضواء البيان : 4/82-83)


قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في رسالة تحكيم القوانين :
وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطباً نبيه محمدًا : ((وأَنِ احْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ)) ، وقال تعالى : ((وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك)) ، وقال تعالى مُخيرًا نبيه محمدًا بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك : ((فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ)) . والقسط هو العدل ، ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله ، والحكمبخلافه هو الجور والظلم والضلال والكفر والفسوق ، ولهذا قال تعالى بعد ذلك : ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) ، ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) ، ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))
فانظر كيف سجّل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل اللهُالكفرَ والظلمَ والفسوقَ ، ومِن الممتنع أنْ يُسمِّي اللهُ سبحانه الحاكمَ بغير ماأنزل اللهُ كافرًا ولا يكون كافرًا ، بل كافرٌ مطلقًا ، إمّا كفر عمل وإما كفراعتقاد ، وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية من رواية طاوسوغيره يدلُّ أنّ الحاكم بغير ما أنزل اللهُ كافرٌ إمّا كفر اعتقاد ينقل عن الملّة، وإمّا كفر عمل لا ينقلُ عن الملّة.
أمّا الأول : وهو كفر الاعتقادفهو أنواع :
أحدها : أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله أحقيّة حُكمِ اللهورسوله ، وهو معنى ما رُوي عن ابن عباس واختاره ابن جرير ، أنّ ذلك هو جحودُ ما أنزلاللهُ من الحُكم الشرعي ، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم ؛ فإنّ الأصول المتقررةالمتّفق عليها بينهم أنّ مَنْ جَحَدَ أصلاً من أصول الدين أو فرعًا مُجمعًا عليه ،أو أنكر حرفًا مما جاء به الرسول قطعيًّا ، فإنّه كافرًا الكفرَالناقل عن الملّة.
الثاني : أنْ لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونَ حُكم اللهِ ورسولِهِ حقًّا ، لكن اعتقد أنّ حُكم غير الرسول أحسنُ منحُكمه، وأتمّ وأشمل لما يحتاجه الناسُ من الحُكم بينهم عند التنازع ، إمّا مُطلقًا ، أو بالنسبة إلى ما استجدّ من الحوادث التي نشأت عن تطوّر الزمان وتغير الأحوال ، وهذا أيضًا لا ريب أنه كافرٌ ؛ لتفضيله أحكامَ المخلوقين -التي هي محضُ زبالةِ الأذهان وصِرْفُ حُثالة الأفكار- على حُكم الحكيم الحميد . وحُكمُ اللهِ ورسولِه لايختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدّد الحوادث ؛ فإنّه ما من قضيةكائنة ما كانت إلاّ وحُكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ،نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ذلك ، عَلِمَ ذلك مَن علمه وجَهِلَه مَن جهله ، وليس معنى ما ذكره العلماء من تغيّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنّه مَن قلَّ نصيبُه أو عُدم من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها ، حيث ظنّوا أنّ معنى ذلك بحسب ما يُلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية وأغراضهم الدنيوية وتصوّراتهم الخاطئة ؛ ولهذا تجدُهم يحامون عليها ، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها مهما أمكنهم ، فيحرفون لذلك الكَلِم عن مواضعه .
وحينئذٍ معنى تغيُّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مرادالعلماء منه : ما كان مُستصحَبه فيه الأصول الشرعية والعلل المرعية والمصالح التيجِنْسُها مرادٌ لله تعالى ورسوله . ومن المعلوم أنّ أربابالقوانين الوضعية عن ذلك بمعزل ، وأنهم لا يقولون إلاّ على ما يلائم مراداتهم ، كائنةما كانت ، والواقع أصدقُ شاهدٍ .
الثالث : أنْ لا يعتقد كونَه أحسن من حُكم الله ورسوله ، لكن اعتقد أنه مثله . فهذا كالنوعين اللذين قبله في كونه كافرًا الكفر الناقل عن الملّة ؛ لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ : ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء)) ، ونحوها من الآيات الكريمة الدالّة على تفرُّدِ الربّ بالكمال وتنزيهه عن مماثلة المخلوقين في الذات والصفات والأفعال والحُكم بين الناس فيمايتنازعون فيه .
الرابع : أنْ لا يعتقد كون حُكم الحاكم بغير ما أنزل اللهمماثلاً لحكم الله ورسوله ، فضلاً عن أنْ يعتقدَ كونه أحسن منه ، لكن اعتقد جواز الحُكم بما يخالف حُكم الله ورسوله . فهذا كالذي قبله يصدُقُ عليه ما يصدق عليه ؛لاعتقاده جوازَ ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه .
الخامس : وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندةً للشرع ، ومكابرةً لأحكامه ، ومشاقّةً لله ورسوله ،ومضاهاةً بالمحاكم الشرعية ، إعدادًا وإمدادًا وإرصادًا وتأصيلًا ، وتفريعاً وتشكيلًا وتنويعاً ، وحكماً وإلزاماً ، ومراجع ومستندات . فكما أنّ للمحاكم الشرعية مراجعَمستمدّاتٍ ، مرجعها كلُّها إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فلهذهالمحاكم مراجع ، هي القانون المُلفّق من شرائعَ شتى وقوانين كثيرة ، كالقانونالفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين ، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك .
فهذه المحاكم في كثير منأمصار الإسلام مهيّأةٌ مكملةٌ مفتوحةُ الأبواب ، والناس إليها أسرابٌ إثْر أسراب ،يحكُمُ حُكّامُها بينهم بما يخالف حُكم السُنّة والكتاب ، من أحكام ذلك القانون ،وتُلزمهم به ، وتُقِرُّهم عليه ، وتُحتِّمُه عليهم ؛ فأيُّ كُفر فوق هذا الكفر ، وأيُّمناقضة للشهادة بأنّ محمدًا رسولُ اللهِ بعد هذه المناقضة .
وذِكْرُ أدلّةجميع ما قدّمنا على وجه البسْطِ معلومةٌ معروفة ، لا يحتمل ذكرها في هذا الموضع.
فيا معشر العُقلاء ، ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى ؛ كيف ترضون أنْ تجري عليكم أحكامُ أمثالكم وأفكارُ أشباهكم ، أو مَن هم دونكم مِمّن يجوز عليهم الخطأ ، بل خطأهم أكثرُ من صوابهم بكثير ، بل لا صواب في حُكمهم إلاّ ما هو مُستمدٌّ من حُكم اللهِ ورسولهِ ، نصًّا أو استنباطًا ، تَدَعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم وأعراضكم ، وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم ، وفي أموالكم وسائر حقوقكم؟؟ ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحُكم الله ورسوله ، الذي لا يتطرّق إليه الخطأ ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد !!
وخُضوع الناس ورضوخهم لحكم ربِّهم خضوعٌ ورضوخٌ لِحُكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه ، فكما لا يسجد الخلقُ إلاّ للهِ ، ولا يعبدونَ إلاّ إياه ، ولا يعبدون المخلوق ؛ فكذلك يجب ألا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلاّ لحُكم الحكيم العليم ، الحميد الرؤوف الرحيم ،دون حُكم المخلوق الظلوم الجهول ، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات ، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات .
فيجب على العُقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه ؛ لما فيه من الاستعباد لهم ، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض والأغلاط والأخطاء ، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى : ((ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون))
السادس : ما يحكُم به كثيرٌ من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم ، من حكايات آبائهم وأجدادهم ، وعاداتهم التي يسمُّونها "سلومهم" ، يتوارثون ذلك منهم ، ويحكمون به ويحُضُّون على التحاكم إليه عند النزاع ، بقاء على أحكام الجاهلية ، وإعراضًا ورغبةًعن حُكم الله ورسوله ، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله .
وأمّا القسم الثاني من قسمي كُفر الحاكم بما أنزل الله ، وهو الذي لا يُخرجُ من الملة فقد تقدّم أنّ تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقول الله عزّ وجلّ : ((ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون)) قد شمل ذلك القسم ، وذلك في قوله رضي الله عنه في الآية : (كُفر دون كفر) ، وقوله أيضًا : (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه) وذلك أنْ تَحْمِلَهُ شهوتُه وهواهُ علىالحُكم في القضية بغير ما أنزل الله ، مع اعتقاده أنّ حُكم الله ورسوله هو الحقّ ،واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى ، وهذا -وإنْ لم يُخرِجْه كُفْرُه عن الملّة-فإنه معصية عُظمى أكبرُ من الكبائر ، كالزنا وشُرب الخمر والسّرِقة واليمينالغموس وغيرها ؛ فإنّ معصيةً سمّاها اللهُ في كتابه كفرًا أعظمُ من معصية لميُسمِّها كُفرًا .
نسأل الله أنْ يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه انقيادًا ورضاءً ، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه . (انتهى كلامه رحمه الله)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر ، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب . (مجموع الفتاوى : 28/524)


وقال رحمه الله :
ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى . (مجموع الفتاوى : 8/106)


قال ابن كثير رحمه الله في البدايةوالنهاية :
فمن ترك الشرع المحكم المنزل علىمحمد بن عبد الله خاتم الأنبياء r وتحاكم إلى غيره منالشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين . اهـ (البداية والنهاية : 13/119)


..



وبعد هذه المقدمة في بيان وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية ونبذ ما عداها ، نأتي إلى الشبهات المثارة حول هذه القضية في هذا العصر . وتلك الشبهات تتلخص فيما يلي :
1- قولهم : الكلام في الحاكمية بدعة ، وأول من تكلم فيها هم الخوارج ، ومن المعاصرين سيد قطب .
2- قولهم : أصل دعوة الرسل هو التحذير من شرك الدعاء ، وهذا الكلام يهون من شأنه .
3- قولهم : آيات تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله أنزلت في أهل الكتاب .
4- قولهم : الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر لا أكبر ، ويشترط الاستحلال للتكفير .
5- قولهم : لا يكفر الحاكم حتى ينسب تشريعه للدين .
6- قولهم : الحكم بغير ما أنزل الله مسألة خلافية ولا إجماع فيها .
7- قولهم : أنتم تكفرون بإطلاق دون تفصيل .
8- قولهم : يلزم من تكفير الحاكم تكفير كل من سكت ولم يعرف له إنكار من شعبه .
9- قولهم بإمامة الحكام بغير ما أنزل الله ووجوب السمع والطاعة لهم حتى يكفروا عينًا ، بل إن بعضهم يبالغ فيوجب ذلك حتى مع الكافر عينًا .
10- قولهم : الكلام في تكفير الحاكم يدعو إلى التهييج وإثارة الفتن والحث على الخروج .



تلك عشرة كاملة من الشبهات
ولعلها هي أكثر ما نسمعه من ذلك الفريق الآنف الذكر ..
وهذا جواب مختصر لكل شبهة منها
فعلى الله توكلت وبه اعتصمت وإليه التجأت
فأسأل الله العلي العظيم أن يهديني وإخواني لما اختلف فيه من الحق بإذنه
إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-24-2010, 04:06 PM
رحيق الورد رحيق الورد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-03-2010, 10:05 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لا, موسم, ام, الله, اليكم, اصغر, اكثر, تغير, تفصيل, حول, شبهات, عليها, فيه, هل, إن, والرد, ؟, كفر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:20 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.