قالت نعجتي ! مشاركة في قطار المبدعين -شهر ربيع الأول-

[العبّادي]

 

لماذا أردتَ أن تبيعني ؟

لماذا جئتَ بالجزار يقلِّبني بين يديه ؟ أي ذنبٍ أذنبتُ فأردتَ التخلص مني ؟
ولِمَ هذا الرجل بالتحديد وهو صاحب قلبٍ يخلوا من الرحمة ..فقد راح يوما يسحبُ ولدي برجله للذبح .. ثم أضجعه قبل أن يَحد شفرته مع أن عمرَ بنَ الخطَّاب رأى رَجُلاً يسحبُ شاةً برجلها ليذبحها فقال له : ويلك قدها الى الموتِ قَوْداً جميلاً ..
ومع أن إبنَ عباس قال أن رجلا أضجع شاةً ثم راح يحد شفرته وهي ترمقه بعينيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
أتريد ان تميتها موتتين هلا احددتَ شفرتكَ قبل أن تُضجِعها ؟
أو لم يكن أجدر بهذا الجزار أن يفقه دينه وأن يعرف أن الله رفيق يُحبُ الرفق في الأمر كله قبل أن يقسو على هذه الحيوانات التي لاحول لها ولا قوة ؟

متى يعرف هذا الجزار وأمثالُه أن الاسلام ينظر الى عالم الحيوان نظرةً واقعيةً ترتكز على اهمية الحيوان ونفعه وتعاونه مع الإنسان في عمارة الكون واستمرار الحياة .. وأن القرآن الكريم فيه العديد من السور بأسماء حيوانات :
سورة البقرة..
سورة النمل ..
سورة النحل ..
سورة العنكبوت ..
سورة الفيل ..
سورة الأنعام ..
{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }النحل5
(وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ }النحل6
(وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }النحل7
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )النحل8
متى يعرف هذا الجزار أن الإحسان الى الحيوان والرفق به عبادة ترفع صاحبها الى اعلى درجات الاجر فقد غُفِرَ للبغي التي سقت كلبا .. وأن الإساءة اليه معصية تهبط بصاحبها إلى أعمق دركات المعصية فاُدخلت المرأة النار في هرةٍ حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ..
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمار قد كُوي وجهه وتفور مناخره بالدم قال : لعن الله من فعل هذا .. لعن الله من فعل هذا !
أستحلفك بالله ألا تبيعني اليه ..
نعم أنا شلاّء ماذنبي إذ إختطفني الذئب ذات ليلةٍواسنقذتني أنتَ منه لأرث هذا الشلل ؟
ومتى كانت القيمة بطول او بعرض او بضخامة ؟
عبد الله بن مسعود وهو احد السابقين الاولين كان رجلاً قصير القامة .. نحيل الجسم .. دقيق الساقين ..
صعد يوما على شجرة فبدت ساقاه نحيلتين هزيلتين كأنهما عصي .. فضحك الصحابة
فسألهم النبي : مم تضحكون ؟
قالوا : نضحك من دقة ساقيه ..
فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد !!
وهذا شيخ المقاومة الأشل مثلي .. والقعيد مثلي .. والضعيف مثلي .. ألم يزلزل الدنيا !!
ألم يكن رجلا بأمة ..!!
ألم يقهر الأعداء ..!!
ألم يكن قادرا أن يقول لعدوه في كل حين : لا ..!!
يا عبّادي لا تُهينني إن سمحت ..فأنا حفيدة نعجة أم معبد !!!
- ومن أم معبد هذه ؟
- أم معبد صاحبة النعجة التي كانت موضعا لمعجزة من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام حين خرج من مكةَ مهاجراً الى المدينة هو وأبو بكر وعامرٌ بن فُهيرة - مولى ابي بكر - وعبد الله بن اُريقط دليل الرحلة .. عندما مروا على خيمةِ أم مَعْبَدٍ الخُزاعية فسألوها تمراً ولحماً ليشتروا منها فلم يجدوا عندها شيئاً من ذلك ..
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى شاةٍ في كسْر الخيمة وقال : ماهذه الشاة يا ام معبد ؟
قالت : هذه شاةٌ خَلَفَهَا الجهدُ عن الغنم .
قال : هل لها من لبن ؟
قالت: هي أجهد من ذلك ..
قال : اتأذنين لي ان احلبها ؟
قالت : إن رأيتَ بها حلبا فاحلبها ..
فدعى بها .. ومسح ضرعها .. وسمّى الله تعالى .. فدرّت عليه .. ودعا بإناء فحلب فيه وسقى اصحابه حتى رَوَوْا وشرب هو آخرهم .. ثم حلب حتى امتلأ الاناء وتركه عندها وبايعها وارتحلوا ..
فلما رجع ابو معبد يسوقُ أعْنُزاً عِجافاً إذ رأى اللبن فقال :
من أين لكِ هذا اللبن ياام معبد والشاة عازبٌ لم تحمل .. ولا حَلوبَ في البيت ؟
قالت ام معبد :
والله لقد مر بنا رجل مباركٌ .. فعل كذا وكذا
قال صفيه لي ياام معبد ؟

قالت :انه رجلٌ ظاهر الوضاءة
.. أبلج الوجه
..حسن الخُلق
.. وسيمٌ ..
في عينيه دَعَج ( تقصد ان سواد عينيه كان شديدا )
..وفي اشفاره وَطَفٌ (الوطف طول في اهداب اشفار العين )
.. إن صمت فعليه الوقار
.. وإن تكلم علاه البهاء ..
فهو أجمل الناس وابهاهم من بعيد
..وأحسنهم واجملهم من قريب
.. له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا إلى قوله .. وإن أمر تبادروا الى امره ..

قال ابو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من امره ماذُكر .. ولقد هممتُ بأن اصحبه ..ولأفعلنَّ إن وجدتُ الى ذلك سبيلا !

يا عبَّادي ..
قيدني أو اطلق سراحي .. اجعلني مساوية لك أو عبدة عندك .. اذبحني ..
قطعني ولكن لاتبعني لهذا الرجل الذي يملك المال ولايملك غير المال ..!
- لكِ ماتشائين يابنت الأصول ..
ياحفيدة الشاة المباركة ..شاة ام معبد
قالت :
جزاكَ الله خيرا .. فما عرفتك أبدا قد قصّرتَ في شيء .. فلا العلف قليل فأطلبُ الاضافة .. ولا الحبل قصير فأطلبُ الإطالة ..
إني لديكَ لاأشكو قيداَ .. ولاوتداً .. ولاحبلاً ..
يالسعادتي ..فلاحياة امتع .. ولا ارفع ..ولا أبقى .. ولا أنقى من هكذا حياة !
اريد ياسيف أن انتهب كل هذا الفضاء ..
اريد ان استنشق كل مافي الجو من هواء ..
اريد ان يصيب الله الطبيعة كلها بالوقوف فلا تسير .. وبالجمود فلا تتحرك !
اريد ان يبقى قرص الشمس غريقا الى نصفه وراء النخيل الذاهب في الفضاء وكأنه الأهداب لأجفان السماء !
اريد ان يستمر هذا المزيج من النور والظلام ضارباً في عرض الأفق ..
وان يدوم ماء النيل على صفائه وزرقته ..
وهذا الهواء على جماله ورقته ..
فما يوجد الى جانب هذه السعادة سعادة اخري هي فجة شوهاء ..
لكَ الحمدُ ربنا ..


العبَّـادي