انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة

ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة لرد الشبهات ، ونصح من خالف السنة ، ونصرة منهج السلف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-21-2008, 04:12 PM
الأسد الشيخ الأسد الشيخ غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي التكفير .. مفهومه و أخطاره و ضوابطه.....

 

بسم الله الرحمن الرحيم.



التكفير .. مفهومه و أخطاره و ضوابطه:


إن الحمد لله نحمده و نشكره و نستهديه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و اشهد ألا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .

اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك و من الأمل إلا فيك و من التسليم إلا لك و من التفويض إلا إليك و من التوكل إلا عليك و من الرضا إلا عنك و من الطلب إلا منك و من الذل إلا في طاعتك و من الصبر إلا على بابك و من الرجاء إلا في يديك الكريمتين و من الرهبة إلا بجلالك العظيم .

اللهم تتابع برك و اتصل خيرك وكمل عطاؤك و عمت فواضلك و تمت نوافلك وبر قسمك و صدق وعدك و حق على أعدائك وعيدك ولم يبقى لي حاجة هي لك رضآ و لي صلاح إلا قضيتها و أعنتني على قضائها يا أرحم الراحمين .

وبعـــــــد ..

فهذا بحث التخرج للسنة الرابعة بقسم الشريعة و أصول الدين في الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية و الذي أتناول فيه موضوع " التكفير أخطاره و ضوابطه " و الحقيقة التي تظهر لنا من عنوان البحث الذي نحن بصدده أنه موضوع بحثين في بحث واحد بمعنى أننا نستطيع أن نفرد أخطار التكفير في بحث مستقل عن ضوابط التكفير إلا أن ضيق الوقت و الذي يعتبر من المعوقات الأساسية لمن يعيش في ديار الغرب ثم قلة المصادر و المراجع التي سيعتمد عليها الطالب في إعداد مثل هذا البحث تعيقان مثل هذه المحاولة و لكن حسبي من هذا البحث أن أسلط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة – ظاهرة التكفير – التي استشرت في مجتمعنا العربي و الإسلامي والمجتمع الأوروبي كذلك فأسقطت عصمة المسلمين و استباحت دماءهم و أموالهم .

مقدمــة :-
إن تكفير أي إنسان أو اتهامه بالفسق و الضلال و الانحراف أو النفاق فإن هذا يجرده عمليا من حقوقه الإنسانية و يعرضه للإهانة و القتل و الطرد من المجتمع , و إذا اتخذت عملية التكفير طابعا جماعيا- جماعة التكفير- و شملت جماعة أو طائفة فإنها تعرض المجتمع الإسلامي إلى الفرقة و الاختلاف , و إذا انهارت الرابطة الدينية فلا مجال لإن نستعيض عنها بأي شيء آخر .
وإدراكا من الإسلام لخطورة عملية التكفير فقد دعا إلى احترام هوية كل من يتشهد الشهادتين و يلتزم بأركان الدين وعدم التشكيك بإسلام من يعلن إسلامه حتى في ساحات القتال و تحت بريق السيوف , حيث قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (1)
و عندما حدثت الفتنة الأولى بين المسلمين و نشبت بينهم الحروب رفض سيدنا علي رضي الله عنه أن يتهم خصومه بالكفر و النفاق و قال: كما نقل بن كثير في البداية و النهاية (إخواننا بغوا علينا).
و مع ذلك فإن الأمة الإسلامية قديما و حديثا لم تسلم من داء التكفير, وقد تعرض الإمام علي رضي الله عنه نفسه إلى عملية التكفير من قبل الخوارج الذين رفضوا التحكيم بين علي و معاوية . و بالرغم من أن مأخذهم لم يكن يتعدى الاجتهاد السياسي إلا أنهم أضفوا عليه صفة الكفر و الإيمان , و ذهبوا إلى حد شق وحدة الأمة المسلمة و إعلان الحرب على المسلمين .
و منذ ذلك الحين استمرت ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي , و كانت تنتشر و تستعر أحيانا و تتقلص و تخبو أحيانا أخرى , فبينما كانت الحروب الداخلية و الظروف الاقتصادية السيئة تؤججها , كانت أجواء السلام و الرخاء تطفئها و تقضي عليها .

و هذه الظاهرة - ظاهرة التكفير - في معظم الأحوال كانت تستند إلى تأويلات تعسفية و أقاويل و شواهد ضعيفة و فتاوى عاطفية و مواقف نفسية.

و إذا لم تكن عملية التكفير صارخة و صريحة أحيانا , فإنها كانت تقترب من ذلك أحيانا أخرى, حيث تنسب كل جهة إلى نفسها الصواب المطلق و الرشد التام و معرفة الإسلام الحق , في حين تتهم الطوائف الأخرى بالفسق و الضلال , و ذلك إستنادآ إلى تفسير خاطئ لحديث من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم و هو افتراق الأمة الإسلامية إلى ثلاث و سبعين أو أثنين و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة , مما كان ينعكس سلبا على علاقة كل فريق بالأخر , و يؤدي إلى تصور كل فرقة أنها هي الناجية الوحيدة فتعامل الآخرين و كأنهم من أهل النار .
و قد عرفت الحركة الإسلامية الحديثة منذ أواسط القرن الماضي حركات تكفير عديدة بداية من جماعة التكفير و الهجرة التي ظهرت في سجون مصر نتيجة التعذيب الشنيع الذي كانوا يتعرضون إليه و هذا التعذيب كان مبررا و دافعا لهم كي يكفروا المجتمع بأكمله و انتهاء بالمجموعات التكفيرية التي ظهرت أخيرا و التي كانت تتهم المجتمع الإسلامي بالجاهلية والردة والكفر لأنه يخضع لأنظمة لا تطبق الشريعة الإسلامية .
من هذه المنطلقات آنفة الذكر كان لزاما علينا علاج هذا الفكر المنحرف و المِعْوَج وذلك بالحوار و الإقناع و إقامة الحجة و الدليل.

سبب اختيار البحث :-
يعود سبب اختياري هذا البحث لعدة أمور :
أولها :-

أن هذه الفتنة العظيمة - فتنة التكفير - التي مزقت جسد الأمة الإسلامية هي أول البدع والفتن ظهورآ في الإسلام أي بمعنى أنها منبع لكثير من الانحرافات العقائدية و السلوكية و الخلقية و النفسية التي عانت منها الأمة المسلمة على مدى أربعة عشر قرنا
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في الفتاوى : " أول البدع ظهورا في الإسلام , أظهرها ذما في السنة و الأثر: بدعة الحرورية المارقة , فإن أولهم قال للنبي صلى الله عليه و سلم في وجهه : إعدل يا محمد ! فإنك لم تعدل , و الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم مستفيضة في وصفهم و ذمهم .

و قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : ": صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه. و قد خرجها مسلم في صحيحه و خرج البخاري طائفة منها. قال النبي صلى الله عليه و سلم "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, و صيامه مع صيامهم و قراءته مع قراءتهم, يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية –و في رواية- يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان".

وثانيها:

أن ظاهر تمسكهم بالدين يوهم عموم الناس , و من لا فقه له بأنهم أحق الناس بالدين , و بالإسلام , و هم في الحقيقة على غير ذلك . ولذلك فهم يشتبهون على كثير من الناس . كما سئل على بن أبي طالب رضي الله عنه : أكفار هم ؟ قال من الكفر فروا. فقيل : فمنافقون هم ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا , و هم يذكرون الله بكرة و أصيلا . قيل : من هم ؟ قال : قوم أصابتهم فتنة فعموا و صموا . (2)

و قال ابن عمر رضي الله عنهما : هم شرار الخلق , و قال : إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. (3)

وثالثها :

أنهم فارقوا جماعة المسلمين و أئمتهم و ذلك بخروجهم عن السنة , و جعلهم ما ليس بسيئة سيئة أو ما ليس بحسنة حسنة , و هذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه و سلم حيث قال له ذو الخويصرة التميمي : إعدل فإنك لم تعدل , حتى قال له المصطفى عليه الصلاة و السلام ( و يلك ! و من يعدل إذا لم أعدل ؟ لقد حبت و خسرت إن لم أعدل ) . فقوله : فإنك لم تعدل جعل منه لفعل النبي صلى الله عليه و سلم سفهآ و ترك عدل , و قوله : أعدل أمر له لما أعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح , و هذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة , فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة , أو ينفي ما أثبتته السنة , و يحسن ما قبحته السنة , أو يقبح ما حسنت السنة .

و الخوارج جوزوا على النبي صلى الله عليه و سلم نفسه أن يجور و يضل في سنته , و لم يوجبوا طاعته و متابعته , و إنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن.
ورابعها :
إستفحال و إنتشار هذه الظاهرة الشاذة و تسللها إلى مجتمعنا بفئاته و شرائحه المختلفة يحتم علينا أن تكون لنا وقفة مساهمة بكتابة مثل هذه البحوث التي تعالج مثل هذه القضايا الخطيرة و توضح لكل مسلم أنه يجب عليه ألا يتعجل في إطلاق تعابير التكفير و التفسيق على المعينين أو الجماعات حتى يتأكد من وجود جميع أسباب الحكم عليه بالكفر و انتفاء جميع موانع التكفير في حقه و هذا يجعل مسألة التكفير من مسائل الإجتهاد التي لا يحكم فيها بالكفر على شخص أو جماعة إلا العلماء الذين بلغوا مرتبة الإجتهاد لإن الحكم على المسلم بالكفر و هو لا يستحقه ذنب عظيم , لإنه حكم عليه بالخروج من ملة الإسلام , و أنه حلال الدم و المال , و حكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك , و لذلك ورد الوعيد الشديد في شأن من يحكم على مسلم بالكفر , و هو ليس كذلك , و قد ثبت عند البخاري عن أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : " لا يرمي رجل رجلآ بالفسوق ولا يرمية بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم صاحبه كذلك " (4).
{ الباب الأول }:

( الفصل الأول ) :

التعريف اللغوي و الاصطلاحي للتكفير :

الكفر في اللغة :

بمعنى الستر و التغطية , يقال لمن غطى ذرعه بالثوب : قد كفر درعه و يقال للمزارع : " كافرا " لأنه يغطي البذر بالتراب , و منه سمي الكفر الذي هو ضد الإيمان " كفرآ " لإن فيه تغطية للحق بجحد أو غيره , و قيل : سمي الكافر " كافرا " لأنه قد غطى قلبه بالكفر (5)

و الكفر في الإصطلاح :

يقول الشيخ بكر أبوزيد في كتابه درء الفتنة و الكفر في الإصطلاح هو إعتقادات و أقوال و أفعال جاء في الشرع ما يدل أن من وقع فيها ليس من المسلمين و قد حكى جمع من أهل العلم إجماع العلماء على أن الكفر يكون بمجرد القول أو الفعل .

( الفصل الثاني ) :

أصل ظاهرة التكفير و منشأها ( الخوارج ) :-
إن أصل هذه الظاهرة أساسا هم الخوارج و الخوارج في اللغة :

يقول الشهرستاني في كتابه الملل و النحل : الخوارج جمع خارج، وخارجي اسم مشتق من الخروج، وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة ((خرج)) على هذه الطائفة من الناس؛ معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام علي، أو لخروجهم على الناس.
في الاصطلاح: اختلف العلماء في التعريف الاصطلاحي للخوارج، وحاصل ذلك:
منهم من عرفهم تعريفاً سياسياً عاماً، اعتبر الخروج على الإمام المتفق على إمامته الشرعية خروجاً في أي زمن كان.

قال الشهرستاني في كتابه الملل و النحل : ((كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان)) .
ومنهم من خصهم بالطائفة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه. قال الأشعري كما نقل الشهرستاني في الملل: ((والسبب الذي سُمّوا له خوارج؛ خروجهم على علي بن أبي طالب)).

زاد ابن حزم في كتابه الفصل في الملل و النحل ( بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشبه الخارجين على الإمام عليّ أو شاركهم في آرائهم في أي زمن ).



إذن أصل ظاهرة التكفير هم الخوارج و الخوارج هم الفئة التي خرجت على الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه بعد أن كانت تحارب معه، و يغلب على هذه الفرقة الإنفعال والتطرف في السلوك، والتزّمت في الدين والتحجّر في الفكر، تكونت بعد معركة صفين، بسبب رفضها لنتيجة التحكيم، وأصبحت العبارة التي صاغها أحدهم ( لا حكم الا لله ) شعار هذه الطائفة، وكان تأسيسها في منتصف القرن الأول الهجري.

ـ لما طالت الحرب بين معاوية رضي الله عنه و علي رضي الله عنه في وقعة صفين وكاد النصر أن يتمَّ لجيش علي لولا رفع المصاحف من قبل أصحاب معاوية ودعوا أصحاب علي الى مافيها. مما ادى الى الاضطراب والفوضى في جيش علي، اضطر بعد ذلك علي رضي الله عنه على الرجوع من صفين الى الكوفة فلم تدخل معه الخوارج وأتوا حروراء فنزل منهم بها اثنا عشر الفا، وسموا حينذاك ( بالحرورية ) نسبة الى هذه القرية، ( وبالمحكمة ) أي الذين يقولون لاحكم الا لله ـ وهما اسمان كثيرا مايطلقان على الخوارج، وأمروا عليهم رجلا منهم اسمه عبد الله بن وهب الراسبي.

ـ عندما انطلت خدعة رفع المصاحف على جماعة من اصحاب علي رضي الله عنه ورفعهم شعار ( لا حكم الا لله ) قاتلهم الامام علي بن ابي طالب في النهروان مقاتلة شديدة، فما انفلت منهم الاّ أقل من عشرة، انهزم اثنان منهم الى عمان واثنان الى كرمان واثنان الى سجستان واثنان الى الجزيرة وواحد الى تل مورون في اليمن، وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع وبقيت الى اليوم.



وأول من بويع بالامامة من الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي في منزل زيد بن حصين بايعه عبد الله بن الكواء، وعروة بن جرير، ويزيد بن عاصم المحاربي، وجماعة غيرهم.
ـ كان لرفع الشعار المستمد من القرآن الكريم ( لا حكم الا الله ) التأثير الخطير على استقطاب بسطاء الناس من خلال الايحاء بالتمسك بكتاب الله مع ان هذا الشعار. ـ كما عبر سيد نا علي بن ابي طالب ـ هو ( كلمة حق يراد بها باطل )، اضافة الى كثرة عبادة هؤلاء وتعمقهم في الدين حتى سُمّو المتعمقين، وقراءتهم القرآن اذ كانوا يسَمون بقراء القرآن.
ـ ذهبوا إلى القول بتكفير علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل، وكل من رضي بتحكيم الحكمين.
ـ قالوا : إن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار وأما صغائر الذنوب فإن الإنسان اذا تاب منها فالله يغفرها له.
ويجوز عندهم أن يكون الأنبياء ـ قبل البعثة ـ من أهل الفسق والكفر كما يجوز على الأنبياء بعد بعثهم الكفر وارتكاب الصغائر والسهو والنسيان. ـ إباحة قتل أطفال المخالفين لأفكارهم ونسائهم.
ـ استحلوا دماء أهل العهد والذمة وأموالهم .
ـ قالوا : ان القرآن هو كلام الله المنزل على النبي بواسطة جبرائيل وانه مخلوق مثل بقية الأشياء.
ـ قالوا : ان كل خبر ورد عن النبي يخالف ظاهر الكتاب لا يعمل به، وان كل خبر لا يكون متواترا لا يجوز ان يتخذ دليلا (6) .

أسباب ظهور الخوارج :



إن عرض أسباب ظهور فرقة الخوارج في صدر الإسلام يقربنا من معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ظهور امتداد هذه الفرقة متمثلة في جماعات التكفير الحديثة و من أهم أسباب ظهور فرقة الخوارج ما يلي :



1- النزاع حول الخلافة:
وربما يكون هذا هو أقوى الأسباب في خروجهم، فالخوارج لهم نظرة خاصة في الإمام معقدة وشديدة، والحكام القائمون في نظرهم لا يستحقون الخلافة، لعدم توفر شروط الخوارج القاسية فيهم، أضف إلى هذا عدم الاستقرار السياسي الذي شجعهم على الخروج، وإلى الحسد الذي كان كامناً في نفوسهم ضد قريش. إضافة إلى أنهم فسروا الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما بأنه نزاع حول الخلافة. ومن هنا استسهلوا الخروج على عليّ ومعاوية من بعده.



2- قضية التحكيم:
فقد أجبروا الإمام عليّ على قبول التحكيم، وحينما تم ذلك طلبوا منه أن يرجع عنه بل ويعلن إسلامه، فرد عليهم رداً عنيفاً.

وهناك من يقلل من شأن هذه القضية كعامل في ظهور الخوارج، ولا شك أن هذا خطأ، فقد كان التحكيم من الأسباب القوية في ظهورهم.

وقد رد بعض العلماء وشنع على من يقول من المؤرخين وكتاب الفرق، بأن كان في قضية التحكيم خداع ومكر، كالقاضي ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم؛ حيث فصّل القول في هذا الأمر.

3- جور الحكام وظهور المنكرات:
هكذا كان الخوارج يرددون في خطبهم ومقالاتهم، أن الحكام ظلمة والمنكرات فاشية، والواقع أنهم حينما خرجوا فعلوا أضعاف ما كان موجودا من المظالم والمنكرات، حينما رأوا أن قتال المخالفين لهم قربة إلى الله تعالى، وأن الأئمة ابتداءً بالإمام علي –مع عدله وفضله- ثم بحكام الأمويين والعباسيين-كلهم ظلمة في نظرهم دون تحرٍّ أو تحقيق، مع أن إقامة العدل والنهي عن المنكرات يتم بغير تلك الطريقة التي ساروا عليها في استحلال دماء مخالفيهم حكاماً ومحكومين.

4- العصبية القبلية:
التي ماتت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر عمر رضوان الله عليهما. ثم قامت في عهد عثمان وما بعده قوية شرسة، وكانت قبل الإسلام بين ربيعة- وأكثر الخوارج منهم- وبين مضر قوية، وقد قال المأمون في إجابته لرجل من أهل الشام طلب منه الرفق بالخوارج: ((وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما شارياً)).

وهناك أسباب أخرى مثل العوامل الاقتصادية؛ كقصة ذي الخويصرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وثورتهم الممقوتة على عثمان رضي الله عنه؛ حيث نهبوا بيت المال بعد قتله مباشرة، ونقمتهم على عليّ في معركة الجمل، ومنها كذلك الحماس الديني الذي مدحهم به بعض المستشرقون كجولد زيهر حينما ذكر أن تمسك الخوارج الشديد بالقرآن أدى بهم إلى الخروج على المجتمع، والمغالطة في قوله هذا واضحة، فإن التمسك بالقرآن لا يؤدي إلى الخروج على المجتمع و سفك دماء الأبرياء.


الحُكم على الخوارج :



اختلفت العلماء في الحكم على الخوارج إلى قولين:


(1) الحكم بتكفيرهم.
(2) الحكم عليهم بالفسق والابتداع والبغي.

وقد استند الذين كفروهم على ما ورد من أحاديث المروق المشهورة عند علماء الفرق؛ رادين الخوارج إلى سلفهم القديم ذي الخويصرة وموقفه الخاطئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم موقف الخوارج أيضاً من الصحابة خصوصاً الإمام علياً وغيره ممن شارك في قضية التحكيم.

والأحاديث الواردة فيهم كثيرة غير أن بعض العلماء يرى أن هذه الأحاديث إنما تصدق –على فرض صحتها كما يذكر- على المرتدين في زمن أبي بكر رضي الله عنه.

وإذا كان بعض العلماء يتحرج عن تكفيرهم عموماً فإنه لا يتحرج عن تكفير بعض الفرق منهم، كالبدعية من الخوارج الذين قصروا الصلاة على ركعة في الصباح وركعة في المساء. والميمونية- حيث أجازوا نكاح بعض المحارم كبنات البنين وبنات البنات وبنات بني الأخوة، ثم زادوا فأنكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن لاشتمالها –فيما يزعمون- على ذكر العشق والحب، والقرآن فيه الجد، وكذا اليزيدية منهم، حيث زعموا أن الله سيرسل رسولاً من العجم فينسخ بشريعته شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

أما الرأي الثاني و الأرجح: وهو القول بعدم تكفير الخوارج؛ فأهل هذا الرأي يقولون: إن الاجتراء على إخراج أحد من الإسلام أمر غير هين، نظراً لكثرة النصوص التي تحذر من ذلك إلا من ظهر الكفر من قوله أو فعله فلا مانع حينئذ من تكفيره بعد إقامة الحجة عليه.

ولهذا أحجم كثير من العلماء أيضاً عن إطلاق هذا الحكم عليهم وهؤلاء اكتفوا بتفسيقهم، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لقيامهم بأمر الدين- وأن لهم أخطاء وحسنات كغيرهم من الناس، ثم إن كثيراً من السلف لم يعاملوهم معاملة الكفار كما جرى لهم مع علي رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز؛ فلم تسبى ذريتهم وتغنم أموالهم.



قال الإمام ابن تيمية‏:‏ ‏"‏ ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال‏:‏ (‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ‏( (7) ‏، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم‏.‏

والخوارج المارقون، الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -أحد الخلفاء الراشدين- واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي رضي الله عنه حتى سفكوا الدم الحرام، وانحازوا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا على أنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم‏.‏

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا، مع أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم‏؟‏ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا‏؟‏‏.‏

والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله‏.‏‏.‏ فقد أخرج البخاري رحمه الله عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع قال‏:‏ ‏‏إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا وفي شهركم هذا‏‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏كل المسلم على المسلم حرام‏:‏ دمه وماله وعرضه‏‏‏.‏

وقال في نفس الحديث‏:‏ ‏‏لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‏‏، وقال‏:‏ ‏‏إذا قال المسلم لأخيه يا كافر‏!‏ فقد باء بها أحدهما‏‏، ‏.‏

وإذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يُكفر بذلك، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري عن علي رضي الله عنه أن عمر ابن الخطاب قال‏:‏ يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏إنه شهد بدرا، وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏‏‏؟‏ (8) ‏.‏

وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعد ما قال‏:‏ لا إله إلا الله، وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره، وقال‏:‏ ‏يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله‏؟‏ وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة‏:‏ تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ومع هذا لم يوجب عليه قودا، ولا دية، ولا كفارة، لأن كان متأولا ، ظن جواز قتل ذلك القائل، لظنه أنه قالها تعوذا‏.‏ (9)

فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم ، وكلهم مسلمون مؤمنون، كما قال تعالى‏:‏ ‏}‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {‏ (10) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم، وبغي بعضهم على بعض أخوة مؤمنون، وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل‏.‏

ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم ا علم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك‏.‏

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سأل ربه‏:‏ ‏‏ألا يُهلك أمته بسنة عامة، فأعطاه ذلك، وسأله ألا سلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطاه ذلك، وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم، فلم يُعطه ذلك‏‏‏.‏ وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا، وبعضهم يسبي بعضا‏.‏

وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ )‏ (11) قال‏:‏ ‏أعوذ بوجهك (‏ْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ‏ ((12)قال‏: ‏أعوذ بوجهك(‏‏‏ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) ‏ (13) وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏هاتان أهون‏‏‏.‏

هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف، وقال‏:‏ ‏(‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )‏ (14) وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة‏ ‏، وقال‏:‏ ‏الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد‏.‏

ولعل الصحيح أن الذين حكموا على الخوارج بالكفر الصريح قد غلوا في تعميم الحكم عليهم، والذين حكموا عليهم بأنهم كغيرهم من فرق المسلمين أهل السنة قد تساهلوا، بل الأولى أن يقال في حق كل فرقة ما تستحقه من الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين.

وإطلاق ما أطلقته النصوص في الحكم العام، ويتوقف عن إطلاق التكفير المخرج من الملة على المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه، أو إذا ظهر كفره من قوله أو فعله أو اعتقاده.



( الفصل الثالث ) : جماعات التكفير الحديثة :


التعريف :-

هي جماعات إسلامية غالية نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية ، نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر ، وبعد إطلاق سراح أفرادها ، تبلورت أفكارها ، وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة .

الأفكار و المعتقدات :-

- التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة فهم يكفرون كل من أرتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها ، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل ، أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك ، كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم . أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم ، وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين .

- وكل من أخذ بأقوال الأئمة بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر .

- والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين .

- قول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين .
· والهجرة هي العنصر الثاني في فكر الجماعة ، ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي ، وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية . والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية ، بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقة - برأيهم - كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية .

- يجب على المسلمين في هذه المرحلة الحالية من عهد الاستضعاف الإسلامي أن يمارسوا المفاضلة الشعورية لتقوية ولائهم للإسلام من خلال جماعة المسلمين - التكفير والهجرة - وفي الوقت ذاته عليهم أن يكفوا عن الجهاد حتى تكتسب القوة الكافية .
- لا قيمة عندهم للتاريخ الإسلامي لأن التاريخ هو أحسن القصص الوارد في القرآن الكريم فقط .
- لا قيمة أيضاَ لأقوال العلماء المحققين وأمهات كتب التفسير والعقائد لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث - بزعمهم - مرتدون عن الإسلام .

- قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذي اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته .

- دعوا إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث ( نحن أمة أمية …) فدعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار .

- أطلقوا أن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام ، فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة .

- قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار إلا أربعة مساجد : المسجد الحرام والمسجد النبوي وقباء والمسجد الأقصى ولا يصلون فيها أيضاً إلا إذا كان الإمام منهم .
- ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الإمامة ، والاجتهاد المطلق ، وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفاً وخلفاً .



أهم شخصياتهم :-

علي إسماعيل : كان إمام هذه الفئة من الشباب داخل المعتقل ، وهو أحد خريجي الأزهر ، وقد صاغ علي إسماعيل مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترتين : المكية والمدنية ، متأثراً في ذلك بأفكار الخوارج ، إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها .

ولقد إنتشرت هذه الجماعة في معظم محافظات مصر وفي منطقة الصعيد على الخصوص ، ولها وجود في بعض الدول العربية مثل اليمن والأردن والجزائر … وغيرها . (15)

إذن فجماعة التكفير هي جماعة غالية أحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفير المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام . ولا يخفى مدى مخالفة أفكار ومنهج هذه الجماعة لمنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان وغير ذلك مما سبق بيانه .



( الفصل الرابع ) : أسباب ظاهرة التكفير الحديثة :-

إن أسباب ظهور ظاهرة التكفير الحديثة ، وفشوها وانتشارها عديدة، يكمن أهمها في:

1ـ الجهل الذريع، وربما الجهل المركب بهذه المسألة المهمة، في معرفة الكفر في موارد أدلة الوحي الشريف، والفرق بين الكفرين: الأكبر والأصغر، وحال أصحابهما من جهة اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، والفرق بين الكفر المطلق والكفر المعيِّّن، والكفر الدنيوي والحكم لصاحبه بالخلود الأخروي بالنار.

2ـ اتباع الهوى، والأغراض النفسية في التكفير المخالف وذمه والقدح في عرضه بالكفر دون تبصّر بالعلم، وتورّع بالديانة.

3ـ اتباع المذاهب البدعية، والأقوال الشاذة، وتقليد الأصاغر في العلم والدين في إطلاق الكفر على الدول والمجتمعات والأفراد.

4ـ الاستهانة بمحارم الله وأحكام شرعه، وعدم الأخذ على يد المكابر والمعلن بقالة الكفر، وأطره على الحق أطراً بقوة البرهان والسلطان! إلى غير ذلك من الأسباب، مع الأخذ في الاعتبار أن كل سبب من هذه الأسباب يحتاج إلى بسط في العرض والتحليل وضرب الأمثلة والتدليل..إلخ.

5.إنتشار الكفر والردة الحقيقية جهرة في مجتمعاتنا الإسلامية، واستطالة أصحابها وتبجحهم بباطلهم، واستخدامهم أجهزة الإعلام وغيرها لنشر كفرياتهم على جماهير المسلمين دون أن يجدوا من يزجرهم أو يردهم عن ضلالهم وغيهم.

6. تساهل بعض العلماء في شأن هؤلاء الكفرة الحقيقيين وعدهم في زمرة المسلمين، والإسلام منهم براء.

7. إضطهاد حملة الفكر الإسلامي السليم، والدعوة الإسلامية الملتزمة بالقرآن والسنة، والتضييق عليهم في أنفسهم ودعوتهم. والاضطهاد والتضييق لأصحاب الفكر الحر، لا يولد إلا اتجاهات منحرفة، تعمل تحت الأرض، في جو مغلق بعيدا عن النور والحوار المفتوح.

8. قلة بضاعة هؤلاء الشبان الغيورين من فقه الإسلام وأصوله، وعدم تعمقهم في العلوم الإسلامية واللغوية . الأمر الذي جعلهم يأخذون ببعض النصوص دون بعض، أو يأخذون بالمتشابهات، وينسون المحكمات، أو يأخذون بالجزئيات ويغفلون القواعد الكلية، أو يفهمون بعض النصوص فهما سطحيا سريعا، إلى غير ذلك من الأمور اللازمة لمن يتصدر للفتوى في هذه الأمور الخطيرة، دون أهلية كافية. فالإخلاص وحده لا يكفي، ما لم يسنده فقه عميق لشريعة الله وأحكامه، وإلا وقع صاحبه فيما وقع فيه الخوارج من قبل، الذين صحت الأحاديث في ذمهم من عشرة أوجه، كما قال الإمام أحمد. هذا مع شدة حرصهم على العقيدة والتنسك.

ولهذا كان أئمة السلف يوصون بطلب العلم قبل التعبد والجهاد، حتى لا ينحرف عن طريق الله من حيث لا يدري.
وقد قال الحسن البصري: العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم، ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا. (16) .



( الفصل الخامس ) : في أنواع الكافرين وكفرهم:



لا يجوز لمسلم التحاشي عن تكفير من كفرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لِمَا فيه من تكذيبٍ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

والكفار على صنفين ‏:‏

الصنف الأول ‏:‏ الكفار كفراً أصلياً ، وهم كل من لم يدخل في دين الله الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى والدهريين والوثنين وغيرهم من أمم الكفر الذين قال الله تعالى فيهم (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) ‏(17).

والذين قال الله فيهم ‏(لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ) (18)

والذين قال الله فيهم (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) ‏‏(19).

والذين قال الله فيهم ‏:‏ ‏(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (20).

وهؤلاء الكفار كفراً أصلياً لا يفرق في الحكم عليهم بالكفر ، سواء كانوا أفراداً أو جماعاتٍ ، أحياءً وأمواتاً كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ‏.‏

وهؤلاء يجب على المسلمين قتالهم متى استطاعوا حتى يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية ‏.‏

الصنف الثاني ‏:‏ المسلم الذي يرتد بعد إسلامه بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام ، ومن أمثلة ذلك في القرآن العظيم ‏:‏

كفر التكذيب ‏:‏ كما قال تعالى ‏:‏ ‏(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ‏‏(21).

ومثل كفر ‏:‏ المستهزئين بالله ، ورسوله ، ودينه ، الذين قال الله فيهم ‏(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) ‏ (22).

ومثل كفر ‏:‏ من سب الله ورسوله ودينه ، فان السب ينافي التعظيم الواجب لله ولرسوله ولدينه وشرعه ، قال الله تعالى ‏(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )‏ (23).

ومثل كفر ‏:‏ الإباء والاستكبار والامتناع عن طاعة الله تعالى كما قال سبحانه عن إبليس ‏:‏ ‏(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) ‏ (24).

وهذا النوع هو الغالب على كفر أعداء الرسل ‏.‏

ومثل كفر ‏:‏ الإعراض عن دين الله تعالى كما قال :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ )‏ ‏ (25).

ومثل الكفربالقول كما قال تعالى(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ) (26)

وكما قال سبحانه : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ )‏ ‏.‏ إذ قالوا ‏:‏(يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ) (28).

ومنه قول المنافقين في غزوة تبوك ‏:‏ ‏(‏ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء- يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم- أرغب بطونا، وأكذب ألسنا ، وأجبن عند اللقاء ‏.‏

ومثل الكفر ‏:‏ بالعمل كما قال الله تعالى :( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (29) ‏.‏ فالسجود لغير الله والذبح لغير الله ، شرك وكفر بالله ‏.‏

ومن الكفر العملي ‏:‏ السحر كما قال الله تعالى:( لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (30).

وذلك لما فيه من استخدام الشياطين والتعلق بهم ودعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في ذلك قال الله تعالى: ( ‏وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق)ٍ ‏(‏31)

ولأن السحر شرك وكفر أدخله العلماء المصنفون في ‏:‏ ‏(‏التوحيد وأبوابه‏)‏ في أنواع الشرك ، للتحذير منه ، وبيان أنه من نواقض التوحيد ‏.‏

ومثل الكفر ‏:‏ بالاعتقاد والشك ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ‏.‏وقال سبحانه:( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ‏(32) .

وقال عَزَّ من قائل : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ‏ (33).

فكل هؤلاء قد كفرهم الله ورسوله بعد إيمانهم بأقوال وأفعال صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبهم ‏.‏ لا كما يقول المرجئة المنحرفون ، نعوذ بالله من ذلك ‏.‏

مع العلم أن الحكم بكفر المعين المتلبس بشيء من هذه النواقض المذكورة موقوف على توافر الشروط وانتفاء الموانع في حقه كما هو معلوم ‏.‏




{ الباب الثاني } :

( الفصل الأول ) : قواعد في التكفير :-

القاعدة الأولى :

أن الإنسان يدخل الإسلام بالشهادتين:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن أقر بالشهادتين بلسانه فقد دخل في الإسلام، وأجريت عليه أحكام المسلمين، وإن كان كافرا بقلبه، لأنا أمرنا أن نحكم بالظاهر، وأن نكل إلى الله السرائر. والدليل على ذلك:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الإسلام ممن أقر بالشهادتين، ولا ينتظر حتى يأتي وقت الصلاة، أو حول الزكاة، أو شهر رمضان… مثلا. حتى يؤدي هذه الفرائض، ثم يحكم له بالإسلام. ويكتفي منه بالإيمان بها، وألا يظهر منه إنكارها.

2. حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما عند البخاري وغيره: أنه قتل رجلا شهر عليه السيف فقال: (لا إله إلا الله) فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإنكار، وقال: أقتلته بعدما قال: (لا إله إلا الله)؟ فقال: إنما قالها تعوذا من السيف؟ فقال: هلا شققت عن قلبه؟! وفي بعض الروايات: كيف لك بـ (لا إله إلا الله) يوم القيامة؟ (34)
3. حديث أبي هريرة: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) (35) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وما جئت به.
وفي البخاري عن أنس مرفوعا: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.

والمراد بـ "الناس" في الحديث مشركو العرب. كما قال العلماء، وكما فسره أنس في حديثه، لأن أهل الكتاب يقبل منهم الجزية بنص القرآن.
والشاهد هنا: إنهم إذا قالوا لا إله إلا الله، دخلوا بها في الإسلام، بدليل عصمة دمائهم وأموالهم، لأن العصمة إما بالإسلام أو بالعهد والذمة، ولا عهد ولا ذمة هنا، فلم يبق إلا الإسلام.
وقد صح هذا الحديث عن عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة. ولهذا قال الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير": هو حديث متواتر. قال شارحه المناوي: لأنه رواه خمسة عشر صحابيا.
وقد روى سفيان بن عيينة –أحد أئمة الحديث في زمنه- أنه قال: كان هذا في أول الإسلام قبل فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة.
وعقب العلامة ابن رجب الحنبلي في كتابه على هذا بقوله: وهذا ضعيف جدا، وفي صحته عن سفيان نظر. فإن رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وبعضهم تأخر إسلامه. (36) جامع العلوم و الحكم
ثم قوله: عصموا مني دماءهم وأموالهم، يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورا بالقتال، وهذا كله بعد هجرته إلى المدينة.
قال: ومن المعلوم بالضرورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام، الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلما. فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال: "لا إله إلا الله" لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة، بل قد روى أنه قبل من قوم الإسلام واشترطوا ألا يزكوا.
ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيتصدقون، ويجاهدون.
وفيه أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه.
قال ابن رجب: وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث وقال: يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها.
واستدلوا أيضا بأن حكيم بن حزام قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائما.
قال أحمد: معناه أن يسجد من غير ركوع اهـ. كلام ابن رجب والذي يهمنا من هذه النقول أمران:
الأول: أن الدخول في الإسلام إنما يكون بالشهادتين، وإذا اقتصر في بعض الأحاديث على شهادة التوحيد، فهو إما من باب الاكتفاء أو الاختصار من بعض الرواة. وإما لأن مشركي العرب المقصودين بكلمة "الناس" في الحديث، لم يكونوا ليقروا بشهادة التوحيد إلا إذا شهدوا لمن جاء بها، ودعا إليها، وهو محمد رسول الله.
ولهذا جاء عن بعض السلف: الإسلام الكلمة. يعني: كلمة الشهادة.
وأما الصلاة والصيام وسائر شرائع الإسلام وفرائضه فإنما يطالب بها بعد أن يصبح مسلما إذ هي لا تصح ولا تقبل إلا من مسلم. أما الكافر فلا صلاة له ولا صيام ولا حج… الخ… لفقدانه شرط القبول… وهو الإسلام.
والثاني: ما دلت عليه الأحاديث الأخيرة التي ذكرها ابن رجب، والتي رواها إمام السنة أحمد بن حنبل من المرونة وسعة الأفق، التي كان يعالج بها النبي صلى الله عليه وسلم الأمور، ويواجه بها المواقف. وخصوصا مع الداخلين في الإسلام.
فقد قبل من بعضهم ما رفضه من غيرهم. فقد جاء عن بشير بن الخصاصية أنه أراد أن يبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام دون أن يتصدق أو يجاهد، فكف يده عنه وقال: يا بشير، لا جهاد ولا صدقة! فبم تدخل الجنة إذن؟!
ولكنه قبل هذا من ثقيف، لعلمه بأنهم لن يجمدوا على هذا الموقف، وأنهم إذا حسن إسلامهم سيصنعون ما يصنع سائر المسلمين، ولهذا قال في ثقة عنهم: سيتصدقون ويجاهدون.



القاعدة الثانية:

من مات على التوحيد استوجب الجنة:

أن من مات على التوحيد (أي على: لا إله إلا الله) استحق عند الله أمرين:

الأول: النجاة من الخلود في النار، وإن اقترف من المعاصي ما اقترف، سواء منها ما يتعلق بحقوق الله كالزنا، أو بحقوق العباد كالسرقة. وإن دخل بذنوبه النار فسيخرج منها لا محالة، مادام في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.
الثاني: دخول الجنة لا محالة، وإن تأخر دخوله، فلم يدخلها مع السابقين: بسبب عذابه في النار لمعاص لم يتب منها، ولم تكفر عنه بسبب من الأسباب:

والدليل على ذلك أحاديث صحاح مشهورة في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة منها: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل).
وعن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة).
(إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله) أي لم يقلها لمجرد أن يعصم بها دمه وماله كالمنافقين في عهد النبوة.

وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: (لا إله إلا الله) وكان في قلبه من الخير ما يزن برة (يعني حبة قمح)).
وهذه الأحاديث كلها متفق عليها في الصحيحين.
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فبشرني: أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق).

وفي صحيح مسلم من حديث الصنابحي عن عبادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار).
وغير هذه الأحاديث كثير، ودلالتها صريحة على أن كلمة الشهادة موجبة لدخول الجنة والنجاة من النار. والمراد بدخول الجنة: دخولها ولو في النهاية، بعد استحقاق العذاب في النار زمنا ما. وكذلك المراد بالنجاة من النار: النجاة من الخلود فيها. وإنما قلنا هذا، جمعا بين هذه الأحاديث وأحاديث أخرى حرمت الجنة، وأوجبت النار على من ارتكب بعض المعاصي.. فلا يجوز أن نضرب النصوص بعضها ببعض.


القاعدة الثالثة:

أن الإنسان بعد أن يدخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين، يصبح –بمقتضى إسلامه- ملتزما بجميع أحكام الإسلام، والالتزام يعني الإيمان بعدالتها وقدسيتها، ووجوب الخضوع والتسليم لها، والعمل بموجبها. أعني الأحكام النصية الصريحة الثابتة بالكتاب والسنة.
فليس لها خيار تجاهها بحيث يقبل أو يرفض، ويأخذ أو يدع، بل لابد أن ينقاد لها مسلما راضيا، محلا حلالها، محرما حرامها، معتقدا بوجوب ما أوجبت، واستحباب ما أحبت.
يقول تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا)، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
ومن المهم أن نعرف هنا، أن من أحكام الإسلام من الواجبات والمحرمات والعقوبات وغيرها من التشريعات، ما ثبت ثبوتا قطعيا، وأصبح من الأحكام اليقينية، التي لا يتطرق إليها ريب ولا شبهة، أنها من دين الله وشرعه، وهي التي يطلق عليها علماء الإسلام اسم "المعلوم من الدين بالضرورة".
وعلامتها أن الخاصة والعامة يعرفونها، ولا يحتاج إثباتها إلى نظر واستدلال، وذلك مثل فرضية الصلاة والزكاة وغيرها من أركان الإسلام وحرمة القتل والزنا وأكل الربا وشرب الخمر ونحوها من الكبائر، ومثل الأحكام القطعية في الزواج والطلاق والميراث والحدود والقصاص وما شابهها.
فمن أنكر شيئا من هذه الأحكام "المعلومة من الدين بالضرورة" أو استخف بها واستهزأ فقد كفر كفرا صريحا، وحكم عليه بالردة عن الإسلام. وذلك أن هذه الأحكام نطقت بها الآيات الصريحة، وتواترت بها الأحاديث الصحيحة، وأجمعت عليها الأمة جيلا بعد جيل، فمن كذب بها فقد كذب نص القرآن والسنة. وهذا كفر.
ولم يستثن من ذلك إلا من كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن أمصار المسلمين، ومظان العلم، فهذا يعذر إذا أنكر هذه الضروريات الدينية، حتى يعلم ويفقه في دين الله، فيجري عليه بعد ذلك ما يجري على سائر المسلمين.



القاعدة الرابعة:

كبائر المعاصي تنقص الإيمان ولكنها لا تهدمه:

أي أن المعاصي والكبائر –وإن أصر عليها صاحبها ولم يتب منها- تخدش الإيمان وتنقصه، ولكنها لا تنقضه من أساسه، ولا تنفيه بالكلية. والدليل على ذلك ما يأتي:
1. إنها لو كانت تهدم الإيمان من أصله، وتخرج صاحبها إلى الكفر المطلق، لكانت المعصية والردة شيئا واحدا، وكان العاصي مرتدا، ووجب أن يعاقب عقوبة المرتد، ولم تتنوع عقوبات الزاني والسارق وقاطع الطريق وشارب الخمر والقاتل. وهذا مرفوض بالنص والإجماع.
2. إن القرآن نص على أخوة القاتل لأولياء المقتول في آية القصاص حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ). (178 البقرة)

3. إن القرآن أثبت الإيمان للطائفتين المقتتلتين في قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ …-إلى أن قال- … إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات الآية 8) فأثبت لهم الإيمان والأخوة الدينية مع وجود الاقتتال، ومع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض)، وقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) صحيح البخاري (38) وبهذا الحديث الأخير استدل البخاري –فيما استدل- بأن المعاصي لا يكفر صاحبها، لأن الرسول سماهما مسلمين مع توعدهما بالنار.
والمراد: إذا كان الاقتتال بغير تأويل سائغ.

4. إن حاطب بن أبي بلتعة ارتكب خطيئة تشبه ما يسمى الآن "الخيانة العظمى" حيث أراد نقل أخبار الرسول وتحركات جيشه إلى قريش قبيل فتح مكة، مع حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على كتمان ذلك عنهم. وقال له عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق. واعتذر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل بدر، ولم يعتبر عمله ناقلا له من الإيمان إلى الكفر. ونزل القرآن يؤكد ذلك حيث نزل في شأنه أول سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ) الممتحنة الآية 1 (39)–إلى أن قال- (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ).
فخاطبه الله فيمن خاطب بعنوان الإيمان، وجعل عدوه سبحانه وعدوهم واحدا، مع قوله: (تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ).

5. وقريب من ذلك ما نزل في شأن الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر. وكان أبو بكر حلف ألا يصله، فأنزل الله في شأنه (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). (40)

6. ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة في قصة شارب الخمر، الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه فضربوه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان) وفي رواية أخرى للبخاري: (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) وفي سنن أبي داود في هذه القصة زيادة: (ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
فهذه هي النظرة المحمدية المتسامحة إلى شارب أم الخبائث، فهو يأمر بضربه، ولكنه لا يرضى بلعنه وطرده من رحمة الله، ولا إخراجه من نطاق المؤمنين، بل يثبت الأخوة بينه وبينهم، وينهاهم أن يفتحوا ثغرة للشيطان إلى قلبه إذا سبوه وأذلوه علانية، بل يأمرهم أن يدعوا له بالمغفرة والرحمة، ويشعروه بالأخوة والمحبة، والحرص على هدايته، فعسى أن يرده ذلك عن غوايته.

7. وأكثر من ذلك ما رواه البخاري أيضا عن عمر بن الخطاب: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبدالله وكان يلقب (حمارا) وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتى به يوما، فأمر به فجلد. فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه لا يحب الله ورسوله) وفي بعض روايات الحديث: (لقد علمت أنه يحب الله ورسوله) وفي بعضها (ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله).
فهذا مع إدمانه الشرب، وإصراره عليه، وإنكاره منه، حتى نقل ابن حجر في الفتح عن ابن عبد البر أنه ضرب خمسين مرة، ينهى النبي عن لعنه، ويقرر أنه يحب الله ورسوله.


يقول الحافظ بن حجر في بيان فوائد هذا الحديث في "الفتح":
( أ ) فيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر، لثبوت النهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له.
(ب) وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله، مع وجود ما صدر عنه.
(جـ) وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله.
(د)ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم أن نفي الإيمان –عن شارب الخمر- (أي في حديث: لا يشرب الخمر وهو مؤمن)- لا يراد به زواله بالكلية، بل نفي كماله. اهـ (41) من فتح الباري.

8. الأحاديث السابقة التي أوجبت لمن قال: "لا إله إلا الله" الجنة وإن زنى وإن سرق.

9. ما صح واستفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيشفع لأهل الكبائر من أمته.

وهذا يدل على حكمين كبيرين:

أولهما: أنه لم يخرجهم باقتراف الكبيرة عن حظيرة أمته.
ثانيهما: أن الله سيرحمهم بهذه الشفاعة، إما بإعفائهم من دخول النار أصلا، وإن استوجبوها بذنوبهم. وإما بإخراجهم منها بعد أن دخلوها وعذبوا فيها زمنا فهم غير مخلدين في النار قطعا.



القاعدة الخامسة:

ما عدا الشرك تحت إمكان المغفرة:

وهي تأكيد للقاعدة السابقة –أن الذنب الذي لا يغفر هو الشرك بالله تعالى، وما عداه من الذنوب –صغرت أو كبرت- فهو في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه.
قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ). (42)
والمراد بالشرك في الآية وأمثالها: الشرك الأكبر، وهو اتخاذ إله أو آلهة مع الله تعالى وهو المراد بهذا اللفظ عند الإطلاق.
ومثله الكفر الأكبر: كفر الجحود والإنكار.
قال الحافظ ابن حجر: لأن من جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مثلا، كان كافرا ولو لم يجعل مع الله إلها آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف أما المعاصي الأخرى دون الكفر أو الشرك، فهي تحت سلطان المشيئة الإلهية. من شاء غفر له، ومن شاء عاقبه، كما ذكرت الآيتان السابقتان (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ).
قال الإمام ابن تيمية: ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب، بأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره كما قال سبحانه في الآية الأخرى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا). فهنا عمم وأطلق، لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق. (43) (مجموع فتوى شيخ الإسلام ج7 ص484-485)
وقد جاء الحديث الصحيح يؤيد مضمون الآية الكريمة في أن ما عدا الشرك من المعاصي موكول إلى المشيئة الإلهية.
ففي حديث عبادة بن الصامت عند البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه).
والحديث واضح الدلالة على أن ارتكاب الموبقات التي اشتملت البيعة على اجتنابها لا يخرج صاحبها من الإسلام، بل من عوقب عليها كانت العقوبة طهارة وكفارة له، وإلا فهو في المشيئة.
يقول العلامة المازري: في الحديث رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ولم يقل: لابد أن يعذبه.

وقال الطيبي: "فيه الإشارة إلى الكف على الشهادة بالنار على أحد إلا من ورد النص فيه بعينه". (44)



القاعدة السادسة:

انقسام الكفر الوارد في النصوص إلى أكبر وأصغر:

أن الكفر في لغة القرآن والسنة، قد يراد به الكفر الأكبر، وهو الذي يخرج الإنسان من الملة، بالنسبة لأحكام الدنيا، ويوجب له الخلود في النار بالنسبة لأحكام الآخرة.
وقد يراد به الكفر الأصغر، وهو الذي يوجب لصاحبه الوعيد دون الخلود في النار، ولا ينقل صاحبه من ملة الإسلام. إنما يدمغه بالفسوق أو العصيان.
فالكفر بالمعنى الأول، هو الإنكار أو الجحود المتعمد لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أو بعض ما جاء به، مما علم من دينه بالضرورة.
والكفر بالمعنى الثاني، يشمل المعاصي التي يخالف بها أمر الله تعالى، أو يرتكب بها ما نهى عنه. وفيه جاءت أحاديث كثيرة، مثل: (من حلف بغير الله فقد كفر) أو (فقد أشرك)، (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)، (لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم)، (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما).

وإنما قلنا: إن الكفر الوارد في هذه النصوص وأمثالها ليس كفرا ناقلا عن الملة، لأدلة أخرى. فقد تقاتل الصحابة، ولم يكفر بعضهم بعضا بذلك.
والمنقول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقينا: إنه لم يكفر من قاتله في معركة الجمل، أو صفين، وإنما اعتبرهم بغاة. وقد صح الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية… كما صح الحديث في الخوارج أنهم (تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) وقد قاتلهم علي رضي الله عنه ومن معه.
كما أثبت القرآن إيمان الطائفتين المقتتلتين (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) وكما أثبت الأخوة الدينية بينهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ومثل ذلك، حديث: (من قال لأخيه يا كافر) فقد أثبت الأخوة بينهما، وهي لا تثبت بين مسلم وكافر، فدل ذلك على أنه لم يخرج من دائرة الإسلام بقوله.
ومثل ذلك قوله: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) أو (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقوله فقد كفر بما أنزل الله على محمد) ونحوها. فلم يعتبره أحد من علماء المسلمين طوال القرون الماضية كفرا مخرجا من الملة، وردة عن الإسلام.
ومازال الناس في مختلف الأزمنة يحلفون بغير الله، ويصدقون العرافين والكهان، فينكر أهل العلم والدين عليهم ويضللونهم أو يفسقونهم، ولكن لم يحكموا بردتهم، ولا فرقوا بينهم وبين نسائهم، ولا أمروا بعدم الصلاة عليهم عند موتهم، أو بعدم دفنهم في مقابر المسلمين. وقد جاء في الحديث المرفوع: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة.
ولهذا ذكر ابن القيم عددا من الأحاديث التي أطلقت الكفر على بعض المعاصي ثم قال:
"والقصد: أن المعاصي كلها من نوع الكفر الأصغر، فإنها ضد الشكر، الذي هو العمل بالطاعة، فالسعي إما شكر وإما كفر، وإما ثالث لا من هذا ولا من هذا". (45) (مدارج السالكين ج1ص355
فالكفر بالمعنى الأول –أعني الكفر الأكبر- يقابله الإيمان. يقال: مؤمن وكافر. كما في مثل قوله تعالى: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ) البقرة 252 وقوله تعالى: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة 257، (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ) آل عمران 86.
أما الكفر بالمعنى الثاني – الكفر الأصغر- فيقابله: الشكر، فالإنسان إما شاكر للنعمة، أو كافر بها، غير قائم بحقها، وإن لم يكفر بمنعها. قال تعالى في وصف الإنسان: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )الآية 2 سورة الإنسان (46) وقال: (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) النمل الآية 40.
وجاء في صحيح البخاري حديث ذكر فيه سبب دخول النساء النار: إنهن يكفرن! قيل: يا رسول الله: يكفرن بالله؟ قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان).
ولهذا لما نقل الحافظ ابن حجر عن القرطبي قوله: حيث جاء الكفر في لسان الشارع فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية.
عقب عليه بقوله: وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم، وترك شكر المنعم، والقيام بحقه، كما تقدم تقريره في كتاب "الإيمان" في باب "كفر دون كفر" في حديث أبي سعيد "يكفرن الإحسان…الخ" . (47) (فتح الباري ج13 ص75)
وذلك أن الإمام البخاري رضي الله عنه وضع في كتاب الإيمان عدة أبواب للرد على الخوارج الذين يكفرون المسلمين باقتراف الكبائر. منها: باب "كفران العشير، وكفر دون كفر"
وعبارة "كفر دون كفر" هذه وردت عن ابن عباس وبعض التابعين في تفسير قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)المائدة الآية 44.
وهذا يدلنا على أن تقسيم الكفر إلى درجات متفاوتة بين أكبر وأصغر، تقسيم مأثور عن سلف الأمة.
وهذا التقسيم نفسه يجري في الشرك وفي النفاق وفي الفسق وفي الظلم. فكل منها ينقسم إلى الأكبر الذي يوجب التخليد في النار، والأصغر الذي لا يوجب ذلك، ولا ينقل عن الملة.
وقد ذكر البخاري في صحيحه"باب: ظلم دون ظلم" واستدل بحديث ابن مسعود لما نزلت آية الأنعام (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) قال الصحابة: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون: لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك. أو لم تسمعوا قوله تعالى: ( إن الشرك لظلم عظيم).
ووجه الدلالة من الحديث على ما أراده البخاري: أن الصحابة فهموا من قوله "بظلم" عموم أنواع المعاصي، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما بين لهم أن المراد: أعظم أنواع الظلم وهو الشرك، فدل على أن الظلم مراتب متفاوتة. (48) (فتح الباري ج1 ص94-95 ط الحلبي)


القاعدة السابعة:

اجتماع بعض شعب الإيمان مع شعب الكفر أو النفاق أو الجاهلية:

أن الإيمان قد يجامع شعبة أو أكثر للكفر أو الجاهلية أو النفاق.
وهذه الحقيقة قد خفيت على كثيرين في القديم والحديث، فحسبوا أن المرء إما أن يكون مؤمنا خالصا أو كافرا خالصا، ولا واسطة بينهما، إما مخلصا محضا أو منافقا محضا. وقريب منه من يقول: إما مسلم محض أو جاهلي. ولا ثالث لهذين الصنفين.
وهذه طريقة كثير من الناس. حيث يركزون النظر على الأطراف المتقابلة دون الالتفات إلى الأوساط. فالشيء عندهم إما أبيض فقط أو أسود فقط، ناسين أن هناك من الألوان ما ليس بأبيض ولا بأسود خالص، بل بين بين.

ولا عجب أن نجد فئة من الناس، إذا وجدت فردا أو مجتمعا لا يتحقق فيه صفات الإيمان الكامل، بل توجد فيه بعض الخصائص النفاق، أو شعب الكفر، أو أخلاق الجاهلية، سارعت إلى الحكم عليه بالكفر المطلق، أو النفاق الأكبر، أو الجاهلية المكفرة، لاعتقادهم أن الإيمان لا يجامع شيئا من الكفر أو النفاق بحال. وأن الإسلام والجاهلية ضدان لا يجتمعان.
وهذا صحيح إذا نظرنا إلى الإيمان المطلق (أي الكامل) والكفر المطلق، وكذلك الإسلام والجاهلية والنفاق.
أما مطلق إيمان وكفر، أو مطلق إيمان ونفاق، أو مطلق إسلام وجاهلية، فقد يجتمعان كما دلت على ذلك (النصوص) وأقوال السلف رضي الله عنهم.
ففي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه: (إنك امرؤ فيك جاهلية!) وهذا وهو أبو ذر في سابقته وصدقه وجهاده.
وفيه: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق).
وروى أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (القلوب أربعة: قلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح وذلك قلب المنافق، وقلب أجرد، فيه سراج يزهو، فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق مثل قرحة يمدها قيح ودم، فأيهما غلب عليه غلب). وقد روى مرفوعا، وهو في مسند أحمد مرفوعا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا الذي قاله حذيفة يدل عليه قوله تعالى: (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) فقد كان قبل ذلك فيهم نفاق مغلوب، فلما كان يوم أحد، غلب نفاقهم، فصاروا إلى الكفر أقرب.
وروى عبد الله بن المبارك بسنده عن علي بن أبي طالب قال إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد العبد إيمانًا ازداد القلب بياضًا، حتى إذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله.وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلما ازداد العبد نفاقا ازداد القلب سوادا، حتى إذا استكمل العبد النفاق اسود القلب. وآيم الله لو شققتم عن قلب المؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب الكافر لوجدتموه أسود). وقال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
قال شيخ الإسلام: وهذا كثير في كلام السلف: يبينون أن القلب قد يكون فيه إيمان ونفاق.
والكتاب والسنة يدلان على ذلك. فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شعب الإيمان وذكر شعب النفاق، وقال: (من كانت فيه شعبة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها) وتلك الشعبة قد يكون معها كثير من شعب الإيمان.
ولهذا قال: (ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وأن من كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار.
وعلى هذا فقوله تعالى للأعراب: (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فقد نفى حقيقة دخول الإيمان في قلوبهم، وذلك لا يمنع أن يكون فيهم شعبة منه، كما نفاه عن الزاني والسارق، ومن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن لا يأمن جاره بوائقه، وغير ذلك… فإن في القرآن والحديث من نفى عنه الإيمان لترك بعض الواجبات شيء كثير.(أنظر: كتاب الإيمان الكبير،(49) من مجموع فتوى شيخ الإسلام ج7 ص303-305)
وفي موضع آخر عرض ابن تيمية رحمه الله للأمر فقال: "والمقصود أن خير المؤمنين في أعلى درجات الجنة، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، وإن كانوا في الدنيا مسلمين ظاهرا، تجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة. فمن كان فيه إيمان ونفاق يسمى (مسلما) إذ ليس هو دون المنافق المحض، وإذا كان نفاقه أغلب لم يستحق اسم الإيمان، بل اسم المنافق أحق به، فإن ما فيه بياض وسواد، وسواده أكثر من بياضه، هو باسم الأسود أحق منه باسم الأبيض. كما قال تعالى: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )167 آل عمران . وأما إذا كان إيمانه أغلب، ومعه نفاق يستحق به الوعيد، لم يكن أيضا من المؤمنين الموعودين بالجنة (أي مع السابقين) وإن استحقها بإيمانه بعد العذاب إن لم يشفع له أو يعف الله عنه.
قال: وطوائف أهل الأهواء –من الخوارج والمعتزلة والجهمية والمرجئة- يقولون: إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق. ومنهم من يدعي الإجماع على ذلك. ومن هنا غلطوا فيه، وخالفوا فيه الكتاب والسنة وآثار الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، مع مخالفة صريح المعقول.
بل الخوارج والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد، وقالوا: لا يجتمع في الشخص الواحد طاعة يستحق بها الثواب، ومعصية يستحق بها العقاب.
ولا يكون الشخص الواحد محمودا من وجه، مذموما من وجه، ولا محبوبا مدعوا له من وجه، ومسخوطا ملعونا من وجه، ولا يتصور أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعا عندهم، بل من دخل إحداهما لم يدخل الأخرى، ولهذا أنكروا خروج أحد من النار، أو الشفاعة في أحد من أهل النار.
وحكى عن غالية المرجئة: أنهم وافقوهم على هذا الأصل، ولكن هؤلاء قالوا: "إن أهل الكبائر يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار" مقابلة لأولئك.
"وأما أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين من أهل الحديث والفقهاء، وأهل الكلام.. فيقولون: إن الشخص الواحد، قد يعذبه الله بالنار ثم يدخله الجنة، كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
وهذا الشخص الذي له سيئات عذب بها، وله حسنات دخل بها الجنة وله معصية وطاعة باتفاق. فإن هؤلاء الطوائف لم يتنازعوا في حكمه، لكن تنازعوا في اسمه.
فقالت المرجئة: هو مؤمن كامل الإيمان.
وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن ناقص الإيمان. ولولا ذلك لما عذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين.
وهل يطلق عليه اسم "مؤمن"؟
هذا فيه القولان… والصحيح التفصيل.
فإذا سئل عن أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة. قيل: هو مؤمن. وكذلك إذا سئل عن دخوله في خطاب المؤمنين أي في مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ).
وأما إذا سئل عن حكمه في الآخرة قيل: ليس هذا النوع من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار، إن لم يغفر الله له ذنوبه… لهذا قال من قال: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
والذين لا يسمونه مؤمنا من أهل السنة والمعتزلة يقولون: اسم الفسوق ينافي اسم الإيمان لقوله تعالى: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات الآية 11 وقوله: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ).
قال: وعلى هذا الأصل، فبعض الناس يكون معه شعبة من شعب الكفر، ومعه إيمان أيضا.
وعلى هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسمية كثير من الذنوب كفرا، مع أن صاحبها قد يكون معه أكثر من مثقال ذرة من إيمان، فلا يخلد في النار. كقوله: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).
وهذا مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من غير وجه، فإنه أمر في حجة الوداع أن ينادى به في الناس. فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض –بلا حق- كفارا، ويسمى هذا الفعل كفرا. ومع هذا فقد قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )الحجرات الآية 8 إلى قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات الآية 9.

فبين أن هؤلاء لم يخرجوا من الإيمان بالكلية، ولكن فيهم ما هو كفر، وهو هذه الخصلة، كما قال بعض الصحابة: كفر دون كفر. وكذلك قوله: (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما) فقد سماه أخا حين القول، وقد أخبر أن أحدهما باء بها، فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه، بل فيه كفر).


القاعدة الثامنة:

تفاوت مراتب الأمة في الطاعة:

وهي تأكيد للسابعة: أن مراتب الناس متفاوتة في امتثالهم لأمر الله تعالى، واجتنابهم لنهيه.
ولهذا تفاوتت درجات إيمانهم وقربهم من الله عز وجل، ومن هنا قرر سلف الأمة أن الإيمان يزيد وينقص، ودل على ذلك بالكتاب والسنة، فمن الخطأ الفاحش تصور الناس جميعا ملائكة أولى أجنحة، بلا أخطاء ولا خطايا، ناسين العنصر الطيني الذي خلقوا منه، والذي يشدهم إلى الأرض لا محالة.
وهذه الحقيقة –حقيقة تفاوت الناس في الإيمان والطاعة لله- قد قررها القرآن الكريم، كما أكدتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى في سورة فاطر: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ).
فقد قسم الله عز وجل الأمة التي أورثها الكتاب، واصطفاها من عباده ثلاثة أصناف:
1. ظالم لنفسه، وهو كما قال ابن كثير، المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب بعض المحرمات.
2. ومقتصد، وهو المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.
3. وسابق للخيرات، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات، وبعض المباحات.(50) (تفسير ابن كثير ج3 ص454-555 :ط الحلبي)
فهؤلاء الثلاثة على ما في بعضهم من عوج وتقصير وظلم للنفس داخلون في الذين اصطفاهم الله من عباده.
وهؤلاء الأصناف الثلاثة ينطبقون على الطبقات أو المراتب الثلاث المذكورة في حديث جبريل المشهور: وهي "الإسلام" و"الإيمان" و"الإحسان". وأخبر الله تعالى عن هؤلاء الأصناف الثلاثة –وفيهم الظالم لنفسه- بأنهم من أهل الجنة.
وصح عن ابن عباس في تفسير الآية قوله: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.(المصدر السابق)
وليس المراد بـ "المحرمات" التي يرتكبها الظالم لنفسه "الصغائر" فقط دون "الكبائر" ولا المراد به التائب من جميع الذنوب، لأن هذا وذاك –كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- يدخل في صنف المقتصد أو السابق "فإنه ليس أحد من بني آدم يخلو من ذنب. كل من تاب كان مقتصدا أو سابقا".
كذلك من اجتنب الكبائر كفرت عنه السيئات، كما قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ).
فلا بد أن يكون هناك ظالم لنفسه، وموعود الجنة. ولو بعد عذاب يطهر من الخطايا.(من كتاب "الإيمان" (51) من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج7 ص485:ط الرياض)
على أن المسلم مهما يكن مقتصدا أو ظالما لنفسه، فعليه أن يكره الكفر والفسوق والعصيان، ولا يرضى بالمنكر الذي تطفح به الحياة من حوله. فإن أدنى درجات الإيمان أن يغير المسلم المنكر بقلبه، أي يكرهه ويتألم له ويسخط عليه، وأرفع من ذلك درجة أن يغيره بلسانه إن استطاع، وأرفع من هذه أن يغيره بيده إن استطاع. وهذا ما جاء به الحديث الصحيح المشهور على الألسنة (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
فإذا كان التغيير بالقلب –بالمفهوم الذي شرحناه- أضعف الإيمان، فمعنى هذا أن من فقد هذه الدرجة –درجة أضعف الإيمان- فقد الإيمان كله، ولم يبق له منه شيء.
وهذا ما صرح به الحديث الآخر الذي رواه مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه يخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
فالحديث الشريف يصرح بأن من لم يجاهد هؤلاء الفسقة والظالمين بقلبه –أي يكره أعمالهم وظلمهم وفسقهم- ليس عنده من الإيمان حبة خردل. وبعبارة أخرى، ليس عنده أقل القليل من الإيمان.
غير أن هذا الأمر مرده إلى ضمير المسلم وقلبه، فهو الذي يستطيع أن يحكم على نفسه أهو راض عن المنكر أم هو ساخط عليه؟ وإن كان راضيا عن صاحب المنكر: أهو راض عنه لأجل فسقه وظلمه وانحرافه عن شرع الله أم لأجل شيء آخر، مثل مصلحة أصابها منه، أو قرابة بينه وبينه، أو غير ذلك. وإن كان الواجب على المؤمن أن يكون مناط قربه أو بعده من الناس هو مدى اتصالهم بالإسلام أو انفصالهم عنه (52) ( ظاهرة الغلو في التكفير ) .
أخطار التكفير



(1) – أخطار التكفير على الأفراد :

1. من أخطار التكفير على الفرد أنه لا يحل لزوجته البقاء معه، ويجب أن يفرق بينها وبينه، لأن المسلمة لا يصح أن تكون زوجة لكافر بالإجماع المتيقن.

2. إن أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه، لأنه لا يؤتمن عليهم ويخشى أن يؤثر عليهم بكفره، وبخاصة أن عودهم طري. وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي كله.

3. إنه فقد حق الولاية والنصرة على المجتمع الإسلامي، بعد أن مرق منه وخرج عليه بالكفر الصريح، والردة البواح، ولهذا يجب أن يقاطع، ويفرض عليه حصار أدبي من المجتمع حتى يفيق لنفسه، ويثوب إلى رشده.

4. إنه يجب أن يحاكم أمام القضاء الإسلامي، لينفذ فيه حكم المرتد، بعد أن يستتيبه ويزيل من ذهنه الشبهات، ويقيم عليه الحجة.

5. إنه إذا مات لا تجرى عليه أحكام المسلمين، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، كما أنه لا يرث إذا مات مورث له.

6. إنه إذا مات على حاله من الكفر يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته، والخلود الأبدي في نار جهنم.

وهذه الأحكام الخطيرة توجب على من يتصدى للحكم بتكفير خلق الله أن يتريث مرات ومرات قبل أن يقول ما يقول.



(2) – أخطار التكفير على المسلمين :-

مما لا شك فيه أن خطر التكفير يتعدى الأفراد إلى أن يصل خطره إلى المسلمين جميعآ فمن هذه الأخطار على المسلمين :

1. أن التكفير يعتبر تقنيط للمسلمين من رحمة الله تعالى بل يعتبر هذا التكفير تشجيع لهم على التعكفير الحقيقي بمعنى أن الذي تصدر ضده مثل هذه الفتوى من فتاوى التكفير قد يؤزه الشيطان إلى القول " أنا الغريق فما خوفي من البلل" .

2. يعتبر التكفير إهدار للدم المعصوم و من المعلوم أنه من مقاصد الإسلام العليا صيانة النفوس من إهدار دمها .

3. كذلك من أخطار التكفير التي تجري على الفرد و المجتمع إبطال قواعد الزواج و التوارث و الترحم على موتى المسلمين و لا يخفى على كل ذي عقل ما هي النتائج الوخيمة التي سوف تترتب على إبطال و إلغاء مثل هذه القواعد العظيمة في حياة الأمة المسلمة



(3) . أخطارالتكفير على الإسلام و المسلمين :

من أخطار ظاهرة التكفير على الإسلام و المسلمين فشو الجهل وخفاء العلم بالدين: عقيدة وشريعة، وتشويه سماحة الإسلام وعالميته، وكذلك اختلال الأمن العام للمسلمين وغيرهم: الأمن العقدي والفكري و الأمن الديني، والأمن الاجتماعي، والأمن السياسي، والعسكري، والأمن الأسري، والأمن النفسي، ولا سيما على العقل والدين والعرض والنفس والمال، وهي الضرورات الخمس التي أجمعت على حفظها شرائع الله قاطبة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)، وفي حجة الوداع في يوم عرفة قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). (53) متفق عليه.

ولقد عانى كثير من المسلمين من ويلات هذه النهج الخاطئ فروع الآمنون واستحلت دمائهم واموالهم وانتشرت هذه الفتنة

وعم الاضطراب حتى شمت غير المسلمين من الإسلام و المسلمين ، فتشوهت صورة الإسلام الصحيح في نظر غير المسلمين، واستغل هذا الأمر اعداء الإسلام حيث صوروا لغير المسلمين ان دين الإسلام دين ارهاب وقتل وسرق ونهب،وقد بلغ ببعض أفراد تلك الطائفة ان استحلت الأموال العامة وسعت الى اتلاف ما أمكن اتلافه ومحاولة زعزعة الامن واخافة الآمنين وإيذائهم.





{ الباب الثالث } :

( الفصل الأول ) : موانع التكفير

موانع التكفير هي :

1 - الجهل : وهو خلو النفس من العلم ، فيقول قولاً أو يعتقد اعتقاداً غير عالم بحرمته ، كمن يعتقد أن الصلاة غير واجبة عليه ، أو أن الله غير قادر على حشر الأجساد إذا تفرقت ، والسبب وراء ذلك جهله بوجوب الصلاة وقدرة الله جلا وعلا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت ، قال لبنيه : إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ، ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال : يا رب خشيتك فغفر له ) رواه البخاري ، فهذا رجل جهل قدرة الله جلا وعلا فظن أنه إذا أحرق ونثر رماده في البر والبحر فإن الله لا يقدر على جمعه ، ولا شك أن الشك في قدرة الله جلا وعلا ، والشك في البعث كفر ، ولكنه لما كان جاهلا غفر الله له .

وفي سنن ابن ماجة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشيُ الثوب حتى لا يدرى ما صيام ، ولا صلاة ، ولا نسك ، ولا صدقة ، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ، فقال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ، ولا صيام ، ولا نسك ، ولا صدقة ، فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ) فهؤلاء كتب الله لهم النجاة ولم يعرفوا من الإسلام إلا الشهادة ، وجهلوا ما سواها من شعائر الدين وأركانه ، لكن لما كان الجهل هو عذرهم نفعتهم الشهادة التي ينطقون بها .

وليعلم أن العذر بالجهل إنما يقبل في حق من كان في محلٍّ أو حالٍ هو مظنة أن يجهل هذه الأحكام كمن نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بكفر ، أما من عاش بين المسلمين ، يحضر صلواتهم ويسمع خطبهم ، ثم يجهل شيئا من أصول الدين أو أمراً معلوماً منه بالضرورة فلا يعذر بجهله ، لأنه متسبب في وجود جهله وعدم إزالته .


2- الخطأ : وهو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غيرَ ما قصد ، كمن يريد رمي غزالٍ فيصيب إنساناً ، أو كمن يريد رمي كتاب كفر فيرمي كتاب الله جلَّ وعلا ، والأدلة على العذر بالخطأ كثيرة منها قوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } (54) ( الأحزاب الآية 5 ) ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ ، قوله : صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(55)
وهذه الأدلة عامة في العذر من عموم الخطأ وثمة دليل خاص يدل على العذر من الخطأ في مسائل الكفر ، وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) ولا شك أن مخاطبة الله بالعبد كفر ومروق من الدين إن كان عن قصد وتعمد ، ولكن لما كان نطق الرجل لها خطأ كان معذورا بخطئه.

3- الإكراه : وهو إلزام الغير بما لا يريد ، ففي هذه الحالة يكون المكرَه في حلٍّ مما يفعله أو يقوله تلبية لرغبة المكرِه دفعا للأذى عن نفسه أو أهله ، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه بهم حيث لم يكلفهم ما يشق عليهم ، قال تعالى : { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ( 56) (النحل:106) ، وحتى لا يقع الناس في الكفر ويرتكبوا المحرمات عند وجود أدنى ضغط أو تهديد فقد ذكر العلماء الشروط التي يتحقق بها وجود وصف الإكراه المعتبر شرعاً وهي :

أ- أن يكون التهديد بما يؤذي عادة كالقتل والقطع والحبس والضرب ونحو ذلك .

ب- أن يكون المكرِه قادراً على تحقيق ما هدد به ، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة ، فإن لم يكن قادرا لم يكن للإكراه اعتبار .

ج - أن يكون المكرَه عاجزاً عن الذب عن نفسه بالهرب أو بالاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك .

د - أن يغلب على ظن المكرَه وقوع الوعيد ، إن لم يفعل ما يطلب منه . فإذا اجتمعت هذه الشروط كان الإكراه معتبراً شرعاً .

4- التأويل : وهذا المانع من التكفير إنما يختص بأهل الاجتهاد دون غيرهم من المتقولين على الله بالجهل والهوى ، وذلك أن المجتهد قد يترك مقتضى نص لنص آخر يراه أقوى منه ، كمن اعتقد من الصحابة حل الخمر مستدلاً بقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (57) ( المائدة:93 ) فلما رفع أمرهم إلى عمر بن الخطاب وتشاور الصحابة فيهم ، اتفق عمر و علي وغيرهما من علماء الصحابة رضي الله عنهم على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا , وإن أصروا على الاستحلال قتلوا . فلم يكفرهم الصحابة رضي الله عنهم من أول وهلة لتأويلهم ، بل أجمعوا على أن يبينوا لهم خطأ استدلالهم فإن أصروا قتلوا ردة ، فلما استبان للمتأولين خطأ استدلالهم رجعوا وتابوا .

والتأويل المعتبر في هذا المقام هو ما كان له وجه في الشرع واللغة العربية ، أما إن كان لا يعتمد على شيء من القرائن الشرعية أو اللغوية فهو غير معتبر شرعا كتأويلات الباطنية ونحوهم .

تلك هي موانع التكفير ، وهي تدلنا على مبلغ حرص الشرع على وجوب التحقق من وقوع الكفر من فاعله ، حتى لا يسفك دم معصوم بالتهمة والشك ، وفي ذكر هذه الموانع درس لمن يمارسون التكفير دون اعتبار لتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه.



) الفصل الثاني ) :- ضوابط التكفير



من الضوابط الكثيرة التي تضبط و تحفظ المسلم من الوقوع في التكفير ما يلي:

1. أن أهل السنة و الجماعة لا يكفرون بالمعاصي , و لو كانت هذه المعاصي من الكبائر و هذا ما أجمع عليه علماءنا أهل السنة و الجماعة و قد ذكر هذا الإجماع الصابوني في " عقيدة أصحاب الحديث " .

و من اصول عقيدة اهل السنة والجماعة؛ أنهم لا يخرجون أحدا من الإسلام فعل فعلا مكفرا، إذا كان جاهلا أو متأولا أو مكرها-إن كان قلبه مطمئنا بالإيمان-إلا إقامة الحجة عليه؛ التي يكفر تاركها.

ولا يكفرون أحدا من المسلمين بكل ولو كان من كبائر الذنوب في هي دون الشرك؛ فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحله ويجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة، لأن الله تعالى يقول:(إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا )المائدة 48 .
ويقول:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 52.

لأن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد، وشرح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، ولا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك، ولا سيما مع الجهل، قال الله تعالى:
(وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل 105.

ولم يكفروا أحدا ما لم يدل دليل من الكتاب والسنة على كفره، وإذا مات على هذا فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له خلافا للفرق الضالة التي تحكم على مرتكب الكبيرة بالكفر، أو بمزلة بين المنزلتين.

والنبي صلى الله عليه وسلم؛ حذر من ذلك وقال؛(أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه).
وقال:(من دعا رجلا بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك؛ إلا حار عليه) أي رجع .
وقال :(لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)
وقال:(ومن رمى مؤمنا بكفر؛ فهو قتله) .

وأهل السنة والجماعة يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع بالمعصية أو الكفر وبين الحكم على شخص معين-ممن ثبت إسلامه بيقين-صدرت عنه بدعة من البدع؛ بأنه عاص أو فاسق أو كافر؛ فلا يحكمون عليه بذلك حتى يبين له الحق وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة، ولا يكفرون المعين إلا إذا تحققت فيه شروط وانتفت الموانع

ولأهل السنة والجماعة قاعدة؛(من ثبت إسلامه بيقين فلا زوال بشك)، وعلى ضوءها سار سلفنا الصالح، فكانوا ابعد الناس من التكفير، ولذلك لما سئل علي بن ابي طالب رضي الله عنه عن اهل النهروان (أكفارهم؟ قال: من الكفر فروا، فسئل؛ أمنافقون هم؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وأولئك يذكرون الله صباح مساء؛ وإنما هم أخواننا بغوا علينا)، (58) اخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج8 ص173،

ومن الضروري جدا ان نفرق بين النوع والعين في التكفير ذلك إنه ليس كل ما هو كفر يكفر به الشخص بعينه؛ فينبغي التفرقة بين الحكم على القول بأنه كفر والحكم على صاحب القول بأنه كافر، فمثلا القول بأن الله في كل مكان كفر، وإن كلام الله مخلوق كفر، وإن نفي الصفات الإلهية كفر , فمثل هذه الأحكام من باب الحكم على النوع والقول، أما حينما يتعلق الأمر بشخص معين فأنه ينبغي عندئذ التوقف وعدم الحكم عليه بالكفر حتى يسئل ويناقش؛ لأنه من الممكن إن الحديث لم يثبت عنده أو أنه قد يكون متأولا، أو لم يتمكن من فهم النصوص، أو جاهلا؛ فإذا انتفت الشبهة بعد المناقشة وأقيمت الحجة عليه؛ فإن الأمر بعد ذلك يصبح مختلفا لأن المتأول والجاهل ليس حكمه حكم المعاند والفاجر،

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:

(فالمتأول الجاهل والمعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر؛ بل قد جعل الله لكل شيء قدرا)، (59) مجموعة الرسائل والمسائل 5/382 ،
وقال رحمه الله :(وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة بالرسالة التي يبين بها لهم أنهم مخالفون للرسول، وإن كانت مقالتهم هذه لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في جميع تكفير المعنيين).

فتكفير المعين من الجهال وأمثالهم لا يجوز إلا بعد إقامة الحجة عليهم، والحجة يجب أن تكون على مستوى فهمهم ويعطى لعقولهم منازلها حتى يستوعبوا الحجة والأدلة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر فوجده يوما على ذنب فقال له أقصر فقال خلني وربي ابعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك – أو لا يدخلك الله الجنة!- فقبض أرواحهما، فاجتمعتا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد كنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب؛ اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر؛ اذهبوا به إلى النار).



2. التكفير حكم شرعي لا مدخل للرأي المجرد فيه ‏,‏ لأنه من المسائل الشرعية لا العقلية ‏,‏ لذا صار القول فيه من خالص - حق الله تعالى - لا حَقَّ فيه لأحد من عباده ، فالكافر من كفره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا غير ‏.‏

وكذلك الحكم بالفسق ، والحكم بالعدالة ، وعصمة الدم ، والسعادة في الدنيا والآخرة ، كل هذه ونحوها من المسائل الشرعية ‏,‏ لا مدخل للرأي فيها ‏,‏ وإنما الحكم فيها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‏,‏ وهي المعروفة في كتب الاعتقاد باسم ‏:‏ ‏"‏ مسائل الأسماء والأحكام ‏"‏ ‏.‏

3 . للحكم بالردة والكفر موجبات وأسباب هي نواقض الإيمان والإسلام ، من اعتقاد ‏,‏ أو قول ‏,‏ أو فعل ‏,‏ أو شك ‏,‏ أو ترك ، مما قام على اعتباره ناقضا الدليلُ الواضح ‏,‏ والبرهان الساطع من الكتاب أو السنة ‏,‏ أو الإجماع ‏,‏ فلا يكفي الدليل الضعيف السند ‏,‏ ولا مشكل الدلالة ، ولا عبرة بقول أحد كائنا من كان إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح ‏.‏

وقد أوضح العلماء - رحمهم الله تعالى - هذه الأسباب في كتب الاعتقاد ‏,‏ وفرعوا مسائلها في ‏:‏ ‏"‏ باب حكم المرتد ‏"‏ من كتب الفقه ‏.‏

وأَوْلَوها عناية فائقة ‏,‏ لأنها من استبانة سبيل الكافرين ، والله - تعالى - يقول ‏:‏ ‏( وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )الأنعام/55 ‏‏ (60) ‏.‏

وفي استبانة سبيل المجرمين ‏:‏ تحذير للمسلم من الوقوع في شيء منها ، وهو لا يشعر ‏,‏ وليتبين له الإسلام من الكفر ، والخطأ من الصواب ويكون على بصيرة في دين الله تعالى ‏.‏

وبقدر ما يحصل من الجهل بسبيل المؤمنين ، وبسبيل الكافرين ، أو بأحدهما يحصل اللبس ويكثر الخلط ‏.‏

وكما أن للحكم بالردة والكفر موجباتٍ وأسباباً فله شروط وموانع ‏.‏

فيشترط إقامة الحجة الرسالية التي تزيل الشبهة ‏.‏

وخلوه من الموانع كالتأويل ‏,‏ والجهل ‏,‏ والخطأ ‏,‏ والإكراه ‏.‏

وفي بعضها تفاصيل مطولة معلومة في محلها ‏.‏

4 . يتعين التفريق بين التكفير المطلق وهو ‏:‏ التكفير على وجه العموم في حق من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام ، وبين تكفير المعين ، فإن الاعتقاد ، أو القول ، أو الفعل ، أو الشك ، أو الترك ، إذا كان كفرا فإنه يطلق القول بتكفير من فعل ذلك الفعل ، أو قال تلك المقالة وهكذا ‏.‏‏.‏‏.‏ دون تحديد معين به ‏.‏ أما المعين إذا قال هذه المقالة ، أو فعل هذا الفعل الذي يكون كفرا ‏,‏ فينظر قبل الحكم بكفره ‏,‏ بتوفر الشروط ‏,‏ وانتفاء الموانع في حقه ، فإذا توفرت الشروط ‏,‏ وانتفت الموانع ، حكم بكفره وردته فيستتاب فإن تاب وإلا قتل شرعاً ‏.‏

5 . الحق عدم تكفير كل مخالف لأهل السنة والجماعة لمخالفته ‏,‏ بل ينزل حكمه حسب مخالفته من كفر ، أو بدعة أو فسق أو معصية ‏.‏

وهذا ما جرى عليه أهل السنة والجماعة من عدم تكفير كل من خالفهم وهو يدل على ما لديهم بحمدالله من العلم والإيمان والعدل والرحمة بالخلق ، وهذا بخلاف أهل الأهواء ، فان كثيرا منهم يكفِّرون كل من خالفهم ‏.‏

6 . كما أن ‏"‏الإيمان‏"‏ شعب متعددة ورتبها متفاوتة أعلاها قول ‏"‏لا اله إلا الله‏"‏ وأدناها ‏:‏ إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ، فكذلك ‏"‏الكفر‏"‏ الذي هو في مقابلة الإيمان ، ذو شعب متعددة ، ورتب متفاوتة أشنعها ‏"‏الكفر المخرج من الملة‏"‏ مثل ‏:‏ الكفر بالله ، وتكذيب ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وهناك كفر دون كفر ، ومنه تسمية بعض المعاصي كفراً ‏.‏

ولهذا نبه علماء التفسير ، والوجوه والنظائر في كتاب الله - تعالى- وشراح الحديث والمؤلفون في‏:‏ ‏"‏لغته‏"‏ وفي الأسماء المشتركة ، والمتواطئة ، أن لفظ ‏"‏الكفر‏"‏ جاء في نصوص الوحيين ، على وجوه عدة ‏:‏ ‏"‏الكفر الناقل عن الملة‏"‏ و ‏"‏كفر دون كفر‏"‏ و‏"‏كفر النعمة‏"‏ و‏"‏التبرؤ‏"‏ و‏"‏الجحود‏"‏ و‏"‏التغطية‏"‏ على أصل معناه اللغوي ‏.‏

وبناء على هذا ‏:‏ فانه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد ، أن يصير كافراً الكفر المطلق ، الناقل عن الملة ، حتى يقوم به أصل الكفر ، بناقض من نواقض الإسلام ‏:‏ الاعتقادية أو القولية أو العملية عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا غير ‏.‏

كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يكون مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان ‏.‏

فالواجب وضع النصوص في مواضعها وتفسيرها حسب المراد منها من العلماء العاملين الراسخين ، وان الغلط هنا إنما يحصل من جهة العمل وتفسير النصوص وعلى الناصح لنفسه أن يحس بخطورة الأمر ودقته وأن يقف عند حده ويكل العلم إلى عالمه ‏.‏

7 . إصدار الحكم بالتكفير لا يكون لكل أحد من آحاد الناس أو جماعاتهم وإنما مرد الإصدار إلى العلماء الراسخين في العلم الشرعي المشهود لهم به ، وبالخيرية والفضل الذين أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يبلغوا الناس ما علموه وأن يبينوا لهم ما أشكل عليهم من أمر دينهم امتثالا لقول الله تعالى : (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) ‏)‏ ‏ 61 "‏آل عمران/187‏"‏ ‏.‏ وقوله سبحانه ‏: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )62 ‏"‏البقرة/159‏"‏ وقوله سبحانه ‏:‏ ‏( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )‏"‏النحل/43‏"‏ ‏.‏ (63)

فما أمر الله بالسؤال حتى أخذ سبحانه العهد والميثاق على العلماء بالبيان ‏.‏

8 . التحذير الشديد ، والنهي الأكيد عن سوء الظن بالمسلم فضلا عن النيل منه فكيف بتكفيره والحكم بردته والتسرع في ذلك بلا حجة ولا برهان من كتاب ولا سنة ‏.‏

ولهذا جاءت نصوص الوحيين الشريفين محذرة من تكفير أحد من المسلمين وهو ليس كذلك كما قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )النساء/94‏"‏ ‏.‏(64)

وفي عموم قول الله سبحانه ‏:‏ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )‏ ‏"‏الأحزاب/58‏"‏ ‏.‏(65)

وقد تواترت الأحاديث النبوية في النهي عن تكفير المسلم بغير حق ، منها ‏.‏‎‏:‏

حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر ،إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ‏"‏ متفق على صحته ‏.‏

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏أيَّما رجل قال لأخيه ‏:‏يا كافر فقد باء بها أحدهما ‏"‏ متفق على صحته ‏.‏

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ومن دعا رجلا بالكفر ، أو قال ‏:‏ عدو الله ، وليس كذلك ، إلا حار عليه ‏"‏ متفق على صحته ‏.‏

ومعنى حار عليه ‏:‏ رجع عليه ‏.‏

وفي حديث ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏"‏ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله‏"‏ رواه البخاري في صحيحه ‏.‏

فهذه النصوص وغيرها فيها الوعيد الشديد لمن كَفَّر أحداً من المسلمين وليس هو كذلك ، وهذا والله أعلم - لما في إطلاق الكفر بغير حق على المؤمن من الطعن في نفس الإيمان ، كما أن فيها التحذير من إطلاق التكفير إلا ببينة شرعية ، إذ هو حكم شرعي لا يصار إليه إلا بالدليل ، لا بالهوى والرأي العاطل من الدليل ‏.‏

وهذه الحماية الكريمة والحصانة العظيمة للمسلمين في أعراضهم وأديانهم من أصول الاعتقاد في ملة الإسلام ‏.‏ (66) ( كتاب درء الفتنة ) الشيخ بكر عبد الله أبي زيد .


( الفصل الثاني ) :- علاج ظاهرة التكفير

العلاج العام :

علاج هذه الظاهرة - ظاهرة التكفير- بين الناس، ولا سيما المتعالمين أو المتعجلين في أحكامهم أو الجاهلين بها هو بعلاج النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلاج أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ لظاهرة الغلو في الدين، والتجافي عن منهج العدل والوسطية عقيدةً وقولاً وعملاً. ويتأتى ذلك بما يلي :

1ـ نشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الوحيين الشريفين، وعلى نبراس من فقه السلف الصالح من لدن الصحابة والتابعين، فعلماء الأمة الفحول ـ رضي الله عنهم ورحمهم ـ، والقضاء بالتالي على الجهل أو محاصرته، وهو بيئة التكفير التي يترعرع فيها.

2ـ وبمعالجة الظواهر الفردية بالحكمة والبصيرة اللائقة بها زماناً وواقعاً وحالاً، ويتأتى هذا بالعلماء الراسخين، والحكماء ذوي العقل والفطنة.

3ـ قيام العاِلم الشرعي، والقائد الرباني، والمربي الواعي، كلٌ منهم بواجبه المناط به، ديانة وأداءً للأمانة الواجبة، وإبراءً للذمة ونصحاً للأمة. اعذاراً وانذاراً.



العلاج الخاص :

ثم ثمة علاج خاص لمن وقع في شباك هذه الفتنة من خلال مسلكين رئيسين:

1. بالرفق واللين والتوجيه والتربية وحسن البيان لمن اشتبه عليه الأمر أو أدلهمت عليه الشبهات.. ولا يتأتى هذا إلا على يد ذوي العلم والغيرة الراسخين.

2.بأسلوب مقارعة الحجة ودفع الشبهة، والتأديب والتعزير اللائقين في المعاند والمكابر، ومن على شاكلة هؤلاء، وهذا مناط بالقضاة والعلماء.

3.النصح لهم ودعوتهم، ثم الإنكار عليهم قولهم بالأسلوب اللائق، وكل مقال يتفوه به كل منهم.

4.أن ينظر إليهم بعين الحكم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء، والنصح والدعوة لكل بحسبه.

5. واجب العلماء كبير ومهم وخطير في البداية والنهاية، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، فمن العلماء المفتون والمنشغلون بالنوازل والبحث العلمي فيها، ومنهم المدرسون وباذلو العلم، ومنهم الوعاظ والموجهون , فالمؤمل فيهم جميعآ المبادرة إلى توجيه الناس وتربيتهم على الحق والخير، ودعوتهم إليه وحملهم عليه، وبيان الأمور المشكلة عليهم وإيضاحها لهم حسب تقديرهم للأحوال والأمور، ولا يليق بهم التخلف وعدم المبادرة لذلك، حيث هم محط أنظارهم، ومرفع رؤوسهم في مثل هذه الخطوب! كما يجب على الناس وذوي الغيرة الرد إلى العلماء ولا سيما في مثل هذه المسائل الدقيقة والأمور المهمة في الخطوب المدلهمة، ومن ذلك مشاكل التكفير والتبديع والتفسيق ـ والصدور عن توجيه العلماء ورأيهم. ولا يجوز من ذوي الحماسة والاندفاع الاستهانة بأهل العلم وأحكامهم وفتاواهم ورأيهم. وهذا لا يجوز أيضاً من ذوي التخاذل والاستكانة وقلة الغيرة على دين الله وشرعه، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.



( الفصل الثالث ) : كلام بعض العلماء المعاصرين في مسألة التكفير :



بعض كلام الشيخ القرضاوي حفظه الله في مسألة التكفير :

زعم بعضهم أن الأمة كلها قد كفرت بعد القرن الرابع الهجري!
ويبلغ هذا التطرف غايته، حين يسقط عصمة الآخرين، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ولا يرى لهم حرمة ولا ذمة، وذلك إنما يكون حين يخوض لجّة التكفير، واتهام جمهور النّاس بالخروج من الإسلام، أو عدم الدخول فيه أصلاً، كما هي دعوى بعضهم، وهذا يمثل قمة التطرف الذي يجعل صاحبه في واد، وسائر الأمة في واد آخر.
وهذا ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام، والذين كانوا من أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية، صياماً وقياماً وتلاوة قرآن، ولكنهم أتوا من فساد الفكر، لا من فساد الضمير.
ومن دخل الإسلام بيقين لا يجوز إخراجه من إلاّ بيقين مثله، فاليقين لا يزول بالشك، والمعاصي لاتخرج المسلم من الإسلام، حتى الكبائر منها. كالقتل، والزنى، وشرب الخمر. ما لم يستخف بحكم الله فيها، أو يرده ويرفضه.
ولهذا أثبت القرآن الأخوة الدينية بين القاتل المتعمد وولي المقتول المسلم، بقوله: (فَمَن عُفي لَهُ من أخيهِ شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروفِ وأداءٌ إليهِ بإحسانٍ) (67) (البقرة:178). وقال النبي (ص) لمن لعن الشارب الذي عوقب في الخمر أكثر من مرة: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله".
وفاوتت الشريعة بين عقوبة القتل والزنى والسكر، ولو كانت كلها كفراً، لعوقب الجميع عقوبة المرتد.
وكل الشبهات التي استند إليها الغلاة في التكفير، مردودة بالمحكمات البينات من كتاب الله وسنُة رسوله(ص) وهو فكر فرغت منه الأمة منذ قرون، فجاء هؤلاء، يجددونه، وهيهات...
(الصحوة الاسلامية بين الجمود والتطرف).



بعض كلام الشيخ فيصل مولوي حفظه الله في مسألة التكفير :

ليست هذه الفتنة نتيجة خلاف في مسألة عقائدية أو في رأي فقهي أو في موقف سياسي. فمثل هذا الخلاف كان معروفاً في تاريخنا الإسلامي منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثّر على وحدة الأمّة الإسلامية ولا على الاندفاع الإسلامي باتجاه العالم لتبليغ دعوة الله. كما أن مثل هذا الخلاف معروف عند جميع أمم الأرض، وفي مختلف حِقَب التاريخ، ولم يكن له كبير تأثير على وحدة هذه الأمة، ذلك لأنه نتيجة طبيعية لاستقلالية كل إنسان وتميّزه الكامل بأسلوب في التفكير ومزاج في التعاطي مع الآخرين وأهداف يحرص على تحقيقها.
ولكن الفتنة القائمة اليوم في لبنان( فكر التكفير في لبنان) تنطلق من مرتكزات ثلاث :

المرتكز الأول يقوم على فهم عقائدي عجيب. فأصول العقيدة الإسلامية لم يقع عليها خلاف وهي تقوم أساساً على الإيمان بالله تعالى وعلى تنزيهه وعلى وجوب طاعته، وعلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوب طاعته واستحباب الالتزام بسنّته، وهذا ما يتمثّل بالشهادتين اللتين تعتبران مدخلاً لهذا الدين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أما فروع العقيدة الإسلامية وهي كثيرة جداً فقد وقع فيها الخلاف وكان حاداً في كثير من الأحيان، وقد وصل في بعض مراحل التاريخ الإسلامي إلى التكفير، ولكن الأكثرية الساحقة من علماء المسلمين بدءاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأيّام كانت تعتبر مثل هذا الخلاف خطأً لا يصل إلى حد التكفير طالما أن المسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وذلك التزاماً بالهدي النبوي الكريم الذي تواترت فيه المئات من الأحاديث الصحيحة التي تؤكّد أن من قال لا إله إلا الله عصم نفسه من النار، ومن قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن قال لا إله إلا الله فقد عصم دمه وماله، وأنه إذا قال أحد المسلمين لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما. ومن هنا ذكر العلماء أن المسلم إذا تكلّم كلمة تحتمل تسعاً وتسعين وجهاً من وجوه التكفير، وليس فيها إلا وجه واحد لعدم التكفير، فعلينا أن نأخذ بهذا الوجه إحساناً للظنّ بالمسلمين.

فالإسراع إلى التكفير بناء على الاختلاف في فروع العقيدة هو المرتكز الأول للفتنة القائمة وهو منهج يخالف نهج السلف الصالح ويخالف نهج العلماء المحققين وإن وجد في تاريخنا بعض العلماء المقلّدين الذين ساروا على هذا المنهج.

المرتكز الثاني هو تحويل قضية الإيمان من أن تكون يقيناً في القلب يصدّقه العمل إلى أن تصبح مجرّد كلام يطلقه اللسان. والتشدّد في كل خطأ في اللسان يتعلّق بفروع العقيدة وإطلاق التكفير بناء عليه دون البحث عن نيّة صاحبه، كل ذلك في مقابل عدم الاهتمام بالعمل سواء كان على نطاق الفرد أو على نطاق الجماعة. فكثير من المعاصي تعتبر من قبيل اللمم مما يشجّع الشباب المسلم على الوقوع فيها، كما أن السعي إلى تطبيق الأحكام الشرعية على الأمّة كلّها لم يعد مطلوباً انطلاقاً من فكرة عدم تكفير من لم يحكم بما أنزل الله وأن الكفر الوارد في الآيات الكريمة حول من لم يحكم بما أنزل الله إنما هو فسق وليس كفراً مخرجاً من الملّة كما يقول المفسّرين.

والفتنة هنا ليست في اعتماد هذا الرأي وهو رأي أكثر المفسّرين، ولكن الفتنة القائمة هي في الانطلاق من هذا الرأي لإعلان تكفير الدعاة إلى الله والحركات الإسلامية التي تسعى للحكم بما أنزل الله في مقابل تبرير أعمال الحكّام غير الملتزمين بتطبيعق الشريعة وإعلان التأييد المطلق لهم في مقابل إعلان الحرب على الإسلاميين.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الحركات الإسلامية عندما تسعى لتطبيق شريعة الله وتطالب الحكّام بذلك فهي لا تبني مواقفها منهم على هذه القضية رغم أهمّيتها، وإنما تنظر إلى الحكّام من خلال مجموع قضايا الأمّة الكبرى وخاصّة قضية فلسطين، وهي تفرّق بين حكّام مستسلمين متآمرين مع العدو الصهيوني، وبين حكّام يحرصون على الحقوق المقدّسة ولو كانوا يتعاملون بواقعية مع الظروف الإقليمية والدولية.

المرتكز الثالث هو اعتبار المبادئ الإسلامية مجموعة نظريات كلامية منطقية تقف عند ظواهر النصوص ولا تتعامل مع الواقع الإنساني الذي تحرّكت من خلاله هذه النصوص من أجل إقامة مجتمع إسلامي أمثل. إن محاولة الفصل بين النص المقدّس والواقع البشري الذي أنزل النص لإصلاحه، إن هذا الفصل يؤدي إلى غياب الحقائق الإسلامية وإلى طرح مجموعة من النصوص وهي أقوال العلماء وفهمهم وتفسيرهم للنص المنزل على ضوء واقعهم بحيث تأخذ أقوال هؤلاء العلماء مرتبة النصوص المنزلة وتحاول أن تُطلَق في الواقع المعاصر ولو لم تكن لها أية علاقة بهذا الواقع.

إننا نكون في هذه الحالة أمام حركة كلامية تهدف إلى إلزام المسلمين في هذا العصر بما قاله بعض العلماء في عصور سابقة بما ينسجم مع واقعهم. وهذا يؤدي إلى تكرار الماضي في الواقع والمستقبل على الصعيد الديني، بينما ينطلق الواقع البشري في خط آخر مما يؤدي عملياً إلى فصل الدين عن هذا الواقع وإلى اعتباره مجموعة نظريات كلامية وفلسفات غير واقعية.

ومما يزيد في هذه الفتنة القائمة أن الذين يتجهون في هذا الخط ويكفرون الدعاة والعلماء والحركات الإسلامية بدون استثناء، ويفتعلون المعارك الوهمية بين المسلمين حول قضايا قديمة أثيرت في مراحل زمنية معيّنة وتجاوزها المسلمون بعد ذلك، إن هؤلاء يعيدون طرح هذه القضايا ليشغلوا الناس بها عن واقعهم المر الناتج عن غياب الشريعة الإسلامية عن واقعهم المُعاش، وعن تسلّط النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة على الأمّة العربية والإسلامية في محاولة لإذلالها ونهب خيراتها واستمرار تمزيقها.

إن هؤلاء الأشد تطرّفاً تجاه جميع المسلمين وجمعيّاتهم وحركاتهم وعلمائهم، يقدّمون أنفسهم تجاه إخواننا النصارى في هذا البلد على أنهم المعتدلون الحريصون على مقتضيات التعايش. إننا لا نفهم كيف يمكن أن يكون المسلم متطرّفاً إلى حد التكفير ضد إخوانه المسلمين في الوقت الذي يعلن فيه اعتداله تجاه غير المسلمين. وإذا كنّا نرحّب بكل اعتدال في التعامل مع سائر إخواننا المواطنين، أليس من حقّنا أن نطالب بمثل هذا الاعتدال في التعامل مع المسلمين؟!

في شهر رمضان المبارك ينبغي أن تستيقظ جذوة الإيمان في النفوس وأن تنطلق من القلوب دعوة قوية لتجديد معاني الحب في الله والتسامح مع الآخرين. إننا ندعو إخواننا هؤلاء إلى وقفة مع الذات وإلى مراجعة أفكارهم وأعمالهم فإن شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله تَسَع الجميع، وإذا اختلفت الأفهام والمواقف فإن القلوب يجب أن تظل مفعمة بحب الله وبحب الخير لعباد الله أجمعين :
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً. (69) ( من موقع الشيخ فيصل مولوي على شبكة المعلومات الدولية وقد ورد في كلامه مصطلح إخواننا النصارى و هو يقصد أُخوة المواطنة و الإنسانية و ليست أخوة الولاء و البراء ) .



( بعض كلام الشيخ الألباني رحمه الله في مسألة التكفير ) :

إن مسألة التكفير عموماً – لا للحكام فقط ؛ بل وللمحكومين أيضاً – هي فتنة عظيمة قديمة ، تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية القديمة ، وهي المعروفة بـ ( الخوارج ).

ومع الأسف الشديد فإن البعض من الدعاة أو المتحمسين قد يقع في الخروج عن الكتاب والسنة ولكن باسم الكتاب والسنة .

والسبب في هذا يعود إلى أمرين اثنين :

أحدهما هو : ضحالة العلم .

والأمر الآخر – وهو مهم جداً - : أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية ، والتي هي أساس الدعوة الإسلامية الصحيحة ، التي يعد كل من خرج عنها من تلك الفرق المنحرفة عن الجماعة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير ما حديث ؛ بل والتي ذكرها ربنا عز وجل ، وبين أن من خرج عنها يكون قد شاق الله ورسوله ، وذلك في قوله عز وجل :(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا )(70)(115 النساء ) . فإن الله – لأمر واضح عند أهل العلم – لم يقتصر على قوله } وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى { وإنما أضاف إلى مشاقة الرسول اتباع غير سبيل المؤمنين ، فقال :( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ً) (71) ( 115 – النساء ) .

فاتباع سبيل المؤمنين أو عدم اتباع سبيلهم أمر هام جداً إيجاباً وسلباً ، فمن اتبع سبيل المؤمنين : فهو النّاجي عند رب العالمين ، ومن خالف سبيل المؤمنين : فحسبه جهنم وبئس المصير .

من هنا ضلت طوائف كثيرة جداً – قديماً وحديثاً – ، لأنهم لم يكتفوا بعدم التزام سبيل المؤمنين حَسْبُ ، ولكن ركبوا عقولهم ، واتبعوا أهواءهم في تفسير الكتاب والسنة ، ثم بنوا على ذلك نتائج خطيرة جداً ، خرجوا بها عما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم جميعاً .

وهذه الفقرة من الآية الكريمة : ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) أكدها عليه الصلاة والسلام تأكيداً بالغاً في غير ما حديث نبوي صحيح .

وهذه الأحاديث – التي سأورد بعضاً منها – ليست مجهولة عند عامة المسلمين – فضلاً عن خاصتهم – لكن المجهول فيها هو أنها تدل على ضرورة التزام سبيل المؤمنين في فهم الكتاب والسنة ووجوب ذلك وتأكيده .

وهذه النقطة يسهو عنها – ويغفل عن ضرورتها ولزومها – كثير من الخاصة ، فضلاً عن هؤلاء الذين عرفوا بـ ( جماعة التكفير ) ، أو بعض أنواع الجماعات التي تنسب نفسها للجهاد وهي في حقيقتها من فلول التكفير .

فهؤلاء – وأولئك – قد يكونون في دواخل أ نفسهم صالحين ومخلصين ، ولكن هذا وحده غير كاف ليكون صاحبه عند الله عز وجل من الناجين المفلحين .

إذ لابد للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين :

· صدق الإخلاص في النية لله عز وجل .

· وحسن الاتباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم .

فلا يكفي – إذاً – أن يكون المسلم مخلصاً وجاداً فيما هو في صدده من العمل بالكتاب والسنة والدعوة إليهما ؛ بل لا بد – بالإضافة إلى ذلك – من أن يكون منهجه منهجاً سوياً سليماً ، وصحيحاً مستقيماً ؛ ولا يتم ذلك على وجهه إلا باتباع ما كان عليه سلف الأمة الصالحون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .

فمن الأحاديث المعروفة الثابتة التي تؤصل ما ذكرت – وقد أشرت إليها آنفاً – حديث الفرق الثلاث والسبعين ، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ] افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة [ قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ] الجماعة [ ، وفي رواية : ] ما أنا عليه وأصحابي [ .

فنجد أن جواب النبي صلى الله عليه و سلم يلتقي تماماً مع الآية السابقة : } ويتبع غير سبيل المؤمنين { .فأول ما يدخل في عموم الآية هم أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم .

إذ يكتف الرسول صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث بقوله : ] ما أنا عليه… [ ،- مع أن ذلك قد يكون كافياً في الواقع للمسلم الذي يفهم حقاً الكتاب والسنة - ؛ ولكنه عليه الصلاة والسلام يطبق تطبيقاً عملياً قوله سبحانه وتعالى في حقه صلى الله عليه و سلم أنه :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (72) (128- التوبة ) .

فمن تمام رأفته وكمال رحمته بأصحابه وأتباعه ِأن أوضح لهم صلوات الله وسلامه عليه أن علامة الفرقة الناجية : أن يكون أبناؤها وأصحابها على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ، وعلى ما كان عليه أصحابه من بعده .

وعليه فلا يجوز أن يقتصر المسلمون عامة والدعاة خاصة في فهم الكتاب والسنة على الوسائل المعروفة للفهم ؛ كمعرفة اللغة العربية ، والناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك ؛ بل لا بد من أن يرجع قبل ذلك كله إلى ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ؛ لأنهم – كما تبين من آثارهم ومن سيرتهم – أنهم كانوا أخلص لله عز وجل في العبادة ، وأفقه منّا في الكتاب والسنة ، إلى غير ذلك من الخصال الحميدة التي تخلّقوا بها ، وتأدبوا بآدابها .

ويشبه هذا الحديث تماماً – من حيث ثمرته وفائدته – حديث الخلفاء الراشدين ، المروي في السنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه ، قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة وَجِلَت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : كأنها موعظة مُودّع فأوصنا يا رسول الله ! قال : ] أوصيكم بالسمع والطاعة ، وإن ولي عليكم عبد حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ… { وذكر الحديث .

والشاهد من هذا الحديث ، هو معنى جوابه على السؤال السابق ، إذ حض صلى الله عليه و سلم أمته في أشخاص أصحابه أن يتمسكوا بسنته ، ثم لم يقتصر على ذلك بل قال : ] وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي [ .

فلا بد لنا – والحالة هذه – من أن ندندن دائماً وأبداً حول هذا الأصل الأصيل ؛ إذا أردنا أن نفهم عقيدتنا ، وأن نفهم عبادتنا ، وأن نفهم أخلاقنا وسلوكنا .

ومن هنا ضلت طوائف قديمة وحديثة حين لم يتنبّهوا إلى مدلول الآية السابقة ، وإلى مغزى حديث سنة الخلفاء الراشدين ، وكذا حديث افتراق الأمة ، فكان أمراً طبيعياً جداَ أن ينحرفوا كما انحرف من سبقهم عن كتاب الله ، وسنة رسول صلى الله عليه و سلم ، ومنهج السلف الصالح .

ومن هؤلاء المنحرفين : الخوارج قدماء ومحدثين .

فأن أصل فتنة التكفير في هذا الزمان ، – بل منذ أزمان – هو آية يدندنون دائماً حولها ؛ ألا وهي قوله تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون)َ (73) ( 44- المائدة ) ، فيأخذونها من غير فهوم عميقة ، ويوردونها بلا معرفة دقيقة .

ونحن نعلم أن هذه الآية الكريمة قد تكررت وجاءت خاتمتها بألفاظ ثلاثة ، وهي : } فأولئك هم الكافرون { ، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )(74) [ 45- المائدة ] ، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(75) [ 47 – المائدة ] .

فمن تمام جَهْل الذين يحتجون بهذه الآية باللفظ الأول منها فقط : } فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ { : أنهم لم يُلِمّوا على الأقل ببعض النصوص الشريعة – قرآناً أم سنة – التي جاء فيها ذكر لفظة ( الكفر ) ، فأخذوها – بغير نظر – على أنها تعني الخروج من الدين ، وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع في الكفر ، وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى وأصحاب الملل الأخرى الخارجة عن ملة الإسلام .

بينما لفظة الكفر في لغة الكتاب والسنة لا تعني – دائماً – هذا الذي يدندنون حوله ، ويسلطون هذا الفهم الخاطئ المغلوط عليه .

فشأن لفظة } الكافرون { - من حيث إنها لا تدل على معنى واحد – هو ذاته شأن اللفظين الآخرين : } الظالمون { و } الفاسقون { ، فكما أن من وُصف أنه ظالم أو فاسق لا يلزم بالضرورة ارتداده عن دينه ، فكذلك من وُصف بأنه كافر ؛ سواء بسواء .

وهذا التنوع في معنى اللفظ الواحد هو الذي تدل عليه اللغة ، ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب – لغة القرآن الكريم – .

فمن أجل ذلك كان الواجب على كل من يتصدى لإصدار الأحكام على المسلمين – سواءً كانوا حكاماً أم محكومين- أن يكون على علم واسع بالكتاب والسنة ، وعلى ضوء منهج السلف الصالح .

والكتاب والسنة لا يمكن فهمهما – وكذلك ما تفرع عنهما – ألا بطريق معرفة اللغة العربية وآدابها معرفة دقيقة .

فإن كان لدى طالب العلم نقص في معرفة اللغة العربية ، فإن مما يساعده في استدراك ذلك النقص الرجوع إلى فهم من قبله من الأئمة والعلماء ، وبخاصة أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية .

ولنرجع إلى الآية : } وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ { ، فما المراد بالكفر فيها ؟ هل هو الخروج عن الملة ؟ أو أنه غير ذلك ؟

فأقول : لا بد من الدقة في فهم هذه الآية ، فإنها قد تعني الكفر العملي ؛ وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام .

ويساعدنا في هذا الفهم حبر الأمة وترجمان القرآن ، عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ؛ الذي أجمع المسلمون جميعاً – إلا من كان من تلك الفرق الضالة – على أنه إمام فريد في التفسير .

فكأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماماً من أن هناك أناساً يفهمون هذه الآية فهماً سطحياً ، من غير تفصيل ، فقال رضي الله عنه : " ليس الكفر الذي تذهبون إليه " ، و : " إنه ليس كفراً ينقل عن الملة " و : " هو كفر دون كفر " .

ولعله يعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين ، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين : فقال : ليس الأمر كما قالوا ، أو كما ظنوا ، وإنما هو كفر دون كفر.

هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية هو الحكم الذي لا يمكن أن يُفهم سواه من النصوص التي أشرت إليها قبل.

ثم إن كلمة ( الكفر ) ذُكرت في كثير من النصوص القرآنية والحديثية ، ولا يمكن أن تُحمل – فيها جميعاً – على أنها تساوي الخروج من الملة ، من ذلك مثلاً الحديث المعروف في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ] سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر [ . فالكفر هنا هو المعصية ، التي هي الخروج عن الطاعة ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام – وهو أفصح الناس بياناً – بالغ في الزجر ، قائلاً : ] … وقتاله كفر [ .

ومن ناحية أخرى ، هل يمكن لنا أن نفسر الفقرة الأولى من هذا الحديث – ] سباب المسلم فسوق [ – على معنى الفسق المذكور في اللفظ الثالث ضمن الآية السابقة : } وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {

والجواب : أن هذا قد يكون فسقاً مرادفاً للكفر الذي هو بمعنى الخروج عن الملة ، وقد يكون الفسق مرادفاً للكفر الذي لا يعني الخروج عن الملة ، وإنما يعني ما قاله ترجمان القرآن إنه كفر دون كفر .

وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى ؛ وذلك لأن الله عز وجل قال : } وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ { . إذ قد ذكر ربنا عز وجل هنا الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة المحقة المؤمنة ، ومع ذلك فلم يحكم على الباغية بالكفر ، مع أن الحديث يقول : ] … وقتاله كفر [ .

إذاً فقتاله كفر دون كفر ، كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة تماماً .

فقتال المسلم للمسلم بغي واعتداء ، وفسق وكفر ، ولكن هذا يعني أن الكفر قد يكون كفراً عملياً ، وقد يكون كفراً اعتقادياً .

من هنا جاء هذا التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتولى ذلك من بعده تلميذه البار ابن قيم الجوزية ، إذ لهما الفضل في التنبيه والدندنة على تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم ، الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة ، فابن تيمية يرحمه الله وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية : يدندنان دائماً حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي ، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج عن جماعة المسلمين ، التي وقع فيها الخوارج قديماً وبعض أذنابهم حديثاً .

وخلاصة القول : إن قوله صلى الله عليه و سلم ] … وقتاله كفر [ لا يعني – مطلقاً – الخروج عن الملة .

والأحاديث في هذا كثيرة جداً ، فهي – جميعاً- حجة دامغة على أولئك الذين يقفون عند فهمهم القاصر للآية السابقة ، ويلتزمون تفسيرها بالكفر الاعتقادي .

فحسبنا الآن هذا الحديث ؛ لأنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لأخيه المسلم هو كفر ، بمعنى الكفر العملي ، وليس الكفر الاعتقادي .

فإذا عدنا إلى ( جماعة التكفير ) – أو من تفرع عنهم – ، وإطلاقهم على الحكام ، – وعلى من يعيشون تحت رايتهم بالأولى ، وينتظمون تحت إمرتهم وتوظيفهم – الكفر والردة ، فإن ذلك مبني على وجهة نظرهم الفاسدة ، القائمة على أن هؤلاء ارتكبوا المعاصي فكفروا بذلك.

ومن جملة الأمور التي يفيد ذكرها وحكايتها : أنني التقيت مع بعض أولئك الذين كانوا من ( جماعة التكفير ) ثم هداهم الله عز وجل :

فقلت لهم : ها أنتم كفرتم بعض الحكام ، فما بالكم تكفرون أئمة المساجد ، وخطباء المساجد ، ومؤذني المساجد ، وخَدَمَةَ المساجد ؟ وما بالكم تكفرون أساتذة العلم الشرعي في المدارس وغيرها ؟

قالوا : لأن هؤلاء رضوا بحكم هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله .

فأقول : إذا كان هذا الرضى رضىً قلبياً بالحكم بغير ما أنزل الله ، فحينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي . فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يرى ويعتقد أن هذا هو الحكم اللائق تبنيه في هذا العصر ، وأنه لا يليق به تبنيه للحكم الشرعي المنصوص في الكتاب والسنة ، فلا شك أن هذا الحاكم يكون كفره كفراً اعتقادياً ، وليس كفراً عملياً فقط ، ومن رضي ارتضاءه واعتقاده : فإنه يلحق به.

ثم قلت لهم : فأنتم – أولاً – لا تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم بالقوانين الغربية الكافرة – أو بكثير منها – ، أنه لو سئل عن الحكم بغير ما أنزل الله ؟! لأجاب : بأن الحكم بهذه القوانين هو الحق والصالح في هذا العصر ، وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام ، لأنهم لو قالوا ذلك لصاروا كفاراً – حقاً – دون شك ولا ريب .

فإذا انتقلنا إلى المحكومين – وفيهم العلماء والصالحون وغيرهم – ، فكيف تحكمون عليهم بالكفر بمجرد أنهم يعيشون تحت حكم يشملهم كما يشملكم أنتم تماماً ؟ ولكنكم تعلنون أن هؤلاء كفار مرتدون ، والحكم بما أنزل الله هو الواجب ، ثم تقولون معتذرين لأنفسكم : إن مخالفة الحكم الشرعي بمجرد العمل لا يستلزم الحكم على هذا العامل بأنه مرتد عن دينه ! .

وهذا عين ما يقوله غيركم ، سوى أنكم تزيدون عليهم – بغير حق – الحكم بالتكفير والردة .

ومن جملة المسائل التي توضح خطأهم ، أن يقال لهم : متى يحكم على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله – وقد يكون يصلي – بأنه ارتد عن دينه ؟

أيكفي مرة واحدة ؟

أو أنه يجب أن يعلن أنه مرتد عن الدين ؟! .

إنهم لن يعرفوا جواباً ، ولن يهتدوا صواباً ، فنضطر إلى أن نضرب لهم المثل التالي ، فنقول :

قاضِ يحكم بالشرع ، هكذا عادته ونظامه ، لكنه في حكومة واحدة زلَت به القدم فحكم بخلاف الشرع ، أي : أعطى الحق للظالم وحرمه المظلوم ، فهذا – قطعاً – حكم بغير ما أنزل الله ؟ فهل تقولون بأنه : كَفَرَ كُفرَ ردة ؟

سيقولون : لا ؛ لأن هذا صدر منه مرة واحدة .

فنقول : إن صدر نفس الحكم مرة ثانية ، أو حكم آخر ، وخالف الشرع أيضاً ، فهل يكفر؟

ثم نكرر عليهم : ثلاث مرات ، أربع مرات ، متى تقولون : أنه كفر ؟! لن يستطيعوا وضع حد بتعداد أحكامه التي خالف فيها الشرع ، ثم لا يكفرونه بها .

في حين يستطيعون عكس ذلك تماماً ، إذا عُلمَ منه أنه في الحكم الأول استحسن الحكم بغير ما أنزل الله – مستحلاً له – واستقبح الحكم الشرعي ، فساعتئذ يكون الحكم عليه بالردة صحيحاً ، ومن المرة الأولى .

وعلى العكس من ذلك : لو رأينا منه عشرات الحكومات ، في قضايا متعددة خالف فيها الشرع ، وإذا سألناه : لماذا حكمت بغير ما أنزل الله عز وجل ؟ فرد قائلاً : خفت وخشيت على نفسي ، أو ارتشيت مثلاً فهذا أسوأ من الأول بكثير ، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نقول بكفره ، حتى يعرب عمّا في قلبه بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله عز وجل ، فحينئذ فقط نستطيع أن نقول : إنه كافر كفر ردة .

وخلاصة الكلام : لا بد من معرفة أن الكفر – كالفسق والظلم – ، ينقسم إلى قسمين :

· كفر وفسق وظلم يخرج من الملة ، وكل ذلك يعود إلى الاستحلال القلبي .

· وآخر لا يخرج من الملة ؛ يعود إلى الاستحلال العملي .

فكل المعاصي – وبخاصة ما فشا في هذا الزمان من استحلال عملي للرّبا ، والزنى ، وشرب الخمر ، وغيرها ، – هي من الكفر العملي ، فلا يجوز أن نكفر العصاة المتلبسين بشيء من المعاصي لمجرد ارتكابهم لها ، واستحلالهم إياها عملياً ، إلا إذا ظهر – يقيناً – لنا منهم – يقيناً – ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم لا يُحَرّمُون ما حرم الله ورسوله اعتقاداً ؛ فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة .

أما إذا لم نعلم ذلك فلا سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم ؛ لأننا نخشى أن نقع تحت وعيد قوله عليه الصلاة والسلام : ] إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما [ .

والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة جداً ، أذكر منها حديثاً ذا دلالة كبيرة ، وهو في قصة ذلك الصحابي الذي قاتل أحد المشركين ، فلما رأى هذا المُشرك أنه صار تحت ضربة سيف المسلم الصحابي ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فما بالاها الصحابي فقتله ، فلما بلغ خبره النبي صلى الله عليه و سلم أنكر عليه ذلك أشد الإنكار ، فاعتذر الصحابي بأن المشرك ما قالها إلا خوفاً من القتل ، وكان جوابه صلى الله عليه و سلم : ] هلاّ شققت عن قلبه ؟! [ . أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه .

إذاً الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل إنما علاقته الكبرى بالقلب .

ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق ، والفاجر ، والسارق ، والزاني ، والمرابي … ومن شابههم ، إلا إذا عبّر عما في قلبه بلسانه ، أما عمله فيبنئ أنه خالف الشرع مخالفة عملية .

فنحن نقول : إنك خالفت ، وإنك فسقت ، وإنك فجرت ، لكن لا نقول : إنك كفرت ، وارتدت عن دينك ، حتى يظهر منه شئ يكون لنا عذر عند الله عز وجل في الحكم بردته ، ثم يأتي الحكم المعروف في الإسلام عليه ؛ ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ] من بدل دينه فاقتلوه [ .

ثم قلت – وما أزال أقول – لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين :

هبوا أن هؤلاء الحكام كفار كفر ردة ، وهبوا – أيضاً – أن هناك حاكماً أعلى على هؤلاء ، فالواجب – والحالة هذه – أن يطبق هذا الحاكم الأعلى فيهم الحد .

ولكن ؛ الآن : ماذا تستفيدون أنتم من الناحية العملية إذا سلّمنا – جدلاً – أن هؤلاء الحكام كفار كفر ردة ؟! ماذا يمكن أن تصنعوا وتفعلوا ؟ .

إذ قالوا : ولاء وبراء ؛ فنقول : الولاء والبراء مرتبطان بالموالاة والمعاداة – قلبية وعملية – وعلى حسب الاستطاعة ، فلا يشترط لوجودهما إعلان التكفير وإشهار الردة .

بل إن الولاء والبراء قد يكونان في مبتدع ، أو عاص ، أو ظالم .

ثم أقول لهؤلاء : ها هم هؤلاء الكفار قد احتلوا من بلاد الإسلام مواقع عدة ، ونحن مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين .

فما الذي نستطيع نحن وأنتم فعله مع هؤلاء ؟! حتى تقفوا أنتم – وحدكم – ضد أولئك الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار ؟! .

هلا تركتم هذه الناحية جانباً ، وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة ، وذلك باتباع سنة رسول الله التي ربى أصحابه عليها ، ونَشّأهم على نظامها وأساسها .

نذكر هذا مراراً ، ونؤكده تكراراً : لا بد لكل جماعة مسلمة من العمل بحق لإعادة حكم الإسلام ، ليس فقط على أرض الإسلام ، بل على الأرض كلها ، وذلك تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (76) ( 9- الصف ) . وقد جاء في بعض بشائر الأحاديث النبوية أن هذه الآية ستتحقق فيما بعد .

ونحن إذا درسنا واقع الجماعات الإسلامية القائمة منذ نحو قرابة قرن من الزمان ، وأفكارها وممارساتها ، لوجدنا الكثير منهم لم يستفيدوا – أو يفيدوا – شيئاً يذكر ، برغم صياحهم وضجيجهم بأنهم يريدونها حكومة إسلامية ، مما سبب سفك دماء أبرياء كثيرين بهذه الحجة الواهية ، دون أن يحققوا من ذلك شيئاً .

فلا نزال نسمع منهم العقائد المخالفة للكتاب والسنة ، والأعمال المنافية للكتاب والسنة ، فضلاً عن تكرارهم تلك المحاولات الفاشلة المخالفة للشرع والله المستعان .(77)



بعض كلام الدكتور محمد عمارة حفظه الله في مسألة التكفير :

يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 ـ 505هـ / 1058 ـ 1111م): «إن التكفير هو صنيع الجهال، ولا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، فينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، خطأ. والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم. والوصية: أن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك، ما داموا قائلين «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، غير مناقضين لها. والمناقضة: تجويزهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر، والسكوت لا خطر فيه!».

ويقول الإمام محمد عبده (1265 ـ 1322هـ/ 1849 ـ 1905م): «إنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر».

ولقد أجمع العلماء على أن التكفير يجب أن يقف عند «المقولة» دون «القائل» وعند «الفعل» دون «الفاعل»، إذ ربما كان للقائل والفاعل للكفر تأويل، حتى ولو كان تأويلاً فاسداً، فإنه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، وبهذا بلغ الإسلام من السعة وأمانة المسؤولية ما لم يبلغه دين ولا فلسفة ولا نسق فكري خارج دائرة الإسلام.

وفي مواجهة البعض، الذين يتنكبون هذا المنهاج، بدعوى الاستناد إلى قول الله سبحانه وتعالى:(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(78) المائدة: 44 كتب الشيخ محمود شلتوت (1310 ـ 1383هـ / 1892 ـ 1963م) يقول: «إن الحكم الإسلامي نوعان:

1- حكم لم يرد به قرآن ولا سنة، أو ورد به أحدهما، ولكن لم يكن الوارد به قطعيا فيه، بل محتملا له ولغيره، وكان بذلك محلا لاجتهاد الفقهاء والمشرعين، فاجتهدوا فيه، وكان لكل مجتهد رأيه، وأكثر الأحكام الإسلامية من هذا النوع الاجتهادي، والحكم في هذا النوع الاجتهادي لو جاء بما يخالف جميع الآراء والمذاهب الإسلامية، فإن الإسلام لا يمنعه ولا يمقته، فضلا عن أن يراه ردة يخرج بها القاضي عن الإسلام، ذلك أن الإسلام ليس له في هذا النوع حكم معين، وإنما حكمه هو ما يصل إليه المجتهد باجتهاده المبني على تحري المصلحة والعدل، فمتى وجد العدل والمصلحة فثم شرع الله وحكمه.

2- وحكم هو القطعي المنصوص عليه في كتاب الله أو سنة رسوله الثابتة، التي لم يظهر فيها خصوصية الوقت أو الحال، والحكم بغيره إن كان مبنيا على اعتقاد أن غيره أفضل منه، وأنه هو لا يحقق العدل ولا المصلحة، ردة يخرج بها القاضي عن الإسلام، أما إذا كان القاضي الذي حكم بغيره مؤمنا بحكم الله، وأنه هو العدل والمصلحة دون سواه، لكنه في بلد غير إسلامي، أو بلد إسلامي مغلوب على أمره في الحكم والتشريع، واضطر أن يحكم بغير حكم الله لمعنى آخر وراء الجحود والإنكار، فإن الحكم في تلك الحالة لا يكون كفراً، إنما يكون معصية، وهو نظير من يتناول الخمر وهو يعتقد حرمتها، فيجب على القاضي المسلم أن يرد نفسه عن الحكم متى استطاع إلى ذلك سبيلا، وإذا لم يستطع أن يرد نفسه خوفا من ضرر فادح يلحقه أو يلحق جماعته فإن الإسلام يبيح له ذلك، ارتكابا لأخف الضررين، ما دام قلبه مطمئنا إلى حكم الله».. . (79)



خاتمة البحث :

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات , فقد انتهيت من بحثي هذا و الذي تناولت فيه موضوع ( التكفير أخطاره و ضوابطه ) , حيث أني بدأت البحث بمقدمة بينت فيها سبب اختياري لهذا البحث ثم قسمت البحث إلى مقدمة ثم ثلاثة أبواب كل باب يحوي فصلين أو أكثر ثم خاتمة و قد تحدثت في الباب الأول عن أصل ظاهرة التكفير و منشأها بداية من ظهور فكر الخوارج في صدر الإسلام و حتى ظهور هذه الفتنة مرة أخرى في زماننا هذا , ثم تحدثت عن قواعد في التكفير و ذكرت عدة قواعد ذكرها علماؤنا الأجلاء ثم تحدثت عن موانع التكفير ثم أسباب التكفير ثم نقلت ضوابط التكفير لثلة من علماء أهل السنة و الجماعة ومن ثم تحدثت عن أخطار التكفير على الأفراد ثم أخطار التكفير على المسلمين ثم أخطار التكفير على الإسلام ثم تحدثت عن كيفية علاج فكر التكفير ثم ختمت بحثي هذا بجملة من أقول أهل العلم المعاصرين في مسألة التكفير , و قد عملت جهدي في هذا البحث كي أساهم ولو بمساهمة متواضعة في علاج هذه الظاهرة الخطيرة – ظاهرة التكفير – و بيان أخطارها و ضوابطها و حسبي من هذا الجهد المتواضع أن أكون قد قدمت شيئا لخدمة الإسلام و المسلمين و خدمة الأمة الإسلامية , وأسأل الله تبارك و تعالى أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الكريم , و أن يكتب لنا الأجر و المثوبة , إنه هو ولي ذلك و القادر عليه و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...

قائمة المراجع :

1. القرآن الكريم .

2. صحيح البخاري .

3. صحيح مسلم .

4. مختار الصحاح .

5. شرح العقيدة الطحاوية .

6. الملل و النحل . ( لمحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني )

7. ظاهرة الغلو في التكفير . ( للشيخ العلامة يوسف القرضاوي )

8. ضوابط التكفير . (لسعد الدين بن محمد الكبي)

9. دعاة لا قضاة . ( للأستاذ المرحوم حسن الهضيبي )

10. درء الفتنة . ( للدكتور بكر عبد الله أبي زيد )

11. تاريخ الفرق الإسلامية ( لمحمد إبراهيم فيومي )

12. ذكريات مع جماعة التكفير ( لعبد الرحمن أبو الخير )

13. ضوابط التكفير عند أهل السنة و الجماعة . (عبد الله القرني )

14. السياسة الشرعية ( لشيخ الإسلام إبن تيمية )

15. جامع الأصول . ( لإبن الأثير )

16. فجر الإسلام . ( لإحمد أمين )

17. جامع العلوم و الحكم . ( لإبن رجب الحنبلي )

18. مجموع الفتاوى . ( لشيخ الإسلام إبن تيمية )

19. تفسير إبن كثير . ( لإبن كثير )

20. فتح الباري . ( لإبن حجر )



فهرس البحث :

(أ‌) فهرس الآيات :

(1) الآية 94 من سورة النساء .

(7) الآية 283 من سورة البقرة .

(10) الآية 8 من سورة الحجرات .

(11) ,(12), (13) الآية 65 من سورة الأنعام .

(14) الآية 159 من سورة الأنعام .

(17) الآية 29 من سورة التوبة .

(18) الآية 73 من سورة التوبة .

(19) الآية 1من سورة البينة .

(20) الآية 150 من سورة النساء .

(21) الآية 147 من سورة الأعراف .

(22) الآية 65 من سورة التوبة .

(23) الآية 32 من سورة الحج .

(24) الآية 34 من سورة البقرة ‏.‏

(25) الآية 3 من سورة الأحقاف‏.‏

(26) الآية 65- 66 من سورة التوبة .

(27) الآية 74 من سورة التوبة

(28) الآية 8 من سورة المنافقون. ‏

(29) الآية 162 من سورة الأنعام.

(30) الآية 102 من سورة البقرة‏.‏

(31) الآية 101 من سورة البقرة.

(32) الآية 45 من سورة التوبة.

(33) الآية 35 من سورة الكهف.

(39) الأية 1من سورة الممتحنة .

(40) الآية 21 من سورة النور .

(46) الآية 2 من سورة الإنسان .

(54) الآية 5 من سورة الأحزاب .

(56) الآية 106 من سورة النحل.

(57)الآية 93 من سورة المائدة.

(60) الآية 55 من سورة الأنعام.

(61) الآية 187 من سورة آل عمران.

(62) الآية 159 من سورة البقرة ‏ .

(63) الآية 43 من سورة النحل.

(64) الآية 94 من سورة النساء .

(65) الآية 58 من سورة الأحزاب .

(67) الآية 178 من سورة البقرة .

(71) الآية 115 من سورة النساء .

(72) الآية 115 من سورة النساء .

(73) الآية 44 من سورة المائدة .

(74) الأية 45 من سورة المائدة .

(75)الأية 47 المائدة من سورة .

(76) الآية 9 من سورة الصف .

(78) الآية 44 من سورة المائدة.

(ب) فهرس الأحاديث:

(3) (صحيح البخاري 12/295).

(4) صحيح مسلم .

(8) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب الجاسوس رقم الحديث (1429)

(9) أخرجه البخاري من حديث أسامة بن زيد الحديث ( 4269)

(34) نفس حديث أسامة بن زيد عند البخاري الحديث ( 4269).

(35) صحيح البخاري و مسلم .

(38) صحيح البخاري .

(41) فتح الباري شرح صحيح البخاري .

(44) فتح الباري ج1 ص75ط الحلبي .

(47) (فتح الباري ج13 ص75 ط الحلبي) .

(48) (فتح الباري ج1 ص94-95 ط الحلبي) .

(53) متفق عليه .

(55) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .

(58) اخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج8 ص173، .

(ج) فهرس المراجع الأخرى:

(2) (جامع الأصول لابن الأثير 10/79-87).

(5) لسان العرب مادة " كفر".

(6) فجر الاسلام - لأحمد امين، (بيروت ـ لبنان، دار الكتاب العربي، ط 1975 م

(15) ذكريات مع جماعة التكفير ( عبد الرحمن أبوالخير ) .

(16) ظاهرة الغلو في التكفير للشيخ يوسف القرضاوي

(36) جامع العلوم و الحكم .

(43) (مجموع فتوى شيخ الإسلام ج7 ص484-485) .

(45) (مدارج السالكين ج1ص355ط السنة المحمدية) .

(49) من مجموع فتوى شيخ الإسلام ج7 ص303-305) .

(50) (تفسير ابن كثير ج3 ص454-555 :ط الحلبي) .

(51) من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج7 ص485:ط الرياض) .

(52) ( ظاهرة الغلو في التكفير ) الشيخ القرضاوي .

(59) مجموعة الرسائل والمسائل 5/382،.

(66) ( كتاب درء الفتنة ) الشيخ بكر عبد الله أبي زيد .

(69) ( من موقع الشيخ فيصل مولوي على شبكة المعلومات الدولية ) .

(77) } هذه كلمة الشيخ الألباني رحمه الله و الذي تم تسجيله على الشريط السبعون بعد المائة السادسة بتاريخ ( 7. 11 . 1999م ) و هو مطبوع ضمن كتاب ( فتاوى الشيخ الألباني و قد نشرتها جريدة المسلمون العدد ( 556 ) الموافق ( 29 . 9 . 1995 ) .




أرجوا التثبيت.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-21-2008, 05:43 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

جزاك الله خيرا

بحث قيم يوضح عقيدة الفئة الضالة المسماه قديما بجماعة التكفير والهجرة وحديثا بجماعة ابن مخلف التكفيرية في الكويت

فنحمد الله أن هدانا لطريق السنة فأهل السنة وسط بين فرقتين ضالتين الخوارج والمرجئة

مقطع صغير للشيخ الحويني حول جماعة التكفر والهجرة

هنا

=======

لي تعقيب من باب الإستفادة منكم أخي الفاضل وهو في مسألة الرجوع للعلماء في مسائل التكفير فهذه كما تفضلت ونقلت في المسائل الخفية أو التي يُظن فيه التأويل والإكراه كحال من يقول أن الله في كل مكان

أما في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة أنها كفر كساب الدين أو المستهزأ بشريعة من شرائع الإسلام أو المتلبس بالشرك الأكبر فهنا وجب على كل مسلم أن يكفر هذا الشخصو وعلم من حال الشخص أنه غير مكره على القول

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله فى كتابة درء الفتنة عن اهل السنة
بعد أن فضح منهج المرجئة وتلاعبهم بشرع الله

قال رحمه الله فى أنواع الكافرين وكفرهم

لايجوز لمسلم التحاشى عن تكفير من كفرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لما فيه من تكذيب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم

ثم قال رحمه الله
والكفار على صنفين
الصنف الأولى : الكفار كفرا أصليا وهم كل من لم يدخل فى دين الله( الإسلام) الذى بعث الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى والدهريين, والوثنيين وغيرهم من أمم الكفر الذين قال الله تعالى فيهم ( قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولايدينون دين الحق حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة/
29
والذين قال الله عنهم ( لقد الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) والذين قال الله فيهم لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة)

والذين قال الله فيهم ( إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذون بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذاب مهينا )

وهؤلاء هم الكفار كفرا أصليا لايفرق فى الحكم عليهم بالكفر سواء كانوا افرادا او جماعات احياء او امواتا

كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهؤلاء يجب على المسلمين قتالهم غذا استطاعوا حتى يدخلوا فى الإسلام أو يدفعوا الجزية إن كانوا من أهلها ..

الصنف الثانى:

المسلم الذى يرتد بعد إسلامة بإرتكاب ناقض من نواقض الإسلام نعوذ بالله من ذلك
ومن أمثلتة فى القرآن العظيم

كفر التكذيب كما قال تعالى( والذين كذبوا بآياتنا) الاية

وكفر المستهزئين بالله ورسوله ودينه الذين قال الله فيهم ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) الآية

ومثل من كفر من سب الله ورسوله ودينه فإن السب ينافى التعظيم الواجب لله ولرسوله ولدينه وشرعة

ومثل كفر الإباء والإستكبار والأمتناع عن طاعة الله تعالى كما قال سبحانه عن ابليس ( ابى واستكبر وكان من الكافرين )

ومثل كفر الاعراض عن دين الله تعالى كما قال سبحانه وتعالى( والذين كفروا عما أنذروا معرضون)

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله فى الصارم المسلول 2/481
بعد سياقه قول الله تعالى
(ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين وإذ دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون أ فى قلوبهم مرض أم أرتابوا أم يخافون إن يحيف الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وألئك هم المفلحون )

فبين سبحانة وتعالى ان من تولى عن طاعة الله والرسول واعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن وان المؤمن هو الذى يقول سمعنا واطعنا فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وأرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا محض وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالتنقص ونحوة

ثم ذكر الشيخ أنواع من الكفر مثل السحر وغيره وقال كل هؤلاء قد كفرهم الله ورسوله بعدإيمانهم بأقوال وأفعال صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبهم لا كما يقول المرجئة المنحرفون نعوذ بالله من ذلك

مع العلم ان الحكم بكفر المعين المتلبس بشىء من هذه النواقض المذكورة موقوف على توافر الشروط وانتفاء الموانع , وقد ذكرها الشيخ بوضوح

لذلك فكما ترى

الشيخ لم ينف التكفير عن هؤلاء وصرح بكفرهم أما التعيين فقد قال لابد من الشروط وانتفاء الموانع فإذا ثبت فى حق المعين فالشيخ لايتوقف فى تكفيره , ولم يقل الشيخ إن التكفير خاص بالعلماء

=======

تعقيب آخر على كلام الشيخ الألباني رحمه الله في آخر البحث بخصوص مسألة الحكم بغير ما أنزل الله

ولكن أولا


هل توافق الشيخ على كلامه بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر بجميع حالاته أم أن ثمة تفصيل في المسألة كما فصل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله

بارك الله فيكم

التعديل الأخير تم بواسطة الوليد المصري ; 06-21-2008 الساعة 05:47 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-22-2008, 04:25 PM
الفارس المصري الفارس المصري غير متواجد حالياً
Banned
 



افتراضي

أفة التكفير في هذا الزمان ،تساهل فئة ضالة جاهلة في تكفير المعين،
دون شروط أو إقام حجة أو انتفاء موانع أو عذر بالجهل أو حتى الرجوع إلى العلماء
والله المستعان.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-23-2008, 12:57 AM
قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

نفع الله بك يا حبيب


عزيز من يفهم هذا الكلام في زمن المتطاولين الاقزام


رحم الله اهل السنة
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:34 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.