انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 09-30-2010, 03:32 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

هذا المطر في المستدرك الحاكم أن النبي- صلي الله عليه وسلم- " ذكر لنا أن الله- عز وجل- إذا غضب على قوم فرق المطر في البحر " ، الكمية التي تنزل واحدة إنما ينزل المطر في البحر ولا ينزل على الأرض حيث يحتاجه الناس ، بن الجوزي يقول هنا في نهاية الخاطرة .يقول: ( فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب .)وطبعًا هذه العقوبات متنوعة ، أعظم العقوبات ، أو من أعظم آثار العقوبات أن تذهب حرارة الغيرة من القلب ، إذا ذهبت حرارة الغيرة من القلب ترتب عليها آثار أخري ، مثل: ترك استقباح القلب للقبائح ، فإذا ترك القلب استقباح القبائح نزع منه الحياء ، أنا عندي الغيرة ، إذا ذهبت الغيرة من القلي سيترتب عليها آثار ، ونأخذ أولا ً ذهاب الغيرة من القلب .
الْغَيْرَةِ فِيْ الْأَصْلِ :هي حرارة تنبعث من القلب وهي للقلب كحرارة البدن الذاتية ، مثل الإنسان لا يستطيع أن يعيش من غير حرارة ، دون أن يكون الجسم يكن فيه حرارة لذلك الإنسان لما يموت يصبح جسمه كالثلج ، تنزع الروح فتبدأ أطرافه تبرد ، يقول لك حرارة الحياة وبرودة الموت ، فالحرارة الذاتية في البدن التي لا يعيش البدن إلا بها يقابلها الغيرة في القلب ، والغيرة حرارة ، ويشعر بهذه المسألة المرأة إذا غارت ، لأنها إذا غارت كأن فيه نار تمشي في العروق ، وهذا يختلف من واحدة لواحدة على حسب شدة الغيرة ، والغيرة أيضًا من الغل ، لأن الغل نار أيضًا .فهذه الغيرة التي هي حياة القلب والتي هي تسبب للعبد المنافسة ، المنافسة تكون بسبب الغيرة حتى في الطاعات ، وليس أن يلزم أن تكون المنافسة في الدنيا حتى في الطاعات ، لما واحد ينظر إلى واحد أعلم منه أو أعبد منه تدركه الغيرة ، فهذه الغيرة هي التي تطلع به إلى أعلى ، هذه الغيرة هي الوقود الحقيقي الذي يدفع القلب إلى السير إلى الله- عز وجل- .تأمل الرسول- - لما تكلم عن غيرة الرب- تبارك وتعالي- قال: " لا أحد أغير من الله- عز وجل- لأجل هذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله لأجل هذا أرسل الرسل ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله لأجل هذا أثنى على نفسه " ، فانظر هذه الثلاثة مرتبة على بعض" لا أحد أحب إليه العذر من الله ، لا أحد أغير من الله- عز وجل- لأجل هذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " خذ هذا الحديث مع ما رواه الشيخان في قصة سعد بن عبادة ، لأن أنا قلت لك أن هذه الثلاثة مرتبين علي بعض (، الغيرة ، والعذر ، والمدح )، هذا في حق الله- عز وجل- الحديث الذي أنتم سمعتموه .حديث واقعة سعد بن عبادة في الصحيحين لما جاء هلال بن أمية الواقفي وقال "يا رسول الله وجدت رجلاً مع امرأتي ، فقال: يا هلال أربعة شهداء أو حد في ظهرك "، هذا قبل لأن تنزل آية الملاعنة بين الرجل وامرأته حفظًا للأعراض ، فقال:" سعد بن عبادة أدعه معها لا أهيجه وألتمس له أربعة شهداء والله ما أعطيه إلا السيف غير مصفح "، أي أضربه بحده لا أضربه بصفحه ، وأنت تعرف السيف له حد وصفح ، هذا السيف ، هذا حده وهذا صفح وهذا صفح ، لما تضربه بالصفح تقتله ، لا ، لن تقتله ، إنما تقتله إذا ضربته بالحد ، فيقول:" إنما أضربه بالسيف غير مصفح ".أي لا أضربه بصفحه إنما أضربه بحده ، فقال النبي- عليه الصلاة والسلام-" أنظروا ماذا يقول سيدكم ،" لأنه يعارض ، وهذا الكلام فيه معارضة لما أنزل الله من وجوب الإتيان بأربعة شهداء لإثبات واقعة الزنا ،" قالوا يا رسول الله إنه غيور ، في بعض طرق الحديث قالوا والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا وما طلق امرأة فجرأ أحدنا أن يتزوجها بعده" من شدة غيرته ، أنت طلقتها فهي حرة ، لا ليست حرة طالما أنها تزوجت سعد بن عبادة تظل طوال عمرها مطلقة وهذا من شدة غيرته .فقال النبي- تعليقًا على هذا:" إن سعدًا يغار وأنا أغير من سعد وإن الله أغير مني "الشاهد من هذا الكلام: أنه ليس معني الغيرة أنك تتجاوز حدود الله ، لا تقول غيور وتمر ، لا ، ولا تتهم غيرك ممن وقف على حدود الله- عز وجل- أنه بارد ، ليس عنده حرارة ، وليس عنده غيرة ما هذه الحرارة والحمية ضيعت كثير من المسلمين ، لا يحتمل أن يرى منكرًا من المناكير ويدخل مباشرة ويغير المنكر بطريقته الخاصة فيتسبب عنه منكر أكبر منه ، ليس معنى أنني أقف أرى هذا المنكر وساكت إن أنا بارد ، وأنت دخلت قطعت رقبتهم لأن أنت الذي غيور ، لا .سعد- رضي الله عنه- لم يحتمل هذا لذلك النبي قال: ليس معني أني أقول له:" أربعة شهداء أو حد في ظهرك أنه أغير مني "، لا ، أنا واقف على حدود الله وأنا أغير منه ، والله- عز وجل- الذي أنزل هذا أغير مني ، لأن فيه بعض الناس قد تدفعه الغيرة إلى تجاوز حدود الله- تبارك وتعالي- لذلك جاء العذر بعد ذكر الغيرة في الحديث ، لا أحد أغير من الله- عز وجل- لذلك حرم القتل ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، لذلك جاءت بعد الغيرة ، أن الله- عز وجل- برغم شدة غيرته- تبارك وتعالى- على تجاوز حدوده إلا أنه يعذر ، ولذلك أرسل الرسل ، فلا يعذب تبارك وتعالي أحدًا إلا بعد وصول بلاغ الرسول إليه .والجماعة الذين يقولون لا يوجد عذر بالجهل وغير ذلك ، يقول لك هو أرسل الرسول ، لما تقول له:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ﴾ (الإسراء:15) ، يقول لك قد بعث الرسول ، نعم أرسل الرسول ، لكن القصد من بعثة الرسول: إنما هو وصول كلام الله إلى الخلق ، وليس بعث الرسول أي رسول بشخصه ، لا ، ولذلك قال الله- عز وجل- فيما يتعلق بالقرءان ﴿ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾(الأنعام:19) ، فلابد أن تصل الحجة لذلك ربنا- عز وجل- لا يعذب أحدًا إلا بعد وصول البلاغ ، إذا لم يصله البلاغ فهو معذور ، قد يعاقب على تقصيره مثلاً ، لكن لا يقال أنه كافر أو أنه لا يقبل منه ، لا .
ذكر العذر بعد الغيرة يستحق صاحبه المدح :، لذلك جاء المدح في النهاية" ولا أحد أحب إليه المدح من الله لأجل " ، وهذا هو كمال الإحسان كَمَالِ الْإِحْسَانِ: أن تنصف الناس من نفسك ، هذا فيما يتعلق بالعبد ، أن تنصف الناس من نفسك ، لعل له عذرًا وأنت تلومه ، أنت ممكن تؤاخذه بما له فيه عذر ، لو افترضنا جدلاً أن رجلاً له عند رجل حق ، وهذا الرجل جحد هذا الحق ، فهل يجوز لك أن تأخذ من ماله ما يعادل حقك ، نعم يجوز لكن لابد أن يثبت حق لا شبهة فيه ، وهذا الكلام بعض الناس ربما يفهمه خطأ ، أنا أحضرت واحد واتفقنا على أنه سيقوم بهذا العمل بمبلغ من المال ألف جنيه وقلت له أنا أريدك أن تعمل ، وبدأ العمل ، قال لا ، هذا العمل أنا بعدما حسبتها في رأسي وجدته لا يساوي إلا سبعمائة فقط ، ولن تأخذ إلا سبعمائة فقط ، هل يجوز لهذا الرجل أن يأخذ من ماله رغمًا عنه ما يوازي ثلاثمائة جنيه أم لا يجوز ؟ يجوز ، هذا يجوز ، لماذا ، وما دليله ؟ .حديث هند بنت عتبة في الصحيحين" لما قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي أن آخذ من ماله بغير إذنه ، قال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ، أبو الحسين البغوي في شرح السنة كان له تعليق تحت هذا الحديث ، وهو جواز أن يستوفي المرء حقه ممن جحده ، وهذا لا يعارض قوله- صلي الله عليه وسلم-:" أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " هذا ليس داخلاً في ضرب الخيانة ، هند بنت عتبة لما أخذت من مال أبو سفيان من غير علمه هل هذه خيانة ؟ .طبعًا أبو سفيان لا يأذن بمثل هذا ، ولذلك تأخذ من وراءه ، واشترط النبي أن تأخذ من ماله بالمعروف ، ولا تأخذ بقصد إتلاف المال ، أو إنها التي تستطيع أن تحصل عليه تأخذه ، لا ، إنما تأخذ بقدر حاجتها هي وأولادها ، فالعلماء قالوا هذه حقها في النفقة ، فمن كان له حق معين كحقها في النفقة جاز له أن يستوفيه . بشرط أن يكون حقًا معينًا معلومًا ، غير أن واحد عمل عقد كما يحدث في بعض البلاد العربية ، يقول لك تعالي بألف ريال أ, ألف درهم أو ألفين أو ثلاثة أو غير ذلك ، أول ما تصل إلى هناك قال لك، نحن سنعطيك سبعمائة لأن الحالة ليست منضبطة والحكاية وغير ذلك ، فإذا كنت ستواصل معي في هذا العقد أهلاً وسهلاً ، وإن كنت لن تواصل فعد إلى بلدك ، يجوز له أن يستوفي النفقة التي أنفقها حتى وصل إليه في بلاده ، لأن هو الذي جعلني أغرم وجعلني أنتقل من بلدي وأذهب إليه بمقتضى عقد بيني وبينه ، فأنا أستوفي الغرامة التي أنا غرمتها حتى وصلت إليه .إنما أواصل العمل علي العقد الجديد وأقول له أنا موافق على التعديلد الجديد أو التعديل الجديد ، ثم كل شهر يعطيني سبعمائة أسرق منه ثلاثمائة ، لأن هذا كان مقتضى العقد ، هذا لا ، إنما أنت ستأخذ إذا كنت أنفقت في هذه المسألة خمسة ، ستة ، أربعة ، هو الذي جاء بك وهو الذي غرر بك بعد ثبوت العقد فأنت لا توافقه علي أن تأخذ سبعمائة ، ثم تأخذ أنت من ورائه ثلاثمائة ولذلك نحن ننبه لأن بعض الناس يفهم هذه المسألة خطأ .فأبن الجوزي - رحمه الله - يقول: هنا ويتكلم عن النصائح وأنه لا يجوز للمرء أن يحكم بادئ الرأي دون أن ينظر إلي هؤلاء لا تنظر إلي ظاهر الصراخ ولا ظاهر الشكوى ولا ظاهر الشكوى ولكن أنظر إلي فعل العبد وهذه مسألة داخلة في باب القضاء والقدر كما سنتكلم عنها غدًا إن شاء الله ، مسألة القضاء والقدر . يقول بن الجوزي: ( خَطَرَت لِي فِكرَةٌ فيمَا يجرِي علَى كَثيرٍ مِن العَالَمِ من المَصائبِ الشَّدِيدةِ و البَلَايَا العَظِيمَةِ التي تَتَنَاهَى إلى نِهَايةِ الصِعٌوبَةِ فقُلتُ: سُبحَانَ الله ، إن الله أَكرَمُ الأَكرَمِين والكَرمُ يُوجِبُ المُسَامَحة فَما وَجهُ هَذِهِ المُعَاقَبة ؟ )﴿ يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ( الانفطار:6_7) الكلام معناه:﴿ يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ألا أنه﴿ خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، أي أن هذا وجه اقترانك به ، أنه أمرك فلم تقف عند حدود الأمر ، نهاك فتجاوزت ما الذي غرك به ؟ حلمه ، هناك بعض المفسرين قالوا: أن الله لقن العصاة الحجة بهذه الآية .وأنا أستغرب كيف يقول هذا الكلام ؟ طبعًا نحن نعرف الجماعة المفسرون فيهم ناس لهم شطحات تستغرب أنه ممكن إنسان عاقل أن يكتب هذا بقلم ، بالأخص التفسيرات الإشارية ؟، سوف تجد هذا الكلام في التفسيرات الإشارية ، الذي هو يقول لك ، يعتمد علي الإشارة في التفسير يهمل جانب اللغة لا يعتبرها ، بل يهمل ظاهر الألفاظ مع أن العلماء كما قال الشافعي - رحمه الله - : لا يجوز لأحدٍ أن يتجاوز ظاهر اللفظ .لا هم لا ينظرون إلي اللفظ ، ولا ينظرون إلي العربية ، وينزل تحت يأخذ أي معني من المعاني الغريبة مثل المعني الذي أنا أقوله هذا ، إن الله لقن العصاة الحجة بهذه الآية ، لما ربنا- عز وجل يسأل الرجل يوم القيامة ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، يقول كرمك يارب ، كرمك هو الذي غرني ، وهناك رد ثاني ، ﴿ يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أل أنه ﴿ خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فهذا موجب الاغترار ولا يوجب أن يكون المرء في مقام الشكر ، لا يغتر بهذا إلا لئيم ، فهو هنا يقول أن الكرم يوجب المسامحة ، لكن كما أن الله- عز وجل- كريم فهو جبار وهو منتقم وهو قوي وهو عزيز هذه الصفات ، فلا ينفع واحد يركن على صفة من الصفات ثم يهمل الصفات الأخرى حتى بعض صفات الرحمة التي قد ترد في سياق العذاب ، كما قال إبراهيم- عليه السلام- لأبيه ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (مريم:44) ، المناسب أن يمسك عذاب من المنتقم من الجبار ، من العزيز ، من القهار ، لكن من الرحمن ، الرحمن يعذب ؟ ما وجه ذكر الرحمن في الآية ؟ قال: هذا ليدلك على عظم جرم والد إبراهيم كيف هذا ؟قال: ولله المثل الأعلى ، لو تصورنا إنسانًا حليمًا يضرب به المثل في الحلم ، بحيث أن يستطيع أحدًا أن يهيجه مهما فعل ، وأنت تمشي وجدت هذا الحليم يمسك برجل وضربه ويضربه بقدمه ويفعل به كل الأذى ، فأنت ماذا تقول ، فستقول هذا الرجل ماذا فعل ، أكيد أنه فعل جناية ليس لها مثيل ، لكي يستفز هذا الحليم ويضربه كل هذا الضرب فكيف تكون هذه الجناية التي فعلها هذا الرجل ، وهذا هو المعني الوارد في الآية ، ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ، فانظر إلى جرم والد إبراهيم كيف يكون شكله . فتكون هذه الصفة إنما جاءت في الآية لتبرز جرم والد إبراهيم ، وأعظم الجرم على الإطلاق هو الشرك بالله الذي لا يقبل الله فيه شفاعة أحد مطلقًا كما في الصحيحين حديث أبي هريرة:" لما لقي أزر ابنه إبراهيم فقال: يا إبراهيم اشفع لي ؟ ، ألم يعدك الله ألا يخزيك ، لا أخالفك اليوم يا إبراهيم فإبراهيم- عليه السلام- يدعوا ربه- تبارك وتعالي- أنه يغفر لأبيه ،والده ويقول: يارب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون ، وأي خزي من أعظم أبي الأبعد ، والأبعد: كأنك تقول البعيد عمل كذا ، فقال: يا إبراهيم إني حرمت الجنة على الكافرين " . أنظر مع ما لإبراهيم- عليه السلام- من المكانة ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ﴾ (النساء:125)مع ما له من المكانةالكلام قاطع ونهائي﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ(النساء : 48)إني حرمت الجنة علي الكافرين ولأجل أن تخف المسألة علي إبراهيم- عليه السلام - حولَّ الله - عز وجل - والد إبراهيم إلي ضبع ، كما في الحديث فأُلقي هذا الضبع في النار هذا أيضًا من باب التخفيف علي إبراهيم- عليه السلام ، لأن هذا الإنسان لما يتحول لضبع ويلقي الضبع في النار غير أن ولد يري والده يلقي في النار ، فليست هناك جناية أعظم من الشرك ، ولذلك يقول الله- عز وجل- لبعض هؤلاء المشركين يقول له:" لو كان لك ملء الأرض ذهبًا أكنت تفتدي به ؟ يقول: إي وعزتك ، يقول الله- عز وجل- أردت منك أهون من ذلك ، أردت منك ألا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا الشرك " .فأعظم شيء مطلقًا أن يشرك المرء بالله- تبارك وتعالي- ، فلما ننظر في صفات الله- تبارك وتعالى- أهل الغرور يأخذون الصفات الرحمة والكرم والعفو وغير ذلك ، لا .كما قال الحسن:( ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل )، فالذي يقول أن الله لقن العصاة الحجة بهذه الآية هذا مغرق في الإرجاء .وأنت تعرف أنه كان فيه جماعة من المرجئة ، والحمد لله أظن أنهم غير موجودين الآن ، الذين هم غلاة المرجئة الذين يقولون أن من قال الكلمة فهوة مؤمن وإن أتي بأي فعل كان ، حتى وصل بهم الحال أنهم أفتوا بإيمان فرعون ، لماذا ؟ لأن فرعون قال الكلمة ، قال:﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾(يونس:90) ، حتى الكذب واضح في الكلمة التي قالها ، لا يريد أن يقول ءامنت بالله ، لا ، يقول:﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ . فالذي ءامنت به بنو إسرائيل ما هو ، حتى وهو يغرق أيضًا مغرور ومتكبر ولا يريد أن يذل .
مَاحَكَمَ إِيْمَانٍ الْمُعَايِنُ؟ومع ذلك إيمان المعاين لا قيمة له عند جمهور العلماء عاين الملائكة والروح ستخرج فليس لإيمانه أي قيمة .وصل الحال بأناس ينتسبون إلى القبلة يقولون مثل هذا الكلام ، وطبعًا هذا الكلام بخلاف قول مرجئة الفقهاء ، لا ، هؤلاء كلام غلاة المرجئة ، وكان منهم عبد الغني النابلسي أحد متفقه الحنفية في الجماعة المتأخرين ، له كتاب عجيب اسمه كشف الأستار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار ، فوضع فرعون في المقطوع لهم بالجنة ، أنا أريد أن تطلع لي غير إبليس من المقطوع له بالنار باستثناء إبليس ، لا تجد احد ، إذا كان فرعون مقطوع له بالجنة فلم يعد أحد سيدخل النار .فهذا سببه النظر في جانب من الأسماء الحسنى وترك الجانب الأخر ، النظر في صفات العفو والغفور والودود والرحيم والرحمن ، هذا كله مما أوجب غرور هؤلاء .
انْتَهَي الْدَّرْس الْسَّابِع
الْمُحَاضَرَة الْثَّامِنَة
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: (خَطَرَت لِي فِكرَةٌ فيمَا يجرِي علَى كَثيرٍ مِن العَالَمِ من المَصائبِ الشَّدِيدةِ و البَلَايَا العَظِيمَةِ التي تَتَنَاهَى إلى نِهَايةِ الصِعٌوبَةِ فقُلتُ: سُبحَانَ الله ، إن الله أَكرَمُ الأَكرَمِين والكَرمُ يُوجِبُ المُسَامَحة فَما وَجهُ هَذِهِ المُعَاقَبة ؟ فَتفَكرتُ فَرأيتُ كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ بَل يَجرُونَ على عَادَاتِهِم كَالبَهَائِم ، فإِن وَافَقَ الشَّرعُ مُرَادَهُم وإِلَّا فَمُعَولَهُم عَلى أغرَاضِهِم ، وبَعدُ حِصُولِ الدينَارِ لا يُبَالُونَ أَمِن حَلَالٍ كانَ أَم مِن حَرَام ، وَإن سَهُلَت عَليهِم الصَّلاةِ فَعَلُوهَا وَإن لَم تَسهُل تَرَكُوهَا ، وفِيهِم مَن يُبَارِزُ بالذِنوبِ العَظِيمة مَع نَوعِ مَعرِفَةِ النَّاهِي ، ورُبمَا قَويَت مَعرِفَةِ عَالِمٍ مِنهُم وتَفَاقَمَت ذِنُوبَه ، فَعَلِمتُ أن العِقُوبَاتِ وإِن عَظُمَت دُونَ إِجرَامِهِم ، فَإِذا وقَعَت عُقُوبَةٌ لِتُمَحِصَ ذَنبًا صَاحَ مُستَغِيثُهُم: تُرَى هَذَا بِأَي ذَنب ؟ وَيَنسَى مَا قَد كَانَ مِمَا تَتَزَلزَلُ الأَرضَ لِبَعضِه وقَد يُهَانُ الشَّيخُ في كِبَرِهِ حَتَى تَرحًمَُه القُلُوب ، وَلَا يُدرَي أِنَّ ذَلِكَ لِإِهمَالِهِ حَقَّ الله تَعَالَى في شَبَابِهِ فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب ).
بن الجوزي- رحمه الله تعالي- لا يقصدخصوص المسلمين بهذا الكلام ، إنما يقصد الناس جميعًا ولذلك فهو يقول: ( لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ) ، وهذا الكلام إنما يصلح أن يقال بالنسبة للكافرين ، ولا يقال بالنسبة للمسلمين كثيرٌ من الناس حتى المسلمين لا يعلم لماذا خُلق ؟ لأنه لو علم لماذا خلق لنظر تحت قدميه قبل أن يضع قدمه فلينظر أمأذون له أم لا ، قبل أن يرفع قدمه ويضعها في مكان آخر فلينظر أمأذون له في ذلك أم لا ؟ ، لأن هذا هو رسم العبودية . العبد له سيد آمر ، والعبد لا يتحرك عادة من تلقاء نفسه لو حقق العبودية ، فكثيرٌ من الناس حياتهم كالعدم ، إن قصدنا الكافرين فالكلام معلوم والله - تبارك وتعالي - قال عن هؤلاء:﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا ﴾(الفرقان :44) ، لأنه ما من شيء علي وجه الأرض إلا وهو يذكر الله- تبارك وتعالي - ، والغفلة لا تدرك إلا الثقلين الإنس والجن ، اللذان نزل التكليف من أجلهم ، أما فيما عدا ذلك فالكل يسبح والكل لا يفتر سواء كان يابسًا ، أو كان أخضرًا كله يسبح لله - تبارك وتعالي - .
فهؤلاء الكافرون وصفهم الله عز وجل أنهم أضل من الأنعام ، الأنعام أهدي سبيلًا لأنها تسبح الله - تبارك وتعالي- وقال الله - عز وجل-:﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾(الأعراف:179) .ولعلكم تذكرون أننا في مرة سابقة ذكرنا أن القلب أو الفؤاد يكون ملاصقًا دائمًا للعين ، أي يقرن القلب مع العين أيضًا كما في هذه الآية:﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ لأن العين والأذن هما أوسع طريقين إلي القلب أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْسَّمْعَ أَمْ الْبَصَرُ ؟ حتى فاضل العلماء بين السمع والبصر أيهما أفضل ؟ فقال بعض العلماء: السمع أفضل لأنه لا يرد إلا مقدمًا ، السمع دائمًا يرد مقدمًا علي البصر إذا قرن في كتاب الله تعالي ، قالوا والسبب في ذلك أن السمع هو أسبق الحواس عندما يولد المرء إنما يسمع قبل أن يبصر . الشيء الثاني: أنه بالسمع يدرك كلام الله ورسوله . الإنسان لو كان كفيفًا فيسمع ونحن لدينا الأدلة النصية كلها بتسمي بالدليل السمعي, الدليل السمعي: أي الذي آتانا عن
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 09-30-2010, 03:33 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

طريق السمع ، أي عن طريق النقل,وعلماء آخرون قالوا: لا البصر مقدم علي تفصيل طويل ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالي - في كتابه:( مفتاح دار السعادة ) وهو يفاضل بين السمع وبين البصر والتحقيق:أنه لا مفاضلة بينهما فالكل مفضل بأسبابه .
وقال الله - عز وجل-:﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾(محمد:12)، هؤلاء هم الذين وجودهم كالعدم بل العدم أفضل ، لماذا ؟ لأن العدم يسبح الله- تبارك وتعالي- ، إذا قلنا أن الجماد عدم فالجماد يسبح الله- تبارك وتعالي- كما قال الله- عز وجل-:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾( الإسراء: 44). وإن: بمعني مـا .﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾ بمعني ما من شيء﴿إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ .ومعروف عند علماء الأصول أن نفي الاستثناء يفيد الحصر ، أداة الاستثناء في الآية: إلا .﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾: أي وما من شيء ﴿ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وفي هذه الآية رد علي الذين يقولون أن الأخضر إذا يبس أنقطع تسبيحه ، وإنما فهموا هذا الكلام من حديث بن عباس- رضي الله عنهما- وهو في الصحيحين " أن النبي- صلي الله عليه وآله وسلم - مر علي قبرين فقال : هذان يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة ، ثم دعي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بجريدة فشقها نصفين ووضع علي كل قبر نصفًا من هذه الجريدة وقال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " .
ففهم بعض العلماء من قوله- صلي الله عليه وسلم- " ما لم ييبسا ": أي أنه طالما ظلت النداوة في الجريدة فهذا يخفف عنهما ، ما هي العلة عندهما ؟ فقالوا التسبيح ، أن الجريدة طالما فيها نداوة فهي تسبح فإذا يبست أنقطع التسبيح وبالتالي يكون مدة الترفية عنهما خفت لأجل هذه العلة . طَبْعا هَذَا الْكَلَامَ فِيْهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:-الوجه الأول: الآية قول الله- عز وجل-:﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ فهذا لم يستثني لا أخضر ولا يابس ، فالأصل أنه يفيد أن كل شيء يسبح وهذه رقم واحد .الوجه الثاني: أنه لو كان المقصود بقاء النداوة أطول مدة ما شق النبي- صلي الله عليه وسلم- الجريدة نصفين ، لأن شق الجريدة نصفين أدعى لسرعة ذهاب النداوة ، وإنما فعل النبي- صلي الله عليه وسلم- ذلك ليخفف عنهما فكان المناسب أن تظل الجريدة أطول مدة على نداوتها حتى يستفيدا صاحب القبرين من هذه الخاصية للنبي- - أو هذا الفعل للنبي فلما شق النبي الجريدة نصفين دل على أنه ليس المقصود بقاء النداوة في الجريدة .الوجه الثالث:حديث جابر بن عبد الله في أخر صحيح مسلم " أن النبي - مر على قبر يعذب فدعا بجريدة أو دعا بعود رطب ثم وضعه علي القبر ، وقال لعله أن يخفف عنهما بشفاعتي " فيفهم من حديث جابر- رضي اله عنه- أن التخفيف كان بشفاعة النبي- صلي الله عليه وسلم- وليس بنداوة الجريدة ، لأجل هذا ذهب جمع من العلماء المحققين أن وضع الجريد على القبر لا يشرع إلا النبي ، وأن زراعة الأشجار في المقابر كما درج الناس كثير من الناس على فعلها بقصد التخفيف أن هذا ليس مقصودًا للنبي- صلي الله عليه وسلم- ومسألة زراعة الأشجار في المقابر حتى يستفيد الميت بنداوة الشجر وهذا الكلام ، كل هذا لا أصل له .ورأي عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- رجلاً ظلل قبرًا بخيمة فسأل عن ذلك فقال إنما نظلله ، كأن الميت يستفيد بهذا الظل ، فنزع عبد الله بن عمر الخيمة وقال إنما يظله عمله .فهذه الآية: -:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ حيثما وجدت صفة الحليم فاعلم أن العبد مستحق للعقوبة ، في أي آية فيها صفة الحلم أن العبد فيها مستحق للعقوبة ، العبد يعاقب هنا﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ لما ؟ هل لأننا لا نفقه تسبيحهم ؟ لا ، ولكن لأننا لا نسبح ، فهو حليم لأنه لا يعاجلنا بالعقوبة ويبسط لنا الرزق مع عدم التسبيح ، لأنه في حديث عبد الله بن عمر بن العاص الذي رواه أحمد في مسنده في وصية نوح ، " أن نوحًا- عليه السلام- دعا ابنه أو ابنيه روايتان في المسند ، فقال إني قاصر عليكما الوصية ، آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين ، آمركما بلا إله إلا الله ، وسبحان الله وبحمده "، ثم علق على هذه الكلمة الأخيرة فقال:" فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق " ، الذي هو التسبيح التسبيح: هو صلاة كل شيء وبالتسبيح يرزق كل إنسان ، وبهذا الحديث تقرأ الآية مرة أخرى فتفهم ما هو المقصود من ذكر الحلم في الآية: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ﴾ أي عن ترككم التسبيح فإنه يرزقككم بلا تسبيح ، مع أن سبحان الله وبحمده يُرزق بها كل إنسان ، فكان المناسب أن الذي لا يسبح لا يرزق ، ومع ذلك شمله حلم الله فرزقه مع تقصيره في الإتيان بالتسبيح .والحقيقة في القرءان المجيد كل الأدلة التي أقامها الله-سبحانه وتعالي- علي الكافرين لإثبات إلهيته تراها تخترق القلب لو صادفت إنسانًا منصفًا ، الآيات القرءانية الحجة فيها هادئة وكلما كان الإنسان هادئًا وصل إلى سمع قلب المخالف .بن حزم:مثلاً كان قويًا في إقامة الحجة لكنه كان عنيفًا فلم يذعنوا له ، وأنت تعرف أن المخاصم أو الخصم كلما ترفقت به في إقامة الحجة كان أقنع له ، بخلاف ما إذا كنت شهيدًا ويشتم من هذه المناظرة أنك تريد أن تسفهه أو تريد أن تظهره بمظهر الجاهل ، لا ، أنظر الآيات القرءانية في مسألة الخلق والله عز وجل- يخاطب الكافرين الذين يزعمون هناك آلهة أخر غير الله- سبحانه وتعالي- ، بسط الله هذا المعنى كثيرًا في القرءان ، وانظر الآيات أو الكلمات في منتهى الهدوء يقول الله- تبارك وتعالى-:﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾(الرعد:16)هذا الذي جعلوا لله ندًا تبارك وتعالى ، ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ (لقمان:11) ، كل شيء خلقه الله- عز وجل- ، فأنت تعبد صنم فقل لي ماذا خلق هذا الصنم ؟ إذا لم يكن مكابرًا أدعه .جبير بن مطعم: كما في صحيح البخاري لما دخل في فداء أسرى بدر ووافي المدينة في صلاة المغرب ، وكان النبي- يصلي المغرب بالمسلمين ، فسمع آيات من سورة الطور﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ(الطور: 35-37) قال: فكاد قلبي أن يطير ، أسئلة ليس لها جواب إلا أن تذعن ، ليس لها جواب .﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ ، وأنت تعرف أن الله- عز وجل- إنما خاطب المشركين بآيات الربوبية التي لا يجحدونها ، حتى في سورة النمل أثبت الله- عز وجل- إلوهيته بما يعتقدونه من ربوبيته ، وهذا أقوى درجات الإقناع وإقامة الحجة ، يأتي على مظاهر الربوبية التي لا يختلف المشركين فيها ، الذي نفى ربوبية الله- عز وجل- هو فرعون ومن علي طريقته من الدهرية الذين هم كما يقول العلماء أنكروا وجود الصانع ، إنما المشركون ما كانوا يعتقدون أن هناك آلهة أخري شاركت الله عز وجل- في خلق السموات والأرض ولا في خلق ذرة ، ما كان المشركون يعتقدون أن آلهة خلقت ذرة مع الله- سبحانه وتعالي- .إذًا فيما يتعلق بالربوبية هم يعتقدونها ، لذلك العلماء يقولون: إن توحيد الربوبية لا يدخل أحداً في دين الإسلام ، إنما الذي يدخل الناس في دين الإسلام توحيد الإلوهية وهو المتعلق بالأمر والنهي .لذلك الواحد يتعجب عندما يجد واحد مثلاً يشير العوام إليه أنه عالم يقول: الطواف بالقبور ليس شركًا ، لماذا ؟ علل هذا فقال: لو سألت أي واحد ممن يطوف في القبور أتعتقد أن الذي في القبر يحي ويميت ؟ يقول: لا يخلق ويرزق ؟ يقول: لا . فكيف يكون مشرك ؟ أبو جهل وأبو لهب كانوا يعتقدون مثل هذا الاعتقاد ، ما كانوا يعتقدون أن أحد يحي ويميت إلا الله ، ولا يخلق ويرزق إلا الله ، ما الجديد في الموضوع ؟ لا ، هؤلاء صرفوا العبادة إلي غير الله﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (الأنعام :162-163) .
حُكْمُ الْطَّوَافِ بِالْقُبُورِ وَحُكْمُ الْطَّائِفِ:فيكون القول أن الطواف بالقبور ليس شركًا خطأ ، الطواف بالقبور شرك ، لكن بحثنا في الطائف أهو مشرك أم لا ؟ هذا هو الكلام لكن لا ينبغي أن نعتقد أو أن نتردد في الحكم علي الفعل ، ونقول أن فاعل الكفر ليس بكافر ، لا يشترط أن يكون كافرًا ، فاعل الكفر لا يشترط أن يكون كافرًا لاحتمال أن يكون جاهلًا ، فيكون الذي يطوف بالقبور لا نقدر أن نقول مشرك لكن فعله شرك ، لأنهم فاهمين عندما نقول أن الفعل شرك أن نحن كفرنا الذي يطوف بالقبر . لا ، هما بحثان: بحث في الفعل ، وبحث يتعلق بالفاعل ، الفاعل لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة الرسالية التي يكفر تاركها ، كثير من الناس لا يعلمون أن هذا يضاد للتوحيد ، لا يعلمون أن طلب الغوث والمدد من المقبور أنه ينافي التوحيد . والعجيب أن هذا المحتج لهم الذي يصرخ ليل نهار في كل الفضائيات ، والجرائد ، والمجلات وغير ذلك يقول : أن بناء المسجد علي القبور كان في عهد النبي- صلي الله عليه وسلم - ولم ينكر رسول الله - صلي الله عليه وسلم- شيئًا .وأتي علي قصة أبي بصير وأنه عندما دفن بالساحل وبنوا عليه مسجدًا قال: هذا كان في حياة الرسول- عليه الصلاة والسلام - وقد روي موسي بن عقبة هذا الكلام بسند صحيح في المغازي وطبعًا هو لم يري مغازي موسي بن عقبة بعينيه ، لأنه لم يطبع من مغازي موسي بن عقبة إلا منتخب المنتخب من مغازي موسي بن عقبة هذا الذي وجدوه ، وهو منتحب صغير لا يتجاوز الستين صفحة بالخط الصغير ، فهو لم يري مغازي موسي بن عقبة ، فمن أين أتي بهذا الكلام ؟ أتي بالكلام هذا من شيخه أيضًا ، لأن شيخه هذا له كتاب اسمه: ( إحياء المقبور بأدلة استحباب بناء المساجد علي القبور) ، استحباب أيضًا أي أن الذي يبني المسجد علي القبر يأخذ حسنة ، ذاكر الكلام هذا وقال : الدليل العاشر أن موسي بن عقبة روي في المغازي بسند صحيح وأتي بقصة أبي بصير . وطبعًا شيخه أيضًا لم يري مغازى موسي بن عقبة بعينيه ، فمن أين أتوا بهذا الكلام ؟ جاءوا بهذا الكلام من كلام الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري ، ماذا قال الحافظ بن حجر في فتح الباري ؟ الجماعة المرتجعة لا تُسَلم لهم في نقل أبدًا ، يكذبون ، ويبترون النصوص ، إما عن عمد ، وإما عن جهل أنا اليوم مثلًا لو قلت الإسناد الآتي: الزهري عن عروة بن الزبير عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سوف أنزل راوي آخر ، أقول سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب ما صحة هذا الإسناد ؟ الإسناد هذا منقطع ، لأن عروة بن الزبير لم يدرك عمر بن الخطاب ، فأحيانًا يقول: وروي فلان بسند صحيح إلي عروة أن عمر بن الخطاب ، فيأتي الذي لا يفهم لا يقول كلام الحافظ لأن الحافظ قيد الإسناد بالصحة حتى من ؟ حتى عروة بن الزبير ، طالما أن الناقل وقف في تصحيح الإسناد علي راوي في الإسناد اعرف أن من فوق هذا الراوي فيه علة ، إما علة واضحة وإما علة مختلف فيها لم يتهيأ للناقد أن يحققها ، فلكي يخرج من عمدة هذا الكلام يقول هذه المسألة .وهذه مسألة معروفة عند علماء الحديث وطلبة الحديث الدارسون يعلمون هذه المسألة ، فلا يأتي واحد منهم عندما ينقل ، يتورط ويقول: بسند صحيح عن عمر بن الخطاب ، لأن هذا معناه أن الإسناد صحيح إلي عمر لا هو قال: بإسناد صحيح إلي عروة أن عمر أول ما يأتي علي راوي في الإسناد قبل الصحابي ويقف عنده اعرف تمامًا أن فوق الراوي هذا علة ، إما علة حقيقية محققة ومحررة ، وإما علة مختلف فيها هو لم يتهيأ له أن يحقق في البحث فلكي يخرج من العهدة هذه فيفعل هكذا . الحافظ بن حجر فعل نفس هذا الكلام ، ماذا قال ؟ طبعًا الحديث حديث صلح الحديبية حديث طويل ، يرويه الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وساقا قصة صلح الحديبية ، قال الحافظ في الشرح وروي موسي بن عقبة بسند صحيح إلي الزهري أنهم بنوا مسجدًا علي قبر أبي بصير ماذا أقول ؟ أن موسي بن عقبة روي بسند صحيح أنهم بنوا مسجدًا علي قبر أبي بصير ، هو قال إلي الزهري ، والزهري عندما روي صلح الحديبية رواه عن من ؟ عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحاكم فعندما يقول لك: أن موسي بن عقبة روي عن الزهري فتكون هذه الواسطة سقطت فيما يتعلق بهذا الخبر . الزهري هذا من صغار التابعين ، ومرسلات الزهري شبه الريح هذا مصطلح عندنا . شبه الريح: بمعني لا تقف من مرسلات الزهري علي قليل ولا كثير ، مثل الريح ليس لها قيمة ، فأنا أقول ورد في مغازي موسي بن عقبة بسند صحيح أنهم بنوا مسجدًا علي قبر أبي بصير في زمان النبي- صلي الله عليه وسلم- ولم ينكر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فأنا أقول: عندما تأتي لكي تراجع تجد الجماعة هؤلاء خونة إما عن عمد ، وإما عن جهل ، فإياك إياك أن تأخذ من مبتدع كلامًا إلا وترجعه إلي أصله . سوف تري العجب ، كنا الأول أحيانًا نسلم ولا نصدق أن ممكن إنسان يكذب هذا الكذب العظيم ، اليوم ماذا يفعلون ؟ يأتي بالجزء والصفحة أيضًا لكي يخدرك علي الآخر ، وليس من المعقول أن أحد يأتي بالجزء والصفحة ويكون كذاب هو لو قال: روي أحمد في المسند ، انتهي ، اجري يا فلان للصبح ، مسند أحمد قرابة عشرين ألف حديث ، ابحث براحتك ، لكن عندما يقول روي أحمد في المسند رقم عشرة آلاف أو غير ذلك ، عادة أنت سوف تقول طالما ذكر الرقم فليس معقول أن يكذب هذه الكذبة ويدلك علي الموضوع علي الفور . مثل الجماعة أصحاب الطريقة الصوفية الذين نشروا حديث أبي سعيد وكانوا يوزعونه علي الناس ، ووجدته معلق في بعض المساجد ، حديث أبي سعيد الخدري فيه الخوارج فاكرين الحديث " أن النبي- صلي الله عليه وسلم- عندما جاءته ذهبية من اليمن والرجل ذو الخويصرة قال: أعدل يا محمد فانك لم تعدل ، في الحديث قال يخرج من ضئدء هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته إلي صلاته وصيامه إلي صيامه ، يقرئون القرآن لا يتجاوز حناجرهم ، يخرجون من الدين كخرج السهم من الرمية ، لأن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد ، قالوا صفهم لنا يا رسول الله ؟ قال: حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يتحدثون من كلام خير البرية " .ثم بعد ذلك زاد ، قال: " طويلة لحاهم قصيرة أزرهم " ، هذه المكذوبة ، أن الواحد تصور أن الوضع أنتهي من زمان أن الكذب علي النبي- عليه الصلاة والسلام - انتهي زمانه ، لا ، هذا وضع هذه المسألة " صفهم لنا يا رسول الله قال: "سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان يقولون من كلام خير البرية " ، كل هذا صحيح ، كل ذلك ورد في الحديث ، لكن " طويلة لحاهم قصيرة أزرهم وذلك لأننا ندعوا الناس إلي إعفاء اللحية ونقوم بتقصير الملابس ، ثم بعد ذلك قال: رواه البخاري إسناد صحيح .طبعًا أي واحد يقول رواه البخاري أو مسلم بسند صحيح نعرف أنه جاهل علي الفور ، لأنه لم تجري عادة العلماء أن يذكر صحة الإسناد إذا عاد إلي الشيخين .الغريب في هذه المسألة أنه في البخاري ومسلم ذكر رقم الحديث وفي مسلم ذكر رقم الحديث ، فعادة الإنسان لا يتصور أن يبلغ السوء للإنسان أن يدلك علي الموضع لكي تذهب وتراجع ، لكن هم يعلمون أن أقل الناس هم الذين يراجعون ، أولًا ليس عنده صحيح البخاري ولا صحيح مسلم إذا فكر أن يراجع ، وإذا رأي الرقم يقول: لا يمكن أن يكون هذا كذاب ، فأي إنسان مبتدع أحذر وأبحث ورائه .فعندما يأتي علي خبر موسي بن عقبة ويقول بني مسجد علي قبر في زمان النبي - - ولم ينكر رسول الله- - ففي إقراره حجة .مثل أمس بعد ما انتهيت من الدرس واحد يكلمني ويقول: الآن هم يقولوا: أن أبو الهول كان موجود عندما دخل عمرو بن العاص مصر ، فلماذا لم يهدمه ؟ ، إذا دخول عمرو بن العاص في وجود التماثيل التي يضعوها الآن في المتاحف وغير ذلك ولم يهدمها عمر بن العاص دلالة على مشروعية هذا الكلام .نحن نريد أن نقول أولاً أبو الهول لم يقل أحد أن كان موجود أيام عمر بن العاص ، هم قالوا وأنا درست هذا الكلام أيام ما كنت أدرس الآثار ، أول ما انتهيت من الكلية وأجبرت على أنني أقرأ كتاب معين ، لكي أكون مرشد سياحي ، فقرأت أنهم استخرجوه من الرمل ، أي أن هذه العملية حديثة ، وكل التماثيل التي أخرجوها ، أخرجوها من الرمل ، ما بقي إلا الأهرامات .ويأتي الأسئلة الآتية:-
هَذِهِ الْأَهْرَامَاتِ كَبِنَاءِ مَا الْإِشْكَالِ فِيْهَا ؟ لا يوجد أي إشكال فيها ، وهذه رقم واحد ، الحاجة الثانية: من الذي أعلمه أن عمر بن العاص رآها ؟ وسلمنا أنه رآها ، ما لإشكال فيها ، سلمنا أن كان لها إشكال ، فلعله رأى أن لا يمسها لأنه دخل على قوم يعتقدون ملة غير الإسلام ، فلو أنها كانت مقدسة عند هؤلاء ، ولم تكن كذلك في الحقيقة وكان لها مكان عند هؤلاء ورأى من الحكمة أن لا يمسها كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- مع الكعبة ، قال لعائشة- رضي الله عنها- كما في الصحيحين وهو ممكن في دولة ولو فعل لم يجرؤ أحد أن يراجعه في حرف ، قال لعائشة:" لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم " .فلولا حدثان قريش بالكفر لأنها كانت تعظم البيت ، وربما ظن أحدهم وحاك في صدره أن هدم الكعبة ليس من تعظيم البيت ، وقد كان هذا مشعًا عند المشركين ، كان هذا في المسلمين ، لما أراد عبد الله بن الزبير أن يهدم الكعبة بناءً على هذا الحديث كما في صحيح مسلم ، لما أراد أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم ، جمع الناس جميعًا وقال بعد ما احترق البيت والله لو كان بيت أحدكم ما تركه حتى يجدده فكيف ببيت ربكم ، فأنا أريد أن أهدم الكعبة وأبنيها على قواعد إبراهيم ، فإني سمعت عائشة تقول كذا وكذا وكذا فأشيروا علي أيها الناس بن عباس قال: قد فرق لي فيها رأي ، أرى أن تترك أحجارًا أسلم الناس عليها ، أي لا تمسها .فقال والله لو كان بيت أحدكم ما تركه حتى يجدده ، وإني مستخيرٌ ربي ثلاثًا ، واستخار الله- عز وجل- وبعد ثلاثة أيام عزم على أن يهدم الكعبة طلع هو ومجموعة صغيرة فوق الكعبة لكي ينفضوا الأحجار ، المسلمون جميعًا تحاشوا أن يقتربوا من الكعبة ووقفوا جميعًا بعيدًا عن الكعبة لاعتقاد أنه ستنزل صاعقة من السماء تحرق هؤلاء الذين ركبوا ظهر الكعبة يريدون أن يهدموها ، فلما بدئوا ينقضوا أحجارها ورأى الناس أنه لم تنزل صاعقة أو غير ذلك ، كلهم اشتركوا وتتابعوا على نقض الكعبة حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم ، فإذا هي أحجار كأسنمة البخت ، فبناها عبد الله بن الزبير على قواعد إبراهيم كما كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يؤمل أن يبنيها .حتى جاءت خلافة عبد الملك بن مروان وقال: قاتل الله بن الزبير إنه يقول كذا وكذا ، الراوي الذي معه قال: يا أمير المؤمنين لا تقل هذا فإني سمعت عائشة- رضي الله عنها- تقول ذلك ، فسكت قليلاً ثم قال: لو سمعت هذا ما هدمتها ، لأنه هدم الكعبة وبناها مثل الأول ، لذلك الذي يذهب إلى الكعبة يجد حجر إسماعيل جانب الكعبة ، هذا الحجر كان داخل الكعبة ، كما كان على أيام النبي- عليه الصلاة والسلام- ، لما عبد الملك بن مروان هدم بناء الزبير وأعاده ثانية ، لذلك الذي يحتاج أن يصلي داخل الكعبة يصلي في الحجر ، لأن عائشة- رضي الله عنها- أرادت أن تصلي داخل الكعبة فقال لها النبي - - صلي في حجر في إسماعيل فإنه من البيت ، لذلك تجد جماعة يدخلون من فوق السور ويحاولون أن يصلوا داخل حجر إسماعيل ليكون بذلك صلى داخل الكعبة .فالنبي وهو ممكن لم يهدم الكعبة ، كذلك عمر بن العاص ، افترض أن عمر بن العاص عندما دخل وسأل ما هذه ، قالوا هذه الأهرامات والجماعة النصارى في مصر يعظموا الأهرامات وغير ذلك ، فتركها إلى حين ، وهذا الكلام على سبيل التدرج ، وإلا فإنه لا يوجد أي دليل على ذلك ، وهذا من جنس الذي يتكلم عن ختان الإناث ويقول بنات النبي لم يختتن ، ما الذي أعلمك أنهم لم يختنوا ؟ هل كنت موجود أم عندك خبر أنهم لم يختنوا ، ما هي الحجة ؟ الحجة أنه ليس معه حجة ، وهذا هو الموضوع كله ، لم يجد شيء يدل على أنهم اختن ، فلم يختنوا .والعلماء عندما يتكلمون عن هذا يقولون: نفي الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، كونك لا تجد فليس معناها أنه لا يوجد ، أنت لا تعرف كل حاجة ولا طوقت العلم من أطرافه فهذه هي نفس المسألة .الحاجة الثانية الذين يحتجوا بها:﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾( الكهف:21)، الذين غلبوا على أمرهم من هم ؟ أهل العلم ، لا إنهم هم أهل السيادة وأهل القرار ، وعادة نجد أهل السيادة وأهل القرار ليس لهم علاقة بهذه المسألة ، وأضف إلى ذلك أن هذا شرع من قبلنا ، وشرع من قبلنا هل هو حجة علينا ؟ لا ، لاسيما إذا وجد في شرعنا ما يرده وآخر كلام قاله النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا إني أنهاكم عن ذلك ، ألا إني أنهاكم عن ذلك ، ألا إني أنهاكم عن ذلك " ، قالت عائشة" فلولا ذلك لأبرز قبره ولكنه خشي أن يتخذ مسجدًا ".فيكون من الخطأ أن يقول القائل: الطواف بالقبور ليس شركًا ، لا ، الطواف بالقبور شرك لكن بحثنا في الذي يطوف أهو مشرك أم لا ؟ نحن نقول أننا لا نستطيع أن نحكم عليه بالشرك إلا بعد إقامة الحجة عليه وتعليمه .
القرشيون أو الكفار القدامى فيما يتعلق بالربوبية كانوا يعتقدون ربوبية الله- تبارك وتعالي- لكنهم قالوا:﴿ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾(ص:5) ، أي عجاب فيه ، تفرد بالخلق ، تفرد بالرزق ، تفرد بالإحياء ، تفرد بالإماتة ، مناسب أن يتفرد بالعبادة ، لو نحن نتكلم بالرأس ، لكن آلهة لم تخلق ذرة كيف تستحق العبادة ؟ الله- عز وجل- أقام الحجة على هؤلاء بما يعتقدونه من الربوبية أقام إلوهيته ، الحجة بإلوهيته عليهم بهذا ، أنظر في سورة النمل ، قال الله-عز وجل-:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ (النمل:60،59) ، كل ما ذكره الله- عز وجل- هذه مظاهر ربوبية ، خلق السموات والأرض ، إنزال المطر ، إنبات النبات ، والحدائق ذات بهجة ، كل هذا يعتقد القرشيون أو الكفار أن الله- عز وجل- هو الذي خلق ، ما شاركه أحد ، فقال لهم:﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ .كما في حديث بن عباس " لما قال رجل للنبي- صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله وشئت ، فقال له أجعلتني لله عِدلا " ، أي أجعلتني لله ندًا كما في الحديث الآخر .وفي بعض الأخبار في المناظرة التي جرت بين سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف الثقفي ، وهناك مناظرات لا تصح من جهة إسنادها ، وهناك مناظرات تصح وكلها مقرونة ببعضها .
الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ سَعِيْدٍ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَجَّاجُ بْنُ يُوَسُفَ الْثَّقَفِيُّ:قال له الحجاج: ما تقول فيَّ ؟ قال: إنك عادل قاسط ، فبعض الناس قالوا أن سعيد غير رأيه ، خاف من الحجاج وغير رأيه ويمدحه ، فكأنما تنامي هذا الكلام إلى سمع الحجاج ، فقال: مهلاً أيها الناس فإنه وصفني بأوصاف الكافرين ، إنك عادل ، قال:﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾(الأنعام:1) وأما قاسط ،﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾(الجن:15) ،هكذا فهمها الحجاج قال إنه ذمني أشد الذم إذ وصفني بأوصاف الكافرين .الله- عز وجل- يقول:﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ ، ﴿ أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾(النمل:61) ، كل ما ذكره الله هذه من تفاصيل الربوبية التي يقر بها المشركون ، ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾(النمل:62) ، أيضًا كل هذا مما يقر به المشركون .
أَقْوَىْ الْأَدِلَّةِ فِيْ الْمُنَاظَرَاتِ الْدَّلِيْلُ الَّذِيْ أَقَرَّهُ الْخَصْمِ :أنظر يأتي بما وهذا أقوى دليل في إقامة الحجة أن يقر معك الخصم على شيء فتأخذ من هذا الدليل الذي هو أقره حجة عليه ، وهذه لا يعرف أن يقيمها إلا أهل العلم النوابغ ، لذلك العلماء وهم يتناظروا ، يبدأ في تكسير دليل الخصم على مرحلتين ، أقوى المراحل المتأخرة وليست المتقدمة مثلاً: اثنان تناظرا في مسألة فيقول واحد منهم دليلك ضعيف ، الحديث ضعيف ، وهذا أيضًا حجة ، لكن قد يفاجأ أن الخصم قوى له الحديث بطرق لا أعرفها أنا ، فما قولك ؟ ممكن يوقفني ، لكن العادة مثل بن حزم مثلاً وكان بن حزم في المناظرة قوي جدًا في المناظرات ، تصور إنساناً واحدًا ينشر مذهبه على حساب كل علماء المالكية في الأندلس ولا واحد استطاع أن يقف له إلا أبو الوليد البادي لما رجع من رحلته إلى دمشق . وبن عبد البر كان رفيق بن حزم ، وكان يمشي معه فترة في الأول ، ثم تركه ورجع بن عبد البر ، ولا أقول رجع مالكيًا ، لكن بن عبد البر كان أعلم من أن يكون متمذهبًا ، بن عبد البر كثيرًا ما يوافق الشافعية في أصولهم وأحيانًا في فروعهم لأنه مجتهد ، لكن كان نفسه هادي جدًا جدًا ، لذلك تقرأ لابن عبد البر تجد نفسك مستمتع ،تقرأ لابن حزم تجد قلبك مضطرب ، عمله ثقيل يضرب ويدق وينقل الواحد من أعلى إلى الأرض وغير ذلك ، وأنت تقرأ في المحلى فعلاً تكون مشدود ، تحس أنك مشدود جدًا .
الْنُّصْحَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فِيْ الْمَحَلِّيَّ ابْنُ حَزْمٍ فِيْ بِدَايَةِ الْتَّفَقُّهُ:لذلك أنا لا أنصح أي أحد من إخواننا في بداية التفقه أن يقرأ في المحلى لابن حزم ، يجعل المحلي بعد ذلك ، هو كتاب مملوء بالعلم صحيح ، لكن يجعل المحلى فيما بعد ، لما ؟ حتى لا يتجرأ على العلماء والأئمة .القصد أن بن حزم هذا فرد واحد ،استطاع أن يقلب أو يجعل المذهب السائد في الأندلس المذهب الظاهري ، لماذا ؟ لأنه كان خريصًا في المناظرة .يقول بن العربي: كان إذا طالبهم بالدليل كاعوا ، أي وقع علي الأرض.
طَرِيْقَةِ بْنِ حَزْمٍ فِيْ الْمُنَاظَرَاتِ .أولاً: يقوم بتضعيف دليل الخصم .ثانيًا: يقول له سلمنا أنه صحيح فلا حجة لك فيه لأجل وحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، وسلمنا أنه صحيح هذه هي الأقوى ، يقول أنا سلمت معك بصحة الدليل لكن أنا أخالفك في فهم الدليل ويبدأ يأتي ببعض الوجوه الغريبة التي لا تخطر على بالك في تضعيف أدلة الخصم ، يكون أقوى شيء أنه إذا وافقك في الدليل إن أنت تبين له أنك لا تفهم الدليل .لذلك أنظر إلى هذه الآيات مع هدوء كلماتها كلام لا يقدر أحد أن يرده أبدًا لأن كل ما ذكره الله- عز وجل- من التفصيل هو الذي يقر به الكافرون، فيأتي السؤال:﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ ؟ ، وليس أرب مع الله ؟ لا ،﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ لأنهم يجهلون إلوهية الله- سبحانه وتعالى- وهي المتعلقة بالأمر والنهي ، المتعلقة بالحكم ، إن الحكم إلا لله ، أي لا يجوز لأحد أن يحكم حكمًا مع الله- عز وجل- ،حتى في باب الاجتهاد ، كل الأحكام التي جاءت عن طريق الاجتهاد إنما هي مردها في الآخر إلى الله- عز وجل- ، إما في دليل تقيس عليه ، وإما دليل تأخذ منه بدلالة المفهوم .أي لا تأتي بشيء من رأسك حتى في باب الاجتهاد ، إنما تؤسس الاجتهاد على النصوص الشرعية ، أو تقيس على النصوص الشرعية الواردة .قال الله- عز وجل- ﴿ أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾(النمل:64،63) ، هذا الكلام لو صادف إنسانًا منصفًا ، فليس له حل إلا أن يسلم ، كما قلت منذ قليل جبير بن مطعم دخل كافرًا ، ودخل لكي يفدي أسرى بدر من الكافرين وما خطر له أن يسلم سمع هذه الآيات من النبي- عليه الصلاة والسلام- ، فيقول: كاد قلبي أن يطير .لذلك القرءان المكي كله يخاطب القلب وأكثر أدلة التوحيد في القرءان المكي القرءان المدني تجد فيه هذا وذاك ، تجد فيه الأحكام الشرعية مبسوطة ، لكن التوحيد تجده أكثر في القرءان المكي والغالب علي القرءان المكي أيضًا قصر الآيات ، لا تجد الآية الطويلة ، الآية قصيرة وهذا يعين على التدبر لأن الكلام إذا طال تحتاج إلى أن تصل إلى أوله مرة أخرى ، لذلك العلماء قالوا إذا طالت الجملة ، تعود وتكرر منها كلمة مرة أخرى .مثلاً تقول:قال رسول الله ودخل عليه رجل وعقل بعيره وأتى فسلم عليه ، تعود وتقول: قال رسول الله- - مرة أخري ، لأن أول ما قلت في الأول قال رسول الله - أنت منتظر كمستمع تسمع الكلام مباشرة ، لا أتت جملة اعتراضية عبارة عن سطر أو سطرين ، فأنت نسيت قال رسول الله الأولى فتحتاج أن تكرر هذا الكلام مرة أخري لكي تعود به إلى المعني الذي بدأت به .لذلك كانت الآيات في القرءان المكي كانت آيات قصيرة لأن التطويل ممكن يجعل الإنسان ينسى يرجع مرة أخرى لأول الكلام .بن الجوزي- رحمه الله- يقول: ( كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ).لا يجلس ويفكر في النبات والشجر وغير ذلك ، حتى ببداهة العقل ، كما جاء واحد لأبي حنيفة ينكر وجود الله- عز وجل- وهذا الكلام ، فقال له: دعني الآن فإنني أفكر في أمر عظيم ، قال له: ما هو ؟ قال له: بلغني أن السفينة تأتي فترسو على بغداد وتحمل وحدها وتفرغ وحدها وتعود وحدها ، فقال له: ماذا تقول ؟ كيف يكون ذلك ؟ أن تحمل نفسها وتفرغ نفسها ، فقال له: أنت متعجب على سفينة تحمل وحدها وتفرغ وحدها وهذا الكون بأبراجه وأوتاده وكل ذلك لم يختل فيه شيء منذ خلق إلى الآن وتزعم أن ليس له صانع ,أي أن لهم كلام يشبه هذا ، الشافعي له كلام وأبو حنيفة له كلام في هذه المسألة فهؤلاء لا يقف مرة حتى ينظر في هذا الكون البديع ، لأنه لو نطر في هذا الكون البديع بن الجوزي يقول: ( ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ ).ونحن قلنا أن هذا متعلق بالإلوهية ، الحكم ، إن الحكم إلا لله .قال سفيان الثوري-رحمه الله-:وهذا من أبدع ما أقوله في هذا المعني ، لما أذكر إن الحكم إلا لله أذكر بجانبه كلام سفيان الثوري كان يقول: (إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل ) هل تستطيع أن تعملها ، لما تحب أن تحك هكذا ، هل معك دليل لهذا الفعل ؟ ممكن واحد يتعجب ، العبد يفعل هذا وأقل من هذا ، هذا
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 09-30-2010, 03:35 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

لو أتي بالعبودية على أصلها .لا تحك رأسك إلا بأثر معناها: لا تفعل أقل شيء إلا بنص ، مسألة الأوامر والنواهي هذه هي صورة العبودية وأثرها ، أنت عبد ، نعم عبد ، ما الدليل على أنك عبد ؟ أراقب الأوامر والنواهي ، هل الأوامر على درجة واحدة ؟ لا ، أنا أريد أن أرسم صورة عبد ، أرسم صورة عبد بماذا ؟ الأوامر على ثلاث أنحاء والنواهي على نحوين ، التي هي الأحكام الشرعية الخمسة كما يسميها الفقهاء والتي هى الوجوب أو الفرض على قول الجمهور والاستحباب أو الندب ،( الواجب والفرض) شيء واحد ،( الاستحباب والندب)شيء واحد ،( الإباحة)، ثم (الكراهة )، والحنفية يقولون كراهة تحريم وكراهة تنزيه ، والتحريم .الأحكام الشرعية لا تخرج عن خمسة إذا تعلق بالأمر تكون ثلاثة ، وجوب إباحة ، وإذا تعلق بالنهي ، تحريم وكراهة ، أنت تريد أن تكون عبد ، كيف تكون عبد في وسط هذه الأحكام ؟ ما الذي إذا عملته من هذه الأحكام نقدر أن نقول أنك عبد لله- عز وجل- ؟ ، وهذا ما سنذكره غدًا .
انْتَهَي الْدَّرْس الْثَّامِن
الْمُحَاضَرَة الْتَّاسِعَة
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( خَطَرَت لِي فِكرَةٌ فيمَا يجرِي علَى كَثيرٍ مِن العَالَمِ من المَصائبِ الشَّدِيدةِ و البَلَايَا العَظِيمَةِ التي تَتَنَاهَى إلى نِهَايةِ الصِعٌوبَةِ فقُلتُ: سُبحَانَ الله إن الله أَكرَمُ الأَكرَمِين والكَرمُ يُوجِبُ المُسَامَحة فَما وَجهُ هَذِهِ المُعَاقَبة ؟فَتفَكرتُ فَرأيتُ كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوَحدَانِية ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ بَل يَجرُونَ على عَادَاتِهِم كَالبَهَائِم ، فإِن وَافَقَ الشَّرعُ مُرَادَهُم وإِلَّا فَمُعَولَهُم عَلى أغرَاضِهِم ، وبَعدُ حِصُولِ الدينَارِ لا يُبَالُونَ أَمِن حَلَالٍ كانَ أَم مِن حَرَام ، وَإن سَهُلَت عَليهِم الصَّلاةِ فَعَلُوهَا وَإن لَم تَسهُل تَرَكُوهَا ، وفِيهِم مَن يُبَارِزُ بالذِنوبِ العَظِيمة مَع نَوعِ مَعرِفَةِ النَّاهِي ، ورُبمَا قَويَت مَعرِفَةِ عَالِمٍ مِنهُم وتَفَاقَمَت ذِنُوبَه فَعَلِمتُ أن العِقُوبَاتِ وإِن عَظُمَت دُونَ إِجرَامِهِم ، فَإِذا وقَعَت عُقُوبَةٌ لِتُمَحِصَ ذَنبًا صَاحَ مُستَغِيثُهُم: تُرَى هَذَا بِأَي ذَنب ؟ وَيَنسَى مَا قَد كَانَ مِمَا تَتَزَلزَلُ الأَرضَ لِبَعضِه وقَد يُهَانُ الشَّيخُ في كِبَرِهِ حَتَى تَرحًمَُه القُلُوب ، وَلَا يُدرَي أِنَّ ذَلِكَ لِإِهمَالِهِ حَقَّ الله تَعَالَى في شَبَابِهِ فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب .)



وكنا قد تكلمنا أمس عن تصفح أدلة الوحدانية ووقفنا في نهاية الكلام على الأوامر والنواهي ، فإنه لو عظم الآمر ما خالف أمره ولا تجاوز نهيه ، فيكون تنفيذ الأوامر والنواهي أنما هي فرع على صحة توحيده ، لكن النصوص تنقسم إلى قسمين الْنُصُوصِ الْشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قُرْءَانا أَوْ كَانَتْ سَنَةً تَنْقَسِمُ إِلَىَ قِسْمَيْنِ:-
القسم الأول: يسميه العلماء معقول المعنى .والقسم الأخر: يقولون أنه لا معقول المعني ,ومعنى معقول المعني: أي ظهرت الحكمة من تشريعه, ومعنى لا معقول المعني:أي لم تظهر الحكمة من تشريعه ، مع وجود الحكمة فيه ، لأنه لا يتصور أن يكون هناك أمرٌ إلا بحكمة سواء عرفت الحكمة أم لم تعرفها ,القسم الأول تقريبًا أغلب نصوص الشرع تنتمي إلى القسم الأول وهي معرفة الحكمة من التشريع وهو ما يسميه العلماء أيضًا بالعلة كقوله- صلي الله عليه وسلم- مثلاً لما جاءه بشير والد النعمان بن بشير- رضي الله عنهما- وقد أراد أن يخص النعمان بشيء فأبت امرأته وقالت له: لا حتى تُشهد على ذلك رسول الله- صلي الله عليه وسلم-" فجاء بشير وقال للنبي - إني أردت أن أُنحِل ابني هذا نُحلاً ن أي أعطيه عطية ، وجئت أُشهدك على ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام أكل ولدك أعطيت ؟ قال: لا قال: أشهد على ذلك غيري فإني لا أشهد على جَور " (أشهد على ذلك غيري ) الشاهد من الحديث: ليس إذنًا أن يشهد غير النبي- صلي الله عليه وسلم- لكنه أراد أن يقول له: ليس مثلي هو الذي يشهد على جور فإن شهد غيري فأنا لا أشهد ، وهذا معني الكلام ,وهذا كقول الله- عز وجل-:﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ(فصلت:40) ، مع عدم الترخيص بالكفر ، لأن الله عز وجل- قال:﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾(الزمر:7)، فليس معني قوله:-:﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْأن العبد حر أن يفعل ما يريد ، لا ، إنما هو تهديد ، كما تقول أنت لولدك الذي لا يسمع الكلام أنت حر ، أنت حر ليس معناها أن يفعل ما يريد ، إنما هذا خرج منك على سبيل التهديد أي أنك مسئول عن الجناية وأنت وحدك الذي ستتحمل العقوبة فهذا معني الكلام ,فيكون قد ظهر لنا علة هنا في هذا اللفظ " أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جَور " في اللفظ الآخر أن النبي - قال لبشير:" أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ " تريد أولادك هذا يبرك ، وهذا يبرك ، وهذا يبرك ،" قال: نعم ، قال:فاعدل بينهم " ، فظهرت علة أيضًا لماذا يجب على الوالد أن يسوي في الهبة بين الأولاد إذا كانت هبة مطلقة ، أن أعطى أموال في العيد ، فيسوي بين الأولاد في هذه الأموال ، بخلاف ما إذا خرجت الأموال من الوالد مساعدة للأبناء ، فيكون كل بحسب ,عندي أحد أولادي يسكن مثلاً في القاهرة ولنفترض أن هذا الولد له منصب كبير ، كأن يكون أستاذًا في الجامعة أو مثل ذلك ، وأراد أن يتزوج وخطب امرأة من المدينة ، فلما أردت أن أزوج الولد ساعدته بمائة ألف جنيه ، وعندي ولد فلاح يسكن في القرية أراد أن يتزوج ساعدته بعشرين ألف ، وكانوا له كفاية وزيادة ، وطبعًا بكل أسف المثل هذا لا ينطبق على الواقع ، اليوم في الفلاحين المهر أضعاف ، أضعاف المدينة لابد أن يحضروا ما يملأ ثلاث سيارات من الأواني الألومونيوم ، وكذلك غسالتين وغسالة أطفال ، وكلهم فلاحين ، لماذا تريدين غسالة الأطفال ، ماذا ستعملين بها ، تريد غسالة للكبار وغسالة للأطفال ، فهل لو وضعت ملابس الأطفال في غسالة الكبار ستقف ولا تعمل ، لا يلزم هذه وهذه ، لأن بنت عمها وبنت خالتها وغير ذلك ,بكل أسف في الأرياف أصبح عبء على الوالد الذي يزوج ابنته وليس على الرجل الذي سيتزوج ، لا ، على الوالد وربما في المدينة يسهلون قليلاً ، لكن سنفترض المسألة هكذا ، زوج ولده الفلاح بعشرين ألف والولد الذي هو أستاذ في الجامعة أعطاه عند ما أراد أن يتزوج خمسين ، ستين ألف ، هل يجب عليه أن يسوي ؟ لا ، هو أعطى لهذا كفايته بما يوافق العرف ، وهذا كفايته بما يوافق العرف ، ليست هذه هبة مطلقة ، إنما هذه هبة خرجت على سبب ، وهذا رضي وهذا رضي , مثل ما يقول العلماء في خدمة المرأة ، لو أن رجلًا متزوج بامرأتين ، واحدة من المستوي العالي التي تريد خادم وخادمة وامرأة أخري من الفلاحين وتشتغل شغل الفلاحين من حلب الجاموسة وغير ذلك . الأولي كانت في بيت والدها عندها من يقوم بخدمتها وعنها خدم وغير ذلك ، والثانية تعتمد علي نفسها.
فقال العلماء:خدمة البدوية ليست كخدمة الحضارية هذه لها خدمة ، وهذه لها خدمة المهم ، أنك ترضي الاثنين وقت هذه ترضيها وتكون مرضيه والثانية تكون مرضية مع بعد ما بينهما من النفقة لكن الرجل إذا أراد ابتداءًا أن يعطي أولاده هدية يجب عليه أن يسوي بين الأولاد .
الْعِلَّةُ مِنَ الْتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ عِنْدَ الْنَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ.:النبي - ذكر العلة في ذلك قال : " أتحب أن يكون لك في البر سواء ؟ قال: نعم ، قال: فأعدل بينهم " لأن التفريق في الهدية أو في الهبة المطلقة يوجب نفور قلب الأبناء ، الابن هذا يقول: أبي ميز عليَّ أخي ويبدأ في أن يحقد علي أخيه ، بكل أسف الآباء الذين ليس لهم بصر يتركون العداوة للأبناء ثم يموتون ، يأخذ الأرض يعطيها للأولاد الصبيان ويقول أن البنات لهم أزواج يصرفوا عليهم لكن الابن هو الذي يصرف علي الأولاد وغير ذلك من أمور أخري ، فيعطي الأرض للأولاد والبنات ، أو يعطي للبنات الفتات ويعطي باقي الأرض للأولاد الذكور ,يترك الحقد والحسد والغيرة ما بين الأبناء ويموت ، ما الذي استفاده هو ، لو كان سوي بينهم ؟ علي الأقل كان يترك الرحم موصولًا بين الأولاد وبين البنات ، فهذا نص معلل فيه علة .
مَالْحُكْمُ فِيْ إِبَاحَةِ زِيَارَةِ الْقُبُوْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ؟كذلك مثلًا قوله -: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور .فزوروها " لماذا ؟ " فإنها تذكر بالآخرة "، فهذا نص معلل ، ظهرت الحكمة من الإباحة بعد الحظر ، وأنت تعرف الحديث هذا بدأ بإباحة ثم بحظر ثم بإباحة يكون إباحتان وحظر ، لأن النبي - عندما يقول: " كنت نهيتكم " دل هذا علي أن إباحة سابقة ، ما الذي نهاهم عنه ؟ إنما نهاهم عن مباح " كنت نهيتكم " كان هناك مباح، ثم فيه نهي ، " فزوروها " هذه إباحة ثانية ,أكثر نصوص الشريعة تحت هذا النوع ،المعلل الذي ظهرت الحكمة من تشريعه إما نصًا ، وإما استنباطًا ، لأن العلة ممكن ألا تكون مذكورة ، لكن أنت تفهم العلة من هذا ، فتستنبط العلة ، غير النصين اللذان ذكرتهما العلة فيها مذكورة .
القسم الثاني:وهو لا معقول المعني : وهو الذي أمر به العبد ابتلاءًا ، قد يفهم العبد الحكمة منه وقد لا يفهم ، لكن هو مشتمل علي حكمة إذ لا أعلم في نصوص الشرع أمرًا كان المقصود منه امتثال الطاعة ولا يشتمل علي حكمة هذا غير موجود ، بل لابد أن يشتمل علي حكمة سواء عرفتها أو لم تعرفها لكن علي أي حال الظاهر منه الابتلاء ، يبتليك لينظر إلي طاعتك سوف توقف تنفيذ الأمر حتى تقول لابد أن أفهم ولا إذا ثبت الخبر تقول: سمعنا وأطعنا .
مثال ذلك: كأمر الله - عز وجل - إبراهيم أن يذبح ابنه ، فالمقصود هو تنفيذ الأمر وليس المقصود إمضاء المأمور به ، ما هو المأمور به ؟ ذبح إسماعيل هل هذا هو المقصود ؟ لا ، ليس هذا المقصود ، هل هو ذلك المأمور به بمعني أن ينفذ ؟ لا ، لأن هذا كما يقول العلماء أمر ابتلاء وليس أمر إمضاء ، إذ لو أراده الله - عز وجل - لمضي لكن الله - تبارك وتعالي - أبتلي إبراهيم - عليه السلام - بذبح ولده الوحيد آنذاك والذي جاء بعد طول انتظار ، وغير ذلك بلغ معه السعي أي بدأ يتبع أباه . أنت تعرف الولد الصغير الأب لا ينظر للولد الصغير حتى يبدأ أن يتحرك ويبدأ يعاكسه ، يمكن أحسن الفترات التي تستمتع بها الأم بالولد فيها طول ما الولد يرضع ، تكون الأم شديدة الالتصاق بالولد ، الأب عادة لا ينظر إلي الولد في هذا السن ، متى الأب يبدأ في النظر إلي الولد ؟ عندما الولد يبدأ أن يتحرك ، وبعد ذلك يجري ورائه ، عندما يذهب للباب يجري ورائه ويبدأ الأب في الهروب من الولد لابد أن يغيبوه يمين أو شمال لكي لا يلحق به لأنه متمسك به ، كل ما يأتي لكي ينزل يريد أن ينزل معه . يبدأ يحدث نوع من التعلق بين الوالد وبين الولد في هذا السن.
(فَبَلَغَ مَعَهُ الْسَّعْيَ) الْعُلَمَاءُ يَقُوْلُوْا عَلَيَّ قَوْلَيْنِ:-القول الأول :السعي هو سن ثلاث عشر سنة ، أربعة عشر سنة ، أي بدأ في السعي معه ويمشي ويذهب معه في قضاء الحاجات وغير ذلك .القول الثاني: بلغ معه السعي: أي بدأ يسعي ، يمشي ، مجرد أنه يمشي ,فأراد الله - عز وجل - أن يبتلي إبراهيم في محبة هذا الولد ، ألهذا الولد ركن في قلب إبراهيم- عليه السلام- أم لا ؟ ، فأمره بذبحه ، فلما امتثل كان خليلاً ، فما هي الخلة ؟الخُـلةُ: أن تتسلل المحبة إلى مسام القلب حتى لا يترك في القلب شيءٌ لغير المحبة وهي أعلى درجات المحبة أن يكون المرء خليلاً ، أعلى الدرجات على الإطلاق . مَتَىَ صَارَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلَا؟فصار إبراهيم- عليه السلام- خليلاً لما انتزعت محبة إسماعيل من قلبه فلم يبقى في قلبه غير ربه- تبارك وتعالي- ، فهذا أمر ابتلاء ، لذلك لما إبراهيم- عليه السلام- امتثل ، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ﴾(الصافات:103-105)، فما هو التصديق ؟ قولٌ ، أم قول وفعل ؟ قول وفعل بنص هذه الآية ، لماذا ؟﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾ هذا القول ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ هذا الفعل ، الذي يتكلم ولا يصدق قوله فعله فليس بصادق ، بعد ما القول والفعل ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾(الصافات:105-107) .فهذا أمر ابتلاء أم إمضاء ؟ فلو كان أمر إمضاء ما الذي يحدث كان ذبحه ، لأن أمر الإمضاء لا يتغير ، إذا أراد الله شيئًا إمضاءًا مضى ، مثل الأجل .
قِصَّةً مُوْسَىْ وَمَلَكِ الْمَوْتِ:وكذلك دليل من أدلة هذا البحث قصة موسى مع ملك الموت ، وهذا المعنى هو الذي سيحل الإشكال ، الإشكال الذي اعترض المعترضون على هذا الحديث حديث موسى وملك الموت في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- " أن النبي - قال:" جاء ملك الموت موسى- عليه السلام في داره فقال له أجب ربك ، فصكه موسى- عليه السلام- ففقأ عينيه ، فصعد ملك الموت إلى الله- عز وجل- وقال: إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه بصره وقال: أنزل لعبدي فقال له ء الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فلك بكل شعرة مستها يديك سنة ، فلما نزل ملك الموت وقال ذلك لموسى- عليه السلام- قال: أي ربي ثم ماذا ؟ فقال: الموت ، قال: فالآن " .الذين اعترضوا على هذا الحديث اعترضوا عليه من أوجه ، من بين هذه الأوجه: قالوا: أنه يعارض قوله تعالي:﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾(الأعراف:34) ، فإذا مكان ملك الموت نزل ليقبض روح موسى- عليه السلام- فلا يصح أن يقول له أنا لن أموت ، وكذلك يفقأ عينه ، ما هذا الذي يحدث هذا مناقض لكتاب رب العالمين والحديث إذا كان مناقضاً للكتاب فيقدم القرءان مباشرة ، منتهي اليسر ، ولا يفكر ولا يعمل فكره ولا يري العلماء قبله ماذا قالوا .هؤلاء الجماعة مصيبتهم أنهم لا يقرءون للعلماء إذ لا يعتدون بكلام العلماء ، ألف باء ، حديث رواه البخاري أرى الشرح للبخاري ماذا قالوا في الحديث ، وأناقش الكلام الذي قالوه ، لا ، اعتراضات وأهواء تدل على أنهم لم يقرءوا حرفًا مما قاله العلماء .
بن حبان- رحمه الله-: له كلام متين لما روى هذا الحديث ، قال فيه هذه القاعدة: قال:( إن الله- عز ووجل- أمر ملك الموت أن ينزل إلى موسى- عليه السلام- ابتلاءا لا إمضاءًا)وهذا واضح من سياق الحديث ، لما نزل في المرة الأولى قال له: أجب ربك ، ما معنى أجب ربك ؟ سلم روحك ، أي سأقتلك أو أموتك ، فلما واحد يجلس في بيته بمفرده والباب مغلق والشباك مغلق ، ثم وجد واحد في البيت يقول له سلم روحك ، فهذا كيف يتصرف معه ؟ تصرف معه موسى- عليه السلام- بمقتضى التوراة .ومقتضي التوراة: فقأ عين الناظر في بيتك بغير إذنك ، وهذا لا ينظر فقط ، لا هذا دخل الدار ، وحتى لم يدخل البيت وهو ساكت لكنه يريد أن يأخذ روحه ، فدفع الصائل مشروع ، ولذلك فقأ عينيه ، وملك الموت كما في مسند الإمام أحمد من وجه أخر عن أبي هريرة قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " كان ملك الموت يجالس الأنبياء عيانًا " ، فلما يكون ملك الموت- عليه السلام- يجلس مع موسى- عليه السلام- على طول ، أول لما يراه يعرفه أم لا ؟ يعرفه ، فوجد واحد لا يعرفه ، فلماذا نزل ملك الموت هذه المرة بصورة غير الذي اعتاد موسى أن يراه بها ؟ فهذا ابتلاء أم لا ؟ نوع من الابتلاء ,لذلك لما فقأ موسي عينيه وصعد إلى الله- عز وجل- رد الله عليه عينيه ، وطبعًا العين رد على الصورة وليس على حقيقة ملك الموت ، الملائكة لا ينزلون إلى الأرض ويجالسون بني أدم إلا في صورة آدميين كما كان جبريل- عليه السلام- يأتي النبي- صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ,فلما نزل المرة الثانية لم يفقأ عينيه ، لما ، لأنه نزل في الصورة التي هو تعود أن يراه بها، فلما نزل في هذه المرة وقال له: إن ربك يقول لك إن كنت تريد الحياة ضع يدك على متن ثور ، ففطن موسى- عليه السلام- مباشرة لأن الذي كان دخل عليه من قبل أنه ملك الموت ، لأنه ليس دون أن يكون أي مناسبة ، أو أن يكون هناك حدث سابق يقول له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فعلم موسى- عليه السلام- أن هذا كان ابتلاءًا ، ولهذا سلم في المرة الثانية .فهذا لما نزل وقال له: كلم ربك أو سلم روحك ؟ هذا أمر ابتلاء أم أمر إمضاء لو كان أمر إمضاء لما تأخر ، والأنبياء لهم خصوصية غير بني أدم كلهم ، أن النبي قبل أن يموت يخير بين الحياة والموت ، فلما نزل هذا على موسى وقال له: أجب ربك ولم يسبق تخيير ، فهذا مفتات عليه أم لا ؟ نعم مفتات عليه ، واحد لا يعرفه ويقول له أجب ربك ، من أين ذلك .وطبعًا حديث عائشة عن النبي - " ما مات نبي إلا خير بين الحياة والموت " ، وحديث أبي سعيد ألخدري في الصحيحين لما خطب النبي- صلى الله عليه وسلم- في الصحابة فقال:" إن عبدًا خيره الله بين زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده ، فبكى أو بكر وقال نفديك بآبائنا وأبنائنا يا رسول الله ، قال أبو سعيد فتعجبنا ، قلنا لما يبكي هذا الشيخ ؟ إن النبي- صلى الله عليه وسلم يخبر عن عبد خيره الله ، قال أبو سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله - هو المخير " ، ولما سمعت عائشة النبي- صلى الله عليه وسلم يقول:" إلى الرفيق الأعلى قالت إذًا لا يختارنا أبدُا " ، إلى الرفيق الأعلى أي علمت عائشة أن النبي - خير .اليوم لما نأتي ونتكلم في هذه المسألة ونرد على هذا الدليل:﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ نقول هذا أمر ابتلاء وليس أمر إمضاء .مثال ذلك: أيضًا حديث الثلاثة من بني إسرائيل وهو في الصحيحين أيضًا من حديث أبو هريرة- رضي الله عنه- ، حديث الأقرع والأبرص والأعمى وأنتم تعرفونه ، أراد الله عز وجل- أن يبتليهم ، ولذلك في الآخر لما الأعمى وفق وقال: خذ ما شئت ودع ما شئت فاليوم لا أرذءك اليوم شيئًا ، قال: أمسك عليك مالك ، فإن الله رضي عنك وسخط على صاحبيك ولم يكن المقصود أن يأخذ الملك شيئًا من أموالهم إذ لو كان أمر إمضاء لأخذ ، والقصة لم تكن قصة أن يذهب للأبرص ويقول له أعطني بقرة ، عابر سبيل أو رجل مسكين انقطعت بي الحبال ولا حيلة لي إلا بالله ثم بك ، فهل تعطيني بقرة ، على شك من إسحاق بن أبي طلحة في المال الذي تمول به الأبرص أهو الإبل أم البقر ، أبو إسحاق شك نفسه ، قال: لعله الإبل أو لعله البقر ، لكن الأبرص تمول الإبل ، والأقرع تمول البقر والأعمى تمول الغنم ,فلما يكون الأبرص عنده وادٍ من الإبل ويقول له أعطني ناقة واحدة فقط من المائة ألف الذي أراها ، فيقول له: الحقوق كثيرة ، ثم قال له: الملك استحلفه بالذي أعطاه اللون الحسن والجلد الحسن لكي يذكره إذا كان ينسي يذكره ، لما قال له: الجلد الحسن واللون الحسن ، فلم يتذكر شيئًا على عادة اللئام لم يتذكر ماضيه أبدًا ، أريد بقرة واحدة ، قال له: إن كنت كاذبًا صيرك الله كما كنت ،
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 09-30-2010, 03:36 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

هل الملك كان يريد بقرة ؟ ، لا لم يكن يريد بقرة ، ولا كان يريد من الأقرع ناقة ، أو علي العكس كما قلنا شك إسحاق بن عبد الله ، أو لم يكن يحتاج إلى غنمة من الأعمى ، إنما هذا كان أمر ابتلاء .أيضًا أحد أدلة هذه المسألة ، قصة طالوت﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾(لبقرة:249)، ما الذي حصل ؟ الذين شربوا نكلوا ونكثوا ورجعوا حتى كما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري لم يبقى مع طالوت إلا ثلاثمائة وأربعة عشر على عدة أهل بدر ، ثلاثمائة وأربعة عشر واحد من كتائب كانت كالجبال ، وأول ما شربوا أدركهم اليأس:و﴿ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ﴾ هؤلاء الثلاثمائة وأربعة عشر لما وقفوا في مقابل جالوت وجنوده ، وجالوت هذا كان اسم مرعب ، باعث على الرعب وكانوا عماليق كلهم ، فتخيل جالوت مع كتائب وألوف مؤلفة وكلهم عماليق أمام ثلاثمائة وأربعة عشر ، لذلك﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾ (البقرة:250)، لأن هذه المسألة تحتاج إلى تثبيت من الله ، ثلاثمائة وأربعة عشر في مقابل ألوف كما حدث يوم بدر أيضًا ، وهذا كان أمر ابتلاء وقع في الذين شربوا من النهر ,أيضًا من أدلة هذه المسألة لأن هذا الباب عزيز ، وأنا لماذا أطلت في أدلته لأن القسم الأول الأدلة عليه كثيرة ، من السهل جدًا أن تأتي بعشرات ، بل مئات النصوص المعللة ، إما أن تكون العلة علة مذكورة ظاهرة موجودة في النص ، وإما أن تكون العلة مستنبطة .
لكن هذا البحث الثاني هو الذي أدلته عزيزة قليلة ، لذلك أنا عنيت أن أبحث في أدلته وأرى أقوال أهل العلم فيها .من ضمن الأدلة أيضًا حديث البخاري:" أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لما قبل الحجر قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " وهذه كلمته المشهورة ، فما هي العلة هنا ؟ ، فهل هذا النص معلل ؟ العلة : الإتباع ، وهذا النص يصلح أن يكون في القسم الأول ويصلح أن يكون في القسم الثاني .يصلح أن يكون في القسم الأول المعلل لأن العلة الإتباع ، ويصلح أن يكون في القسم الثاني من باب لما جاء الإسلام كان القرشيون يعظمون الحجارة ، يعمل منها صنم ثم يعبده ، فكان المناسب أن يكون هناك حجر معظم سدًا لذريعة الشرك ، لكن الرسول - قبل الحجر فصار حجرًا معظمًا .
أن لو أردت أن أضع الحديث في القسم الثاني ، أقول أن، عمر- رضي الله عنه لم يعلم علة يستسيغها العقل لتقبيل حجر ، لذلك قال:" إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع " ، ( لا تضر ولا تنفع ) هذه لها دلالة ، ما هي الدلالة ربنا سبحانه وتعالى لما نعى علي هؤلاء قال:﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ(الفرقان:55)، أليس كذلك ، أي أن من خصائص الإله أن يضر وينفع ، وهذه تحتها استفهام ممكن بعض الناس يستشكله ,أنا أعبد من ينفعني هذه مقبولة ، لكن أعبد من يضرني ، كيف يكون ذلك ،.
الضرر هنا جاء على قسمين:المعنى الأول: يضر عدوي لصالحي كما قال ربنا- عز وجل-:﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾(الأنعام:45) ، هذا هو المعني الأول,المعني الثاني:يضرني لصالحي ، مثل ما يكون واحد نوى أن يعصي الله- عز وجل- وانعقد قلبه- ونوى أنه سيذهب ، فأصابه بالكساح فلم يذهب أو أمرضه وألزمه السرير وربما سبق في علم الله- عز وجل- أنه لو كان صحيحًا لتمادى في العصيان ، فأصابه بالكساح حتى يلقى الله- عز وجل- بلا ذنب ، ولم يرتكب مثلاً مثل هذا الأمر والعظيم أو ابتلاه بالصمم لأنه لو ظل يسمع كان ممكن أن يلقى عليه شبهات أخرجته من الدين ، مع أن هذا الصمم شيء عظيم بالنسبة للإنسان .أو ابتلاه بالبكم عدم الكلام حتى لا يخوض في الغيبة والنميمة ربما كان أشعل الدنيا نارًا بكلمتين سيقولهما ، لكنه أصابه بالبكم حتى يلقى الله- عز وجل- وهذا الباب مغلق عنه ، كما ورد في بعض الأخبار أن الله- عز وجل- يقول للفقراء يوم القيامة:" والله ما زويت عنكم الدنيا إلا لكرامتكم عليَّ " ، أفقره لأنه لو فتح له باب الغني سيمشي فيه ويضل والشهوات تركبه ، فأفقره ليلقي الله بوجه أبيض .وهذه مشاكل عند العبد ، ويكون حزين أنه أصم أو فقير أو مريض أو غير ذلك ، حزين من هذه المسألة .
لَكِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمَرْءِ لَا يَعْرِفُ عِمَّةً الْبَلَاءِ إِلَّا إِذَا انْجَلَى : طول ما هو في البلاء يتجرع العلقم ويتألم ويتعب ويريد أن يخرج منه ، أول ما يمر من البلاء يقول سبحان الله ,وأنا أقول لكم شيء حدث لي ، وأنا كنت في بداية الطلب كنت فقيرًا ، لم يكن معي أي مال وكان مرتبي خمسة وخمسين جنيه ، وهذا الكلام كان خمسة أو ستة وثمانون ، أي من قريب ، وكنت أدفع خمسون جنيهًا قسط الشقة التي كنت ساكن فيها وكان يتبقى معي خمسة جنيهات وهذه الخمسة كانت مصاريف الشهر بالنسبة لي ، أنا أريد كتاب ، ولا أجد فلوس لأشتري كتب ، فكنت أذهب وأنسخ الكتب بيدي ، شرح معاني الآثار للطحاوي نسخت نصف الجزء الأول ، وهذا النصف الذي نسخته أكاد أكون أحفظه حتى اليوم ، وبعد أن أكرمني الله وصار معي فلوس أذهب إلى معرض الكتاب وأشتري بالعشرة أو الخمسة عشر كرتونة .فيه كتب أنا اشتريتها منذ خمس سنوات لم أنظر فيها حتى اليوم ، لماذا ؟ شهوة العلم تجعلني أشتري كتاب لا أحتاجه الآن ، لكن أقول ربما أحتاجه ، يأتي بحث من الأبحاث أو أحقق كتاب ويأتي لي بحث أحتاج إلى هذا الكتاب ، فيكون عندي ، أنا لم أستعمله أورثه لأولادي احتمال ولد من الأولاد يتخصص في اللغة أو, في غوامض اللغة يجد الكتاب ، تصور أنا لو غني وأنا معي فلوس من الأول وكل ما أدخل على المعرض أشتري بالعشرة أو الخمسة عشر كرتونة ، هل سأقرأ شيئًا ؟ لا لن أقرأ شيئًا ، فيكون الفقر نعمه أم لا ؟ نعم كان مؤلم ,وكان الواحد إذا دخل المكتبة يقف ويتحسس الكتاب ويحتضنه ويصعب علي أن أتركه ، خاصة الكتب التي كانت تطبع في مجمع اللغة العربية بدمشق ، وكانت كتبًا نفيسة ، لاسيما الأجزاء التي طبعها المجمع من تاريخ دمشق لابن عساكر .
قَيِّمَةٌ كِتَابِ تَارِيْخِ دِمَشْقَ لِابْنِ عَسَاكِرِ:وهذا الكتاب تاريخ دمشق لابن عساكر كان أمنية الأمنيات بالنسبة لي ، أخلع عين وأحصل على تاريخ دمشق لابن عساكر ، لماذا ؟ لأن الكتاب مملوء بالذهب ، يحتاج أن يقرأه المرء من أوله إلى أخره ، وهذا الكتاب مطبوع في ثمانين مجلدًا,حياة العلماء كل من وضع قدمه ولا يلزم أن يكون دمشقي أو, من أهل دمشق لكي يترجم له ، لا ، من اجتاز دمشق ومر لكي يذهب إلى بلد أخري يترجم له ، كل حاجة وصلت لابن عساكر- رحمه الله- وضعها في هذا الكتاب ، من أخبار صاحب الترجمة وغير ذلك وكان طبع أجزاء معينة ، فكنت أخذ تاريخ دمشق وأنا أدور في المكتبة وأنا أتفرج على الكتب وهو في يدي ، كان يصعب عليَّ أن أتركه ، وفي الآخر أضعه على المنضدة وأودعه بقلبي وإلى اللقاء ثم أذهب وأعود إلى المكتبة مرة أخري ,وطبعًا أريد أن أكتب ولكن خائف من صاحب المكتبة ، لو جلست ومسكت الكتاب وأخذت أنسخ ممكن يطردني أو يضربني أو يقول لما أتيت إلى هنا وغير ذلك ، وأنا لم أعرف حقيقة هذه النعمة إلا بعد أن تجاوزتها ، فدائمًا الإنسان وهو في قلب العاصفة دائمًا في ضجر ويريد أن يخرج من الذي هو فيه ,كنت وأنا أعمل في البقالة وكان الأولاد الذين يلعبون بالموتوسيكلات ويقومون برفعها من أمام لأعلى كالماعز ويتناطحون بالكاوتش ويضرب صاحبه وغير ذلك ، وأنا كان نفسي في دراجة أذهب بها من السكن إلى البقالة ، لأنني كنت أركب ثلاث مواصلات ، أذهب من الجبل الأخضر إلى العباسية ثم إلى مدينة نصر ، وطبعًا هذه المواصلة كانت مشكلة ، كنت أقضي فيها حوالي ساعتين في المواصلات .فقلت سبحان الله لو عندي موتوسيكل مثل هذا كنت ذهبت في خمس دقائق ووفرت وقتي ، فأنا أريد أن أقول لك أن الإنسان لما يتجاوز المحنة يعرف فضلها .
فَائِدَةٌ :أُرِيْدُ أَنْ أَقُوْلَ أَنْ الْعَبْدَ إِذَا ابْتُلِيَ ابْتِلَاءا مَا هُوَ ضَرَرٌ بِالْنِّسْبَةِ لَهُ لَكِنَّهُ إِذَا أَحْسَنَ الْظَّنَّ فِيْ رَبِّهِ انْقَلِبُ نِعْمَةَ.
فيكون من خصائص الإله أن يضر وينفع ، حتى يظن الإنسان المؤمن نفسه بما يظن هو أنه ضرر ، لكنه ليس في الحقيقة كذلك .
عمر بن الخطاب يقول: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع " ، فهذه إشارة أن هذه الحجارة كانت تعبد أم لا ؟ وأنها لا تضر ولا تنفع ، لا تضر صاحبها ولا تنفع صاحبها ، فما الذي يجعلني أقبل الحجر مع علمي أنه لا يضر ولا ينفع ؟ هو المتابعة ,فهذا الدليل ممكن أن أضعه في القسمين ، أضعه في القسم الأول على أساس أن العلة هي الإتباع ، وأضعه في القسم الثاني لأنه ليس هناك علة عقلية ، إنما أستطيع أن أرجع إليها تقبيل الحجر مع هذا التفصيل الذي ذكرته .مدخلنا إلى الأمر والنهي ، والكلام بخصوص الأمر والنهي كثير ، ولذلك نحن نطول هذه المسألة لماذا ؟ لأنه إذا صح وقوفك على الأمر والنهي صح توحيدك ، وصح إخلاصك في توحيدك ، فأنا عندي النصوص قسمناها إلي قسمين .
نأتي على مسألة الأوامر والنواهي ، النصوص الشرعية كلها لا تخرج عن خمسة أقسام التي أنهينا بها الدرس الماضي التي يسميها العلماء علماء الأصول.
الأحكام التكليفية الخمسة:-الوجوب ** والاستحباب ** والإباحة ** والتحريم ** والكراهة, كل أمر إيجاب في الشريعة في مقدور العبد أن يفعله ، الذي ممكن أن العبد لا يقدر أن يعمله هو بعض المستحبات ، لكن متى يستطيع العبد أن يفعل كل مستحب يصادفه ؟ إذا صح تنفيذه للوجوب ، لذلك بعض الأخوة لما كان يقول لي أنا يئست من نفسي ، لماذا ؟ أقرأ في ترجمة واحد من العلماء مثل سفيان الثوري أو أحمد بن حنبل وأحاول أن أعمل مثله ، هما يومان أعمل مثله ثم أجدني تركت الموضوع .كيف كان هؤلاء العلماء يعملون كل هذا ، وأنا لماذا لا أقدر أن أعمل هذا الكلام ؟ لأن أنت لما تريد أن تقلد سفيان ، قلدت سفيان بعد ما استوي وليس سفيان الذي عمره ثلاثة عشر سنة ، ولا هو سفيان الذي عمره خمسة أو سبعة عشر سنة ، ما نقل عن سفيان ولا غيره من العلماء ، ما نقل عنهم الأقوال ولا الأحوال إلا بعد ما صاروا أئمة ونظر إليهم وأشير إليهم ، حينئذً نقلت أقوالهم ونقلت أحوالهم ، أي استووا ,سفيان لم يصل إلى هذه الحالة إلا لما نفذ الواجبات على وجهها ، فلما نفذ الواجبات على وجهها سهل عليه فعل المستحبات ,لكن أنظر أنت إلى نفسك هل أديت الواجبات صحيحة وأتيت بها على وجهها ؟ ، لا ، لم تأتي بها على وجهها ، فكيف تريد أن تعمل المستحب ، طبعًا لابد أن يخونك المستحب .
وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قَدْرٌ الْمَرْءِ فِيْ الْمُسْتَحَبِّ وَلَيْسَ فِيْ الْوَاجِبِ:في مسائل الورع تعرف قدر العبد وتعرف صبر العبد وهذا طبعًا واضح في الحديث الشهير المعروف الذي نحفظه جميعًا عن النبي- صلي الله عليه وسلم- عن رب العزة- تبارك وتعالي- :" من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب " ، وانتبه إلى هذا الترتيب " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضه عليه" ، وهذا هو القسم الواجب ونحن قلنا في المرة الماضية الواجب والفرض في مصطلح جماهير العلماء شيء واحد .عند الحنفية مختلف ، الفرض: ما ثبت بدليل قطعي ، والواجب: بدليل ظني ، الفرض: منكره كافر ، والواجب ليس كافر ، وعندهم تفريقات وطبعًا فيه آثار مترتبة على هذا التفريق ما بين الفرض والواجب ، عند سائر جميع العلماء الفرض والواجب شيء واحد .أول شيء الواجب " ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضه عليه "" ولا يزال " فيكون المفترض أنه فعل كل الذي فرضه ربه عليه ، طالما أنه يريد أن يصل إلى درجة المحبوبية يفترض أنه عمل كل حاجة ، الفرض كله نفذه صح ، إذا نفذ الفرض صح ، يأتي القسم الثاني " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته "
هناك حبان:-الحب الأول: وهو الناتج عن فعل الفرض وامتثاله كم أمر ، هذا ينقله تلقائيًا إلى المرتبة الثانية التي هي النوافل " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " ، ونضرب مثلاً لتقريب هذه المسألة ولله المثل الأعلى . أنت رجل مدير عام صاحب مؤسسة ومعك ملايين وعندك ألوف العمال ، فيه خادم لمكتبك ، أنت تأتي تعمل بخمسمائة جنيه في الشهر ، والمطلوب منك واحد ، اثنين ، ثلاثة، أربعة ، فنفذ هذا الكلام بالضبط مثل ما هو يريد لكن كان هو خادم ذكي ، ووجد من خلال معاشرة صاحب الشركة أنه رجل يحب البخور ، يحب الرائحة الطيبة ، فمن غير أن يقول له أتى بالبخور وأشعله ويحب الورود الصناعية يمين وشمال وغير ذلك ويضع له هذا هكذا وهذا كذا دون أن يقول له وعمل هذه القصة . في المرة الأولي عندما نفذ الذي فعله ، لو الرجل ذهب لطلب علاوة وقال له أنا أريد علاوة أنا أعمل بجد وغير ذلك ، ما الذي سيقوله له ؟ أنت أتيت علي هذا المرتب ، والذي أمرتك به تفعله وأنا لم أقصر معك وأعطيك مرتبك فليس لك عندي شيء ، لكن لما هو أحرق له البخور ورتب له الورد وغير ذلك ، هل هذا يفهم أم لا ؟ هذا يفهم ، فيكون أخذ شيئًا زائدًا ، هذا الشيء الزائد لو ذهب وقال له أعطني علاوة أو أي شيء أخر هل سيعطيه أم لا ؟غاب علي أساس أنه مريض أو عنده عذر أنه يغيب ، يسمح له أم لا ؟ يسمح له ، هذا هو الحب .القسم الثاني: هذا الذي هو فعل المستحبات هذا الذي يوصل العبد ، ولذلك قال الله- عز وجل- " فأن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ..........إلي آخر الحديث " .
الْعَبْدُ لَا يَصِلُ إِلَيَّ دَرَجَةً الْمَحْبُوْبِيَّةِ فِيْ الْنَّوَافِلِ إِلَا إِذَا أُتِيَ بِالْفَرَائِضِ عَلَيْ وَجْهِهَا: فأنت لماذا ينفسخ عزمك إذا أحببت أن تقلد صحابيًا من الصحابة أو تقلد عالمًا من العلماء ؟ وتريد أن تنقل من حياته إلى حياتك ، لماذا تفشل ؟ لماذا ينفسخ عزمك ؟ لأنك لم تؤدي الفرض كما أمرت ، جرب أن تأتي بالفرض على وجهه فيسهل عليك الإتيان بالنافلة ، وفي نفس الوقت لا تيأس لأن الذين تقرأ عنهم في التراجم ما نقلت أحوالهم وأفعاهم إلا بعدما صاروا أئمة ، وأنت لا زلت في أول الطريق . فليس من المعقول وأنت في أول الطريق تكون مثل سفيان أو تقف مثل أحمد أو كالبخاري وهو يصلي لدغه ذنبور سبعة عشر مرة ، أنت لو جاءت لك بعوضة لو البعوضة موجودة أنت ستراقبها وقبل أن تأتي إليك تهز رجلك لكي لا تأتي ، هذا لم يتحرك البخاري وهذا طبعًا ثابت وإسناده صحيح ، وإسناده عالي أيضًا ، لأن الذي روى هذه القصة محمد بن أبي حاتم الوراق ، وراق البخاري في كتابه شمائل البخاري الذي ينقل منه الذهبي على طول ، فسبعة عشر مرة هذا الدبور يلدغ البخاري ولا يتحرك البخاري ,فأنا متى أصل إلى هذه الدرجة وأنا لازلت في مطلع حياتي وخائف من البعوضة تأتي إلي وغير ذلك ، وحتى أصل إلى دبور محترم يأتي وتكون لدغته شديدة وقوية مثل دبور البخاري هذا ، أنظر لما أصل وأقف هذه الوقفة .البخاري تعود طوال حياته أن ينفذ النصوص ، لم يكن جماعًا للكلام ، كان يسمع وينقل وكان يتدين البخاري وسائر الأئمة الذين لهم لسان صدق في الأمة كانوا يتدينون بما يروون .جابر بن عبد الله الذي في مسند الإمام أحمد لما الرجل المشرك جاء ، الصحابة غزوا غزوة وأخذوا امرأة رجل مشرك ، الرجل المشرك جاء وقال أين امرأتي قالوا له المسلمون جاءوا وغاروا علينا وأخذوا امرأتك ، فأقسم أن يريق في أصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم- دمًا ، وصار يمشى كالمجنون وقال أين هم ؟ ، أين هم ؟ .
المهم الصحابة كانوا وصلوا إلى مرحلة معينة من الطريق ودخل الليل عليهم ، فالنبي- - قال: من يكلؤنا ، فقال واحد من المهاجرين أنال ، وقال واحد من الأنصار أنا الصحابة سينامون وهؤلاء هم ربيئة القوم هم الذين سيسهرون يحرسون الصحابة فقال المهاجري للأنصاري وأظن أن الأنصاري كان عباد بن بشر والمهاجري كان عمار بن ياسر إن لم تخونني الذاكرة ، المهاجري قال للأنصاري تكفيني أول الليل أو أكفيك أخره ؟ فقال له: لا اكفيني أخره .وقف الأنصاري لكي يصلي والرجل المشرك أخذ يبحث فوجد واحد يقف هو وقف يصلي ، فلما وجده يقف قال هذا هو ربيئة القوم ، فرماه بسهم ، فنزل السهم في جسم عباد بن بشر ، فذهب وشد السهم منه ثم ورماه به مرة أخرى ولم يتحرك ، حتى كان الأنصاري يموت دمًا ، أول ما أحس الأنصاري وخاف أن يكون وراء هذا المشرك الجيش قادم فيصبح المسلمين وهم نائمين تعجل في الصلاة وأيقظ المهاجري عمار بن ياسر ، فلما رآه يموج دمًا قال له حصل كذا كذا كذا ، فقال له لما لم توقظني ، قال كنت في سورة فأحببت أن أتمها ، والله لولا أنني على ثغر من ثغور المسلمين ما خرجت من صلاتي ولو خرجت روحي ، كلام معناه هكذا .هذا نفس الكلام السابق البخاري لما يروي مثلاً خبر مثل هذا الخبر ويحاول أنه يتصبر فيه مع أشياء أخري مثل استجماع قلبه ، وإذا استجمع المرء لقلبه نزعت قوة الجارحة كما هو معروف عند أهل العلم .
انْتَهَي الْدَّرْس الْتَّاسِع

الْمُحَاضَرَة الْعَاشِرَة
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( خَطَرَت لِي فِكرَةٌ فيمَا يجرِي علَى كَثيرٍ مِن العَالَمِ من المَصائبِ الشَّدِيدةِ و البَلَايَا العَظِيمَةِ التي تَتَنَاهَى إلى نِهَايةِ الصِعٌوبَةِ فقُلتُ: سُبحَانَ الله إن الله أَكرَمُ الأَكرَمِين والكَرمُ يُوجِبُ المُسَامَحة فَما وَجهُ هَذِهِ المُعَاقَبة ؟ فَتفَكرتُ فَرأيتُ كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ بَل يَجرُونَ على عَادَاتِهِم كَالبَهَائِم ، فإِن وَافَقَ الشَّرعُ مُرَادَهُم وإِلَّا فَمُعَولَهُم عَلى أغرَاضِهِم ، وبَعدُ حِصُولِ الدينَارِ لا يُبَالُونَ أَمِن حَلَالٍ كانَ أَم مِن حَرَام وَإن سَهُلَت عَليهِم الصَّلاةِ فَعَلُوهَا وَإن لَم تَسهُل تَرَكُوهَا ، وفِيهِم مَن يُبَارِزُ بالذِنوبِ العَظِيمة مَع نَوعِ مَعرِفَةِ النَّاهِي ، ورُبمَا قَويَت مَعرِفَةِ عَالِمٍ مِنهُم وتَفَاقَمَت ذِنُوبَه فَعَلِمتُ أن العِقُوبَاتِ وإِن عَظُمَت دُونَ إِجرَامِهِم ، فَإِذا وقَعَت عُقُوبَةٌ لِتُمَحِصَ ذَنبًا صَاحَ مُستَغِيثُهُم: تُرَى هَذَا بِأَي ذَنب ؟ وَيَنسَى مَا قَد كَانَ مِمَا تَتَزَلزَلُ الأَرضَ لِبَعضِه, وقَد يُهَانُ الشَّيخُ في كِبَرِهِ حَتَى تَرحًمَُه القُلُوب ، وَلَا يُدرَي أِنَّ ذَلِكَ لِإِهمَالِهِ حَقَّ الله تَعَالَى فشَبَابِهِ فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب .)وكنا وقفنا في المرة الماضية عند قول الله تعالي في الحديث الإلهي عند البخاري وغيره :" من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضته عليه " وكان هذا الكلام فرعًا على كلامنا عن الأحكام الشرعية الخمسة ، لما قلنا أن الأحكام إما في باب الأوامر ، إما أن تكون واجبة أو مستحبة أو مباح ، وفي باب المناهي إما أن تكون حرامُا أو مكروهًا
فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَنْبَغِيْ عَلَىَ الْعَبْدِ أَنْ يُرَاعِيَهِ هُوَ مَا افْتَرَضَهُ الْلَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ: وليس هناك أمرٌ علي على سبيل الفرض يعجز العبد عنه إذا كان كامل الأهلية ، إنما قد يعجز عن بعض المستحبات ، لأن باب المستحبات أوسع بكثير من باب الواجبات ، وفي باب المستحب بعض الأوامر التي قد يعجز المرء عن تنفيذها لظروف خاصة ملمةٍ به ، كحديث أبو هريرة في صحيح مسلم والذي ذكرناه أكثر من مرة " أن رجلاً قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني ، أحسن إليهم ويسيئون إلىَّ ، أحلم عليهم ويجهلون عليَّ ، أعطيهم ويمنعونني ، قال: إن كنت كذلك فإنما تسفهم المل _، أي: الرماد الحار_، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك " .منذ عدة أيام اتصل بي إنسان يشكي لي مشاكل بينه وبين إخوانه والقطيعة بينهم منذ ثماني سنوات وأنه حزين أنه لا أحد يزوره لاسيما في رمضان وغير ذلك ، دخلت له في هذه المعاني وأتيت له بهذا الحديث ، وكل ما أحضه على المسامحة يقول لا أقدر ، أقول له وأنا أكلمك قاربت من البكاء ، من كثرة الكلام ، وأنت لازلت إلى الآن تقول لا أعرف ، ويقول عملوا معي كذا وكذا وكذا ، يا بني اسمع الكلام وافتح أذنك وأنا أكلمك ، وظللت معه حوالي ثلث ساعة ، ثم في الآخر قلت له يا أخي لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وأنا لا أستطيع أن أصل معه لحل ,فيه ناس كنت عندما أذكر هذا الحديث كانت تنفك المشكلة ، وفيه واحد لا يسمع الكلام فلا أستطيع أن أعمل له شيء ، وربنا- عز وجل- في القرءان ما ذكر عدلاً إلا ذكر بعده إحسانًا﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ (النحل:90) ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ (النحل:126) ، هذا هو العدل﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾(النحل:126) ، وهذا هو الإحسان﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾هذا هو العدل﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾(الشورى:40) .كل عدل يعقبه إحسان ، لماذا ؟ لأن الله يحب الإحسان وكتب الإحسان على كل شيء كما قال -:" أن الله كتب الإحسان على كل شيء ، إذا قتل أحدكم فليحسن القِتلَة وإذا ذبح فليُحسن الذِبحَة وليُحِد أحدكم شَفرَتهُ ولِيُرِح ذَبيحَتَه " ، وصل الإحسان إلى هذا الحد مع ذبح الأنعام التي أبيح لنا أن نأكلها ، حتى الرسول- - يقول:" لا تتخذوا الدواب كراسي " ، هذا من الإحسان ، تركب الحيوان يجوز وتمشي به يجوز لكن إذا وقفت لتري نفسك ساعة من الوقت فلا تجعلها كرسي انزل على الأرض ، وهذا أيضًا من باب الإحسان
لَا يَجُوْزُ أَنْ يَهْجُرَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فِيْ الْدُّنْيَا فَوْقَ ثَلَاثٍ:وتكلمت بما فتح الله به ومع ذلك لم أستطيع أن أهزه أو أحركه ، هذا في المستحبات الواجب عليه ألا يقطع رحمه ، لأن النبي- قال:" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" ، وهذا في الخصومات في الدنيا ، أما الخصومات في الدين فيجوز أن تهجره إلى أن يموت أو إلى أن تموت مختصمين علي شيء في الدنيا هي ثلاثة أيام فقط ، وتقطع هذا الخصام بالسلام لو اتصلت عليه وقلت له السلام عليكم ، ما أخبارك ؟ ثم جعلته خلف ظهرك فبذلك يكون انتهى الخصام وعملت ما عليك وقطعت الخصومة بالسلام .
الْهَجْرُ فِيْ الْدِّيْنِ غَيْرُ مُحَدَّدٌ الْمُدَّةِ :أما الخصومة في الدين ممكن أن تواصل كما هاجر النبي- كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي في حديث غزوة تبوك هجرهم خمسين ليلة ، هذا إنسان مبتدع وأنت بذلت جهدك وكل ما تستطيع وأحسنت إليه وهو لا يرجع ومصر أن يكون مبتدعاً أو رأسًا للبدعة وغير ذلك وظهر لك أن تهجره ، فيجوز أن تهجره لله ويكون أكثر من ثلاثة أيام ,فهذا نص ، إذا تجنبت الخصومة أكثر من ثلاثة أيام فهذا نص أنت تستطيع أن تفعله ، واحد آخر لا يستطيع أن يفعله ، باب المستحبات واسع جدًا ولا يحيط بكل نصوصه إلا نبي ، لا يعمل كل الواجبات على وجهها وكل المستحبات على وجهها إلا نبي ، لأنه ما من أحد من كما قال الشافعي- رحمه الله- إلا وتعذب عنه سنة لرسول الله ، ممكن تغيب عنه السنة أو يعجز عن فعلها ، أو ممكن يخرج عن طوره ، حتى الرجل الفاضل ممكن يخرج عن طوره ، وقد يتكلم بكلام قد يندم عليه بعدما يهدأ كيف حصل منه مثل هذا .
مَا يَنَالُ بِهِ الْمَرْءُ أَوَّلَ الْحُبَّيْنِ:كل الفرائض مطاقة ومن أتي بالفرائض علي وجهها في حدود استطاعته وبذل أقصى ما عنده نال أول الحبين" وما تقرب عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضه عليه " إذا فعل هذه الواجبات على وجهها أخذ الحب الأول ، وهذا الحب الأوليفتح له الباب إلي النوع الثاني من الحب ، " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يبصر به وسمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها .......إلى أخر الحديث " .
عُنْوَانُ الْعُبُوْدِيَّةِ:تنفيذ الأوامر والنواهي هذا هو عنوان العبودية ، الذي يقف عند حدود الأمر أو عند حدود النهي ، فهذا هو الذي حقق العبودية على أصلها ، وتعرف العبد في لحظات الغضب ، تعرف دينه في الغضب ، أنظر إلى الحديث في صحيح البخاري الأحنف بن قيس لما قال له عمه الحر بن قيس قال له إن لك وجه عند هذا الأمير فأدخلني عليه ، فدخل عليه أول ما دخل نظر إليه وقال: "هيه يا بن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فهم به عمر ,فقال له الأحنف بن قيس ، يا أمير المؤمنين إن الله- عز وجل- يقول فيكتابه:﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾قال:فو الله ما تجاوزها عمر ، وكان وقَّافاً عند كتاب الله )الْخُصُوْمَاتِ هِيَ الَّتِيْ تَظْهَرُ مَعَادِنُ الْنَّاسُ وَلَيْسَ الْرِّضَا:أنت تعرف معدن أي إنسان في الخصومات وليس في الرضا ، الرضا نحن نراه جميل مع بعض لماذا نتخاصم ؟ ، ولماذا نتشاحن ؟ ، ولماذا نغضب مع بعض ؟ لا في الخصومات تعرف معدن كل إنسان ، بينك وبين أحد خصومة وكاتب له شيك أخذت منه فلوس ، أخذت منه بضاعة ، كتبت له شيك علي بياض أنت مماطل معه أو غير ذلك يذهب لواحد محامي ويقول له ضع لي فيه مائة ألف ، وأنت لك ألفين أو غير ذلك ، وأنت تقول أنا أصلًا سوف أشتكيه بمائة ألف وبعد ذلك سوف آخذ منه الآلفين فقط .أنت عندما وضعت مائة ألف في هذا الشيك هل هذا من حقك أن تفعل شيء مثل هذا ، أنا أريد أن أعرف أين حقوق الأخوة في هذه القصة ؟ فهو معسر وظهر لي أنه معسر وأنا أيضًا معسر ، لكن بان لي أنه معسر ولا يستطيع السداد فيظهر معدن كل إنسان في هذه المسألة ، راقب الناس في الخصومات تعرف معادنهم ، تعرف اللئيم من النبيل ، مجرد ما يُذَّكر عمر بأية ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾(أل عمران:134) أَرْكَانِ الْحُلُمَ :(كظمٌ وعفوٌ وإحسان) هذه أركان الحلم الثلاثة ولا يكون المرء حليمًا إلا بهذه الأركان ، يمدح بأي واحدة منهم يمدح ، لكن لا يقال حليمًا ولا يأخذ فضل الحلم ودرجة الحلم ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ ممكن أنت أن تكظم الغيظ ، لكن أنت ستنفجر من داخلك .﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ يكون يعفو ويصفح .﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ترسل له هدية . من الذي يعرف أن يفعل هذه ؟ (كظمٌ وعفوٌ وإحسان ،)الإحسان هذا هو الذي يفك هذا الغل الناتج عن الغيظ .
شَكْلِ الْحَرْفْ فِيْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ يَخْدِمُ الْمَعْنِيّ:وأنظر إلى كلمة الكاظمين ، اللغة العربية أحد مميزاتها أن الحرف يخدم المعني شكل الحرف يخدم المعنى أنظر شكل الظاء مبعجر على الآخر كأنه سينفجر والكاظمين تحس أنك مريض ، والغيظ وانظر إلى شكل الظاء في الغيظ ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال: فما تجاوزها عمر وكان وقافًا عند كتاب الله ، فيكون عنوان العبودية الأمر والنهي .بن الجوزي وضع يده علي فعل اللئام .قال: (فإِن وَافَقَ الشَّرعُ مُرَادَهُم فعلوه وإِلَّا فَمُعَولَهُم عَلى أغرَاضِهِم)مثلما يحدُث يأتي أي إنسان يستفتي أو يسمع فتوى أن وضع الأموال في البنوك الربوية حرام ، ويقول: هؤلاء معقدين الدنيا وجعلوا الناس يكرهون معيشتهم وكل حاجة حلال حرموها ويجعلون المركب التي تسير تقف ، وترك العالم وترك الفتوى ثم دخل في هذه الحدوتة ، ومعروف الذي يأخذ قرض من البنك يستحيل أن يسده إلا بعد خراب بيوت ، وممكن يموت وفي الغالب يموت وعليهم الديون ، لأن أسهل شيء أنك تأخذ ، أي( نعمت المرضعة وبئست الفاطمة )عندما يذهب ليحمل الفلوس من البنك ويضعها في الحقيبة يكون سعيداً ، بماذا أخذها ؟ بإمضاء وقع وأخذ مائة ألف أو مائتين ألف أو غير ذلك فرحان وسعيد ، فهذه نعمت المرضعة وهو يرضع لا يوجد أي مشكلة .وبئست الفاطمة: لما جفت المسألة وأراد أن يرجع الفلوس ، لا يستطيع أن يردها ,لأنه يؤجل كل سنة ولا يوجد بركة أبدًا ، الإنسان الذي يتعامل بالربا لا يمكن أن يبارك الله له أبدًا ، أول ما يتورط يأ
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-30-2010, 03:40 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

يأتي لك ، وبعد ما ظهرنا في الفضائيات ويعتقدون أننا نملك خزائن الدولة ، تنظر تجد لا يمر يوم إلا واثنين وثلاثة وأربعة المديون ، والذي علي شيك ، والذي سيدخل السجن والذي دخل السجن ويحتاج مصالحة وغير ذلك ، يذهب على أهل الدنيا كلهم ، لا تجد إنسان يرفع له رأس ، ويأتي لكي نسد عنه أو نجعل المحسنين يسدوا عنه أو مثل ذلك ، فلا يأتي إلا إذا تورط وهذه هي المشكلة في نظرة الناس إلى الدين .
رَبَطَ الْنَّاسِ الْقُرْءَانُ بِالمَآتَمْ :أنت تعرف مثل الأفراح والمآتم ، في الفرح يطبل ، يرقص ، يغني وغير ذلك ، وفي المآتم يشغل القرءان ، لماذا ؟ واحد تأول هذا الكلام وقال: أن النبي- صلي الله عليه وسلم - أن القرءان نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن ، وهذا الحديث لا يصح ، وحتى لو صح ، فهل يكون معناه هكذا ، نزل بالحزن ، وفي ذات مرة قديمًا ذهبت إلى فرح واحد صاحبنا وغير ذلك ، فكان مشغل قرءان ، جاءت في رأسه أن يشغل القرءان .فأنا أقف على أول الشارع وأن داخل وجدت اثنين يقولون: هل هذا هو العنوان ؟ قال: نعم هذا هو العنوان الفرح بيقول في شارع كذا وأخرج الورقة وقال: يا عم هذا ميت أنهم مشغلين قرآن ، هذا هو الشارع الفلاني وهذا الفرح ، سبحان الله لماذا القرآن دائمًا مرتبط بالمآتم وغير ذلك ؟ لأننا لا ننفذ القرآن ولسنا نعيش به ,فنحن نقول: الإنسان الذي يهمل الفتوى يهمل أن يستفتي علي مسألة من مسائل الشرع ، فإذا تورط جاء للشرع ، ونحن نعرف أن هذه فيها علامة إيجابية وأنه لا ييسر أمره غير ربنا ، لا يخرجه من هذا الضيق غير ربنا ، ثم أهل الديانة هم الذين في قلوبهم رقة ، وهم الذين يقدرون علي مساعدته ، وهم الذين لديهم رحمة ، إلي آخره .هؤلاء الذين يشير بن الجوزي إليهم قال الله- عز وجل- فيهم:﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ (النور:48-50) ، فربنا- عز وجل- يقول:﴿ وَإِذَا دُعُوا ﴾ابتداءاً ، في أي خصومة من الخصومات ﴿ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ لأنه أتي ومتأكد مائة في المائة أن الحاكم سوف يحكم له ، طالما أن الحاكم سوف يحكم له ، أحتكم إلي فلان .
سَبَبِ نُزُوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَي: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُوْنَ ...... ﴾نزلت في رجل يهودي ورجل منافق من المنافقين ، اليهودي قال: نذهب إلي رسول الله ليحكم بيننا ، المنافق قال: لا ، نذهب لكعب بن الأشرف ، اليهودي يقول له: نذهب للرسول ، وهذا يقول: لا نذهب لكعب بن الأشرف اليهودي معروف ، وهذه الآية مثلها مثل أختها أيضًا التي في سورة النساء:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾(النساء:61_60) ، هذه نزلت كما رواه أبي حاتم الطبراني في الكبير بسند صحيح عن بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان أبو برزة الإسلامي الصحابي قبل أن يسلم كان كاهنًا يحكم بين اليهود فوقعت خصومة بين جماعة من المسلمين فأرادوا أن يتحاكموا إلي أبي برزة وتركوا التحاكم إلي رسول الله فنزلت هذه الآية , لذلك الربع هذا ربع الطاعة في سورة النساء الذي أوله:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾(النساء:58) ، ربع الطاعة كله جاء في وجوب طاعة الله ورسول حتى قال الله تبارك وتعالي بعدها بآيات:﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا ﴾(النساء :65) . أنت فعلًا تريد أن تعرف أنت حققت العبودية في الخصومة علي وجهها راقب فقرات هذه الآية:﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ ثاني شيء:﴿ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ ، لأن ممكن يكون الحق عليك أنت,كما في سنن أبي داوود أن رجلين اختصما إلي النبي فقضي النبي لرجل علي الآخر ، فقال المقضي عليه: حسبي الله ونعم الوكيل ، فأنظر الرسول علق ، وماذا قال علي هذه المسألة ؟ حسبي الله ونعم الوكيل دائمًا يجهر بها الإنسان عندما يكون مظلوماً، فالرسول- علق علي هذه المسألة وقال : " إن الله يلوم علي العجز " .أنت تتخذ الأسباب الصحيحة ، فإذا اتخذتها وجاء الأمر علي غير مرادك فقل: حسبي الله ونعم الوكيل ، لكن لا تتخذ الأسباب الخطأ وتمشي في الطريق الخطأ ، وأول ما يقضي عليك تقول: حسبي الله ونعم الوكيل , أنا عندي أول شيء لا بد أن أتحاكم إلي الرسول ، إلي الشريعة في الخصومات ،والشريعة لم تترك بابًا من أبواب التعامل بين الخلق في أي منحل إلا ولها فيها حكم عرفه من عرف ، وجهله من جهل الشيء الأول: وجوب التحاكم إلي الله ورسوله .الشيءالثاني: لا تعترض إذا كان الذي يقضي بينك قضي قضاءً صحيحاً وأنت رضيت بقضائه .الشيء الثالث: أنت مقضي عليك ، وطلع الحق عليك﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا ﴾ وهذه هي الرضا الذي يشعر به المرء انفتاح الصدر بعد ثبوت الحكم عليه ، هذا معني:﴿ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا ﴾ أي لا يجد في صدره حرجًا ولا اعتراضًا علي حكم الله ورسوله ، وطبعًا هذه درجة عالية .
سبب نزول قوله تعالي: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ...... ﴾هذه الآية نزلت علي سبب كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجل من الأنصار في شَرجة من شِراج الحرة ، كل واحد له أرض والزبير يريد أن يسقي ، وجاره يريد أن يسقي ، أرض الزبير في العالي وأرض الأنصاري جاره منخفضة عن أرض الزبير ، فالرجل الأنصاري يريد أن يسقي الأول ، فالزبير يقول: لا ، المياه لا تطلع في العالي أتركني أن أسقي والماء كثير لكي يطلع علي الأرض عندي ، وبعد ذلك أنت أقل قدر من الماء سوف ستروي ، قال: لا ، قال: نذهب ونحتكم إلي النبي.فلما ذهب إلي النبي - وكان يعرف حقيقة الموضوع ، قال:" اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلي جارك " ، غضب الأنصاري وقال له: أن كان بن عمتك ؟ لأنه ابن عمتك تقدمه عليه وتجعله يسقي قبلي ؟ أن كان بن عمتك ؟ فتلون وجه النبي وقال:" اسقي يا زبير ثم أحبس الماء " لن يسقي أرضه ، قال الزبير: فأحسب أن هذه الآية نزلت فينا في آية الخصوم ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا ﴾ .
لا فرق بين الشيء اليسير والشيء الكبير في الابتلاء:وقد يمتحن العبد بالشيء اليسر تحقيقًا لهذا المبدأ ترك الاعتراض والتسليم أنظر إلى قوله- تبارك وتعالي-:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(النور:62) ، ما الصعوبة في أن يستأذن أحد أن يذهب إلى البيت ، لكي يُجعل مثل هذا الأمر علامة على الإيمان﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ، أنظر إلى ألفاظ الآية كأن فيها حصر الإيمان على هذا الذي يستأذن ، مع أن الاستئذان في نظرنا حاجة بسيطة ، أنا أقدر أن أستأذن وأمشى ،ولن أحمل جبل على أكتافي حتى أستأذن .لكن الله- عز وجل- يبتلي عباده بالشيء الكبير ويبتلي عباده بالشيء اليسير وممكن هذا الشيء اليسير يقع فيه أمم ، مع أنه يسير ، كما ابتلى الله- عز وجل- إبراهيم- عليه السلام- بأشياء بكل أسف ، مثل الشيخ محمد عبده اعترض على أثر بن عباس في الصحيح ، وهو صحيح الإسناد إلى بن عباس ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾(البقرة:124) ، بن عباس قال: ابتلاه بخمسة في البدن تقليم الأظفار وأشياء مثل ذلك ، فاعترض الشيخ محمد عبده وقال: أي صبي صغير تقول له قص أظافرك سيقص أظافره ، لكن كون ربنا- عز وجل- ينوه بابتلاء إبراهيم فلابد أن تكون حاجة ضخمة جدًا ، لا لا يلزم أن تكون حاجة ضخمة .ولما يرد على بن عباس قوله وهو أقعد لفهم الآيات وأقعد بالتفسير بدون حجة إلا أنه ممكن أي صبي صغير يستطيع أن يفعلها ، لا ، المسألة أبعد غورًا من هذا لكن طبعًا المدرسة التي تتمرس على دراسة السنة وعلي معرفة السنة عندها اعتراضات بالجملة على هذا الكلام ، لم يذوقوا حلاوة النصوص .مثل أول أمس وأنا أسمع برنامج في إذاعة القرءان الكريم تكلم صاحبه عن السلفية وعن الإمام أحمد بن حنبل وقال أن أحمد بن حنبل ليس من أهل النظر كان يعمل مقارنة بين مدرسة الحديث والمعتزلة ، فطبعًا أخذ يمجد في المعتزلة وقال أن هؤلاء المعتزلة هم الذين حاولوا أن يجمعوا بين الشتيتين ، أعملوا عقولهم ورفضوا بعض المرويات التي تتقبلها العقول .وهم الذين ردوا على الفلاسفة وكسروا شوكة الفلاسفة ، إنما أصحاب المرويات ومذهب الإمام أحمد على رأس هذه الطائفة أنهم كانوا يقفون عند ظاهر اللفظ ولا يتدبرون المعاني ، وهذا كلام واحد لم يعرف أحمد بن حنبل أصلاً ولم يعيش مع النصوص ، يعيش طوال حياته برأسه ، ولذلك هذا الإنسان من أكثر الناس اعتراضًا علي المرويات ، ونحن لا نعارض أن نقف عند ظاهر اللفظ بل هذا هو الأصل ، وإذا تعارض طاهر النص مع مفهوم النص نقدم ظاهر النص .لكن ليس للدرجة أن يترك ظاهر النص ويغطس تحت ويقول أنا أبحث عن روح النص ، أنا أعمل روح النص ، فهل لكي تعمل روح النص تعطل النص؟ فهؤلاء أناس لم يتمرسوا كما قلت لكم في المرة الماضية .
الْتَّمَرُّسِ عَلَيَّ مُبَاشَرَةً الْنُصُوصِ الْشَّرْعِيَّةِ يَحْتَاجُ إِلَىَ يَقَظَةٍ حَتَّىَ تَتِمَّ لَهُ الْمَلِكَةُ: لابد ، لا يمر بك نص إلا لما تقف عنده وتأخذ منه أي حاجة ، لا تترك النص يمضى دون أن تستعمل منه شيء ، استعمله بنسبة عشرة بالمائة ، خمسة عشر بالمائة ، إذا كان من باب المستحبات ، أما إذا كان واجبًا تأتي به مائة بالمائة ، إلا إذا عجزت فيكون عجزك بحسبه .
لكن لا يوجد نص يمر عليك إلا تقف وتستعمله ، إذا استعملت هذا النص وهذا النص وهذا النص صار عندك ملكة استعمال النصوص ، لا ، أهل الحديث من مدرسة الحديث التي على رأسها ليس أحمد بن حنبل كما هو يقول ، على رأسها كل أئمة الإسلام الفقهاء ، على رأسها مالك والليث والشافعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض وحتى الفضيل له كلمة جميلة في هذا المعني ,كان الفضيل بن عياض قليل الرواية يذهب إليه الناس يريدون أن يأخذوا الحديث فلم يكن يحدث مع ثقته والدار قطني قال فيه ثقة جبل ، لا يعرف له خطأ ، فالكل يريد أن يأخذ الحديث منه فقال لهم أنتم مفتونون ، حدثني ال: (إذا أخذت اللقمة ورميتها خلف ظهرك فمتى تشبع ؟ ) أعمش قالالمفروض أن هذه اللقمة ليس لها إلا مكان واحد فقط وهي أن تضعها في فمك وتأكلها ، فأنت تأخذها وترميها وراء ظهرك ثم تأتي وتشتكي الجوع ، يريد أن يقول تأخذ الحديث وتكتبه في الدفاتر ، صار عندك بعلو بعدما صار عند الآخرين بنزول ، أنت تفردت به وليس موجود عند الآخرين ، هل هذا كل الذي يهمك في الموضوع ، ولا تستعمله ولا تنفذه ، وهذا معنى كلام الأعمش .فهؤلاء العلماء كلهم كانوا فقهاء وكانوا مفسرين لكتاب الله- عز وجل- وهم في الأصل محدثون ، الشافعي: اسمه ناصر الحديث وهو الذي أوقف قطار أبي حنيفة وأصحابه ، هو الذي أوقفهم ، كما قال أحمد كانت أقضياتنا في أيدي أهل العراق ، حتى جاء الشافعي فانتزعها منهم ، فسماه أهل مكة: ناصر الحديث ، ومناظراته مع محمد بن حسن فضلاً عن من دون محمد ، في فهمه وعلمه وفي جلالته كثيرة ومشهورة .فلما يأتي ويقول أن مدرسة الحديث أصلاً هذه مدرسة ظاهرية ، تقف عند ظاهر النص ، هؤلاء الجماعة عندهم عقول ورؤسهم كبيرة وعندهم فهم واسع وغير ذلك ، فهذا رجل عرف للمعتزلة حقهم ولم يعرف لأهل الحديث حقهم .ونحن نريد أن نقول: الوقوف عند النص هي علامة العبودية ، أنظر هذه الآية نزلت لاعتراض الأنصاري ولأنه اتهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بالمحاباة للزبير بن العوام للقرابة التي بينهما فنفي الله- عز وجل- الإيمان عن من لم يحكِّم الرسول في أي خصومة تكون ، ثم يرضى بحكم النبي حتى وإن كان الحكم عليه بخلاف المنافقين أول ما يظهر تباشير أن الحكم له يقول نحتكم إلى فلان ، لو عرف أن الحكم عليه لا يمكن يقبل قال الله- عز وجل-:﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ (النور:47-53) ، وهذا هو الجنس الأول وهو جنس هؤلاء المنافقين ، ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ﴾ قال الله- عز وجل- لهم:﴿ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ﴾، المعني الأول:أي طاعتكم معروفة ، إنما هي بالكلام فقط ، ليس بالفعل ، أنتم مكشوفون ومعروفون ، وهذا هو المعني الأول .المعني الثاني: قال العلماء:﴿ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ﴾ ، أي أطيعوا طاعة معروفة الطاعة المعروفة لأهل الإيمان إذا أمرت بالشيء فلابد أن تمتثل له .بن الجوزي يقول: أن القصة عندهم ليست الوقوف عند مراد الشرع بل الوقوف عند أغراضهم .
مِثَالُ لِمَنْ يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ لِهَوَاهُ:واحد مثلاً طلق امرأته ، يقول لك لا تذهب إلى فلان الفلاني ، لماذا ؟ لأنه سيخرب لك البيت ، لأنك لما طلقت المرأة طلقتها في الحيض وهو يوقع الطلاق في الحيض ، اذهب إلي لجنة الفتوى ، وهذه مسألة حدثت وأنا لم أعرفها إلا من المرأة ، الرجل لم يقول لي ، المرأة هي التي قالت ، أول ما دخلوا ، اثنين ، ثلاثة أربعة مفتيين هكذا ، فسأل واحد فقال له من الذي يطلق في الحيض من هؤلاء ، أنت تريد فتوى مخصوص ، إذا عرف أن هذا يطلق في الحيض فلا يذهب ، والمرأة أورع منه تخاف أن تعيش معه في الحرام أو تكون معه في الزنا وغير ذلك ,وهو يريد البيت أن يكون موجود ولا يهدم فهذا معوله على غرضه ، وليس القصد في المسألة معرفة حكم الله- عز وجل- في المسألة ، وغير ذلك كثير ، خذ من هذه المسائل أي أمثلة تنطبق على مثل هذا ، فيكون هذا الإنسان لم يريد أن يحقق العبودية إنما قصد أن يحقق غرض نفسه حتى وصلت المسألة للطلاق ، إن الطلاق سهلت عليهم فعلوها ، لم تسهل عليهم تركوها ، مثل كثير من تاركي الصلاة مع فظاعة هذا الجرم ، وحتى العلماء الذين يقولون أن تارك الصلاة ليس بكافر هم لا يقصدوا أن يسهلوا له الأمور ، لا ، المسألة متعلقة بالكفر فقط ، هل هذا الإنسان يخرج من الملة أم لا يخرج ، وليس أنهم خففوا من جرم هذا المجرم .لأن الرسول لما يقول: " إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة "، فأنا لا أفهم كيف يرضى حتى لو أخذ الإثم ، حتى بعض العلماء الذين يقولون هو كافرًا إثمًا فاسق الحكم ، بعض العلماء خص في المسألة حتى لا يعارض الأحاديث ، فهو لما يقول تارك الصلاة كافر ، فأنت تأتي وتقول لا فاسق فأنت ترد على النبي ، ولا يصح أن ترد على النبي- حتى ولو كان بالنص .لا يأتي مثلاً واحد يقول لواحد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-( كل بدعة ضلالة )يقول له: لا ، هناك بدعة حسنة ، فهذا يرد على النبي ، لا تصح العبارة ، على الأقل العبارة لا تنفع ، فلما النبي يقول أن تارك الصلاة كافر فلا يأتي واحد ويقول فاسق ، فهو أراد أن يوفق بين المسألة هذه ، فقال: هو كافرًا إثمًا فاسق الحكم وحتى لو فاسق من الذي يرضى أنن يحمل هذا اللقب ، لقب الفاسق .سأل واحد بن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن أيؤكل الغراب ؟ ضاقت عليه الدنيا عنده دجاج وبط وأوز وغير ذلك ويريد أن يأكل الغراب ، فيقول له: أيؤكل الغراب ، فقال له: ومن يأكل الغراب وقد سماه رسول الله فاسقًا ، يكره سوء الاسم ، بن عمر قال فتواه ، ليس عنده ير هذه الحاجة التي قال النبي عليها فاسق وكيف تبلعها وهل يمكن أن يتم طهيها وهل تستوي .فكيف هذا الإنسان حتى لو لم يكون كافراً كيف يرضى أن يكون فاسقاً ويحمل هذا اللقب ، فهذا لما يعمل في المحل ، صاحب المحل فقط لمجرد أنه قال: لا ، لا تنزل الصلاة فيترك الصلاة ، ثم يأتي ويقول هذا أكل عيش وعندي أولاد وعندي كذا وكذا ويضيع الصلاة ، لا ، يترك العمل فورًا يجب عليه ترك العمل ، يذهب ويعمل في أي مكان آخر ,هناك بعض الناس في لهو لما تقول له أعمل في هذا العمل يقول معذرة أنا لست متعود على هذه الحدوتة ، أنا معي مؤهلات عليا ، وأنا أريد أعمل عمل يناسب تعليمي ، لا ، كان زمان ذلك ، ذهبت هذه الحدوتة ، أنت تخرج من الكلية إلى الرصيف ، هل تنسى نفسك ، أم تعتقد أن هناك عمل لا ، الرصيف ينتظر الجميع الرصيف حصيرة الجميع ، مقل المحمول في يد الجميع هكذا.فأنت طالع وتتكلم لا ، أخرج إلى الرصيف واعمل أي حاجة ، العمل ليس عيب ، لكن لا تأتي وتقول أنا لابد أن أعمل عمل معين لأن أنا متخرج من الكلية المعينة ، انتهي هذا الكلام ، والله إن وجدت خير وبركة ، وإن لم تجد ماذا تريد أن تعمل تتسول من الناس ، تذهب ويعمل في أي عمل يقول لك شرط تحلق لحيتك فتحلقها وتدخل ، لا ، هذا ليس رسم العبودية ، فهؤلاء الذين يمشون مع أغراضهم .بن الجوزي يقول: ( فَعَلِمتُ أن العِقُوبَاتِ وإِن عَظُمَت دُونَ إِجرَامِهِم). في تكسير الأوامر ، أن يلقي بالأمر خلف ظهره ، فنحن نستفيد من هنا أن حقيقة العبودية هي الأمر والنهي ، إذا حقق المرء الأمر وحقق المرء النهي ووقف عند النهي انتهي ,العبد إذا لم يقف مع المناهي فيه عقوبات وأنت لا تدري أي عقوبة ستلحق بك ، فلا تستصغر الذنب ، نهيت عن شيء معين لا تأتي وتفعله لأن ممكن العقوبة كبيرة . وأنت تعرفون حديث أبو هريرة في الصحيحين الذي قال فيه النبي- صلى الله عليه وسلم-:" كان رجلٌ ممن كان قبلكم يمشي في بردين له يتبختر إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " ؟، لأنه يرتدى ملابس جديدة وينظر إلى كتفيه ومعجب بعضلاته وعنده كبر ، خسف به من يوم أن خسف به حتى اليوم إلى يوم القيامة يتجلجل فيها ، أنت تعرف ما معني يتجلجل ، أي يصعد إلى السماء ثم يسقط على رقبته وهكذا من يوم أن خسف به ، وهذه عقوبة من العقوبات لأنه تعدي ، وهذا لما يرتدي ملابس جيده وعنده كبر .وهذا الكبر النبي قال:" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" ، وفي لفظ:" مثقال حبة خردل من كبر " ، هذا الكبر ولا الهوى يدخل مردود جملة وتفصيلاً ، أقل حاجة فيه مثل أكبر حاجة فيه يعاقب العبد بها , .فالإنسان العاقل ينظر في الأوامر وينفذ الواجبات كلها ، عجز عن فعل الواجبات بحسبه ، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، يدخل على المستحبات ويعرف فضل المرء بالمستحبات وليس بالواجبات ، كل ما يفعل المستحبات أكثر كلما كان أفضل ويعرف فضله ، كما أنا قلت لكم قبل ذلك ، الرجل الذي يصلى الصلوات المكتوبة ممكن يضيع قيام الليل ، ممكن ، والذي يقوم الليل هل يضيع الصلاة المكتوبة ، لا ، الذي يصوم رمضان ممكن يضيع النفل ؟ نعم ، الذي يصوم النوافل باستمرار ممكن يضيع رمضان ؟ لا ، فبأي شيء أنت قمت بقياسه ، أنت قدرته بالنفل وليس بالفريضة يقول ابن الجوزي : ( فَإِذا وقَعَت عُقُوبَةٌ لِتُمَحِصَ ذَنبًا صَاحَ مُستَغِيثُهُم: تُرَى هَذَا بِأَي ذَنب ؟)وهذا مثل الذي نسمعه يقول يارب أنا عملت ماذا في ظهر دنيتي ، وهو عمل العمل الذي يسد به عين الشمس ، وهو خرج من الذنب حالاً ، وإذا أصابته مصيبة لتمحص ذنبًا ، بن الجوزي أظهر شيئًا جيدًا في هذه المسألة ، لتمحص ذنبًا أي لكي يغفر له ، فكان المنتظر أن هذا يرجع ويقلع ويخفض رأسه وأذنيه ويعترف بذنبه ، لا ، هذا وقح ويرفع عقيرته علي ربه ثم يقول بأي ذنب أي واحد وككثير ما نرى هذا المنظر .يقول لك أنت ما الأخبار ؟ الحمد لله عملت كل حاجة ، فلما تنظر عمل كل حاجة ، ماذا عمل ؟ ، صلى الفرض وترك السنة ، إذا كان فرضه سليم وأنه ركز فيه وأخذ درجة عالية في الفرض ، حتى لو هو يصلى الفرض والنفل وحتى لو هو يصوم وحتى لو كان يحج أو يذهب للعمرة وغير ذلك ، أليس يغفل كثيرًا المرء منا ، وأنا لا أقصد أحد بعينه ، كلنا هذا الرجل ، أليس يغفل عن ذكر الله- عز وجل- ؟ ، أليست الغفلة عن الذكر ذنب ؟ أنت تعرف لماذا هي ذنب ؟
الَّذِيْ لَا يُسَبِّحُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُرْزَقَ :تتذكرون الكلام الذي قلناه في المرة الماضية أو, التي قبلها في قول الله- عز وجل- ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾(الإسراء:44) ، وقلت (حليمًا) أول ما تجد صفة الحليم اعلم أن العبد مستحق للعقوبة ، فما هي العقوبة الذي فعلها العبد حتى أتي صفة الحليم ؟ ترك التسبيح ، حديث عبد الله بن عمر بن العاص في مسند الإمام أحمد وصية نوح لما قال أوصيك باثنتين منهم ،" وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق " ، فالمفترض أنت لا تسبح لا تأكل وهذا هو المفترض، تركت التسبيح فلا تأكل ، جاءك الأكل وجاءك الرزق فأين الشكر ,ترك الشكر في مقابل الرزق ، وهذا هو الذنب الذي فعله العبد ويستحق عليه العقوبة .
فَائِدَةْ قَوْلَ سُبْحَانَ الْلَّهِ وَبِحَمْدِهِ:فلا تأتي لمجرد أنك فعلت الفرائض الظاهرة وغير ذلك تأتي وتقول بأي ذنب ، لا ، أقل حاجة ترك التسبيح الواحد يجلس ساعتان أو ثلاثة وهو ساكت ولا يعمل شيء وينظر إلى الهواء ، فلماذا أوقفت لسانك ؟ لما طوال ما أنت تجلس أو تذهب لقضاء شيء تقول سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، والنبي قال كما في سنن الترمذي من حديث جابر " من قال سبحان الله وبحمده عرست له نخلة في الجنة " ، نخلة ، " وما من شجرة في الجنة إلا وساقها من ذهب " كما قال ، فأنت لما تجلس وتقول: سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده سبحان الله وبحمده ، كل ثانية سبحان الله وبحمده ، أو كل ثانيتين ، اضرب في ساعة أو ساعتين أو ثلاثة ، ولو كنت مواظب على هذه المسألة كل يوم سيكون لك كم نخلة ، وهذا النخل حاجة زائدة على ملك أخيك الذي كان لا يسبح . افترضنا جدلًا مثلاً أن هذا ملكك في الجنة وهذا ملك أخيك في الجنة ، عندك مائة ألف نخلة وهو عنده مائة ألف نخلة ، الذي قلته أنت زيادة في النخل لا يأخذه هو لأن هذا فضل كان أثرًا لعملك .فحرك اللسان باستمرار بقول: سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، وهذا أحب الكلام إلى الله- تبارك وتعالي- . يقول ابن الجوزي: (فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب) .حتى الشيخ الكبير ، أحيانًا تجد واحد سقط حاجباه من الكبر وأولاده ألقوه في الشارع ، ولا أحد يسأل عنه ، لو أنك فتشت في حياة هذا الرجل ممكن تراه مجرمًا ، أمضى حياته كلها في الهزل ، وكم ظلم من الناس ، فلم يرحمه الله- عز وجل- ، أولاده رموه والجزاء من جنس العمل ،( فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب) ، حتى لو كان شيخًا كبيرًا ويظهر عليه علامات البخل ، وذلك لأنه فرط في حق الله تعالي في شبابه .
انْتَهَي الْعَاشِر

الْمُحَاضَرَة الْحَادِيَة عَشْرَة
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:( تَأمَلتُ أحوَالَ الصُّوفيَةَ والزُّهَادِ فَرأيتُ أَكثَرُهَا مُنحَرِفًا عَن الشَّريعَةِ بَينَ جَهلٍ بالشَّرعِ وابتِدَاعٍ بالرَّأي يَستَدِلُونَ بِآيَاتٍ لَا يَفهَمُونَ مَعنَاها وَبأحَاديثِ لَهَا أَسبَاب وجمُهُورهَا لَا يَثبُت فَمِن ذَلك ، أنَّهم سِمِعُوا في القُرآَنِ العَزِيزِ:﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(أل عمران:185 ) ، و ﴿ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ﴾ (الحديد:20) ، ثم سَمعُوا في الحديثِ:" للدُّنيَا أَهونُ على الله من شَاةٍ مَيتَةٍ عَلى أَهلِهَا " فَبَالَغُوا في هَجرِهَا من غَيرِ بَحثٍ عن حَقيقَتَهَا ، وذلك أنه ما يعرف حقيقة الشيء فلا يجوز أن يُمدَح ولا أن يُذَم . فإذا بحثنَا عن الدُّنيا رأينَا هذه الأرض البَسيطة التي جُعِلَت قرارًا للخلقِ تَخرج منهَا أقوَاتَهُم ويُدفنُ فيها أموَاتهُم
ومِثلُ هذا لا يُذَمُ لموضع المصلحة فيه ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان كله لمصَالح الآدمي ، وفيه حفظ لسبب بقائه ورأينا بقاء الآدمي سببًا لمعرفة ربهِ وطاعتهِ إيِاهُ وخدمته ، وما كان سببًا لبقاء العارف العابد يُمدحُ ولا يُذَم فبَانَ لَنا أن الذَّمَ إنما هو لأفعَالِ الجَاهلِ أو العَاصِي في الدُّنيا فَإِنَّه إذا اقتَنَى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم .فقد عُلم ما خَلَفَ الزبير وبن عوف و غيرهما وبلغت صدقة علي- رضي الله عنه- أربعين ألفًا وخلَّف بن مسعود تسعين ألفًا ، وكان الليث بن سعد يشتغل كل سنة عشرين وكان سفيان يتجر بمال وكان بن مهدي يشتغل كل سنة ألفى دينار .وإنَّ أكثر من النِّكاحِ والسَّرارِي كان مَمدُوحًا لا مَذمُومًا ، فقد كان للنبي- صلى الله عليه و سلم- زوجات وسَرَاري وجمهُور الصَّحابةِ كانوا على الإِكثَارِ من ذلك وكان لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه - أربَعُ حَرائِر وسَبعَ عشرة أَمة وتَزوجَ وَلدُه الحَسن نَحوًا من أربعِمَائة, فإن طلب التزوج للأولاد فهو الغاية في التعبد ، وإن أراد التلذذ فمباح يندرج فيه من التعبد ما لا يُحصَى من إعفافِ نفسه والمرأة إلى غير ذلك، وقد أنفق موسى- عليه السلام- من عمره الشَّريف عشر سنين في مهر بنت شعيب .فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء لما ذهب كثير من زمان الأنبياءِ فيه وقد قال بن عباس رضي الله عنهما:" خِيارُ هذه الأمة أكثرها نساءً " ، وكان يَطأُ جَاريةً لَه ويُنزِلُ في أُخرى ، وقالت سُرِيَةِ الربيع بن خُثَيم: كان الرُبَيعُ يَعزِل ، وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لخدمَةِ الله- عز وجل- وحقَّ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله .,وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يأكُل ما وجَدَ ، فإن وجد اللحم أكله ، وكان يأكل لحم الدَّجاج ، وأحب الأشياء إليه الحلوى والعسل وما نقل عنه أنه امتنع من مُبَاحٍ ، وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج فَأكَلَ منه وقال: ما هذا ؟ قالوا: يوم النَورُوز فقال: نَورُوزُنا كل يوم , وإنما يُكرَه الأكلُ فوق الشِّبع ، واللبسُ على وجهِ الاختِيَالِ والبَطَر , وقد اقتَنعَ أقوامٌ بالدونِ من ذَلك لأنَّ الحَلالَ الصَّافي لا يكادُ يُمكِنُ فيه تحصيلُ المُراد وإلا فقد لبسَ النبي- صلى الله عليه وسلم- حُلةً اشتريت له بسبعة وعشرين بعيرًا ، وكان لتميم الداري حلةً اشتريت بألف درهم يُصَلي فيها بالليل ، فجاء أقوام فأظهروا التِّزَهُدَ وابتَكَرُوا طريقةً زيَنهَا لهم الهوى ، ثم تَطَلَبُوا لها الدليل ، وإنما ينبَغِي للإنسان أن يتبعَ الدَّليلَ لا أن يَتبِع طَريقًا ويَتَطَلبُ دَلِيلَهَا ثم انقسموا: فمنهم مُتَصَنِعُ في الظاهر لَيثُ الشَّري في الباطن ، يتناول في خَلَوَاتِهِ الشَّهوات ويَنعَكِفُ على اللَّذَاتِ ويُرِي الناس بِزِيهِ أنَّه مُتَصوفٍ مُتَزَهِد ،وما تَزَهَدَ إلا القميص ، وإذا نُظِر إلى أحواله فعنده كِبرُ فرعون ، ومنهم: سَليمِ البَاطِنِ إلَّا أنَّه في الشَّرع جَاهل , ومنهم: من تَصَدرَ وصنف فاقتَدى به الجَاهِلُون في هذه الطَّريقة وكَانُوا كعُمِيٍ اتبعوا أَعمَى ، ولَو أنَّهم تَلَمحُوا الأَمرَ الأول الذي كان عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- والصَّحابةَ- رضي الله عنهم- لمَا زَلُوا ولقد كان جمَاعةً من المُحقِقينَ لا يُبَالُون بِمُعَظَمٍ في النِّفوسِ إذا حَادَ عن الشريعةِ ، بل يٌوسِعُونَهُ لومًا , فنُقِلَ عن أحمد أنه قال له المَروَذيُ: ما تقول في النِّكاحِ ؟ فقالَ: سُنةَ النَّبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: فقد قال إبراهيم قال: فصَاح بي وقال: جِئتَنَا بِبُنَيَاتِ الطريق ؟ وقيل له: إن سَريًا السَّقَطِي قال: لما خلق الله تعالى الحروف ,وقَفَ الأَلِفُ وسجدَ البَاء فقال: نَفِرُوا النَّاس عنه . واعلم أن المحقق لا يهوله اسم مُعَظَم ،كما قال رجل لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: أتَظُنُ أن طلحة والزبير كانا عَلى البَاطلِ ؟ فقال له: إن الحقَّ لا يُعرَفُ بالرجالِ أعرِف الحَقَّ تَعرِف أهله , ولَعَمرِي أنه قد وقَرَ في النفوس تعظيم أقوامٌ فإذا نُقِلَ عنهم شَيءٍ فسَمِعَه جاهل بالشرع قَبِلَه لتعظِيمَهُم في نفسه ،كما يُنقَلُ عن أبي يزيد- رضي الله عنه- أنه قال: تَرَاعَنَت عليَّ نفسِي فَحلَفتُ أَلا أشربَ الماء سَنة ،وهذا إذا صح عنه كان خطأ قبيحًا وزلةً فاحشة لأن الماء يُنفِذُ الأغذية إلى البدنِ ولا يَقُومُ مَقَامَهُ شيء، فإذا لم يشرب فقد سَعى في أَذى بَدَنِهِ وقد كان يُستَعذَبُ الماء لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- . أفَتَرَى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له وأنَّه لا يجوزُ التَّصرفُ فِيهَا إلا عن إذن مَالِكِهَا .وكذلك يَنقلونَ عن بعض الصوفيةِ أنه قال: سِرتُ إلى مكة على طريق التوكل حافيًا فكانت الشوكة تدخل في رجلي فَأَحُكَهَا بالأرضِ ولا أرفَعُها ، وكان علي مِسحٌ فكانت عيني إذا آلمَتَنِي أَدلُكُهَا بالِمسحِ فذهبت إحدى عيني ، وأمثال هذا كثير ، وربما حملها القُصَاص على الكَراماتِ وعَظمُوهَا عند العوام فيُخَايلُ لهم أن فَاعِلِ هذا أعلَى مَرتضبةً من الشافعي و أحمد . ولَعَمرِي إن هَذا مِن أَعظمِ الذِّنُوب أقبَح العِيوب لأنًّ الله تعالى قال:﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾(النساء:31).وقال النبي عليه الصلاة والسلام:" إنَّ لنَفسِك عَليكَ حقًا " وقد طلب أبو بكر- رضي الله عنه- في طريق الهجرة للنبي- صلى الله عليه وسلم- ظلًا حتى رأى صخرةً ففَرَشَ لَهُ في ظِلِهَا , وقد نُقِلَ عن قُدماءِ هذه الأُمة بداياتِ هذا التَّفرِيط وكان سَببهُ من وجهَينِ : أحدُهمَا: الجَهل بالعلمِ والثاني :قُرب العهد بالرَّهبانيةِ . وقد كان الحسن يَعيبُ فَرقداً السَّبخيُ ومالكَ بن دِينارٍ في زُهدِهمَا فرأى عِنده طَعامٌِ فيه لحمٌ فقال: لا رًغِيفَي مالك و لا صَحنَي فَرقَد ، ورأى على فرقد كِسَاءً فقال: يا فرقد إن أكثَرَ أهلِ النَّار أصحابُ الأَكسِيَة ،وكم قد زَوَقَ قَاصٌ مجلسه بذكر أقوامٍ خَرجُوا إلى السَّياحةِ بِلا زادٍ ولا مَاء وهو لا يَعلمُ أن هَذا من أقبَحِ الأفعَال وأن الله تعالى لا يُجَربُ عَليه فرُبما سَمِعَهُ جَاهلٍ من التائبينَ فخرج فمَاتَ في الطريق فَصَار للقَائلِ نصيب من إثمهِ ،وكم يَروونَ عن ذِي النُون: أنَّه لَقِيَ امرَأةً في السِّياحةِ فكلَمَهَا وكلمَتهُ ويَنسَونَ الأَحاديثَ الصِحَاحَ :" لَا يَحِلُ لامرَأةٍ أن تُسَافِرَ يَومًا وليلةً إَّلا بِمَحرمٍ " وكَم يَنقِلونَ: أن أقوامًا مَشُوا على الماءِ وقد قال إبراهيمُ الحَربيُ: لا يَصحُ أن أحدًا مَشى عَلى الماءِ قَط ، فإِذا سَمِعُوا هذا قالوا: أتَنكِرونَ كرَاماتِ الأَوليَاءِ الصَّالِحين ؟ فنقولُ: لَسنَا مِنَ المُنكِرينَ لهَا بَل نَتبعُ ما صحَ والصَّالحُونَ هم الذين يَتبِعونَ الشَّرع ولا يَتعَبَدونَ بِآرَائِهم ، وفي الحديث:" إِنَّ بَني إِسرَائِيلَ شَدَدُوا فَشُدَدَ الله عَليِهم " وكَم يَحُثونَ على الفقرِ حَتى حَمَلُوا خلقًا علَى إِخرَاجِ أموَالِهِم ثُّم آلَ بِهم الأمرُ إِمَّا إلى التَّسَخُطِ عِندَ الحَاجَةِ وإِمَّا إلى التعرضِ بسؤالِ النَّاس ،وكَم تَأَذَى مُسلِمٍ بِأمرِهِم النَّاس بِالتَّقَلُلِ ، وقد قَال النَّبي- صلى الله عليه وسلم- :" ثُلثٌ طَعَامٌ وثُلثٌ شَرابٌ وثُلثٌ نَفسٌ " فمَا قَنعُوا حَتى أُمِرُوا بِالمُبَالِغةِ في التَّقَلُلِ ,فحكَى أبو طالب المكيُ في قوت القلوب: أن فيهم من كان يَزنَ قِوتِه بِكَرَبَةٍ رَطِبَةٍ ففي كل ليلة يذهب من رطُوبَتِهَا قليل وكنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا فضاق المِعَي وأوجب ذلك مرض سنين ، أفترى هذا شيئًا تقتضيه الحكمة أو ندَبَ إليه الشرع ؟ .و إنما مطيةُ الآدمي قِواه فإذا سعى في تقليلها ضَعُفَ عن العبادة ، ولا تقولن الحصول على الحلال المحض مستحيل ، لذلك وجب الزهد تجنباً للشبهات فإن المؤمن حسبه أن يتحري في كسبه هو الحلال ولا عليه من الأصول الذي نبتت منه هذه الأموال ، فإنا لو دخلنا ديار الروم مثلاً فوجدنا أثمَانَ الخمور وأجرة الفجور كان لنا حَلالًا بوصف الغنيمة ،أَفَتُريدُ حلالًا على معني أن الحبةَ من الذهبِ لم تنتقل منذ خرجت من المَعدنِ على وجه لا يجوز ؟ . فهذا شيء لم ينظر فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو ليس قد سمعت أن الصدقة عليه حرام فلما تُصِدقَ على بَرِيرَةَ بلحمٍ فَأهدَتهُ جَازَ له أكل تلك العين لتغير الوصف ، وقد قال أحمد بن حنبل: أكره التقلل من الطعام فإن أقوامًا ما فعلوه فعجزوا عن الفرائض ، وهذا صحيح فإن المتقلل لا يزال يتقلل إلى أن يعجز عن النوافل ثم الفرائض, ثم يعجز عن مباشرة أهله وإعفافهم ، وعن بذل القُوى في الكسب لهم وعن فعل خيرٍ قد كان يفعله ولا يَهُولَنَّكَ ما تسمعه من الأحاديث التي تحثُ على الجوع ، فإن المراد بها إما الحث على الصوم وإما النهي عن مُدَاومةِ الشِّبَع، فأما تَنقيصُ المَطعَم على الدوام فمُؤثرٍ في القُوى فلا يجُوز ، ثم في هؤلاء المذمُومِين من يرى هجر اللحم والنبي- صلى الله عليه و سلم- كان يود أن يأكله كل يوم .واسمع مني بلا مُحَابَاة: لا تحتجن علي بأسماء الرجال فتقول: قال بشر وقال إبراهيم بن أدهم ، فإن من احتج بالرسول- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضوان الله عليهم أقوى حجة ، على أن لأفعال أولئك وجوهًا نحملها عليهم بحسن الظن ،ولقد ذاكرت بعض مشايخنا ما يروى عن جماعةٍ من الساداتِ أنهم دفنوا كتبهم ، فقلت له: ما وجه هذا ؟ فقال: أحسن ما نقول أن نسكت يشير إلى أن هذا جهلٌ من فاعله ، وتأولتُ أنا لهم فقلت: لعل ما دفنوا من كتبهم فيه شيء من الرأي فما رأوا أن يعمل الناس به .ولقد رُوِينَا في الحديث عن أحمد بن أبي الحواري: أنه أخذ كتبه فرمى بها في البحر وقال: نعم الدليل كنتِ ولا حاجة لنا إلى الدليل بعد الوصول إلى المدلُول ، وهذا إذا أحسنا به الظن ، قلنا: كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه فأما إذا كانت علومًا صحيحةً كان هذا من أفحَشِ الإضَاعَة وأنا وإن تأولت لهم هذا فهو تأويل صحيح في حق العلماء منهم ، لأنا قد رُوِينا عن سفيان الثوري: أنه قد أوصى بدفن كتبه وكان ندم على أشياء كتبها عن قوم وقال: حملني شهوة الحديث ، وهذا لأنه كان يكتب عن الضعفاء والمتروكين فكأنه لما عَسرُ عليه التمييز أوصى بدفن الكل .وكذلك من كان له رأيٌ من كلامه ثم رجع عنه جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك علي وجه التأويل للعلماء ،فأما المتزهدون الذين رأوا صورة فعل العلماء ودفنوا كتبًا صالحة لئلا تشغلهم عن التعبد فإنه جهل منهم ، لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم مع الإقدام على تضييع مال لا يحل تضييعه ,ومن جملة من عمل بواقعه دفن كتب العلم يوسف بن أسباط ثم لم يصبر عن التحديث فَخَلَطَ فعُدَ في الضعفاء ,ثم روى بن الجوزي بسنده عن شعيب بن حرب يقول: قلت ليوسف بن أسباطٍ: كيف صنعت بكتبك ؟ قال: جئت إلى الجزيرة فلما نَضَبَ الماءٌ دَفنتُهَا حتى جاء الماء عليها فذهبت ، قلت: ما حملك على ذلك ؟ قال: أردت أن يكون الهمُ واحدًا .قال العقيلي: وحدثني آدم قال: سمعت البخاري قال: قال صَدَقةُ: دفن يوسف بن أسباط كتبه وكان يغلب عليه الوهمُ فلا يجيءُ كما ينبغي ,قال ين الجوزي: الظاهر أن هذه كتب علمٍ ينفع ، ولكن قلة العلم أوجبت هذا التفريط الذي قصد به الخير وهو شر ، فلو كانت كتُبُه من جنس كتب الثوري فإن فيها عن ضُعفَاء ولم يصح
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-30-2010, 03:42 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

يصح له التمييز قرب الحال ، إنما تعليله يجمع الهم هو الدليل على أنها ليست كذلك ، فانظر إلى قلة العلم ماذا تُؤَثِر مع أهل الخير , ولقد بَلغَنا في الحديث عن بعض من نُعَظِمُه ، ونَزُوره ، أنه كان على شاطئ دجلة ، فبَال ثم تيمم، فقيل له الماء قريب منك ، فقال: خِفتُ أن لا أبلُغَهُ ، وهذا وإن كان يدل على قِصَر الأمل ، إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث تَلاعبُوا به ، من جِهة أن التيمم إنما يصحُ عند عَدَمِ الماء،فإذا كان الماء موجوداً كان تَحرِيك اليدين بالتيمم عَبثاً، وليس من الضروري وجود الماء أن يكون إلى جانب المُحدِث ، بل لو كان على أَذرُعٍ كثيرةٍ ، كان موجوداً فلا فِعلَ للتيمم ، ولا أثَرَ حينئذٍ ,ومن تأمل هذه الأشياء ، عَلمَ أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتبَاعَهُ ، وخَفَت إذا مات أشيَاعَهُ - أفضل من ألوفٍ تتمسحُ العَوام بهم تبركاً ، ويُشيعُ جَنَائِزهَم ما لا يُحصَى ، وهل الناس إلا صَاحِب أثَرٍ يتبعه ، أو فقيهٌ يفهمُ مًرَادَ الشرع ويُفتِي به ؟ ، نعوذُ باللهِ من الجهل، وتعظِيم الأَسلًافِ تقلِيداً لهم بغيرِ دليل ,فإن من وَرَدَ المَشربَ الأَولَ ، رَأَى سائر المَشاربِ كَدِرَةً , والمحنةُ العُظمَى مَدائحِ العوام فكم غَرت كما قال علي- رضي الله عنه-: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئا ، ولقد رأينا وسمعنا من العوام أنهم يمدحون الشخص فيقولون: لا ينام الليل ولا يفطر النهار ولا يعرف زوجة ولا يذوق من شهوات الدنيا شيئا ، قد نحل جسمه ودَقَ عظمه حتى أنه يصلي قاعدًا فهو خيرٌ من العلماء الذين يأكلون ويتمتعون ذلك مبلغهم من العلم ، ولو فقهوا علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يُفتي عن الله ويُخبرُ بشريعته كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيرًا و أفضل من عبادة ذلك العابد باقي عمره ، وقد قال بن عباس- رضي الله عنه-: فقيه واحدٌ أشد على إبليس من ألف عابد ,ومن سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه ، وإنما أمدحُ العاملين بالعلم وهم أعلم بمصالح أنفسهم ، فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش كأحمد بن حنبل وكان فيهم من يستعمل رقيق العيش كسفيان الثوري مع ورعه ومالكٍ مع تدينه والشافعي مع قوة فقهه ,ولا ينبغي أن يُطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره فيضعف هو عنه , فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه ، وقد قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج فكله ,ولا تكونن أيها السامع ممن يرى صور الزهد فرب متنعم لا يريد التنعم وإنما يقصد المصلحة ، وليس كل بدن يقوى على الخشونة خصوصا من قد لاقى الكد وأجهده الفكر وأمَضَّهُ الفقر فإنه إن لم يرفق بنفسه ترك واجبًا عليه من الرفق بها , فهذه جملة لو شرحتها بذكر الأخبار والمنقولات لطالت غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري و الله ولي النفع برحمته .

هذا كلام ذهب وأنا اخترت هذا الصيد الثمين لأقضي به معكم العشر الأواخر لأن في هذا جملٌ كثيرة من العلم ، وما ذكره بن الجوزي - رحمه الله تعالي- إنما فسره بما رآه بعينه ، وما لابثه مع الناس ، وأنتم تعلمون أن بن الجوزي - رحمه الله -كان أشهر واعظ في زمانه ، كان يصلي خلفه مئين ألوف ، وكان الخليفة يتحري الصلاة خلفه ، وكان مفتوحًا عليه يأتي بالعبارات المسجوعة الغريبة علي البديهة ما يحار المرء منه فخلاصة هذه الخاطرة أو هذا الصيد: أنه ينعي علي الذين يتعبدون بالرأي ولا يتبعون الشرع فهؤلاء مفرطون ، وينعي أيضًا علي الذين رموا الدنيا علي اعتبار أنه وردت آيات وأحاديث كثيرة تذم الدنيا وتذم أهلها ، ونعي عليهم أنهم يخطفون الحكم من نص واحد ، ولا زالت هذه هي المصيبة الكبرى والداهية العظيمة إلي زمان الناس هذا .
لا يجوز الحكم في أي قضية إلا بعد جمع النصوص من الكتاب والسنة: إن العلماء صرحوا أنه لا يجوز لأحد أن يحكم في قضية من القضايا إلا إذا جمع النصوص كلها من الكتاب والسنة بما يقدر عليه .لا إله إلا الله في الميزان:المرجئة مثلًا الذين يرجئون الأعمال فلا يدخلونها في الإيمان خطفوا هذا المعني من حديث واحد وهو قوله ، -: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة " وفي الحديث: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " ، وقفوا علي هذا وهم يظنون أن العبد يستطيع إذا مات أن يقول: لا إله إلا الله ، لا ، هذه الكلمة أثقل من الجبال الرواسي لا يزلّ اللسان بها حال الموت إلا من عمل بها في الحياة ، عاش بها ، قام بها ، ونام بها ، ولم يحرك قدماً إلا بها ، ولم يضع قدمه في موضع إلا كان مأذونًا له أن يضعها في هذا الموضع الذي عاش حياته كلها .
ذكر الخاص قبل العام أو بعد العام يفيد الاهتمام:كما قال الله- عز وجل-:﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾(الأنعام:162_ 163) . ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ﴾ ، الصلاة والنسك تدخل في المحيَا ، لكن العلماء يقولون: ذكر الخاص قبل العام أو بعد العام يفيد الاهتمام ، فالصلاة شيء خاص ، والنسك شيء خاص ، والمحيا عام يشمل هذا فقال: إنما خصص الصلاة والنسك لمزيد الاهتمام بهما ,﴿وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾
والموت موتتان: موتة صغرى ، وموتة كبرى : الموتة الصغرى: النوم :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ (الزمر:42) ، اثنين نائمين بجوار بعض أرواحهم بتخرج يتوفاها الله- عز وجل - ، إذا كان هذا آخر نفس له في الدنيا روحه لا ترجع له ، يصير بدنًا بلا روح ، الثاني مازال له سنة ، سنتين ، عشرة ، عشرين ، ثلاثين ، ترجع له روحه ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ﴾ لا يردها إلي صاحبها ، فيكون النوم هو الموتة الصغرى .
كيف تجعل منامك لله ؟﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أن يكون الله- عز وجل- آخر مذكور لك لا تفعل مكالمات المصنع ، والمتجر ، والدولار ، واليورو ، والين ابعث الصفقة ، يكون أخر عهدك هو الدينار والدرهم ، لا ، الأذكار الموظفة علمناها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ليكون المرء ذاكرًا طيلة وقته طول النهار ذاكر كلما يري شيء لها ذكر ، فإذا أراد أن ينام قال:" وجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوضت أمري إليك رغبة منك إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وأرحمها ، وأن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه "، وتنام. فإذا استيقظت وفتحت عينيك كان الله عز وجل أول مذكور:" أصبحنا وأصبح الملك لله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله " ، " اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير " . هذا هو الممات ، قبل أن يكون مماتك الأكبر لله- عز وجل- فتزل هذه الكلمة التي من أجلها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل وجردت أسنة السيوف وشربت الأرض من دماء العباد لأجل هذه الكلمة " لا إله إلا الله " ، لأجل أن يقولها المرء في الموتة الكبرى ، في الموتة الصغرى لابد أن يكون عبدًا ,وهذا معنى﴿وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾ ، يكون مماتك لله وطبعًا الأذكار الموظفة كلها معاني جميلة ، كلما عرفت المعنى واستطعمته كلما زدت به إيمانًا " وجهت وجهي إليك " ونحن قلنا أن الله- عز وجل- أخر مذكور لك في الدنيا لذلك النبي- صلي الله عليه وسلم قال في هذا الحديث:" فمن مات من ليلته مات على الفطرة " والفطرة هي الإسلام ,الرجل إذا كان هذا آخر كلام له في الدنيا فيكون فعلاً ربنا في قلبه ويعيش نهاره لله ، فأول ما ينام يضع كفه اليمنى تحت خده وينام على جنبه ، واحد يقول أنا جنبي اليمين يؤلمني وأستريح على الشمال ، نقول: ابدأ باليمين ضع يدك تحت خدك كما قال الرسول بالضبط وكما فعل ، تعمل مثله بالضبط أنت ربما لا تفهم وضع الكف تحت الخد ما هي فائدته ، لكن سلم ، إذا قال ضع يدك ، ضع يدك ، لا تجادل وتنام وتقول الأذكار وإذا تقلبت لا مانع لكن ابدأ كما أمرك النبي ، " وجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوضت أمري إليك " أنظر إلى هذه الترتيب ، " وجهت وجهي " سيذهب إلى أين ؟ ما هو نائم فإلى أين سيذهب ، ونحن نقول ممكن يموت ، فتكون وجهته إلى الله يذهب مباشرة إلى هناك ، كأنما قال: يا ربي إذا قبضت روحي فوجهت وجهي إليك ، فإذا لم أمت وكان لا يزال لي عمر " وألجأت ظهري إليك " ، وأنت تعرف الإنسان إذا اغتيل يغتال من الخلف ، لأن العدو إذا جاءه من الأمام يستطيع أن يدافع عن نفسه ، إنما يغتال المرء غيلة وغدرًا دائمًا من الخلف .فمن الذي سيغتالك ؟ الشيطان ، فأنت لما تقول الأذكار بالذات لما تقرأ آية الكرسي كما في حديث البخاري في تمر الصدقة والشيطان والحديث أنتم كلكم تحفظونه ، الرسول- عليه الصلاة والسلام- لما قال لأبي هريرة:" أتدري يا أبو هريرة من تكلم منذ ثلاث ؟ قال: لا ، قال ذاك شيطان " ، هذا الشيطان أوصي أبو هريرة لما كان سيمسك به ويرفعه للنبي ، وأراد أن يهرب منه ، فقال له أنا سأقول لك نصيحة ووصية وتتركني ولا ترفعني إلى النبي ، قال له:" إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإن قرأتها فلم يزل عليك حارس من الله حتى تصبح ",أول ما تقرأ آية الكرسي تجد ملك يقف على رأسك مباشرة ، ملك ، معك السلاح ، الشيطان إنما يغتالك وأنت نائم ، أنت إذا كنت مستيقظًا تذكر الله- عز وجل- ، طول ما أنت ذاكر الشيطان لا يستطيع أن يقرب منك ، أول ما تنام ولا تذكر الله كأنما ألقيت سلاحك ونمت ، فمن السهل جدًا أن يذبحك العدو وأنت نائم ، لأنك نمت وألقيت سلاحك فالله- عز وجل- يكافئك ، كأنما يقول لك كنت ذاكرًا لي طيلة اليوم فكان من جزاء ذكرك لي أنني وكلت بك ملكًا يحميك إلى أن تستيقظ فتستأنف الذكر ، الملك يقف بسلاحه يدافع عنك ، فأنت لما تقول:" وألجأت ظهري إليك " أي احمني حتى لا أغتال وأنا نائم " وفوضت أمري إليك " التفويض عند بعض العلماء يكون بعد التوكل أعلى درجة من التوكل ، يقول: التوكل يكون بالأسباب وبغيرها ، إنما التفويض عادة يكون بعد فقد الأسباب ، مثلما حدث للعبارة ، هذه العبارة بعض الناس الذين أنجاهم الله- عز وجل- قال لأول مرة أفهم معني قوله تعالي:﴿ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾(النمل:63) ، ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾(الأنعام:63) .قال لم أكن أعرف أن البحر له ظلمة ، الساعة الثانية ليلاً وفي شهر توبة والإنسان أطرافه تثلج ، حتى لو أراد أن يسبح أو يعوم يقف ، أطرافه تجمدت ، وفي بحر ليس له ساحل ، لو أنت بطل السباحة العالمي لا تستطيع أن تعرف إن كنت تمشي بالطول أم بالعرض ، لو أنا أعرف خطوط السير في البحر كنت أعرف أنني أمشي هكذا سأصل إلى الشاطئ الثاني ، لكن أكون أمشي بالطول ، ولا صريخ ، هذا هو التفويض فقد الأسباب كلها .مثل الأخ السعودي ظل نائم على ظهره ويقرأ سورة الكهف وسورة تبارك وترفعه موجة وتضعه موجة حتى لطف الله سبحانه وتعالي به ، وكانت المشكلة إن كان ثاني يوم الجمعة وكانت هناك مباراة لنا وكانت الدنيا كلها واقفة أي الذي يموت ، يموت ، لا أحد ولا صريخ .التفويض: تفقد الأسباب بالكلية فما يبقى إلا اعتماد القلب على الله- عز وجل- ، وأنت رجل نائم ألقيت سلاحك ، لا تملك من أمر نفسك شيئًا فلم امرأتك تكرهك تذبحك وتضعك في أكياس ، ستة عشر كيس ولا ثلاثين كيس وعلى حسب جسدك ، والعز يدخل في هذه المسألة ن ممكن أي حاجة أنت تدخل عمرك ما تقول أنت وضعت سم في الأكل أو تشك فيها أو غير ذلك ، فأنت نائم ، فقدت الأسباب بالكلية لأنك نائم ميت .فانظر إلى الذكر " لا ملجأ ولا منجى إلا إليك " ، أي جهة تهرب منها إلا الله ، تهرب منه إليه ، لكن أنت لما تكون هارب من ظالم تذهب إلى واحد آخر ليحميك ، لكن رب العالمين تهرب منه وتذهب إلى أين ، تهرب منه إليه " لا ملجأ ولا منجى إلا إليك " ." آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت " الأذكار الموظفة مليئة بالمعاني الجميلة ، كل ما تهضم المعني وتعرفه تزداد به إيمانًا ,فلما نقرأ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾ ، إذا كانت هكذا يسهل عليك عند الموت أن تقول:" لا إله إلا الله " لأن " لا إله إلا الله " هي الأمانة التي قال الله- عز وجل- فيها:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾(الأحزاب:72) ، و " لا إله إلا الله " هي الأمانة أيضًا التي وردت في حديث حذيفة في الصحيحين قال:" إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، فعلموا من الكتاب وعلموا من السنة "الجذر:جذر كل شيء أصله ، أصل الشيء .فالأمانة :هو الإيمان ، الإيمان: الذي هو أصل الكلمة " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، فنزل الإيمان في أصل قلوب الرجال ، فلما نزل القرءان كان الإيمان متقدماً فلم ينكروا آية ، ولم يعترضوا على رب العالمين لا في قليل ولا في كثير ، لأن الإيمان متقدم .كما روى بن ماجه بسند صحيح في مقدمة السنن عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه- قال: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرءان فازددنا به إيمانًا .اليوم الجماعة الذين يعترضون على الآيات وعلى الأحاديث وغير ذلك ، ليس عندهم إيمان متقدم ، العملية بيضاء كلها ، ليس فيها أي شيء ، يرد عليه الأحاديث يقول: معذرة أنا لست مقتنع به لأنها أحاديث آحاد ، ولابد أن يبلغ مبلغ التواتر ، مثل عمر بن عبيد واحد أفتي فتوى ، فقال له: إن سمرة بن جندب نقل عن النبي- صلي الله عليه وسلم- كذا وكذا ، قال ما تفعل بسمرة ؟ قبح الله سمرة ,عمر بن عبيد هذا كان يجمع خمسة ألوان من البدع ، كل بدعة تهدم بلد إنسان واحد عنده خمسة ألوان من البدع ، وهذا كانت علامة الصلاة في وجهه كركبة العنز ، تبرز إلى الخارج هكذا ، حتى كان المنصور إذا رآه يخضع لفرط زهده وتجافيه عن الدنيا ، وهذا كلام بن الجوزي ، زاهد متصنع في الظاهر يحوي كل هذه البدع ، والمنصور لما كان يراه كان يقول:
كلكم يمش رويد كلكم طالب ** صيد ، غير عمر بن عبيد .
كلكم تمشون على مهل لأنكم تبحثون على شيء ، كلكم طالب صيد غير عمر بن عبيد فكيف وصل إلى الزهد وعلامة الزهد وهو رجل يجمع خمسة ألوان من البدع ، وهذا كلام سنبسطه إن شاء الله تعالي , فيقول له جندب بن عبد الله البجلي: تعلمنا الإيمان إذًا الأيمان يُتَعلم كيف تتعلم الإيمان ؟ هذا بحث إن شاء الله سنذكره ، لأن فيه ناس تريد أن تؤمن ولا تستطيع أن تؤمن ، يقول لك: كيف أتعلم الإيمان ؟ أنا ممكن أتعلم القراءة والكتابة ، وأتعلم العلم ، وأتعلم الأصول ، لأن أمامي كلام ممكن أحفظه أختصره ، لكن الإيمان هذا ، كيف أتعلم الإيمان ، فالإيمان كان عند الصحابة متقدمًا على الوحي ، لما نزل الوحي قالوا سمعنا وأطعنا ، وحتى في المرات القليلة الذي اعترضوا فيها ، مجرد أن بُين لهم انتهي الأمر .كما في حديث أبو هريرة عند مسلم لما نزلت خواتيم البقرة:﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾(البقرة:284) ، هذه مشكلة ، كل إنسان منا تمر عليه من الخواطر ما لو نفذها لدخل النار ، يريد أن يقتل أو يسرق أو يزني أو يشرب الخمر ، يريد أن يعمل كل حاجة ، خواطر تمر على الإنسان ، فلما نزلت صعب عليهم هذا ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ فجاءوا وبركوا على الركب ، وقالوا يا رسول الله جاءت التي لا نستطيع ، لا نقدر على ذلك ، وسواس قهري دخل علي وأسمع سب في قلبي ، وأسمع غض للقرءان في قلبي ، وأنا أكره ذلك وأبكي ليل نهار وأخشى أن أموت على الكفر ، خائف أن تستقر هذه العقائد تستقر في قلبي وأموت على الكفر فماذا أفعل فيها ؟ كيف أدفعها عن نفسي ؟ ، والله عز وجل يقول:﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾(البقرة:286) ، ماذا أعمل ؟ لذلك جاءوا وقالوا لا نستطيع .
فقال لهم:" أتريدون أن تقولوا كما قال بنوا إسرائيل سمعنا وعصينا ، قولوا سمعنا وأطعنا " ، فقالوا سمعنا وأطعنا وزلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله- عز وجل- آية الرخصة بعدها﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ ، فأناط المسألة بعمل الجوارح ، إنما الخواطر التي تمر عليك ألقيها خلف ظهرك ولا تخاف منها .في المرات القليلة التي ما اعترضوا على الشرع ولم يعجبهم الكلام ، لا ، هذا غير وارد عند هذا الجيل ، لكن لما رأوا هذا تحميلًا عليهم ولا يستطيعون جاءوا إشفاقًا على أنفسهم أن يعذبوا بالخواطر ، حتى اعتراضهم أو توقفهم كان بمعني شرعي ، فعلمهم النبي- عليه الصلاة والسلام- قولوا سمعنا وأطعنا لا يعارضون لفظًا قالوا سمعنا وأطعنا وزلت بها ألسنتهم فأنزل الله- عز وجل- آية الرخصة .
انتهى الدرس الحادي عشر
المحاضرة الثانية عشر
كنا ابتدأنا الكلام في المرة الماضية عن الذين يختطفون حكماً من حديث واحد ويتركون بقية الأحاديث أو الآيات ،ومثلنا لذلك بالمرجئة ، وقد تفر ع الكلام .
المرجئة: أي الذين يؤخرون العمال فلا يدخلونها في الإيمان ,ويحتجون بمثل قوله- صلي الله عليه وسلم-:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " قالوا ونحن نقولها ، و على النقيض الخوارج الذين يحتجون بنص واحد لإثبات الحكم كحديث أبي إمامة في صحيح مسلم أن النبي ، - قال:" من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار ، قالوا: يا رسول الله وإن كان شيئًا يسيرًا ؟ قال وإن كان قضيبًا من آراك " سواك ، واحد أخذ سواك من واحد ، سرقه منه وحلف أنه لم يأخذ هذا السواك منه ، هذا كفر أم معصية ؟ هذه معصية ، لما تأتي على الحديث تجد النبي- ، - يقول:" حرَّم الله عليه الجنة وأدخله النار " .فقال: هذا شيء من الكبائر ، وهذا واحد فعل كبيرة حرم الله عليه الجنة وأدخله النار فيكون الذين فعلوا الكبائر سوف يدخلون النار ويخلدون فيها . أهل السنة ليسوا كذلك ، بل إذا أراد أن يثبت حكماً ما جمع كل الأحاديث أو النصوص التي وردت في الباب فسلط بعضها علي بعض ، ممكن أن يكون فيه نص مطلق يسلط عليه المقيد ، أو فيه نص عام يسلط عليه الخاص ، أو فيه نص منسوخ يسلط عليه الناسخ ، أو فيه نص مجمل يسلط عليه المبين وبعد جمع النصوص كلها يخرج بالحكم الصحيح في المسألة .
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:( تَأمَلتُ أحوَالَ التصُّوفَ والزُّهَدِ فوجدهم ما بَينَ جَهلٍ بالشَّرعِ وابتِدَاعٍ بالرَّأي ويَتَدلُونَ بنصوصًا لَا يَفهَمُونَ مَعنَاها ).ثم مثل ابن الجوزي بمثال ، وهذا المثال الذي ذكره مناسب للمتزهدين ، وهو موقفهم من الدنيا ، زاهد: بمعني لفظ الدنيا ، لماذا لفظتم الدنيا ؟ قال: لأن الله - عز وجل- ذمها وحذر منها وبين أن المتكالبين عليها لا خلاق لهم في الآخرة ، لأنه كما قال الله- عز وجل-:﴿ وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (الزخرف:35) ، فأتوا بمثل هذه النصوص وببعض الأحاديث . قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:(فَمِن ذَلك ، أي من النصوص الذين فهموها فهمًا خطأ وبنوا مذهبهم عليها ) ، أنَّهم سِمِعُوا في القُرآَنِ العَزِيزِ:﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(أل عمران:185) ، أو﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ(الحديد:20) ، كل هذا ذم ثم يأتون علي حديث رواه الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله " أن النبي ، مر مع أصحابه علي شاة ميتة وقد ألقاها أهلها علي قارعة الطريق فقال: ترون هذه هينة علي أهلها ؟ " _أي لو كانت غالية عندهم ولها قيمة كانوا دفنوها ، إنما ماتت رموها علي قارعة الطريق فتكون أرخص ما يكون ، ليس لها قيمة _ " فقال - عليه الصلاة والسلام -:" والله للدُّنيَا أَهونُ على الله من هذا عَلى أَهلِهَ" قال هذه هي الدنيا جيفة يتقاتل عليها كلابها .بن الجوزي: صحح هذه المسألة قال: لا، الدنيا ليست كذلك ، لأن الدنيا فيها مصالح الآدمي وقد امتن الله- تبارك وتعالي- علي الناس بذكر ما ذَلَلَ لهم في هذه الحياة ، عندما تقرأ الثمانية عشر آية التي في افتتاح سورة النحل كلها تفضلٌ من الله عز وجل بذكر الأنعام وأنها تحمل متاعهم وقال الله - عز وجل -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا(النحل:29) .وهذا جاء علي جهة الامتنان أن الله - عز وجل - يمتن علي عباده بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا وكذلك قول الله- تبارك وتعالي-:﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الأعراف:32) ، فأباح أن يتنعم المرء لفته:وهنا لفتة أود أن أقف عندها وهي تتعلق بمسألة الوقف والابتداء في القرآن ، أنت تريد أن تعرف الذي يقرأ هذا فاهم أم لا ؟ أنظر إلي وقفاته وإلي بداياته إذا بدأ ، مثلًا الذي يفهم المعني الصحيح لا يقف علي قوله تعالي:﴿ خَالِصَةً ، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً ،الوقف هذا خطأ ، ما سر خطأه ؟ ﴿خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ نعم ليست هناك نعمة خالصة في الدنيا من النكد والكدر ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ لعباده: هذه للدنيا كلها ليس للمؤمنين فقط ، فما من نعمة إلا وهي مكدرة ، حتى تستطيع أن تستدل علي هذا المعني بالماء ، الماء الفرات العذب ، السلسبيل ، أليس من الممكن أن الفرد تقف في حلقه المياه ويموت منه ؟ ، وهذه المياه ، ليست لقمة تقف في حلقك ولا أنت تريد أن تبلع ولا غير ذلك ، هذا الماء العذب السلسبيل الفرات ، من الممكن أن الفرد تقف في حلقه المياه ويموت منه ، فمكدر أيضًا . ولذلك الله- عز وجل- ذكر ما يخدم هذا المعني قال تعالي:﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (الجن:16) ، حرف الألف في ( أسقي) مثل اللقمة في الحلق ، ولذلك أنت ممكن تقف عليه عندما تقرأ:﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ل ، ألست وقفت؟ ( لأسْقَيْنَاهُمْ ) وقفة ، بخلاف شراب أهل الجنة لا يوجد ألف . ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(الإنسان:21) ، أنظر (سَقَاهُمْ ) سهلة ، لكن الهمزة الواقفة واقفة فعلًا﴿لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ(الجن:16،17) ، هذا في الدنيا بخلاف شراب أهل الجنة لا يغص المرء أبدًا من شراب في الجنة . لذلك لا توجد نعمة في الدنيا غير مكدرة كل نعمها مكدرة فالذي يفهم لا يقف علي﴿ خَالِصَةً ﴾ ، إنما هي متى تكون فعلًا خالصة ؟ يوم القيامة في الجنة ، فمسألة الوقف والابتداء هذه مسألة تدل علي فهم ، في ذات مرة أحد القراء المشهورين جدًا في سرادق من السرادقات كان يقرأ فقرأ الآية الآتية ، فأنظر إلي وقفه وأنظر إلي فساد ابتداءه قال ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ (لقمان: 13) وقف وبعد ذلك تحذق فقال:﴿ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فجعل الباء باء قسم ، والباء هنا أساسًا ليست لقسم أبدًا ، حرف جر فعندما يبدأ ﴿ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أفسد المعني ، لأنه لا وجود لهذا المعني في الآية ، لذلك يفترض أن وقف الابتداء يخدم المعني ولا يؤسس معني غير موجود في الآية .مثلًا:بعض الناس القراء المشهورين يقرأ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (القصص: 25)فقرأها هكذا ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍوبعد ذلك قال:﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا المعني ممكن أن يكون مقبول لماذا ؟ لأن فيه بعض الإسرائيليات الذي يوجد فيها المعني هذا ، لكن أن لا أقدر أثبت المعني بهذه الإسرائيليات ، الإسرائيليات تقول: عندما جاءت ابنة الرجل الصالح ورغبت في أن تدله علي البيت قالت له أطلع أمام وأنا ورائك وتقذف له حجر أي اتجه يمين ، وتقذف له حجر اتجه شمال علي أساس لا تمشي أمامه فقد يظهر منها له ، وهذا أيضًا فيه حياء وغير ذلك هذا كلام جميل إذا كان له مساعد .مع أن المتصور أن ممكن تكون البنت عندها حياء ، وغير ذلك ، حتى لما كلمت أباها عرضت أنها تريد أن تتزوجه ، لكن كيف لفت بها ، قالت:﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ﴾(القصص:26) ، قال هذه عرضت لكن تعريض في غاية اللطف والبعد ، وقليل جدًا الذي يفهم أن البنت عرضت بأنها ممكن تريد أن تتزوج موسى- عليه السلام- .
إِذا الْوَقْفِ وَالابْتِدَاءً إِنَّمَا يُؤَسِّسُ الْمَعْنِيّ وَلَيْسَ لِتَشْيِيدِ مَعْنَىً لَيْسَ فِيْ الْآَيَةِ: وهذه الآية أيضًا تدل على أن الله- عز وجل- أباح لعباده كل شيء في الأرض إلا ما حرمه عليهم الدنيا مزرعة الآخرة ،: أنت كيف تعمل ، وكيف تصل إلى الجنة ؟ إذا لم تكون من أهل الدنيا ، في صحيح مسلم من حديث بعض أصحاب النبي ، أن النبي قال:" اعلموا أنكم لن ترون ربكم حتى تموتوا " ، رؤية الله- عز وجل- في الجنة فلابد أن يسبق الجنة المزرعة ، مزرعة الآخرة .
فَهَذِهِ الْنَّظْرَةَ الْقَاصِرَةِ إِلَىَ الْدُّنْيَا هِيَ كَانَتْ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْرَئِيْسِيَّةِ لِتُخْلَيْ هَؤُلَاءِ عَنْ الْدُّنْيَا :فتركوا عمارتها ، وكان لهم في ذلك كلام فظيع ، وبن الجوزي كرر هذا المعني في كتاب صيد الخاطر كثيرًا ، مسألة ذم الصوفية الذين ذموا الدنيا وتركوها ، ولم يتمتعوا بالطيبات ولم ينظروا إلى فعل الرسول- عليه الصلاة والسلام- أنه ما امتنع من مباح طيب ، بل كان يأكل الحلوى ويشرب العسل وكان يستعذب له الماء وكان يلبس الثياب الجيدة .حتى التصوف نفسه يقول مشتق من أشياء ، مرة يقول مشتق من الصوف أو من الصفاء ، أو الصفة ، وأشياء أخري ، يقول لك التصوف جاء من أين الاسم ؟ ، فمن ضمن المشتقات لها أنه يأتي من الصوف ، قال لماذا الصوف ؟ لأن عيسى عليه السلام كان يلبس الصوف .
حُكْمُ إِتْبَاعٌ شَرَعَ مِنْ قَبْلِنَا:من أولى أن تبعه ؟ أليس نبينا- صلي الله عليه وسلم- وكان يلبس القطن الناعم ، قال لك البس الصوف الخشن لكي يحك جلدك وكأنك تنام على الإبر ، فأنت لماذا تعذب نفسك ؟ ما هي المصلحة أنك تعذب نفسك ؟ ، والعلماء في شرع من قبلنا يقولون: ليس شرع من قبلنا شرعًا لنا في الأصل لأنه ما سيق لأجلنا ، أو كالذي يقول بعض العلماء الآخرون ، شرع ما قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يرده فإن ورد في شرعنا ما يرده فالأصل أن نتبع نبينا ،.
يقول بن الجوزي- رحمه الله- بعد ذكر بعض النصوص .قال: ( فَبَالَغُوا في هَجرِهَا من غَيرِ بَحثٍ عن حَقيقَتَهَا ، وذلك أنه ما لم يعرف حقيقة الشيء فلا يجوز أن يُمدَح ولا أن يُذَم .)أبو حازم سلمة بن دينار أحد العلماء الكبار من التابعين ممن يروي عن سهل بن سعد وطبقته من الصحابة- رضي الله عنهم- قال له عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال، أني لأجد شيئًا يحزنني ، وهذه نظرة العلماء العاملين للدنيا ، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم متروك الحديث ، أبوه زيد بن أسلم الثقة الإمام من مشايخ مالك وبن عيينة وهذه الطبقة ، لكن لا يقول أحد أنه متروك فيكون الإسناد ضعيف ، لماذا ؟ لأنه يحكي حكاية ، سؤال ، يقول إني سألت ، فهذه ليست رواية حديث حتى تتوقف علي الإسناد يقول لأبي حازم:( إني لأجد شيئًا يحزنني ، قال وما هو يا بن أخي ؟ قال: حبي للدنيا ، قال: اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء أباحه الله لي لأن الله قد حبب هذه الدنيا إلينا لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا ، ألا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئًا من شيءٍ يكرهه الله ، ولا أن نمنع شيئًا من شيءٍ أحبه الله ، فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضُرنا حبنا إياها) .طالما شيء أنت تأخذه من حل فما الإشكال ؟ الرسول- عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً أشعث الشعر وسخ الثياب ، فقال له:" أربّ مال أنت ؟ عندك فلوس وأموال ، قال:" من أي المال " ؟ عندك إبل أو غنم أو فلوس كثيرة ، قال: من كل المال ، قال له:" إن الله إذا أنعم على عبده أحب أن يرى اثر نعمته عليه " ، طالما عندك فلوس فلتظهر بمظهر جيد لأن ركاكة المظهر فيه نوع شكوى ، طالما أنك تقدر ، أما إذا لم تكن تقدر على مثل هذا فلا شيء عليك .مثل الإنسان يجوع اختيارًا ، أو يجوع اضطرارًا ، الذي يجوع اضطرارًا مثل الصحابة ، لم يجدوا ما يأكلون فكانوا يصبرون ، إنما يجوع اختيارًا لماذا ؟ أمامه الطعام وسيموت من الجوع ، لماذا أنت لا تأكل ؟ يقول أنا أمرن نفسي رياضة ويترك الأكل شيئًا فشيئًا ، فشيئًا ، حتى يحدث له لطف ، يتهيأ له أشياء الشيطان قد يتهيأ للإنسان ويأتي له في صورة رجل صالح ويقول أنا رأيت ملكًا أو غير ذلك .فلماذا تترك نفسك لتجوع ؟ الله ما أراد منك هذا ولا فرض عليك هذا فيأتي المتحذلق بحديث عائشة رضي الله عنها:" أجرك على قدر نصبك " فيقول لك كل ما العمل يكون فيه تعب كل ما يكون أفضل ، أنا رجل غني وممكن أسافر بالطيارة أذهب لكي أقضي عمرة رمضان أو أحج ، يقول لك لا ، أنا أركب سيارة من السيارات القديمة التي تتسبب في الألم لكي يصل متعب ، فيقول أنا أقضي ثلاثة أو أربعة أيام في الطريق لأن" أجرك على قدر نصبك "كل ما تتعب أكثر كل ما تأخذ أجرًا أكبر .
الْمُرَادِ بِقَوْلِ الْرَّسُوْلِ ، (أَجْرَكَ عَلَىَ قَدْرِ نَصَبِكِ ):وهذا نفس الفهم المغلوط الذي يحذر منه بن الجوزي ، لا ، " أجرك على قدر نصبك " إذا كانت المشقة لا تنفك عن العمل ، لا تستطيع أن تفصلهم عن بعض ، لكي تصل إلى الهدف لابد أن تركب الجمل ، لا تعرف غير ذلك وإلا لن تصل ، إذا كانت المشقة لازمة للعمل لا تنفك عنه فيكون " أجرك على قدر نصبك " لأن الله- عز وجل- ما قصد إعناتنا قط قال الله- عز وجل-:﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾(البقرة:185)﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾(الحج:78) إنما أراد الله بنا اليسر ، فهذا فهم مغلوط لمعنى المشقة بالنسبة للعمل .فأبو حازم سلمة بن دينار- رحمه الله- يقول له:لا يضرك أن تحب الدنيا إذا كنت لا تتناول شيئًا يكرهه الله- عز وجل- ، ولكن لتكن معاتبنا أنفسنا في غير هذا ، إن الإنسان إذا تجاوز حدود الله تبارك وتعالي . وقد وجدت كلامًا لعلي بن أبي طالب وهو مروي في عدة كتب من كتب الحديث كالمجالسة للديناوري ، وكذم الدنيا لابن أبي الدنيا وكتاريخ بغداد للحافظ الخطيب وتاريخ دمشق لابن عساكر ، وله أكثر من طريق .فسئل علي- رضي الله عنه- عن الدنيا ، وأنظر الصحابة أيضًا رضي الله عنهم كيف كانت رؤيتهم للدنيا ، فقال:( الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار نجا لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها مهبط وحي الله ومصلَّي ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أولياءه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد أذنت ببَينِهَا ) _أي بفراقها ، الإنسان إذا مات فقد فارقها _( ونادت بفراقها وشبه بسرورها السرور وببلائها البلاء ترهيبًا وترغيبًا ، فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه متى خدعتك الدنيا أو متى استدامت إليك ؟ أبمصارع أبائك في البِلىَ ، أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى ؟ ) .أي ما الذي غرك بطول المقام تعمل فيها عمل من لا يموت وأملك فيها أمل من لا يموت ، ما الذي غرك ؟ قبور آبائك ، أم قبور أمهاتك ، هذا قبر أبيك لا يزعجك وأنت لا تنتبه أنك ستدركه عن قريب ، وكذلك قبر أمك ، أيضًا أنت لست منتبه أنهم ماتوا ، أبيك كان أغنى منك ، لأن ميراث أبيك إنما انقسم علي إخوتك ، فما من واحد منكم إلا وهو أفقر من أبيه ، لأن أباه كان عنده المال كله ، فلما مات جزء هذا المال ووزع عليهم ، فما الذي غرك بطول المقام ، أمصارعهم ؟ هذه كان من المفروض أنها تنبهك, ( كم مرَّضت بيديك وعللّت بكفيك تطلب له الشفاء وتستوصف له الأطباء لا يغني عنه دوائك ولا ينفعه بكائك )، كثير من الموتى أنت جلست لتمرَّضهم ، أنت كنت الممرض له ، وأنت الذي كنت تأتي له بالدواء وغير ذلك ، ومع ذلك مات ودفنته وجلست تبكي عليه ، فما الذي غرك فيها ؟ .علي بن أبي طالب لما يتكلم هذا الكلام ، يريد أن يقول: إن المذموم الذي لا يتعظ بمصارع غيره فيركن إلى الدنيا ولا يعمل فيها بعمل من ينظر إلى الآخرة والرسول- عليه الصلاة والسلام كان في الدنيا وكانت عينه على الآخرة ، في الحديث الصحيح " أنه لما ذبح ذبحًا وأمر عائشة رضي الله عنها أن تقسم هذا اللحم على الناس ، فلما دخل عليها- ، قال لها: ما فعلت بالشاة ؟ قالت يا رسول الله ذهبت كلها إلا ذراعها ، فقال لها بل بقيت كلها إلا ذراعها " ، بقيت كلها لأن هذا كان صدقة ، فالنبي- عليه الصلاة والسلام إنما قاسها بمقياس الآخرة . مثلما يقول ، في حديث أبي كبشة الأنماري الذي أخرجه الترمذي وأحمد وبن ماجة أخرج عجزه ، قال ، " ثلاثة أقسم عليهن ما نقص مال من صدقة " هذه ليست حسبة أهل الدنيا أهل الدنيا معه عشرة ألاف تصدق بألف فصار معه تسعة ، هذه حسابات أهل الدنيا ، إنما حسابات أهل الآخرة ما نقص مال من صدقة ، لماذا ؟ لأن هذا الألف الذي تصدقت به لما ننظر إلى الآيات﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾(الأنعام:160) .اضرب ألف في عشر أمثال ، وهذا هو الواقع وحديث الرسول " إن الله يقبل الصدقة بيمينه ثم يربيها للعبد كما يربي أحدكم فلوه " .فلوه: أي الخيل ، تأخذ الخيل صغير وتظل تربيه حتى يكبر ، والله- عز وجل- يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، لا تضرب في سبعمائة ، إنما سبعمائة ضعف ، فيكون المال نقص أم زاد ؟ لا يزيد إلا بهذا المنظور ، إنما عند أهل الدنيا ينقص ، تصدق بألف وتبقى معه تسعة ، " وما ظلم عبد مظلةً فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا " ، الناس تقول كلما يظلم يقول الله يسامحك فبذلك سيجعلونك مطية لهم ، ستظل تقول الله يسامحك حتى يضرب وجهك وينقص من كرامتك ويضيع سمعتك ، لا ، لابد أن تقف له وتبين أنك قوي وأنك صاحب قوة ويأتي يقول لك " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " ، النبي ، الشاعر عمر بن أبي عزه لما شبب بنساء المؤمنين وهجا النبي ، فلما أمسكه قال له: كن خير آخذ وهذه أخر مرة ، فتركه النبي ، ، فلما جاء في المرة الثانية عمل في هذا الضلال المبين وشتم المسلمين والنساء وأمسك به قال له: كن خير آخذ وامنن علي وغير ذلك ، فتركه ، فلما عملها في المرة الثالثة وأمسكه وأراد أن يقول ما قال من قبل فقال له: لا ، " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فأمر به فقتل .يقول لك هذا الحديث يدل على أن هذا ليس على إطلاقه ، أنت تأخذ هذه النصوص وتوفق بينها ، الهدف منها أن يكون لك بصر بمعادن الناس اللئيم إذا ثبت أنه لئيم على وجه الإنصاف ، لا يكون أنت تتجنى عليه ، يكون لئيم بالفعل ، فهذا اللئيم أستعمل معه " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " ، إنما الكريمالإنسان الفاضل " وما ظلم عبد مظلةً فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا " .
يقول المتنبي:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد
مع أن المتنبي لئيم ، لماذا ؟ لأنه لما غضب عليه كافور الإخشيدي هجاه هجاءًا مقزعًا ، مع أن كافور هذا كان ممن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا ، هو بالنسبة بالقياس إلى حكام عصره كان ممتاز وكان عنده بقية من دين ، وهو الذي جاء بالمتنبي وجعل يطعمه ويسقيه ويعطيه المال ويغدق عليه ، أول ما المتنبي أحس إن فيه إهمال من كافور له سبه سبًا فظيعًا وسطر فيه الأشعار بأشياء الإنسان يستحي أن يقولها ,الإنسان إذا ثبت أنه كريم سيحفظ لك الجميل ، وهناك واحد تعمل له خدمة واحدة فقط فيظل يخدم فيك طوال عمره ويراعي هذا الجميل الذي أنت فعلته فيه ، وكل ما يقابلك يقول لك: أنا لا أعرف كيف أوفيك حقك أو كيف أرد لك جميلك ، وآخر أنت تكيل له بالخدمات فيقول لك ، هل أنت أتيت بشيء .
لذلك يقول سفيان الثوري: (نظرنا إلى أصل كل عداوة في العالم فوجدناها اصطناع المعروف إلى اللئام ) أصل كل عداوة في العالم أنك تفعل المعروف في إنسان لئيم ,الدنيا لا ينبغي أن ننظر إليها هذه النظرة ، خذ كل النصوص ووجه كل نص إلى مكانه ، لأن الدنيا أطياف شتى ، لا ينفعها نص واحد لأن كل إنسان ممكن يكون دنيا بمفرده ، فأنت تحتاج أن تعامل هذا وتعامل هذا لكن المسألة تحتاج إلى بصر .
فعلي بن أبي طالب يقول: هذه الدنيا هي مهبط الوحي ، وهي فيها المساجد مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى وبقية المساجد ، ومتجر الأولياء ، هي مزرعة الآخرة والحسنات التي تأتي بها إنما هي من بقائك في الدنيا ,فيكون المذموم أن تجعل الدنيا في قلبك ، هذا هو المذموم ، خلاصة الكلام ، إنما أن تجعلها في يدك فهذا لا حرج عليك فيه ، كانت الدنيا في يد الأولياء أيضًا ، إبراهيم عليه السلام كان غنيًا ، وأنت تعرفون داود- عليه السلام- ، وسليمان- عليه السلام- كيف كان غناهم ، وحتى إن إبراهيم عليه السلام كما ورد في بعض الآثار ضاقت البلد عن ماشيته ، واليوم عندنا أغنياء وعندنا من سماهم بن الجوزي مثل طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف والذي سنأتي على أخبارهم خبرًا خبرًا لما نأتي على هذه الفقرة .
يقول ابن الجوزي رحمه الله: ( فإذا بحثنَا عن الدُّنيا رأينَا هذه الأرض البَسيطة التي جُعِلَت قرارًا للخلقِ تَخرج منهَا أقوَاتَهُم ويُدفنُ فيها أموَاتهُم ،ومِثلُ هذا لا يُذَمُ لموضع المصلحة فيه)إذا كانت الأرض خرج لك النبات بإذن الله فهل هذه تذم ، إذا كانت الأرض تكون قبورًا فهل هذه تذم ؟ هذه مصلحة ،﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾(المرسلات:26،25)كِفَاتًا: أي جمعناهم على ظهرها ونجمعهم في بطنها ، أنت تعرف الكفتة وهي عبارة عن ماذا ؟ خليط من اللحم والأرز وخضار تقوم بطحنهم مع بعض يصيرون عجينة كفتة ، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا ﴾ ، أي جمعناهم على ظهرها وهم أخلاط تجد الأسود والأبيض والعربي والأعجمي والمسلم والكافر أخلاط مثل الكفتة بالضبط ، فهذا لا يذم لأن المصلحة تقتضي ذلك .
يقول ابن الجوزي رحمه الله: (ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان كله لمصَالح الآدمي ، وفيه حفظ لسبب بقائه) .لأنه لابد أن يأكل ويشرب وغير ذلك ، وهذا كله موجود على الأرض.
يقول ابن الجوزي رحمه الله ( ورأينا بقاء الآدمي سببًا لمعرفة ربهِ وطاعتهِ إيِاهُ وعبادته ، وما كان سببًا لبقاء العارف العابد يُمدحُ ولا يُذَم )أنت إذا لم تجد أكل ستموت وأنت إذا مت من الذي سيعبد الله ومن الذي يسبحه ومن الذي سيقوم بعبادته ، فأنت لا بد أنك تتقوى وبن الجوزي ذكر أن بعض الصوفية لا يأكل ولا يشرب ويصلي قاعد لأنه لا يستطيع أن يقف هو قال هذا الكلام ، إذًا جوع نفسه وضيع ركنًا ، لأن الوقوف في الصلاة ركن ، لو أن رجلاً صلى الفرض قاعدًا وهو قادر على القيام بطلت صلاته إذًا لما يأتي يضيع ، يضيع ما فرضه الله عليه لشيءٍ لن نقول استحبه الله له ، لأن الاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل ، فهذا جوع نفسه لدرجة أنه ضيع الفرض ، فكيف ذلك ؟ .الإنسان إذا لم يطعم وإذا لم يشرب خارت قواه ولا يستطيع أن يعبد ربه ، بل لا يستطيع وسوق الجهاد لن يقوم إلا بسواعد قوية ، الدنيا كلها ستنتهي إذا سلك الإنسان هذا المسلك ، إذاً ما أوجده الله- تبارك وتعالى- على الأرض من ماء وزرع وحيوان كله لخدمة الإنسان حتى يقتات به ويقوم بعبادة الله- تبارك وتعالي-. قال: ( فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل أو العاصي في الدنيا فإنه إذا اقتنى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم) .ونحن نريد أن نبين هذه المسألة لأن الناس طرفان ووسط في هذه المسألة ، أنا سمعت بعض المشايخ المعاصرين- رحمة الله عليهم- يرفض أحاديث الزهد وقال بالنص ، ليس من الممكن أن المسلم يطلق الدنيا وغير المسلم يتزوجها ، لذلك كل الأحاديث التي وردت في الزهد إنما هي جرعات خاصة وليست أحاديث عامة ، لا يكون هكذا والمسألة تحتاج إلي تفصيل والناس طرفان في هذه المسألة كما قلت بين الجافي والغالي .المال إذا اكتسبه الإنسان من وجه مباح يُمدح به إذا لم يجحد حق الله فيه والرسول لما أرسل إلى عمر بن العاص فقال له البس سلاحك وأتني ، لبس السلاح وأنت تعرف السلاح عبارة عن لئمة الحرب والخوذة ، الخوذة ليحمي رأسه ، واللئمة لكي يحمي ذراعه ، لأن الواحد إذا ذهب إلى المعركة حاسرًا لا يلبس الخوذة الحديد ولا اللئمة ، هي ضربة واحدة على الرأس فتشج رأسه نصفين ، أو واحد يضربه علي يديه يقطعها فماذا يفعل بعد ذلك ، فيلبس اللئمة لكي يحمي ذراعه ويلبس اللئمة ليحمي رأسه ,عمر بن العاص لبس آلة الحرب وجاء فقال له النبي صلي الله عليه وسلم- " إني أريد أن أرسلك إلي مكان كذا " وكان سيخرج إلى غزوة ذات السلاسل" لتغنم وأزعب لك من المال زعبةً صالحة " ، أي تأخذ فلوس ، تهب فتغنم وتأخذوا غنائم ويكون لك مبلغ من المال ، فقال يا رسول الله ما على هذا تبعتك ، أنا لست من أهل الدنيا ولا أريد مال ولا غير ذلك ، لأن عمر بن العاص كان من الأغنياء ، فقال له:" يا عمر: نعم المال لصالح للرجل الصالح " ونحن في هذه الأزمنة ما ضاع فقرائنا إلا بعد ما ذهب المال إلى سفهائنا ، على استعداد أن يذهب لتناول الغذاء في لندن أو باريس أو غير ذلك ، ولا يفكر أبدًا أن يطعم واحد إلا بعدما جاءت المسابقات التي تحمل رائحة الجاهلية ورائحة التفاخر ، التي تسمى بموائد الرحمن ، التي تعملها الراقصات والممثلات ويتسابقون فيها ، من الذي يطعم اللحم أكثر ومن الذي يصنف في اللحوم اللحم البارد والساخن وغير ذلك ، وأصبح الآن يقول هذه مائدة خمس نجوم وهذه أربع نجوم وهذه ثلاث نجوم وغير ذلك .والناس يتسابقوا وينفقوا عشرات الألوف على هذه الموائد ، وهذا عمل وأنا لا أدخل في نية أحد ، لكن مسألة إكرام الفقير ، لما تجعله يأكل جيد يكون في ذلك إكرام للفقير ، لا فيه ناس فقراء لا يسألون الناس إلحافًا في أمس الحاجة إلى هذا المال ، فضلاً عن أننا لا نتكلم عن أصل المال من أين جيء به ، واحدة تهز وسطها طوال السنة مثلاً ، لما هزت جيبها نزل كم ألف ، وفي رمضان يذهبوا إلى العمرة لكي يكفر عن سيئاته ، وفيه ناس توقف مسرحه في رمضان فقط احترامًا للشهر الكريم ، ويوقف المسرح كله ، وممكن يأخذ الفريق كله ويذهب ويعمل عمرة ثم يرجع ، لن نتكلم عن أصل المال لأن المسألة واضحة .دعك من هؤلاء وانظر إلى الناس الذين ينساقون مع أهوائهم ، يذهب أربع أو خمس مرات في السنة إلى بلاد أجنبية وما اعتمر قط ، وما حج قط ، وحتى لما يريد أن يأتي بالملابس ، لا يأتي به من هنا ، وأنا حدث لي موقف قديمًا لم كنت في الإمارات في رمضان ، كنت أقضي العشرة أيام الوسطى وأرجع على عشرين رمضان فإخواننا أرادوا أن يكرمونا فحجزوا لي في الدرجة الأولى الممتازة التي هي لرجال الأعمال الكبار ، القطط السمان وغيرهم ، والطائرة ممتلئة .أنا جلست وكان أمامي الجرائد أقرأ فيها وإذا بي أجد جماعة من الممثلين عندنا كان قادمين كما أنا فهمت من الحوار
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 09-30-2010, 03:45 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بعد ذلك ، كانوا قد أتوا إلى دبي ليشتروا ملابس العيد من دبي ، وكانت رحلة أسأل الله أن لا يري أحدًا منكم رحلة مثلها ، أنظر طبعًا كلهم يلبسون ملابس عارية وممثلات وممثلين ، والمضيفات والمضيفون أول ما عرفوا أن هؤلاء ، حضروا لالتقاط الصور التذكارية ويسلموا على بعض ، فقلت أركب في الدرجة المنخفضة أفضل من هذه ، تركت هذا المكان ورجعت إلى الخلف وجدت ولا مكان في الطائرة خالي ، لكي أقعد فيه وأبعد عن هذا البلاء الأزرق ، لم أستطيع أن أعمل حاجة ، كل الذي استطعت أن أفعله أني أرخيت الكرسي ووضعت الجرائد على وجهي ، وظللت طوال الرحلة والجرائد على وجهي ، ولم استمتع بالجلوس أو أي حاجة حتى نزلت من الطائرة .اليوم لما يكون ذاهب ليأتي بملابس العيد من دبي ولا يأتي بها من هنا ، فما الذي يحدث أن أتيت بملابس العيد من هنا وما بقي عنك تكسوا به فقير عاريًا لا ، هو يلبس أفخم الملابس والعريان يظل عاريًا ، إنما أهل الديانة إذا استحوذوا علي الأموال يبذلونها ديانة أيضًا لأن النص هو الذي يحركه ويعلمون أن ما عند الله خير وأبقى .والإشكال أن يذهب المال إلى غير تقي ، هذا هو الإشكال ، لكن كما قال النبي- صلي الله عليه وسلم- :" نعم المال الصالح للرجل الصالح " فمدح النبي - صلي الله عليه وسلم- المال ، حتى أن الله- عز وجل- قال:﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (البقرة:271) لكم أم لهم ؟ خير لهم متى ؟ ، إن أبديتها والآية شطران ، إبداء وإخفاء ، ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ أي نعم ما فعلتم أن تظهروا الصدقة ، لماذا ؟ لأن فيه واحد ممكن أن يغار عندما تخرج الصدقة ، فأنت تُغري الآخر أن يفعل عنده نية خير لكن ساكن كامن .حديث جرير بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم الذي قال فيه " جاء جماعة من مضر بل كلهم من مضر عليهم سمة الفقر وغير ذلك النبي- صلي الله عليه وسلم - أول ما رآهم النبي تغير وجهه وقال: فليتصدق أحدهم من ديناره ، من درهمه ، من صاع بره ، من صاع تمره ، قال: فقام رجل من الأنصار فأتي بصُرَةٍ كادت يده أن تعجز عن حملها ، بل عجزت عن حملها ووضع الصرة أمام الرسول عليه الصلاة والسلام فتتابع الناس "_ كل واحد جري علي بيته لكي يأتي بشيء "_ فاجتمع كومان من ثياب وطعام ، قال: فتهلل وجه النبي صلي الله عليه وسلم كأنه مُذهَبَة . وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة " . الصحابة الذين كانوا موجودين هؤلاء الخير كامن في النفوس ، لكن يريد واحد يستثيره ، أي واحد يفعل شيء مثل هذا ممكن كثير من أهل الخير يفعل مثله﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ نعم ما فعلتم أن تظهر الصدقة ، لماذا ؟ لأن الفقراء هم المستفيدون من هذه القصة .﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لمن ؟ للفقراء ، لأن كل الدنيا ، لكن إذا أنت خشيت علي نفسك أن سيدركك رياء وسمعة ، وكل امرؤ أدري بنفسه وحجيج نفسه ﴿ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لكم أنتم وليس هم ، الخير للفقراء الشطر الأول من الآية .فمعروف أن الإنسان قد يهيج غيره ، وأنت عندما تري واحد يبكي في الصلاة أنت تبكى ، حتى وأن لم يكن لديك نية بكاء ، فقلت له: إن الشَّجَي يبعث الشجي ، وهذا كلام متمم بن نويرة في أبيات جميلة عندما قتل أخوه مالك بن نويرة ورثاه بالأبيات الجميلة:
لقد لامني عند القبور علي البكا
رفيقي لإذراف الدموع السوافكـي
وقال أتبكي كل قبر رأيته لقبـر
ثوي بين اللوي فالدكادكـــي
فقلت له: أن الشجي يبعـث
الشجي فدعني فهذا كله قبر مالك
فقلت له: أن الشجي يبعـث الشجي ، هذا هو الشاهد ، كأنه لم يمت في الدنيا إلا مالك فما من قبر يراه إلا وهو قبر أخيه ، الشجي يبعث الشجي ، الطبع سرَّاق مثلما نقول .فنحن نريد أن نقول: المال الصالح للرجل الصالح ، فيكون هذا تزكية من النبي-
لقد لامني عند القبور علي البكا
رفيقي لإذراف الدموع السوافكـي
وقال أتبكي كل قبر رأيته لقبـر
ثوي بين اللوي فالدكادكـــي
فقلت له: أن الشجي يبعـث
الشجي فدعني فهذا كله قبر مالك
عندما أراد عمر أن يرد هذا ، والنبي- عليه الصلاة والسلام - عندما قال كما في حديث أبي ذر عندما قال: " هلك المُكثرون الذي جمع مالاً فعدده " يجلس ويعد في الفلوس ، وعنده مزاج كل فترة هو يعرف الخزنة فيها كم ، لكنه هو يخرجها لكي ينظر إلي المئات والمائتان الجديدة وغير ذلك ، ويعد وعارف أن كل لفة عشر آلاف من طراز المائة آلف لكن عنده مزاج أنه يعد .النبي- عليه الصلاة والسلام - قال علي هذا الجنس هذا " هلك المكثرونإلا من نفح بيده هكذا وهكذا وهكذا " وهو يستحق الغِبطَة ويستحق الحسد كما في حديث بن مسعود وغيره وهو " لا حسد إلا في اثنتين " من ضمن الاثنين "ورجلٍ أتاه الله مالًا فسلطه علي هلكته في الحق " ، أنظر إلى كلمة هلكته ، هل رأيت واحد مغلول من ماله لدرجة أنه ينفق بغل ، كيف يهلك المال ، هو ممدوح لهذا القيد الأخير ، قال في الحق .
إنما فيه واحد يتباري مع الآخرين ، يتبارى مثلاً سيارة الفئة السابعة ثمانمائة وخمسين ألف وأنا لا أعرف ذلك ، الأولاد الصغيرين هم الذين يقولون يقولون أنت تعرف ألبي أم الفئة السابعة ، ولد لم يخرج من البيضة يقول لنا تعرف ألبي أم الفئة السابعة ثمنها ثمانمائة وخمسين ألف ، وموجود في كفرالشيخ سيارة كانت دخلت زيارة وطلعت أظن ، مرت كالخيال ، وطبعًا في سيارات بمليون أو مليون وزيادة ، وفي الآخر ، صفيح لو دخلت في شجرة .وأنا كنت أول أمس كنت في القاهرة ورأيت سيارة عند واحد صاحبنا في ورشة ، أنا رأيت السيارة تشبه سيارة تحت الطلب وهي التي تحمل الموتى عبارة عن صندوق هكذا ، لا لها شكل ولا لها طعم ، فقال لي تعرف كم ثمن هذه السيارة ، قلت له لا ، قال ثمنها ثلاثة مليون ونصف ، قلت له تحت الطلب هذه ، ثلاثة مليون ونصف ، أنا سيارتي أجمل منها ومنظرها أحلي فقال لي: لا ، القصة ليست هكذا ، القصة أنه لو حدث حادثة اصطدمت بشيء ، تجد نفسك في وسط بالونات ، وليس مثل السيارات الحديثة البالونة تكون في المقدمة ، حتى إذا حدثت حادثة والإكصدام اصطدم في حاجة يقوم البالونة التي في التابلوه تطلع على وجهك مباشرة بت أن تصطدم بالزجاج أو غير ذلك ، فقال لك: لا ، هذا يكون ملفوف بالونات من الوجه ومن الظهر ومن الجانبين ، وذلك لكي يتلقى أي صدمة وهذا حاجة من التقنيات الحديثة وغير ذلك .صح هذا الكلام قد يكون سبب من الأسباب في هذا الكلام ، لكن الذي عمل هذه القصة أناس لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، هو متصور أن نجاته في هذا .مثل الرجل المتبرع الذي تبرع بكل ماله ، وكان مريض مرض معين وقال لهم أنا لومت بهذا المرض كل مالي أوقفوه على اكتشاف دواء لهذا المرض ، لكن ضعوني في الثلاجة ، حتى في أول ما تجدوا الدواء تطلعوني ، وتتركوني بدل ما يكون مجمد يلين ، يعتقد أنه كرغيف العيش تضعه لين يخرج لين ، لا هو اعتقد أنه إذا وضع في الثلاجة سيظل محتفظ بهذا الكلام حتى يجدوا الدواء ، ثم يعطوه بعض الحقن وغير ذلك فتعود إليه الروح .كثير من مخترعاتهم مخترعات للحفاظ على الدنيا ، للحفاظ على الحياة ، صح تنفع أهل الإيمان أنهم يتخذونها سبب من الأسباب ، لكن واضح أن في هذه المخترعات يدخل فيها مسألة عقدة عدم الإيمان باليوم الآخر .نريد أن نقول الناس الذين يتسابقوا ، كل واحد يشتري سيارة ، الأخر يشتري أفخم منها ، وأنا رأيت العجب في هذه المسائل من الناس الذين يسمون أنفسهم رجال الأعمال وغير ذلك ، وعقولهم ليست للعمل ، إنما يذهب ويأخذ له مائة وخمسون مليون ، مائتان مليون ، ثلاثمائة مليون ، على أساس أنه من رجال الأعمال ، ويشتري مكتب في أفخم العمارات ويركب أفخم السيارات ، ويعمل طقم عمال وغير ذلك ، ويأخذ له في الصحراء مائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة فدان ، الفدان بثلاثة قروش ويبدأ لكي يعمل شغل ، وهو لا يعمل شغل ، وفي الآخر إذا تداين للبنوك ولا يستطيع أن يرجع المال ، تكون الأرض سعرها عالي ، فيبيع للحكومة الأرض مرة ثانية ، فيكون هو تمتع بالفلوس ، وكان قد أخذ المتر بثلاثة جنيه فصار المتر بمائتين جنيه أو ثلاثمائة جنيه .أبيع الأرض للناس وأرجع الفلوس للبنوك ولم نعمل شيء ، وأنت تعرف سوق العقار كل ما يزداد في بلد يدل على أن الاقتصاد فاشل ، لأن تجميد الأموال في العقارات هذا تضييع للأموال السائلة .اليوم لما أنا أشتري الأرض في بلدنا المتر وصل ثلاثة عشر ألف جنيه لأنه لا توجد أراضي ، والناس تريد أن تبني ومعها فلوس ، فأنا اليوم لما أجمد أرض مائة وعشرين متر أبيعها بمليون ومائتان ألف مثلاً ، أو مليون وربع ، هذا لو مال سائل ويستثمر على الأرض كان حل لنا مشاكل كثيرة ، لكن أجمد الفلوس في عقار هذه مشكلة أيضًا .-فأنا أريد أن أقول المال عندما يصل إلى هذه الرؤوس ، الدنيا كلها تضيع فيزداد الفقير فقرًا والغني غنى ، فالنبي- عليه الصلاة والسلام- قال له عمر: ما على هذا تبعتك ، قال له: يا عمر: " نعم المال الصالح للرجل الصالح "
انتهي الدرس الثاني عشر
المحاضرة الثالثة عشر
فلا زال حديثنا موصولاً عن كلام بن الجوزي-رحمه الله تعالي- في هؤلاء الذين يعبدون الله- عز وجل- بالجهل أو بالرأي ، كالذين ذموا الدنيا لما نظروا إلى الآيات القرآنية التي ذم الله عز وجلَّ فيها الدنيا ، أو في الأحاديث التي ذكرت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أيضًا في ذمها ,وبينا أن هؤلاء اختطفوا هذا الحكم من أحاديث أو من آيات وتركوا ما يقابلها من أحاديث أو من آيات أخرى ، ووصلنا إلى كلام بن الجوزي أن الدنيا ليست مذمومة بإطلاق وليست ممدوحة بإطلاق ,أما الدنيا من حيث هي هي فلا ذم فيها لأنها أرض ، وزرع ، وحيوان وماء وهذا كله من أفضال الله- عز وجل- وإنعامه علي الخلق .
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( فبَانَ لَنا أن الذَّمَ إنما هو لأفعَالِ الجَاهلِ أو العَاصِي في الدُّنيا ، فَإِنَّه إذا اقتَنَى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم وقد عُلمَ ما خَلَّفَ الزبير وبن عوف و غيرهما)والزبير بن العوام- رضي الله عنه- لم يتولى جبايةً ولا خراجاً ولا ولايةً قط ولكن بارك الله- عز وجل- فيما لديه من المال وكان قليلاً ، وخبره العجيب في ذلك رواه الإمام البخاري رحمه الله- في كتاب فرض الخمس من صحيحه من حديث ولده عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- وهو من صغار الصحابة قال:لما وقف أبي يوم الجمل دعاني فوقفت إلى جنبه ، ويوم الجمل هو المعركة المعروفة التي دارت رحاها بين أتباع علي بن أبي طالب وأتباع معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- .
لِمَاذَا سُمِّيَتْ مَوْقِعَةِ الْجَمَلِ بِهَذَا الْاسْمِ ؟ونسبت هذه الموقعة إلى جمل عائشة وكان يعلى بن أمية اشترى جملاً فارهاً وهذا الجمل ركبت عليه عائشة وظل الذين مع عائشة رضي الله عنها- يقاتلون عنها قتالاً مستميتاً لما دارت رحى الحرب الذبون، حتى عُقر جملها قتل هذا الجمل ونسبت هذه الموقعة إلى جمل عائشة رضي الله عنها- ، لما كان يوم الجمل دعاني أبي فوقفت إلى جنبه ، فقال يا بني: أنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وإن من أكبر همي لديني ، ترى هل يبقي ديننا من أموالنا شيئًا .يا بني بع ما لنا واقض ديني ، والدين الذي كان على الزبير بن العوام ، كان ألفي ألف ومائتي ألف ، أي اثنين مليون ومائتين ألف ، كيف اجتمع هذا الدين كله على الزبير بن العوام .
أَسْبَابِ الْدِّيْنِ الَّذِيْ كَانَ عَلِيٌّ الْزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ :يقول عبد الله: كان الرجل يأتي أبي بأمانة يقول له خذ هذا المال أمانة عندك حتى أطلبه ، فيقول له الزبير لا :إنني أخشى عليه الضيعة اجعله دينًا عليَّ وإنما فعل الزبير ذلك حتى لا تذهب مروءته ، لأن إذا الرجل أعطى له كعبد الله بن جعفر مثلاً أعطى الزبير بن العوام أربعمائة ألف لكي يحملهم عنده ، لو افترضنا لصًا سرق هذا المال ، فجاء الطالب يطلب ماله فقال له الزبير سرقه اللص ، ماذا سيقول الناس ؟ سيتهمون الزبير في أمانته ، فهو يخشى على المال الضيعة ، فيقول اجعله دينًا علي ، وطالما صار دينًا عليه صار فهو حرًا فيه ينفقه ، يصرفه يتصدق به فصار دينًا عليه ,إذًا لم يستدن الزبير بن العوام ليأكل أو ليشرب أو ليجمِّل حياته ، المسألة كلها أنها كانت أمانات عنده فخشي عليها الضيعة فحولها إلى دين .
أَمْلَاكِ الْزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَوْمَ مَاتَ:أملاك الزبير بن العوام يوم مات قُوِمت بإحدى عشر داراً في المدينة ودارين في البصرة ودارين في الكوفة ودارًا في مصر وقطعة أرض في منطقة تسمى الغابة وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ، إلا أن يكون مع النبي- صلي الله عليه وسلم أو أبو بكر أو عمر , فبدأ عبد الله بن الزبير ينظر في دين أبيه ، لأن الزبير بن العوام قُتل في يوم الجمل ، فلقيه حكيم بن حزام- رضي الله عنه- فقال: كم على أخي من الدين ، وانظر إلى الصحابة عندما يتصرفوا مع بعض والأخوة التي كانت بينهم .فقال عبد الله: فكتمته دين أبي ، لم يقل له الرقم الحقيقي ، قال: دينه مائة ألف فقال حكيم: هذا كثير ما أظن أن أموالكم تفي هذا الدين ، مائة ألف من أين تسدون هذا الدين ، فقال عبد الله: أرأيتك إن كان ألفي ألف ومائتي ألف قال: لا تستطيعون قضاء هذا الدين ، ثم قال له: إن أردت أن تستعين على قضاء دين الزبير فاستعن بي ، على أساس أنه يقضي عنه ، فشكره عبد الله بن الزبير وأبى أن يأخذ من أحد شيء .بدأ عبد الله يبيع أملاك لزبير لكي يسد الدين ، فجاء على أرض الغابة وعبد الله بن جعفر وكان يضرب به المثل في الجود ، كان جوادًا كريمًا ، وكان له أربعمائة ألف ، فقال لعبد الله بن الزبير أنا أسقطها عن الزبير ، فأبى عبد الله وقال له: لابد أن تأخذ دينك ، حاول معه عبد الله بن جعفر فأبي ، قال له عبد الله: تأخذ هذه القطعة وقاس له من أرض الغابة شيئًا بأربعمائة ألف وبقي أربعة أسهم ونصف ، فجلس عبد الله بن الزبير مع معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عثمان وبن زمعة ورجل آخر لا يحضرني ذكر اسمه مذكور في الرواية ، فمعاوية بن أبي سفيان يسأل عبد الله بن الزبير عن دين الزبير فقال له بقي أربعة أسهم ونصف ، فسأله كم ثمن السهم ؟ قال له: السهم بمائة ألف فكل واحد من الثلاثة أخذ سهم بمائة ألف وبقي سهم ونصف أخذه معاوية بمائة وخمسين ألفًا ,أرض الغابة هذه كان الزبير قد اشتراها بمائة وسبعين ألفًا باعها عبد الله بن الزبير بستمائة ألف ، المهم أن عبد الله بن الزبير بن العوام قضى دين أبيه وكان الزبير له أربعة نسوة ، وكان أوصى بشيء من المال لأولاد عبد الله بن الزبير فعبد الله بن الزبير لا يمكن أن يأخذ المال له ولأولاده وأبوه عليه دين فبعد ما قضى الديون كلها ، قال له الورثة نأخذ حظنا ممن الميراث ، زوجات عبد الله بن الزبير ، وأولاده , قال: لا والله ، لا أعطي أحد منكم شيئًا حتى أنادي بالموسم أربع سنين الموسم أي موسم الحج ، قال: سوف أظل أنادي أربع سنين في موسم الحج من كان له علي الزبير دين فليأتني لأن هذا حق الميت ، لماذا ؟ لأن الإنسان حتى ولو كان فاضلًا وعليه دين يحبس لا يدخل الجنة حتى يقضي دينه .وفي الحديث الصحيح " أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان إذا جاءته جنازة .يسأل: أعليه دين ؟ فإن كان عليه دين ، قال: صلوا علي صاحبكم و إن لم يكن يصلي عليه ، فجاءت جنازة يومًا فسأل: أعليه دين ؟ قالوا: نعم . عليه درهمان ، قال: صلوا علي صاحبكم _، فواحد من الصحابة أستصعب هذه المسألة ، لأن صلاة النبي- عليه الصلاة والسلام- تنفع الميت _، فقال يا رسول الله عليَّ هذا الدين وصليِ عليه فصلي عليه - رسول الله صلي الله عليه وسلم - .وبعد ذلك لقيه النبي- صلي الله عليه وسلم - في بعض الطريق قال: قضيت الدين ؟ قال: بعد_ نحن لم نزل ندفنه ،_ بعد يوم أو يومين جاء النبي - صلي الله عليه وسلم - وقال: أنني قضيت دينه ، فقال- عليه الصلاة والسلام -: الآن برد جلده " .
قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْلَىٍ قَبْلَ تَوْزِيعِ الْمِيْرَاثِ :فالإنسان الذي عليه ديناً هذا لابد أن يسعي وهو حي في قضاء الدين أو استسماح أصحاب الأموال ، حتى يسقط هذه التبعة لأننا أصبحنا الآن في زمان يقولون فيه: الحي أولي بالمال من الميت ، طالما الميت تواري جثمانه الله يغفر له ، الأولاد ، والحالة غلاء ، وغير ذلك وربنا يغفر له ، ويأخذون ماله ويتمتعون بالمال ، ويتركونه يحاسب ، لا ، هو أولي بماله أن يقضي دينه ، ولذلك لابد أن يقضي دين الميت قبل توزيع الميراث حتى ولو أتي الدين علي الميراث كله ، لا يأخذوا فلس واحد حتى يقضي دين الميت .
فعبد الله بن الزبير أبي قال: لا أربع سنوات أنا أنادي في الموسم من كان له علي الزبير دين فليأتني ، بعد أربع سنوات وزع الميراث علي أولاد الزبير انظر كل امرأة أخذت ألف ألف ، لذلك البخاري بوب علي هذا الحديث باب بركة الغازي في سبيل الله- عز وجل- .
الْزُّبَيْرِ أُوْقِفَ حَيَاتِهِ وَفِرْسِهِ عَلَيَّ رَسُوْلُ الْلَّهِ: الزبير وقف حياته علي النبي عليه الصلاة والسلام ونال هذا الشرف الباذخ قال - صلي الله عليه وسلم-:" لكل نبي حواري وحواريي الزبير " وكان وقف حياته وفرسه علي النبي- عليه الصلاة والسلام - أَسْمَاءُ وَعَمِلَهَا فِيْ خِدْمَةِ زَوْجِهَا الْزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ:حتى أن امرأته أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- كانت هي التي تقوم بخدمة الفرس ، وتقوم بشئون الدار نظرًا لعدم تفرغ الزبير ، وحديثها في صحيح البخاري أيضًا " أن النبي- صلي الله عليه وسلم- أقطع الزبير أرضًا علي بعد ثلثي فرسخ من المدينة ، فكانت أسماء تمشي هذه المسافة لتأتي بالنوى لفرس الزبير ، وكانت تأتي بالنوى وتدقه .
حَالٍ نِسَاءْ الْعَصْرِ:النساء اليوم يقولوا: أصل زمان لم يكن لديهم عمل ، لكن نحن الآن لدينا عمل وغير ذلك ، تجد المرأة مشغلة الغسالة الأوتوماتك وبعد ذلك تؤخر الطبخ ، وزوجها يسألها:أين الطبخ ؟ تقول له: أنا طول النهار أغسل وعادي وتطلع أيضًا ظهرها يؤلمها وركبتها تنشر والغسالة شغالة .
الْجَهْدَ الَّذِيْ كَانَتْ تَبْذُلُهُ أَسْمَاءَ مَنْ الْعَمَلِ كُلُّ يَوْمٍ :لا ، أسماء تسير ثلثي فرسخ والفرسخ حوالي ستة كيلو ، أي تذهب وتأتي حوالي ثمانية كيلو علي رجلها ، لكي تأتي بالنوى وبعد ما تأتي النوى تدقه لفرس الزبير ، وأنت تعرف الفرس بسم الله ما شاء الله فمه كبير ، لو وضعت له خمس كيلو نوى يأكلهم في مرتين ، يكون دقها للنوى طيلة النهار في أكل الفرس لا يأخذ شيء عندما يأكل هذا النوى ، لدرجه أنها قالت: فأتاني أبي بكر بخادم للفرس فكأنما أعتقني ، أنظر إلي الحمل الذي كان عليها ، فكانت أسماء - رضي الله عنها - تذهب إلي أرض الزبير علي رجلها وترجع أيضًا علي رجلها حاملة النوى .
حَرَصَ أَسْمَاءُ عَلَىَ مُرَاعَاةِ غَيْرَةِ زَوْجِهَا :فلقيها النبي- صلي الله عليه وسلم- يومًا وهي عائدة من الأرض ، فأناخ البعير وقال لها: أركبي ورائي ، قالت: ودعاني للركوب خلفه ، وكان معه الصحابة كل واحد راكب ناقته ، أو البعير ، أو الحمار أو الفرس ، قالت: "فذكرت الزبير وغيرته ، فخفضت رأسها واستحيت ، فلما علم النبي- صلي الله عليه وسلم- أنها لا تريد الركوب أنطلق ",فلما رجعت قصت على الزبير ما حدث ، النبي- صلى الله عليه وسلم- دعاني للركوب خلفه فذكرت غيرتك ، فقال لها ": لمشيك أشد عليَّ من ركوبك خلفه ،" ماذا هي تفعل ؟ غيور وهي تمشي ، ولو بيده لا تخرج من البيت ولا تمشي ، وكما قلت رجل وقف حياته على النبي- عليه الصلاة والسلام- ، لكن أنظر أسماء كيف تراعي زوجها ، الصفة التي يكرهها زوجها لا تفعلها ، المرأة الصالحة تراقب عين زوجها وأنفه ، فلا يقع بصر زوجها على قبيح ولا يشم منها إلا أطيب ريح .
الْبِرْكَةِ فِيْ الْمَالِ مِنَ الْلَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-:القصد أن الزبير بن العوام لم يكن له هم إلا أن ينصر الله ورسوله ، لذلك بورك له في المال ، أنت لما تأتي وتحسب أحد عشر دارًا بالمدينة وداران بالبصرة ، ودارًا بالكوفة ، ودارَا بمصر ، وقطعة أرض ، يقضي دين اثنين مليون ومائتي ألف ، وكل امرأة تأخذ مليون ومائتين ألف من الأربعة ، هذا بخلاف بقية الورثة ، هذه هي البركة .
قطرة من فيض جودك تملأ الأرض ريا
ونظرة بعين رضاك تجعل الكافر وليا

إذا بارك الله- عز وجل- كما ورد في بعض الأخبار والإسرائيليات " أنا الله إذا باركت فليس لبركتي منتهي وإذا لعنت بلغت لعنتي السابع من الولد " أما عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: فكان أحد الأغنياء المعدودين وهذا كله بالبركة أن الله بارك له هجرة عبد الرحمن بن عوف: هاجر عبد الرحمن من مكة إلى المدينة ، وما هاجر رجل فأخذ معه مال ، كان يخرج متخفف حتى ولو له مال ماذا يفعل به ؟ لو له أرض لا يعرف أن يبيعها لأن لمن سيبيعها للمشركين ؟ المشركون أول ما يعرف أنه أسلم كانوا يضطهدونهم ويسومونهم سوء العذاب ، وإذا قدر وواحد معه مال سائل أو شيء كانوا يأخذونه منه .
تَرَكَ صُهَيْبٍ الْرُّوْمِيِّ الْمَالِ مِنْ أَجْلِ هِجْرَتُهُ:كما حدث لصهيب الرومي - رضي الله عنه - أراد أن يهاجر قال أهاجر بالليل ، واحد نمَّ عليه ، قال للجماعة القرشيين هذا هربان ومعه فلوس فانطلقوا ورائه بالخيل حتى لحقوه في مرحلة من الطريق ، واستوقفوه قالوا: أتيتنا صعلوكًا لا مال لك وتريد أن ترحل بالمال ؟ لا ، قال لهم: أن تركت لكم المال تخلون بيني وبين وجهي ؟ أنا أريد أن أذهب إلي المدينة أعطيكم الفلوس وتتركوني ؟ قالوا : نعم ، قال لهم: المال في مكان كذا وكذا أذهبوا وخذوه ،، فعندما ذهب إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- وقص عليه ما جري ، قال له:" ربح البيع يا أبا يحي " ولم يكن له ولد آنذاك ربح البيع يا أبا يحي ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة:111) فلم يكونوا يجعلوا أحدًا يخرج
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 09-30-2010, 03:49 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بالفلوس ، وتركوا ديارهم وأموالهم .
مُكَافَأَةٍ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- لَلْمُهَاجِرِيْنَ: لأجل هذا كافئهم الله- عز وجل- بأن أحل لهم الغنائم في بدر وما حَلَت لأحد قبلهم قط في الدنيا كلها قال النبي- صلي الله عليه وسلم-: " لن تحل الغنائم لسود الرؤوس غيركم " وقال- عليه الصلاة والسلام- في سبب إحلال الغنائم قال: " لما رأي الله عجزنا وضعفنا أباحها لنا " ، كافئهم عن الأموال التي تركوها في ديارهم بأن أباح لهم الغنائم ، والحمد لله زادت الغنائم حتى الآن مباحة للمسلمين إذا قاتلوا عدوهم فغنموا .
كَرَمِ الْأَنْصَارِ لَلْمُهَاجِرِيْنَ :عبد الرحمن دخل المدينة فقيرًا فأخا النبي- صلي الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فوقعت المؤاخاة بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع كما في صحيح البخاري ، وقد روي البخاري هذا الحديث في أكثر من عشرة مواضع من صحيحه ، فسعد بن الربيع أول ما آخي الرسول- صلي الله عليه وسلم- بين عبد الرحمن وبين سعد ، قال له سعد: أنا أكثر الأنصار مالًا خذ شطر مالي ، وعندي زوجتان أنظر أعجبها إليك أطلقها ثم تتزوجها ، وهذه مسألة غريبة جدًا عند العرب ، العرب قوم غيورين كافر وغيور .
الْأَجَانِبِ بِخِلَافِ الْعَرَبِ لَا يَغَارُوْنَ عَلَىَ أَعْرَاضِهِمْ:بخلاف الدياييس وهم الأجانب ، ديوس يتبادل المرأة يعطي زوجته عن طيب خاطر لواحد آخر ويأخذ زوجة الرجل الثاني وغير ذلك ، حتى أن فيه واحد أديب مشهور عندنا سنة حوالي ثلاثة وثمانين وكان عمره ثلاثة وثمانين سنة عندما ذهب إلي فرنسا في رحلة ورجع فقالوا له: ما أكثر شيء عجبك في فرنسا ؟ قال لهم الزواج الجماعي .
أَمْثِلَةِ لْغَيْرَةِ الْعُرْبِ عَلَىَ أَعْرَاضِهِمْ:فالعرب كانوا قومًا غيورين علي العرض ، ولعل مر بنا كلام سعد بن عباده ، عندما جاء هلال بن أمية الواقفي وقال: يا رسول الله وجدت رجلاً مع امرأتي ولم تكن نزلت آيات الملاعنة بين الرجل وامرأته فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" يا هلال أربعة شهداء أو حد في ظهرك " ، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله . أدع لكاعًا معها ولا أهيجه ؟ أول ما أجده معها وأذهب للطريق أقول لهم تعالوا أربعة لكي نلحق به وتشهدوا عليه ." أدع لكاعًا معها وألتمس له أربعة شهداء والله ما أعطيه إلا السيف ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" فانظروا ماذا يقول سيدكم ؟ "_ كيف ؟ لأنه يخالف الآية _فقالوا يا رسول الله: إنه غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا وما طلق امرأة فجرأ أحدنا أن يتزوجها بعده ،" الذي يطلقها سعد بن عبادة تظل طول عمرها بلا زوج لأنه غيور ، لا يتحمل أن هذه كانت في يوم من الأيام امرأته وبعد ذلك أصبحت امرأة شخص آخر ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" إن سعدًا يغار ، وأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ". مسألة الغيرة عند العرب هذه كانت مسألة كبيرة ، فكيف السماحة وصلت إلي درجة أن يقول: أنظر أعجبهما إليك ،قال عبد الرحمن المُملِق الذي ليس عنده فلس:" بارك الله لك في اهلك ومالك ولكن دلني علي السوق.أنظر إلي الناس الذي لديهم عزة نفس ، أنا أستغرب علي الشباب الذي بعد أن تخرج يجلس من غير عمل ويقول: أصل لا يوجد عمل يناسبني ، ويرضي أن يمد يده ويأخذ المال سواء من أبيه ، أو من أخيه ، أو من عمه ، أو من خاله أو يتلقي زكاة من الزكوات وهو قادر علي أن يعمل وأن يحفظ ماء وجهه ,لكن هذه هي إشكال تربية المجتمع الزراعي ، المجتمع الصناعي يقلب علي الفور لا يوجد شيء غالي عند واحد في المجتمع الصناعي ، إنما المجتمع الزراعي مختلف .وأنا مرة كنت في سفر معين فنزلت انتظار في سويسرا ، وجالس انتظر أن الرحلة التي ستذهب إلي البلد كنت ذاهب إليها وهي أسبانيا وقتها ، فكنت منتظر الطائرة حتى نأخذ أربع أو خمس ساعات في المطار ، فجلست أراقب الناس التي تمشي ، فوجدت رجل وزوجته طبعًا كل واحد يحمل متاعه في مخلة مثل مخلة الجيش علي كتفيه، وولد ابنهم الصغير مثلهم بالضبط يحمل مخلة مثلهم وكانوا يتجولون في المطار يذهبون ويعودون كأن المخلة كانت ثقيلة علي الولد قليلاً ، صار الولد يصرخ وأنا فهمت من الحركات أنه يقول أنها ثقيلة عليه خذوها مني ، لا الأب نظر إليه ولا الأم نظرت إليه ، فخلع الولد هذه المخلة ورماها وأخذ يتمرغ في الأرض ، تركوه هم سيعودن إليه ، والولد بعد أن تمرغ علي الأرض قعد ووضع يده على خده ثم قام يجرى وحمل المخلة وانطلق ورائهم ,نحن إذا حدث هذا عندنا نقول له ما بك يا حبيبي ، ثقيلة عليك هات هذه نحملها عنك أن أحمل المخلتين وأنت امشي فارغ ، ليس في هذا مشكلة ن لا ، هذا أثر التربية في المجتمع الزراعي .
مَا الْمُرَادُ بِتَرْبِيَةِ الْمُجْتَمَعِ الْزِّرَاعِيِّ هَذِهِ ؟ المزارع أو الفلاح يرمي البذرة في الأرض وينتظر البذرة لما تطلع ، طلعت بورقتين يبدأ يتخلص من الحشائش والنجيل وغير ذلك ، ثم بعد أن تكبر قليلاً يرويها في مواعيد معلومة وينتظر ، ثم يبدأ يضع لها كيماويات ومبيدات ، أي فيه شيء من التواكل ، وتجد الواحد حتى منا يقول له والده أنت أثناء الدراسة لا علاقة لك بالعمل ، أنت عليك أن تذاكر وتتفوق وأنا أصرف عليك ، يطلع الولد في الدراسة يذاكر وفي الأجازة يقول أتركه أصله متعب طوال العام ,وطبعاً لم يتعب ولا يحزنون ، كلهم يلعبون ، ولا أحد يذاكر ولا حاجة ، فيكون الولد في المدرسة يذاكر أو في الجامعة وفي الأجازة يجلس في البيت لا يعمل ، وبعد أن ينتهي من الجامعة لا يحسن شيئًا ، أبوه كل مدة يقول له: اذهب وابحث عن عمل ، وهو لا يعرف حاجة ، لم يتعلم شيئًا ، لما بسبب أنه منتظر ، كما ترمي البذرة في الأرض وتنتظر لما تخرج الورقتين ، هو منتظر لما تأتي له الوظيفة ، ولابد أن تأتي له وظيفة معقولة تناسب الطموح الذي عنده والدراسة الذي عنده والليسانس أو البكالوريوس ، ومتواكل على هذه المسألة ,فهذه لها تأثير ، تربية المجتمع عمومًا هي تربية خاطئة ، جعلت الشباب كله متواكل لا يريد أن يعمل ، أنا فاكر قديمًا وأنا في الصف الأول الثانوي كان عندنا في بيتنا بيتان وباب وسط ، البيت الذي نعيش فيه ، وباب الوسط يذهب بك على بيت الدجاج والبهائم أي الحظيرة ، وكانوا وهم يعملون الباب الظاهر لم يجدوا حاجة معينة ، فبدل من أن يضعوا ترباس لغلق الباب أحضروا خشبة لغلق الباب .أنا في يوم من الأيام الباب انفتح ودخل علينا الدجاج فأنا قمت لأجمعهم وأدخلتهم إلى الداخل وبحثت عن الخشية لأغلق الباب فلم أجدها بماذا أغلق الباب ، وصعدت على السطح ولم يكن فيه أسطح خراسانية أو غير ذلك ، لا البيت بالطوب اللبني وفوقها القش الذي كان يعتبر وقود للفرن وغير ذلك ، وتجد ثلاثة أمتار من القش فوق السطح وهذا القش يكون فيه الخشب وفوارغ الذرة بعد أن نزعنا منه الحب وأظل أبحث داخل القش وذلك لكي أجد ما أغلق به الباب ، فربما أظل أبحث ثلاث ساعات حتى أجد الخشبة أو غير ذلك .مع أنه كان بإمكاني أن أحضر مسمار واثنيه وأعمله ترباس ، لا ، لم تخطر على عقلي ، أنا أريد خشبة أي خشبة ، وهذا نوع من تربية المجتمع الزراعي لم أتعود أن أعمل رأسي ، طلعت ووجدتها هكذا ، فهي هكذا ، وأنا أقول للشباب أنت عندك أكبر استثمار وهي صحتك ، أخرج واعمل أي عمل ليس عيب أنك تعمل أي عمل ، لابد أن تعف نفسك لتكون ذا مروءة لأن مد اليد سيء ، يجعلك سميك الوجه ، وليس عندك مروءة مع طول الزمان .عبد الرحمن بن عوف يقول له: يعرض عليه نصف المال أكثر أهل المدينة مالاً كان سعد بن الربيع ويزوجه بدون مال ، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق ، انطلق عبد الرحمن- رضي اله عنه- يتاجر في السوق بقدر ما أعجبني بذل سعد وسماحة نفسه أعجبني نبل عبد الرحمن وأنه لم يأخذ شيئًا من مال أخيه .بعد عدة أيام الرسول- عليه الصلاة والسلام- وجد عليه صفرة ، وهذه الصفرة تكون على العروس ، فلما لقيه في بعض الطرق قال:" مهيم يا عبد الرحمن " _، ما هي الحكاية ؟ قال: تزوجت ، بعد أيام قليلة تزوج _ قال: بكم أصدقتها ؟ قال بنواة من ذهب ، قال له: بارك الله لك أولم ولو بشاة " وكان عبد الرحمن لو تاجر في التراب لربح ، حمل حفنة تراب من على الأرض وتاجر فيها لربح ، وغنى عبد الرحمن معروف ، ولما مات كان له زوجات كل زوجة أخذت الثمن ، ثمن المرأة مائة ألف ، يوم مات خلف ألف بعير وثلاثة ألاف شاة ومائة فرس وعشرين ناضحاً كان يزرع بها أرضًا في الجرف ، مكان اسمه الجرف على بعد أميال من المدينة .
عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ الَّذِيْنَ سَبَقَتْ لَهُمْ الْحُسْنَىَ:سبقت له الحسنى حديث صحيح رواه يعقوب بن سفيان الفسوى في تاريخه والحاكم في المستدرك ، أن عبد الرحمن بن عوف غشيَّ عليه حتى ظنوا أنه مات ، وانطلقت زوجته أم كلثوم بنت عقبة إلى المسجد لكي تجد أحد يسمعها كلمتين في الصبر على فقد الزوج ، وبعد مدة أفاق عبد الرحمن .
أول كلمة نطقها بعد ما أفاق كبر ، فلما كبر ، كبر بتكبيره أهل البيت ، لم كانوا يعتقدون أنه مات ، فقال لهم غُشيَّ عليَّ ؟ قالوا نعم ، قال: رأيت أن رجلين أخذاني وفي احدهما غلظة وفظاظة ، فقالا لي: تعالي نحاكمك إلى العزيز العليم فاعترضهما رجل ، فال لهما إن هذا ممن كتب الله له السعادة وهو في بطن أمه وسيمتع به بنوه إلى ما شاء الله ، فعاش بعد هذا شهرًا .مات عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان عن خمس وسبعين سنة .
حَدِيْثٍ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ:أما الحديث الذي له طرق أن عبد الرحمن - رضي الله عنه- يدخل الجنة حبوًا بسبب غناه فكل الطرق لهذا الحديث لا تصح وهو حديث منكر ، وفي بعض طرق الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ظل ينتظر عبد الرحمن وهذا الكلام في الآخرة بعد ما يدخل الجنة ، حتى يأس أن يراه ، فلما جاء عبد الرحمن قال له النبي- صلي الله عليه وسلم- ما ظننت أني أراك ، قال يا رسول الله من شدة الحساب ,ولكن كما قلت لكم هذا الحديث حديث منكر لا يصح .
انتهي الدرس الثالث عشر
المحاضرة الرابعة عشر
فلا زال حديثنا موصولاً عن كلام بن الجوزي-رحمه الله تعالي- في هؤلاء الذين يعبدون الله- عز وجل- بالجهل وإما بالرأي ، وصلنا إلى كلامه عن الدنيا وعن المال قال رحمه الله: ( فبَانَ لَنا أن الذَّمَ إنما هو لأفعَالِ الجَاهلِ أو العَاصِي في الدُّنيا ، فَإِنَّه إذا اقتَنَى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم ,وقد عُلمَ ما خَلَفَ الزبير وبن عوف و غيرهما ، وبلغت صدقة علي- رضي الله عنه- أربعين ألفًا وخلَّف بن مسعود تسعين ألفًا )أما علي رضي الله عنه: فكان فقيرًا في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى أنه- رضي الله عنه- لما أراد أن يتقدم لخطبة فاطمة- رضي الله عنها- لم يكن معه المهر ، حتى قال له النبي- صلى الله عليه وسلم- أين درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا وكذا ، الدرع التي كان يقاتل بها ، كان يلبسها إذا قاتل ، وهي درع من حديد ، فجعلها مهرًا لابنته ، ولم يكن معه مالٌ يتمول به ، وصل به الحال- رضي الله عنه- أنه تمول وتقدم في إحراز المال حتى أن صدقته بلغت أربعين ألفًا ، التي هي الزكاة . (وخلف بن مسعود تسعين ألفًا .)وكان أيضًا بن مسعود- رضي الله عنه- ممن لم يتمول في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- وإن كان هذا الخبر أن بن مسعود تمول تسعين ألفًا لا يصح من جهة النقل لأن فيه سيف بن عمر ، وهو متروك .و كان- رضي الله عنه- فقيرًا حتى كانت امرأته تعطيه زكاة مالها ، كما ثبت في الصحيحين من حديث زينب امرأة بن مسعود أنها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:" تصدقن ولو من حليكن، فلما سمعت زينب زوجة بن مسعود ذلك وكانت تنفق على أيتام في حجرها ، فقالت لابن مسعود سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هل يجوز أن أصرف لكم أموال الصدقة أي الزكاة ، فقال لها بن مسعود: سلي أنت ، فانطلقت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لتستفتيه ، قالت: فوجدت امرأة من الأنصار بالباب حاجتها حاجتي ،وكانت المرأة الأنصارية هذه اسمها زينب أيضًا ، قالت: فمرَّ بنا بلال فقلنا له: سل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن كذا وكذا_ أي عن المسألة التي من أجلها ذهبت_ ,فقال يا رسول الله إن امرأة بالباب تقول كذا وكذا ، قال: من هي ؟ قال: زينب ، قال: أي الزيانب ، قال: زينب امرأة بن مسعود ، قال: " نعم لها أجران أجر الصدقة وأجر القرابة " أي أن المرأة يجوز إن كانت صاحبة مال أن تعطي زوجها من مال الزكاة ، لماذا ؟ لأنه هو أولي ينفق على أولادها وينفق عليها ، فكان بن مسعود_ رضي الله عنه- كذلك .وحديث أيضًا ترويه رائطة ، وهي أم ولد بن مسعود ، أم ولد تدل على أنها أمة ولم تكن حرة ، وكان أيضًا لها مال وحدث معها مع بن مسعود نفس الكلام ، لكن الزيادة في حديث رائطة ، أنها قالت: "إن إنفاقي عليكم حرمني من الصدقة " لأنها كانت تتصدق على الناس ورأت إن إعطاء بن مسعود الصدقة حرمها أن تتصدق ، فسألت إذا كانت ما أعطيه لك من الصدقة إنما إذا كان لا يعد من الصدقة فهي تريد أن تحرز أو تصيب سهمًا في التصدق بن مسعود رضي الله عنه ما مات حتى كان موسرًا . (وَكَانَ الْلَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُسْتَغَلَّ كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِيْنَ أَلْفا )وكان الليث بن سعد يستغل : أي كانت غلته ، غلة الأرض والتجارة وغير ذلك ، كان يستغل كل سنة عشرين ألفًا ,الليث بن سعد فقيه أهل مصر وبن الجوزي يدلل على أن الفضلاء كانوا يمتلكون المال ، أي أن المال ليس عيبًا ، لأنه لو كان اقتناء المال يذم ما تموله هؤلاء الفضلاء ، وهذه هي الأمثلة التي يضربها بن الجوزي- رحمه الله- .يقول: الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفًا ، والليث كما قال الشافعي- رحمه الله - ، قال: الليث أفقه من مالك ، لكن أصحابه لم يقوموا به .وهذه أرزاق ، الصحبة أرزاق ، المذاهب ليست أربعة فقط كما قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس ، المذاهب الأربعة الفقهية عند أهل السنة ، وهي المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي ، لا ، هؤلاء العلماء رزقوا بتلاميذ نجباء نقلوا أقوالهم وفسروها وحرروها وبحثوا عن القواعد التي يمكن فتاوي الإمام تلتئم عليها ، فالليث لم يقم أصحابه به ، سفيان الثوري ، أبو عمر الأوزاعيأبو عمر الأوزاعي: هذا كان إمام أهل الشام حتى قال فيه مالك:لا يزال أهل الشام بخير ما بقي فيهم الأوزاعي ، ويوم مات الأوزاعي جاء رجل إلى سفيان الثوري فقل له يا أبا عبد الله رأيت أمس كأن وردة قلعت من الأرض وارتفعت في السماء ، قال ويحك أنظر ما تقول ؟ لو صحت رؤياك مات الأوزاعي ، فجاء نعي الأوزاعي من أخر النهار .
الْثَّوْرِيُّ وَتَقْدِيْرُهُ لِلْأَوْزَاعِيِّ بِرَغْمِ الْخِلَافِ :هذا الكلام يقوله سفيان الثوري عن الأوزاعي مع أنه جرت بين الأوزاعيوبين سفيان الثوري مناظرة في فرع من الفروع الفقهية فاحتد عليه الأوزاعي وقال له: قم بنا نلتعن عند المقام أينا أصوب ، أي يلعن بعضنا بعضًا عند المقام في البيت الحرام فتبسم سفيان الثوري وقال لم يصل الأمر إلى هذا ، وانتهت المناظرة وإذا سفيان الثوري آخذٌ بلجام بغلة الأوزاعي ، يسلُّ بغلة الأوزاعي في الزحام ويقول أوسعوا لبغلة الشيخ ، من الذي يعمل ذلك ؟ سفيان الثوري يأخذ لجام بغلة الأوزاعي ، هؤلاء هم الذين رباهم العلم ، كانوا يتزينون بالعلم .
وأنا في الحقيقة أتمني أن الأخوة يطلعوا على تراجم أهل العلم ، ممكن يختلفوا لكن تبق الأخوة كما هي ، أنا لا أتصور أن تعصف مسألة خلافية بإخوة اثنين فإن حدث فالواقع أنه ليس بينهما أخوة أصلاً ، لأن الأخوة بنيان متين ، لا تعصف به لا مسألة ولا اثنين ولا عشرة ولا عشرين ، نحن نختلف لكن الأخوة ليس لها شأن بذلك الموضوع ، إلا أن نختلف في الأصول خلافًا يفرق مثل القول بخلق القرءان فرق بين أحمد وبين أحب الناس إليه وأقرب الناس إليه ، مثل يحي بن معين وعلى بن المديني ، نعم ممكن ,لكن في الفروع ، الفروع أكثر أن تنضبط ، الأخوة بنيان متين لا تعصف به الخلافات الْشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ فِيْ الْأُخُوَّةِ مَعَ الْخِلَافِ:يونس بن عبد الأعلى أحد الأئمة الثقات ، وهو من مشايخ البخاري ومسلم وكان رفيقًا للشافعي ، قال: اختلفت مع الشافعي في مسألة ، فجاءني والشافعي هذا شيخ يونس ، والشافعي حاجة كبيرة جدًا جدًا ، ولا أعبر عنه بقلم ، شيخه واختلف مع التلميذ ، قال يونس التلميذ فجاءني فطرق بابي وأخذ بيدي ، وقال يا أبا موسي ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة ، هل ينفع أن نظل على الأخوة حتى لو اختلفنا في كل مسألة ولم نتفق في مسألة ، طالما هذه المسألة مسألة فرعية .فهؤلاء الأئمة الكبار كانت لهم مذاهب ، مثل داود الظاهري له مذهب الظاهرية كذلك بن جرير الطبري أبو جعفر الإمام الكبير كان له المذهب الجريري وكل هذه المذاهب التلاميذ لم يقوموا ،من يمن الشيخ ، من يمن طالعه أن يرزق بتلاميذ أوفياء هم الذين ينقلون علمه .
مَافَعَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ لِلْمَذْهَبِ الْشَّافِعِيُّ:البيهقي مثلاً هو صاحب الشافعي ، الصحبة المعروفة عند المتأخرين أن كل من تمذهب للشافعي صار من أصحابه ، لو تعرفوا ما الذي فعله البيهقي للمذهب الشافعي ،كتيبة من أهل العلم لا يعرفون أن يعملوا ما عمله البيهقي الشافعي حتى قال الجويني ما من شافعي إلا وللشافعي عليه فضل إلا البيهقي فله الفضل على الشافعي لأنه قرب مذهبه وذب عن المذهب أمام الخصوم الكتب الفقهية التي صنفها البيقهي لخدمة المذهب الشافعي,وصنف كتاب معرفة السنن الآثار وصنف كتاب الخلافيات التي كانت بين أبي حنيفة والشافعية وصنف كتابًا في تخريج أحاديث الأم للإمام الشافعي . والمسائل التي توقف الشافعي في الحكم بها لأنه لم يعرف صحة الحديث اثنين وخمسين مسألة ، موجودة في كتب البيهقي كلها ، والحافظ بن حجر العسقلاني جمع كل هذه المسائل في كتاب لا أعلم عنه شيئًا وهو لا يزال مخطوطًا سماه[ المنحة فيما علق الشافعي به الحكم على الصحة ] يقول إن صح هذا الحديث قلت به .الحاصل: أن المذاهب الفقهية كثيرة ، لكن أصحاب حرروا المذهب ونقلوه لمن بعدهم وآخرون لم يقوموا بالمذهب ، من هؤلاء العلماء الفضلاء الكبار الليث بن سعد وهو إمام أهل مصر وهو أفقه من مالك كما قال الشافعي وحسبك بالشافعي حكمًا ، لاسيما فيما يتعلق بالفقه .(وَكَانَ سُفْيَانُ يَتَّجِرُ بِمَالٍ ).سفيان الثوري أبو عبد الله الإمام الزاهد القدوة شيخ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث وكان العلماء يفضلونه على شعبة ، هم الاثنين كفرسي رهان شعبة بن الحجاج وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وكان شعبة يفضل سفيان على نفسه ، يقول: سفيان أمير المؤمنين في الحديث ,الذي يقول ، ما أشد إنصافهم ، كان لما يُزكي يزكي يحي القطان يقول: لا أقدم علي شعبة في زمانه أحد ، وإن خالفه سفيان فالقول قول سفيان ، وهذا كلام يحي القطان ، وما أدراك ما يحي القطان ، بن سعيد- رحمة الله عليه ,فسفيان في الحديث في السماء وكذلك في الفقه وفي الزهد كان كذلك وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان كذلك ، كان إذا دخل سوقًا من الأسواق لا يفتر لسانه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رأوه في السوق ومعه مال ، فكأن بعض الناس تعجب كيف سفيان الثوري الزاهد العابد يكون معه فلوس مثلهم ، فقال له يا أبا عبد الله: أمعك دراهم ؟ قال له: اسكت لولاها لتمندل بنا الملوك ، كانوا جعلونا كالمناديل ، وأنت تعرف المنديل أنت تستعمله وترميه في السلة .فسفيان يقول: أن هذه الدراهم تعصم المرء لاسيما أن كان عالمًا أن يريق ماء وجهه ، لأنه لا يوجد شي إلا بمقابل ، والملوك يعطون عطاء من لا يخشي الفقر ، لماذا ؟ لن الخزائن تحت أيديهم .أبو دلامة الشاعر: أخذ ثلاثين ألف درهم في ثلاث أبيات ، كان هو والمهدي وسليمان بن علي في رحلة صيد ، يصوبوا ، المهدي أصاب ظبيًا وسليمان صوب فأصاب كلبًا ، وهم أخذوا أبو دلامة أصلًا لكي يضحكوا به حتى يكون نديم جميل ، ويقول بعض الشعر ، ويجعل الرحلة جميلة ، فقال له المهدي: قل لنا شيئًا في هذا الأمر ، أنا رميت ظبي أصبته وهذا رمي كلباً و الكلام كان عندهم علي البديهة قال :
قد رمي المهدي ظبيًا
شك بالسهم فؤاده
وعلي بن سليمـــــة
رمي كلبًا فصـــاده
فهنيئًا لهما كــــل
امرؤ يأكــــل زاده
فطبعًا هذا المهدي أمير المؤمنين ، وهذا علي بن سليمان رئيس الوزراء فرئيس الوزراء لا يوجد مانع أن يهان ، لكن المهدي لا يقرب منه أعطي له ثلاثين ألف درهم ، كل بيت بعشرة آلاف درهم ، يعطون عطاء من لا يخشي الفقر الخزائن كلها تحت أيديهم لا أحد يقول له ماذا تعطي ؟ ,المأمون مثلًا عندما دخل عليه النضر بن شميل وطبعًا النضر بن شميل إمام في النحو ، واللغة ، والحديث ، وكان يعيش في بغداد وهو طالع بغداد شيعه ثلاث مائة عمامة فقال: يا أهل بغداد لو وجدت عندكم مُدًا من باقلا ما خرجت من بغداد ، لو أجد كل يوم كيلو فول لم أخرج من بغداد ، هل الثلاث مائة هؤلاء لا يعرفون أن يوفروا كيلو فول لكي لا يخرج النضر من بين أيديهم ؟ لا يوجد لديهم ، خرج النضر بن شميل هذا الإمام الكبير فذهب إلي مرو ، ومرو هذه كان فيها المأمون أمير المؤمنين ، فعادة الناس قديمًا وهم الخلفاء كانوا يقربون أهل الدين ، وأهل اللغة ، فقال لهم: التمسوا لي واحداً أتكلم معه يكون نديمي ، فبحثوا له ثم أتوا بالنضر بن شميل ,فالنضر أتي وهو يلبس ملابس ممزقة ومقطعة ، فأول ما دخل علي المأمون فقال له: يا نضر أتجالس أمير المؤمنين بهذه الخُلقَان ؟ ، قال: يا أمير المؤمنين إن حر مرو شديد ، وهذه فتحات تهوية وليست ملابس ممزقة ، ولكنها للتهوية قال له: لا ولكنك رجل زاهد ، قال: ثم جري ذكر النساء ، فالمأمون قال: حدثنا هشيم بإسناده ، وكان الإسناد مرسل أن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال: " إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان سَدَادًا من عِوَل " , فالنضر قال: صدق أمير المؤمنين حدثنا ثم ساق بإسناد نفسه " إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كانت سِدَادًا من عول " ، المأمون قالها سَدَاداً ، فهو لن يقول له أخطأت يا أمير المؤمنين أو مثل هذا ، لا , كانوا يعرفون من يخاطبون ؟ وطبعًا الناس لهم منازل ، والملوك يستصعبوا أحد يقول له أنت أخطأت ، لأنه يلبس الملك وأنت تكلمه ، فمخاطبة الملوك لها فقه الشافعي عندما كان يخاطب الخليفة كان يقول له: يا بن عم رسول الله ، فلا يهيجون قلوب الملوك فهو أراد أن يعرفه خطأه ، فساق الحديث بإسناد نفسه ولكنه صحح اللحن اللغوي ، هو قال سَدَاداً النضر قال سِدَاداً ، و قال: وكان متكأ فجلس ، لأن اللحن كان مصيبة عند هؤلاء .
حِرَصَ الْخُلَفَاءِ عَلَىَ تَعْلِيْمِ أَوْلَادُهُمْ:الخليفة كان أولاده يأتي لهم بأكابر العلماء في النحو واللغة ، والفقه ، والحديث قبل ما يكون ولي العهد لابد أن يكون عالم ، يجلس في وسط العلماء وليس مثل الأصم في الزفة ، يتكلم ، ويأخذ ، ويعطي عنده أسانيد وغير ذلك كان متكأ فجلس قال: أتلحنني يا نضر ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين ، ولكن الذي لحن هشيم ، هو لم يفتري علي هشيم أيضًا ، حتى لا يفكر أحد أنه أراد أن يجامل المأمون علي حساب هشيم بن بشير الإمام الثقة الكبير .
هُشيم بن بشير: شيخ المأمون الذي حدثه بهذا الحديث ، وهشيم هذا شيخ الإمام أحمد بن حنبل ، وهشيم هذا حدوته كبيرة ، كل ما أمر بعالم من علماء الحديث يصعب علي أن أمر من غير أن أحكي حكايات عنه ، لأنهم أئمة كبار لكن هشيم كان لحانًا ، كان يلحن هشيم كان هذا فيه كان لحانًا ,قال: إنما لحنه هشيم ، فتبع أمير المؤمنين لفظه هشيم ، وهذا أيضًا فيه مبحث من علم الحديث .
هَلْ إِذَا تُلْقِيَ الْشَّيْخُ الْلَّحْنُ مِنْ شَيْخِهِ يَقُوْلُهُ كَمَا هُوَ أَمْ يُصَحِّحُهُ ؟ فالعلماء يقولون: بل يقوله كما هو ، ثم يعلق بما شاء لاحتمال أن تكون لغة وهو لا يدري ، فلا يصح إذا كان رجل بصريًا يتبع مدرسة أهل البصرة في النحو مثلًا أن يأخذ الحديث عن رجل كوفي ، فيُخضع مذهب الكوفيين للبصريين ، وأنتم تعرفون البصرة كان علي رأسها سيبويه ، ويمكن مذهب أهل البصرة هو المنتشر في المشرق أكثر من مذهب الكوفيين ,مذهب الكوفيين في النحو كان علي رأس الإمام الكسائي علي بن حمزة الكسائي صاحب القراءة المتواترة المشهورة ، فمن الممكن أن يكون هناك قاعدة مثلًا عند الكوفيين هي خطأ عند البصريين ، فأنا كرجل مثلًا بصري أخذت الحديث عن شيخ كوفي بلغة معينة ، فلا يصح أن أقول هذا خطأ لماذا ؟ لأن لها وجهاً في العربية ، فيكون الصحيح في هذه المسألة أن تأخذ الحديث من شيخك فترويه كما هو ، ثم تعلق بما شئت .فقال له: هُشيم لحن وأمير المؤمنين تبعه ، قال: ما تقول يا نضر ؟ ما الصواب في ذلك ؟ فقال له: السَدَادُ في كل شيء هو الطريقة المسلوكة السديدة وهو القصد ، أما السِدَادُ فهو البُلغة ، ما يُتَبَلغُ به ، والبلغة مأخوذة من ذلك أيضًا لأنك تركب البلغة كالدراجة لتذهب بها وتبلغ المكان ، لذلك سميت بلغة ,فقال له: السِدَادُ فهو البلغة وطبعًا يدل عليها من عوز أي الحاجة ، فقال له: يا نضر أتعرف العرب ذلك ؟ قال: نعم ، قال العرجي :
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغرٍ
قال المأمون: قبَّحَ الله من لا أدب له ، مالك يا نضر ، أي أذكر لي مالك ، ما عندك من المال ، وهو جاء من بغداد لا يجد كيلو فول ، فقال عندي أريضة أتمزجها ، أريضة: تصغير أرض ، وأتصابها ، أي عندما تشرب الماء في الكوب وتظل ترتشف الماء من الكوب حتى لا تبقي فيه شيء ، وهي صبابة الإناء أي ليس عنده شيء ، فقال يا نضر: ألا أفيدك مالاً ؟ فقال إني لذلك لمحتاج فكتب له ورقة يذهب بها إلى فلان الفلاني القائم على بيت المال ، وقام بثني الورقة والنضر لا يعرف ما القصة , فلما ذهب إليه وقال له: هذه ورقة أمير المؤمنين وفتحها وقرأها ، قال له: لا أنا لن أعطيك المال إلا لما تقول لى ما الحكاية ، أمير المؤمنين أعطاك خمسين ألفًا فقال له الحكاية ، فقال لولا أنه لا يجوز لي أن أساوي أمير المؤمنين في العطاء وانظر إلى الأدب ، لأعطيتك خمسين ألف ، هذه ثلاثون مني ، يقول النضر أستفيد مني بحرف واحد كان في مقابل هذا الحرف ثمانون ألفًا .سفيان الثوري يقول: لما قال له رجل معك فلوس ، قال له: لولاها لتمندل بنا الملوك ، هذا الذي يجعل عند العالم عزة نفس طول ما هو مستغني لذلك أنا أقول لطلبة العلم استغنوا ، حتى لا ينظر أحد لأموال في أيدي الناس اعمل وحقق كتب وابحث لك عن عمل ، وعش بقدر ما عندك من المال ولا تنظر إلى ما في أيدي الناس لأن هذا يضعف المُنة ، يجعلك لا تستطيع أن تنكر ، وبن الجوزي له هنا كلام جميل ، يمكن لو أنا استقبلت من أمري ما استدبرت وكنت أعرف أنني سأتكلم في هذا المعنى وأوسع فيه ، كنت أحضرت لكم كلام بن الجوزي ,وهو يقول: الأغنياء تلاعبوا بالعلماء وهذا في زمان بن الجوزي، تلاعبوا بالعلماء لأن الأغنياء علموا أن العلماء ينظرون إلى ما في أيديهم ، فالأموال لما تكون عند الإنسان
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09-30-2010, 03:55 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

يصون بها نفسه .وسفيان الثوري- رحمه الله- أغلق هذا الباب على نفسه بما يتعلق بالخليفة ويمكن أنا ذكرت طرفًا من قصة سفيان وهروبه من الخليفة ، لأنه كان خائف من مجاورة الخليفة ويذهب معه ويذهب ويجيء ويعطيه صرة مال وصرة مال قلبه يضعف عن الإنكار ، لذلك كان سفيان يقول: والله ما أخشي اهانتهم ولكن أخشي معروفهم فلا أرى منكرهم منكرًا ، وكان يقول إذا رأيت العالم عند الوالي فاعلم أنه لص ، وهذا رأي سفيان .
رَأْيَ الْعُلَمَاءُ فِيْ الْتَّقَرُّبِ مِنْ الْمُلُوْكِ وَالْأُمَرَاءِ:وطبعًا أهل العلم لهم مذهبان في المسألة:-المذهب الأول: مذهب يري جواز الاقتراب إذا كان المرء عنده القدرة ألا يفتتن ، لأن قرب أهل العلم من الحاكم خير للحاكم وللدنيا ، لأنه لن يصدر إلا عن رأيهم ، وإذا ترك أهل العلم الوالي فسيقترب منه أهل النفاق وأهل الفسق وهم أهل مشورته ، فلا يضرون الحاكم وحده أنما يضرون الخلق فاقتراب أهل العلم فيه منفعة كبيرة ، لذلك كان مالك والشافعي والأوزاعي سفيان بن عيينة وكثير من علماء الأمصار لا يرون بأسًا بذلك الاقتراب .المذهب الثاني: بعض أهل العلم كانوا لا يرون ذلك مثل بن جريج في مكة وعبد الله بن المبارك في خراسان ، وسفيان الثوري في الكوفة ، كانوا لا يرون الاقتراب ,المسألة مسألة شخصية إذا الإنسان قدر أنه إذا اقترب لا بأس بذلك وأنه سيصدع بالحق ، فمثلاً بن جريج عبد الملك بن عبد العزيز إمام أهل مكة يقول أحمد بن حنبل: بن جريج أقول بالحق من مالك ، دخل علي أبي جعفر المنصور فقال له: إن أولاد المهاجرين والأنصار يموتون ببابك ، الإمام أحمد يعلق ويقول: وأبو جعفر أبو جعفر ، لا أحد يستطيع أن يقول له شيء ولا أحد يستطيع أن يتنفس في حضرة أبي جعفر لأنه كان شديدًا ,ومع ذلك بن جريج يقول له هذا الكلام القوي العالي ، لذلك الإنسان إذا كان يضمن إن اقترب يقول الحق ولا يضره إن استبعد فله أن يقترب ، وإذا خاف على نفسه كما كان سفيان يخاف وكما كان بن المبارك يخاف ,بن المبارك كان يقول وكان يشتد في هذا أيضًا ، وكان يقول:فهذه طائفتان وكل امرئ يعرف نفسه .سفيان الثوري يقول: بقاء المال في يد العالم فيه صيانة للعلم حتى لا يستذل .(وكَان بن مَهدِي يَستَغِل كل سَنة ألفى دينار .)أي عشري ألف درهمًا ، وبن مهدي هو عبد الرحمن بن مهدي وهو من مشايخ الإمام أحمد بن حنبل وهو من أهل الفقه والحديث ، وهو من أثبت الناس ، ولعبد الرحمن بن مهدي جميل في أعناقنا جميعًا ، قلَّ من يلتفت إليه فإنه كان السبب المباشر في أن يصنف الشافعي كتاب الرسالة ، أ,ل كتاب في أصول الفقه ، فإن عبد الرحمن بن مهدي أرسل إلى الشافعي رسالة أن يكتب شيئًا في ضبط مسائل التأويل والمعاني ، فاستجاب الشافعي رحمه الله- وكتب كتاب الرسالة بأسلوبه الرشيق ، وأنا أريدكم أن تشتروا هذا الكتاب كتاب الرسالة لكي تستمتع بلغة الشافعي وليس بفهمه ، وكان الشافعي من أنحى الناس ، يقول بن هشام: لو صنف الشافعي الكتب بلغته ما فهمها أحد ، إنما كان يتبسط في العبارة حتى يوصل العلم لإلى الناس ,فلما كتب الشافعي- رحمه الله- هذا الكتاب الفرد وأرسله إلى بن مهدي وقرأه بن مهدي ذهل منه ، وقال: فعلمت أن الشافعي رجل عاقل ولا أزال أدعوا له والكتاب اسمه الرسالة لأن الشافعي أرسلها إلى بن مهدي على خلاف المتعارف عليه الآن ، أي جزء صغير نسميه رسالة ، يقول لك : هذه رسالة صغيرة ، لا ، الرسالة مأخوذة من الإرسال ، إنما الكتاب لما يكون صغير هذا اسمه جزء ، لذلك لا تجد في أي كتاب من الكتب صغيرة الحجم أحد ممكن يكتب رسالة ، إنما يكتب الجزء فيه كذا وكذا ، ولفظ الجزء هو الذي فيه ثلاثين أو أربعين ورقة وغير ذلك ,فأي جزء فيه ثلاثين ، أربعين ورقة أو هذا الكلام هذا يسمى جزء ولا يسمى رسالة ، لأن بعض طلبة العلم يخطأ ويقول أنا عملت رسالة صغيرة في كذا لا الرسالة إنما تكون من الإرسال وليست من صغر الجزء .بن الجوزي سينقل نقلة ولن ينفع أننا نقولها لكم ونترككم معلقين لأنه سيتكلم عن الزواج ، والكلام لابد أن يكون وراء بعضه ، حتى لا نقول كلمتين وتجلس تنتظر حتى نأتي لك اليوم التالي .
انتهي ا لدرس الرابع عشر
المحاضرة الخامسة عشر
لا زال حديثنا موصولاً في شرح هذا الصيد الثمين الذي سطره بن الجوزي-رحمه الله تعالي- في كتاب صيد الخاطر ، وكلامه في الرد على الذين يعبدون الله- عز وجل- بالجهل أو بالهوى ، ولا زال بن الجوزي يصحح لهؤلاء معنى الدنيا ، وأن كل شيءِ في الدنيا لا يُذم بإطلاق ، بل ما خلقه الله- تبارك وتعالي- للناس لتستقيم معايشهم ينبغي أن يمدح ولا يذم ، إلا أن يستعمله المرء في معاصي الله تبارك وتعالي ، ثم ضرب لنا الأمثلة بالمخبتين وأصحاب العدالة من أمة نبينا- صلي الله عليه وسلم- فبدأ بذكر المال فقال: ( فَإِنَّه إذا اقتَنَى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم .)ثم ضرب لنا المثل ببعض الصحابة كالزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وبن مسعود رضي الله عنهم- ، ثم ذكر بعد ذلك طائفة من العلماء الربانيين كأمثال الليث بن سعد وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي رحمة الله عليهم أجمعين .ولما كنت أتكلم عن سفيان أمس ذكرت أن سفيان رحمه الله قال: (لولا هذه الدراهم لتمندل بنا الملوك) ، وأنه ينبغي أن يعفّ العالم نفسه حتى لا يريق ماء وجهه ، لأن هذا مذلة للعلم كم ذكرت .وذكرت لكم أن بن الجوزي رحمه الله ذكر هذا في خاطرة مستقلة ، وظفرت بهذه الخاطرة فرأيت أن أقرأها عيكم لأنها مهمة ، وهي أن العالم ينبغي أن يكون عفيفاً وأن يصون ماء وجهه ، كما قال على بن عبد العزيز الجرجاني صاحب كتاب الوساطة بين المتنبي والخصوم ، وليس هو علي بن عبد العزيز الذي هو شيخ الطبراني الذي يروي عن أبي عبيدة الخاتم بن سلام كتبه .يقول: (ولو أنَّ أهلَ العِلمِ صَانُوهُ صَانَهَم ولو عَظَمُوهُ فِي النُّفوسِ لَعُظِمَ) أي: العلم فما يَمتهن يعني العلم عالم إلا ذلَّ حتى عند أرباب الدنيا .يقول بن الجوزي-رحمه الله-: (حَضَرنَا بَعضَ أِغذِيَةَ أَربَابِ الأَموَالِ .) وأنت تعرف أرباب الأموال يريدون وجاهات ، عندما يكون واحد غني مليونير أو ملياردير ويصلي يذهب إلي الجامع عندما يجد شيخاً مشهورًا يحب يتعرف عليه لماذا ؟ ، لأن هذا سينفعه ، سوف يعطي له وجاهة مع قطع النظر نحن لا نشق علي قلوب الناس ، يسمعوا عنه فقط يستغربوا عن الأريحية التي بينهم لا فيه جسور ولا أي شيء آخر ، فيقوم هذا الرجل يعظُم في نفوس أقرانه من أرباب الأموال ، لاسيما كما قلت لكم إذا كان هذا الرجل يتقي الله- عز وجل- ويريد أن يأكل بالحلال ، فلا غني له عن مفتي ، إذا كان يريد أن يأكل بالحلال ,فيكون هذا المفتي عكازه كل فترة يتصل به ، فأيضًا بعض أرباب الأموال يفعل ولائم وأشياء مثل ذلك ، فينبغي للعالم البصير أن يقدِّر المسألة حق قدرها ، ليس كل واحد من أرباب الأموال يعمل وليمة ويدعوه يذهب ، لا لابد أن يكون من أصحاب البصر ولا يبذل نفسه أنظر إلي بن الجوزي وكما قلت رجل مجرب ، وكان بن الجوزي أشهر واعظي الإسلام في ذلك القرن مثل ما قلت لكم في مرة سابقة ، وكان الخليفة يصلي خلفه ، وكان يصلي خلفه ألوف مؤلفة من البشر .فيقول بن الجوزي- رحمه الله-: (حَضَرنَا بَعضَ أِغذِيَةَ أَربَابِ الأَموَالِ فَرأيتُ العُلمَاءَ أَذَلََّ النَّاسِ عِندَهُم ، فَالعُلمَاءُ يَتَوَاضَعُونَ لَهُم ، ويَذِلُونَ لِمَوضِعَ طَمَعِهِم فِيهِم ، وهُم لا يَحفَلُونَ بِهِم لِمَا يَعلَمًونَهُ مِن احتِيَاجِه إِلَيهِم .) قد يتواضع العالم لأن مطلوب أنه يتواضع ويكون رفيق جيد الخلق لكي يدعو الناس بأخلاقه إلي الإسلام ، وفي نفس الوقت أرباب الأموال إذا أعطي له نقود أو غير ذلك يكون عرف هذا صاحب المال أن هذا العالم كلما يأتي يسلم عليه أو يثني ماذا يريد ؟ يريد نقود ، فهذا يُطَمع أرباب الأموال في العلماء .قال: (فَرَأَيتَ هَذَا عَيبًا فِي الفَرِيقَينِ . )في طائفة العلماء ، وفي أرباب الأموال .قال: ( أمَّا في أهلِ الدُّنيَا فَوجهِ العَيبَ أنَّهم كانوا يَنبَغِي لَهُم تَعظِيمِ العِلمَ ولَكِن لِجَهلِهِم بِقَدرهِ فَاتَهُم وَآثَرُوا عَلَيهِ كَسبَ الأَموَالِ فَلا يَنبغِي أن يُطلَبُ مِنهُم تَعظِيمِ مَالَا يَعرِفُونَ ولَا يَعلَمُونَ قَدرَه). واليوم عندما يكون أي رجل تاجر حقاً يفهم معني التجارة ، عندما يعرض عليه أن يتاجر مع الله ، أو أن يتاجر بالدينار والدرهم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(الصف:11:10) فهذه تجارة ، فمعني أنه يعرض عن العلم ويرميه ويذهب لكي يحصل الأموال فهذا لا يعرف قدر العلم ، فلم يعد ينفع أن أنت تذهب كعالم لكي تعلمه قدر العلم ، إذ لو كان يعرف قدر العلم ما أهمله ليكتسب الأموال ، فيكون هذا رجل غير معظِّم للعلم ,قال: ( وَإنَّمَا أعُودُ بِاللَّوم عَلي العُلماءِ وأقُول: يَنبغِي لَكُم أن تَصُونُوا أنفُسَكُم التي شُرِِِِِِفت بِالعلمِ عن الذُّلِ لِلأَنذَالِ وإنما كنتُم في غِنَيً عَنهُم وإن كنتُم في غِني عنهُم كَان الذلُ لَهم والطَّلبُ منهم حَرَامٌ عليكُم وإن كُنتم في كَفَافِ فَلِمَا لَم تُؤثِرُوا التَّنزُهَ عَن الذُّلِ بِالعِفَةِ عن الحُطَامِ الفَانِي الحَاصِلُ بِالذِلَة ، إلا أنَّه يَتَخَيلُ لِي مِنَ الأمرِ أنِّي عَلِمتُ قِلَة صَبرِ النَّفسِ علي الكَفَافِ والعُزُوفِ عن الفُضُول فَإن وجِدَ ذَلِكَ مِنهَا في وقتٍ لم يُوجَد عَلَي الدًَوامِ ، فَالأَوليَ لِلعَالِمِ أن يَجتَهدَ في طَلبِ الغِنَي ويُبَالغَ في الكَسبِ وإِن ضَاعَ بذَلِكَ عَليهِ كَثيرٌ من زَمانِ طَلبِ العِلم فَإنَّه يَصُونُ بِعَرَضِهِ عِرضَهُ ، العرض: هو المال .(وقد كان سعيد بن المُسيب يُتَّجِرُ في الزيتِ وَخَلَفَ مَالًا .)وكان سعيد بن المسيب- رحمه الله- ممَن يحتكر الزيت ، أنه روي عن معمر بن عبد الله أحد الصحابة أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم قال -: " لا يحتكر إلا خاطئ" ، والحديث هذا في مسلم وكان معمر يحتكر الزيت وكان سعيد يحتكر الزيت ، فهذا يدل علي أن الزيت لم يكن مما ينهي عن احتكاره إنما ينهي عن احتكار ما يمس قوت الناس الضروري ، فكان سعيد بن المسيب رحمه الله يحتكر الزيت أيضًا .وقد حدثت حكاية أذكرها علي الهامش ، أن سعيدًا وأنتم تعلمون قدر سعيد أنه كان سيد التابعين ، أو من أكبر سادة التابعين- رحمه الله عليهم أجمعين قال: وقد أصابته مصيبة ، وهذه المصيبة تتمثل في موت فأرة في برميل زيت كان عنده زيت بأربعين ألفًا ، ثم في يوم من الأيام دخل المخزن فوجد فأرة ميتة في الزيت ، أخرج الفأرة ورماها ثم نسي أين البرميل ، أنتم تعرفون أن الفأرة إذا ماتت كما سئل النبي- صلي الله عليه وسلم -: " ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم " حديث البخاري ، وفي حديث أبي هريرة فيه تفصيل" إن كان جامدًا ألقوه وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعًا فألقوه " ، فهذا مائع ,فلما تاه هذا البرميل عن سعيد ، لم يري من الأمانة أن يبيع زيتاً للمسلمين وقع فيه فار ، فأراق الزيت كله ، ما أبقي شيئًا من الزيت ، أي أراق زيتاً بأربعين ألفاً ، فوقع عليه دين كبير ، وهذه هي المصيبة التي وقعت علي سعيد وكان مديناً بمبلغ كبير ، ثم عقبَّ علي هذا بقوله: عَيرتُ رجلاً من أربعين سنة فقلت له: يا فقير ، فهذه عقوبة الكلم من أربعين سنة . بن الجوزي رحمه الله تعالي : له تعليق جميل علي كلام سعيد قال: ( قَلت ذنوب القوم فعرفوا من أين أوتوا )فالذي ذنوبه كثيرة لا يعرف أي ذنب أصابه ، كما يقول المتنبي:كفي المرء نبلًا أن تعد معايبه ، لماذا ؟ لأن أي شيء يدخل تحت العد فهو قليل ، حتى وإن كان كثيرًا لأن له نهاية واحد ، اثنين ، ثلاثة أربعة ، ألف ووقفت فيكون قليل ، إنما الكثير الذي لا يعد ، لذلك قال: كفي المرء نبلًا أن تعد معايبه ,قلت ذنوب القوم فعرف من أين أوتي من أربعين سنة وهو منتظر هذه العقوبة ، أنه زلف لسانه فقال: يا فقير . فأفتقر لكنه علي أي حال خلَّف مالاً وفيرًا يقول بن الجوزي:(وخَلَّفَ سفيان الثَّوري مَالاً وقَالَ: لَولَاك لَتَمَندلواَ بِي .) وهذا الكلام الذي كنت أقوله . (وقد سَبقَ في كِتابِي هَذَا في بَعضِ الفصولِ شَرَفَ المَالِ ومن كَان مِن الصَّحابةِ وَالعلمَاءِ يَقتَنِيهِ )الخاطرة التي نتكلم فيها ، لأن هذه الخاطرة متأخرة ، رقم مائة وخمسين إنما هذه التي نشرحها في أول الكتاب .قال: (ومن كَان مِن الصَّحابةِ وَالعلمَاءِ يَقتَنِيهِ والسِّرُ فِي فِعلِهِم ذَلِك وحَثِ طَالِبِ العِلمِ عَلي ذَلك ما بَينتَه مِن أنَّ النَّفسَ لا تَثبُتُ علي التَّعَففِ وَلا تَصبرُ عَلي دَوامِ التَّزَهُدِ وكم قَد رَأينَا مِن شَخصٍ قَويَت عَزيمَتهُ عَلي طَلبِ الآَخِرةِ فأخرَجَ ما في يَدهِ ثُّم ضَعُفَت فَعَادَ يِكتَسِبُ مِن أَقبحِ وِجه .)لما سمع الآيات والأحاديث التي تحث علي التقليل والتزهد فأخرج كل النقود التي عنده ، ثم لم يصبر علي هذا التقلل ،لأنه طيلة حياته صاحب ترفه فعندما يحب أن يتزهد لا يعرف ، في بعض البيوت التي انهارت بسبب ماذا ؟ بسبب أن مثلًا الأخت من وسط راقي ، وتريد أن تكون مثل فاطمة- رضي الله عنها- ، لا تريد غرفة نوم إنما تريد مرتبة تلقيها علي الأرض ، وشماعة تعلق عليها ملابسها , وباقي ملابسها في شنط ومصره إصرارًا علي ذلك حديثة العهد بالالتزام ، قرأت ورغبت في أنها تقلد فحدث ذلك ، لم تتحمل .طبعاً هذه كانت الغنيمة الباردة لزوجها ، أنه لم يخسر شيء ، لا يأتي بغرفة نوم ، ولا سيأتي بشيء سوف ننام علي الأرض ، هذا جميل ، وافق علي ذلك وهو أيضًا لم تكن القصة عنده أنه يريد أن يوفر فلوس ، لا ، أيضًا لاقت عنده مسألة التزهد فبعد أيام كانت تأتي رفيقات الأخت التي هي من الأوساط الراقية يريدون أن يزوروها لكي يعطوها المال ، فتفترش لهم حصيرة بلاستك في الصالون ، الذين يأتون ويجلسون علي الأرض لا يعرفون ، لأنهم ليسوا متعودين علي الجلوس علي الأرض ، هم متعودين علي الجلوس علي الكراسي والأنتريهات وغير ذلك .والأخت تكلمهم عن الزهد وغير ذلك ، فالجماعة هؤلاء هجروها لم يستمروا في زيارتها ، ولم يستمروا في ودها ، فوجدت نفسها في معزل فحدث عندها نوع من الانفلات ، وبدأت تطالب زوجها بالجهاز المحترم ، مارسنا الزهد وامتلأنا منه ، نريد أن نمارس الترف ، فقال لها: أنا ليس لدي ، قالت كيف ليس عندك ؟ ، أنا أصحابي يأتوا عندي يزوروني أصبحت أخجل منهم ، إن أنا أجلسهم علي الحصيرة البلاستك ، شد جذب شد جذب قال لها: أنت طالق ، وانتهت الحكاية .فلا يصح أن الفرد إذا كان مُرفهاً أصلاً أن يشد علي نفسه أن ينزل من السماء للقاع ,خذها ببساطة حتى لا ينفسخ عظمك ، ففيه ناس ممكن أن يتصدق بكل ماله وبعد ذلك يجد نفسه لا يقدر علي الزهد ، ماذا يفعل ؟ يبدأ في أن يذهب إلي أرباب الأموال ويطمع في الذي لديهم ، ويتزلف لهم وغير ذلك ، فهذا من الخطأ هذا بن الجوزي الذي يقول هذا الكلام وهذه تجربة عالم .يقول: ( فَالأولَي ادِخَارِ المالِ وَالاستِغنَاءِ عَن النَّاسِ)وطبعًا الادخار لا شيء فيه ، لأن لا أحد يتصور أن الادخار ضد التوكل " لو توكلتم علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تذهب خماصاً وتعود بطانًا " ، لا ، الرسول- عليه الصلاة والسلام - كما في صحيح البخاري كان يدخر لنسائه قوت سنة أما حديث " لو توكلتم علي الله حق توكله " لو توكلتم ، نحن نخاطب ناس لم يتمرنوا علي التوكل ، لأن حديث النبي- صلي الله عليه وسلم- صحيح ، وصدق رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم فمن توكل علي الله حق التوكل يعلم أن رزقه مضمون ، لكن الذي لم يتدرب من أمثالنا قلَّ ما يصبر علي مثل هذا .يقول: ( فَالأولَي ادِخَارِ المالِ وَالاستِغنَاءِ عَن النَّاسِ .)وقد رأوا بعض العلماء الكبار ممن ذهب عني اسمه الآن يجمع من السوق قوتاً كثيرًا ، يعمل خزين ، فعابوا عليه ذلك فقال لهم: إن النفس إذا أوتيت رزقها أطمأنت ، فيتفرغ عنده القوت الضروري بحيث لو أنه لم يجد إداماً ممكن أن يأكل أرز فقط ، مثلاً أخزن الأرز ، أخزن السكر ، أخزن الأشياء التي لا أستغني عنها بحيث أن المرأة لا تطاردني والأولاد لا يطاردوني لأن إذا عزت السلعة وصرت تبحث علي البقالين والمحلات والشوارع وغير ذلك ولا تجد فهذا هم ,فهو يقول: أنا أريد أن أفرغ قلبي ، فلا بأس ، مسألة الادخار هذه لا شيء فيها وهي لا تنافي التوكل يقول: ( فَالأولَي ادِخَارِ المالِ وَالاستِغنَاءِ عَن النَّاسِ فَيَخرُجُ الطَّمعُ مِن القَلبِ وَيَصفُو نَشرُ العِلم مِن شَائبةِ مَيل ، ومَن تَأملَ أخبَار الأَخيَارِ مِن الأَحبَار وَجَدهُم عَلى هذِه الطَّرِيقةِ ، وإنَّما سَلكَ طَريقَ التَّرَفِهِ عن الكسبِ من لم يُؤَثِرُ عندَه بَذلِ الدِّينِ والوَّجهِ ، فِطلبَ الرَّاحةَ ونَسىَ أنَّها في المَعنَى عَنَاء ، كمَا فَعَل جماعَةً مِن جُهَالِ المُتصَوفَةِ في إِخراجِ مَا في أَيديِهِم وَادِعَاءِ التَّوَكل ، ومَا عَلِمُوا أن الكسبِ لا ينُافِي التَّوكُلَ ، وَإنَّما طَلبُوا طَريقَ الرَّاحةَ ، وجَعلُوا التَّعَرُض لِلنَّاسِ كَسبًا ، وهذهِ طَرِيقَةً مُرَكَبَةٍ مِن شَيئَينِ: أَحدُهمَا: قِلَةَ الأَنَفَة عَلىَ العِرضِ ، والثَّانِي: قِلَة َالعِلمِ .وهذا هو الذي كنت أريد أن أذكره لكم في المرة الماضية من كلام بن الجوزي- رحمه الله تعالي- .بن الجوزي يأخذ شرائح من المعاني ، الأول أخذ المال ، ثانيًا: أخذ التزوج النكاح ثالثًا سيأخذ المطعم ، كل واحدة من هؤلاء يحاول لأن كل هذه من الدنيا ، فيحاول أنه يبين لك الطريق الأمثل ، وأنك لو طلبت هذا من وجهه فهذا لا يعيبك ولا يشينك يقول بن الجوزي- رحمه الله-: ( وإنَّ أكثر من النِّكاحِ والسَّرَارِي كان مَمدُوحاً لا مَذمُومًا ، فقد كان للنبي- صلى الله عليه و سلم- زوجات وسَرَارِي وجمهُور الصَّحابةِ كَانُوا على الإِكثَارِ من ذلك وكان لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه - أربَعُ حَرائِرَ وسَبعَ عشرة أَمة الأَمَة:هي السُرِيَة التي يتسرى بها ، والإماء لا يأتين إلا عن طريق الحرب لأن فيه أناس في بعض البلاد العربية تورط مع خادمة سيرلانكية ، أو فليبينية وزعم أنها أَمَه ، الإماء التي هي ملك اليمين لا يأتي إلا عن طريق الجهاد بين المسلمين وبين الكافرين ، وهذا شرط ، لكن لو وقع قتال بين دولتين مسلمتينفلا يحل لإحداهما أن تسبي نساء دولة أخري ، لماذا ؟ لأنهن مسلمات مثلما حدث ما بين إيران والعراق قديمًا ، لا يجوز لأحد أن يسبي نساء من الدولة الأخرى ، إنما يكون مسلم وفي مقابله كافر ، حينئذٍ يفتح سوق النخاسة ، الذي هو بيع الإماء والعبيد ، وطبعًا نريد أن نقول أن المسلمون خسروا كثيرًا ، ودعك مما يقوله أعداؤنا أن هذا رق واسترقاق ، فما الذي يفعله أعداؤنا اليوم ، لما يدخلوا على الدول المسلمة اليوم ويغزوها ، هذا استرقاق دول وليس استرقاق أفراد ، هم يعيبون علينا أننا نسترق أفرادًا في الوقت الذي هم فيه يسترقون الدول ، ليس عندهم أي دم ، وعندهم صفاقة متناهية ، وإنما غرهم في ذلك أنهم يخاطبون موتي ، لمن سيتجملون ؟ واحد ميت لا يستطيع أن يفعل شيء أو مريض لذلك مسألة الرق تحتاج إلى نظرة من المسلمين ، الرق في الإسلام شرف للمستَرق ، قال- صلى الله عليه وسلم-:" عجب ربك من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ، تخيل لما تربط واحد بسلسلة وتجره إلى الجنة وهذه الجنة كل البطالين يزعمون أنهم سيسبقون المؤمنون إليها ، تعالي صلي يقول لك خذني على جناحك ، هو أنت تعتقد أنك ستدخل الجنة ، أنا سأسبقك ، أنا قلبي أبيض مثل اللبن الحليب ، وأنت قلبك أسود ، تصلي نعم لكنك حقود ، إنما أنا قلبي أبيض .
لِمَاذَا حَفَّتْ الْجَنَّةِ بِالْمَكَارِهِ ؟يقول بن القيم: لأنه لو حفت بالشهوات لسبق البطالون المؤمنين إليها فحفت بالمكاره لكي لا يذهب إلى الجنة إلا من أراد الجنة فعلاً ، إنما البطال أول ما يجد أول عقبة يقول الطريق مغلق وأنا سأفتح الباب ، أنا أعتقد أنه سالك إنما أهل الإيمان يظل يطرق الباب ، من أدمن طرق الباب ولج ، طالما تطرق الباب سيفتح لك , الذين يدخلون الجنة في السلاسل هم الذين أسلموا من الكافرين بسلاسل الحرب ، أتوا إلى ديار المسلمين ورأوا أخلاق المسلمين ، وفعل المسلمين أغراهم ذلك أن يدخلوا في الإسلام ، مثل جارية الحسن بن صالح بن حي التي ذكر خبرها الإمام ألعِجلي في كتاب الثقات له في ترجمة الحسن بن صالح والحسن بن صالح هذا من طبقة الثوري وأخوه علي بن صالح بن حي أيضًا من نفس الطبقة وعلي كان أوثق الرجلين .كان الحسن و علي وأمهم وكانت جارية هؤلاء الأربعة ، فالحسن باع الجارية والحسن هذا أحد العباد هو وعلي وأمه ، كانوا يقسمون الليل ثلاثة أثلاث علي يقوم ثلثه ، والحسن يقوم ثلثه ، وأمهما تقوم ثلثه ، فلما ماتت الأم قام الحسن بنصف الليل ، وعلي بالنصف الأخر ، فلما مات علي ، فقام الحسن الليل كله ، والجارية طبعًا في بيت ملتزم فأيضاً تصلي معه .المهم أن الحسن باع هذه الجارية ، في نصف الليل قامت الجارية من النوم و كانت تدق علي الأبواب يا جماعة الصلاة ، الصلاة فقالوا لها: أذن الفجر ؟ قالت: أولا تصلون إلا الفجر ؟ قالوا نعم ، فعندما أصبح الصباح رجعت للحسن ، قالت: ردني فأنك بعتني إلي قوم سوء لا يقومون الليل ، فهذه أمة جاءت عن طريق الجهاد كانت كافرة أسلمت دخلت في بيت مثل بيت الحسن بن صالح بن حي أنظر أخلاقها ، وأنظر إلي عبادتها .فاسترقاق المسلمين للكافرين خير للكافرين لأنهم سيسلموا ، ومع ذلك الإسلام ما حض علي أن يظل المسترق مسترقًا ، هناك كفارات لعتق الرقاب وحتى وإن لم يكن هناك كفارات لعتق الرقاب هناك حض من النبي - صلي الله عليه وسلم - وثواب عظيم إذا أعتقت إنساناً ، الإسلام لم يأتي وقال: يظل عبد طول عمره ، لا ، إنما حض علي أن يكون حرًا ، لكن استرقاق المسلمين كما قلت نعمة ، لماذا ؟ لأنه في الآخر عندما يكون مسلم هو يدخل الجنة بإذن الله تعالي ، إنما يموت علي الكفر جهنم وبئس المصير . فالإيماء لا يأتين إلا عن طريق الحرب ، لكن ليست واحده خادمة حتى وإن كانت أجنبية ، حتى وإن كانت كافرة . ممكن أن تأخذها تشغلها في البيت وتعاملها معاملة الإماء ؟ أما إذا كانت كافرة فلا يحل لك ذلك ، وأما إذا كانت مسلمة فعدم الجواز أوضح ، لماذا ؟ لأنها مسلمة ، أي ما جاءت إلا عاملة و ليست أمة .فعلي بن أبي طالب: مع زهده وورعه وتجافيه عن الدنيا كان عنده أربع حرائر إذ لا يجوز للرجل أن يتزوج فوق الأربع ، وكان سَبعَ عشرة أَمة .( وتَزوجَ وَلدُه الحَسن نَحواً من أربعِمَائة . )الحسن بن علي:الذي وصفه النبي- صلي الله عليه وسلم- كما في حديث أبي بكرة في صحيح البخاري قال " أن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ، وقد حدث أن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- تنازل لمعاوية بن أبي سفيان عن الحكم ، وأصطلح أهل العراق وأهل الشام وسمي هذا العام عام الجماعة ، مثلما قال النبي بالضبط ، قال: " ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ، وكان الحسن شجاعاً جواداً، عابدًا ، ممدحاً ، مِنكَاحاً ، مطلَاقاً .كان يتزوج أربعة ويطلق أربعة ويأتي بغيرهم ، لكن كما ذكروا في سيرته- رضي الله عنه- أنه ما كان ينفرد بامرأة ، أقل شيء عنده أربعة ، كان ممكن أن يطلق اثنين و، يأتي باثنين غيرهم , ويطلقهم الأربعة ويأتي بأربعة غيرهم حتى أن جعفر الصادق روي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - أنه قال: ( لا تزوجوا ابني الحسن فإنه مِطلَاق )فبعض الناس الذين يطمعون في نسب الحسن ، قال لعلي: وإن كان مطلاقاً حتى لو هو طلقها أصبح اسمها طليقة الحسن شرف لها ، وحتى وإن كانت مطلقة المهم تحمل اسم الحسن بن علي سواء كانت زوجة الحسن أو كانت طليقة الحسن- رضي الله عن السيد .قال: (فَإن طَلبَ التَّزُوجَ لِلأَولَادِ فَهو الغَايَة في التَّعَبُدِ ، وإِن أَرَادَ التَّلَذُذَ فَمُبَاح يَندَرج فِيه مِن التَّعَبُد مَا لا يُحصَى مِن إِعفَافِ نَفسِهِ والمرأةَ إِلَى غَيرِ ذَلِك ) وهذه المسألة ربما ظهرت أكثر لمن عنده أكثر من امرأة ، مثلًا عندما يتزوج علي المرأة الأولي يقول لها: أصل أنا أريد أن أقوم سنة ، لأنه إذا لم يقول كذلك سنته سوداء لماذا ؟ ، تريد أن تقيم سنه ، تريد أن تتمتع ، فما المشكلة ؟ وهذا كلام بن الجوزي .يقول: (وإِن أَرَادَ التَّلَذُذَ فَمُبَاح .)لأن الله عز وجل أباح الأمر للرجال قال:﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾(النساء:3)، وكلمة :﴿ طَابَ لَكُمْ ﴾ فيها معني التلذذ الذي ذكره بن الجوزي ، ولغربة هذه المسألة لا يستطيع الرجل أن يتكلم لأنه لو تكلم كما قلنا سوف يخرج من بيته بالكلية , بن الجوزي لا يتكلم على أن الرجل يتزوج امرأة واحدة ، هذا هو الطبيعي ، هو يريد أن يقول لو أنني طلبت أكثر من امرأة فهذا من متاع الدنيا ، وليس عيب في مجتمعنا هذا عيب ، الرجل يلعب وأنه رجل ليس منضبط وتكون المرأة الأخرى خطفت عرق المرأة الأولى ، ويشبهونها بأنها راقصة ، وتخطف الرجال وغير ذلك ، وهذا هو الكلام السائر الآن ، حتى أن الرجل قد يترك الصلاة لا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ويسب الدين ، وهذا الكلام يُعرض عليَّ كل يوم ، أول ما تذهب إلى أهلها ، لا يصلي ويسب الدين ، يقولون ربنا سيهديه لماذا تتعجلي على خراب البيت ، عندك أربعة أو خمس أولاد ، وكثير من الناس كانوا غير منضبطين وربنا هداهم ، وكثير كانوا لا يصلون وربنا هداهم وصلوا ، ويجبرونها على أن تعيش مع هذا الرجل الذي يسب دين الله ، أو يسب الله أو يسب دين الله أو يسب الرسول وغير ذلك .فإن تزوج امرأة أخرى على امرأته ، يقولون هل أنت ضعيفة ، ألا يوجد وراءك رجال ، تعالي ونحن سنربيه ، ونعرفه أن الله حق ، ويأخذون الرجل ويغضبوها على الرجل ، وتذهب المرأة عند أهلها حتى يتوب الرجل ويطلق المرأة الأخرى .كيف أجبر الناس المرأة على أن تعاشر رجلاً يفعل كل هذه الكبائر ويصبروها على هذه الكبائر ، وأول ما فعل شيئاً مباح عملوا في المرأة ذلك وأفسدوها على زوجها ، وهذا انقلاب الموازين .مثل بعض المشايخ الثقات حكي لي أن هناك واحدة وواحد كانوا مختصمين في طلاق وغير ذلك ، وكان الرجل تزوج عليها ، المهم جاءوا ، ويا فضيلة الشيخ ، كذا وكذا وأنا صبرت معه وعملت كذا وكذا ، حتى زنا وسامحته ولما تزوج لا تريدي أن تسامحيه ، قال: أخذت أبحث عن الحذاء ولم أجده كيف زنا وسامحتيه ، هل هذا من حقك أن تسامحيه ؟ ، رجل زنا وعمل كبيرة لم تفعلي شيء وخبأت الخبر حتى لا يفضح ، وأول ما يتزوج يكون عمل الطامة الكبرى ، لا .الرجل له أن يتزوج بامرأتين وثلاثة وأربعة ، وهذا سيحل لنا مشاكل كثيرة ، ولعلي قلت وسمعتم الإحصائية التي ذكرتها وأنا أتكلم عن التعدد في بعض القنوات الفضائية ، أن نسبة العنوسة عندنا فيما يتعلق بالعوانس والمطلقات والأرامل تشكل قرابة ثلاثين بالمائة ، وهذا الكلام ليس كلامي ، هذا الكلام من إحصائيات رسمية ، لأننا عندنا لو افترضنا مثلا في بلدنا في مصر تعداد السكان تسعين مليون ، نحن ستة وسبعون أو سبعة وسبعون ،لكن أنا سأفترض أننا تسعين مليون ، طبعًا ليس تسعين مليون امرأة ، ثلاثين مليون رجل ، ثلاثين مليون طفل وطفلة ، ثلاثين مليون امرأة .طبعًا الإحصائيات الرسمية تقول أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال بسبب الفتن والحروب والسيارات ، الذين يموتون على الطرق بحوادث السيارات لأكثر من ضحايا حرب رمضان ، الذين يموتون على الطرقات كل سنة تجاوزوا الخمسة ألاف كل سنة ، وعدد النساء أكثر من عدد الرجال ، فاليوم المرأة لما تكون مطلقة أو أرملة أو عانس ، وعندهم العانس هي التي تجاوزت الثلاثين سنة .والثلاثين سنة عدد كثير جدًا والخمسة وثلاثين والأربعين عدد كبير أيضًا ، أول ما تصل ستة وعشرين أو سبعة وعشرين تعتبر أنها تدخل على طريق العنوسة ، من يحل هذه المشكلة ؟ وهذه قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت ، وتضيع المجتمع بالكامل ، ويمكن هذا أحد أسباب وجود ما يسمى في الجامعات بالزواج العرفي وهو زنا صريح ، لا إشكال فيه هنا يشهدون ولد يأتي باثنين من أصحابه ساقطي العدالة ويجعلهم شهود ، هم الاثنين: لبعض وكلاهما ساقط العدالة ، لا تجوز شهادتهم ، وفي بعض الجرائد الرسمية من حوالي عشر سنين اثني عشر ألف طفل لا يعرفون لهم آباء ، يخرج متشرد في المجتمع ، ما الذي يمكن أن يفعله هذا ؟فلابد للمجتمع من حل شرعي ، إتباع الشرع نعمة ، ولا يوجد فيما فرض الله- عز وجل- علينا فيما أباحه لنا إلا الخير كله ، فمسألة أن الإنسان يعدد فهذه مباحة وقد تكون مستحبة وقد تكون واجبة ، وأيضًا قد تكون حرامًا وقد تكون مكروهة ، أي أن الأحكام الخمسة ممكن تدخل على هذه المسألة ، وهذه المسألة لها ضوابط وليست متروكة هكذا ، لا تتزوج اليوم ثم في اليوم الثاني تطلق المرأة ،مثل المشاكل التي تعرض علينا ، يتزوجها شهرين أو ثلاثة ويقول لها مع السلامة لماذا ؟ يقول لها أصل حدث مشاكل وأنا لم أكن متوقع أن تحدث مشاكل .يذهب إلى هذا البيت طول الليل سهران وهو يجلس على كرسي الاعتراف وذهبت وأتيت وعملت كذا ، ولماذا فعلت ذلك ، وماذا أنا فعلت بك لكي تعمل بي هكذا ؟ ولما يريد أن يذهب إلى المرأة الثانية تقول له كذا ، ويذهب للأخرى تبكي وتقول أنت أتيت متأخر ساعة ، فهنا يسهر وهنا يسهر ويتعب كثيرًا .مثلما أقول ، وفعلاً أنا كنت سأعمل محاضرة منذ سنتين في عيد الأضحى بعنوان الضحية ، وأنا كنت أقصد الضحية الرجل ، لأن فعلاً الضحية الحقيقة في التعدد هو الرجل وليس المرأة ، المرأة عليه مشاكل صحيح وعليها آلام وإحباط وحزينة وغير ذلك ، هذا نعم لا ننكر ، لكن الذي يحاكم هنا ويحاكم هنا ولا ينام هنا ولا ها هنا هو هذا هو الضحية الحقيقية
كما قال الأعرابي:
تزوجت اثنتين لفرط جهلي

بما يشقى به زوج اثنتيــن

فقلت أعيش بينهما خروفًا

أنعم بين أكرم نعجتـــين

رضا هذه يهيج سخط هذه

فلا أخلو من احدي السقطتين

لهذه ليلة ولتلك أخـرى

عتاب دائم في الليلتيـــن

هم غضبانين ، فالرجل متى يرى مصالحة ، والمسألة فيها إشكال ، فيه خطأ وأنا أعترف أن أي عمل مبتدأ عمومًا يكون فيه أخطاء حتى تستقر الدنيا لأن المجتمع حتى الآن يرفض قصة التعدد .المرأة التي طلقت مثلاً أو ترملت لما يذهب الرجل ليتزوجها ، كيف يتزوجها ؟ يعمل جلسة أسرية عشرة ، أو اثني عشر رجل ، أو خمسة عشر أو عشرين واحد يجلسون في البيت ويأتي المأذون ويعقد ثم يأخذها ويذهب إلى بيته ، هذه المطلقة لما تزوجت أول مرة ، عملوا لها فرح وعرس وأنوار ودعوا الناس وهذه الحدوتة وفستان الفرح والزفة وهذا الكلام ، هذه المسكينة لما تقارن بين يوم زفافها الأول وكيف أن المجتمع رحب بهذه الصورة والكل كان فرحان ومبسوط ، والكل يهنيء ، وتراقب هذه الصورة ممن الصورة الأخرى وهو يأخذها وكأنه يخرج من جنازة وهو يأخذها ويذهب للبيت ، أليس في هذا كسر لنفسها .لماذا حدث مثل
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09-30-2010, 03:58 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

هذا ؟ المجتمع لا يرحب بالعملية ، والزواج الثاني يعتبر عار وتعدي وغير ذلك ، وحقوق المرأة والكلام الضخم الذي يقولونه والعناوين الكبيرة ، أليس من حق هذه المرأة أن تسعد ، وترتدي فستان الفرح وغير ذلك ، أليس هذا من حقها ؟ أليست إنسانه لها مشاعر ، ما معني طلقت ؟ ليست هي آخر امرأة طلقت في الدنيا ، ولا نعرف حقيقة الأمر من الذي أخطأ ، لكن هي طلقت والسلام ,فموضوع السر هذه يكون الرجل لما يتزوج المرأة الثانية أو الثالثة أو الرابعة لا يهنأ بالزواج ، وكثير جدًا يعملها في السر ، وأنت تعرف المرأة عندها قرون استشعار ، أول ما تعمل تعرف أنه متزوج ولاسيما إذ لم يكن ذكياً، كان غبي أو الثانية ترسل له رسالة وهو ينسى أن يمسحها ، ونحن نقول لكم حاجات تساوي فلوس ، ثمنها غالي ، تأتي الثانية وتبحث في المحمول ، والزوجة فضولية تجد الثانية أرسلت له جواب غرامي ملتهب ، حتى لو هي تعلم أنه متزوج قصة التعدد أنا أرجو أن ينظر فيها المجتمع كله نظرة اعتبار ، لأنه سيحل لنا مشاكل لا آخر لها وإن كان فيه ألم فعلاً ن ويكون فيه أيضًا كسر نفس للمرأة لكن أين البيت الذي يخلو من المشاكل ، يكونا هم الاثنين فقط ويكونوا بينهم جنون ، وأنا أريد أن تذهب إلى المحاكم في قسم الأحوال الشخصية وانظر إلى الخلع ، والطلاق الموجود في المحاكم لن تجد نسبة عشر في الألف إن فيه ناس معددين عاملين ذلك ، عشر في الألف لن تجد ، من الذي يرفع على الثاني خلع وطلاق رجل مع امرأة بمفردهم .فلا يأتي واحد ويقول أن التعدد فيه مشاكل ، هل تخلوا من المشاكل ، أنت تقضي يومكم على المقهى لأنك خائف تذهب وتفتح فصل النكد حتى الصبح وبدل ما نذهب للبيت ونتعجل النكد نجلس على المقهى ، وأذهب بالليل أجدها نائمة ، وبعض النساء الذين انتبهوا لحركات الزوج ، تعرف أن لا يأتي إلا الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، فكانت تنام له من بعد العشاء ، لكي أول ما يأتي تتهجد وتقوم الليل فيه ، الاثنين خاليين من المشاكل ، لا ، لا يخلون من المشاكل ,فلا تقول لي إن التعدد سيكون فيه مشاكل وأن المرأة ستنظر للضرة وغير ذلك ، ما هو هذا موجود ، تكون المرأة بمفردها وتغير من أم الزوج ، أو من أخته أو من أخ الزوج ، وتغير من زوجة أخوا الزوج ، وعلى رأى من يقول مركب الضرائر سارت ومركب السلائف غارت ، الضرائر ممكن يجتمعوا على الخير ، ويرضون بالمسألة غير السلايف ، والسبب في ذلك أن الضرائر لرجل واحد يريدون أن يحركوا الدنيا حتى لا يخرب البيت ويهدم عليهم جميعًا إنما السلائف لماذا يجمعوها ، لا يجمعوها .المسألة هذه فيها كلام كثير ، وكما أن بن الجوزي له تجارب في هذه المسألة أنا لي تجارب مع المجتمع ومع الناس المعددين والذين يريدون التعدد ، والحقيقة أن أنصح بخلاف ما بعض النساء يتصور أنني أتيت على النساء في هذه المسألة لا ، أنا لا آتي على النساء في هذه المسألة لكن أنا عندي دوافع وعندي الخبرة والمعطيات التي تجعلني أقول هذا الكلام ،.فالقصد أن الرجل لو تزوج بأكثر من امرأة ومفتوح باب الجهاد وعندنا الإماء والسراري وغير ذلك فأكثر الرجل من ذلك ، فهذا لا يدل علي أنه منكب على الدنيا ، لا ، لماذا ؟لأن بن الجوزي يقول: ( لِلأَولَادِ فَهو الغَايَة في التَّعَبُدِ )وإن كان للتلذذ فمباح وحسبك حديث أبو هريرة الذي رواه بن ماجة وأحمد وبن أبي شيبة وغيرهم من حديث حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود وعاصم هذا هو صاحب القراءة المشهورة ، حفص عن عاصم عاصم بن أبي النجودعن أبي صالح عن أبي هريرة وهذا سند جيد ، أن النبي- صلي الله عليه وسلم-قال:" إن الله ليرفع الرجل الدرجة في الجنة فيقول يارب أنى لي هذه ، فيقول: باستغفار ولدك لك " ، وكثرة النساء مظنة كثرة الرجال ، وأنت لا تدري من الولد البار الذي أنت ستنتفع به .
يَسْرُدُ الْشَّيْخِ حَفِظَهُ الْلَّهُ قِصَّةَ أَحَدٌ الْآَبَاءُ الْنَّادِمُ عَلَيْ عَدَمِ إِنْجَابِ عَدَدَا أَكْثَرَ مِمَّا أَنْجَبَهُفيه واحد كلمني قابلني مرة وقال أنا أريد منك أن تضربني بحذائك ، فقلت له لماذا ؟ قال: أخطأت غلطة عمري ، قلت له: ما هي غلطتك ؟ قال: سمعت كلامهم في تنظيم الأسرة وأنجبت عدداً من الأولاد والبنات ، وزوجتي كانت حامل فقلت لها أما أن تسقطيه أو تكوني طالق ,البنات تزوجوا وبقي الولد الولد عاق لا يسمع كلام أبوه ، والأب حتى اليوم بالرغم من أنه عمره ستين ويزيد هو الذي ينزل إلى السوق ويأتي بالخضار وغير ذلك ، والولد لا يعجبه نظام الروشنة والمحمول الذي سعره أربعة ألاف وستة ألاف وهذه الحدوتة ، ويقول لدرجة أن الولد وأنا أكلمه ذات مرة فغضب مني وأنا خارج أغلق الباب ورائي وأغلقه على رجلي فيقول: أنا أخطأت غلطة عمري لو كان عندي ولدين أو ثلاثة كان إذا عقني هذا برني ذاك ، لكن أنا لا أري إلا العقوق كَثْرَةِ الْأَوْلادُ هِيَ مَظِنَّةُ الْبَرِّ، لِذَلِكَ هَذَا يَدْخُلُ فِيْ الْتَّعَبُّدِ :كما قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كما روا بن أبي الدنيا في كتاب العيال ( إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله من صلبي نسمة توحده )، فيكون عندي أولاد بررة وعندي أولاد متعبدون ، والولد من كسب أبيه ، امتداد لأبيه ، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾(الطور:21).
انتهي الدرس الخامس عشر
المحاضرة السادسة عشر
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:وهو يتكلم عن الاستمتاع بالدنيا على الوجه المشروع لا يذم صاحبه بل يمدح وذكر المال ثم ذكر النكاح .قال: (وإنَّ أكثر من النِّكاحِ والسَّرَارِي كان مَمدُوحًا لا مَذمُومًا ، فقد كان للنبي- صلى الله عليه و سلم- زوجاتٌ وسَرَارِي وجمهُور الصَّحابةِ كَانُوا على الإِكثَارِ من ذلك وكان لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه - أربَعُ حَرائِر وسَبعَ عشرة أَمة وتَزوجَ وَلدُه الحَسن نَحوًا من أربعِمَائة , فَإن طَلبَ التَّزُوجَ لِلأَولَادِ فَهو الغَايَة في التَّعَبُدِ ، وإِن أَرَادَ التَّلَذُذَ فَمُبَاح يَندَرج فِيه مِن التَّعَبُد مَا لا يُحصَى مِن إِعفَافِ نَفسِهِ والمرأةَ إِلَى غَيرِ ذَلِك وقَد أَنفَقَ مُوسى- عَليهِ السَّلامِ- مِن عُمرِهِ الشَّريفِ عَشرَ سِنينَ في مَهرِ ابنَةِ شُعَيب وذلك كما حكاه الله- عز وجل- في سورة القصص لما قالت المرأة لأبيها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ(القصص:26) ، ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾(القصص:27) .
هنا يقول بن الجوزي- رحمه الله- أن والد المرأة هو شعيب النبي وهذا قال به طوائف من أهل التفسير ولكن لا دليل عليه ، بل لعل الدليل على خلاف ذلك ، وأنه رجل صالح وليس شعيب النبي ، لأن شعيباً- عليه السلام- قال لقومه:﴿ وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ(هود:89) ، ونحن نعلم أن لوطاًكان في زمان إبراهيم- عليه السلام- وهو بن أخي إبراهيم- عليهما السلام- ،وبين إبراهيم- عليه السلام- وبين موسى أكثر من أربعمائة سنة كما ذهب إليه بعد أهل التأريخ ,فلما يقول: ﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ، أي أن العهد قريب ، قوم نوح أبعد وقوم هود أبعد وقوم صالح أبعد ، وأقرب الناس إلى شعيب النبي قوم لوط ، فبعيد جداً أن يدرك موسى- عليه السلام- شعيبب النبي- عليه السلام- ، ولذلك هو رجل صالح ، وليس شعيب النبي يقول: مما يدل علي فضل النكاح أن مُوسى- عَليهِ السَّلامِ- أنفق مِن عُمرِهِ عَشر سِنينَ ، أجرَّ نفسه ، عمل بالأجرة عشر سنين ، هو طبعاً اشترطوا ثمانية على سبيل الجزم قَالَ:﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ وفي صحيح البخاري أن رجلاً من اليهود سأل سعيد بن جبير- رحمه الله- عن أي الأجلين قضى موسى- عليه السلام- فقال له: لا حتى أقدم على حبر العرب وهو بن عباس ، وحبر العرب ، وبن عباس كان في مكة فلقيه سعيد بن جبير فسأله أي الأجلين قضى موسى ؟ فقال أطيبهما وأوفاهما ، أو أطيبهما أو أكثرهما . إن رسول الله إذا قال فعل ، وهذا كلام بن عباس ويقصد برسول الله موسى- عليه السلام- ، وأنه لا يعد ثم يُخلف ، لأننا كما ذكرنا في المرة الماضية أن إخلاف الوعد لؤم والأنبياء منزهون عن هذا .يقول بن الجوزي: (فَلولَا أنَّ النِّكاحَ مِن أَفضَل الأشيَاء لَمَا ذَهبَ كَثيرٍ مِن زَمَانِ الأَنبيَاءِ فِيه)وكما قال تعالى:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾(الرعد:39) ، وتعلمون حديث أنس الذي فيه أن ثلاثةً من المسلمين ذهبوا إلى بيوتات النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فكأنهم تقالوها ، لأن النبي- صلي الله عليه وسلم- كان أحسن الناس خلقاً مع المرأة ، والذي ينظر إلى حياته الخاصة لا يتصور الأعباء التي ألقيت عليه- صلى الله عليه وسلم- عندما يلاطف نساءه وأولاده يقول القائل ليس عليه عبء على الإطلاق ليس هذا هو الذي يحمل عبء نشر الإسلام في العالم ، لكنه - صلي الله عليه وسلم- كان يعطي القدوة من نفسه .
الْنَّبِيِّ_ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُسابقُ عَائِشَةَ أَمَامَ الْجَيْشِ:ولك أن تتخيل هذا المنظر ، وفي الحديث الصحيح عن عائشة– رضي الله عنها- لما قالت:" كنافي غزاة مع النبي- صلي الله عليه وسلم- فقال للجيش تقدموا ، فتقدموا ، فقال تعالي أسابقك ، قالت: فسَابَقتَهُ فَسَبَقتُهُ ، قالت حتى إذا مضى زمان ونسيت وحملت اللحم ،_ أي صارت بدينة أكثر_ ، وكنا في غزاة فقال للجيش تقدموا ، فتقدموا ، فقال تعالي أسابقك ، قالت: فسَابَقتَهُ فَسَبقَني ، فجعل يضحك ويقول هذه بتلك " .
ضَيْقٍ عَطَنْ الْرَّجُلُ أَحَدٌ أَسْبَابِ فَسَادِ الْمَرْأَةُ وَتَحَوُّلِ خَلَقَهَا :هل يوجد أحد عنده سعة صدر يعمل كما فعل النبي- صلي الله عليه وسلم ، بكل أسف الشكاوى التي تأتيني كل يوم بالعشرات ، كثيرًا ما أسأل نفسي هل يوجد بيت سعيد ؟ من كثرة المشاكل التي تكون على أقل الأسباب وأنا أريد أن أقول كلامًا صحيحًا من جهة النص ومن جهة التجربة ، ضيق عطن الرجل أحد أسباب فساد المرأة وتحول خلقها ، الرجل الله عز وجل وسع قلب الرجل حتى أنه ليستوعب أربع حرائر وعشرات الإماء ,والأمة تعرف أن ليس لها حق ولا تغاضب الرجل لأنها لو غاضبته لباعها ، لكن المشكلة في الحرائر وسع الله قلب الرجل حتى يستطيع أن يستوعب أربع نساء وضيق قلب المرأة حتى أنها لا تسع إلا رجلاً واحداً ، فلو قال الرجل لكل امرأة من نساءه إني أحبك فهو صادق ، ولو قالت المرأة لغير زوجها أني أحبك فهي كاذبة ، ليس كاذبة على الرجل ، هي كاذبة إما لأنها خانت زوجها ، قلبها لا يتسع إلا لرجل واحد .وسبحان الله إذا تزوج الرجل أربعة نسوة ضاق قلبه وصار كقلب المرأة ، لا يستطيع أن يحب خامسة ، فقلبه يغلق ويضيق إذا وصل إلى النصاب الشرعي تجده غض طرفه وأغلق قلبه لم يعد يسمع هكذا أو هكذا ، حتى لو تمني والنساء التي معه فضليات وتقيات ويراعين العشرة ، ماذا سيفعل فيهن ؟ ، لا يقدر أن يعمل شيء ، لا يستطيع أن يطلق ، ولا أن يسيء العشرة إلى آخره ,فهذا القلب قلب الرجل الذي يسع أربع نساء ، كيف ضاق عن امرأة واحدة وأنت عندك فراغ ومساحة في القلب هذا سوء استغلال المساحة الخالية في القلب من قبل الرجل ، وكما نعلم أن المسافات التي جعلها الله عز وجلَّ بين العباد رتب عليها أحكامًا ، فيه مسافات بين الناس ، فمثلاً مع الرجل وامرأته قال الله- عز وجل-:﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾(البقرة:228) ، يكون الرجل مكانه فوق ، والمرأة مكانها تحت ، وتحت هذا ليس عيب .
اخْتِصَارِ الْمَسَافَاتِ هُوَ الْسَّبَبُ فِيْ فَسَادٍ الْعَالَمَ كُلَّهُ:حتى لا يأتي الجماعة المدافعون عن المرأة ويقولون كيف المرأة التي نعمل على أن نأتي بحقوقها الضائعة تجعل مكانها تحت ، هذا هو مكانها ، اليوم لما يكون واحد صاحب شركة استيراد وتصدير وواحد عامل ينظف المكتب ، نستطيع أن نضع الاثنين ونبدل الكراسي ، لا أحد يقبلها ، حي هذا المحتج الذي يتكلم عن حقوق المرأة لا يستطيع أن يختصر المسافات التي بين العباد ، وليس المرأة والرجل حتى المسافات التي بين العباد لا يستطيع أن يختصرها . فصلاح العالم أن تكون المرأة في مكانها ، وأن يكون الرجل في مكانه ، فأصبح هناك مسافة بين الاثنين ، إذا واحد منهم اختصر المسافة كأن ينزل الرجل أو تصعد المرأة فسد العالم ، اختصار المسافات هو السبب في فساد العالم كله المسافة بين الأب والابن ، والنبي- صلى الله عليه وسلم- جعل مسافة بين الرجل وولده ، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى الولد أن يمشي أمام أبيه أو أن يحد النظر إليه أو أن يسميه باسمه ، اختصار المسافات ضيع عاطفة البنوة وضيع عاطفة الأبوة ، ويقولون إن كبر ابنك اجعله أخ لك ,فكانت النتيجة أن الولد يقول لأبيه يا عم الحاج واذهب يا عم الحاج وتعالي يا عم الحاج ، وغير ذلك من هذا الكلام ، وهناك بعض الشباب أن سمعته يقول لوالده والله يا عم الحاج أنت تلعب بذيلك وشكلك ليس منضبط فقلت له يا بني كيف تتكلم بهذا الكلام ، كيف تخاطب أباك ، والأب يضحك اختصار المسافة ضيع الكثير.
فَأَيُّ مَسَافَةٌ جُعِلْتُ فِيْ الْشَّرْعِ يَنْبَغِيْ أَنْ تَظَلَّ كَمَا هِيَ: رجعنا إلى المرأة وإلى الرجل ن اختصار المسافة هو الذي أفسد البيوت الآن إذا لم يقوم الرجل بحق القوامة على المرأة نشزت المرأة عليه ، والمرأة حتى لو كانت شخصيتها قوية تحب الرجل القوي ، حتى لو خالف أهواءها ، ممكن تغاضبه وتخاصمه لكنها معجبة به ، وهذا الكلام أنا لم أعرفه إلا من التجارب تخاصمه لكنها معجبة به ومعجبة بأخلاقه ورجولته .
فَيَكُوْنُ كُلُّ فَسَادِ إِنَّمَا سَبَبُهُ فِيْ الْأَصْلِ أَنَّ الْرَّجُلَ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّ الْقَوَّامَةُ عَلَيَّ الْمَرْأَةُ :قال الله- عز وجل-:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ(النساء:34) ، اتساع قلب الرجل هو الذي يجعل المرأة تستقل ، والمرأة قلبها في أذنها تحب تسمع الكلام الجميل الكلام الطيب ، نقول: والمرأة قلبها في أذنها ، بمعني أنها لو تحمل جبل ونقلته من مكان إلى مكان ثم جئت وشكرتها , التعب كله يزول ، لكن فيه ضيق حدث عند الرجال ، لا يريد أن ينطق ، لا يريد أن يتكلم ، لأن الخَرَص الزوجي له أسباب ، لماذا يصاب الرجل بالبكم ؟ لأن المرأة إذا الرجل تكلم تعمل على كل جملة مشكلة ، فيقول الرجل أهون الشرين أسكت ,أنا لا أجعل المسألة على الرجل كلها ، لكن أنا أضع علامات ، أريد أن أقول أن الرجل عنده ضيق عطن ، يريد أن يتكلم لا يستطيع أن يتكلم ، والنبي- عليه الصلاة والسلام- كان يتكلم ، وكانت عائشة- رضي الله عنها- كما في حادثة الإفك لما وقعت الحادثة وأحست بأشياء ما كانت تراها من النبي- صلي الله عليه وسلم- حتى علمت بالخبر ، فقالت( وكان يَريبُنِي أني لا أجد اللطف الذي أجده منه حين أشتكي ).ليس من عادته- صلي الله عليه وسلم- لما كانت تمرض تحس بلطفٍ شديد في معاملة النبي- صلي الله عليه وسلم- ، وفي هذه المرة مرضت شهرًا لم تشعر بهذا اللطف ووضعت علامة استفهام لماذا ذلك ؟ لا تعرف لما ، وحتى عرفت الخبر وأن القوم خاضوا في حديث الإفك .الذين جاءوا يسألون عن حياة النبي- صلي الله عليه وسلم- في بيوتاته لم يجدوه فعل شيئًا كبيراً، فقالوا: هذا رسول اله - صلي الله عليه وسلم- غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، وهذا غض من عبادته ، كأنهم يريدون أن يقولوا عبد أم لم يعبد هو سيدخل الجنة ، بخلافنا نحن ، نحن لابد أن نعمل جيدًا ، لا نتكل على عمل رسول الله- صلي الله عليه وسلم- لأنه مغفور له ، فيكون في هذا تعريض بقلة عبادته أم لا ، لذلك النبي- صلي الله عليه وسلم- لم يترك هذا الأمر ، إنما جمع المسلمين وقال: " ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية ولكني أقوم وأنام ، وأتزوج النساء ، وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " .
كُلِّ إِشْكَالَ فِيْ بُيُوَتِنَا سَبَبُهُ أَنَّنَا لَمْ نَقُمْ الْإِسْلَامِ : أنا أريد الأخوة والأخوات يدرسوا حياة النبي- صلي الله عليه وسلم- وحياة أزواجه حتى تنتهي المشاكل من البيوت . لما تأتي لتحقق المشاكل لا تجد مشكلة ، مشكلة تافهة جدًا ، كل إشكال في بيوتنا سببه أننا لم نقم الإسلام ، الإسلام إذا دخل في شيء يعدله ، أي إشكال ما بين اثنين ، ما بين رجل وامرأة سببه أنهما لم يقيما الإسلام ، لو أقاما الإسلام لانتهت كل المشاكل .صبر الأنبياء على النساء ، وصبر الأنبياء علي أقوامهم ، لأن الاثنين مرتبطين ببعض .
ِإذَا اسْتَطَاعَ الْمَرْءِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْنَّاسُ فِيْ الْخَارِجِ اسْتَوْعَبَ امْرَأَتَهُ :وإذا استطاع أن يستوعب نسائه استوعب الناس ، لأن الناس لن يعملوا معه أكثر مما يعمله معه النساء النساء يلاعبوه ، وكل واحدة لها مذهب ، وكل واحدة تلف وتدور وتريد أن تصل إلى المعلومة بستمائة سؤال ، وكل سؤال يختلف عن أخيه ، كل سؤال شكل ,حتى اذكر وأنا أقرأ في تاريخ الرومان أنهم ما كانوا يولون الرجل الملك إلا إذا زوجوه ، فإن نجح مع امرأته ولوه الملك ، مما يدل أن كون الرجل يقيم المرأة على الجادة هذا يحتاج إلى بصر ويحتاج إلى يقظة .يقول بن الجوزي: ( فَلولَا أنَّ النِّكاحَ مِن أَفضَل الأشيَاء لَمَا ذَهبَ كَثيرٍ مِن زَمَانِ الأَنبيَاءِ فِيه )وأنت تعرف أن أعبد الناس هم الأنبياء ، فكيف عشر سنوات من عمر موسى تُنفق كمهر للمرأة ، وهذا فيه تقدير للمرأة أيضاً، أن المرأة أخذت من عمر موسى- عليه السلام- عشر سنوات .يقول: وقد قال بن عباس رضي الله عنهما:" خِيارُ هذه الأمة أكثرها نساءً " وهذا الحديث رواه البخاري ، وهذا الحديث يحتمل معنيين أحدهما أقوى من الآخر .المعني الأول: أن الرجل كلما أكثر من النساء كان أفضل من الذي يقتصر على واحدة ، لماذا ؟ لأن نفعه متعدي ، فيه الإنفاق على المرأة وفيه إعفافها ، وفيه أيضًا رعاية أسرتها ، والواحد لما يتزوج المرأة لا يتزوجها بمفردها ، هو يتزوج المرأة وأهلها ، لأن مطلوب منه صله ، ومطلوب إذا وقع أصهاره في مشكلة لابد أن يقف ، أي أصبح عليه عبء المرأة وعبء الأسرة حتى لو كانت الأسرة لا تأخذ منه فلوس ، لكن هناك عبء أدبي ، الجماعة الذين يتكلمون ويقولون أن الرجل إذا تزوج بأكثر من امرأة ، يتزوج لكي يتمتع ونحن أجبنا عن هذه المسألة من قبل ذلك وقلنا أنه لا جناح .لكن تعالوا لنتكلم بالعدل الرجل إذا أراد أن يفتح بيتاً آخر ، تعالوا نري في هذا الزمان الواحد لو عنده أسرة مكونة من امرأة وأربع أولاد مثلاً ، هذا كم يحتاج من الجنيهات في الشهر ، نحن عندنا هنا إيجار الشقة لوحده ستمائة جنيه وكهرباء وماء ونور وغاز ولو عنده سيارة بنزين ، نقول في الموسط لكي الرجل يعيش عيشة كريمة يحتاج ألفين جنيه ، الموظف الذي يعمل منذ ثلاثين سنة كم مرتبه ؟ ستمائة جنيه بالتمام والكمال , فمطلوب إذًا بعد أن يقضي العمل ، يخرج ويعمل في عمل آخر ، لكي يستطيع أن يعوض هذا الفاقد من المرتب .يخرج الساعة الثانية من العمل ولن ينزع ملابسه سيخرج من العمل علي العمل الخاص ، وسنفترض أن الرجل في العمل الخاص سيعطيه ألف وأربعمائة جنيه ، وهذه مسألة ليست موجودة إلا في وظائف معينة وسنفترض أنه سيجدها ، سيعود إلى البيت الساعة الثانية عشر بالليل ، خرج من الساعة الثامنة صباحاً ورجع الساعة الثانية عشر بالليل لكي ينفق على بيت واحد والرجل إذا أراد أن يتزوج لكي يفتح بيت آخر ، ولتكن المرأة ليس معها أولاد ، نقسم المسألة نصفين فنجعلها ألف جنيه لكي يأتي بالسكن وغير ذلك هذه الألف جنيه لو افترضنا أنه عنده الألفين جنيه جاهزين من عمل واحد فقط وسيعمل بعمل آخر لكي يأتي بألف جنيه ، هذا العمل سيأخذ كم ساعة في اليوم ؟ .ثماني ساعات في اليوم ، ستة في ثمانية تساوي ثمانية وأربعون ساعة في الأسبوع فيكون عنده في الأربع أسابيع قرابة مائة وتسعون ساعة مثلاً لكي يأتي بالألف جنيه ، الجماعة الذين يتكلمون ، أحياناً المرء يضطر أن يتكلم بكلام لا يريد أن يتكلمه ، لكن ماذا تعمل وهم يجعلونك تمشي على حد الموس ، لابد أن تتكلم ؟، لكي تسد هذه الأفواه المغالطة التي تتكلم هذا الكلام ، لما يقول الرجل أساساً يتزوج لكي يتمتع ، وأنا الآن عندي مائة وتسعون ساعة أعمل فيها بكل قوة لكي أحضر فيها ألف جنيه . هو الرجل لو أراد أن يتمتع مع المرأة يتمتع بكم ساعة ، ساعة ، ساعتين ، ثلاثة ، عشرة ، في مقابل مائة وتسعين ساعة لنقص عشر ساعات مقابل عشر ساعات ، يبقى مائة وثمانون ساعة يعمل فيها دون راحة ، فمن الذي يتعب ؟ أين المتعة التي يتكلموا عليها ، ثم كما نقول الرجل لما يتزوج المرأة فيه عبء أدبي على الأقل ، وليس عبء مادي فقط ، مسألة المواساة ، وأنه لابد أن يذهب إلى الأفراح والأعياد والجنائز وأي مناسبات لابد أن يكون موجود فيها ، أليس هذا كله عبء عليه ؟ عبء بدني وقد يكون عبء مالي لأن سيترك عمله الذي يحضر منه الفلوس ، لكي يجامل وغير ذلك .الزواج تبعة ثقيلة جداً لاسيما في هذا العصر ، فدعوى التمتع وهذا الكلام الغريب الذي يقولوه ، الحقيقة عندما نتكلم بصراحة ونتكلم بإنصاف دعوة لا تثبت أمام البرهان الصحيح ,بن عباس رضي الله عنهما:" خِيارُ هذه الأمة أكثرها نساءً " الرجل يتزوج أكثر من امرأة أفضل من الذي يتزوج امرأة واحدة وهذا هو المعني الأول على أساس أن نفعه متعدي لأكثر من أسرة وقد يكون الرجل غنياً وأصهاره فقراء فيكون أيضًا استطاع أن يحمل هذه الأسرة .مثلاً لما واحد أراد أن يتزوج على امرأته ثم قالت له أنت لما ستتزوج ، الذي أنت ستنفقه عليها لما تكون زوجه أنفقه عليها بدون زواج ، طالما أن قلبك رقيق وخفيف وتريد أن تخدم أنظر أنت من وأعطها الألف جنيه ، وهذا الكلام لا يستقيم ، لأن أنا لما أتزوج المرأة أحمل أسرتها بالكامل وصارت عبء علي لا أستطيع أن أتخلص منه ، إنما المرأة الذي أنفق عليه وعلى أهلها وحدث لي إملاق وأريد أن أوسع في حياتي أذهب في فسحة ، أقول لهم معذرة يا جماعة أنا متأسف لن أستطيع أن أعطيكم شيء ، لأن الحمل الأدبي غير موجود ، وهذا المعني الأول .المعني الثاني: وهذا المعني هو الأقوى ، بن عباس سأل سعيد بن جبير ، قال له: "أتزوجت يا سعيد ؟ قال له: لا ، قال له: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً " ، وهو يقصد النبي- صلي الله عليه وسلم- وهذا هو المعني الأقوى ، وأنا قلت فيه معنيين واحد أقوى من الثاني ، المعني الأقوى أن خير هذه الأمة يقصد بن عباس بهذا الكلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وإنما قال من هذه الأمة حتى لا يُعترض بداود وسليمان ، وأنت تعرف داود وسليمان مثلاً داود كان له تسعون امرأة ، وفي رواية سبعون ، وسليمان كان كذلك كما في الحديث في الصحيحين حديث أبو هريرة ، أن سليمان- عليه السلام- قال:" لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يلد فارسًا يقاتل في سبيل الله ، فقال له الملك: قل إن شاء الله ، فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة واحدة ولدت نصف إنسان " _ولدت مولودًا غير مكتمل نصف إنسان قال - معقبًا على هذه الحكاية " فو الذي نفسي بيده لو استثني _ أي لو قال إن شاء الله_، لولدت كل امرأة فارسًا يقاتل في سبيل الله ، ولكان دركًا لحاجته " ، فيكون تقييده في هذا لكلام وهو( هذه الأمة ) حتى يخرج ذكر داود وابنه سليمان عليهما السلام ,يقول: (وقالت سُرِيَةِ الربيع بن خُثَيم: كان الرُبَيعُ يَعزِل .)بن الجوزي يأتي بالفضلاء وعلى رأسهم الأنبياء ثم الصالحون ، الذي لو كان التجافي عن الدنيا عن مثل هذا في الدنيا لكانوا هم أولى الناس بترك ذلك فطالما أنهم قبة الفضل وفعلوا ذلك دلَّ على أن ذلك ممدوح ، وليس بمذموم .سرية الربيع: هي كما قلنا أمة الربيع بن خثيم- رحمه الله- ، قالت كان الربيع يعزل ، أختم درس اليوم بكلام ذكي عن الربيع ، لأني أعلم أن أغلب الجلوس لا يعلمون من هو الربيع بن خثيم .
نُبْذَةً عَنْ الْرُّبَيِّعِ بْنِ خُثَيْمٍ:الربيع بن خثيم: هو أحد تلاميذ بن مسعود- رضي الله عنه- وهذا يدلك على أنه متقدم ، من التابعين القدامى الكبار ، لماذا ؟ لأن بن مسعود توفي في خلافة عثمان ، توفي قديمًا ، أظن سنة ثلاثة وثلاثين أو قريب منها وأنا لم أضبط تاريخ الوفاة . يقول بن مسعود عن الربيع: إذا رآه قال: يا أبا يزيد والله لو رآك رسول الله- صلي الله عليه وسلم لأحبك ، وما رأيتك إلا قلت: وبشر المخبتين وهذا كلام بن مسعود ، وهذه شهادة عظيمة ، أعظم شهادة ومنقبة للربيع وكان يغض طرفه حتى أن جارية بن مسعود كانت إذا فتحت الباب ووجدت الربيع قالت له: صاحبك الأعمى بالباب ، من شدة غضه لبصره وأن طرفه لا يفارق الأرض حياءًا من الله- عز وجل- فقد رأيت أن أعطر هذا المجلس بذكر شيءٍ من كلام الربيع بن خُثيم- رحمه الله تعالي ، ويروي منذر الثوري قال وهذا الأثر أخرجه بن سعد في كتاب الطبقات الكبرى وأخرجه أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء .كان الربيع إذا أتاه الرجل يسأله يقول له:( اتق الله فيما علمت وما استؤثر به عليك فَكِلهُ إلي عالمه ) مثل مسائل القضاء والقدر والحكمة من مسألة القضاء والقدر التي لا تعرف أن تصل إليها ، إذا استأثر الله- عز وجل- بشيء كما قال إبراهيم الحربي فَالهُ عنه ، إِلهِ عنه أي كِلهُ إل عالمه( لا أنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ ، وما خَيرِكُم اليوم بِخَير ولكنه خيرٌ من أخر شر منه )أي المسألة أن المفاضلة في الضعف والهوان ، وليست المفاضلة في الفضائل كما قال القائل: أننا قوم أوتينا من العجز والهوان أضعاف أضعاف ما أوتي أسلافنا من الجد والقوة ، كانوا يتفاضلون قديمًا بالعلم ، فيقال: فلانًا أعلم من فلان ونحن اليوم نتفاضل بالجهل فيقال: فلان أخف جهلاً من فلان .ومثلما بعض العلماء راقب الفرق ما بين القرون الخوالي التي كان فيها الإسلام والسنة وغير ذلك ، قال: (كانوا قديمًا يدورون ما بين سنة وبدعة والآن يدورون بين بدعةٍ ورِدَة ،) أي أن المسألة في النازل . (وما خَيرِكُم اليوم بِخَير ولكنه خيرٌ من أخر شر منه ، وماتتبعون الخير حق إتباعه ، وما تفرون من الشر حق فراره ، ولا كل ما أنزل الله على محمد- صلي الله عليه وآله وسلم- أدركتم ، ولا كل ما تقرئون تدرون ما هو ، ثم يقول السرائر ن السرائر _ أي نقوا السرائر_ اللاتي يًخفَينَ من الناس وهم لله بوادٍ ، التمسوا دوائهن ، وما دوائهن إلا أن يتوبا ثم لا يعود .)وروى منصور بن المعتمر: عن إبراهيم قال: قال فلان: ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلام منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾(فاطر:11) ،بكلمة تصعد أي من الكلام الصالح التي لا ترد علي صاحبها . وعن بعضهم قال: صحبت الربيع عشرين عاماً سمعت منه كلمةً تُعَاب وقال آخر: جالست الربيع بن خثيم سنين فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرةً أمك حية ، هذا هو الذي أخرجه عن الذكر ، أما عدا ذلك فكان الربيع مشغول بالذكر . وروي الثوري عن أبيه:_ سعيد بن مسروق _،( كان الربيع بن خثيم إذا قيل له كيف أصبحتم ؟ قال: ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا )، وهذا قمة التواضع والإخبات وهضم النفس . هذه الأمة أمة عظيمة ، واحد مثل الربيع بن خثيم لو وجد عند غيرنا لاتخذوه حبرًا ، وهذا واحد من ملايين في هذه الأمة المجيدة التي تمتلئ بالفضل .ابنة الربيع قالت لأبيها: ( يا أبتاه ألا تنام ؟ لأنه كان كثير السهر ، كثير الصلاة فيقول: يا بنيتي كيف ينام من يخاف البَيَات)_، والبيات : معناه أن العدو يُبَيتُه ، فأي واحد يعرف أن العدو سيهجم عليه مستحيل يعرف ينام ، وهو يقصد بذلك الموت .قالت سرية للربيع: إنه إذا كان دخل عليه الداخل وفي حجره مصحف يغطيه وهذا كان دأباً لبعض السلف أيضاً، كانوا يخفون أعمالهم خشية أن يدخل عليها رياء ، كان أيوب السختياني إذا ذكر النبي- صلي الله عليه وسلم- بكى ، فكان الربيع يقول سبحان الله ما أشد الزكام ، وكان الأوزاعي يصلي فإذا دخلت أمه إلى مسجده وجدت مكان سجوده رطباً من دموعه .وأنت تعرف الإنسان إذا كان بكاء أجفانه تذبل ، فكان إذا أراد أن يخرج اكتحل حتى يشد جفنه ، وحتى لا يُقال له لما هذا الذبول فيكشف عمله فكانوا يتعاملون مع العمل الصالح كأنه عورة ، كانوا يجتهدون في إخفائها كما فعل الربيع بن خُثيم ، والربيع له مجاهدات وهو مشهور بالزهد وحسبك قول بن مسعود فيه: (وبشر المخبتين)، ومع ذلك كان الربيع يتسرى ، كان له أكثر من سُرية ، وهذا لو كان شيئًا مذموماً لكان هؤلاء الفضلاء أبعد خلق الله- تبارك وتعالى- عنه ،وأما المطعم الذي هو المحور الثالث الذي ذكره بن الجوزي على أساس أنه من الدنيا ، فهذا إن شاء الله نستوفي عليه الكلام اليوم بإذن الله تعالي .
انتهي السادس عشر
المحاضرة السابعة عشر
فلا زال حديثنا موصولاً مع هذه الخاطرة من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي- رحمه الله تعالي- وهو كان في سبيل الرد على الذين ذموا الدنيا بإطلاق ، فبين أن الدنيا ليست مذمومة بإطلاق ، أنما يذم فيها فعل الجاهل والعاصي ، أما ما خلقه الله- تبارك وتعالى- للناس ليستعينوا به على عبادته- تبارك وتعالي ، فإن المرء لو استعمله على الوجه المشروع ، كان ممدوحاً لا مذمومًا إذ أن الله عز وجل أذن له في استعماله .وذكر أشياء ضرورية لا يستغنى المرء عنها ، فذكر المال ، وذكر النكاح وتكلمنا عن هذين فيما سبق واليوم نتكلم عن المحور الثالث الذي اختاره بن الجوزي وهو من الدنيا للدلالة علي أنه لا يذم ، بل التقعر في تركه هو المذموم كما سيأتي في كلامه- رحمه الله تعالي بعد ذلك قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لخدمَةِ الله- عز وجل- )وبن الجوزي يكرر لفظ الخدمة وأنا أتحاشاه إنما أقول لعبادة الله- عز وجل- لأن لفظ الخدمة فيه نظر ، ولم يجري علي لسان أحد من السلف فيما أعلم ، وأنا إذا وجدت لفظ الخدمة أنا سأبدلها للعبادة يقول: (وأما المَطعَمُ فالمُراد منه تَقويةِ هذا البَدن لعبادة الله- عز وجل- وحقٌ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله ).ويقصد بالناقة هنا البدن لأن البدن هو الذي يحمل الروح ، والبدن مطية الآدمي في حياته ، حتى إذا مات دخلت الروح في بدن آخر يناسب الخلود إما الخلود في الجنة نسأل الله غنمها ، أو في النار نسأل الله أن يجنبنا غرمها ، فالبدن مطية الروح ، هذه الروح تركب هذا البدن في مدة الحياة الدنيا ولذلك إذا مات فنيت هذه المطية ، ثم تبدل الأجساد بأجساد أخرى فهذه الناقة التي تحمل روحك أو هذه المطية التي تحمل روحك حق عليك أن تكرمها لكي تحمل هذه الروح ، وفي زمان اختفاء سفيان الثوري- رحمه الله- كان يختفي بين الناس حول الكعبة ، أخته علمت أن بعض تلاميذه وهو أبو شهاب الحنَّاط ذاهب إلى مكة ، فأعطته طعامًا ، أعطته سويقاً وسمناً وكعكاً، قال، فبحثت عن سفيان وكان مختفيًا في الناس ، فلما ألقيت عليه السلام ما رد عليَّ ، لماذا خائف أن يكون عين ، أي خشي أن يكون جاسوس ، وهو هارب ويختفي في الناس . فعندما قال له: أنا جئتك من عند أختك بزاد ، قال: فهب وقال: قرِّب تعالي بسرعة ، قال: فأكل أكلاً جيداً ثم قام يصلي إلي الفجر قال: ثم ألتفت إليَّ وقال : ( أعلِف الحمار ثم كُدَهُ )أكله وشغله هذا مثل ضربه سفيان ، قال: أعلف الحمار ثم كُدَه ، أي الذي منعه من القيام الجوع يريد أن يقوم لكن من شدة الجوع بدنه أو قدماه لا تحملانه .
فَالإِنْسَانُ الَّذِيْ يُفْهَمُ لِمَاذَا خَلَقَ ؟ لَا يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ هَذِهِ الْمَطِيَّةُ :ولا أن يقلل من قوتها لأنها هي التي تحمل الروح ، وأعظم الناس عذاباً من رُزق همه عالية مع بدن ضعيف ، يريد أن يفعل كل شيء لكن بدنه لا يساعده .وكانت حفصة بنت سيرين- رحمها الله - تقول: ( يا معشر الشباب أعبدوا الله في الشباب فإني رأيت العبادة في الشباب) وهذا الأثر لحفصة- رحمها الله - قرأته قديمًا في أول عهدي للطلب ، ما أحسست بهذه الكلمة إلا بعد ما وصلنا إلى الشيخوخة وكبرنا ، وعجز المرء أن يوفي ما يريده من العلم .أحيانًا كان مثلاً الإنسان ينشط فأظل مثلاً أكثر من خمسة عشر ساعة لا أَكِل ولا أَمِل ولا أشعر إطلاقًا أنني جالس علي الكرسي ، ولا أن أنني في تعب ، حديث " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم " أنا أذكر أنني لما أخرجته في بذل الإحسان الجزء الثاني في بذل الإحسان في تقرير سنن النسائي أبي عبد الرحمن ، هذا الحديث طال بحثي فيه أكثر من عشرة أيام ، وخرجت في النهاية بجزء كبير يعني يقارب السبعين صفحة من طرق هذا الحديث وعلل هذه الطرق ، ومناقشة وبسط أهل العلم فيه ، وما شعرت ، وهذا الحديث خاصة أنا أذكره مع حديث القلتين ومع حديث عائشة - رضي الله عنها- " كنت أغتسل مع النبي- صلي الله عليه وسلم- من إناء واحد تختلف فيه أيدينا فأقول له : دعلي دعلي " مع حديث " لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك " أربعة أحاديث ؟ أذكر أن أقل حديث أخذ حوالي خمسة أيام أو أربعة أيام ,كان فيه همة وكان أيضًا فيه صحة أنك تستطيع أن تقف عشر ساعات ، لأن طالب العلم الذي يعمل في التحقيق والتحرير وليس في النقل يكون يعمل كحامل الأحجار يمكن يمشي في الليلة اثنين أو ثلاثة كيلو وهي مسافة الغرفة أو مسافة المسكن ، الذي هو خصصه للمكتبة ، نفترض أنها أربعة متر مثلاً ، تظل لمدة عشر ساعات طوال الليل تذهب وتأتي وتحمل الكتب وتضعها على المكتب ، والكتب كثيرة تأخذ ما تحتاجه منها ثم تضعها على الأرفف مرة أخرى ، وتأتي بالكتب مرة أخرى .تحمل الصف كبير ووجهك لا يرى منه وتعمل وتذهب وتأتي ، وهذا الذي يعمل بالتحرير ، طبعاً هناك فرق بين تحرير العلم وبين النقل .
إِنَّمَا يُعْرَفُ قَدْرٌ الْمَرْءِ بِتَحْرِيْرِ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ:كما قال الشافعي- رحمه الله-: إنما العلم هو معرفة اختلاف الناس ، يعرف ما هذا القول ، وما هذا القول ، وفي الأخر ما هو الصواب من ذلك كله هذا هو العلم ,لكن لما تضعف مُنة الطالب الذي لم يذاكر ، وقلة مرحلة الخمول ، ومرحلة الخمول التي هي مرحلة الطلب ، لا أحد يعرفه ، لما يخرج من الباب لا أحد ينتظره ولا أحد يقول له عندي مشكلة ، ولا أحد يقول له هات لي علاج ، ولا أحد يقول أنا أريد أن أسألك سؤال أو غير ذلك ، لا يفطن له ولم يكمل ولم يَبرُز ، فمستريح ، يصلي في الجماعة ممكن لا تجد أحد يقول له السلام عليكم ويخرج من المسجد هادئ ورائق وتمام التمام ، أنا أحسدهم على الذي هم فيه .فمرحلة الخمول ممكن تكون مرحلة قصيرة في حياة الطالب ، ثم دخل في صلب العمل ومطلوب منه محاضرة هنا ومحاضرة هناك وثلاث محاضرات في اليوم ، ويذهب إلى البلاد لكي يعطي خطبة الجمعة ، ويعطى الدرس ، لم يهنأ بمرحلة الخمول ، فليس عنده علم ، هو أخذ قليل من العلم .لما يتصدر للتأليف ليس عنده شيء ما الذي سيحرره ؟ فهو لم يدرس الأصول ولا تذوق الأصول ولم يستطع أن يفعل شيء ، ومطلوب منه كتب لأنه أصبح شيخًا ويذهب إلي كل مكان ولابد أن يكون مؤلف ، وحتى وإن قلت له أن يعمل مصحح في دار نشر ، يقول: مصحح ؟ كيف أعمل مصحح ؟ أنا مؤلف ، مع أنه لم يكن يتصدر لتصحيح الكتب إلا أفذاذ العلماء ، لأن من الذي يعرف خطأ المؤلف إلا واحد عالم علمه أعلم من المؤلف .
كَانَ الْشَّيْخُ عَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَ الْمُعَلِّمِيَّ الْيَمَانِيَ:قدره إلا من درس الحديث ، كان مصححاً للكتب في حيدر أباد في الهند ، وهو الذي أخرج لنا التاريخ الكبير للبخاري ، أخرج لنا الجرح والتعديل لأبي حاتم ، وأخرج لنا جزء من سنن البيهقي حتى الجزء الرابع أظن ، وأخرج كتاب الكفاية في علوم الرواية ، وأخرج الإكمال لأبن مأكوله ، أخرج الأنساب للسمعاني ، أخرج تاريخ جرجان لحمزة السهمي ، أخرج كتب كل كتاب سبيكة ذهب ، هذا كله غير كتاب التنكيل ، وكتاب التنكيل هذا جوهرة ، هذا الكتاب أنا نسخته لنفسي عندما كنت فقيرًا ، لذلك هذا الكتاب أحفظه ، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، كتاب جوهرة وهذا كان مصححًا . اليوم لما هان العلم الذي يصحح كتبي كان في بيروت آنذاك عندما كنت بطبع كتبي في بيروت بعض البنات ، بنات لماذا ؟ لأن العمالة مرتب البنات صغير قليل ، فيأتي لي الكتاب في تجارب الطبع فيه العجر والبجر التي كانت موجودة لماذا لم تصحح هذا ؟ يقول: أنا آسف لأن البنات لم يأخذوا بالهم ، بنات من ؟ البنات المصححات ، بنات تصحح كتب الحديث وأسماء رواة الحديث ؟ أنا أقول لك تقول له: تعمل مصحح ؟ يقول: لا مصحح ، أنا مؤلف علي أساس أنه رمح . أيها المؤلف أرني كتابك ؟ يدخل ، فهو يريد أن يقلب في خلال أسبوع يكون أشتغل له كتاب أو شيء لكي يأتي بالفلوس لكي يستعين بهم علي الحياة فيأتي لك من كتب الناس والآن ماكينة التصوير أصبحت مبذولة ، كان زمان عندما يقول: قال بن القيم ، سينقل عشرة أوراق لابن القيم كثير ، يده سوف تؤلمه ، ليس فارغاً يريد أن يدخل في مؤلف ثاني لأنه تعاقد مع هذه الدار والأخرى ، والأخرى ، فيكون المؤلف قص والصق . قال بن القيم يقص بن القيم ويلصق يقص ويلصق قال بن تيمية ، قال بن حجر ، قال السيوطي وإذا به يخرج في خلال أسبوع مثلاً يخرج كتاب مائة وستين صفحة ، ويظن أنه طالما أسمه نزل في الأسواق و أصبح موجودًا على الأرصفة أنه أصبح تعاظم في نفسه ، لا ، العلم ليس هكذا ، إنما العلم هو التحرير ، أن تحرر مواضع النزاع . فنرجع إلي ما كان بن الجوزي يقوله ، الإنسان العاقل هو الذي يكرم هذا البدن طالما لديك صحة ، و أنت تخدم العلم وتخدم الدعوة ، فلا يأتي واحد يقلل من أكله وشربه بحيث أنه كما ذكر بن الجوزي رجل كان يصلي قاعدًا بسبب ماذا ؟ لا يريد أن يأكل ، ما الفائدة ؟ يصلي قاعدًا كيف تصلي قاعدًا وأنت قادر علي القيام ؟ تكون الصلاة باطلة ، لكن هذا جاهل لا يعرف شيء لو أنه مشي علي قانون الفقهاء لعلم أن ترك الأكل في هذه الحالة إثم ، وأنه لا يمدح به بل يذم .فكلام حفصة بنت سيرين يوضع أمامكم ، أي الشباب يعرف أن مرحلة الشباب هذه أعظم وأفضل المراحل التي يبذل فيها الطالب حُشاشة نفسه في سبيل طلب العلم .خلاصة الكلام:أن هذا البدن أمانة حملك الله- عز وجل- حفظها فحفظها لتتم لك عبادة الله - تبارك وتعالي - إنما تُجَوِع نفسك وغير ذلك قال الله عز وجل ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾(النساء:147) هي مسألة أنه يعنِّيك لا بالعكس ينزل لك الرخص أيضاً لماذا نزل الرخص ؟ ليضع عنك العذاب ، لأن تعذيب البشر ليس مراداً ، إنما المراد أنه إذا لابث العمل مشقة أصبر علي المشقة لكن لا تعذب نفسك ابتداءًا ، لأن الله عز وجل قال:﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾(البقرة:185) .فيقول بن الجوزي: (وحقٌ على ذِي النًَاقةِ أن يُكرِمُهَا لِتحمِله. وقد كان النَّبيُ- صلى الله عليه وسلم- يأكُل ما وجَدَ .)بمعني أنه لا يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً، وما عاب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن عافته نفسه تركه ، وكان بعض الناس الأذكياء عندما تطهوا له زوجته أكل ويكون الطبخ غير منضبط يقول: ما عاب النبي- صلي الله عليه وسلم- طعاماً قط ، فهو يريد أن يقول لها أنت لم تطهي جيدًا ، لكن بأسلوب رفيق ، أي أنه لو عاب لعبت أنا لكنه كان متبعاً ، فما كان يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً.بل أنه- صلي الله عليه وسلم- كان إذا دخل البيت فسأل عن الطعام لم يجده فينوي الصيام ، لأجل هذا كان مريحاً ، فيه بعض الناس عندهم بسبب هذه المسألة يعملوا إزعاج لا آخر له ، طبق معين غير موجود ، وصنف معين غير موجود تكون مشكلة ، إنسان غير مريح ، تكون المرأة تدور حول نفسها ماذا أفعل له ؟ يكون متعب لا ، النبي- عليه الصلاة والسلام - كان مربحاً جداً، وما صاحبه أحد قط فأخذ عليه مثقال ذرة من المؤاخذة . أنظر هل هناك أكثر من أن أنس- رضي الله عنه- يخدمه تسع سنين ، يقول أنس: ما قال لي قط لشيء فعلته لما فعلته ؟ ولا لشيء تركته لما تركته ؟ تسع سنين واحد يخدم واحد ، وفي كتاب أخلاق النبي لأبي الشيخ يقول أنس كلاماً معناه ، ولم أكن علي مستوي الخدمة ، أي لم أكن أفعل مثل ما يريد بالضبط ، ومع ذلك ما عاب قط ، هذا الصبر ما له آخر أنه لا يعاتب قط أحدًا ، لماذا ؟ لأن العتاب كثيرًا ما يفسد الود ، عندما تقول لماذا لم تفعل ؟ ، لماذا أتيت ؟ ، لماذا ذهبت ؟ ، لماذا جلست ؟ ، لماذا قمت ؟ ، الإنسان يتضجر من كثرة العتاب وأفضل الناس من ترك المعاتبة إلا ما كان في أمر الشرع ، إنما إذا كان في أمر الدنيا وكان الأمر محتملاً فأنه يترك المعاتبة ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يأكل ما وجد ، فإن وجد اللحم أكله (وكان يَأكُلُ لَحمَ الدَّجاج )كما في حديث أبي موسي الأشعري في الصحيحين ( وأحبُ الأشيَاءَ إِلَيهِ الحَلوَى والعَسَل ).وهذا كما في حديث عائشة رضي الله عنها (وما نُقِلَ عَنه أنَّه امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ).وهذا الكلام أريد أن أعقب عليه حتى لا يتعقب بعض الناس بن الجوزي فيه ، الحديث الذي ذكرته " أنه كان إذا اشتهته نفسه أكله وإلا تركه " ، فهذا يدل على أنه ترك مباحًا ، أليس ذلك مثل الضب ، كان الصحابة يأكلون الضب والنبي- صلى الله عليه وسلم- لا يأكله ، فقيل له في ذلك قال:" ليس بأرض قومي " أي لما شبَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن الضب يؤكل في مكة ولم يتعود عليه ، والذي يعرف الضب ممكن يبغضه .أنا لما ذهبت إلى السعودية ذات مرة وبعض الناس اصطاد ضباً من الجبل ووضعه في الإناء وأوقد عليه النار والماء يغلي ، وظل الضب يتحرك في الإناء حتى أخر لحظة ، وممكن يظل ثلاث ساعات في الإناء والماء يغلي وهو يتحرك فأنت إذا لم تكن متعود على الضب فلا من الممكن أن تقترب منه ، وممكن نفسك تتركه تماماً ، وهم ما شاء الله يأكلونه جيدًا وليس عنده مشكلة في ذلك ، لماذا ؟ لأنه طلع فوجده في الجبل ويجري خلفه ويصطاده .الرسول عليه- صلى الله عليه وسلم- ما كان يأكل الضب وكان أصحابه يأكلونه ، فهو مباح .لكن بن الجوزي يريد أن يقول في كلمة:(وما امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ) ، يرد على أهل التصوف الذين جعلوا الجوع رياضة وجعلوه مذهباً ، بحيث لو رأى واحد أخر يأكل يقول له استمر في الأكل لن تنفع ولن ترد ، هو يرد على هؤلاء ، ولم يقصد بن الجوزي ظاهر الكلام أنه ما امتَنَعَ مِن مُبَاحٍ ، لا ، امتنع من بعض المباحات التي عافتها نفسه - صلى الله عليه وسلم- . قال: ( وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج .)الفالوذج: شيء مثل العصيدة وكانت طبعًا محببة وكانت هذه أكل الملوك يوضع على موائد الملوك ، مثل الملوخية ، هي كان اسمها ملوكية وليس ملوخية ، لماذا ؟ لأنها لم يكن يأكلها إلا الملوك .قال: (وجِيء علي- رضي الله عنه- بِفَالُوذَج فَأكَلَ منه وقال: ما هذا ؟ قالوا: يوم النَورُوز ) والنوروز: هذا أحد أعياد الكفار . قال: ( فقال: نَورُوزُنا كل يوم ). هكذا نقل بن الجوزي- رحمه الله-وَلَمَّا فَتَّشْتِ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ ، الْحَقِيقَةِ وُجِدِتْ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ الْلَّهُ- أَخْطَأَ فِيْ نَقْلِ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا .أولاً: الذي روى هذا الأثر البيهقي في سننه الكبير ووضعه تحت عنوان باب كراهية مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومهرجاناتهم ، تقريباً هذا هو التبويب ، وأورد فيه أثرًا لعبد الله بن عمر بن العاص ينهى فيه المسلمين أن يشاركوا غيرهم في أعيادهم ، وقال: من بني داراً في بلاد الكفر أو شاركهم في أعيادهم حشر يوم القيامة معهم ، ونقل أيضاً عن عمر بن الخطاب ولا أظنه يصح من جهة الإسناد عن عمر بن الخطاب أنه نهى أيضاً عن مشاركة الكافرين في أعيادهم .وهذا الأثر الذي أورده البيهقي تحت النهي ، وطبعًا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(مكتوبة, )......., للشيخ, مدرسة, الحياه, الحويني, ابن, اسحاق, خطب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 04:15 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.