انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-15-2008, 02:04 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam افعال تخالف العقيدة

 






السلام عليكم

هذه
افعال تخالف العقيدة
جمعها الشيخ د/ سيد العربي
حفظه الله وبارك في اهله
انقلها لكم للأستفادة
هيا معا


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وبعد ،،،
فقد أعلن القائمون على مسجد العزيز بالله
- جعله الله ذخرا للإسلام والمسلمين ، وأعان القائمين عليه في الدعوة إلى الله عز وجل -
عن مسابقة لتفريغ أشرطة المؤتمر الإسلامي المنعقد في هذا المسجد المبارك ،
وقد وجد هذا الإعلان صدى البشر والغبطة عند كاتب هذه السطور ، فقمت بهذا العمل ،
ألا وهو تفريغ الأشرطة ، وبذلت وسعي في تحسينها والعناية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وضبطها ، ولصعوبة مقام الخطابة فقد كانت هناك بعض الهنات اليسيرة من ناحية اللغة ،
فقمت بتصحيح ما أمكن من ذلك ، سائلا المولى عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتي
يوم القيامة ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

كتبه

وائل بن سميح العوضي


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه
من خلقه وخليله ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى من تبع هداه بإحسان إلى يوم الدين ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } ،

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } ،

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
ومَنْ يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ، وبعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ،
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ،
وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، ثم أما بعد .



اليوم هو الثلاثاء الموافق الثامن عشر من شهر أغسطس
لسنة ثمان وتسعين وتسعمائة وألف من الميلاد ، الذي وافق الخامس والعشرين
من ربيع الآخِر لسنة ألف وأربعمائة وثماني عشر من الهجرة ، واليوم محاضرة فيما يسمونه
بالأسبوع الثقافي أو المؤتمر الثقافي ، والحقيقة أني أحاول دائما في مثل هذه المناسبات
أن نستغل اجتماع الناس ، ونجعل من هذا اللقاء فرصة لعرض بعض القضايا التي تُهِمُّ عموم
المسلمين على الخصوص ، وذلك أنني بحول الله عز وجل وقوته ومَنِّهِ وفضله أحاول
على مدار أيام العام أن أجعل من المحاضرات والدروس التي قد يكون فيها فائدة لبعض خواص
المسلمين ، فضلا عن عمومهم ، إلا أن مثل هذه اللقاءات ينبغي أن يكون المقصود الأول
من حيث إرادة نفعهم ، ومن حيث إرادة تبسيط العلوم الشرعية والمسائل الشرعية لهم ،
خاصة القضايا العقدية التي لا يصح الدين إلا بها ، فضلا عما يكمل الدين ،
أو التي لا يكمل الدين إلا بها ، فضلا عما يصح الدين إلا بها ، ينبغي أن يكون المقصود
في مثل هذه اللقاءات هم عموم المسلمين ؛ لأن الله عز وجل ما أرسل الرسل وأنزل الكتب
إلا رحمة للعالمين كما قال تعالى : { ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ، فنسأل الله عز وجل
أن يجعلنا من أسباب هذه الرحمة ، وأن يمن الله علينا أن نكون من أسباب الخير ،
ومن دعاة الهدى ، ونعوذ بالله جل وعلا أن نكون من دعاة الضلال ، ونسأله سبحانه وتعالى
في بداية هذا اللقاء أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم ،
وألا يجعل لأحد فيه شيئا ، وأن يجعل سعينا وإياكم في مرضاته جل وعلا ،
فأقول وبالله التوفيق :


قد جعل الله سبحانه وتعالى بدء الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،
ويمكن فاتني أن أقول أن محاضرتنا اليوم بعنوان فعال تخالف العقيدة)،
وعلى سبيل المقدمة أقول : قد جعل الله بدء الإيمان
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة عشر سنين أو بضع عشرة سنة يدعو
إلى هذه الشهادة خاصة ، وليس الإيمان المفترض على العباد يومئذ سوى هذه الكلمة ،
فمن أجاب إليها كان مؤمنا لا يلزمه اسم في الدين غيره ، وليس يجب عليهم زكاة ولا صيام
ولا غير ذلك من شرائع الدين ، وإنما كان هذا التخفيف - يعني جعل الإيمان مجرد كلمة -
قبل أن تنزل الشرائع ، ونزلت الشرائع تنجيما مفرقة كان ذلك تخفيفا من الله سبحانه وتعالى
كما ذلك العلماء أنه رحمة من الله لعباده ورفق بهم ، لأنهم كانوا حديثي عهد بجاهلية وجفائها ،
ولو حملهم الفرائض كلها معا، نفرت منه قلوبهم ، وثقلت على أبدانهم ، فجعل هذا الإقرار
والقيام على مقتضى الشهادتين بالألسن وحدها ، فضلا عما يقر في القلوب ، هو الإيمان المفترض
على الناس يومئذ ، فكانوا على ذلك إقامتهم بمكة كلها ، وبضعة عشر شهرا بالمدينة وبعد
الهجرة ، فلما ثاب الناس إلى الإسلام ، وحسنت فيه رغبتهم ، زادهم الله في إيمانهم أن صرف
الصلاة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس ،

فقال تعالى : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } ، خاطبهم وهم بالمدينة
باسم الإيمان الذي ثبت لهم مقدما في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه ،

فقال في الأمر :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } ،
وقال في النهي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } ،
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأَنتُمْ حُرُمٌ}، فناداهم
باسم الإيمان في الأمر ، وناداهم باسم الإيمان في النهي ، وعلى هذا جرت كل مخاطبة
كانت لهم فيها أمر أو نهي بعد الهجرة ، وإنما سماهم الله جل وعلا بهذا الاسم ،
أي بمجرد الإقرار وحده ، أي بمجرد الشهادتين ، إذ لم يكن هناك فرض غيره ،
فلما نزلت الشرائع بعد هذا ، ووجبت عليهم وجوب الأول سواء لا فرق بينهما ،
أو لا فرق بين الشرائع عموما ؛ لأنها جميعا من عند الله وبأمره وإيجابه ،

فلو أنهم عند تحويل القبلة إلى الكعبة أبوا أن يصلوا إليها ، وتمسكوا بذلك الإيمان
الذي لزمهم اسمُه من قبل والقبلة التي كانوا عليها ، لم يكن ذلك مغنيا عنهم شيئا ،
وكان فيه نقض لإقرارهم ؛ لأن الطاعة الأولى في الإقرار والشهادتين ليست بأحق باسم الإيمان
من الطاعة الثانية ، والثالثة ، وغيرها ، فلما أجابوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
كإجابتهم إلى الإقرار صار جميعا معا يومئذ إيمان : الصلاة ، والصيام ، الصلاة ، والزكاة ،
صارا جميعا : الصلاة والزكاة ، صارا جميعا من الإيمان بعدما شرعت وبعدما فرضهما الله تعالى ،
صارا جميعا معا يومئذ من الإيمان ، إذ أضيفت الصلاة إلى الإقرار ،
وقد جاء الكتاب يدل على أن الصلاة من الإيمان ،

مثل قول الله تعالى : { ومَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيـمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ،
وإنما نزلت هذه الآية في الذين تُوُفُّوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهم على الصلاة إلى بيت المقدس ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فنزلت هذه الآية ، أخرجه البخاري من حديث البراء ،
فأي شاهد يلتمس على أن الصلاة من الإيمان بعد هذه الآية ؟



ثم إنهم لبثوا بعد ذلك بُرْهة من دهرهم ، فلما أن داروا إلى الصلاة مسارعة،
وانشرحت لها صدورهم ، أنزل الله فرض الزكاة في إيمانهم إلى ما قبلها، يبقى كان الإيمان
الشهادة ، وسموا مؤمنين بمجرد الشهادة ؛ لأنه لم يكن في محتوى الشريعة إلا الشهادتان ،
وأنزل الله الصلاة ، وصاروا مؤمنين حينما خوطبوا بالصلاة ؛ لأنهم صاروا مؤمنين بكل ما أنزل
الله من الشرع ، ثم صارت الصلاة مضمومة إلى الشهادة ، ثم لما أجابوا إلى الصلاة وداروا
معها أنزل الله فرض الزكاة ، وضمها إلى ما قبلها ، قال تعالى : { أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وآتُوا الزَّكَاةَ } ،
وقال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِم بِهَا} ، ثم كذلك كانت شرائع
الإسلام كلها ، نزلت وتتابعت كلما نزلت شريعة صارت مضافةً إلى ما قبلَها ،
لاحقةً به ، ويشملها ، يشمل جميعَ الشرائع اسمُ الإيمان ، فيقال لأهله : مؤمنون ،
ومن ثم من هذه المقدمة تفهم أن الله عز وجل سَمَّى ، أوقعَ لفظةَ الإيمان على لسان
رسوله صلى الله عليه وسلم على العَقْد بالقلب لأشياءَ محدودة مخصوصة معروفة ،
وأوقعها أيضا ، تعالى وتباركَ شأنُه ، على الإقرار باللسان لتلك الأشياء خاصةً ،
وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط .



فالإيمان اعتقاد وقول وعمل ، وهذه مسألة متقررة عند السامعين ، وأحسب أنكم تعرفونها ،
لا أبالغ إذا قلت أفضل مني ، فهذه مسلَّمات ، إنما أقولها ، وأقدم بها للتذكير ،
ولأبني عليها ، وليس لتقريرها .

فالإيمان اعتقاد وقول وعمل ، وكذلك ما يضاد الإيمان ويخالفه يكون بالاعتقاد ،
كالجحود ، والاستكبار ، والشك ، والنفاق ، وما شابه ، ويكون أيضا بالكلام ؛
لأن الله تعالى جل في علاه قال :
{ يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } ،
فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر.


وقال تعالى : { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ
حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } ، فنص تعالى على أن من الكلام في آيات الله
ما هو كفر بعينه ، يعني بمجرد الكلام ، لا يحتاج معه إلا اعتقاد أو جحود أو ما شابه .

وقال تعالى : { قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيـمَانِكُمْ } ، فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى ، أو بآياته ، وبرسوله ، أو برسول من رسله كُفْرٌ
مخرج من الملة ، ولم يقل تعالى في ذلك : إني علمت أن في قلوبكم كفرا ، بل جعلهم كفارا
بنفس الاستهزاء ، ومن ادعى غير هذا ، فقد قَوَّلَ الله تعالى ما لم يقل ، وكذب على الله تعالى ،
وكذلك الكفر يكون بالعمل ، كما أنه يكون بالاعتقاد ، وكما أنه يكون بالقول وبالكلام ،
يكون أيضا بالعمل ، من الأعمال والأفعال ما هو كفر ، قال عز وجل :
{ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا ويُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا
عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ } ، فصح أن النسيء كفر ، وهو عمل من الأعمال ، وفعل من الأفعال ،
وهو تحليل ما حرم الله تعالى .



وليس المقام تفصيل هذه القضايا ، وأنتم تعلمون أنه بفضل الله تعالى ومن نفله سبحانه وتعالى ،
الله يتقبل منا ومنكم، أن فصلت مثل هذه الأصول ، ومثل هذه المقدمات العقدية في مبحث
الإرجاء ، فليراجعها من شاء ، لكن هذا كما قلت على سبيل التذكرة ،
وعلى سبيل التهيئة لإثبات مسلمات يبنى عليها.

وبالجملة فالإيمان قول واعتقاد وعمل ، والكفر أيضا قول واعتقاد وعمل ،
ولكن اعلم أن المخالفة ليست دائما تكون كفرا ، فالإيمان يخالف الكفر ، والكفر يخالف الإيمان ،
لكن هل الكفر فقط هو الذي يخالف الإيمان ؟ ويخالف العقيدة ؟،
اعلم أنه مما يخالف العقيدة أيضا ما قد يكون فسقا ، ومنه ما يخالف العقيدة
بحيث لا هو كفر ولا فسوق ، بل عصيان أو دون ذلك .




فمن الأمور التي تخالف العقيدة وتكون كفرا سواء كان بالكلمة أو بالاعتقاد أو بالقول ،
من الأمور التي تخالف العقيدة منه ما هو كفر ، فإذا قلنا ما يخالف العقيدة ،
إذا قلنا مثلا (اعتقادات تخالف العقيدة) ، (كلمات تخالف العقيدة) ، (أفعال تخالف العقيدة) ،
قد يكون من الأفعال ما هو كفر ، وقد يكون من الأفعال ما هو فسق ، وقد يكون من الأفعال
ما هو دون الأولى، وما ينبغي تركه، وكل هذا يخالف العقيدة ؛

لأنه من المتقرر عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، ومن المتقرر عند أهل السنة أيضا
- أحبتي في الله - أن الإيمان أصل وكمال ، فما يضاد الأصل كُفْرٌ أكبر ،
وما يضاد الكمال كفر ينقسم إلى قسمين :
هناك ما يضاد الكمال الواجب ، وهذا هو الفسوق ، من الكبائر والشرك الأصغر ،
وهناك ما يضاد الكمال المستحب ؛ من المعاصي ، والصغائر ، وترك الأولى ، وما شابه .



إذن عندنا اعتقادات وكلمات وأفعال تخالف العقيدة تكون كفرا، وعندنا ما يخالف
العقيدة ويكون فسوقا ، ونقصا في الإيمان ، وعندنا ما يخالف العقيدة ويكون دون الأولى .
قال ابن حزم في الفِصَل (3/118) :
(( إن قال قائل : أليس الكفر ضد الإيمان ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : إطلاق هذا القول خطأ ؛
لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا ؛ فمن تلك المعاني شيء يكون الكفر
ضدا له - يعني مما يضاد الإيمان ما قد يكون كفرا - ومنها ما يكون الفسق ضدا له ،
لا الكفر ، ومنها ما يكون الترك ضدا له، لا الكفر ولا الفسق )) .



واضح ، يبقى إذن ما يضاد الإيمان ، ما يخالف الإيمان قد يكون كفرا ، قد يكون فسقا ،
قد يكون ترك ما لا ينبغي تركه ، تنبه ، تنبه لذلك ، افهم فهذه أصول .

ومن ثم فهناك اعتقادات تخالف العقيدة ، وهناك كلمات تخالف العقيدة ،
وهناك أفعال تخالف العقيدة ، سواء كانت المخالفة على سبيل الكفر أو ما يقرب منه ،
أو الفسوق أو العصيان ، أو ما دون ذلك ، إذن المهم أن تعرف أن المخالفة، تنبه معي ،
المخالفة ليست على رتبة واحدة .

وقد يسر الله تعالى في لقاء سابق بيان بعض الكلمات التي تخالف العقيدة ،
يذكر منكم أن محاضرة العام الماضي في مثل هذا اللقاء كانت بعنوان (كلمات تخالف العقيدة) ،
وكان فيها من التوفيق من الله جل وعلا ، حتى إنه تحت إلحاح الإخوة وعموم المسلمين
ممن سمعها تحولت هذه المحاضرة إلى رسالة بتوفيق الله جل وعلا ، فنسأل الله عز وجل
أن يلحق بها هذه المحاضرة .



وقد يسر الله تعالى في لقاء سابق ببيان بعض الكلمات التي تخالف العقيدة ،
واليوم بإذن الله تعالى وحسن توفيقه أبين بعض الأفعال التي تخالف العقيدة والإيمان
على اختلاف مراتبها ،
وقد قسمت الكلام فيها إلى أقسام :

الأول : أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أكبر .
والثاني : أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها تؤول إلى الكفر الأكبر ،

أي يمكن أن تصبح ، تعرفون أن الكفر ينقسم إلى نوعين كفر حال وكفر مآل ،
الكفر الأكبر ينقسم إلى قسمين : كفر حال وكفر مآل ،
كفرالحال هو ما يلزمُ فاعلَه حكمُ الكفر متى تلبَّس بما يستوجب ذلك من الاعتقاد
أو القول أو العمل ، كاعتقاد الجحود والشك والتكذيب ، إنكار النبوة ،
فهذا كفر حال في الاعتقادات ، وكالسب والاستهزاء والسخرية بآيات الله عز وجل وبرسوله ،
أو بغير هذا ، أو كتابه ، أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو شتم الأنبياء ،
أو تنقيصهم ، أو إزراؤهم ، فهذا من كفر الحال بالقول .
ومن كفر الحال بالعمل : كالسجود لصنم ، وهدم الكعبة ، أو تضميخها بالنجاسات ،
أو ترك الصلاة عمدا ، أي بغير نوم أو بغير عذر ، هذا أيضا يسمى كفر حال بالعمل .

كفر المآل : هو ما يكون من القول أو الفعل بحيث يؤول ، يعني هذا معناه يذهب إلى الكفر ، ويسمونه لازم المذهب ، كمن يقول قولةً يُفاد منها أو يُفهم منها أن الله ظالم ، أو أن الله مخلوق ، كمن يقول : القرآن مخلوق ، فهذا يؤول إلى الكفر ؛ لأنه فيه نسبة الخالق بأنه مخلوق ، وإن كان القائل لهذا لا يقول : الله مخلوق ، ولكن هذه مقولة تؤول إلى الكفر ، وهكذا ، فالكفر منه كفر حال وكفر مآل .



فالقسم الأول :
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أكبر.

والقسم الثاني :
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها تؤول إلى الكفر الأكبر.

والثالث :
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أصغر .

والرابع :
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها فسوقا أو دون ذلك .

وقبل أن أبدأ ذكر ما يبين هذه الأقسام بذكر بعض الأمثلة ،
طبعا المقام سيكون على سبيل ضرب المثال الأَولى فالأَولى ، ما يحتاج إلى تنبيه إليه ،
وكما قلنا إن الغرض من المحاضرة أسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن المقصِد ،
وأن يجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، وأن يجعل اجتماعنا هذا سببا لمغفرة ربنا جل وعلا .
الغرض من هذه المحاضرة هو التنبيه ، يعني أن تكون هذه نِذارة للأمة ،
وأن يكون هذا من باب الدال على الخير ، وأن يكون هذا من باب التعاون على البر ،
ومن باب نشر الهدى ، جعلني الله وإياكم ممن يهديهم الله عز وجل يهدي بهم ،
ويجعلهم سببا لمن اهتدى ، اللهم آمين .


فقبل أن أبين هذا على سبيل المثال لا الحصر ، أقول مذكرا نفسي وإخواني الأحبة :
إنه رُبَّ صغيرةٍ أهلكت صاحبَها ، والصغيرةُ مع الإصرار تصير كبيرة ، فقد تسمع في الكلام
أن هذه مما دون الشرك ، فتقول : هذه دون الشرك ، فتستهين بها ، فلا بد أن تعلم أن الوقوع
في المعصية مهلكة ، وأشد منه هَلَكَةً الاستهانةُ ، فقد يدخل العبد الجنة من باب المعصية ،
كيف ذلك ؟ إذا تاب ، رب معصية جرت على صاحبها جنةً ،
ورب طاعة جرت على صاحبها نارًا ، كيف ذلك ؟

قد يكون العبد ممن يخشى ربه ، وممن إذا ذُكِّرَ تذكر ، وعندما يقع في المعصية
تتولد في قلبه حرارةُ التوبة ، ويخشى ربه جل وعلا ، فيعتصر قلبَه ألمٌ وندمٌ، ويدمع قلبُه قبل عينه
، فيكون ذلك سببا لتوبته وإنابته ،
وتذكر في هذا المقام ما كان من مَاعِزٍ وما كان من الغامِدِيَّةِ ، حيث زنيا ، ولكنهم لما توقدت
في قلوبهم حرارةُ الندم ، وخشيةُ الله جل وعلا ، ونورُ التقوى والرهبة من الله جل وعلا ،
تولد من ذلك توبةٌ ، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حق الغامدية أنها تابت توبةً لو وُزِّعَت
على سبعين من أهل المدينة - وما أدراك ما أهل المدينة - لو وزعت على سبعين من أهل المدينة
لوسعتهم ، نسأل الله أن يرزقنا توبة يرضى بها عنا .


فرب معصية أورثت صاحبها جنة ، ورب طاعة أورثت صاحبها نارا ؛ لأنه قد يطيع فينظر
لنفسه أنه قد فعل ما لم يفعله غيره ، وقدر على ما لم يقدر عليه غيره ، فدخل عليه الكِبْر
والعُجْب ، ففسد قلبه ، والعياذ بالله ، حتى انكفأ ، وأنتم تعرفون حديث الرجل الذي قال : والله لا يغفر الله لك أبدا ، فقال الله : من ذا الذي يتألى علي ، ثم جمعه ،
وقال : ما أدراك أني لا أغفر لعبدي ؟ فغفر لصاحب المعصية ، وأهلك صاحب الطاعة ،

لماذا ؟ لأنه استعظم مقام طاعته ، واستحقر مقام معصية أخيه ، فاستشعر أن مثل هذا القائم
على المعصية لا يمكن أن يغفر له ، فدخل في أمر ليس له ، ويتألى يعني يقسم ،
من ذا الذي يقسم على الله ، والله لا يغفر الله لك أبدا ، نعوذ بالله من ذلك .

فلا ينبغي إذا سمعت أن هذا من جنس دون الشرك ، أو من الفسق ، أو دون الفسق ،
أو ما شابه ، مما قد يذكر عليك من أقسام الأفعال التي أُذَكِّرُ بها على سبيل أن تكون سببا
للهدى لي ولك ، وأن يخرجنا الله عز وجل بما ينعم علينا ويتفضل علينا بعلم ،
يخرجنا بذلك العلم من الظلمات إلى النور ، لا ينبغي أن تقابل هذا بشيء من الاستهانة
أو الاستهتار أو التقليل ، رب صغيرة أهلكت ، والصغيرة مع الإصرار تصير كبيرة .

ويحسب العبد أن أمرا ما هينٌ ، وهو عند الله عظيم ،
كما قال تعالى : {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ } ،
والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر فيقول : (( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ )) .
وصدق من قال : إن عظيم النار من مستصغر الشرر ،

فالحذار ، الحذار من الاستهانة والاستهتار ، الحذار الحذار من الاستهانة والاستهتار ،
وتضييع الجهد والأعمار فيما لا يجر على العبد إلا دخولَ النار ، نعوذ بالله من الخذلان ،
ونسأله التوفيق في الدارين، فهو القادر على ذلك وحده جل وعلا .

ثم اعلم أن ما الغرض من هذه المحاضرة وذكر ما فيها إلا التنبيه والوعظ والإرشاد إلى
ما يلزم العبدَ الحذارُ منه ، والبعدُ عنه ، والفرارُ من كل ما يجر إلى مثل هذه المخالفات ،
والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد .



فأقول وبالله التوفيق :
القسم الأول : أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أكبر

ومن ذلك على سبيل المثال ، طبعا نحن نضرب طبعا أمثلة ، الوقت طبعا يطول ؛
لأنك تعلم أن الأفعال التي تخالف العقيدة لا تعد ولا تحصى ؛ لأن كل مخالفة
- على ما بينت - سواء كانت تخالف العقيدة من جهة الكفر ، أو من جهة نقص الإيمان
أو الفسوق ، أو من جهة ترك الأولى ، فكله يخالف العقيدة ، وكل مخالفة ينقص بها الإيمانُ ،
وكل موافقة يزدادُ بها ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم ما يعلينا عنده يوم القيامة ،
ويسلمنا من الخزي في الدارين ، فهو ولي ذلك و القادر عليه.

فما سنذكره إن شاء الله تعالى يكون على سبيل - كما قلت - المثال لا الحصر ،
فقد يفوتني البعض ، وأنت تعرف أنه دأب العبد الغفلة والجهل والتقصير، وما يكون من خير
وحق وعلم وهدى فهو من الله وحده دون ما سواه ، وما يكون من جهل وغفلة وتقصير
وظلم وتعد وخطأ فهو مني ومن الشيطان ، سائله سبحانه وتعالى التوفيق ،
أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني ومنكم.



فمن أول هذه الأفعال التي تندرج تحت هذا القسم :
1) ترك الحكم بما أنزل الله .

إن الله عز وجل خلق الخلق وتكفل لهم برزقهم ، وبما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم ،
وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن كَمَّلَ هذا الدين عبادةً ومعاملةً .
وقال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ،
ولأن الله عز وجل خالق الخلق ، فهو بلا ريب الأعلم بمصالح الناس ، وبما يفيدهم ،
وبما يؤمن لهم الحياةَ الطيبة والأمنَ الدائم ، فشرَّع لهم أحكاما تناسبهم هي الكفيلةُ وحدَها
بالاستقرار والأمن لهم ؛ لأنها جاءت من عند خالقهم العليم الخبير بأمورهم ، البصير بما كان
وما يكون ، فشرَّع الحدودَ والقصاصَ حياةً لنا ،
كما قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ،
وأمرنا الله عز وجل بالرجوع إلى كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛

قال تعالى :{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ
عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ } ،

وقال تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ،
وفي قراءة( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )
، وقال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ،
وقال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ،
وقال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ،
فهذه آيات بينات تُبيِّن أن الحكم بما أنزل الله لازمٌ لكل الخلق لا يسع أحدًا الخروجُ عنه ،
بل إنه سبحانه وتعالى اشترط في الإيمان أن يرجع العبد لربه وأن يُحَكِّمَ أمره فيه سبحانه ،
فقال : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا
فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ،
وقال تعالى :{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ } ،
انظر ، هذه شرطية يا إخوان ، هذه شرطية ، { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } ،
فهذا شرط الإيمان ، جعلنا الله وإياكم منهم ، ولهذا بناء على هذه النصوص - والمقام لا يتسع
للتفصيل ، إنما المقام مقام تنبيه وإرشاد - ولهذا فمن نبذ حكم الله تعالى ،
أو حكم رسوله صلى الله عليه وسلم إلى حكم غيره : من بشر ، أو عادات ، أو أعراف ،
أو أسلاف ، أو تقاليدَ ، أو عشائر تخالفُ الشريعةَ الإسلامية ، أو إلى قوانينَ وضعية ،
شرقية كانت أو غربية ، معتقدا بها ، فقد عبدَ غيرَ الله ،
قال تعالى :
{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ذلك الدين القيم ، تنبه ، لا دين غير ذلك ، والقيم بمعنى المستقيم ،
بمعنى القويم الذي غيره يكون أعوج .
والحكم إذا كان بغير كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
تنبه، الحكم إذا كان بغير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ
حكما للطاغوت ، كما قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزْلَ إِلَيْكَ
وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا
بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا } .


فالواجب على المسلمين جميعا حُكَّامًا ومحكومين أن يعودوا إلى ربهم ، ويحكموا شريعته
في جميع شئون حياتهم ، ولا يعارضوها ويقابلوها بعاداتهم وتقاليدهم ، ولا بما ألفوه عن آبائهم
وأجدادهم ، وإنما شأنهم التسليم المطلق ، والانقياد التام لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
، كما قال تعالى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بِيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، هذا المسلك وهذا المنهج إذا أردنا طاعةَ الله ،
والحياةَ الطيبة ، والأمن والاستقرار في هذه الدار ، والحياةَ الخالدة في الدار الباقية ،
نسأله جل وعلا أن يردنا إليه ردا جميلا .


وكذلك في هذا المضمار ، لا بد من الحكم بما أنزل الله ، والتحاكم إليه في جميع موادِّ النزاع ،
في مسائل شرعية ، أو عقدية ، أو عملية ، أو معاملات ، أو في الدماء ، أو الأموال ،
أو الأعراض ، في جميع مواد النزاع ، في الأقوال الاجتهادية بين العلماء ؛ فلا يقبل منها إلا ما دل
عليه الكتابُ والسنةُ ، تنبه ، لا ينبغي أن تقبل قولَ عالم إلا ما دل عليه الكتاب والسنة ؛
لأننا مطالبون باتباع الكتاب والسنة من غير تعصب لمذهب ، ولا تحيز لإمام .


وكذلك يجب على أتباع المذاهب أن يردوا أقوالَ أئمتهم إلى الكتاب والسنة،
فما وافقها أخذوا به ، وما خالفها ردوه دون تعصب ، تنبه ، ينبغي على أتباع المذاهب
أن يحملوا أقوال أئمتهم ؛ لأنه لا سبيل للخير أبدا ، ولا سبيل للدين القويم
إلا بجعل الكتاب والسنة هو الحَكَم أبدا ، تنبه .


وكذلك يجب على أتباع المذاهب أن يردوا أقوال أئمتهم إلى الكتاب والسنة؛ فما وافقها أخذوا به
، وما خالفها ردوه دون تعصب أو تحيز ، ولا سيما في أمور العقيدة ، فمن خالف ذلك فليس
متبعا لهم ، ليس متبعا للأئمة ، أنتم تعرفون يا إخوان أن الأئمة ، رضوان الله عليهم ،
ألزموا كلَّ من يأخذ بأقوالهم ، ألزموا كل من يتعلم منهم في حياتهم أو بعد مماتهم مما تركوه
من تراث خلفوه وراءهم من العلم ، ألزموا كل من أخذ من أَخْذِهم وكل من أخذ من ميراثهم ،
ألزموا كل من أخذ من ميراثهم وتراثهم أن يُقَيِّدوا ذلك بموافقة الكتاب والسنة .



قيل لأبي حنيفة : أرأيت إن جاء الكتاب يخالف قولك ؟ قال : اتركوا قولي لكتاب الله ،
قال : أرأيت إن جاء الخبر عن رسول الله يخالف قولك ؟ قال : اتركوا قولي لخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قال : أرأيت إن جاء الخبر عن الصحابة يخالف قولك ؟
قال : اتركوا قولي لقول الصحابة ، اسمع .

وكذلك الإمام مالك يقول : إنما أنا بشر أصيب وأخطئ ، أقول القولَ اليوم، وأرجع عنه غدا .

وكذلك أحمد رحمه الله يقول : لا تقلد دينك مالكا ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ،
ولا سفيان ، وخذ من حيث أخذوا .

وأبو حنيفة يقول : لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا حتى يعلم من أين أخذنا ، هذا القيد .


لا تقل : إني جاهل ، لكن دائما قَدِّس الكتاب والسنة ، واجعل الكتاب والسنة هو الأعلى ،
فإن ذلك قد يكون في مضمار تحكيم غير شرع الله عز وجل، فلا بد من الرد دون تعصب
أو تحيز ، ولا سيما في أمور العقيدة ، فمن خالف ذلك فليس متبعا لهم ، وإن انتسب إليهم .
ولعل من يتعصب ، ويصر ، ويترك قول الله جل وعلا لقول الرجال يكون ممن قال الله فيهم : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } .

قال أهل العلم : ليست الآية خاصة بالنصارى ، بل تتناول كل من فعل مثل فعلهم ،
فمن خالف ما أمر اللهُ به ورسولُه بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك ،
اتباعا لما يهواه ويريده ، فقد خلع رِبْقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن .

والواجب على كل مسلم كذلك ألا يتحاكم إلى القوانين المخالفة للشريعة ،
وأن يقبل حكمَ الله في كل نزاع بينه وبين الناس ، وأن يدعو غيره إلى ذلك ، ينبغي أن يقدس
الكتاب ، ويجعله الفاصل ، ينبغي أن يقدس الكتاب والسنة ويجعلهما القاضيين في أنفسنا ودمائنا
وأموالنا وأعراضنا ، لا نرضى بهما بديلا أبدا ، قال تعالى :، انظر (لا يؤمنون)
وأنت تريد الإيمان ، حتى لا تخرج من الدنيا خاسرا ،

وقد أخرج أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (( قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضِيَانِ فِي النَّارِ : قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ،
وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ مُتَعَمِّدًا فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ فِي النَّارِ )) ،
نعوذ بالله من الخذلان ، صحيح ، وفي الإرواء برقم (2614) .

و في رواية قالوا : فما ذنب الذي يجعل ؟ قال : (( ذَنْبُهُ أَلاَّ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَعْلَمَ )) .
و أخرج أبو داود ، والترمذي ، وأحمد ، وابن ماجة من حديث أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ )) ،
وهو صحيح ابن ماجة برقم (2308) .


قال أهل العلم : وإذا اجتمع في القاضي قلةُ علم ، وسوءُ قصد وأخلاقٌ نعرة، وقلةُ ورع
فقد تَمَّتْ خسارته ، ووجب عليه أن يعزل نفسه ، ويبادر بالخلاص من النار ، رُبَّ عِزٍّ في الدنيا
كان تمامَ الذل في الآخرة ، يقول تعالى :{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } ، فرُبَّ عزٍّ في الدنيا
هو سبب إهانتك وامتهانك في الآخرة ، نسأل الله أن يعزنا وإياكم بعز طاعته .



الثاني من الأفعال التي تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أكبر :
2) ترك الصلاة

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )) .
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ )) .
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ تَعَالَى )) ،
وقال أبو عبد الله : وأخبرنا شيخ من أهل الشام عن مكحول : من برئت منه ذمة الله
فقد كفر ، حسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/270) .

يا إخوان في قوله تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ،
أنا قلت في بعض القراءات (حَكَمًا) ، لكن الصحيح إنه مجمع على أنها (حُكْمًا) ،
فتصحيح ؛ لأنه وقع وهم ، فتصحيح ؛ لأن هذه أمانات علمية ،
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، وقراءة (حَكَمًا) قراءة لا تصح .
قلت : فيما يتعلق من أدلة كفر تارك الصلاة من السنة :

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ تَعَالَى )) ، قال أبو عبد الله :
وأخبرنا شيخ من أهل الشام عن مكحول : ومن برئت منه ذمة الله فقد كفر .


ومن أقوال السلف الدالة على ذلك :
عن المِسْوَر بن مَخْرَمَة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طُعِنَ دخل عليه هو
وابن عباس رضي الله عنهما ، فلما أصبح من غد فزَّعوه ، يعني نَبَّهُوه ، فقالوا : الصلاة ،
ففَزِعَ ، فقال : نعم ، لا حَظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، فصلى والجرح يَثْعَبُ دَمًا .
وعنه أيضا عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لا إسلام لمن لم يصلِّ .

وسأل رجل عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن امرأة لا تصلي ،
فقال : من لم يصل فهو كافر .وعن ابن عباس أنه قال : من ترك الصلاة فقد كفر .
وعن أبي الدرداء أنه قال : لا إيمان لمن لا صلاة له .


وعن أبي الزبير قال : سمعت جابرا رضي الله عنه ، وسأله رجل : أكنتم تَعُدُّونَ الذنبَ
فيكم شركا ؟ قال : لا ، وسئل ما بين العبد وبين الكفر ؟ قال : ترك الصلاة .

وعن زيد بن وهب ، قال : كنا مع حذيفة جلوسا في المسجد
إذ دخل رجل من أبواب كندة ، فقام يصلي في الحرم ، فلم يتم ركوعه ولا سجوده ،
فلما صلى قال له حذيفة : منذ كم هذه صلاتك ؟ قال : منذ أربعين سنة ،
قال حذيفة : ما صليتَ منذ أربعين سنة ، لو مت وأنت تصلي هذه الصلاة
لمت على غير الفطرة التي فُطِرَ عليها محمد صلى الله عليه وسلم ،
وهذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأذان .


والآثار السابقة أوردها ابن القيم في (رسالة الصلاة) ، وأورد بعضها المنذري في
(الترغيب والترهيب) ، وصححها الألباني ، وحسن بعضها ، ومجمعها في كتاب
(تعظيم قدر الصلاة) لمحمد بن نصر المروزي .

وعن أيوب السَّخْتِيَاني قال : ترك الصلاة كفر لا يُختلف فيه .
وعن عبد الله بن المبارك قال : من أَخَّرَ صلاة حتى يفوت وقتها من غير عذر متعمدا كفر .

قال أبو عبد الله : سمعت إسحاق يقول : - أنا أريد منك أن تُنَبِّه معي في هذا القول ،
قول إسحاق بالذات ؛ لأن قول إسحاق هذا لعَلَّهُ يكون عمدة في المسألة من باب أقوال العلماء
فضلا عن النصوص ، الأصل تحكيم الكتاب والسنة، كما قلت ، كما قدمت في أول أمري ،
لكن حتى يقول القائل دائما : الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، فأنا أقرأ عليك هذا الكلام
حتى تعرف ماذا قال سلف الأمة في مثل هذا الباب الخطير ، وهو أن تارك الصلاة كافر ،
وإن كان متكاسلا ، وإن أقر بوجوبها .

قال عبد الله : سمعت إسحاق - إسحاق بن راهويه - يقول : قد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، كذلك كان رأي أهل العلم
- اسمع الكلام بارك الله فيك - كذلك كان رأي أهل العلم
من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ،
أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر .
قال ابن عبد البر في التمهيد (4/226) :

(( قال إسحاق : وقد أجمع العلماء أن من سب الله ، وسب رسوله ، أو دفع شيئا أنزله الله
- دفع شرعا من شرائع الله - أو قتل نبيا من أنبياء الله ، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله
- يعني غير جاحد - فكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدا )) .

ألحق ذلك بالإجماع ، ألحقه بالإجماع ، وراجع هذا الكلام في الموطن الذي ذكرت ،
سنقف عند هذا ، الثالث : ادعاء علم الغيب ، نصلي ونكمل بعد الصلاة .
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، استكمالا لما كان قبل الصلاة ،
عرفنا يا إخوان أن تحكيم غير شرع الله ، وترك الصلاة من القسم الأول :
الأفعال التي تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أكبر .



و الثالث : ادعاء علم الغيب

إن الله سبحانه وتعالى قد اختص نفسه بعلم الغيب ، كما جاء في كثير من الآيات
والأحاديث ،
ومن ذلك قوله تعالى : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ } ،

وقوله تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ
فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ } ،

وقال تعالى :{ وعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ
مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ،

ولهذا فإن ادعاءَ علمِ الغيب من دون الله يعد منازعةً لله في هذه الصفة ، ويعد كفرا ،
حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يَعْتَقِدَ أحدٌ أنه كان يعلم الغيب ، قال تعالى : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ } ،

وقال تعالى :{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

وأخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللهُ ، ثم قرأ : { إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ .. } ،
إلى آخر الآيات .



وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( وَلاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وأما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الغيبيات : كأحاديث الفتن ، والتبشير
بغلبة الإسلام ، وبعز الإسلام ، وببعض الأمور التي ستقع ، أو وقعت بعده صلى الله عليه وسلم
، فهذا من قبيل إعلام الله عز وجل له ، هذا من قبيل ما أعلمه الله به ،
كما في الآية :{ إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ } ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان
يُعَلَّم الغيب ، ولا يَعْلَم الغيب ، يعني يُعْلِمُهُ ربه ، لا نقول : يَعْلَم ؛ لأنه (يَعْلَمُ)
فهذا من ذاته ، فإنما أخبر به مما علَّمه الله تعالى ، وليس من قبيل علمه الذاتي
، فإذا كان هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فكيف بمن يدَّعِي علم الغيب ؟ فينبئون الناس بأمور دنياهم ، وما يحدث لهم،
وأمور مستقبلهم ، فإن هذا من الكفر البَوَاح .

فلا يجوز بحال أن يُقبل ادعاءُ أحد بأنه يعلم شيئا من الغيب وإن نَدَرَ ،
وإن قل ؛ لأن هذا منازعة لله عز وجل في أمر قد اختص به نفسه ، حتى لم يجعلْه لرسل
من أنبيائه ، تنبه ، فإن هذا منازعة لله في صفة من صفاته ، وهو كفر والعياذ بالله .


والرابع من هذه الأمور : السحر

قال الله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ
وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ ومَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .

فاعلم - وفقني الله وإياك - أن الله سبحانه وتعالى بَيَّنَ في هذه الآية ،
وأن مذهبَ أهلِ السنة والجماعة قاطبةً ، أن السحر حقيقته لا تكون أبدا إلا بإذن الله
لذكره في كتابه ، وأنه له حقيقة ، وأنه أمر يقع فعلا ،
ولكنه عرض مما يصيب به الله عز وجل عباده بسبب أو بآخر .

والسحر أربعة صنوف :

الأول : ما يكون من التنجيم ، وهو ما يكون من النظر في أحوال النجوم ،
يدرَك به بعضُ ما يقع في الأرض زعما .

والثاني : ما يكون من الحيلة ؛ كتعلم السيميا ، والكيميا مما يدعي البعض
أنه يحول التراب إلى ذهب .

والثالث : ما يكون من الحيل التي يعتمد فيها من يفعل ذلك على بعض
الظواهر الطبيعية ؛ كأشعة الشمس ، وتغير الألوان ، وخفة اليد ، والمغنطيسية ، وما شابه .

والرابع - وهو أشدها وأفحشها ، وهو ما لا بد أن يقع فيه شرك - :
وهو ما يكون من تسخير الجن ، لكي تَسْحَرَ أعين الناس ، وتحول الأشياء من حيث صورتها
على غير مايراها الرائي، أو بحيث أنها تؤثر في نفس من سُلِّطَتْ عليه ؛ بالمس ، أو اللبس ،
أو بالأز ، أو ما شابه ، وليس هذا موطنَ تفصيل أنواع السحر ، إنما أن تعرف أن هذا
النوع الرابع على الخصوص هو الذي يتعلق به ما جاء في آيات سورة البقرة .


فاعلم وفقك الله لطاعته أن مذهب أهل السنة والجماعة أن السحر حقيقة ،
وليس مجرد خيال أو وهم بإذن الله تعالى ، وأن الله ذكره في كتابه ، ولِذِكْر الله
أنه مما يُكْفَرُ به ، وأنه يُفَرَّق به بين المرء وزوجه ، وأَمَرَ الله بالاستعاذة منه ،
كما قال تعالى : { وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } ، والنفاثات في العقد : السواحر اللواتي
يعقِدن في سحرهن ، وينفُثن في عقدهن ، وهذا لا يمكن إلا بما هو حقيقة،
فلا يقول قائل : إن السحر وهم، بل هو حقيقة ، لكن لا يقع أثرها إلا بتقدير الله عز وجل.

وأما التعامل بالسحر وتعاطيه فهو كفر ، وهذا خاص بالنوع الرابع على الخصوص ،
بل ولا يمكن أن يتأتى السحر إلا بعد الكفر بالله ؛ لأنه لا يستطيع الساحر أن يسخِّر
مَرَدَةَ الجن إلا إذا فعل ما يوجب كفره ، لا يستطيع الساحر أن يسخر مردة الجن إلا بفعل
ما يكون كفرا بواحا ، حتى يعاونوه ويوافقوه في مراده.

حتى إنه ذكر بعضهم في أصول السحر في بعض الكتب التي تصف ذلك - أعاذنا الله منهم -
أنه ينبغي عليه أن يجعل المصحف نعلا ، وأن يستنجي باللبن ،
وألا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسبوبا بأفحش السب ، نعوذ بالله من الخذلان ،
وأن ذلك يمكن أن يرضي عنه الجن بحيث إنه إذا أمرهم أطاعوه ،
فلا يتحصل السحر إلا بالكفر ، قال تعالى : { وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } ،
لا يفلح أبدا ؛ لأنه فعل ما يوجب خسرانه .

ومن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يروى أنه قال :
(( تَعَلَّمُوا السِّحْرَ وَلاَ تَعْمَلُوا بِهِ )) ، هذا من الكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قد يقول البعض : نحن نتعلم السحر ، ولا نعمل به ؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( تَعَلَّمُوا السِّحْرَ وَلاَ تَعْمَلُوا بِهِ )) ،
وهذا من الكذب ، فالسحر كفر ، وتعلمه حرام بأي حال .



وإن ما يقع من السحرة من التفريق بين المرء وزوجه ، أو قلب أشياءَ إلى صور أخرى
في نظر البشر فهو واقع بإذن الله ، يعني لا يكون إلا بقدر الله عز وجل ، وبفعله وبإذنه .

والسحر ليس مؤثرا بذاته نفعا وضرا ، وإلا كان الساحر على كل شيء قديرا ،
لو كان السحر يؤثر بذاته ، لا يكون إلا على وَفْقِ قدر الله ، لو كان السحر يؤثر بذاته لكان
الساحر على كل شيء قديرا ، تعالى الله ، فليس أحد على كل شيء قديرا سواه جل وعلا ،
وكل ما سواه عاجز ، ولكنه يسعى بالفساد ، فإن وافق قَدَرًا من الله وقع السحر ،
وإن لم يوافق فسعيه في تباب ، ولذلك قال الله تعالى : { وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } ،
يعني : لا يصيب مراده من جهة ، ولا يكون وراء ذلك نفع من جهة ، لا في الدنيا
ولا في الآخرة، ولذلك ما تكون عاقبة الساحر في الدنيا إلا خزي ،
ويهلِك بما يظن أنه سبب لنجاته ، حتى إنهم قالوا : إن الساحر دائما يَقتُله من سخَّرهم
من الجن ، يعني أعوانه ينقلبون عليه أعداء ، حتى وإن كان غير ذلك ،
تنبه، فلا يقع إلا بإذن الله جل وعلا ، فالسحر ليس مؤثرا بذاته نفعا أو ضرا ،
إنما يؤثر بقضاء الله وقدره ؛ لأن الخالق للخير والشر هو الله جل وعلا وحده دونما سواه .


والسحر من الشر ، ولكن هذه الأمور جعلها الله ابتلاء وامتحانا لعباده ، قد يسأل سائل :
لماذا يوجد السحر ؟ ، ولماذا يوجد السحرة ؟ ولماذا يوجد الجن والشاطين ؟
هذه من حكمة الله عز وجل ، ليبتلي الله بها عباده ، كما يبتليهم بالأمراض ،
والأسقام ، والأوجاع ، والشلل ، وما شابه ، لماذا خلق الله البكتريا والفيروسات ؟
لتكون سببا لابتلاءات يبتلي الله بها عباده ، كذلك ، جعل مردة الجن ، وجعل من السحر ، وجعل من أسباب الابتلاء ، لكن كل هذا لا يخرج من تحت سلطان الله جل وعلا ، ولا يكون
شيء من كونه إلا بإذنه ، كما قال تعالى : { وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ } ،

تنبه ؛ لأن هذه أصول عقدية ، ثم هو ابتلاء وفتنة ، ولذلك يقول الله تعالى :
{ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ )) ،
فقالوا : يا رسول الله ما هن ؟ قال : (( الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ ،
وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ )) ،
والشاهد أنه ذكر منها السحر ، والحديث متفق عليه .


وقال صلى الله عليه وسلم :
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ ، أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ تُسُحِّرَ لَهُ )) ،
تنبه ، ليس منا من تطير - وسيأتي الكلام على الطيرة - أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ،
أو تسحر أو تسحر له ، وهذا الحديث صحيح رواه الطبراني ، والبزار ، وغيرهما .

وحَلُّ السحر : فَكُّه ، ولا يجوز أن يكون بسحر أبدا ، فإذا قال قائل : إذا عجز المسحور
عن فك السحر إلا بسحر ، هل يجوز ؟ لا يجوز وإن هلك ، لا يجوز وإن مات ؛ لأنه لا يجوز أن يكفر تحت ما قدَّره الله عليه من ابتلاء ، فإذا جاءك قائل وقال لك : أنت رجل كفيف البصر ، أو رجل مشلول ، تكون نصرانيا وتعافى ؟ ما الجواب ، هل يقول قائل : إن هذه ضرورة تجعله نصرانيا حتى يعافى من هذا ؟ هل يقول قائل هذا ؟

إنما يكون الجواب كما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم المرأة السوداء
من حديث ابن عباس عند البخاري أنها جاءته فقالت : يا رسول الله ادع الله لي فإني أصرع ،
فقال : (( إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ لَكِ وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَالْجَنَّةُ )) ، فقالت : إذن أصبر والجنة ،
وأمر شديد ، لم يقل من باب الضرورة افعلي ما شئت ، أو ما يروق لك ، وتصرع ،
قد يكون سحرا ، قد يكون مرضا ، المهم أنه يصيبها من الشدة ، تصرع ،
ثم قالت : ولكن ادع الله لي ، فإني أتكشف ، ادع الله لي ألا أتكشف .



فالحاصل أن العبد لا ينبغي تحت وطأةِ البلاء يقول : أبي مريض ، وأمي مريضة ، وزوجي مريض ،
وهكذا ، ولنا من السنين وتعاني من الأوجاع ، ومن الأسقام ، وتصيبها من الحالات السيئة ،
وسحر سُفْلِيّ ، وسحر كذا ، وسحر كذا ، وقد أصابتنا حَيرة ، وقد مررنا على كثير
ممن يَرْقُون ، وممن يَدْعُون وممن يعالجون ، إلى غير هذا ، ولا يُفَكُّ هذا إلا بسحر مثله ،
فمثل هذا لا يجوز أبدا ، ليس منا من تسحر أو تسحر له ، فتنبه ، ولا يجوز أبدا أن يفك السحر
بسحر مثله ، وإنما بالرقى القرآنية ، والمُعَوِّذَات ، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم .


ومن السحر في عصرنا الحاضر ما يقوم به بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يضربون أجسادهم
بالخناجر ، والسيوف ، والزجاج ، ويزعمون أنه لا يؤثر فيه ، وكل هذا باسم الإسلام ،
وباسم الكرامة والولاية ، وفي الحقيقة أنهم يسخرون الجن ، ويفعلون هذا من ضروب السحر ،
حتى إن الرجل يشق شِدْقَه ، أو يفقأ عينه ، أو يقطع لحمه ، أو يُمَرِّر السيفَ في صدره ،
وما يفعل ذلك إلا بمُخَيِّلَةٍ تراها أنت سحرا ، ويقولون : هذه كرامة للفلان الرفاعي ،
أو فلان من كذا أو من كذا ، وهذه ولايات ، وهذه خوارق للعادات ، وما هذا كله
إلا من قبيل السحر الذي يجعل صاحبه كافرا والعياذ بالله .


وأنبه هنا فيما يتعلق في أن البعض يقول : جربنا الرقى ، وجربنا العوذ الشرعية ،
وجربنا قراءة القرآن والأدعية النبوية على المسحور فلم يفك ، ولم يشف .

كما جاءني رجل مرة في مرة من المرات وقال : أنا لي ابني مصاب من سبع سنين ودلني بعض
الناس على كنيسة ، وقالوا إن ذهبتَ به ، وذهبتُ به فعلا ، هو يقول ذلك ، وذهبت به ،
وإذا الولد يعني يبرأ بعض الشيء ، ويتحسن بعض الشيء ،

فتنبه ، تنبه أن هذا من الفتن العظيمة
التي قد يَبتلي الله بها عبادَه ، وتكون أشدَّ على العبد من السجن ، والاعتقال ،
والجلد ، والتعذيب ؛ لأنها تفتنك في عقيدتك ، حتى تخرجك عن دينك طواعية ،
ولكن من ابتلاه الله بشيء من ذلك فالصبر والاحتساب ، وتعاطي الأسباب الشرعية .

ثم ليعلم أن العبد قد يعالَج سنة ، واثنتين ، وثلاث ، وعشر ، وعشرين سنة،
ثم إن الله من فوق سبع سماوات لم يقدر الشفاء بعد ، الدواء أنت تأخذه ، وتعلم أن الدواء
لن يؤثر ولن يحدث شفاء إلا بأمر الله ،
نحن عُلِّمْنا أن نقول : (( أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ))
، وفي القرآن يقول تعالى : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } ، ولكن الله أمر عباده باتخاذ الأسباب ،
بحيث يتخذون الأسباب مع اعتماد قلوبهم على الله ، وهذا هو خَصِيصةُ التوكل ،
هذا هو خصيصة التوكل ، أن تتخذ السبب ، وتعتمد بقلبك على الله .

فلان يأخذ الدواء سنة واثنين وثلاثة وأربعة فلم يأت بنتيجة ، اعلم أن الله لم يقدر الشفاء بعد ،
فكن متوكلا على الله ، واتخذ السبب ، وسل الله عز وجل أن يقدر ،
وفي ساعة معينة يقدر الله عز وجل الشفاء ، فلان يمرض سنة واثنين وثلاثة ثم يعافى ،
وفلان يمرض ساعة واثنين وثلاثة وأربعة ثم يعافى ، وفلان يمرض يوم واثنين وثلاثة ثم يعافى ،
هل هذا بأثر الدواء ؟ هل هذا بفعل الدواء ؟ أن هذا أخذ دواء ناجعا ، فأحدث شفاء ،
والآخر أخذ دواء غير ناجع فلم يحدث شفاء ؟ اللهم إنا نبرأ إليك من هذا ،
فإنا نؤمن إيمانا جازما أنه لا يشفي إلا أنت، فقد يقدر الله في ساعة لا يعلمها إلا هو
توافقَ السبب مع المسبَّب ، فيتوافق أخذ الدواء مع الشفاء ، فإذا لم يحدث هذا لن يكون شفاء ،
فلا تُفْتَنْ ، وتنتقلْ ، وتُبَدِّلْ حتى تقع في الشرك ، وإذا انتقلت فانتقل بين المباح بعضه بعضا ،
ولا يستفزك شدةُ البلاء على الخروج من دين الله جل وعلا ،
قال تعالى : { آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } ،

وتنبه ، كثير منا يظن أن الفتنة في الاعتقاد ، ولذا نحلق لحانا ، وبنهرب ،
ونبعد عن المساجد ؛ لكي أبعد عن الفتنة ، وقد يبتليك الله عز وجل
بشيء من السقم أو من المرض أو من الوجع أشد من هذا كله ،
وتكون الشدة ليس في الألم ، إنما الشدة في اليأس .


قد تعذب ، ويجلد ظهرك ، وتحرم من الطعام والشراب ، وتُسامُ سوءَ العذاب في الدنيا ،
ويلقِي الله عليك من رَبْطِ القلوب ما الله به عليم ، وقد يصيبك بعض المرض اليسير فتفتن به ،
حتى تكاد تقتل نفسك ، كالرجل الذي قاتل مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث
المخرَّج في الصحيحين ، ثم قالوا : والله يا رسول الله ما ترك شاذَّة ولا فاذَّة إلا تَبِعها ،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هُوَ فِي النَّارِ )) ، فتعجَّب واحد من الصحابة من ذلك ،
فتبع الرجل ، فوجده قد أصيب بجرح ، فتألم منه ، فلم يستطع الصبر ، فقتل نفسه ، هذه فتنة ،
فتنبه ، فقد تبتلى بشيء شديد لكن الله يربط على قلبك ، فيكون عليك هينا ، وقد تبتلى بشيء
يسير ، لكن تهلع به ، فيكون عليك شديدا عظيما، تنبه ، فلا ينبغي أن تفر من جنب الله
إلا إلى جنب الله جل وعلا ، فلا يفك السحر بالسحر ، ولا بإتيان الكنائس ،
ولا بإتيان السحرة والعرافين ، بل إن هذا كله كفر بالله ، نعوذ بالله منه .


الخامس : الولاء والبراء على غير أمر الله جل وعلا

اعلم أخي أن الولاء والبراء ركن ركين من أركان التوحيد ، هل يتصور مؤمن يحب الله ،
وفي نفس الوقت يحب أعداءه ، ويحب من يكذبه ، ويكذب رسوله ، ولا يتبرأ منه ؟
هل يتصور ذلك ، أنت تحب الله ، هل يتصور أن تكون محبا لله ، وأنت في نفس الوقت
محبٌّ لمن كذب الله وكذب رسوله ، ولمن تعدى على الله ، ومحبٌّ لأعداء الله ،
وممن برئ الله منهم ، هل يتصور ذلك ؟ لا يتصور ذلك أبدا .

وهل يتصور مؤمن يحب الله عز وجل ويعبده ، وفي نفس الوقت يكره المؤمنين بالله ،
ولا يحبهم ولا يناصرهم ؟ لا يتصور هذا أبدا ، إلا ممن لا يعرف حقيقة الإيمان ،
قال الله تعالى : { لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } ،

وقال جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ،

وقال الله تبارك وتعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا
لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مُنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ } .

والولاء : معناه الحب ، والنصرة ، والطاعة ، والمتابعة ، والنصح ، والصداقة،
وتولي الأمور بالإصلاح ، تولي أمرك بالإصلاح ، ويستلزمُ ذلك إظهارَ المودة ،
والتشبه بمن تواليهم ، واستئمانهم على الأسرار ، ونحو ذلك .

والبراء : عكس ذلك تماما ، فكل هذه الأمور يجب أن تكون للمؤمنين ،
هذه الأمور التي هي الحب ، والنصرة ، والطاعة والمتابعة ، والنصح ، والصداقة ،
وتولي الأمور بالإصلاح ، ينبغي أن تكون للمؤمنين ، ولا يجوز أن تكون للكافرين بحال .



واعلم أخي الفاضل أن الله لم يرض لعباده أن يجتمعوا على راية إلا راية العقيدة والدين ،
لم يرض الله عز وجل إلا أن يجتمع عباده تحت هذه الراية ، فالناس إما مؤمن تقي ،
وإما كافر شقي ، فلا فرق بين عربي وعجمي ، ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ،
وأما كل الدعاوى الأخرى التي يتعصب لها الناس ، كل الدعاوى سوى الكتاب ، سوى العقيدة
، سوى الكرامة كرامة الدين ، كل الدعاوى التي يتعصب لها الناس كانتمائهم إلى قبيلة واحدة ،
أو إلى وطن واحد ، العروبة ، والعربية ، والوحدة القومية وما شابه ، أو قومية واحدة ،
بحيث يصير الإنسان يحب ، ويُبْغِضُ ، ويوالي ، ويعادي بناء عليها ، فإنها من دعوى الجاهلية،
كل أمر ترتبط فيه وتوالي فيه غير العقيدة والدين هو من دعوى الجاهلية ،
تنبه .
تشاجر رجل من المهاجرين مع رجل من الأنصار ، فقال المهاجري : يا لَلمهاجرين ،
وقال الأنصاري : يا لَلأنصار ، فقال صلى الله عليه وسلم :
(( أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ )) ، والحديث متفق عليه.



فإذا كان هذا في أشرف الأسماء ، فكيف إذا كان التحزب على ما ليس فيه شرف ؟
يعني المهاجرون إذا قال رجل : أنا مهاجر وإذا قال رجل : أنا أنصاري ، هذا شرف أم لا ؟
هذا شرف عظيم ، ومع ذلك كونك تتحزب بحيث تقلل من المظلة العامة وهي العقيدة والدين
ككل ، جعل هذا من دعوى الجاهلية ، فكيف بالله عليك إذا تحزبت لما هو عار ؟
يقول لك : نحن عرب ، عرب جرب ، أي عرب ، و أي قومية ، أنت أعظم شرف تناله وأعظم
شرف تتمنى أن تكون مسلما ، يا ليت ، يا ليت ، يقال في كل مكان : هذا مسلم ، يا ليت ،
الأعاجم عندما يرون الواحد منا عندما ينزل بلادهم أو هم ينزلون عندنا ويروننا بهذه الهيئة
يظنون أننا صحابة ، ويقول : أنت مسلم مسلم ، ويكون فرحا جدا ،
فالمرء لما يشعر بهذا يقول : هذا موطن العز هذا موطن الكرامة ، لكن أن تقول : يا أهل القومية العربية ، ويا أهل مصر والمصريون ، والنيل وأهل النيل ، وأبناء النيل ، هذه دعاوى ،
أخرجونا وعرونا من سترنا ، عرونا من كرامتنا كرامة الإسلام وعقيدة المسلمين ،
(( أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ )) ، فإذا كان هذا في أشرف الأسماء
، المهاجرون والأنصار وما شابه ؟ فكيف إذا كان التحزب على ما ليس فيه شرف ،
بل على تقليد شخص معين ، فكيف إذا كان الاجتماع على مبادئ تناقض الإسلام ؟

يعني كحزب البعث ، وحزب الأمة ، وحزب التجمع ، وا لمبادئ الشيوعية ، واللجنة اليسارية ،
والحزب اليساري ، وما شابه ، يعني يا ليت حتى مجرد إن عربية ولا هندية ولا ،
لا لكن على مبادئ قد تناقض الإسلام ، كالعلمانية والشيوعية والماسونية وسائر المبادئ الوضعية
يمينا ويسارا ، أوشرقا وغربا ،

فالله عز وجل يقول : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ،
فراجع يا أخي الفاضل حبك وبغضك وانتماءك ومودتك وصداقتك ، راجع ذلك كلَّه
في نور كتاب ربك جل وعلا ، راجعه واسأل نفسك :
من تحب ؟ وفيماذا تحب ؟ ولمن تحب ؟ ومن تبغض ؟ ولماذا تبغض ؟ وفيماذا تبغض ؟
ومن تصادق ؟ ومن توالي ؟ ومن تناصر ؟ ومن تناصح ؟ ومن تتولى أموره بالإصلاح ؟
راجع هذا كله في نور كتاب ربك، قال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ } ،
انظر : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّى اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } ،
جعلنا الله وإياكم منهم .



والسادس : الاستهزاء والسخرية بدين الله عز وجل

بالقرآن الكريم ، أو بأسماء الله وصفاته ، أو بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
أو بكل ما يمس من هذه الأصول العظيمة ،
قال تعالى : { قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُون لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال في غزوة تبوك في مجلس يوما ما :
ما رأيت مثل قرائنا - يقصد الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم - ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء
، أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنة ، ولا أجبن عند اللقاء ، فقال رجل بالمسجد : كذبت ،
ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
ونزل القرآن ، قال عبد الله : فأنا رأيته متعلقا بحقو ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنَكِّبُه
الحجارة ، أو تَنْكَبُه الحجارة - تخبط فيه - وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :{ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } ،
رواه ابن جرير الطبري في التفسير ، وابن أبي حاتم ، وقال الشيخ مقبل بن هادي :
رجاله رجال الصحيح خلا هشام بن سعد ؛ فإنه روى له مسلم مقرونا ، وله شاهد بسند
حسن عند ابن أبي حاتم .

فحذارا يا أخي المسلم من السخرية والاستهزاء بأي أمر من أمور الدين ،
لا تفعل ذلك ولا ترض به ، يعني أنت تجالس القوم ، كثير منا ابتلاهم الله بالجلوس
أمام هذا الجهاز اللعين المسمى بالتلفاز ، فسواء كان يبث من المصائب في العري،
ورؤية النساء على أشكالهن ، وميوعتهن ، و عريهن وفجورهن .

وصدق من قال في دراسة قرأتها لأحد المتخصصين ، قال : في دراسة في بلاد أمريكا علموا
أن الفتيات المراهقات تعلَّمْنَ فنون الشذوذ ، والجنس ، والتقبيل ، والمعانقة ، وإتيان الأخلاء
والأصدقاء بعضهم بعض من التلفاز من غير الأفلام الجنسية ، يعني من التلفزيون ، كالأفلام
العادية والإعلانات والتمثيليات ، مجرد هذا فقط فيه من الفحش ما فيه ، وليس هذا محل
الكلام ، قد يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى في القسم الرابع .



لكن قد يستهزئ البعض بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم ،
هناك تمثيليات ومسرحيات ، مثلا رجل يقعد يقول : عبد السميع ، عبد الشفنخير ،
ويقعد يستهزئ بأسماء الله ليضحك القوم ، وأنت تجلس تضحك ، لا بد أن تعلم أنك
قد كفرت بالله وخرجت من دين الإسلام ، إن لم تقم وتبصق عليه ويملأ قلبَك النكرُ ،
ووجهَك الغضبُ ، وتغلق هذا وتستغفر ربك أنك ترى هذا المنكر ولا تستطيع إنكاره ،
وإلا كفرت بالله عز وجل ؛ لأنك تضحك وترضى بالاستهزاء ، تنبه تنبه ، ممكن جدا
أن يقول لك واحد : الجنة فيها حشيش ، وأنت ستحتاج فيها نارا ، والحجارة ، ولا نحتاج نارا
، وأنت هأ هأ ، فكل هذا تنسلخ من دينك كما تنسلخ الحية من جلدها ، أتعرف الحية كيف
تطلع من جلدها ، تطلع كلها ، تترك جلدها هكذا وتمشي ، كذلك أنت تخرج من دينك هكذا
تماما ، لا يبقى معك منه شيء ، فالحذار أخي المسلم من السخرية بالدين والاستهزاء
بأي أمر من أمور الدين ولو على سبيل المزاح .



وكل مستهزئ بأي أمر من أمور الدين حتى السواك ، أو اللحية ، أو الحجاب الشرعي ،
أو تطبيق الحدود وغيرها مما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو يعلم أنه
من الدين ، طبعا قد يستهزئ الإنسان بشيء لأنه يظن أنه من فعل الفاعل ، يعني إنسان مثلا
يمكن أن يرى إنسان يلبس القصير ، يلبس قميصا قصيرا وإزارا قصيرا ، يقول له : ما هذا ؟
هذه جونلة ميني جيب ، فيستهزئ ، يقول له : انت كافر ، طبعا هو لا يكفر بذلك ؛
لأنه يظن أن هذا من فعلك ، أما إذا قلت له : هذه سنة ،
وهذا من دين رب العالمين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ ))
يقول لك : والله لم أكن أعرف ، لكني كنت أظن أن مزاجك أن تعمل هكذا ، فهذا لا بد
أن يعلم أن هذا من دين الله ، أو يسب الله ، أو رسوله، أو الدين ، فلا شك أنه يكفر بذلك .

واعلم أن من الاستهزاء بالله ورسوله عدم احترام كتاب الله وآياته وأسمائه وصفاته ، أو أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو رفض دلالاتها ، أو الأكل على الجرائد والصحف المشتملة
على أسماء الله وعلى آيات الله ، وكذلك إلقاء كتب المدارس المحتوية على آيات الله وأحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أن فيها ذلك ،
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا ، تنبه ، وهناك فتاوى للجنة الدائمة ،
وللشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، بل ولدار الإفتاء المصرية
، فتاوى بأن هذا كفر والعياذ بالله ،


السابع : استحلال المنكر والرضا بانتشاره

يعني يحب أن تشيع الفاحشة والعياذ بالله ، ويرضى بذلك ويسر ،
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } .

وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ )) ، رواه مسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ
حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ
مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ
فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ )) ،
هذا الحديث صحيح عند أهل السنن.



ولهذا فإن الرضا بالمنكر ، وحبَّ انتشاره ، واستحلالَه يُعَدُّ كفرا بالله رب العالمين ،
وهنا أحب أن أنبه أن من أعظم أسباب دخول العبد في الخيرية أن يكون من أهل الولاء والبراء
قلبا وقالَبا ، والترجمة العملية للولاء والبراء هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
فالأمر بالمعروف هو الولاء العملي ، والنهي عن المنكر هو البراء العملي ، وهذا موجب
لأن تكون ممن يحبهم الله ويرضى عنهم ، قال تعالى :
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ } ،
وفي المقابل ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستحبابُ الفساد ،
والتراضي بين الناس يوجب اللعن ، قال تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ
دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } ،
فأثبت الله في كتابه أن سبب الرضا والخيرية هو التناهي ،
وسبب اللعن والهلاك هو عدم التناهي، { كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } ،
فالرضا بالمنكر ، واستحلاله ، استحلال المنكر ، وحب أن يشيع في الناس ، وتمني ذلك ،
كل الزناة يتمنون أن يكون كل الناس زناة ، وتاجر المخدرات يتمنى أن يصير كل الناس
شاربين للمخدرات ليجد سبيلا للبيع ، يتمنى ، يفرح ، يقول : عندما تأتي المواسم ،
يا ليت ، أيام العيد والصيف والسهر ، ليكون هناك بيع وسوق ، يتمنى ، ولا يفعله وهو متأذٍّ ،
أو يفعله وهو نادم ، بل بيتمنى ، فذلك قد يصل بالعبد إلى الكفر ؛
لأن استحلال المنكر كفر ، تنبه لذلك .

ولهذا فإنَّ الرضا بالمنكر وحبَّ انتشاره واستحلالَه يعد كفرا بالله رب العالمين ،
وإن زعم صاحبه أنه مسلم ، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من لم يجد إنكار المنكر في قلبه
أن هذا أضعف الإيمان ؛ لأنه قال :
(( فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ )) ،
إذن أقل قدر في الإيمان هو وجود التمعُّر في القلب ، وهو أضعف الإيمان ،
فليس فيه من الإيمان ، يعني ليس وراء ذلك ، يعني ليس وراء البغضاء القلبية حبة خردل ،
فكيف بمن يبارك في المنكر ، ويحب انتشاره ، أو يسب دينه ، أو ربه ، أو رسوله ،
أو جماعة المسلمين لإسلامهم.


لما نقول إن الغناء والموسيقى والرقص العاري واختلاف النساء والحفلات والمسرحيات
التي يستهزأ فيها بالله عز وجل ، وتنشر الإباحية بين الناس : هذا حرام ، يقولون : هؤلاء عندهم
ردة فنية ، ونحن نعم ، نحمد الله عز وجل أننا مرتدون عن الفن ، ولكن نعوذ بالله من أن نرتد
عن دينه ، ونسأله أن يردنا إليه غير خزايا ولا مفتونين ، ولا مغيرين ولا مبدلين ،
عندك ردة فنية ؛ لأنك لا تقدس الفن وتعظمه .

يكون الإنسان من أكفر الخلق وأفجرهم ، ومن أعظم أسباب نشر الفساد في الأرض
يقول لك : الفنان القدير ، الأستاذ الكبير ، وهكذا ، ألفاظ وألقاب
أسـمـاء مـملكة في غير موضعها [كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد]

تنبه ،
لماذا ؟ حتى تعظم المنكرات في القلوب ، ويعظَّم أهلُها ، ولا يمر ساعة أو حين إلا ويعظَّم
ويُحَيَّا ويلقب ويعطى من الأوسمة والمقامات أهلُ الخنا والفجور والزنا ، لماذا ؟
حتى تعظم مكانتهم ، وحتى تكون رءوسا يُزَيَّن بها الباطل ، فتنبه لذلك ، ويستهزئ
بالمتمسكين بالسنة ، ويسخر منهم ، ويتهمهم بالرجعية ، ويخشى تطبيق الحدود حتى لا تغيب
الفواحش ، ولذلك تجد المتكلم من هؤلاء يقول : إن تطبيق الحدود وحشية ، وقطع للحرية
الآدمية ، ونحن نريد الديمقراطية لأنها فيها عدم إهدار الآدمية ، أما الزمن الحجري الذي
فيه الوحشية ، بقطع اليد ورجم الزنا ، فإن هذا إخراج للنفوس عن الحرية ،

تنبه ، انظر حب الفجور ، والرضا بالمنكر ، واستحلاله ، وتمنيه ، ولا شك أن هذا كله
أو بعضه كفر صريح لا يتفوه به إلا فاقد الإيمان ، نعوذ بالله من الخذلان .


والثامن : الشرك بالله

نعوذ بالله من ذلك ونسأل الله أن يبرئنا من هذا وذاك ، والشرك : هو أن تجعل لله ندا
وهو خلقك ، وتعبد معه غيره : من حجر ، أو شجر ، أو بشر ، أو شمس ، أو قمر ،
أو نبي ، أو شيخ ، أو جني ، أو نجم ، أو ملك ، أو غير ذلك ،
قال تعالى : { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } ،
وقال تعالى : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } ،
وقال تعالى : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ، فمن أشرك بالله ثم مات مشركا ،
وهنا أنبه يا إخوان ، البعض يقول : هل من سب الدين ، أو سب الله ، أو استهزأ ،
أو أشرك ، أو عبد غير الله ، هل له توبة ؟

اعلم أن معتقد أهل السنة والجماعة - احفظ هذا الكلام - أنه ليس ذنب إلا وله توبة ،
{ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } ، لمن تاب ، فليس هناك ذنب لا توبة له ،
حتى ما وقع من خلاف بينهم في قاتل النفس ، الصحيح أن له توبة ،
والدليل على ذلك حديث الرجل الذي قتل مائة نفس .

فمن أشرك بالله تعالى ثم مات مشركا فهو من أصحاب النار ، قطعا ، كما أن من آمن بالله
ومات مؤمنا فهو من اصحاب الجنة ، وإن عذب ؛ لأن الله عز وجل لا يحرمُ الموحدَ الجنةَ ،
فمن مات على التوحيد فمآله الجنة ، حتى لو عذب بذنوبه ؛ لأن المعتقَد أن من مات
على التوحيد ، وكان من أصحاب الكبائر والذنوب فهو في مشيئة الله عز وجل ؛
إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، ولكني أنصح نفسي وإياك أن تبادر بالتوبة إلى الله لأنك
لا تعرف مدى إهلاك ذنوبك لك ؛
لأنه يقول الله تعالى : { وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } ،
نعوذ بالله من الخذلان ، بادر بالتوبة دائما ، فالتوبة تجب ما قبلها .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ )) ، وذكر منها الإشراكَ بالله .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )) وذكر منها الشركَ.
وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ )) ، أخرجه البخاري من حديث ابن عباس .

فالشرك والعياذ بالله هو المرض الذي يُهلِك عملَك كله ، قال تعالى :
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
، فمهما عملت ومهما أطعت ومهما صليت ومهما صمت ، ثم كان معك مع هذا كله شرك ،
فـ { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } ، نسأله في مقامنا
هذا أن يبرئنا من الشرك صغيره وكبيره ، ظاهره وباطنه ، ما علمنا منه وما لم نعلم.



التاسع : الدعاء والاستغاثة بغير الله

وهو وإن كان من صنوف الشرك إلا أنه لعظيم أهميته ينبه عليه ، يعني الدعاء
والاستغاثة بغير الله من ضروب الشرك ، لكن لماذا يذكر الأمر بعمومه ثم يخص ؟
لأنه قد يكون هناك أمر ينبغي التنبيه ، ولذلك أفردت له قسما ، أو أفردت له عنوانا .

اعلم أخي أن الله عز وجل خالق الخلق ورازقهم ، هو السميع البصير ، وهو الذي لو سأله الناس
كلهم ، بلغاتهم المختلفة ، في أي حين ، لسمعهم تبارك وتعالى ، سبحانه وتعالى محيط بكل شيء ،
سميع قريب ، جل وعلا ، بصير ، لا يعزُب عن علمه شيء ، وهو السميع البصير جل وعلا ،
لو دعاه الخلق جميعا على انتشارهم في المعمورة ، وعلى كثرتهم في الأرض ، وبلغاتهم المختلفة ،
لو دعوا ربهم تعالى لسمعهم ، ولما اختلف عليه شيء سؤالهم ؛ لأنه تعالى يعلم السر وأخفى ،
وقال تعالى :
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ، نعوذ بالله من ذلك .
وقال صلى الله عليه وسلم : لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
(( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ
عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ
بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ )) ،
والحديث صحيح عند الترمذي وغيره .



و قال صلى الله عليه وسلم : (( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )) ،
وهو حديث صحيح رواه أصحاب السنن الأربعة ، ولا بد أن تعلم أن
(( الدعاء مخ العبادة )) لا يصح، إنما الحديث الصحيح
أو اللفظ الصحيح : (( الدعاء هو العبادة )) .

فثبت بما مضى أن الدعاء عبادة ، وأن الإنسان إذا دعا لا بد له من دعاء الله وحده ،
ولا يجوز له دعاءُ غيرِه من خلقه ، أي لا يصح أن يقول : يا بدوي ، ولا يا حسين ،
ولا يا سيدي فلان ، ولا يا أم هاشم ، وما شابه مما يدعو به العوام ، ظنا منهم أن هذه أسباب
تقرب إلى الله ، والنبي صلى الله عليه وسلم علم ابن عباس فقال : (( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ )) ،
فعندما تكون في قرب من حاجتك أو بعد منها قل يا رب خيرا ، يعني إذا قلت يا زيد أَولى
أو يا رب زيد أولى ؟ إذا قلت يا فلان أولى أو يا رب فلان ؟
فتنبه ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فلا دعاء ولا استعانة
ولا استغاثة ، ولا أي صيغة فيها طلب لا ينبغي أن تكون إلا من الله جل وعلا ،
ما دامت فيما لا يقدر عليه إلا هو .



أما طلبك من ولدك ، أو من زوجك مما أباحه الله من تخاطب بين الناس ، ومن إلزامات وقضاء
حوائج بينهما ، كقولك : ناولني ، واسقني ، وأعطني ، واشتر لي ، وبع لي ، فمثل هذا مما يقدر
عليه الخلق ، ومما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده ، وليس هذا
من صنوف العبادة ومن ضروب عبادة الغير ، إنما المقصود هو دعاء المسألة ، ودعاء التسبيح ،
دعاء المسألة التي لا يقدر عليها إلا الله ، كسؤال الرزق ، وشفاء المريض ، ورد الغائب ،
ورزق الولد ، وتفريج الكرب ، وقضاء الحاجة ، وغير هذا مما لا يقدر عليه إلا الله ،
فضلا عن سؤال الله الجنة ، والزحزحة عن النار ، فضلا عن سؤال الله رؤيتَه في الآخرة
نسأل الله ألا يحرمنا وإياكم ، وأن يجعلنا وإياكم من الموحدين.


فالإنسان إذا دعا لا بد له من دعاء الله وحده ، ولا يجوز له دعاءُ غيره من خلقه ،
فإذن لا بد لك أخي المسلم من أن تذل نفسك لله وحده ، وأن تخافه وترهبه ،
وتطمع فيما عنده ، قال تعالى : { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } ، وقال تعالى:
{ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }، وقال تعالى :
{ فَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } ، وقال تعالى : { يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ } ،
وقال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } ،
وقال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } ، نسأل الله أن يجعلنا منهم .



وهكذا شأن المؤمنين يعبدون الله حبا لذاته ، وخوفا من ناره ، وطمعا في جنته ،
ورغبة في مغفرته ، وهنا أنبه أن من يقول : إننا نحب الله لذاته ، لا نطمع في جنته ،
ولا نخاف من ناره ؛ لأن الخوف من النار عبادةُ العبيد ، والطمعَ في الجنة عبادةُ التجار ،
ولكننا نعبد الله عبادة الأحرار ، فمثل هذا الكلام لا يقوله إلا المخبولون ، لا يقوله عاقل أبدا ،
فضلا عن أن يكون عنده شيء ، مسكة من عقل أو دين ، لماذا ؟ لأنه لا يكون أبدا عابدٌ
إلا وهو يرجو ثوابه ، ويخشى عقابه، وقد أثنى الله على عباده الذين يدعون ربهم خوفا وطمعا ،
تنبه ، والله عز وجل يقول : { إِنَّهُمْ كَانُوا } ، انظر موطن الثناء على الأنبياء ومن تبعهم،
أعظم زمرة ،{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } ، (يدعوننا رغبا) ، فهذا اسمه الرجاء ، (ورهبا) ، اسمه الخوف ، (وكانوا لنا خاشعين)
اسمه المحبة ، فكل عابد على الحقيقة وإلا كان ضالا .



و كل من دعا أو استغاث بغير الله ، كأن دعا أو استغاث بملك من الملائكة، أو بنبي ،
أو ولي ، أو بجني من الشياطين ، أو بإنسان حيا كان أو ميتا ، فقد وقع في الشرك الأكبر من
هذا الباب أعاذنا الله وإياكم ، وإن لم يكن الشرك في الدعاء شركا ، يعني إن لم يكن هذا الباب
هو باب الشرك ، ففي أي باب يكون الشرك ؟ إن لم يكن الدعاء والاستغاثة هو باب الشرك ،
فليس على وجه الأرض كفر ولا شرك ؛ لأن هذا هو أعظم باب وقع فيه الناس ؛ سواء لمظنة النفع والضر ، أو لمظنة العون كالأقطاب والأغواث ، أو لمظنة الشفاعة ؛ أنهم يحملون إلى ربهم ،
وأنهم يتوسطون عند ربهم ، كما قال الأولون من المشركين فيما حكى الله عنهم في كتابه :
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى } ،
وقد قال تعالى :{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ
لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } ، لماذا ؟ لأنهم عجزة ،
فكل ما سوى الله عاجز ، وليس سوى الله قادر ، سبحانه وتعالى ،
{ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ } ،
انظر ، تنبه ، { وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } .
وأما قوله تعالى :{ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } ،

فالمراد من الاستغاثة هنا الاستغاثة بالحي بالأسباب الظاهرة من الأمور الحسية ،
كمناداة المسلمين لإدراك العدو ، أو لإطفاء حريق ، أو يا فلان ناولني كذا ، وما شاكل ذلك .


وأما الاستغاثة بالحي أو الميت في الأمور المعنوية ؛ كخوف فقر ، أو طلب رزق ،
أو شفاء مريض ، أو دفع شيء من الضر ، أو جلب شيء من النفع فهو شرك بالله عز وجل ،
وقال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَدًا } ، لا ينبغي ، ولذلك هذه الآية
يا إخوان من أعظم الدلائل الدالة على عدم جواز قصد المسجد لغير الله ، فلا يجوز أن يقول
قائل : أنا أروح أصلي في الحسين لأن فيه بركة ، وأروح أصلي في البدوي لأن فيه بركة ،
وأروح أصلي في سيدي فلان لأن فيه بركه ،
نقول له :{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَدًا } ، لا تقصد، ولا ترجُ ، ولا تظن بركة ؛
لأن المساجد لله ، يقول : هؤلاء أولياء ، نقول : الأولياء لا يكونون أولياء إلا باتباع
ما أمر الله ، وهم يبرأون إذا اتبعوا أمر الله ممن يتبرك بهم ، أو يطلب النفع منهم ،
أو يعبدهم من دون الله ، نعوذ بالله من ذلك .

وقال تعالى :{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } ،
وقال تعالى :{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ،
لو ظللت تدعو من تدعو من دون الله إلى يوم القيامة لم يستجبْ لك ، طبعا أنت لن تقعد
إلى يوم القيامة إلا إن شاء الله ، لكن هذا من باب ضرب المحال الذي يبين قطع ما رجوا .

وقال تعالى : { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } ، لا إله إلا الله .

وقال صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه قوله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } ،
ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : (( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ ،
لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا ،
يَا عَبَّاسَُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ،
يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلِينِي مِا شَئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ))
، رواه مسلم ، تنبه.



شبهة وجوابها في هذا الباب :

قد يقول قائل : إننا إذا قلنا : يا رسول الله أدركنا ، أو أغثنا ، أو أي شيء من هذا ،
أو اشف مريضنا ، أو إذا قلنا : يا شعيب ، أو يا فاطمة ، أو يا بدوي ، أو يا حسين ،
أو غير ذلك مما يعبد الناس من الصالحين أو من غيرهم ، يقولون : إننا إذا قلنا ذلك ، فإنما نريد
بهذا التقربَ إلى الله بمن يحبهم ، يعني عندما تقول لواحد ، يقول لك : نحن نقول ذلك ،
نستغيث ، نقول : يا فلان ، يا فلان ، يا فلان ، إنما نستغيث بممن يحبهم الله ، من رسله وأوليائه
؛ لضعف إيماننا ، وكثرة ذنوبنا ومعاصينا ، نحن نعرف أنفسنا ، فلذا نستغيث بمن يحبهم الله
و... الأولياء، كما أن الإنسان إذا أراد أمرا من حاكم أو من مَلِكٍ تقرب
إليه بواسطة ممن يحترمه ويقدره ومن له جاه عنده .

والجواب على مثل هذا الكلام السقيم : أنه لا يجوز لنا أن نتقرب إلى الله إلا بما شرع لنا
جل وعلا ، لقوله جل وعلا : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ }،
ولم يشرع الله لنا أبدا مناداةَ غير الله ، والاستغاثةَ بهم ، بل صرح القرآن الكريم بأن ذلك
كفر وشرك بالله جل وعلا .

ولقد تقرب كفار قريش إلى ربهم بواسطة من عبدوهم بحجة الشفاعة ولصلاحهم ،
(اللات) كان رجلا صالحا يَلُتُّ السَّوِيقَ ، وغيره وغيره ، وكما قال تعالى في قصة
كفر أتباع نوح ، أو من كانوا بعد أمة نوح ،
{ وَلاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } ، لماذا ؟
لأن هذا كما قال ابن عباس : هؤلاء كانوا قوما صالحين في أقوامهم ، فلما ماتوا
اتخذوا لهم تصاوير تذكرهم بهم ، هؤلاء مشايخ وأئمة وأولياء .

ولقد تقرب كفار قريش إلى ربهم بواسطة من عبدوهم بحجة الشفاعة لصلاحهم فأخذوا
يدعون لهم ، فأنكر الله سبحانه وتعالى ذلك عليهم ، كما قال جل وعلا :
{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ
قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

وقال تعالى :
{ أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى } ، واعلم أخي ، وفقني الله وإياك ، أن التوسل الصحيح إلى الله ، التوسل والاستغاثة الصحيحة
إلى الله جل وعلا التي دل عليها الكتاب والسنة وصحيح كلام النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولا خلاف فيه ، يتلخص في ثلاثة أنواع :
بمن تستغيث ؟ وبم تتوسل ؟ هل بالأحجار ؟ هل بالأشجار ؟ هل بقبور الصالحين ؟
هل بنفسهم الطاهر ؟ بماذا تتوسل ؟

الأول : التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ؛ قال تعالى :{ وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .

وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا في تشهده يقول :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أللهُ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ،
فقال له صلى الله عليه وسلم : (( قَدْ غُفِرَ لَهُ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ )) ،
وهو حديث صحيح عند أبي داود والنسائي.

ومن صور هذا النوع ، التوسل بالأسماء والصفات ، أن تسأل الله بعلمه الغيب وبقدرته
على الخلق ، كما تقول : اللهم إني أسألك بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ،
إلى آخر الدعاء ، وبإحيائه الموتى ، وبأنه الرزاق ، السميع، البصير ،
ذو العظمة والجلال والإكرام ، وبعزته ، اللهم بعزتك وجلالك أقمني على الحق
الذي يرضيك عني ، اللهم برحمتك ، اللهم بفضل منك ومنة ارحمني وأقلني من عثرتي ،
تتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ،

النوع الأول من التوسل المشروع : التوسل إلى الله بالأسماء والصفات ،
إذا سألت فاسأل الله بهذه الطرق المشروعة .


والنوع الثاني من التوسل : توسل المسلم بعمله الصالح الذي لم يخالطه رياء،
يعني إن رأيت في نفسك أنك قد عملت في يوم من الأعمال عملا صالحا ،
واستشعرت أنه خالصٌ لله ، فادع الله به .

ودليله ما جاء في الحديث الشهير بحديث الغار ، والذي فيه أن ثلاثة دخلوا الغار ،
فأطبق عليهم الغار بصخرة ، فتذكر كل منهم عملا صالحا عمله لوجه الله ،
وسأل الله بهذا العمل أن يفرج عنهم ، ففرج الله عنهم ، كل واحد منهم تذكر عملا صالحا ،
هذا تذكر أنه كان يبر والديه ، وهذا تذكر أنه اتقى الله في ابنة عمه التي كان يحبها ،
ولما قالت له : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فاتقى الله وخافه ، وقد مال إليها أشد ميل ،
فعظم شأن الله على هوى نفسه ، والثالث حَفِظَ للأجير حقه ، فدعوا ، قال كل واحد منهم :
اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء مرضاتك ، يعني إن كنت قد قبلت هذا العمل ففرج عنا
ما نحن فيه ، يعني اللهم إن كان لي عندك يد ، اللهم إن كان لي عندك عمل ، اللهم إن كان
لي عندك حسنة ، ففرج عني ما أنا فيه ، فكأنه توسل بعمله الصالح .

لذا يستحب لك أخي الداعية أن تسأل الله عز وجل بعمل صالح ، وهنا أنبه نفسي :
هل عندك العمل الذي إذا أصابتك كربة دعوت الله به ؟ سل نفسك : هل عندك العمل الذي
إذا أصابتك كربة دعوت الله به ليفرجها ؟ نسأل الله أن يرزقنا ذلك .

يجب عليك أن تسأل الله عز وجل بعمل صالح فعلته ابتغاء وجهه ،
ومن صور ذلك أن تقول : اللهم إني أسألك بحبي لرسول الله ، باتباعي لسنة رسول الله ،
وصلاتي عليه ، واتباعي لسنته ، ودعوتي لدينك ، وغير ذلك من الأعمال الصالحة إن كنت
تطمئن إليها ، وعلى كل ففوض الأمر فيها إلى الله ، وقل : اللهم إن كان عملي هذا مقبولا
عندك ففرج عني ما أنا فيه ، فاشف مريضي ، فاقض حاجتي ، فارزقني حلالا ،
فنجني من ظالمي ، وهكذا .

النوع الثالث : طلب الدعاء ممن يرى فيه التقوى والصلاح ،
والله يقول : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ } ، والله بشر المؤمنين بأن الملائكة
تدعو لهم ، { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } ،
إذن دعاء الصالحين لك من أسباب مرضاة الله عليك .

وجاء الحديث الصحيح بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، وَلَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ
قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ : آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ )) .


ولهذا يا إخوان ، أنا أنصح نفسي وإياك ، إن كنت في حاجة إلى الدعاء ،
وتجد أنك في حاجة إلى طلبٍ عند الله سبحانه وتعالى فادع لأخيك بما تريد أن يقضيه الله لك ،
يعني أنت مريض ، تقول : اللهم اشف فلانا ، واشفني ، أو اشفني واشف فلانا ، وفلانا وفلانا ،
اللهم ارزقني وفلانا وفلانا ، اللهم وسع عليَّ وفلانا وفلانا ، واذكرهم بالاسم ، فإنك إن كنت
أنت غير مجاب ، فلعل الله يجيب الملك الذي يقول : ولك بمثل ،

تنبه ، إن كنت أنت غير مجاب ، فلعل الله يجيب الملك الذي يقول : ولك بمثل .
إن شاء الله تعالى نقف عند هذا ، ونصلي العشاء ، ونكمل بعد الصلاة حتى يكون الأمر
في بُحْبُوحَةٍ للناس ، حتى لا يقول قائل : حبستمونا للصلاة .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، استكمالا لما كان قبل الصلاة،
ما عرض من نقاط كان على سبيل بيان القسم الأول من أقسام الأفعال التي تخالف العقيدة ،
وهو أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها كفرا أكبر .



و بالجملة ، فقد أجمل بعض أهل العلم جملة من نواقض الإسلام ،
فقالوا : اعلم أن نواقض الإسلام عشرة :
الأول : الشرك في عبادة الله تعالى ،
قال عز وجل : { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } ،
وقال تعالى : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } ، ومنه الذبح لغير الله ، كمن يذبح للجن ، أو القبر .


والثاني : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة
ويتوكل عليهم كَفَرَ إجماعا .

والثالث : من لم يكفر المشركين ، أو يشك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم كفر .

والرابع : من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه،
أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر .

الخامس : من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر ،
والدليل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .

والسادس : من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر ،
والدليل قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .


والسابع : السحر ، ومنه الصرف ، والعطف ، والمقصود بالصرف :
ما يجعل من التفريق بين المرء وزوجه ، والمقصود بالعطف : ما يجعل من السحر لتحبيب
الرجل للمرأة ، فمن فعله أو رضي به كفر ، والدليل قوله تعالى :
{ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } .

والثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قول الله تعالى :
{ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .

والتاسع : من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروجُ عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ،
كما وسع الخضرَ الخروجُ عن شريعة موسى عليه السلام ،
فمن اعتقد ذلك أو ظن ذلك كافر .

العاشر : الإعراض عن دين الله تعالى ، لا يتعلمه ، ولا يعمل به ، والدليل قول الله تعالى :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } .


فهذه العشر ، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف ، إلا المكره ،
وكلها من أعظم ما يكون خطرا ، وأكثر ما يكون وقوعا ، فينبغي للمسلم أن يحذرها ،
ويخاف منها على نفسه ، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه ، ومن ذلك أيضا إلقاءُ
المصحف في النجاسات عمدا ، ولُبْسُ الصليب ، والسجود للصنم ، ونحو ذلك ،
فهذه جملة من الأفعال التي تكون كفرا أكبر ، ولا بد من التنبيه على أن مثل هذه الأفعال
إنما هي كفر بذاتها ، لا يشترط معها الجحود ، أو الكفر القلبي ، أو اعتقاد حلها ،
كما هو مبين في غير هذا الموطن .



القسم الثاني
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها تؤول إلى الكفر الأكبر

1 - الذبح والنذر عند القبور والمشاهد وغيرها
اعلم رحمني الله وإياك أن النذر عبادة من العبادات وقربة من القربات ،
لقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } .

وقد ورد فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ،
وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ )) ، رواه مسلم .

وعن ثابت بن الضحاك ، قال : نذر رجل أن ينحر إبلا بدوانة - ودوانة مكان -
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ يُعْبَدُ ؟ )) -
تنبه ، رجل أراد أن يذبح إبلا ، وكان قد نذرها في محل من المحلات ، مكان من الأماكن ،
فاستفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال له : (( هَلْ كَانَ فِيهِ وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟ )) قال : لا ،
قال : (( فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ )) قال : لا ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أَوْفِ بِنَذْرِكَ ؛ فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ بِالنَّذْرِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ )) ،
صحيح رواه أبو داود .


وقال تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } .
وقال تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ } .

ففي الآيات الآنفة الذكر والأحاديث دليل على أن الذبح والنذر عبادة لله ،
وصرف الذبح أو النذر لغير الله يعد إخلالا في عبادة الإنسان لخالقه ، وكل قربة لغير الله بذبح
أو نذر لجن ، أو لرسول ، أو لنبي ، أو لقبر ، أو ولي ، أو لمشهد ، أو لشجرة ، أو لحجر ،
أو ما شابه ، وكذا تقديم الشموع ، والسُّرُج ، وبعض النذور ، فهي فعل باطل ، واعتقاد فاسد ،
يفسد توحيدَ الإنسان ، والنذر الذي يَنذره أكثر العوام على ما هو مشاهد كأن يكون للإنسان
غائب أو مريض ، أو له حاجة ضرورية ، فيأتي إلى بعض الصلحاء يجعل على رأسه سترة
ويقول : يا سيدي فلان ، إن رد الله علي غائبي ، أو عوفي مريضي ، أو قُضِيَتْ حاجتي ،
فلك من الذهب كذا ، أو من الفضة ، أو الطعام ، أو الماء ، أو الشمع ، أو الزيت ،
أو كذا ، قَدْرُ كذا وكذا ، فهذا النذر باطل بالإجماع ، لوجوه ،
هذا النذر ومثل هذا الفعل باطل ، لوجوه :
منها : أنه نذر لمخلوق ، وهو لا يجوز ؛ لأنه عبادة ، والعبادة لا تكون لمخلوق .

والثاني : أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور من دون الله ، واعتقاد ذلك كفر والعياذ بالله ،
إذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء
تقربا إليها ، فحرام بإجماع المسلمين ، ولذا إذا نذر إنسان لغير الله فلا يحل له الوفاء بنذره ،
فلو نذر لغير الله نذر معصية ، أو نذر شرك ، هل يوفي به لأنه نذر ؟ لا ؛
لا يوفي به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ )) ، رواه البخارى .
وإن مما يدخل في هذا الباب تقريب القربات لغير الله ؛ كتقديم الأكل والشرب لبعض الأشجار ،
والقبور ، واللحم للجن ، أو تقديم مولود من الحيوانات لغير الله ، لحماية البيت ،
ولدفع البلاء عنه ، أو عن السيارة ، وتلطيخها بالدم ، والذبح على سقف البيت وعتبته ،
ورمي السن للشمس لتمنح الشمس صاحبها سنا كسن الغزال ، أنت تعرف أن من العادات وأنت صغير لما يطلع لك سن أو يكسر يقال لك : ارمه في عين الشمس

وقل : يا شمس يا شموسه خذي سنة ... إلى آخر مايقولون ، فهذا من عقائد الشرك ؛
لأن الشمس لا تأخذ ولا تعطي ، إنما قل : إن هذا بقدر الله وعَلِّمْ ولدك
حتى لو رأى الأطفال من الجيران يفعلون ذلك عَلِّمْه حتى يكون سببا فى تعليم غيره .

ولذلك نقول دائما : إن قوام الأمة في العقيدة ، سواء في أطفالها ، في شبابها، في بناتها ،
في نسائها ، في شيوخها ، القوام هو العقيدة ، ولذلك الأمة يمكن أن تكون ملايين مملينة ،
لكن غثاء ، ليس بسبب قلة الأبدان ، أو العجز ، أو الأمراض ،
إنما بأمراض القلوب ، بسبب الوثن .


أو وضع العروس يوم الزواج للعجين على الباب ، فقد كان من عادات الناس يوم الفرح :
يضعون عروسا من العجين على الباب ، يقولون حتى يأخذها الجن ، ويكون ذلك قربانا
حتى لا يصيب العروسين مكروهٌ ، ويربط كل منهم عن الآخر ، لعل هذه الأمور انقرضت ،
لكن كانت موجودة في القبائل القبلية ، ويمكن كما تقول : نحن الفلاحين والجهال والعوام
والطغام كانت فيهم مثل هذه المسالك ، الحمد لله الذي عافانا ، ونسأل الله عز وجل
أن يعافي عموم المسلمين من هذه المسالك الشركية التي تكون سببا ، يعني أنها أفعال بسيطة ،
أمور بسيطة، لكن تكون سببا في هلاك العبد والعياذ بالله ، والله يقول :{ وَجَعَلُوا لله مِمَّا
ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ
فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } .



2- تعظيم التماثيل والنصب التذكارية ، والأعلام ، وما شابه

التماثيل :جمع تمثال ، وهو الصورة المجسمة على شكل إنسان أو حيوان أو غيرها
مما فيه روح ، والنُّصُب : في الأصل العلم ، أو أحجار كان المشركون يذبحونها لإحياء
ذكرى زعيم أو معظم على صورهم ، إذن التمثال معروف ،
كما يقال : تمثال مصطفى كامل ، تمثال أحمد عرابي ، هذه تسمى تماثيل .

والنصب : كما يقال لك : الجندي المجهول ، هذا نصب النهضة ، وهذا في ميدان التحرير ،
ميدان التحرير كان فيه عمود كده اسمه عمود التحرير ، إشارة إلى ثورة التحرير وما شابه ،
هذه نصب والأعلام وما شابه .

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تصوير ذوات الأرواح ، أنت تعرف النهي عن الصور ،
وعن التصوير ، ولا سيما تصوير المعظمين من البشر ؛ حتى لا يكون ذلك ذريعة إلى تعظيمهم
ورهبتهم بالغيب ؛ كالعلماء ، والملوك ، والعباد ، والقادة ، والرؤساء ، سواء كان
عن طريق رسم الصورة على لوحة ، أو ورقة ، أو جدار ، أو ثوب ، أو الالتقاط
بالآلة الضوئية ، أو عن طريق النحت ، وبناء الصور على هيئة تمثال ، أيا كانت الصورة ،
فكل ذلك ممنوع ، وإن كان بعضه أشد من بعض .


ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق الصور على الجدران ونحوها ،
وعن نصب التماثيل ، ومنها النصب التذكارية ؛ لأن ذلك وسيلة إلى الشرك ،
فإن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير ، وبسبب النصب ، وبسبب الصور ؛
وذلك أنه كان في قوم نوح رجال صالحون ، فلما ماتوا حزن عليهم قومهم ،
فأوحى الشيطان إليهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا ، وسموها بأسمائهم ،
ففعلوا ، ولم تعبد في الوقت ، الجيل الأول ماذا عمل؟ الجيل الأول أقام النصب ،
ثم الجيل الذي بعده ترغَّب إلى النصب ، ثم الجيل الذي بعده عبد الله عند النصب ،
ثم الجيل الذي بعده عبد النصب ، وهكذا ، وهكذا ، تنخلع من دينك شيئا فشيئا ،
وأول الغيث قطرة ، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ، فإذا أراد الشيطان أن يوقعك في الشرك
لا يقول لك : أشرك ، اكفر، إنما يقول لك : انظر ، ثم يقول لك حب ، ثم يقول لك : والِ ،
ثم يقول لك : خادن ، ثم يقول لك : افعل ؛ فإن هذا ليس كفرا ، ثم تقع في الكبيرة ، ثم يحبب
إليك ما هو أكبر منها ، ثم تتعدى على الحدود ، ثم يلزمك بفعل الخائنة ، ثم بفعل المحرمات
مع الخوف من ظهورها حتى يورث النفاق في قلبك ، ثم بعد ذلك يشككك في الآخرة ،
أتظن البعث حقا ، يا عم خليك في ملذاتك ، وخليك في معاصيك ، أنت لم تحرم من الدنيا ؟

ومن قال لك : يوجد جنة ونار ؟ هذا كلام يصدقه المغفلون ، فإذا أوحى إليك ذلك
وقلبك قد فسد ، ونافق ، واستمرأ المعاصي ، واسودَّ قبل ذلك والعياذ بالله ؛ لأنه صار مهيأ ؛
لأن القلب المريض إذا رُيِّضَ ارتاض ، وإذا شُكِّكَ شَكَّ ،
يقول الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ
بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } ، فالشيطان إن وجد فيك قلبا سليما سعى
لإمراضه ، فإذا مرض ألقى فيه ما يريد ، نعوذ بالله من الخذلان .


فأقاموا عليهم النصب ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك
ونسي العلم عبدت ، رواه البخاري .

ولما بعث الله نبيه نوحا عليه السلام نهى عن الشرك الذي حصل بسبب تلك الصور التي نصبت ،
امتنع قومه من قبول دعوته ، قالوا : لا ، لا نترك الأسباب ، فهؤلاء صالحون ،
كما ترى الناس اليوم بسبب الجهل والفتنة ومرض القلوب يصرون على الشرك ،
حتى أنك لما تقول ، يقول لك : أنت وهابي ، أنت تكره الأولياء ،
أنت تكره الرسول صلى الله عليه وسلم .

يا سيدي ، الله عز وجل خير من زيد ، لماذا تتعلق بزيد ؟ يقوم يقول لك : لا ،
هذه أسباب النجاة ، هؤلاء سيأخذون ... ويصر على ما هو عليه ، فيشبه حالهم عندئذ
حال الذين قالوا :{ وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا
وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا } .

كذلك من الناس في زماننا من يقولون : لا تذرن البدوي ، ولا الحسين ، ولا أم هاشم ،
ولا تذرن هؤلاء ، ولا تذرن أسيادنا ، والمقربين والأغواث والأقطاب ، هم سبيل النفع ،
وهم سبيل النجاة ، نفس الحال بالضبط ، ويظنون أن هذا الشرك هو سبيل إلى رب العالمين ،
وهم يحملونهم ويقولون : هم البحر الذين نغسل فيه بولاتنا ، يقصدون معاصيهم ،
ومثل هذا الكلام لم يأخذوه إلا من مدارس الشرك ، والعياذ بالله .

وهذه أسماء رجال ، التي هي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، أسماء الرجال الذين صورت
لهم تلك الصور على أشكالهم إحياء لذكرياتهم ، وتعظيما لهم ، فانظر ما آل إليه الأمر
بسبب هذه الأنصاب التذكارية من الشرك بالله ، ومعاندة رسله ، مما قد سبب
إهلاكهم بالطوفان ، ومقتهم عند الله وعند خلقه ،
مما يدل على خطورة التصوير ونصب الصور .



ولذلك لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ، وأخبر أنهم أشد الناس عذابا
يوم القيامة ، وأمر بطمس الصور ، وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، كل هذا من أجل
مفاسد الصورة ، ومفاسد التماثيل ، ومفاسد الذكريات ، وشدة خطرها علىالأمة في عقيدتها ،
فإن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب نَصْبِ الصور ، سواء كانت هذه النُّصُب :
الصور والتماثيل في المجالس أو الميادين أو الحدائق ، فإنها محرم شرعا ؛ لأنه وسيلة إلى الشرك
وفساد العقيدة ، وإذا كان الكفار اليوم يعملون هذا العمل ؛ لأنهم ليس لهم عقيدة يحافظون
عليها في بلاد الكفر ، يفعلون هذا من باب أن هذه رموزهم وكبراؤهم ،
فلا ينبغي في بلاد المسلمين أن تكون هذه الأمور ؛ فإنه لا يجوز للمسلمين أن يتشبهوا بهم ،
ويشاركوهم ، ولكن سبحان الله العظيم صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول : (( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ )) ،
هذه رواية ، وهذه رواية ، (( حذو القذة بالقذة )) هذه روايه ، و(( شبرا بشبر ))
هذه رواية ، (( حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ )) ، حتى لو دخلوا المواطن التي لا يُعقل ،
لا يعقل عاقل ، ولا تكون من المروءة ، يعني بعض الناس يقول : معقول الإنسان يمكن أن يأتي أمه ؟ تخيل في أحد الأفلام الأمريكية مثَّل الولدُ ، المرأةُ وابنُها دور العشيق والعشيقة ،
حتى يأتي الولد أمه علانية ، صدقت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم،
(( حَتَّى إِذَا أَتَى الرَّجُلُ أُمَّهُ عَلاَنِيَةً فَعَلْتُمْ )) ، في رواية ، فسبحان الله العظيم ،
كيف يأتي الرجل أمه علانية ؟ الممثلة لها ابن ، يمثل قدامها دور العشيق، وهي العشيقة ويأتيها ...
ويَدْعَرُ بها علانية على مشاهد الناس ، بل إن لو هم عملوه في ميدان سيراها مائة ويخلص ،
لا ، لكن يصوروهم عشان تصير مئات ومئات وآلاف وآلاف علانية ،
((حَتَّى إِذَا أَتَى الرَّجُلُ أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَفَعَلْتُمْ )) ، انظر، انظر ، نعوذ بالله من الخذلان .

وإذا فسدت العقيدة فسدت المسالك حتما ، ما سهل الزنا ، وما انتشر الربا،
وما كثر التبرج والعري والفجور ، وما صارت الدياثة في الرجال ، وما صار الطغيان في النساء ،
وما عبدت الشهوات ، وصار الجنس طاغوتا يسعى إليه الصغير والكبير والمرأة والشاب
والعجوز ، كله ، لماذا ؟ لأنه فسدت القلوب ، وصلاح القلوب يكون بماذا ؟ بصلاح المعتقَد ،
فإنه لا يجوز للمسلمين أن يتشبهوا بهم ويشاركوهم في هذا العمل حفاظا على عقيدتهم
التي هي مصدر قوتهم وسعادتهم .


الثالث : الكِهانة والعرافة

الكِهانة والكَهانة ، الكهانة والعرافة وإتيان أهلها ، وهما ادعاء علم الغيب ،
ومعرفة الأمور الغائبة ، كالإخبار بما سيقع ، في الأرض ، وما سيحصل ،
وأين مكان الشيء المفقود ، وذلك عن طريق استخدام الشياطين الذين يسترقون السمع
من السماء ، قال تعالى :
{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ }
، وذلك أن الشيطان يسترق الكلمة من كلام الملائكة فيلقيها في أذن الكاهن ، ويكذب الكاهن
مع هذه الكلمة مائة كذبة ، فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة التي سُمِعَت من السماء ،
والله المنفرد سبحانه وتعالى بعلم الغيب ، فمن ادعى مشاركته في كلام - وقد تقدم الكلام
على ادعاء علم الغيب - فمن ادعى مشاركة الله في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها ،
أو صدَّق من يدعي ذلك ، فقد جعل لله شريكا ، لا تصدق الكهان ولا العرافين ،
ولا ترى إلا أنهم فقراء ، ادَّعَوْا أمرا لا يجوز إلا لله عز وجل ، واغتالتهم الشياطين عن دينهم ،
فلا ينبغي أن ينزلوا منك إلا منزلة الازدراء .

بكهانة أو غيرها ، أو صدَّق من يدعي ذلك ، فقد جعل لله شريكا فيما هو من خصائصه ،
والكهانة لا تخلو من الشرك ؛ لأنها تقرب إلى الشياطين بما يحبون، فالإنسان من أهل الشر يبدأ
كاهنا ، وينتهي ساحرا ، وقد يجمع بينهما ؛ لأن طريق الكهانة والسحر طريق واحد ،
وبِحَسَبِ كفرك والعياذ بالله ، وبِحَسَبِ إرضاء الشاطين والعياذ بالله ، يبلغ العبد ،
نعوذ بالله من ذلك ، ومن غيره ، ونعوذ بالله من الخذلان في الدارين .
والكهانة لا تخلو من الشرك ؛ لأنها تقرب إلى الشياطين بما يحبون ،
فهي شرك ربوبية من حيث ادعاء مشاركة الله في علمه ، وشرك في الإلاهية
من حيث التقرب إلى غير الله بشيء من العبادة .


وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَـدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُـحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
، رواه أبو داود ، وسنده صحيح ، وأصله عند مسلم ، وسيأتي .

وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً )) ، رواه مسلم ،

والعراف اسم للكاهن ، والمنجم ، والرمال ، والفتاح ، الرمال : من يستخدم الرمل ،
والفتاح : من يستخدم المفتاح وصاحب الطَّرْق والخط ، كل هؤلاء ماذا يصنعون ؟
يقول لك : اضرب الودع ، حط في الرمل ، أو هات المفتاح ، ماذا يصنع ؟
له من الجن قرين ، فينبئه ببعض الأمور ، فإما صدق وإما كذب ، فطبعا لا الودع ولا الرمل،
وإنما هي أسباب وحيل ، لكن الحقيقة أنه يستعين بالشياطين ،

يعني يقول لك : في سيناء رجل عنده طاسة ، أو يسمونها بهذا الاسم (بشعة)
فمن من كان صادقا لم تؤذه في لسانه ، ومن كان كاذبا .. ، الحقيقة أن هذا الكلام وارد
أن يحدث ، من باب أن الجن يحول بين أثر الناس ولسانك ، وقد لا يحول ،

وممكن واحد لسانه يشوى ويخرس ويتقطع لسانه وخلاص يضيع فيها ، ويكون مظلوما ؛
لأنه تحكيم للشياطين والعياذ بالله ، فواحد يقول لك : نحن نروح البشعة ، الفلوس ضاعت
لازم نروح ، الفلوس راحت ، لكن المصيبة ليست رجوع الفلوس ، المصيبة العظمى
ضياع دينك ، حتى وإن وجدت الفلوس ، لكن ضاع دينك ، يقول : نحن رحنا فعلا ،
والرجل جاء بالمفتاح ، ووجدنا الفلوس فعلا عند فلان ، ففرحان أن وجد الفلوس ،

لكن لم يندم على ضياع دينه ، والعياذ بالله ، فتنبه ، وقد يبتلي الله عز وجل بهذه الأمور ،
واحد يقول لك : أرأيت الرجل ، وأنت تقول الكتاب والسنة وحرام ، فهذا الرجل دلنا
على الفلوس ، ما المشكلة إن دلك على الفلوس ، المشكلة أن الكتاب والسنة خطأ وأنت صح ،
المشكلة أن الشرك صار حقا ، والتوحيد صار باطلا ،

المشكلة أنك مفتون ، { شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ
غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } ، الله يفتن سبحانه وتعالى ،
لماذا ؟ ليميز الخبيث من الطيب .


و عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً )) ، والعراف اسم للكاهن ،
والمنجم، والرمال ، والفتاح ، وأضرابهم ، يعني على نفس الأمثال ، ضارب الودع وكذا ،
وما شابه ، ممن يدعون علم ما وقع وما لم يقع ، وقارئ الكف ، وقارئ الفنجان ، والمنوم
المغنطيسي ، وكذا ، وكذا ، وكذا ، كل هؤلاء إن صدقوا فبما فبما توحي إليهم شياطينهم ،
ونحن لا نبغي صدقهم ولا كذبهم ، إنما نبغي مرضاة ربنا وعبادته وحده دون ما سواه ،
وقد جعل الله من مثل هذه الأسباب فتنا يضل بها سبحانه وتعالى كثيرا ، ويهدي بها كثيرا ،
من باب الابتلاء ، ومن باب التمييز .

الله عز وجل لم يقبل الصلاة أربعين يوما لمن يسأل العراف أو الكاهن ،
وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفر من يسأله ويصدقه ،
فما بالك بالعراف نفسه ، فكيف يكون الحكم؟.

شبهة وجوابها في هذا الباب :

يقول بعض الناس : إننا جربنا هؤلاء العرافين فوجدناهم يصدقون في حديثهم
عن الأمور الغائبة والضالة ، والجواب : أننا لا نرى أمرا فوق ما أخبرنا عنه الله عز وجل ،
ما لنا جواب إلا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان علم الغيب يليق
بأحد دون الله لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنبه ، يعني أنت يمكن
أن تجد واحدا يقو لك : أنت تتكلم في حق هؤلاء الناس ، فما رأيك في فلان ، إنه رجل طيب
يصلي ، لكن سبحان الله ، ربنا كشف له الحجاب ، ورجل سبحان الله العظيم

، يعني قال لي حاجات وحصلت ، وقال لي حاجات وحصلت ، وقال لي على مشاكل بينك
وبين أمك ، وحصلت ، ويقعد يقول لك ، ورجل طيب ، تقول له : يا رجل ، هذا رجل كذا ،
وهذا رجل كذا ، ولا يمكن أبدا ، يفتن بما يراه من الضلال .


تخيل لو أن مثل هذا النوع من الخلق ، لتعرف قيمة الإيمان وقيمة العقيدة ، وتحاول جاهدا
أن ترسخ الإيمان في قلبك بكل الأسباب ، تخيل أن هذا النوع من الخلق وجد في فتنة الدجال ،
ووجد الدجال ليس فقط يقول لك : يا فلان جاءتك سكة سفر ، مفتوحة في وجهك ،
كلمتين عموم هكذا ، يمكن توافق معك ؛ لأنه لا يوجد إنسان لا يسافر ، حتى الذي وراه قضيه
، حتى الذي هرب، حتى ، المهم أن يسافر ، فيقول لك : قدامك سكة سفر ،

فتجد نفسك بعد ستة أشهر تسافر ، فتقول : أرأيت الرجل صدق ، قدامك سكة سفر ،
فبالله عليك لو كان مثل هذا يحيا ، لتعرف قيمة الإيمان ، لا ينجو من فتنة الدجال إلا مؤمن ،
لو أن مثل - هؤلاء أعاذنا الله وعافانا - يوجدون في زمن الدجال حيث إنه يأمر الأرض
أن تخرج كنوزها وتتبعه قدامك ، يأتي الرجل يشقه نصفين ، ثم يقول له : قم ، فيقوم ،

تخيل أنت لما واحد من هذه النوعية من الخلق رأى مثل هذا ، لأنه لما يرى مجرد كلام ،
يعني ممكن يحكي الرجل الدجال هذا سنين ، يصدق في واحدة ، ولما يكذب في مائة مرة تنسى
له الكذب ؛ لأنه في مرة من المرات من عشرين سنة صدق ، في مرة من المرات ،
وكل حياته كذب ، يقول لك : دا مرة حصل ، تقول له : مرة كذب ، ومرة ومرة ،
يقول لك : وماذا في هذا بس مرة حصل ، لو أن هذه النوعية وجدت مثل هذه الأمور
التي تحار فيها العقول ، لا يغني في ذلك ، ولا يَثْبُتُ في ذلك ، ولا يقوى على مثل هذه الفتن
إلا من ثبَّته الله ، إلا من ثبت باليقين الأمور عنده محسومة ، ما معنى محسومة ؟
لا يعلم الغيب إلا الله ، لا يحيي الموتى إلا الله ، ليس إله ولا رب إلا الله ،
عندما تكون الأمور محسومة فمهما رأيت من الفتن .

ولذلك الحديث في البخاري في الرجل الذي يأمر الدجال بشقه نصفين ، ثم يقوم ، فيدعوه ،
فيقول : ماذا تقول فيه ؟ انظر إجابة المؤمن ، لا يقول : أنت حيرتني ، دماغي تحيرت ،
صراحة أنا رأيت أشياء جعلتني لا أستطيع النوم ، في ساعتها ، الأمور محسومة ، معتقد سليم ،
ثوابت ، قال : والله ما ازددت فيك إلا يقينا ، إنك الدجال ، طبعا هذه الأمور تحتاج إلى قوة
معتقد ، ثبات ، تنبه ، فبعض الناس قد يقول ذلك ، قل له : والله يا أخي لا نجد إلا كلام
ربنا سبحانه وتعالى يدل على ما عندنا .


ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان ، فقال : (( إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ )) .
وفي حديث ابن صياد لما تخبأ له النبي صلى الله عليه وسلم ولما خبأ له ما أنزل عليه من سورة
الدخان ، فقال : ما نزل عليَّ ؟ فقال : الدُّخّ الدخُّ ، وهي بـمعنى الدخان ببـعض لغات
العرب ، فقال : (( اخْسَـأْ عَدُوَّ اللهِ ، لَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ )) ، انظر ،
برغم أنه أخبره بشيء مما عنده ، بالرغم من أنه أخبره بشيء مما عنده ، والحديث في مسلم .


سئل عن الكهان ، فقال : (( إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ )) ،
فقالوا : يا رسول الله : إنهم يحدثون بالشيء يكون حقا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجِ ،
فَيُخَلِّطُ مَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذِبَةٍ ، أَوْ فيَخْلِطُ مَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذِبَةٍ )) ، رواه مسلم.

ومما يجب التنبيه عليه والتنبه له أن السحرة والكهان والعرافين يعبثون بعقائد الناس بحيث يَظهرون
بمظهر الأطباء ، فيأمرون المرضى بالذبح لغير الله ، بأن يذبحوا خروفا صفته كذا وكذا ،
أو دجاجا أو غير ذلك ، أو يكتبون لهم الطلاسم الشركية والتعاويذ الشيطانية بصفة حروز
يعلقونها في رقابهم ، أو يضعونها في صناديقهم ، أو بيوتهم ، والبعض يظهر في مظهر المخبر
عن المغيَّبات، وأماكن الأشياء المفقودة ، بحيث يأتيه الجهال ، فيسألونه عن الأشياء الضائعة ،
فيخبرهم بها ، أو يحضرها لهم بواسطة عملائه من الشياطين ، وبعضهم يظهر بمظهر الولي الذي
له خوارق وكرامات ، كدخول النار ولا تؤثر فيه ، وضرب نفسه بالسلاح ، أو وضع نفسه
تحت عجلات السيارة ولا تؤثر فيه ، أو غير ذلك من الشعوذات التي هي في حقيقتها
سحر من عمل الشيطان ، يجري على أيدي هؤلاء للفتنة ، أو هي أمور تخيلية لا حقيقة لها ،
بل هي حيل خفية يتعاطونها أمام الأنظار ، كعمل سحرة فرعون بالحبال والعصي .


قال شيخ الإسلام في مناظرته للسحرة البطائحية الأحمدية المعروفين بالرفاعية:
قال شيخ البطائحية ورفع صوته : نحن لنا أحوال وكذا وكذا ، قال له: نحن لنا كرامات ،
ونعمل خوارق ، ودع الأحوال الخارقة كالنار وغيرها ، واختصاصهم به ،

وأنهم يستحقون تسليم الحال إليهم لأجلها ، يعني نحن نعمل كذا وأصحاب خوارق ،
ونعمل ، وننزل النار لا تحرقنا ، فقال شيخ الإسلام : فقلت ورفعت صوتي وغضبت :
أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثل
ما تصنعون ، ومن احترق فهو مغلوب ، وربما قلت : فعليه لعنة الله ، ولكن بعد أن تُغْسل
جسومُنا بالخل والماء الحار ، فسألني الأمراء والناس عن ذلك ، يعني لما قال لهم : أنتم لكم
خوارق في النار ، فأنا أعمل في النار أكثر مما تفعلونه ، والذي يحرق يكون هو المغلوب وعليه
لعنة الله ، لكن بشرط أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار ، فسألوه : لم موضوع الخل والماء
الحار ؟ فقلت : لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار ، يصنعونها من أشياءَ من دهن الضفادع ،
وقشر النارَنج ، وحجر الطَّلْق ، فضج الناس بذلك، فأخذ يظهر القدرة على ذلك ،
فقال : أنت وأنا نلف في بارية بعد أن تطلى جسومنا بالكِبريت ، فقلت : فقمت وأخذت
أكرر عليه في القيام إلى ذلك، فمد يده يظهر خلع القميص ، قلت : لا ، حتى تغتسل
بالماء الحار والخل ، فأظهر الوهن على ادعائهم ، فقال : من كان يحب الأمير فليحضر خشبا ،
أو قال : حزمة حطب ، فقلت : وهذا تطويل وتفريق للجمع ، يعني يريد أن يقول لهم :
من يحبنا يجمع حطبا ، كل واحد يحضر خشبة وييأتي ، لماذا ؟ عشان يفرق الناس، و يكون كله
مشي ، و تفسد المسألة ، قال له : هذا تطويل وتفريق للجمع ، ولا يحصل به المقصود ،
بل قنديل يوقد ، هات مصباح ونحط أيدينا فيه، اغسل يديك بالماء الحار والخل ، وأنا أضع إصبعي
وأنت ضع إصبعك ، وأُدخل إصبعي و أدخل إصبعك فيه بعد الغسل ، ومن احترقت إصبعه
فعليه لعنة الله ، أو قلت : فهو مغلوب ، فلما قلت هذا تغير وذل ،
انتهى من مجموع الفتاوى (11/464-465) .


والمقصود منه بيان أن هؤلاء الدجالين يكذبون على الناس بمثل هذه الحيل الخفية ،
يعني يمكن أن يكون يدهن جسمه بحاجة ، يستخدم الجن ، يعمل شيئا معينا ، يضع أشياء معينة ،
وهكذا ، بحيث إنك لما تراه تقول : النار لا تؤثر فيه ، وكذا وكذا وكذا ،
هذه قصة واقعية تبين مدى ما يفعلونه من الحيل والكذب والدجل ، فحذار أيها المسلم حذار
من ذهابك ، أو ذهاب زوجتك ، أو ولدك ، أو بعض أهلك للكهنة ، يضحكون عليك ،
وهذه شبكة لاغتصاب الأموال ، فالحذار من أن تذهب أنت ، أو زوجك ، أو أمك ،
أو أخوك ، وسؤالهم إياهم ، فإن هذا صد عن الدين وخروج من الملة المحمدية .

وإن ابتلاك الله بفقد مالك أو عزيز عليك فاصبر ، وقل : إنا لله وإنا إليه راجعون ،
اللهم أجرني في مصيبتي ، وأَخْلِف لي خيرا منها ، ولا شك أن الله عز وجل سيبدلك خيرا
مما أصبت به إن توكلت على ربك دوام التوكل ،
تذكر قول الله تعالى : { إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } ،
فبحسب صدق معتقدك في ربك يكنون أجرك .

قالوا لأم سلمة لما فقدت زوجها - وكانت ترى أنه ليس بعد أبي سلمة من زوج -
قولي : اللهم أجرني في مصيبتي وأَخْلِف لي خيرا منها ، قالت : من خير من أبي سلمة ؟
ولكن أقول ، أقول لماذا ؟ من باب التصديق ، هذا أمر الله ،
وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبدلها الله رسول الله صلى الله عليه وسلم .

4- قتل النفس :

قال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا
وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا } .

وقال تعالى : { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } .

وعن جُنْدَب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( كَانَ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا ، فَخَزَّ بِهَا يَدَهُ -
قالوا : خَزَّ وحَزَّ لغتان - فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ - يعني الدم ما سكت حتى مات -
قَالَ اللهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ؛ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )) ، والحديث متفق عليه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا
فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسَمٍّ فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا )) .

وفي الحديث الصحيح في الرجل الذي آلمته الجراح ، فاستعجل الموت ،
فقتل نفسه بذُبَاب سيفه ، والذباب : هو نصل السيف الذي يضرب به ، أو يقطع به ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ )) ، وذَكَّرْتُ به في طيات الكلام .

وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَاتِلِهِ،
وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عَذَّبَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ )) ، متفق عليه .
فقتل النفس أمر عظيم ، وقد يكون العبد به كافرا ،
فهو من الأمور التي قد تؤول إلى الكفر الأكبر ، أعاذنا الله من ذلك .


5- اتباع الموضة :

تقول الأخت الفاضلة فاطمة الزهراء ، أو الزهراء فاطمة في كتابها الطيب
(الموضة في التصور الإسلامي) (ص 108) :

(( الموضة عبودية لغير الله ، كيف لا ؟ والموضة تجعل من الزينة المادية همَّ الإنسان المادية الأكبر ،
وشاغله الأوحد في الحياة ، فهو يلاحقها ويتابعها ويلاحق كل ما ينشر عنها ،
حتى يستغرق فيها استغراقا كاملا ، ويصرفه عن الغاية الأساسية التي من أجلها خلق -
يعيش وهمه الثوب الفلاني ، والشكل الفلاني ، والملبس الفلاني ، والأثاث الفلاني ، وما شابه ،
حتى ينصرف من كثرة تعلق القلب بتتبع ذلك عن الغاية التي خلقه الله لها -

ويكاد المقلد للموضة أن يتخذ ممن قلدهم أندادا من دون الله ؛ يحبهم كحب الله عز وجل
عند المسلم لله ، وسرعة استجابتهم لما يأمر به - يعني تجد أن المتبع للموضة والمقدس لها سائر
وراءها ، كأنه إله ، على النساء أن يرفعن الثياب إلى الفخذ ، سمعا وطاعة ، ثاني يوم ،
على النساء أن يكشفن النهود ، سمعا وطاعة ، على النساء أن يلبسن ما يجسد عورتها المغلظة
من البنطال وغيره ، سمعا وطاعة ، علىالنساء أن يحلقن شعورهن تشبها بالرجال ، سمعا وطاعة ،
تجد أمر الموضة معظم ، والمتبع يقدس حتى يصير من قلده ، أو من يضع له ذلك ندا لله تعالى -
وسرعة استجابته لما يأمر به ،

يقول الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا
وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا } ،
الذين كانوا يضعون الموضات، ويضعون النظم ، ويضعون الأسباب ،
{ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } ،
يعني لو نرجع مرة أخرى لن نمشي وراء الـ(مني جيب) ، ولا ذا ولا ذا أبدا ،
ولا وراء البنطال ، ولا القزع ، وحلق الرجال كرؤوس الحمير ، ولا كذا وكذا ولا كذا ،
ولا نعلق سلاسل في صدورنا ، ولا نلبس البنطال الضيق ، ولا الذي يجر إزاره ،
كله يتمنى لو رجع ، { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } ، نعوذ بالله من الخذلان .

ومما يدل على أن متبع الموضة عَبَدَ غيرَ الله من السنة النبوية ، قولُه صلى الله عليه وسلم : (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ تَعِسَ ، عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) ، وفي رواية : (( تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ )) ، يعني لو أصابته شوكة لا يستطيع الخلاص منها ، لأنه لا يقوم من تعاسة إلا إلى تعاسة ، تعس وانتكس ، يعني تعس ، ثم إذا قام انتكس في التعاسة ، كما تقول : فلان انتكس في المرض ، يعني عاد إليه مرة ثانية ، تعس وانتكس ، دعاء بدوام التعاسة ، لماذا ؟ لأنه انتهج ما لا يجر إلى الخير.
يقول صاحب (سبل السلام) : تعس أي هلك ، الهلاك أي العقاب والسقوط والشر والبعد والانحطاط ، والقطيفة الثوب الذي خمل ، ولذلك في رواية (الخميلة) ، ويراد به الثياب بصفة عامة ، وأراد بعبد الدينار والدرهم من استعبدته الدنيا بطلبها وصار كالعبد تتصرف فيه تصرف المالك لينالها وينغمس في شهواتها ، وذِكْرُ الدينار والقطيفة مجرد مثال ، وإلا فكل من استعبدته الدنيا في أي أمر ، وشغلته عن أمر الله تعالى ، وجعل رضاه وسخطه متعلقا بنيل ما يريد أو عدم نيله ، فهو عبد لهذا الشيء ، ولذلك يخشى أن يصل بهذا ، أن يصل به إلى الكفر الأكبر ، نعوذ بالله من ذلك ، يخشى عليه أن يصل به إلى ترك الأوامر الشرعية وبغضها .

فمن الناس من يستعبده حب الإمارات ، ومنهم من يستعبده حب الصور ، ومنهم من يستعبده حب الأطيان والأملاك ، واعلم أن المذموم كل ما يُبْعِدُ العبدَ عن الله عز وجل ويَشْغَله عن واجب طاعته وعبادته ، لا ما يعينه على الأعمال الصالحة ، فإنه غير مذموم ، وقد يتعين طلبه ويجب عليه تحصيله .
وتقول أيضا فاطمة صاحبة كتاب (الموضة في التصور الإسلام) (ص114):
(( الموضة تؤدي إلى هدم الحقوق الزوجية ، تقول : أذكر عندما كنت أعمل في سلك التدريس أن قدمت إحدى زميلاتي وهي تحمل في حقيبة يدها علبة مجوهرات تحتوي على عقد وخاتم وحلق وسوار ، ما يعرف بالطقم ، وقالت لي : أهدى لي زوجي هذه المجوهرات ، فسألتها إحدانا : كيف أمكنك التحايل على زوجك ليحضر لك هذه الهدية الثمينة ؟ فردت : عندما رأيت ذلك الطقم أعجبني ، فطلبت من زوجي شراءه ، فاعتذر بضيق ذات اليد ، فعرضت عليه المشاركة في ثمنه ، فرفض بحجة أن لديَّ الكثير من المجوهرات ، واستكملت كلامها بأنها لم تيأس ، فرأت أن أفضل طريقة - انظر ماذا يفعل اتباع الموضة ؟ - أن أفضل طريقة للحصول عليه - لتجبر زوجها للحصول على ما تريد - أن تمنع زوجها حقه في المعاشرة الزوجية ، وظلت مواظبة على تلك الفكرة الدنيئة حتى تسلل الزوج راتبه واشتراه لها ، وليت الأمر اقتصر على هذا الحد ، ولكن ردت إحدى زميلاتها بقولها : سأجرب أنا الأخرى هذه الطريقة ، فنهيتها عن ذلك مبينةً لها حرمة هذا الفعل ، فأصرت على تنفيذ هذه الخطة الشيطانية ، حتى جاءت ذات يوم تحمل عقدا وتقول : صبركم ، فلن أسكت حتى أحصل على الباقي ، وأخبرتني من أثق بها أن لها شقيقة متزوجة ، وكانت تتَّبِع نفس الطريقة ، فلا تسمح لزوجها بالمعاشرة إلا نظير مبلغ تشتري به ما يعجبها من الأزياء والموضات - اللهم سلم يا رب - وظلت هكذا حتى سئمها زوجها ، فتزوج بأخرى ، وعاقبها الله بمرض نفسي في نهاية الأمر ، فكيف بالله تعالى عليكم انحدرت نسوة محصنات ، يعني مسلمات ، إلى ذلك الدرك الوضيع ، فتشبهن بالبغايا ، لا تعطي زوجها حقه إلا بالفلوس ، تقول له ادفع الأجرة الأول ، فتشبهن بالبغايا اللاتي يعاشرن الرجال نظير مبلغ من المال ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .



6- الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم :

الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كفر ينقل عن الملة إذا تعمد الكذب على رسول الله ، ولذلك قلنا : هذا يؤول ، يعني يمكن أن يصل بصاحبه إلى الكفر ، وتعمد الكذب على الله ورسوله ، تحليل الحرام ، أو تحريم الحلال كفر محض ، وإنما الشأن في الكذب عليه في سوى ذلك ، يعني من كذب عليه ، فقال: قد ثبتت أحاديث بحل الزنا ، أو حديث بحل الربا ، فدا كفر ، والعياذ بالله ؛ لأن فيه الكذب عليه وفيه تحليل الحرام أو تحريم الحلال والعياذ بالله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي ؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي جَهَنَّمَ )) ، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد والحاكم في المدخل.
وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ يَقُلْ عَنِّي مَا لَمْ أَقُلْ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) ، وهو حديث حسن رواه الدارمي وابن ماجة.
وقال صلى الله عليه وسلم : (( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبِ )) ، يطبع المؤمن على كل شيء ، يعني يتصور أن يكون معه إيمان ، إلا مع الخيانة والكذب ، اللهم عافنا من هذا وذاك .
وهذا لا يصح مرفوعا ، إنما يصح موقوفا ، هذا الأثر لا يصح مرفوعا ، إنما يصح موقوفا من ابن مسعود ،
و قال أيضا : (( مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُو يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ )) من روى عني ، يعني أنت تعرف أن هذا الحديث موضوع أو أنه باطل ، (( مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُو يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ )) ، أخرجه مسلم .
فلاح لك بذلك أن رواية الموضوع لا تحل ، لا يصح ، فلا بد من التنبه من أن ما تسبقه بقولة (قال رسول الله) ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ، حتى لا تكون من هؤلاء ، تنبه ، فإن هذا أمر قد يصل بصاحبه إلى الكفر نعوذ بالله من ذلك .


7- الانتماء إلى الأحزاب الإلحادية والجاهلية :

كالأحزاب الشيوعية والعلمانية والرأسمالية وغيرها من مذاهب الكفر ، فإن الانتماء إلى مثل هذه قد يصل بصاحبه إلى الردة عن دين الإسلام ، فإن كان المنتمي إلى تلك المذاهب يدعي الإسلام فهذا من النفاق الأكبر ، فإن المنافقين ينتمون إلى الإسلام في الظاهر ، وهم كفار في الباطن ، كما قال تعالى : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } ، قد أعرضوا عن الكتاب والسنة استهزاء بأهلها واستحقارا ، وأبوا أن ينقادوا إلى الوحيين فَرَحًا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه إلا شرا واستكبارا ، فتراهم أبدا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزءون بهم ، { اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } ، وقد أمر الله بالانتماء إلى المؤمنين ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } ، فلا تكن شيوعيا ولا علمانيا ولا في حزب البعث ولا في حزب التجمع ، ولا في حزب كذا ، إنما كن في حزب الله جل وعلا ، و لا تنتمِ إلى مثل هذه الأحزاب التي يبعد عن أكثريتها الدين الصحيح ، وترتب على الضياع والتبعية والانتماء إلى الأحزاب الجاهلية والقوميات العنصرية ، ردة كفر عن دين الإسلام ؛ لأن الإسلام يرفض العصبيات ، والنعرات الجاهلية .
يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسِ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } .
ويقول صلى الله عليه وسلم : (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ غَضِبَ لِعَصَبِيَّةٍ )) تنبه ، ليس منا من دعا لعصبية وليس منا من غضب لعصبية ، رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَصَبِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ ، النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ، وَلاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلاَّ بِالتَّقْوَى )) رواه الترمذي وغيره .


الثامن : من جس على المسلمين و تتبع عوراتهم :

... والمسلمون وهنوا عن الإسلام وأهله ، وقتل المسلمين وسبي وأسر ونهب أو شيء من ذلك ، فهذا ممن يسعى في الأرض فسادا ، وأهلك الحرث والنسل ، وتعيَّنَ قتلُه ، وحق عليه العذاب ، نسأل الله العافية ، وبالضرورة ، يدري كل عاقل وكل ذي حس أن النميمة إذا كانت من الكبائر ، فنميمةُ الجاسوس أكبر وأعظم بكثير ، تنبه ، فمن الكبائر العظام التي قد تصل بصاحبها إلى الكفر : الجس على المسلمين والدل على عوراتهم



التاسع : الأمن من مكر الله

قال تعالى : { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } ، وقال تعالى : {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً } ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } ، فالأمن من مكر الله لا يكون إلا ممن خبثت عقيدته ؛ لأنه يفرط في الرجاء حتى يظن أنه آمن ، وقد عرفتم من قبل أن المنافق من جمع إساءة وأمنا ، كصاحب الجنتين في سورة الكهف ، { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } ، خذ بالك ، هذا كفر وتَعَدٍّ ، ثم { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا } ، يعني إذن هو أساء ، ومع إساءته يحسن الظن بنفسه، فالأمن من مكر الله لا يكون إلا ممن خسر ، ويبلغ بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله .



العاشر : الإياس من رَوْح الله تعالى والقُنوط :

قال تعالى : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } ، نعوذ بالله من ذلك ، وقال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا } ، وقال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ } .
فالإياس من روح الله تعالى لا يكون إلا ممن خرِب قلبه ، مهما عظمت ذنوبك فاعلم أن الله رحيم ، والله عز وجل يفرح بتوبة عبده ، يفرح أكثر من فرحة الرجل الذي نجا من الهلاك بعد أن فقد دابته وعليها زاده وماؤه ، ثم عادت إليه بعد أن أيس منها ، ففرح فرحا شديدا وقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح ، لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده من هذا ، فتأكد أنك ، وإن بلغت ذنوبك عنان السماء ، فإن الله يفرح بتوبتك .
سبحان ربي العظيم ، سبحان التواب جل وعلا ، { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ تَعَاَلىَ )) ، أخرجه مسلم .

لا تقل : إن الله عز وجل لن يغفر لي ،
لا تقل : إن الله عز وجل سيعذبني لا محالة ،
لا تقل : إن الله عز وجل كيف يرحمني ؟
لا تقل هذا ، ولكن اعلم أن الله عز وجل ، أن مغفرته سبقت غضبه سبحانه وتعالى ، (( لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ تَعَاَلىَ )) ، والمعنى أن يظن أنه سبحانه سيرحمه ويعفو عنه ، قاله النووي في شرح مسلم .
هذه العشر هي من جنس المثال المتعلق بالقسم الثاني وهي أفعال تخالف العقيدة من جهة أنها تؤول إلى الكفر الأكبر .



القسم الثالث
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها شركا أصغر

الأول : التمائم والحجُب
وهي ما يعرف عند الناس بالأحجبة ، عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا ألاَّ يَبْقَيَنَّ في رقبة بعير قلادةٌ من وتر أو قلادةٌ إلا قطعت .
وكان العرب في جاهليتهم إذا بلي وتر القوس ، وكانوا يصيبون فيه نصرا ، تبركوا به ، فعلقوه في أعناق دوابهم ، يعني القوس له وتر كانوا يحاربون به ، فلما يبلى القوس ، ويَقْدُم الوترُ ، وكانوا يحاربون بهذا القوس ، وحدث فيه نصر ، يقول : هذا القوس فيه بركة ؛ لأننا قاتلنا به وانتصرنا ، فيأخذون هذا الوتر بتاع القوس لما يبلى ويعلقونه في رقبة البعير ، تبركا من باب التميمة ومن باب الحجاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ، ولا قلادة سواء من القوس أو غيره ، إلا قطعت استبراء ، سواء معلقة للزينة ، معلقة للبركة ، معلقة لأنه اشترى البعير وفيه الوتر ، المهم أمر بقطعها كلها سدا للذرائع ، ولم يقل من علقه وهو يلتمس منه البركة قطعه ومن علقه .. ، ما دام يشبه هذا السبيل فينبغي أن يقطع .
قال الإمام أبو عبيد قاسم بن سلاَّم : كانوا يقلدون الإبل الأوتار لئلا تصبها العين ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلاما لهم بأن الأوتار لا ترد شيئا ، وكذا قال ابن الجوزي وغيره.

وقال عليه الصلاة والسلام : (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ )) ، وهو حديث صحيح ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .
والرقى ، ما هي الرقى ؟ الرقى : التي تسمى العزائم ، يعني دعاء كلام تعازيم ، كما يسمونه تسمى رقى ، ولقد استثنت الأدلة الشرعية الرقى المشروعة بالكتاب والسنة .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ )) ، رواه مسلم .
كانوا يرقون ، كانوا يعزمون ببعض الألفاظ والطلاسم وأقوال شركية وأقوال من الجن ، فقال : (( اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ )) ، ولقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، أنتم تعرفون رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ، رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُؤْذِيكَ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ ، اللهُ يَشْفِيكَ ، بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ )) ، هذه رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم .
ورقى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ، تنبه ، ورقى الصحابة بعضهم بعضا .
والعلماء على جواز الرقى بثلاثة شروط : الأول : أن تكون بكلام الله وبأسمائه وصفاته ، والثاني : أن تكون باللسان العربي وبما يعرف معناه ، تنبه ، الثالث : أن يَعْتَقِد أن الرقية لا تؤثر بذاتها ، بل بتقدير الله جل وعلا ، والتمائم ، هذا ما في الرقية .

والتمائم ، ما معنى التمائم ؟ التمائم : ما يُعَلَّقُ على الأولاد أو الدواب أو السيارات أو البيوت : من خرز أزرق ، أو عظم ، أو خيوط ، أو حذاء قديم ، أو حدوة فرس ، وكل هذا باطل لاعتقاد أن هذه تدفع العين ، أو تدفع الشر ، أو تمنع الحسد ، أو تمنع البلاد ، وتحفظ حاجة الإنسان ، وهذا توكل على غير الله ، تنبه .
وعن زينب امرأة ، اسمع إلى هذا الحديث بارك الله فيك ، كثير من الناس يقول : إنا جربنا بعض الأشياء وجربنا بعض الطرق في علاج المسحورين ، فعملنا بعض الأمور وجارت بنتيجة ، هذا الحديث سيعلمك مسألة في غاية الأهمية .
عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود ، نحن لا نطيل إلا من باب الضرورة ؛ لأن هذا الاجتماع لا يتكرر إلا كل عام ، والمراد من المحاضرة أن نستجمع فيها جملة من الموعظة وجملة من التنبيه قد لا يسعفك الأجل ، أو يسعفك الوقت أو التعلم بجمعها ، فمثل هذا لا يجمع إلا في مثل هذا ، فما أقصد التطويل للمشقة ، إنما من باب الضرورة والحاجة ، خاصة أن هذه أمور عقدية يا إخوان ، أمور عقدية ، قد يكون منها ما لا يصح تأجيله فالذي يجلس يجلس بإرادته ، ينوي التعلم ، ويحصل ما قد يشرح صدره ، (( وَنَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا )) ، فهذا مما تصيبك به دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستحضر النية واجلس ، لكن الذهاب والإياب والقيام والقعود ، هذا مما يشوش على البعض ، وقد تؤذي أخاك وأنت لا تدري .

فنحن في مجلس نحب أن نخرج منه بحسنة ، فإن لم نخرج بحسنة ، نعوذ بالله أن نخرج بسيئة ، اللهم لا تحرمنا يا رب ، اللهم لا تحرمنا عفوك ورضاك .
عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : كانت عجوزٌ تدخل علينا ترقي من الحمرة - ما يصيب العين من الحَمار - وكان لنا سرير طويل القوائم ، وكان عبد الله - أي ابن مسعود رضي الله عنه - إذا دخل تنحنح وصوت ، فدخل يوما ، فلما سمعت صوته أي المرأة احتجبت منه ، فجاء فجلس إلى جانبي ، فمسَّني ، فوجد مسَّ خيط ، فقال : ما هذا ؟ قلت : رقي لي من الحمرة ، فجذبه، وقطعه ، فرمى به ، وقال : لقد أصبح آل عبد الله أغنياءَ عن الشرك ؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسـلم يقول : (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ )) ، قلت : فإني خرجت يوما ، فأبصرني فلان ، فدمعت عيني التي تليه ، فإذا رقيتها سكنتْ دمعتُها ، وإذا تركتها دمعت ، يعني هذه المرأة لما ترقيني ، وفي رواية أنها امرأة يهودية ، فإذا رقيتها سكنت دمعتها ، وإذا تركتها دمعت ، قال : ذاك شيطان إذا أطعتِه تركك ، يعني إذا سرت وراء التميمة والرقية اليهودية والأسباب التي تخالف الشرع ، هو يفرح ، انظر ، حتى إذا ما جاءك واحد يقول لك : العرافين والمنجمين ، والرجل الذي لا أدري أين ، رحنا له بالمسحور ما شاء الله جاء بنتيجة ، ماذا ستقول له أنت ؟ إنما ذاك شيطان إذا أرضيته سكتَ عنكِ ، قال : ذاك شيطان إذا أطعته تركك ، أين طاعته ؟ في التميمة ورقية اليهودية ، إذا أطعته تركك ، وإذا عصيته فعل بإصبعه في عينك ، ولكن إذا فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر ، أن تنضحي في عينك الماء وتقولي : (( أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا )) ، انظر ، هذا الحديث رواه ابن ماجة ، وروى بعضه ابن حبان ، وأبو داود ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .

ثم إن كثيرا مما يكتب في تلك الحجب والتمائم من كتابات غيرُ مفهوم ، ورموز وجداول وأرقام ، تجد سيفا وثعبانا وجدولا ومربعا وأرقاما ورموزا ، يقول لك : هذا الحجاب النافع ، وهذا الحجاب الواقي ، وهذا الحجاب الواقي من العين والسحر ، وهذا الحجاب الذي لا أعرف يقيك من .. ، وهكذا ، ويأخذ الناس ذلك ويتعلقون به ، وقد يكون الواحد من هؤلاء عنده استعداد يسرق وتسرق وملابسه الداخلية ، إلا هذا الحجاب ؛ لأن هذا هو ما يعيش به ، يقول لك : أنا عائش به .
في مرة من المرات في الحملات التي يأخذونها ، أوقفوا الناس يفتشونهم ، فأمسكوا رجلا عاديا ، فتشوه ، أخذوا الفلوس وأخذوا البطاقة والرخصة ، وكل ما معه ، جاء إلى هذا الحجاب قال له : إلا هذا ، أقبل يديك إلا هذا ، أنا عائش بها ، ما هذا الذي هو عائش بيها ، فتحها ، فوجدها ورقة مكتوبا فيها شخبطة ، لكن الراجل كان سيموت ، قال له : خذ ملابسي ، جردني منها ، لكن إلا هذا، أنا عائش بهذه ، سبحان الله العظيم ، تعلق القلوب .
أنا قلت : سيحزن على الفلوس ؛ لأنه فقير ، أو على المحفظة ، أو على الملابس ، أو أي حاجة ، لا ، إلا هذه .
ثم إن كثيرا مما يكتب في تلك الحجب والتمائم من كتابات غير مفهوم ورموز وجداول وأرقام مما ليس بمشروع ، فيجب ترك ذلك كله ، ولنا في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاية وأسوة ، فنقرأ القرآن ، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه على المريض والمسحور أو المصاب بالعين وغير ذلك ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .

عرفت الرقى وعرفت التمائم ، فما التولة ؟
التولة : ضرب من ضروب السحر كانوا يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، وهذا يصد الناس عن دين الله عز وجل وعن توكلهم على الله ، في دفع الضر ، يعني مثلا إنسان بينه وبين زوجته مشاكل ، أو واحدة يريد زوجها أن يتزوج عليها ، وطبعا أنتم تعرفون أن هذا معناه أنه سيرتكب الجريمة الكبرى ، أكثر من قلب نظام الحكم ، أكبر من قلب نظام الحكم الذي فيه إعدام عند النساء الزواج عليها ، هذا جريمة لا تغتفر ، فيمكن واحدة زوجها يجن ويرتكب هذه الأحموقة ، ويتشبه بعنتر ، فعندما يفعل ذلك ، فالمرأة بدلا من أن تسأل الله عز وجل ، ولا تدعو ولا تصلي تدلها صاحبتها ، وحبيبتها وقريبة عينها وشريكتها في مصيبتها ، فتقول لها : عليك بالعمل ، وسيأتي راكعا ساجدا ، وقد تفعل المرأة ذلك بدعوى الغيرة ، وأنها لم تتحمل .
و أنا أنبه إخواني جميعا ، وأنبه الأخوات على الخصوص ، لا يصح أن تصير الغيرة طاغوتا يعبد من دون الله ، فإن هذا مما شرعه الله جل وعلا ، وأذن فيه ، وننبه الرجال أن من فعل ذلك لا بد أن يتقي الله عز وجل ويعلم أن ذلك شرطه العدل ، فإن خاف فليكن خوفه من ربه ، وليس من زوجه .

المهم أن التولة - كما قال ابن سيرين وغيره - شيء كن يفعلنه النساء ليرغبن أزواجهن فيهن ، يعني من السحر ، الذي هو ما يعرف بالعمل ، لم لم يتزوج عليها ، يقول لك : هو يحب زوجته لأنها عملت له عملا ، وكأن الأصل في الأزواج أن يضربوا بعضهم ويفضحوا بعضهم ويفتحوا دماغ بعضهم ، ويذهبوا إلى الأقسام ، فهكذا لا تكون قد عملت له عملا ، هكذا تكون العيشة بينهم زوجية ، أما إذا كان نفاق ولا وئام ، فتكون قد عملت له عملا ، طبعا هذا معناه الإيمان بالسحر والتوكل على غير الله وصرف الناس عن دينهم ، والدعاء والاستغاثة بغيره
وكذلك من الأفعال الباطلة التي تجري في هذا المضمار : التعلق بقبور الأنبياء والأولياء ، والتمسح بها ، وربط الخرق عليها ، وكتابة الرسائل لمن فيها ، كما يقولون لك : يوم الجمعة يكتبون رسائل للشافعي ، ويرمونها في الضريح ، فأنت يوم الجمعة تكتب مشكلتك ، وترميها في الضريح ، أو عند ست الديوان ، لتحل مشكلتك ، طبعا هذا من التماس النفع والضر من غير الله جل وعلا ، نعوذ بالله من ذلك ، و كتابة الرسائل لمن فيها ، وكل هذا لا يخلو من اعتقادات شركية بالله رب العالمين ، فاحذره أيها المسلم واتبع كتاب ربك وسنة نبيك تكن من الفائزين ، وإلا كان عملك هباء منثورا ، قال تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } .


2- النياحة واللطم :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اثْنَتَانِ هُمَا بِالنَّاسِ كُفْرٌ ، الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ ، وَالنَّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ )) ، أخرجه مسلم .
وعن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُـبْ قَبْلَ مَـوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَـةِ وَعَلَيْهَا سِـرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ )) ، حتى إذا ما اشتعلت النار في القطران يشتد به الألم ، تنبه ، فشوف هذا عذاب مخصوص لصاحبة هذا العمل ، وهو النياحة ، نعوذ بالله من الخذلان ، والسربال : القميص .
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ )) ، ودعوى الجاهلية كقول المرأة حال موت عزيز لها : يا سبعي ، ويا جملي ، ماذا بعدك ، وأين أذهب بعد فراقك ، أنت عزي ، وأنت كرامتي ، وأنت طعامي ، وأنت شرابي ، كل هذا .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ )) .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة ، والصالقة (بالصاد) : التي ترفع صوتها بالبكاء ،و قيل ضرب الوجه ، الصالقة : التي ترفع صوتها بالبكاء ، وقيل ضرب الوجه ، والحالقة : التي تحلق رأسها عند المصيبة ، والشاقة : من شق الجيوب .


3- ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما :

وهذا من ضروب الشرك الأصغر ، أما ادعاء علم الغيب على الإطلاق فهو كفر أكبر ، ولذلك جعلنا له قسما هناك ، وهنا للإشارة ، والمراد بالغيب : ما غاب عن الناس من الأمور المستقبلة والماضية وما لا يرونه ، وقد اختص الله تعالى بعلم الغيب كما هو مقرر عندك ، وكما سبق بيانه ، { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ } ، فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وحده دون ما سواه ، فمن ادعى علمَ الغيب بأي وسيلة من الوسائل غير من استثناه الله من رسله فهو كافر ، تنبه ، سواء ادعى ذلك بواسطة قراءة الكف أو الفنجان أو الكهانة أو السحر أو التنجيم أو غير ذلك .
وهذا الذي يحصل من بعض الدجالين والمشعوذين من الإخبار عن مكان الأشياء المفقودة وأسباب بعض الأمراض ، فيقولون فلان عمل لك كذا وكذا فمرضت بسببه ، إنما هو باستخدام الجن والشياطين ، يعني واحد يقول لك : أنا ذهبت لفلان هذا ، الذي في المكان الفلاني ، والناس تذهب له ليعالج ، وعندما دخلت قال لي : تعال يا أحمد ، يا من أمك بهانة ، يا من أبوك سلطان ، فتعجبت كيف عرف اسم أمي واسم أبي ، وقد يكون حدث فعلا ، فما يحدث من ذلك من أن له شياطين يسخرهم ، فإذا أتى الآتي قابلت الشياطين القرين ، فأخبرته بالأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، لكن أنت إذا سمعت أنه يعرف اسمك واسم أمك ومن أين أتيت ، أنت أتيت من بنها الآن ، وماذا فعلت ، تظن أنه يعلم كل شيء ، يقول لك : الحمد لله ، هذا الراجل سيفك لي مشكلتي ، هذا من ضعف اليقين ، الفساد العقدي يجعلك مؤهلا لقَبول الباطل ، { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ } ، فالفساد العقدي يجعلك مؤهلا كالإسفَنج ، بسهولة تشرب هذا الفساد ، يدخل عليك ، فإنما يحدث هذا بسبب استخدام الجن والشياطين ويظهرون للناس أن هذا يحصل لهم عن طريق عمل هذه الأشياء من باب الخداع والتلبيس .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموعة التوحيد) في (رسالة الفرقان) : والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيَّبات بما يسترقه من السمع ، وكانوا يخلطون الصدق بالكذب .. إلى أن قال : ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكهَ وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الوقت، بل منهم من تحملهم الشياطين إلى أماكن بعيدة ، أو غير ذلك ،
يقول : وقد يذهب بعض الجهال وضعاف الإيمان إلى هؤلاء المنجمين فيسألهم عن مستقبل حياته وما يجري عليه في هذا المستقبل وعن زواجه أو غيره ، ومن ادعى علم الغيب ، أو صدَّق من يدعيه فهو مشرك كافر ؛ لأنه يدعي مشاركة الله فيما هو من خصائصه .


الرابع : التشاؤم أو التطير

والطيرة أو التشاؤم قد يصيب الإنسان بسبب قلة الإيمان وقلة التوكل ، وهو من ضروب الشرك .
أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والبخاري في (الأدب المفرد) من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ )) .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ )) ، قيل : يا رسول الله ، ما الفأل ؟ قال الكلمة الطيبة .
ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا عدوى )) ، يعني لا يصح أن يعتقد أن العدوى تؤثر بذاته بحيث إن العبد إذا ابتعد عن المريض فقد سلم من المرض ؛ لأن المرض لا يحدث بسبب زيارة المريض أو بغيره ، بل إنه يحدث دائما بقدر الله سبحانه وتعالى ، هذا معنى لا عدوى .
ولا طيرة ، يعني لا ينبغي أن تصدك الطيرة أي التشاؤم عن مصلحتك التي عزمت عليها ، وأحب الفأل ، قيل : يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : (( الكلمة الطيبة )) .
قال ابن الأثير في النهاية (3/152) : (( الطيرة التشاؤم بالشيء وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفعه )) .


الخامس : تصديق الكاهن والمنجم

تصديقة ، مش الكهانة أو العرافة ، لا ، كونك تصدق ، فهذا من الشرك الأصغر ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ، وقال : { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } ، وقال جل وعلا : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ } .
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ )) ، والكفر هنا مصروف عن حقيقته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لم تقبل )) وهو الحديث الآتي بعده .
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ - في رواية فصدقه - لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) ، طبعا لو كان هذا كفر أكبر ، لم تقبل الصلاة أبدا ، رواه مسلم .
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ )) ، صحيح رواه أبو داود وابن ماجة .


السادس : كفران نعمة المحسن ممن أحسن إليه

يعني لما يحسن إليك أحد ينبغي أن تشكر له ، فكفران هذه النعمة أمر عظيم، كفران نعمة المحسن ممن أحسن إليه ، قال تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } ؛ لأن أكثر الناس إحسانا إليك الوالدان ، فأمر الله بالشكر لهما ، {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ )) ، فشكر الناس جزء من مقتضى شكر الله ، شكر الناس على إحسانهم وعلى إنعامهم لك جزء من مقتضى شكر الله .
قال بعض السلف : كفران النعمة من الكبائر .
وشكر النعمة ، كيف تشكر نعمة المحسن ؟ بالمجازاة أو الدعاء ، من صنع لكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تجدوا أنكم قد كافأتم ، إما جازيت من أحسن وإما دعوت له ، لكن تقول له : ماذا عملت لي؟ ما الذي حصل يعني ؟ ، فهذا من كفران النعمة .


7- سب أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين

أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ )) ، وأنتم تعرفون أن خير الأولياء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة ، وخير الصحابة أكابرهم رضوان الله عليهم أجمعين .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ )) ، والمد : ربع الصاع ، وضُرِبَ به المثال لأنه أقل ما يتصدق به في العادة ، أقل ما يتصدق به في العادة ، يعني أنك لو أحببت أن تتصدق بأرز ، فما أقل كمية ؟ ربع الصاع ، مد، فلو أنفقت مثل أحد ذهبا فلن يبلغ لفضل العامل ولفضل المنفق مد أحدهم ، أقل قدر .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم ، نعوذ بالله من الخذلان .
رواه هشام عن أبيه عن عائشة ، أخرجه مسلم .
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ )) ، حسنه الألباني في الصحيحة برقم (2340) .

وقال علي رضي الله عنه : والذي فلق الحبة وبرأ النَّسْمَة ، وإنه لعهد النبي الأمي إلي ، تنبه ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، وإنه لعهد النبي الأمي إلي ، لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق ، أخرجه مسلم .
فإذا كان هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حق علي ، فالصديق أولى وأحرى ؛ لأنه أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومذهب عمر وعلي رضي الله عنهما أن من فضل على الصديق أحدا فإنه يُجلد حد المفتري ، الذي هو القذف ، الافتراء .
وعن علقمة قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : بلغني أن قوما يفضلونني على أبي بكر وعمر ، من قال شيئا من هذا فهو مفترٍ عليه ما على المفتري .
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا )) ، وعلى هذا من قال لأبي كافر ودونه : يا كافر ، فقد كفر القائل بهذا قطعا ؛ لأن الله تعالى قد رضي عن السابقين الأولين ، قال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } ، ومن سب هؤلاء فقد بارز الله تعالى بالمحاربة ؛ لأنهم خير الأولياء ، ألحقَنا الله بهم على خير.
ومن اعتقد نبوة علي رضي الله عنه ، أو أنه إله ، فهو ملعون كافر ، وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ )) .
وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِن وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ )) .



القسم الرابع والأخير
أفعال تخالف العقيدة من جهة كونها فسوقا أو غير ذلك

وهو طويل طبعا ، وسأذكر من هذا القسم ما أستطيع ذكره ؛ لأن فيه قرابة سبعين نقطة ، فطبعا إن أردتم أن نصلي الفجر جماعة ، إن شاء الله [سنذكر] ما يمكن ذكره ، وطبعا من لا يسعه الوقت أو معه نساء ، أو من يريد الرواح ، لكن هو من باب استكمال أمر تسجل الشرائط ، من باب أن يكون فيها نفع للناس ؛ لأنه لا بد من التنبيه على مثل هذا ، فأذكر ما يمكن ذكره ، وأكمل في عناوين من باب التذكير ، ولعل الله عز وجل ، من باب تسجيل المحاضرة بحيث تكون موجودة تحت أيدي الناس من فاتتهم أو من يريدون دعوة الناس بها ، ولعل الله عز وجل ييسر بأن يخرج هذا مطبوعا كسابقه ، فيكون فيه الخير إن شاء الله تعالى ، فالله الموفق ، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم .


الأول : عقوق الوالدين

وهو من أعظم المنكرات بعد الشرك ، قال الله عز وجل : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ، وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَر الْكَبَائِرِ ، فذكر منها عقوق الوالدين ، متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( رِضَا اللهِ فِي رِضَا الْوَالِدِ ، وَسَخَطُ اللهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ )) ، ولذلك قالوا : الوالد يشمل الأم ، تنبه ، صحيح ، أخرجه الترمذي ، والبخاري في (الأدب المفرد) ، وهو في الصحيحة برقم (516) .
وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ فَاحْفَظْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَضَيِّعْ )) ، وهو صحيح ، أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، وفي الصحيحة برقم (913) .



وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد معه ، فقال : (( أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ )) ، قال : نعم ، قال : (( فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ )) ، متفق عليه .
وأخرج مسلم وابن ماجة كلاهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ )) .
وأخرج النسائي وأحمد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ مُدْمِنُ خَمْرٍ )) ، صحيح في الصحيحة برقم (674) .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء أعرابي فقال يا رسول الله ما الكبائر ؟ فقال : (( الإِشْرَاكُ بِاللهِ )) ، قال : ثم ماذا ؟ قال : (( ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ )) ، قال : ثم ماذا ؟ قال : (( ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ )) ، أخرجه البخاري .
وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلاَ مُكَذِّبٌ بِالْقَدَرِ )) ، انظر جَمَعَ بين العقوق وماذا ، أخرجه أحمد وحسنه الألباني في تخريج أحاديث السنن .


2- أكل الربا :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ } .
وقال تعالى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } ، إلى قوله تعالى : { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، هذه الآية يا إخوان شديدة جدا .
قال الذهبي في الكبائر : فهذا وعيد عظيم بالخلود في النار ، { وَمَنْ عَادَ } ، انظر ، وخذ بالك ، { فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، انظر الربا ، ومن عاد بعد الموعظة ، ومن عاد بعد أن يوعظ وبعد أن يذكر ، تنبه لذلك .
قال الذهبي في الكبائر : (( فهذا وعيد عظيم بالخلود في النار كما ترى لمن عاد إلى الربا بعد الموعظة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )) .
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قال : ((الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ )) .



3- المدافعة بتأجيل دفع الدين والاعتذار بما لا يعتذر به :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ )) ، متفق عليه ، ومن أكبر الظلم اليمينُ الفاجرة على حق عليه يقتطعه ، أي واحد عليه حق وينكر ، أو أكل مالا بالباطل ويحلف ، فهذا أظلم الظلم ؛ لأنه اجتمع مع الظلم يمين غموس .
قال رسـول الله صـلى الله عليه وسلم : (( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ )) ، والله ما أخذت ، والله ما حصل ، وقد حصل ، والعياذ بالله ، (( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ )) ، انظر : أوجب ، أوجب الله له النار ، نعوذ بالله من الخذلان ، قيل : يا رسول الله ، وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : (( وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ )) ، عود سواك ، رواه مسلم .
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث علي بن عميرة الكندي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا - ما معنى المخيط ؟ ، إبرة - فَمَا فَوْقَهُ ، كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، اللهم سلم يا رب .



وأخرج مسلم من حديث أبي قتادة أن رجلا قال : يا رسول الله ، قاتلت صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أتُكَفَّرُ عني خطاياي ؟ يعني قاتل وصابر وهو محتسب من غير رياء ومن غير سمعة ، تنبه ، أتكفر عني ، أظن هذه أعمالا عظيمة ، أتكفر عني خطاياي ؟ قال : (( نَعَمْ إِلاَّ الدَّيْنَ )) ، رواه مسلم .
وأخرج البخاري من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، اللهم سلم سلم ، إذا استؤمنت على مال ، من مال الناس ، أو أي مال من أموال الله عز وجل ، أو تبرعات أو كذا أو كذا ، إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق ، فلهم النار يوم القيامة ، نسأل الله العافية والسلامة .
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة : (( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ )) ، النار أولى به ، وهو صحيح رواه الحاكم وابن حبان والطبراني في الكبير .
واعلم أنه يدخل في هذا الباب - يعني في باب أكل الظلم وأخذ المال بالظلم والتعدي - المَكَّاس - وهو جامع الضرائب - وقاطع الطريق ، والسارق ، والبطاق ، وهو من يجرح الناس ويشقهم ، والخائن ، والزغلي - وهو الغشاش - ومن استعار شيئا فجحده ، ومن طفف في الوزن والكيل ، ومن التقط مالا فلم يُعَرِّفْه ، ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر والمرتشي وما شابه .

4- البغي :

طبعا قد يلتمس البعض يقول : أكل المال بالظلم أو ظلم الغير هو البغي ، لا، الظلم : هو نيل حق الغير بغير حق ، تَعَدٍّ على حق الغير ، أما البغي : هو الجبروت والعلو ، قال تعالى : { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، يا إخوان اسمعوا ، فلما تتنبه وتسمع أن أهل السوء وأهل المخالفات يتوعدون بهذا كله وأهل الخير مبشرون بالخيرات فبالله عليك ، أَلاَ تحمدُ اللهَ عز وجل أن لم يجعلك ظالما ، أو باغيا أو متكبرا ، أو متعديا ، أو مرابيا أو نماما ، أو قاتلا ؟ هذه نعم ، { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ )) .



واعلم أن البغي هو ثمرة الكبر ، ألا ترى إبليس فلم يبلغ أحد مبلغَه في البغي، وكان ذلك بسبب كبره ، ولذلك قالوا : لا يحجُز أحدا عن إثبات الحقوق إلا الكبر ، يعني لا أحد يحولك باغيا إلا الكبر ، لا شيء يحولك باغيا إلا ، يعني لما تقول لامرأة : لماذا لا توفي زوجك حقه ؟ تقول لك : أنا وأنا ، لما تقول لرجل : لماذا لا توفي زوجك حقها ؟ وتتقي الله فيها ، ولا تستشعر قدرتك عليها ، فإن الله أقدر عليك منك عليها ، يقول لك : أنا وأنا ، لماذا لا تعطي جارك حقه ؟ يقول لك : أنا وأنا .
فلا تمنع الحقوق إلا بالبغي ، ولا يجر إلى البغي إلا الكبر ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَبْغِي )) ، والتواضع ضد الكبر ، فانسوا الكبر وابعدوا عن الكبر ؛ لأن هذا سيكون سببا لبعدكم عن البغي ، إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يفخر أحد على أحد .
وصح الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لو بغى جبل على جبل، لجعل الله الباغي منهما دكا ، لو جبل وليس إنسانا يمكن بشرقة ماء أو بلفحة هواء يُطرح كالميت على الفراش ، يقال لك : ما لك يا فلان ؟ يقول لك: عندي برد ، ما معنى برد ؟ هواء ، لو جبل بغى على جبل لجعل الله الباغي دكا، فانظر لنفسك ، انظر لنفسك .

وعن أبي بكرة - هذا الأثر أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) - وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ اللهُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ )) ، وقطيعة الرحم من البغي ، لكن خصت لعظيم شأنها ، صحيح رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ، والبخاري في الأدب المفرد .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ ؛ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ )) ، وقالوا : خشاش الأرض : أي حشرات الأرض ، متفق عليه .


وأخرج مسلم من حديث أبي مسعود البدري - أبو مسعود غير عبد الله بن مسعود - قال : كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي (( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ )) ، فلم أفهم الصوت من الغضب ، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يقول : (( إِنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ )) ، تنبه ، مع ابنك ، مع زوجك ، أن الله أقدر عليك منك عليه ، فقلت : لا أضرب لي مملوكا بعدها ، وفي لفظ : فسقط السوط من يدي من هيبتي ، وفي رواية : فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله ، فقال : (( أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ )) .
وأخرج مسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ ضَرَبَ غُلاَمًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ )) ، عاقبه بشيء لم يفعله ، ((مَنْ ضَرَبَ غُلاَمًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ )) .
وعن هشام بن حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا )) ، نسأل الله العافية والسلامة ، إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ، اسمع إلىكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ، أخرجه مسلم .


الخامس : اليمين الغموس

أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الْكَبَائِرُ : الإِشْرَاكُ بِاللهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ )) ، الكبائر ، وذكر منها اليمين الغموس ، واليمين الغموس : هي التي يُتعمد فيها الكذب ، يتعمد يعني ليس ناسيا ، واحد حلف على حاجة ، وحصلت فعلا ، لكنه ناس ، لكن اليمين الغموس هي التي يتعمد فيها الكذب ، وسميت غموسا ؛ لأنها تغمس الحالف في الإثم ، تغمسه ، يعني يغرق في الآثام ، وقالوا : لأنها تغمس صاحبها في النار .
وأخرج مسلم من حديث جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قَالَ رَجُلٌ : وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لِفُلاَنٍ ، فَقَالَ تَعَالَى : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَلاَّ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ، قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ )) ، اللهم سلم .
وعن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، الذي يطول الثياب وتجرجر أكثر من الكعبين ، والْمَنَّانُ ، وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ )) ، أخرجه مسلم .
طبعا الشاهد في الحديث (( المنفق سلعته بالحلف الكاذب )) يقول لك : والله العظيم أنا جئت بها بخمسة ، والله العظيم واقفة عليه بخمسة ، يمين غموس ؛ لأنه تعمد الكذب ؛ لأنها أدنى من ذلك .
وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ )) ، قيل : وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : (( وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ )) ، رواه مسلم وقد مر آنفا .


6- عمل الزار :

من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بوجود الجن خلافا لمن أنكر وجودهم من المعتزلة وغيرهم ، وأن الجني قد يتلبس الإنسي أو يمسه ؛ مما يسبب للإنسي ضررا ومرضا ، وليس هذا محل بسط الأدلة على ذلك ، ولكن كثيرا من الناس بسبب جهلهم وتلبيس شياطين الإنس والجن عليهم يتخذون من أسباب العلاج من هذا البلاء ما لم ينزل الله به سلطانا .
بل لعل هذا العلاج يكون من أسباب زيادة هذا الداء ، ومن هذا ما يعرف بالزار ، أو حلقة الزار ، وأسوق في هذا المقام فتوى دار الإفتاء المصرية (س 24/210) يعني السؤال 24 مسألة 210 بتاريخ 11/محرم/1881هـ ، 24/6/1961م ما نصه :
الجواب عن سؤال حول مشروعية الزار ، دار الإفتاء المصرية ما تقول أيام ما كان فيها حق ، أيام ما كان فيها مفتون يفتون بالدين ، ليسوا علمانيين ، ولا يوالون اليهود والنصارى .
(( الزار نوع من دجل المشعوذين الذين يوحون إلى ضعاف العقول والإيمان بأن المريض أصابه مس من الجن ، وأن لأولئك الدجالين القدرة على علاجه وتخليصه من آثار هذا المس بطرقهم الخاصة ، ومنها إقامة الحفلات الساخرة المشتملة على الاختلاط بين الرجال والنساء بصورة مستهجنة ، والإتيان بحركات وأقوال غير مفهومة ، والزارُ بطريقته المعروفة أمرٌ منكر ، وبدعة سيئة لا يقرها الدين ، ويزداد نكرا إذا اشتملت حفلاته على شرب الخمور ، وغير ذلك من الأمور غير المشروعة التي أشار إليها السائل )) ، انتهى محل الاستدلال .


7 - التبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتا :

من البدع المحدثة التبرك بالمخلوقين ، وهو لون من ألوان الوثنية وشبكة يصطاد بها المرتزقة أموال السذج ، قديما سمعت قصة ممن شهدوها من الناس الكبار في أحد قرى الصعيد أن اثنين من اللصوص أو من النصابين والدجالين ، ممن يحتالون على الناس السذج والبسطاء ، وكانت طبعا المسافات بين القرى خاصة قرى الصعيد ومنها ما هو في الجبال ، المسافات بينها طول ، ولم يكن العمران قد اتصل بعضه ببعض كالآن ؛ لأن هذا الكلام في الخمسينات والأربعينات .
فاثنان ركبا حمارا من هؤلاء النصابين ، وقصدا قرية بحيث إنهما يدعي واحد منهما أن بعضهم ولي ، يعني يعمل ديباجة للآخر أن هذا ولي ، يشفي المرضى ، ويسوق الغائب ، وتحمل العاقر ، وصارت شغلته ، ثم يجمعون النذور والتبرعات ، ويقسمونها معا .
وهم في الطريق مات الحمار الذي يحملهم ، فتحيروا ماذا يفعلون ، فهداهم شيطانهم إلى أن يدفنوا الحمار ، ويقيموا عليه ما يجعله ويوهم أنه مقام ، وقالوا : هذا مقام الشيخ حِمْيَر ، ليكون على وزن حمار ، فيكونوا صادقين .


فذهب واحد منهم للبلد ، وقعد الثاني جنب حمير ، وقال الشيخ طلع له مقام وبين ، طبعا كانت مسألة بين هذه مسألة يقبلها البسطاء والسذج ؛ لفساد المعتقدات وانتشار معتقدات الباطنية والصوفية المتحللة وما شابه ، وذهب إلى القرية وبدأت الناس تهل ، وكانت الناس من شدة الجهل ، وفساد العقيدة ، وفراغ القلوب مما ينورها ما يسمعون بمقبور إلا ويَفِرُّون إليه فرارهم إلى أسباب الحياة ، كالميت الذي فقد الماء ثم وجده .
عملوا صندوقا وقدموا النذور ، وعملوا له مولدا ، فانصرف الناس وجلس الاثنان يقسمان التركة ، فتشاجرا ، حتى اجتمع عليهم الناس ، وقال له أنت ، قال له : يا أخي أنا عارف الشيخ ، وأنا كاهن الشيخ ، أنا لي الكيس الأكبر ، فطبعا الثاني قدام الناس لا يستطيع الكلام ، قعد يقول : لأ أنا ؛ لأنه طبعا واحد عمل ديباجة ، والثاني عمل كاهنا ، كاهنا وسادنا وخادما للقبر ، هذه القصة حقيقة قصَّها علي في أثناء دراستي في الجامعة من شاهدوها من كبار السن ، فالمهم تعاركوا مع بعض ، فالمهم قال له : هذا حمار المدفون ههنا ، و الثاني يقول له : لا تعب في الشيخ ولا تعب ، ويرسم القصة ، ولذلك لما تسمع العوام لما يقول لك في المثل : نحن دفناه معا .

أصل هذا المثل لعله هذه القصة ، يعني نحن دفناه معا ، يعني نعلم نحن الاثنان أنه لا شيخ ، ولا ولي ، وإنما هو حمار ، لكن هذا كما يقول القائل ، وكما يقول أهل العلم : شبكة يصطاد بها المرتزقة أموال السذج من الناس .
والتبرك : معناه طلب البركة ، وهي ثبوت الخير في الشيء وزيادته ، عندما تقول مثلا : أنا أتبرك بالشيء الفلاني ، معناه تطلب ثبوتَ الخير في الشيء وزيادةَ الخير فيه ، وذلك إنما يكون ممن يملك ذلك ويقدر عليه ، من الذي يملِك إثباتَ الخير في الشيء ؟ الله سبحانه وتعالى ، ومن الذي يملك أن تزداد البركةُ في الشيء والخيرُ ؟ الله سبحانه وتعالى ، فلا يصح أن يطلب ذلك من مخلوق .


والتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتا لا يجوز ؛ لأنه إما أن يكون شركا ، إن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح بركة ، كما يقول واحد مثلا : البقعة الفلانية والشجرة الفلانية والجبل الفلاني والشخص الفلاني ، وهكذا ، إن اعتقد أن هذا الشيء أيا كان يمنح بركة فذلك شرك ، أو قد يكون وسيلة إلى الشرك ، إن اعتقد أن زيارته أو ملامسته أو التمسح به سبب لحصولها من الله ، كما يقول لك واحد : البركة من الله ، لكن نحن لما نروح عند القبر ، أو عند هذا المكان ، أو عند المقام ، أو عند هذا السور ، أو عند هذه الشجرة تنزل علينا البركات عندها ، فكونه يظن أن هذه سبب لنزول البركة هذه ذريعة إلى الشرك ، وأما ما كان الصحابة ، واحد يقول لك : الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتبركون بآثار النبي ، وبشعر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم ، وريقه ، وما انفصل من جسمه الشريف صلى الله عليه وسلم كما صحت بذلك الآثار عند البخاري وغيره ، فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم في حياته ووجوده بينهم بدليل أن الصحابة لم يكونوا يتبركون بحجرته وقبره ، بعد موته ، فكذلك مقامات الأولياء من باب أولى ، يعني لو كان الصحابة يفعلون هذا على أساس أن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم يستوي مع التبرك بغير النبي لفعلوه مع أبي بكر ، أو لفعلوه مع الأماكن التي كان يقف عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كان يمشي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الخيمة التي جلس تحتها النبي ، أو ما شابه ، ولكن لم يثبت أن فعلوا شيئا من ذلك ، ولا كانوا يتبركون بالأشخاص الصالحين كأبي بكر وعمر وغيرهما من أفاضل الصحابة ، لا في الحياة ولا بعد الموت ، ولا كانوا يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه ، أو يدعوا ، فكل ذلك ليس من شريعته صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك من المحدثات التي كانت سببا في حدوث الشرك بجميع صوره .

إذن لا يجوز بحال التبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتا ، طبعا قد تقرأ في بعض الكتب يا إخوان أو في بعض الرسائل يقول : كان الإمام أحمد يبلل ثوب الشافعي ويشرب ماءه ليستشفي به ، هذا الكلام لا يمكن أن يقبل ، حتى وإن حكي في الكتب ، لم نقف على هذا بأسانيدَ معتبرة ، يقول لك : كان يستشفي به ، لا يمكن أبدا ، ولا يَرْوِي هذا الكلام أحد من أهل السنة من تلامذته المقربين أو من نقلة مذاهبهم وكلامهم ، إنما نقلها المشعوذون والذين فسدت عقائدهم ، والذين يريدون أن يثبتوا بأي طريق أن التبرك بالأحجار والأشجار وملامسة الصخر ، ومنافذ الموتى جائز ، بل وليس جائزا فقط ، لكنه أيضا محل بركة .

الثامن : الزنا

أعاذنا الله منه ، وهو الفاحشة العظيمة والسبيل السيء ، قال تعالى : - اللهم عافنا منه يا رب في أنفسنا وأهلينا وأولادنا - ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً } ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } ، وقال تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ } ، وقال تعالى : { الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } .
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل :
..........
متفق عليه من حديث ابن مسعود .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ )) متفق عليه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمَانُ فَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ ، فَإِذَا انْقَلَعَ مِنْهَا رَجَعَ إِلَيْهِ الإِيمَانُ )) ، يعني إذا انقلع تاب وانخلع ، صحيح أخرجه أبو داود والحاكم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ - والعياذ بالله - وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) ، عائل فقير ، ولكنه أخذه الكبر وهذه الثلاثة لا تعني أن ما دونها ليس بحرام ، إنما هذا بيان لشدة التحريم ، تنبه .

وأخرج مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلاَّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ ، فَمَا ظَنُّكُمْ ؟ )) ، اللهم سلم ، وأعظم الزنا الزنا بالأم ، والأخت ، وامرأة الأب ، والمحارم ، ثم حليلة الجار .


التاسع : اللواط

قد قص الله علينا قصة قوم لوط في غير ما موضع من كتابه العزيز ، وأنه أهلكهم بفعلهم الخبيث ، وأجمع المسلمون من أهل الملل أن التلوط من الكبائر ، قال الله تعالى : { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } .
قال العلماء : واللواط أفحش من الزنا وأقبح ، ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وْالَمَفْعُولَ بِهِ )) في الإرواء برقم (2/3/48) .
وعن صلى الله عليه وسلم قال : (( لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ )) ، وإسناده حسن .
وصح الأثر عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال : (( ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة )) ، اللهم سلم ، اللهم عافنا في أنفسنا وأهلينا وأولادنا ،أخرجه ابن أبي شيبة والآجري في (تحريم اللواط) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) ، بسند صحيح ، ومذهب الشافعي رحمه الله أن حد اللوطي حد الزنا ، ومن فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم .


العاشر : السحاق

وهو ما يكون بين المرأة والمرأة من تدالك الفرجين ، أعاذنا الله من ذلك .
قال ابن قدامة في المغنى (10/162) : (( وإذا تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان ،
وسُمِّيَ زِنًا وإن لم يكن فيه حدٌّ ؛ لأن العين تزني ، والرجل تزني ، والفرج أولى بذلك )) .
قال الألوسي في روح المعاني (8/172) بعدما تحدث عن اللواطة وخبثها قال :
(( وأُلْحِقَ بها السحاقُ )) .
وبدأ أيضا في قوم لوط ، يعني السحاق واللواط والعياذ بالله كان في قوم لوط ، فكانت المرأة تأتي المرأة ؛
فعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال : (( إنما حق القول على قوم لوط عليه السلام حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال )) ، اللهم سلم .


الحادي عشر : إتيان المرأة في الدبر والحيض

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا )) رواه أحمد وهو في صحيح الجامع برقم (5865) .
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ )) ، نسأل الله السلامة والعافية، اللهم سلم سلم ، رواه الترمذي ، وهو في صحيح الجامع برقم (5905)
وسئل عمر رضي الله عن إتيان المرأة في الدبر ، يعني في موطن إخراج الغائط ، أما إذا أتى الرجل امرأته من جهة الدبر في موطن الولد فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أَقْبِلْ وأَدْبِرْ )) ، والله عز وجل من قبل ذلك يقول : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } ، فالرجل له أن يفعل في امرأته ما شاء ، ويستمتع بامرأته ما شاء إلا أن يأتيها في دبرها ، أو حال حيضها، الرجل له أن يفعل في امرأته المبني بها المدخول بها ما شاء إلا أن يأتيها في الدبر أو في حيضها ، تنبه .

فسئل عمر رضي الله عنه عن هذا الفعل ، يعني إتيان المرأة في الدبر ، فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ أترى الاستنكار ، ولا يفعل ذلك إلا من دخل إلى الحياة الزوجية الطاهرة ، وهو يحمل جاهليات قذرة ، وممارسات محرمة، أو رصيدا من المشاهدات الهابطة في الأفلام الفاحشة على ما تربى .
وأما إتيان الزوجة حال حيضها أو نفاسها فقد قال الله جل وعلا : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } ، وفي الآية أمر صريح ودلالة واضحة على عدم إتيان النساء في المحيض حتى تطهر المرأة وتغتسل .
وفي الحديث الذي سبق : (( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ )) .
وقد أجمع العلماء على تحريم المباشرة في الفرج في أثناء الحيض ، ثم من فعل ذلك فقد أثم ، فيستغفر الله ويتوب إليه ، وعليه كفارة عند من صحَّح حديث الكفارة ، رواه أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض - وهذا الحديث صححه الألباني حفظه الله - : (( يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ )) ، والدينار يعادل من الجرامات أربعة جرامات وأربعة أسباع الجرام ، الدينار 4 جرام و4/7 من الجرام ، هذا الكلام في الحيض والنفاس سواء ؛ لأن الحيض والنفاس شيء واحد .


الثاني عشر : القوَّاد المستحسن على أهله

وهو من يسميه الناس المعرَّس ، والمعرس كلمة صحيحة أم خطأ ؟ ، المعرس كلمة صحيحة بالسين ، فشرُّ الناس من يعرِّسُ على أهله ، ما معنى يُعَرِّس ؟ ، يعني يرى النُّكْر في أهله ، ويقره ، ويرضى به .
القواد المستحسن على أهله ، قال تعالى : { وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } ، نسأل الله عز وجل أن يبرئنا من هذا .
وأخرج النسائي وأحمد وابن خزيمة في التوحيد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ والدَّيُّوثُ ورَجْلَةُ النِّسَاءِ )) ، الديوث : الذي لا يغار على أهله ، والذي يدخل الرجل على حرمته بحيث يراهم ، فمن كان يظن بأهله الفاحشة ، انظر إلى الكلام الموجود في زماننا ، نسأل الله العافية والسلامة ، فمن كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبة فيها ، يقول لك : أصلها بيضاء وأحبها ، أو أن لها عليه دينا ، يقول لك : ستدخلني السجن معها شيكات ، ماذا أفعل ؟ لا أقدر أن أتكلم ، وهو عاجز ، أو صداق ثقيل ، أو له أطفال صغار ترفعه إلىالقاضي وتطلبه بفرضهم فهو دون من يعرس عليهم ، يعني هذا النوع أقل ممن يعرس ، ولا خير فيمن لا غَيرة له .
الرجلة من النساء لم أقله لأنها من المتشبهات من النساء بالرجال ، أنا سأذكر لضيق الوقت ، فباقٍ دقائق معدودة على الوقت الذي سجلناه في الشرائط ثلاث شرائط ساعة ونصف ، يعني هذا قدر أسأل الله أن يتقبل مني ومنكم ، وأن يغفر لي ما كنت قد آذيتكم فيه ، ويتجاوز عن سيآتي جل وعلا ، أنا أقرأ العناوين من باب ألا يفوت الخير .



الثالثةَ عشر : الرجلة من النساء والمخنث من الرجال .
الرابعةَ عشر : المحلل والمحلل له ، وهو نكاح التحليل .
الخامسةَ عشر : النكاح بغير ولي ، نكاح المتعة ، أو نكاح التأجيل.
السادسةَ عشر : الشغار .
السابعةَ عشر : التبرج والزينة .
الثامنةَ عشرة : الخَلوة بالمرأة الأجنبية .
التاسعةَ عشرة : مصافحة المرأة الأجنبية .
العشرون : تعمد ترك ختان الإناث .
الحادي والعشرون : تطليق النساء لأنهن لا يلدن الذكور ؛ يقول لك : وجهها فقر ، كل أولادها بنات ، نسأل الله العافية والسلامة ، فالجاهلية لها شريعة .
الثاني والعشرون : عدم توريث النساء عمدا ؛ يقول لك : نحن ليس عندنا نسوان ترث ، هل ستعطلي أرض أبيكي للغريب ، لا يمكن أبدا .
الثالث والعشرون : شذوذ المرأة ، وليس معناه الجنس ، شذوذ المرأة معناها عدم طاعتها .
الرابع والعشرون : تطويل الأظافر ، ووضع المناكير عليها .
الخامس والعشرون : الواصلة في شعرها ، والمتلفجة ، والواشمة.
السادس والعشرون : زيارة القبور في الأعياد .
السابع والعشرون : لبس السواد عند الحداد على الزوج والاقتصار عليه .
الثامن والعشرون : الإسعاد ، والإسعاد معناه غير عنوانه ، الإسعاد : معناه مشاركة المرأة المرأة في النياحة ، (( فأرادت امرأة أن تسعدني ، فنهينا عن ذلك ))، يعني تدخل تصوت ، أول ما تأتي على الباب لازم تعطي التحية العسكرية بالصوات في النياحة .
التاسعة والعشرون : لبس الحرير والذهب للرجال .
الثلاثون : لبس دبلة الخطوبة ، والفستان الأبيض ذو الذيل في النكاح .
الحادي والثلاثون : الغناء وما وراءه من فجور ومجون .
الثاني والثلاون : التصوير .
الثالث والثلاون : الاحتفال بالأعياد - غير الفطر والأضحى - وأعياد الكفار.
الرابع والثلاثون : إقامة سرادقات في العزاء .
الخامس والثلاون : السباب وقذف الأعراض في المزاح ، يقول لك : يابن كذا ، يا الذي أمك كذا ، ويقول : نحن أصحاب ، يا أخي اتق الله ، يعني عندما أرى ناسا أقول له هكذا ، يقول لي : نحن أصحاب ، أنت تعرف لو لم أقل ذلك يغضب مني ، اللهم سلم يا رب ، السباب وقذف الأعراض في المزاح .
السادس والثلاثون : التطفيف .
السابع والثلاثون : التناجي بالإثم والعدوان .
الثامن والثلاثون : حلق بعض الرأس وترك بعضه ، القزع .
التاسع والثلاثون : الإجهاض عمدا ، وتحديد النسل .
الأربعون : إقامة الحفلات المختلطة ، ومشاهدة المباريات .
الحادي والأربعون : دخول المجالس التشريعية .
الثاني والأربعون : تأخير الصلاة عن وقتها .
الثالث والأربعون : تزويق البيوت ، واقتناء الكلاب فيها .
الرابع والأربعون : بيع الذهب بالذهب على الطريقة المصرية .
الخامس والأربعون : شرب الخمر والمسكر .
السادس والأربعون : الكبر والفخر .
السابع والأربعون : شهادة الزور .
الثامن والأربعون : المكَّاس اللي هو جامع الضرائب .
التاسع والأربعون : الخيانة .
الخمسون : قطع الرحم .
الحادي والخمسون : إسبال الإزار .
الثاني والخمسون : القمار .
الثالث والخمسون : حلق اللحية ، وعدم الأخذ من الشارب .
الرابع والخمسون : عدم تصديق من حلف بالله .
الخامس والخمسون : زخرفة المساجد .

السادس والخمسون : تأخير الحائض والنفساء الغسل إذا طهرت .
السابع والخمسون : حجز مكان في المسجد .
الثامن والخمسون : الدفن في المساجد .
التاسع والخمسون : بيع اليانصيب .
الستون : تصفيف شعر المرأة عند الكوافير .
الحادي والستون : التأمين على الحياة .
الثاني والستون : إذاية الجار .
الثالث والستون : منع الزكاة .
الرابع والستون : أكل مال اليتيم ظلما .
الخامس والستون : الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة .
السادس والستون : التعليم المختلط .
السابع والستون : تقليد الكفار في الملبس والمأكل والعادات .

وهناك أمور أخر ، أحب أن أختم كلامي ، يعني طبعا كما رأيتم لا يتسع المقام لذكر التفاصيل المتعلقة بهذه العناوين ، إنما ما ذكر على سبيل المثال ، أحمد الله عز وجل أن يسر لي بعرض الأقسام الأربعة ، وإني كنت حقيقة متوجسا من الوقت أو من الجهد أو من تيسير الله عز وجل ، لكن سبحان من ييسر ، فالله كريم جل وعلا ، والله عز وجل أعظم مما تظن فيه سبحانه وتعالى ، ويعطيك أكثر مما تتخيل وتستحق ، وقد مَنَّ الله علينا ويَسَّرَ بأن تعرضت للأقسام الأربع ، ويمكن ما ذكر يدل على غيره .
والتنبيه والمراد هو أن تعرف أنك كونك تكون فاجرا هذا أمر سهل ، أما أن تكون تقيا فتلك هي البطولة ، يقول لك : فلان هذا بطل يسب الدين ، فلان هذا بطل ، يضرب من ، فلان هذا بطل ، يكسر ماذا ويعمل ماذا ، وهكذا ، ليست هذه البطولة ، إنما البطولة أن تكون تقيا ،
، يعني ماذا ، يعني الشديد الذي لا يتعدى على الحدود ، فكونك تكون فاجرا متعديا فهذا أمر يسير ، أما أن تكون من أهل العقيدة والاستقامة فهذا أمر نسأل الله أن يجعله لنا ولكم هينا ميسرا ، تنبه .

ففي ختام هذه المحاضرة أسأل الله عز وجل أن يجمع بيني وبينكم على الخير، وأن يتقبل مني ومنكم هذا العمل ونسأله تعالى نقول : اللهم كما وفقتنا لهذا العمل فتفضل بقبوله منا ، اللهم إنا نسألك أن تجعل هذا في ميزان حسناتنا وأن تجعله كفارة لسيئاتنا، اللهم إنا نسألك أن توفقنا للعمل به كما علمتنا .
ولا يفوتني في هذا المقام - وإن كان طبعا جمع كثير انصرف - لكن يا إخوان أحب أن أنبه نفسي وإياكم على حض النفس وحض الغير على مسألة التبرعات ؛ لأنه هناك المبنى المجاور للمركز ، هذا المبنى أُخِذَ بأموال طائلة لا يعلم قدرها إلا الله سبحانه وتعالى ، ثم القائمون الذين تولوا هذا ، وهو أيضا من أموال المسلمين ، وبفضل الله عز وجل أولا وأخيرا ، فهناك اتجاه إلى إنشاء هذا استكمالا للمركز وتوسعة له ، فحتى وإن كان من باب الدعاء وتنبيه الغير ، ليس شرطا أن يكون عندك مال ، لكن من لا يجد يدعو ، من لا يجد يدعو غيره ، وينبه غيره ، فإنه قد يكون لك من الخير بقدر ما تشارك وبحسب ما تملك ؛ لأنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

فأسأل الله العلي الكبير أن يوفقنا لما يحب ويرضى ،
وأستمـــيح إخواني عــذرا عــلى هــذا الــوقت الطـــويل ،
ولـكني أعـتذر بـأن هـذه ضرورة ، أسـأل الله أن يتـقبل مـني ومـنكم ،
أقــــول قــــولي هــــذا وأسـتـــغـفـر اللـــه لـي ولــــكم ،
ســـبــــحـــانــك اللـــــــهم وبـحـمــــدك ،
أشــــهــد أن لا إلـــه إلا أنـــت ،
أستغفرك وأتوب إليك.



رحمكِ الله ياقرة عيني




التعديل الأخير تم بواسطة أم سُهَيْل ; 04-24-2012 الساعة 07:52 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-15-2008, 02:24 AM
قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

نفع الله بالشيخ

كلام يحتاج تأمل طويل

جزاكِ اللهُ خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-15-2008, 02:32 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

آمين 000آمين 000آمين
وجزاك الله خيرا لمرورك
شكر الله لك
ملحوظة
آثرت ان انقل الموضوع كاملا
وليقرأه كل علي حسب سعته ووقته
بدلا من انتظار باب بعد باب
رأيت ان هذا انفع من وجهة نظري
والله اعلم
ولعلي مخطئة فليسامحني المعترض
وان كنت اصبت فلا تنسوني من دعائكم بظهر الغيب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-26-2008, 03:03 AM
حفيد ابن تيمية حفيد ابن تيمية غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Icon34

تقبل اللهُ منكِ هذا الجُهد الطيب وبارك اللهُ فيكِ
أقول : يجب أن يُطبع هذا الموضوع ويُوزع بين المُسلمين , ليعُم النفع , والحمدُ لله

التعديل الأخير تم بواسطة حفيد ابن تيمية ; 06-26-2008 الساعة 03:04 AM سبب آخر: حدث فيها بعض التصويبات
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-30-2008, 03:27 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
ونفع بك
اخونا حفيد ابن تيمية
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-30-2008, 05:28 AM
حفيد ابن تيمية حفيد ابن تيمية غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Icon37 رائع

وبكِ نفع الله ........... وقد نقلتُ الموضوعَ إلى الجهازِ وذلكَ لِقِراءته بِتَمَعُنٍ ورَوِيةٍ , مع جزيلِ الشُكْر
:110: :011: والحمد لله

التعديل الأخير تم بواسطة حفيد ابن تيمية ; 06-30-2008 الساعة 05:32 AM سبب آخر: حدث فيها بعض التصويبات
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-30-2008, 05:39 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

نفعك الله به
وهداك الي العمل بما تعلمته
والي الدعوة الي ماتعلمته
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-20-2009, 03:01 AM
أبو عبد الرحمن المكي أبو عبد الرحمن المكي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-25-2009, 02:07 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وجزاك خيرا منه
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-27-2009, 02:29 PM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
بارك الله فيكِ ورفع قدرك ِ
وجزاكِ خيرا أختنا الحبيبة
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 09:57 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.