انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-25-2010, 08:22 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




I15 دروس شرح كتاب فتح المجيد (متجدد)

 


يسر

أن يقدم لكـــم


شرح كتاب فتح المجيد


بسم الله والحمد لله رب العالمين


والصلاة والسلام على اشرف المرسلين


شرح كتاب فتح المجيد




شرح كتاب فتح المجيد على كتاب التوحيد ( الذي هو حق الله على العبيد ) الذى ألفه الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب وهوكتاب عظيم في بابه ، وفيه توضيح وبيان للعقيدة الصحيحة ، ولأهميتــه فقدتعرضت لشرحه لما فيه من الخير وإرساء للقواعد العقدية اللازمة لكل مسلم فأسأل الله العلي القدير أن يتقبل مني ويرزقني الاخلاص فيه وفي اعمالي كلها
ملحوظة هامة : هذا العمل هو نتاج عملي سنوات فلكل مسلم أراد الانتفاع به أو نفع غيره بنقله فلا حرج في ذلك بشرط أن يذكر رابطه وانه منقول من منتديات الحور العين
والمسلمون عند شروطهم




بداية :تعريف بالكتاب


كتاب فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ هو عبارة عن جزئين :
الجزء الاول هو كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب .
الجزء الثاني وهو كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لحفيد الشيخ وهو الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
نبذة عن الجزء الأول:

وهو سفر نفيس يجمع بين طياته دعوة شاملة لكل انواع التوحيد واقسامه وهو يعتبر كتاب وعظي دعوي أكثر منه علمي وذلك لأنه جمع فيه بين مسائل العقيدة (كالايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر) ومسائل التوحيد (وهوما يختص بأسماء الله وصفاته وأفعاله)وهذا لم يفعله السلف في كتب العلم ولعل مقصد الشيخ في ذلك بيان المسائل التي ينبغي أن يعتقدها الدعاة وأهل التوحيد وأن يرسم لهم المسلك الصحيح في طريقهم إلى الله ودعوتهم إليه .
وكتاب التوحيد وإن كان اسه يدل على أنه يتعلق بشأن الله وحده إلا أنه يغلب عليه الجانب العقائدي ومعلوم أن التوحيد أخص من العقيدة إذ أن التوحيد هو كل مايتعلق بالله وحده فقط أما العقيدة فتتعلق بشأن الله وغيره وبكل شئ يجب للعبد أن يكون له فيه معتقد .
فالعقيدة أعم من التوحيد والتوحيد أخص من العقيدة .
ولعله سماه بذلك كما ذكرتُ لبيان أن هذا هو مسلك الموحدين فهو يدل على المسلك القويم الذي يجب أن يسلكه العبد نحو ربه لذا سماه كتاب
التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، فقد سماه كتاب التوحيد ليس على سبيل الاصطلاح ولكن يقصد المنهج (منهج الموحدين).
وقد حوى كتاب الشيخ رحمه الله مجموعة من الآيات والأحاديث ثم أردف بأقوال الصحابة والعلماء ثم اتبع ذلك مجموعة من المسائل والتي يرى أنها تفهم من جملة الآيات والأحاديث وهي عبارة عن مجموعة من التنبيهات والأحكام الاجمالية وقد عَنْوَن بعض الأبواب بعناوين دالة على محتواها وبعض الأبواب الاخرى عنونها بآيات مباشرة، والحقيقة أن التبويب بالآية يعطي معنى أوسع من العنوان فهو يمس القضية العقائدية من جهة ويشتمل على موضوعات أخرى من جهة ثانية فالمعلوم أن الآية الواحدة تشتمل على عدة أحكام ومعان ومسائل و....و...
والكتاب بالجملة يشتمل على:

**تعريف الايمان والتوحيد وحقيقة لا إله الا الله (وهذا أهم جزء في الكتاب)
**جملة من مسائل الكفر الأكبر.
**جملة من مسائل الكفر الأصغر.


كلمة ووقفة لابد منها:


هناك بعض الدعاوي الساقطة التي تجعل من دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب دعوة مستقلة وحركة يسمونها الحركة الوهابية وهذا الكلام فيه اهانة شديدة ليس لمحمد عبد الوهاب فالمسألة ليست ارتباط بأشخاص فنحن ضد الارتباط بأشخاص ليس من باب الطعن في أحد ولكن من باب ما تأصل عندنا من أصول ديننا وثوابت عقائدية وأن الاتباع المطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من سواه يؤخذ من كلامه ويرد هذا تأصيل عقدي عند أهل السنة والجماعة ولابد أن نعلم أن تسمية هذه الدعوة بحركة أمر مذموم لأن هذا معناه أن هذا أمر شخصي وأمر طائفي يمكن لأي أحد أن يقبله أو يرده وبالطبع ردك لحركة غير ردك لدين ودعوة حق لذا فتسمية الدعوة إلى الله وإلى المسائل الشرعية الصحيحة وإلى الحق باسم شخص بغض النظر عن هذا الشخص يجعل الامر محل قبول من البعض ورفض من البعض وبذلك نكون دمرنا الدين من حيث لانشعر فتسميتها حركة هو من باب التلويث العقدي والفكري ومحو الحقائق وقلب لها فأي انسان تقول له كن تبع حركة سيرفض ويقول لا

أريد أن أكون تبعا لحركة أو جماعة ولكن لو قلت له كن مسلما تتبع منهج الرسول لن يقول لك لاأريد أن أكون مسلما أريد أن أكون كافرا!
وبالتالي لما تقول له التوحيد والكفر بالطاغوت قال هذا كلام الوهابيون وتزدري الدين لكن محمد عبد الوهاب ليس صاحب حركة بل هو انسان دعا إلى التوحيد الخالص وكل كلامه قال الله قال الرسول.
فكان رحمه الله علماً للموحدين ، وحجة على الملحدين . فانتفع به الخلق الكثير ، والجم الغفير . وقد شرح الله صدره للحق المبين ، الذى بعث الله به المرسلين : من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين ، وإنكار ما كان عليه الكثير من شرك المشركين ، فأعلى الله همته ، وقوى عزيمته ، وتصدى لدعوة أهل نجد إلى التوحيد ، الذى هو أساس الإسلام والإيمان ، ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور ، والطواغيت والأوثان ، وعن الإيمان بالسحرة والمنجمين والكهان فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضلالة يدعو إليها كل شيطان ، وأقام الله به علم الجهاد ، وأدحض به شبه المعارضين من أهل الشرك والعناد ، ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد ، الحاضر منهم والباد وانتشرت دعوته ومؤلفاته فى الآفاق ، حتى أقر الله له بالفضل من كان من أهل الشقاق . إلا من استحوذ عليه الشيطان . وكره إليه الإيمان ، فأصر على العناد والطغيان . وقد أصبح أهل جزيرة العرب بدعوته ، كما قال قتادة رحمه الله عن حال أول هذه الأمة إن المسلمين لما قالوا ( لا إله إلا الله) أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم ، وضاق بها إبليس ، وجنوده . فأبى الله إلا أن يمضيها ويظهرها ، ويفلجها وينصرها على من ناوأها .

اسم الكتاب


اسمه :فتح المجيد
وقد سماه المؤلف بهذا الاسم لأنه أعتبره فتحاً من الله عز وجل واعتبر المجهود الذي قام به في الكتاب نوع من أنواع الفتوح التي من الله عليه بها
الفتح : هو مايمن الله به على عباده من العلم الذي لايوجد في مقروء أو مسموعولكنه شرح للصدور وفهم للأمور
المجيد : اسم من اسماء الله الحسنى وأصله من المجد وهو مستلزم العظمة والسعة والجلال
والمجد هو الذكر بما يقتضي خلوده جل وعلا واتساع شأنه واتساع أمره
والمجيد هو شريف الذات جميل الفعال حسن الخصال واسع الكرم منيع لايام المستحق لكل معاني المجد المنفرد بالشرف الكامل والملك الواسع وهو الذي لايقطع العطاء وله النفوذ فيما يشاء وهو الكريم الذي تمجد بفعاله ومَجَّدَهُ خلقه لعظمته .
معنى كلمة عقيدة:

لغة: هي من العقد والربط وهو ضد الحل والفك وهو الجمع بين متفرقات ومنه عقد البيع وعقد النكاح
شرعا:هي جملة المعاني الشرعية التي ينبغي أن تنعقد في ذهن كل مسلم فيما يتعلق بشأن الله والكتب والرسل والملائكة واليوم الاخر والقدر
المعيار الذي تُعرف به العقيدة الصحيحة مما سواها:

هو الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة واجماع الأمة.
نكتفي بهذا القدر ونكمل المرة القادمة ان شاء الله

سؤال المحاضرة :

ماهي التسمية الصحيحة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
أ- دعوة إلى الحق ب- الحركة الوهابية
ولماذا ....؟؟

مع تحيات

التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 09-25-2010 الساعة 08:25 AM
  #2  
قديم 09-28-2010, 09:59 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

عذرا
سيكون الدرس موجودا قبل المغرب ان شاء الله
  #3  
قديم 09-28-2010, 07:48 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس الثاني (الجزء الاول)


بســـم الله الرحمن الرحيـــم


قال المصنف :
م/ ( بسـم الله الرحمن الرحيــم )
ابتـدأ المؤلف رحمه الله كتابه بالبسـملة اقتـداءً بالكتاب العزيـز ، وتأسـياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته ، كما في كتابه إلى هرقل وفيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ... ) . رواه البخاري ومسلم
( الله ) لفظ الجلالة على الباري جل وعلا ، وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء ولا يسمى به غيره .
ومعناه : المألوه ، أي المعبود محبة وتعظيماً .
( الرحمن ) اسم من الأسماء المختصة بالله ، لا يطلق على غيره .
ومعناه : المتصف بالرحمة الواسعة .
( الرحيم ) اسم يطلق على الله عز وجل وعلى غيره .
ومعناه : ذو الرحمة الواصلة .
فإذا جمعا صار المراد بـ ( الرحيم ) الموصل رحمته من يشاء من عباده .
والمراد بـ ( الرحمن ) الواســع الرحمة .

م/ ( كتــاب التوحيــد )
التوحيــد : هو إفراد الله بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
وأنــواعه ثلاثــة :

(1) ـ توحيـد الربوبيـة

وهـو توحيـد الله بأفعاله ، والإفراد الجازم بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره والمتصرف فيه .
قال تعالى : ﴿ قل من رب السموات والأرض قل الله ﴾
وقال تعالى : ﴿ ألا له الخلق والأمر ﴾
وهــذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الإسلام ، بل لا بد أن يأتي مع ما يلازمه من توحيد الألوهية ، لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مُقِرُّون بهذا التوحيد لله وحده ، قال تعالى :
﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ﴾
وقال تعالى : ﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ﴾
وقال تعالى : ﴿ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله ﴾
فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا مسلمين ، بل قال الله تعالى :
﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾
قال مجاهد في الآية : ( إيمانهم بالله قولهم : إن الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا ، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره ) .
وهذا التوحيد لم يدخل الكفار في الإسلام ، فوجب على كل من عقل عن الله أن ينظر ويبحث عن السبب الذي أوجب سفك دمائهم وسبي نسائهم وإباحة أموالهم ، مع هذا الإقرار والمعرفة ، وما ذاك إلا إشراكهم في توحيد العبادة ( الألوهية ) الذي هو معنى " لا إله إلا الله " .


(2) ـ توحيـد الألوهيـة

هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة ، ودليله قوله تعالى : ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ .
وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره ، وباطنه وظاهره ، وهو أول دعوة الرسل وآخرها ، وهو معنى قول : ( لا إله إلا الله ) فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والتعظيم ، وجميع أنواع العبادة ، ولأجل هذا التوحيد خُلِقت الخليقة ، وأرسلت الرسل ، وأنزلت الكتب ، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار ، وسعداءٌ أهل الجنة , وأشقياءٌ أهل النار .
قال تعالى : ﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ فهذه دعوة أول رسول بعد حدوث الشرك .
وقال هـود لقومه : ﴿ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾
وقال صالح لقومه : ﴿ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾
وقال شعيب لقومه : ﴿ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾
وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح ، وأبدأ فيه وأعاد ، وضرب لذلك الأمثال ، بحيث أن كل سورة في القرآن فيها الدلالة على هذا التوحيد .
وهـذا النـوع هـو الذي ضلّ فيه المشركون الذين قاتلهم النبي e واستباح دماءهم وأموالهم وأرضهم .
فمن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، وهذا التوحيـد بني على إخلاص التأله لله تعالى ، من المحبـة ، والخـوف ، والرجـاء ، والتـوكل ، والرغبة ، والرهبة والدعاء لله وحده ، وجميع العبادات له ، لا يجعل منها شيء لغيره ، لا ملك مقرب , ولا نبي مرسل ، فضلاً عن غيرهما .


(3) ـ توحيـد الأسماء والصفـات

هو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه ، ووصفه به رسوله e من الأسماء الحسنى والصفات العُلى ، وإقرارها كما جاءت من غير تحريف ولا تأويل ومن غير تكييف ولا تمثيل .
قال تعالى : ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾
# لم يأت المؤلـف رحمه الله بخطبة ومقدمة ، تنبيء عن مقصـوده كما صنع غيره ، فقيل والله أعلم :
اكتفى بدلالة الترجمة الأولى على مقصوده ، فإنه صدره بقوله : ( كتاب التوحيد ) ، وبالآيات التي ذكرها وما يتبعها ، مما يدل على مقصوده ، فكأنه قال : قصدت جمع أنواع توحيد الألوهية التي وقع أكثر الناس في الإشراك فيها وهم لا يشعرون ، وبيان شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك ، فاكتفى بالتلويح عن التصريح
يوجد بقية للدرس ان شاء الله أكملها غدا فلتتابعوا




التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 10-01-2010 الساعة 05:53 AM
  #4  
قديم 10-01-2010, 05:31 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي




تكملة الدرس الثاني
(الجزء الثاني)

قال المصنف :
م/ ( بسـم الله الرحمن الرحيــم )


عذرا سأقوم بالاستفاضة في هذه العبارة التي بدأت بها الدرس الثاني من هذه الدورة التي اسأل الله ان يبارك فيها
لزيادة البيان وتعميق الشعور بهذه العبارة الغالية والتي نقرأها في بداية سور القرآن العظيم فيما عدا سورة التوبة
ونقولها في احوال كثيرة في حياتنا مثل عند الوضوء والذبح والطعام والشراب فهيا معا ننهل من نبعها الصافي

(بسم الله الرحمن الرحيم)

أولاً : معناها : أي أبدأ فى جميع حركاتي وسكناتي وأقوالي وأعمالي وفي شأني كله .
أبدأ هذا التصنيف باسم الله مُتبركاً مستعيناً به طالباً العون على فعل طاعته وترك معصيته ، كما قال تعالى معلماً لنا فى فاتحة الكتاب { إيّـاك نعبدُ وإيّـاك نستعين } ، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :" إذا سألت فأسأل الله ، وإذا إستعنت فأستعن بالله " . وهو خطاب شامل لجميع الأمة وفى ضمن ذلك الأمر الواقع فى جواب الشرط نهى عن الإستعانة بغير الله عز وجل لأنه لا خالق للعباد وأفعالهم غيره تعالى ، فإذا كان المخلوق لا يقدر على فِعْـل نفسه إلا بما أقدره الله تعالى عليه فكيف يجوز أن يطلب الإعانة منه على فِعْل غيره !!
بـ اســـم :
وهى عبارة عن ( حرف الباء ) و( اسـم ) أسقطوا الألف طلباً للخفة فصارت ( بسم ) وأما الباء فهي أداة تخفض ما بعدها ، وهي متعلقة بمحذوف قدّره الكوفيون فعلاً مُقدماً والتقدير ( أبدأ بسم الله ) ، وقدّره البصريون إسماً مُقدماً والتقدير ( ابتدائي كائناً أو مستقراً باسم الله ) .قال ابن كثير : القولان متقاربان وكلاً قد ورد فى القرآن وكلاهما صحيح .
والمتعلق هنا إما أن يكون مذكور أو محذوف ( غير مذكور ) وإما أن يكون اسم أو فعل وإما أن يكون متقدم أو متأخر ولا يخرج عن هذه الست حالات
مذكور إسـم مُقـدم
(1) (2) (3)
محذوف فعـل متأخـر
(4) (5) (6)
• مذكور : أى ذُكر فى الكلام ، مثل : أكتب باسم الله ( المتعلق ذُكر وهو أكتب )
• غير مذكور : أى حُذف من الكلام ، مثل : بسم الله ( المتعلق محذوف )
• مُـقدّم : أى جاء قبل التسـمية ، مثل : أكتب باسم الله
• متأخر : أى جاء بعد التسمية ، مثل : بسم الله أكتب
• فعل : أي : يكون المتعلق فعل ، مثل : أكتب بسم الله ( المتعلق فِعْل وهو : أكتب )
• اسم : أي : يكون المتعلق اسم ، مثل : كتابي بسم الله ( المتعلق اسم وهو : كتابي )
• متعلق : أى الغرض الذي جعل الجاعل اسم الله مبتدأ له ، أو الأمر الذي استعان بسم الله له .
وقد اختار كثير من المتأخرين كونه ( فعلاً خاصاً متأخراً ) وذلك لأن الأصل في الأعمال الأفعال ، مثل : أكتب – أبدأ – أقرأ – أشرب ...إلخ
• وكونه خاصــاً : لأنه محذوف أضمره في نفسه فهو قدّم بسم الله ولم يذكر متعلقاً ، ولو ذكره لعرفناه ، فلمّا أضمره صار خاصاً ينتوي به شئ في نفسه ، ولأن لكتابه فيه نيّـة خاصة أضمرها ، ولأن الخاص أدل على المقصود من العام .
• وأما كونه متأخــراً : لأن التأخير أفضل ولأنه جاء بعد البسملة ، فالبسملة متقدمة ولا شئ يسبقها هنا .

سؤال : هل الإضمار أفضل أم الذكر ؟ ولماذا ؟
قال : الإجابة : الإضمار أفضل لأن الإضمار يعطى معنى أوسع من المذكور ، ولأن الإثبات والذكر يقتضى الحصـر ، فكان الحذف أفضل ، فهو أراد معانٍ كثيرة لا يستطيع أن يذكرها كلها فحذف المتعلق وأنتوى نية خاصة .. كما أن ذكر المتعلق فيه ركاكة فى الأسلوب وتطويل بلا داع .
قال ابن القيم رداً على هذا السؤال : لحذف العامل فوائد ، منها :
1) أنه موطن لا ينبغى أن يتقدم فيه غير ذكر الله
2) أن الفعل إذا حُذف صح الإبتداء بالبسملة فى كل عمل وقول وحركة ، فكان الحذف أعم من الذكر . فأي فعل ذكرته كان المحذوف أعم منه .
كما أن هناك قاعدة أن الحذف يقتضى تعدد الوجوه ، والإثبات يقتضى حصر الوجوه ، بمعنى : إذا قلت بسم الله دون ذكر المتعلق وإضماره فى نفسك : هذا الإضمار يجعل المتعلق واسع ، فكأنك لا تتنفس إلا بسم الله ولا تتحرك إلا بسم الله ولا تكتب إلا بسم الله .. إلخ فأصبح الحذف أعم ولم يصر فعل أولى بها من فعل ، فالحذف سبيل الى إتساع المعانى المتعلقة بمعنى أنه يُطلق العنان للتعلق .

إشـكال واعـتراض :
قلتم أن حذف العامل أوْلى : فلماذا جاء فى بعض مواطن القرآن مذكوراً سواء متقدم أو متأخر كما فى قوله تعالى { اقرأ بسم ربك ..} العلق 1 ؟ العامل هنا ( إقرأ ) وهو مذكور ومتقدم ومثبت ، كما أنه فى قوله تعالى { بسم الله مجراها ومرساها } هود 41 : العامل هنا مذكور مثبت ومتأخر .
الإجابة : لأنه فى قوله تعالى { اقرأ بسم ربك الذى خلق } فيه إثبات مطلق الإيجاد لله عز وجل من عدم ، وفى نفس الوقت القضية متعلقة بشئ محدد وهو القراءة .. اقرأ ..ِ ما أنا بقارئ .. اقرأ بسم ربك ، أى : إفعل هذا الأمر الذى تعجز عنه بسم ربك فكان لابد من تسمية هذا الشئ الذى يعجز عنه ، فكان الذكر هنا أوْلى من الحذف ، ولأن المقام يقتضى ذلك كما بـيّنـا ، فهنا وبعد أن أبرز الأمر بالقراءة فقال اقرأ : أبرز صفة من صفات الله وهى ( الخَـلْـق ) فكانت القراءة فى هذا الموطن خَلْـق جديد للأمي الذي لا يقرأ فكان لابد من تسمية هذا الخلق الجديد فذكره ..
وكذلك فى سير السفينة التى لا تعرف مستقراً ولا مكاناً ولا تعرف الى أين تتجه ، فهي في وسط البحر لا ترى يابساً تتجه إليه فجعل الله سبحانه وتعالى مستقرها ومرساها بسم الله ، فالمتعلق هنا هو وقوع المعجزة من حيث مسارها ووصولها وحولهما دار سؤال المؤمن فكان الجواب بالأمن والطمأنينة لهم بأن الله هو الذى يرعى السفينة فكان أيضاً ذكر العامل أنفع وأقوى وأوْلى فى هذا المقام . ففي الموطن الأول كان هناك علاقة بين القراءة والخلق فكان لابد من ذكر العامل ، وفى الثانية جواب لتساؤلات حائرة لذا لزم الذكر ..

سؤال : هل التقديم أفضل أم التأخـير ؟
الإجابة : التأخير أفضل ، لعدة أمور منها :
1) لدلالته على الإختصاص بمعنى يختص ما ابتدأ به ( بسم الله ) من أجله ، مثال : بسم الله أكتب : فهو خاص لما جعل بسم الله مبدأ له .
2) أدخل فى التعظيم : لأن البدء بسم الله أعظم ( لأنه جعل ذكر الله لا يسبقه شئ )
3) أوفق للوجود : لأن وجودها أفضل من عدمه لما فيها من البركة ولأن اسم الله إذا ذُكر أُريد به كل الخير والنماء والبركة .
4) ولأن أهم ما يُبدأ به هو ذكر الله سبحانه وتعالى ، وهذا أيضاً من حُسن الأدب ، لهذا كان جَعْل المتعلق متأخراً أفضل من تقدمه .

ثانياً : وضعهـا :
الإبتداء بالبسملة حقيقى حيث لا شئ يسبقها ، ولأنها مقدمة على الحمد ، فلذا كان البدء بالبسملة حقيقى ، وأما البدء بالحمدلة فهو نسبى إضافى أى بالنسبة الى ما بعد الحمد يكون مبدوءاً به فالتالى للحمدلة : كتاب التوحيد ، فهى بالنسبة لما بعدها مبدوءاً بها ولكنه ليس بدء حقيقى لأن البسملة سبقتها .

ثالثاً : حُـكمهــا :
إن البدء بالبسملة يأخذ حُكماً بحسب ما جُعلت له إبتداءً ، والبدء بالبسملة مندوب على العموم إلا إذا دلّ الدليل على وجوبها ، أى إلا إذا جاء صارف يصرفها من الندب الى غير ذلك . فمثلاً فى الوضوء : الصحيح أن البسملة واجبة عند إبتدائه ، وكذلك على الصحيح التسمية شرط فى الذبيحة وفى الصيد ، ولا تسقط بالنسيان والجهل وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بمعنى إذا لم يُسـمِ الذابح أو الذى يرسل سهمه : كانت الذبيحة أو الصيد مُحرم لا يحل أكله ، وفى مسألتنا هذه والله أعلم أن البدء بالبسملة ( مسـتحب ) .

رابعاً : الحكمة من البدء بالبسملة :
ذكر الشارح أنه إبتدأ بالبسملة إقتداءً بالكتاب العزيز وعملاً بحديث ( كل أمرٍ ذى بال لا نبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ) أخرجه ابن حبان من طريقين ، قال ابن الصلاح والحديث حسن ، ولأبى داود وابن ماجه (كل أمرٍ ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع ) ، ولأحمد ( كل أمرٍ ذى بال لا يُفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع ) ، وللدارقطنى عن أبى هريرة مرفوعاً ( كل أمرٍ ذى بال لا يُبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع ) ، وهُنا يُعقِّـب على الشارح بأن الشيخ لم يقصد الى ذلك لضعف هذه الروايات وأن ضعفها إما بسبب الإضطراب فى ألفاظها أو بسبب الإرسال فى بعض أسـانيدها أو بسبب مقالات قيلت فى بعض رواتها كما بيّـن ذلك الحفّاظ من السلف والخلف .
إذاً نحن بصدد قضيتين :


(1) القضية الأولى : ثبوت هذه النصوص ، وقد عرفت ما فيها وأنها ضعيفة .
(2) القضية الثانية : ثبوت البدء بالبسملة : بمعنى هل كون هذه الأحاديث ضعيفة يجعل البدء بالبسملة غير صحيح ؟
الإجابة : الحقيقة أن ضعف النصوص لا يعنى ثبوت المسألة من عدمه لأنه قد يأت دليل على المسألة فى مواطن أخرى يدل على مشروعية البدء بالبسملة ، ومن ذلك :
(1) الإقتداء بالكتاب العزيز
(2) الإستقراء وتتبع الأحكام : وردت نصوص عيديدة فى مختلف النواحى الشرعية والتعبدية فيها البدء بالبسملة مثل الطعام والشراب للحديث " ياغلام سمِّ الله وكُل بيمينك " ، وكذلك عند إتيان الرجل أهله ، وعند الوضوء ، وغيرها من الأمور الشرعية الثابت فيها البدء بالبسملة .
(3) فِعْله صلى الله عليه وسلم ( التأسى بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ) ثبت عنه ذلك فى حديث هرقل ( فى البخارى ) وفى قصة سُهيل بن عمرو ( فى صلح الحديبية ) وغير ذلك .
(4) فِعْل الأنبياء عليهم السلام : أرسل سُليمان عليه السلام رسالته الى بلقيس قائلاً ( إنه من سُليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ونوح عليه السلام لمّا قال ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) .
(5) مراعاة قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تُقدموا بين يدى الله ورسوله } الحجرات ، فلا يُقدم على كلام الله ورسوله شئ من كلام البشر .
(6) كان الصحابة رضى الله عنهم يفتتحون كتابة الإمام الكبير بالتسمية ويتبعوها بالحمد وتبعهم جميع من كتب المصحف بعدهم فى جميع الأمصار .

وبهذا كله يتضح مشروعية البدء بالبسملة .

سؤال : لماذا قدمنا الإستقراء على فِعْـل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الإجابة : لأن الإستقراء يتضمن قوله وفِعله صلى الله عليه وسلم ،ودلالة القول أقوى من دلالة الفعل .

سؤال : هل يمكننا القول بسم الرحمن أو بسم فاطر السماوات والأرض أو بحول الله بدلاً من بسم الله ؟ أى : هل يقوم هذا مقام بسم الله ؟
الإجابة : قال بعض أهل العلم يقوم مقام بسم الله إذا أضاف الإسم الى ما لا يصح إلا لله فهو كما لو إضافه الى لفظ الجلالة ، ولا فرق لأنه يصدق أنه ذكر إسم الله ، ولو قال بسم الرؤوف الرحيم لا يُجزئ هذا لأن هذا الوصف يصدق لغير الله ، قال تعالى فى وصف النبى صلى الله عليه وسلم { بالمؤمنين رؤوف رحيم } التوبة 182 ، ولو قال بإسمك اللهم يجزئ .
وقال البعض ( مثل الحنابلة والشافعية ) يتعين بسم الله لا يقوم غيرها مقامها .
والأخير هو الصحيح لأن بسم الله توقيفية ، ولأننا أُمرنا بإتباع الشرع وما ورد به من مسميات مع التقيد بها ، ولأن لفظ الجلالة ( الله ) هو لفظ جامع لكل الأسماء والصفات ، وكل الأسماء والصفات تابعة له والدليل على ذلك أنها تأتى دائماً بعد لفظ الجلالة ( الله ) ، ولأن لفظ الجلالة هو الإسم الذى لا يشركه فيه أحد .

ونقول بسم وليس بحول أو بصفة الله لأن كل إسم صفة وليست كل صفة إسم فتكون هذه الكلمة ( بسم ) هى الجامعة أيضاً لكل الأسماء والصفات والله تعالى أعلم .

بســم : عرفنا أنها عبارة عن حرف الباء وكلمة إسم .
• الباء : قيل أنها للمصاحبة وقيل للإستعانة ، وتصح أن تكون بالمعنيين فتكون : أستصحب إسم الله حال كونى مستعيناً بالله فى كتابتى .
مثال : عندما أقول آكل بيدى : هنا الباء للمصاحبة .
وآكل بحول الله : هنا الباء للإستعانة أى أستمداد العون .
• إسـم : ألحقت الباء بها وأُسقطت الهمزة للتخفيف فصارت بسم ، والإسم مشتق قيل من السمو وهو العُلو فمن سمى نُـوِّه بإسمه وصار له مكانة ، فهذا معنى السمو وليس أنك علوت ، ولكن العلو الحادث أنه صار له شأن أى ذكر وإثبات ، وعندما يكون الإنسان بلا إسم صار بلا ذكر ولا إثابت وكان ذلك تحقيراً له وإنزال من شأنه . قال الليث : سما الشئ يسموا سمواً ، وإرتفاعه ، ويُقال للحسيب قد سما ، وإذا رفعت بصرك الى شئ قلنا سما إليه بصرى .
وقيل أنه من الوسـم أى العلامة ، ومنه الوشـم ، والوسم والوشم لغتان صحيحتان ، والوشم هو دق علامة فى الجسد أو الوجه بغرز إبرة ثم حشـو ذلك بالكحل ، وقد قال الرسـول صلى الله عليه وسلم " لعن الله الواشمة والمستوشمة " والواشمة : هى التى تضع علامات يشتبه على الرائى أنها من خلقة الموشوم لها ، والمستوشمة : هى الطالبة أن يُفعل فى جسدها تلك العلامات ، ومنه وضع العلامات على الإبل والبهائم ونحوها لتعليمها وتمييزها فيُقال : وسمت الجمل ليُعرف بهذه السمة التى وضعت عليه . وقال تعالى { تعرفهم بسيماهم } أى العلامة ، وهو من الوسم . وكون الإسم من الوسم ذلك لأن الإسم يُعلّم صاحبه فإذا تواجد مجموعة من الأفراد فإنك تميز كل واحد من الآخر بإسمه .
قال الليث : الوسم والوسمةُ شجرة ورقها خِضـاب ، وقال أيضاً : الوسم أيضاً أثر كيّـة تقول بعير موسومة أى قد وسم بسمة يُعرف بها إما كيّـة أو قطع فى أذنه تكون علامة له .
والمبسم : المكواة أو الشئ الذى يُوسم به الدواب ، قال تعالى { سنسمه على الخرطوم } فإن فلاناً الموسوم بالخير أو بالشر أى : علامة الخير أو الشر ، وأن فلانة لذات مبسم ومبسمها : أثر الجمال والـعنق .
وقال أبو عبيد : الوسامة والمبسم : الحُسـن ، وقال ابن الأعرابى : والوسيم الثابت الحسن كأنه وُسِـمَ ، قال الليث : موسم الحج سمى موسماً لأنه مَعْـلمٌ يُجتمع إليه .
يقول الحافظ الحكمى فى معارج القبول : الإسم هو المسمى وعينه وذاته فإنك تقول : يا الله يارحمن يارحيم ، فتدعوه بإسمائه التى سمى بها نفسه كما قال تعالى { ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها } ، وقال تعالى { قل إدعوا الله أو إدعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحُسـنى } .
وقد يكون الإسم على غير المسمى فى حق المخلوقين لقوله تعالى { ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها } أى ليس دالة على مسماها أو ليس لها مسمى ، وكذلك قوله تعالى { وجعلوا لله شركاء قل سموهم } فالمراد هنا ليس ذِكر أساميها نحو اللات والعُزى ونحوها من الأصنام وإنما المعنى : إظهار تحقق ما تدعونه إلهاً وبيان حقيقتها وهل يتحقق معنى هذه الأسماء فيها أم لا ؟ فإن الإسم إذا دلّ على المسمى ( كإله ) فإنه يكون حقاً مستحق لأن يُعبد ، ولذلك لاتجد هنا مستحق إلا فى حق الله سبحانه وتعالى وحده فكان الإسم دال على الذات ، قال تعالى { هل تعلم له سـمياً } أى نظيراً له يستحق إسمه ، وموصوفاً يستحق صفته على التحقيق ، وليس المراد هل تجد من يتسمى بإسمه ، فالمراد أن إسم الله وحده هو المستحق للعبادة على الحقيقة ، ويدل على ذاته العُليا ، ومادونه فهى مجرد أسماء فقط لا تدل على مسماها ولا تستحق العبادة .

سؤال : هل أسماء الله وصفاته هى هو أم غيره ؟
الإجابة : نعم أسماء الله وصفاته هى هو ، وإلا لو كانت أسماء الله غيره لكانت دعوة للإشراك ولكان الداعى بها مشركاً ولكانت مخلوقة إذ كل ما سوى الله مخلوق ، فإن الأسماء كلها دالة على الله سبحانه ولا يُتصور أن كل إسمٍ من الأسماء الحسنى دالة على ذاتٍ أخرى غير الله سبحانه وتعالى عُلواً كبيراً إذ أنه من المعلوم أن تعدد الصفات لا يقتضى تعدد الموصوف : والدليل على ذلك قوله تعالى { قل إدعوا الله أو إدعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وقال تعالى { ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها } وقال تعالى { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى } وقال تعالى { هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ..} وغير ذلك

واجب الدرس الثاني
قال تعالى { إقرأ بسم ربك الذى خلق } أذكرى المتعلق هنا . وهل جاء كما إختاره العلماء ؟


التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 10-01-2010 الساعة 05:55 AM
  #5  
قديم 10-02-2010, 04:04 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس الثالث

لفــظ الجــلالة :
الله

هو عَـلـَـم على الذات العالية لا يُسمى بها غيره ، هو الإسم الجامع لكل الأسماء والصفات ، هو الإسم الأعظم كل الأسماء الحُسـنى تُضاف إليه ولا يُضاف هو الى أى منها .

يقول الشيخ بن عثيمين – رحمه الله تعالى – وهو مشتق من إله ولكن حُذفت الهمزة وعوض عنها بـ ( أل ) فصارت ( الله ) ، وقيل : بل إنه مشتق من ( الأله ) وأن ( أل ) موجودة فى بناءه من الأصل وحذفت الهمزة للتخفيف كما حذفت من ( الناس ) وأصلها ( الأُناس) وكما حذفت من ( خير وشر ) وأصلها ( أخير وأشر ) .
وقال الأصفهانى فى المفردات فى غريب القرآن : الله أصله ( إله ) حذفت همزته وأدخل عليه الألف واللام فخصّ بالبارى تعالى ولتخصصه به قال تعالى { هل تعلم له سمياً } مريم 65 ، وجعلوا ( إله ) إسماً لكل معبود لهم ، وسموا الشمس ( آلهة ) لإتخاذهم إياها معبوداً ، و( إله ) حقه ألا يُجمع إذ لا معبود سواه ولكن العرب لإعتقادهم أن هناك آلهة أخرى جمعوا هذا اللفظ فقالوا ( آلهة ) .
قال ابن القيم : والقول الصحيح أن ( الله ) أصله ( الأله ) كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شـذّ منهم ، وأن إسم الله تعالى هو الجامع لجميع معانى الأسماء الحسنى والصفات العُلا .
وقال الكسائى والفراء : اصله ( الإلـه ) حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى فى الثانية ، وعلى هذا فالصحيح أنه مشتق من ( أله الرجل ) إذا تعبّـد كما قرأ بن عباس ({ ويذرك وإلهتك } – الأعراف 127 - أى عبادتك .. وأصله ( الإلـه ) أى : المعبود .
قال العلامة ابن القيم : الصحيح أنه مشتق
هذا خلاف بين اللغويين هل إسم الله مشتق أم غير مشتق ؟
ذهب ابن القيم الى أن له أصل أى أنه مشتق من لفظة جاء منها هذا الإسم ، وأصل المادة التى اشتق منها هو ( الإلـه ) كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذّ منهم ..
والذين قالوا بالإشتقاق إختلفوا فى معنى الإله من جهة اللغة وكلها إجتهادات منهم :
- منهم من قال أصله ( الـوَلَـهْ ) .
- ومنهم من قال ( التألـُّـه ) والحُسن والتملُك الى غير ذلك .
فهم قالوا : الأسماء ترجع الى صفات وكذلك إسم الله لابد أن يكون عائد الى صفة من صفات الله وهو الألوهية كسائر أسمائه الحسنى فقالوا : العليم مشتق من العلم ، والقدير من القدرة ، والسميع من السمع ، والبصير من البصر ... وهكذا .. لأ وأهل التأويل يقولون سميع بلا سمع ، وعليم بلا علم ، فنحن نمررها كما جاءت وهذا مذهب باطل من مذاهب الذين تكلموا فى الصفات ] .
والصحيح : أن كل إسم من أسماء الله عز وجل مشتق من صفة عدا إسم الله فهو جامع لكل الأسماء والصفات . والدليل على هذا :
1) أن الله سبحانه وتعالى يُضيف سائر الأسماء الحسنى الى هذا الإسم العظيم كقوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى ) .
2) يُقال الرحمن والرحيم والقدوس والسلام من أسماء الله ، ولا يُقال : الله من أسماء الرحمن ، ولا من إسم العزيز ونحو ذلك .
3) إسم الله دال على جميع معانى الأسماء الحسنى بالإجمال وكل الأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التى اشتـُق منها إسم الله .
4) إسم الله دال على كونه مألوهاً معبوداً ، وذلك مستلزم كمال ربوبيته وكمال ألوهيته ومُلكه ، وهذا مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك .

أما من قال بعدم الإشتقاق قالوا : لو قلنا أنها مشتقة سنعنى بذلك أنها حادثة لأن المشتق سبقه مصدر والمشتق مولود وبينه وبين المصدر توالد فمنعهم ذلك من إعتبارها مشتقة .
ردّ الذين قالوا بالإشتقاق عليهم فقالوا : الإشتقاق توالد وأسبقية معنوية فى اللغة وليس حقيقياً ، ذلك لأن الإشتقاق يعنى إرجاع اللفظ لمعنى حقيقى وقع عند من وضعوا له الألفاظ وليس من باب التوالد والفارق الزمنى ، والإشتقاق أفضل من حيث المعنى لأن الإشتقاق يعنى أن اللفظ ليس أحرفاً فارغة من معناها بل أن اللفظ عندما يكون له أصل فهذا يعنى أن له معنى فى اللغة . فهم يقولون أن الأسماء ليست مجرد أسماء بل هى دالة على صفات ترجع الى معانى ، فهم بذلك أرادوا ألا يُفـرّغوا الأسماء من معانيها وقالوا أن هذا لا يقتضى التوالد الزمنى بل هذا مجرد إثبات للمعنى الأصلى الذى يرجع إليه الإسم أو الفعل .
والذين قالوا بعدم الإشتقاق فرّغوا الأسماء وجردوها من معانيها وقالوا : هى كما جاءت وبالتالى ضيعوا قضية شرعية هامة وهى أن الله عز وجل ما اختار هذه الألفاظ إلا لتدل على المعانى التى اختيرت هذه الألفاظ من أجلها وإلا لو شاء لقال : له أسماء لا تعرفون لها معنى .. لكنه قال : هو السميع البصير ، فلابد من حملها على معناها الحقيقى وهو السمع والبصر لأنها تحمل هذا المعنى ، وبالتالى من ذهب الى عدم الإشتقاق قد عطـّـل جميع الصفات .
هذا الخلاف من الناحية اللغوية لكن البعض إعتمد على هذه المفاضلة فى الناحية الشرعية فوقعوا فى تعطيل الصفات ، وهناك من أثبت الصفة ولكن أثبت لها معنى غير المعنى المتفق فى لفظها فأعطوا لها معان غير التى تحملها فجعلوا لها ظاهر وباطن ، وزعموا أن النبى صلى الله عليه وسلم عَلِـمَ معانى هذه الألفاظ ولم يُبينها للأمة حتى تجتهد فى الوصول الى الحق بنفسها ( قال بهذا أهل التحريف من نُفـاة الصفات ) .

الرد عليهم :

أولاً : هل عجز الرحمن عن البيان ، أو عجز نبيه صلى الله عليه وسلم الذى أُوتى مجامع الكلم حتى تقولوا لابد من العقل ليبين لهم الألفاظ الشرعية .
ثانياً : أنتم تطعنون فى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يُبلّـغ كل ما أمره الله به ، وتُكذّبوا قول الله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } المائدة .


قوله : فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب وهى قديمة ..

والمقصود بقديمة : أى أزلية قِدم الذات وأزلية الذات ، والله سبحانه وتعالى أول بلا إبتداء : أى لم يسبقه سابق ، وآخر : أى لا يتبعه تابع ولا يكون بعده أحد ، فلكونه أول كان قديم ، والبعض يُطلق لفظ ( أزلى ) وهى أفضل لأنها تعنى مُطلق لا إبتداء له ولأنه لا يعلم شأن الله إلا الله ، فنحن نؤمن أن ذات الله أزلية ( وهذا خلاف أهل البدع فى الصفات الذين قالوا إن من الصفات ما لحق بالله بعد إذ لم يكُ ) فأعلم أن صفات الله عز وجل قِدمها قِدم ذاته سبحانه وتعالى .

قوله : ونحن لا نعنى بالإشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها فى اللفظ والمعنى ..

معنى الإشتقاق أنها تتلاقى مع مصدرها فى المعنى واللفظ : أى راجعة الى معنى ..والتركيب اللفظى ( الله ) راجع الى أصل فى اللغة حتى وإن كان هو قديم من باب الرجوع الى معناه .
• الذين قالوا بعدم الإشتقاق قالوا : إن اللفظ المشتق لفظ لم يك موجوداً أصلاً ، وأصله موجود وفرعه يتولد ، والأصل أن الله سبحانه وتعالى هو الله فى السماوات والأرض ، وهو الله من قبل أن يكون هناك لغة وقبل أن يكون هناك لسان ، فكيف يكون مشتق ؟ هذا سر الخلاف ، فكيف نقول أن لفظ ( الله ) مشتق ( ومعنى مشتق أنه لم يك موجود )
• والقائلين بالإشتقاق يقولون : أننا نقول بالإشتقاق من الناحية النظرية وليس من الناحية الحقيقية ، أى يرجع الى أصل فى اللغة وأنها دالة على معانى ، هذه المعانى دالة على صفات . وهم قد ساروا على المنظومة وأنتظموا عليها والتى تقول أن كل إسم من أسماء الله عز وجل راجعة الى صفة من صفاته .

قوله : وتسمية النُحـاة للمصدر والمشتق منه أصلاً وفرعاً ليس معناه أن أحدهما متولد من الآخر وإنما هو بإعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة ..

لم يك معنى كلامهم أن هذا قديم وهذا حديث ، بل أن النُحـاة أنفسهم لمّا اصطلحوا علىهذه التسمية ( المصدر والمشتق ) ليس على أن المصدر أسبق من المشتق تاريخياً أو وجوداً وإنما معناه المعنى أو المعنى الداخل أو الخارج منه فأصطلحوا على تسمية هذه الألفاظ بإعتبار ( المعنى الأصلى والمعنى الداخل والخارج ) ( بالمصدر والمشتق ) فهذا ليس على سبيل التولد وإنما على سبيل المعنى والمعنى الداخل فيه والتضمن ليس له علاقة بأسبقية الوجود . فالأصل والفرع على سبيل الإصطلاح وليس على سبيل الحقيقة التى تقتضى التسابق الزمنى وإنما دلّ على سبيل تمييز هذا وذاك وأن الفرع يرجع الى الأصل فى المعنى وزيادة عليه ولم يقصدوا أن بينهما فارق زمنى .. مقال : السميع مشتق من السمع لأنها تضمنت السمع وزيادة وليس لأن السمع أسبق من السميع أو أن السميع تولد من السمع ، وبالتالى بينهما فارق زمنى وبالتالى يكون لفظ سميع مشتق أو حادث فكل هذا لا وجود له حتى فى أصل اللغة .

قوله : قال أبو جعفر بن جرير : الله أصله ( الإله ) أسقطت الهمزة التى هى فاء الإسم فألتقت اللام التى هى عين الإسم واللام الزائدة وهى ساكنة فأدغمت فى الأخرى فصارتا فى اللفظ لاماً واحدة مشددة .
هذا من حيث أصل الوضع : فـعـل عـ ل الـ عـ ل العَّــ ل
الــه لـ ه الْـ لَـ ه اللَّــ ه

سؤال : ما معنى لفظ ( الله ) بعد أن عرفنا أصل الوضع ؟ بمعنى : ماهى الخصائص اللفظية لإسم ( الله ) ؟ ماهو المعنى اللغوى لإسم ( الله ) ؟

الإجابة : روى عن عبد الله بن عباس قال : هو الذى يألهه كل شئ ويعبده كل خلقه ..
وعن بن عباس أيضاً قال : الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين .
فقيل أن لفظ ( الله ) مشتق من الألوهية والالوهة وغلإلاهة ، وكلها بمعنى العبادة وأن الإله هو المعبود .

سؤال : ما الدليل على أن الالوهية هى العبادة وأن الإله هو المعبود وأن له أصلاً فى فعل ويفعل ؟

الإجابة : الدليل :
(1) قول ابن عباس أن الألوهية بمعنى العبودية ، وبيّن قول ابن عباس أن ألََهَ بمعنى عَبَد وأن الالاهة مصدره .
(2) أن التألـُّـه فى كلام العرب بمعنى التعبد وإن كان له معان أخرى أيضاً .
(3) كلام رؤبة بن العجاج ، وهو التميمى السعدى أبو الجحاف أبو محمد – من الفصحاء المشهورين من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية ، وكان أكثر مقامه فى البصرة وأخذ عنه أعيان اللغة ، وله ديوان فى الرجز ( ومنه الأرْجُـوزَةٌ وأراجيـز ورَجَـز فلان وأرتـَجَـزَ إذا عمل ذلك أو أنشد وهو راجـز ورَجّـازٌ ورِجَّـازَةٌ ) وهو الكلام المرتب الذى لا يتقيد ببحـر من بحـور الشـعر ، وأصـل الجـز : الإضطراب والتقارب ، وسمى نحو الشعر بذلك لتقارب أجزائه وتصور زجر فى اللسان عند إنشـاؤه . وكلام النبى صلى الله عليه وسلم الذى وقع على ما يشبه الشعر هو من جنس الرجز ، ومثل ذلك :
أنا النبى لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب
فهذا ليس شعراً لأن الله سبحانه وتعالى نفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم الشعر ، قال تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغى له } يس 69 ، وقوله تعالى { وماهو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون } الحاقة 41
أنشد رؤبـة قائـلاً : للـه درّ الغانيات المُـدّة سـبّحنَ واسترجعن من تألُّهى
ومعنى البيت : أنه كان من أهل الغناء أى التسبيح أو قراءة القرآن للحديث : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " . قال أبو عبيد : كان سفيان بن عُيينة يقول : معناه ليس منا من لم يستغن به ، قال أبو عبيد : وهذا كلام جائز
فى كلام العرب . وفى الحديث : " ما أذِن الله لشئ كأذنِه لنبى أن يتغنى بالقرآن " .. أخبر عبد الملك عن الربيع عن الشافعى أنه قال : معناه تحزين القراءة وترقيقها . قال أبو العباس : الذى حصلناه من حفاظ اللغة فى الحديث السابق أنه على معنيين :
(1) على الإستغناء من الغنى ، وهو متصور.
(2) على التطرب من الغناء الصوت ممدود . قال عز وجل { لكل إمرءٍ منهم يومئذٍ شأن يُغنيه } عبس 37 يكفيه شغل نفسه عن شغل غيره .. وقوله عز وجل : { كأن لم يغنوا فيها } الأعراف 72 أى : أى لم يُقيموا فيها .
الغانيات : الغانية قال الليث هى الشابة المتزوجة التى غنيت بالزوج ، قال أبو عبيدة : الغوانى ذوات الأزواج ، قال غيره : الغانية الجارية الحسناء ذات زوج أو غيره ، سُميت كذلك لأنها غنيت بحُسنها عن الزينة .
المُـدّة : قال الليث : المَدْه يضارع المدح إلا أن المَـدْه فى نعت الجمال والهيئة ، والمدح فى كل شئ عام . وقال غيره : المدح والمده واحد أبدلت الحاء هاء .
الحاصل أن المده : أى المستحقات للمدح لحُسـنهن .
سبّـحن واسترجعن : أى تعجـبن تألـهى : أى عبادتى وطلبى الله بعملى
فيكون معنى البيت إجمالاً : أن العباد تعجبوا من عبادتى وطلبى الله بعملى ، وهذا دليل وهو الشاهد من البيت على أن العرب كانت تستخدم لفظ ( التأله ) بمعنى التعبد وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع وساق السند الى ابن عباس أنه قرأ :{ ويذرك وألاهتك } قال : عبادتك ، وساق بسند آخر عن ابن عباس { ويذرك وإلاهتك } قال إنما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد .

توضيح :

الآية { ويذرك وإلهتك } فيها قراءتان :
الأولى : { ويذرك وَْآلِـهتك } أى معبودات فرعون ، فقد قيل إن فرعون كان له إله يعبده ، وقال الحسن البصرى : كان لفرعون إله يعبده فى السر ، وقال فى رواية أخرى : كان له حذائة فى عنقه معلقة لا يسجد لها . وقيل أن فرعون كان يعبد الشمس وبعض الكواكب وهذا كان معروف عند الفراعنة ، قرأ بذلك أبى بن كعب حكاه ابن جرير .
الثانية : { ويذرك وإلهتك } أى عبادتك ، وروى ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيره ، وهذا هو الأقوى بإعتبار أن فرعون كان يعتبر نفسه إله ويقول أنا ربكم الأعلى ، وعلى كلا الأمرين فتصريفات لفظ ( الإله ) فى اللغة وقعت على معنى العبادة وبالتالى عندما نقول : الله ذو الألوهية فهذا يعنى ذو العبودية .

• قيل : أن لفظ الجلالة مشتق من ( أَلـَـه ) بمعنى ( تحـيّـر ) لأنه سبحانه تتحيّـر فى شأنه العقول والأفهام .
• وقيل مشتق من ( أَلِـه ) بمعنى ( سكن إليه ) لإطمئنان القلب بذكره سبحانه وتعالى وسكون الأرواح الى معرفته .
• وقيل : مشتق من ( ألـُـه ) بمعنى ألوذ وأتعلق .
• وقيل : مشتق من ( لاه ) بمعنى أحتجب وارتفع بمعنى احتجب عن الخلق وحجب أبصارهم عن رؤيته فى الدنيا .
• وقيل : مشتق من ( لاه ) بمعنى العُلو والرفعة . يُقال لاهت الشمس إذا علت وتوسطت السماء فى عُلو مركزها وأستوت حالة وقوفها .
• وقيل مشتق من ( الوله ) أى يُقصد فى طلب الحوائج ويُفزع إليه فى النوائب ويُرجى فضله .
قال : ومن كل ما سبق يهمنا معنى العبودية لأنها جامعة للمحبة والإستعاذة والتعلُق والعُلو والفزع إليه فى النوائب ... إلخ .
وعِلْم الله علم مخصوص بالذات لا يشركه سبحانه فيه أحد ، وكل الأسماء مفتقرة إليه ولا يُشاركه أحد فيه لا بالمجاز ولا بالحقيقة وذلك لما يجتمع فيه من الأسرار والحِكَم والمعانى ومن الإختصاص والتعظيم ، وهو إسم كامل فى حروفه تام فى معناه خاص بأسراره مفرد بصفته ..

الآن وبعد أن عرفنا المعنى اللغوى للفظ الجلالة ( الله ) نريد أن نعرف : من هو اللـــه ؟

لانستطيع أن نعلم مَن الله إلا مِن الله ، وذلك عن طريقين اثنين :
• الأول : التدبر فى آيات الله الشرعية المتلوة فى كتابه العزيز وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .
• الثانى : النظر فى مخلوقات الله وآياته الكونية .
سنجد فى هذين الطريقين ما ينطق بعظمة الله الخالق عز وجل ووحدانيته فى ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فإن كتاب الله إن تأملته يأخذك فى جولاتٍ وجولات ترتاد آفاق السماء وتجول فى جنبات الأرض والأحياء يريك عظمة الله وقدرة الله وتقديره فى المخلوقات ثم يكشف لك أسرار الخلق والتكوين ويهديك الى الحكمة من الخلق والتصوير ثم يقرع الفؤاد بقوله { ءإلهٌ مع الله تعالى الله عمّـا يُشـركون } رحلة طويلة لكنها مع ذلك شائقة وجميلة تتحرك لها المشاعر وتستجيب لها الفطرة السليمة المستقيمة كما أنها تُنبّـه الغافل وتدمغ المُجادل .
وأما آياته الكونية : كل مافيها ينطق بوحدانيته سبحانه ، فالكون كتاب مفتوح يُقرأ بكل لغة ويُدرك بكل وسيلة يُطالعه ساكن الخيمة وساكن القصر ، كلٌ يُطالعه فيجد فيه زاداً من الحق إن أراد التطلع الى الحق .. فهيا معى نتعرف الى الله فى جولة أرجو ألا يستطيلها ملول وألا يستكثرها مشغول .

أولاً ( أ ) من القرآن :

• { هو الذى أحسن كل شئٍ خلقـه } النمل 63
• { الله لا إله إلا هو الحى القيوم } البقرة
• { هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم . هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يُشركون . هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يُسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم } آخر الحشر .
وغير ذلك كثير جداً فى القرآن ...
( ب ) من السـُـنة :

• عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : " لا إله إلاالله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم " .. أخرجه البخارى ومسلم .
• عن ابن الزبير رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دُبر كل صلاة حين يُسلّم : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله لانعبد إلا إيّـاه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " .
• وعن أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى وإذا إضطجع : " اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شئٍ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسى وشر الشيطان وشركه " .

ملحوظة : قد تجدون صعوبة قليلا في الدرسين السابقين
لكن ذلك لن يستمر طويلا بل من الدرس القادم ستجدون الامر سهلا ميسرا ان شاء الله
وذلك لان شرح هذه النقطة من مقدمة الكتاب يتناول الامر من جهة اللغة وليس العقيدة
لكنه من المهم جدا معرفة ذلك جيدا
ويمكن لمن استصعب عليه الامر ان يسألني فلا حرج
وتذكروا ان العلم له حلاوة لكن لن تنال حلاوته الا بالصبر على مرارته
وان شاء الله سيكون الدروس القادمة اسهل كثيرا فاصبروا

الواجب
كيف نعرف الله وما الطرق التي تعرفنا به؟

  #6  
قديم 10-06-2010, 04:11 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس الرابع
النظر فى آيات الله الكونية ومخلوقاتـه :
يا أيها الماء المهـين من سـواكا ومن الذى فى ظلمة الأحشاء قد والاكا

ومن الذى غـذاك من نـعمـائه ومن الكـروب جميعهـا نجـّـاكـا
ومن الذى شـقّ العيون فأبصرت ومـن الـذى بالعقـل قـد حـلاكـا
ومن الذى تعصى ويغفر دائمـاً ومـن الـذى تنســى ولا ينســاكا

عجائب خلق الله فى النوم :
هل تأملت النـوم يوماً ؟ أنت تعرفه وتمارسه كل يوم ، بل أن نصف عمرك أو أقل يذهب فيه ، وهو ضرورة لا غنى عنها بل إن حياتك مؤلفة من قسمين اثنين :
1) يقظة تبتغى بها فضل الله وفق شرع الله.
2) نوم تبتغى به الراحة لتعاود العمل فى طاعة الله .
قال تعالى : { هو الذى جعل لكم اللـيل لتسـكنوا فيه والنهار مُبصـراً إن فى ذلك لآياتٍ لقومٍ يسمعون } يونس 67 . فى النوم تتعطل وظائف الحس إجمالاً يتوقف البصر بإغماض الجفون وإن لم تغمض كما فى بعض الناس فإن الرؤية تكون مفقودة . والحاسة التى تبقى تعمل خلال النوم هى السمع .. فالنوم آية .. قال تعالى { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن فى ذلك لآيات لقومٍ يسمعون } فجمع بين النوم والسمع فى سياق واحد . . وكما فى سورة الكهف { فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عدداً } أما الدماغ فلا ينام بالمعنى المفهوم ولكنه يتغير ، فبعد أن كان يبث على موجات عالية يصبح على موجات أقل تردداً ، ولذا رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ لأن العقل مناط التكليف .
أيضاً هل تأملت نائمين متجاورين ودار بخلدك أن أحدهما ربما ينعم بالرؤى الصالحة ويود ألا يستيقظ الدهر كله مما يجد من لذة .. والذى يجاوره فى شقاء ويُعذب بالأحلام الشيطانية المزعجة يود لو لم ينم .. هل ساءلت نفسك هل يعلم هذا عن مجاوره ؟ أو يعلم ذاك عن هذا ؟ هل إستعظمت هذا ؟ !!
إن هناك ما هو أعظم وأكبر .. قال تعالى { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } غافر 57

عجائب خلق الله فى الجـنين :
هل تعلم أن للجنين نفسية لا ينفصل فيها عن أمه ، فتراه فى حالات إنكماش واكتئاب مرة ، وحالات إنشراح وانبساط أخرى ، فنجده مضطرباً حين تقع أمه فى أزمة إنفعال حادة كغضب أو تأثر جسدى كوقوع على الأرض أو إصطدام بشئ تبعاً لتأثر أمه بذلك ، وتجده هادئاً عندما تنصت أمه لسماع ما تستريح إليه النفس من قرآن وعلم دينى ، بل أنها حين تسمع صوت أبيه وتنصت له رأوه عن طريق أجهزة التصوير الضوئى كالمنصت له تبعاً لأمه .. والأعجب من هذا أنهم شاهدوا الجنين يتأذى ويبدى الإنزعاج لبعض المخالفات الشرعية كالتدخين – عافانا الله وإياكم – فقد وجد الطبيب فى تجربة عملية أن الجنين هادئاً ساكناً وعند تدخين أمه لسيجارة وبمجرد إلتقاطها وإشعالها أشار المقياس الى إضطراب الجنين تبعاً لإضطراب قلب أمه فسبحان الله الذى جعله فى وسط ظلمات ثلاث يتأذى مما تتأذى منه أمه وإن كانت هى لم تشعر بذلك .

عجائب خلق الله فى السـماء :
إن علماء الفلك يكتشفون من خلال تجاربهم ومراصدهم ومناظيرهم كل يوم ما يُدهش العقول فى هذا الكون الفسيح حتى قال مكتشف الجاذبية معبراً عن إكتشافه وضآلة ما إكتشفه بجانب ذلك الخلق العظيم : لست أدرى كيف أبدو فى نظر العالم ولكنى فى نظر نفسى أبدو وأنا أبحث فى هذا الكون كما لو كنت غلاماً صغيراً يلعب على شاطئ البحر فيلهو بين حين وآخر بالعثور على حجر أملس أو محارة بالغة الجمال فى الوقت الذى يمتد فيه محيط الحقيقة أمامى دون أن يسبر ( يكتشف ) أحد غوره .
وصدق الله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليـلاً } الإسراء 85 . لقد رأى أحبتى فى الله مجموعة النظام الشمسى وقد تألفت من مائة مليار نجم قد عُرف ، وعُرف منها الشمس ، وتبدو هذه المجموعة كقرص قطره 90 ألف سنة ضوئية وسُـمكه 5 آلاف سنة ضوئية ومع هذا البُعد الشاسع فإن ضوء الشمس يصلنا فى لحظات ، وكذلك ضوء القمر . بل لقد رأى هناك مجموعات تكبرها بعشرات المرات أخص منها مائة مليار مجموعة تجرى كلها فى نظام دقيق بسرعة هائلة كلٌُ فى مساره الخاص دون إصطدام { كلٌ يجرى لأجلٍ مسـمى } الزمر 5 . هذا الذى رآه ، وما لم يره أكثر ، فقد قال الله تعالى { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } الحاقة 38 و 39 ..
لذا أدعوك أن تخلو بنفسك دقائق فى ليل صفا أديمه وغاب قمره ثم تأمّـل عالم النجوم وأعلم أن ما تراه ماهو إلا جزء يسير من 100 مليار مجموعة عُرفت وكثير منها لم يُعرف كل منها فى مسار معين لا يختلط بغيره ثم انقل تفكيرك الى ما بثـّـه الله فى السموات من ملائكته لا يُحصيهم إلا هو سبحانه فما من موضع أربع أصابع إلا ومَلَك قائم لله راكع أو ساجد يطوف منهم بالبيت المعمور كل يوم 70 ألف لا يعودون إليه الى قيام الساعة . . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون . أطّت السماء وحق لها أن تئـط مافيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك واضع جبهته ساجداً لله تعالى . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفُرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله " الصعدات : الصحارى .قال أبو ذر : والذى نفسى بيده لوددت أنى كنت شجرة الأرض – صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة رقم 5347 .
ثم أنقل نفسك وتجاوز تفكيرك الى بصيرة يسير بها قلبك الى عرش الرحمن ، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته ، عندها ستعلم أن السماوات بملائكتها ونجومها ومجراتها ومجموعاتها ، والأرض ببحارها وجبالها وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة .. فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير .

تأمل خلـق الأرض :
تأمل هذه الأرض بينما هى هادئة ساكنة وادعة ، مهاد وفراش ، قرار وذلول ، خاشعة فإذا بها تعتز ، تتحرك تثور ، تتفجر ، تدمر ، تبتلع ، تتصـدع ، زلازل ، خسف ، براكين ، تجدها آية من آيات الله ، وكم لله من آية يُخـوِّف الله بها عباده لعلهم يرجعون ، وهى مع ذلك جزاءً لمن حق عليه القول ، وهى أيضاً تذكير بأهوال الفزع الأكبر يوم يُبعثون ويُحشرون .
يذكر صاحب علوم الأرض القرآنية أنه قبل حوالى خمسة قرون ضرب زلزال شمال الصين عشر ثوان فقط : هلك بسببه 430 ألف شخص ، وقبل ثلاثة قرون ضرب زلزال مدينة لشبونة فى البرتغال لعدة ثوان هلك فيه 600 ألف شخص ، وأنفجرت جزيرة كاراكاتو فى المحيط الهندى قبل قرن فسُمع الإنفجار الى مسافة خمسة آلاف كيلو متر مربع وسجلته آلات المراصد فى العالم وتحولت معه فى ثوان جزيرة حجمها 20 كيلومتر الى قطع نثرها الإنفجار على مساحة مليون كيلومتر مربع وأرتفعت أعمدة الدخان والرماد الى 35 كيلومتر فى الفضاء وأظلمت السماء على مساحة مئات الكيلومترات حاجبة ضوء الشمس لمدة سنتين ، وأرتفعت أمواج البحر الى 30 متر فأغرقت 36 ألف نسمة من سكان جزيرتى جاوة وسومطرة . { وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر } قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } الأنعام 65 .. فنعوذ بالله أن نُغتال من تحتنـا ..

التأمـل فى خـلق الهـواء :
إذا تأملت ذلك وجدت آية من آيات الله الباهرة ، وقد حبسه الله بين السماء والأرض ، يُدرك ولا يُرى ، جعله الله مِلكاً للجميع ولو أمكن الإنسان التسلُـط عليه لباعه وأشتراه ولتقاتل مع غيره عليه كما فعل بأكثر الأشياء التى سخرها له المولى عز وجل وعلا ..
جعل الله الهواء بحكمته يجرى بين السماء والأرض ، والطير محلقة سابحة ، يحركه الله بأمره فيجعله رياحاً رخاء وبُشرى بين يدى رحمته فيه مبشرات ولواقح وذاريات ومرسلات ، ويحركه فيجعله عذاباً عاصفاً قاصفاً فى البحر وعقيماً صرصراً فى البر ، تتوزع الرياح على سطح الأرض تحت نظام مُحكم فتلقح الأزهار ، فتبارك من جعلها سائقاً للسحاب تذروه الى حيث الله شاء .. فهل تأملت يوماً من الأيام سحاباً مظلماً قد إجتمع فى جو صاف لا كدر فيه وهو لين رخو حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض حتى إذا أذن له خالقه أرسل الريح تلقحه وتسوقه فينزل قطرة قطرة لا تختلط قطرة بأخرى ولا تدرك قطرة صاحبتها فتمتزج بها ، بل كل واحدة فى طريق مرسوم لها حتى تصيب الأرض التى عُيـنت لها لا تتعداها الى غيرها .. { وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون }الجاثية 5 ..هل تأملت هذا ؟ أحسب أنك تقول نعم ومعها لا إله إلا الله ..

التفكر فى عجائب البحـر :
إن لله فى البحر لآيات ، وأعلم أن الماء يملأ ثلاثة أرباع سطح الأرض ، فما الأرض بجبالها ومدنها وسهولها وأوديتها بالنسبة الى الماء إلا كجزيرة صغيرة فى بحر عظيم يعلوها الماء من كل جانب ، وطبعه العُلو لولا إمساك الرب سبحانه وبحمده له بقدرته ومشيئته لطغى على الأرض فأغرقها ودمرها وجعل عاليها سافلها ، فتبارك الله لا إله إلا هو رب العالمين ..

ذكر ابن القيم فى مفتاح دار السعادة : فى البحار حيوانات كالجبال لا يقوم لها شئ ، وفيه من الحيوانات ما يُرى ظهورها فيظن من عِظمها أنها جزيرة فينزل عليها الركاب ويُشعلوا نارهم ، فتحس بالنار إذا أوقدت فيُعلم أنه حيوان ..
ثم أنظر الى السفن وسيرها فى البحر تشقه وتمخر عبابه بلا قائد يقودها ولا سائق وإنما قائدها وسائقها الريح التى سخرها الله لإجرائها ، فإذا حُبست عنها الريح ظلت راكدة على وجه الماء فذاك قول الله تعالى { ومن آياته الجوار فى البحر كالأعلام إن يشأ يُسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن فى ذلك لآيات لكل صبّـار شكور } الشورى 32 – 33 .
فى أواخر القرن 19 الميلادى صنع الإنجليز باخرة عظيمة كانت فخر صناعتهم كما يقولون ، ثم انطلقت فى رحلة ترفيهية حاملة على متنها علية القوم ونخبة المجتمع – كما يصفون أنفسهم – وقد بلغ الفخر والغرور ببُـناة السفينة درجة كبيرة فسموها الباخرة التى لا تُقهـر – بل إن أحد أفراد طاقمها قال بما ترجمته ( حتى الله نفسه لا يستطيع أن يُغرق هذا المركب ) جلّ الله وتعالى وتقدس لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، وفى اليوم الثالث من سيرها فى المحيط الأطلسى إصطدمت بجبل جليدى عائم ففتح فيها فجوة بطول 90 متر ، وبعد ساعتين وربع تستقر الباخرة التى لا تُقهر فى قعر المحيط ومعها 1504 راكب وحمولة بلغت 46 ألف طن .
وتأمل معى كيف مد الله البحار وخلطها ومع ذلك جعل بينها حاجزاً ومكاناً محفوظاً فلا تبغى محتويات بحر على بحر ولا خصائص بحر على بحر عندما يلتقيان .. فى إيران أنهار عندما تلتقى بمياة البحر ترجع عائدة الى مجاريها التى أتت منها .. وتلتقى مياة المحيط الأطلسى بمياة البحر الأبيض فتبقى مياة البحر الأبيض أسفل لثقلها ولكثرة ملحها وتعلو مياة المحيط لخفتها ، وكلٌ فى مجراه ، { فتبارك الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً } الفرقان 53

عجائب خلق الله فى مخلوقاته :
قال : انظر وتأمل تلك النملة الضعيفة ترى عبراً وآيات باهرات تنطق بقدرة رب الأرض والسماوات : تنقل الحبَّ الى مساكنها وتكسره حتى لا ينبت إذا أصابه بلل وتُخرجه الى الشمس إذا خافت عليه من العفن ثم ترده الى بيوتها .. كما أنها تعتنى بالزراعة وفلاحة الأرض : تشق الأرض وتحرثها وتزيل الأعشاب الضارة وتنظف الأرض ثم تتسلق الشجر وقت الحصاد وتذهب بها الى مخازنها ، بل إن لها مدافن جماعية تدفن فيها موتاها ، وفوق هذا تعرف ربها وتعرف أنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه بيده كل شئ ..
روى الإمام أحمد فى الزهد من حديث أبو هريرة رضى الله عنه يرفعه ، قال : خرج نبى من الأنبياء بالناس يستسقون فإذا هم بنملة مُستلقية على ظهرها رافعة قوائمها الى السماء تدعو ربها ، فقال : إرجعوا فقد سُقيتم بغيركم ( رواه الدارقطنى فى سننه والحاكم فى المستدرك وصححه الألبانى فى المشكاة )
ومن عجيب أمر القردة ماذكره البخارى فى صحيحه عن عمرو بن ميمون قال : رأيت فى الجاهلية قرداً وقردة زنيا ، فأجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا .. – رواه البخارى فى مناقب الأنصار – عجباً لها قرود تُقيم الحدود حين عطّلها بعض بنى آدم !! إن هدايتها فوق هداية أكثر الناس !!
وأغرب من ذلك أن الحيوانات فيها مشاعر الإحساس بالذنب وتعاقب نفسها على ذلك ، ومن ذلك ما ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى فى كتاب الخيل ( له من طريق الأوزاعى ) أن مُهراً أنزى على أُمه ليلقحها فأمتنع ، فأُدخلت فى بيت وجللت ( أى : غطوها ) بكساءٍ فأنزى عليها فنزى ، فلما شم ريح أمه عمد الى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله . فتح البارى 7 / 161 ..
ومن عجيب أمر الفأرة ما ذكره صاحب كتاب ( العقيدة فى الله ) أنها إذا شربت من الزيت الذى فى أعلى الجرة ينقص ويعز عليها الوصول إليه فى أسفل الجرة فتذهب وتحمل فى أفواهها الماء ثم تصبه فى الجرة حتى يرتفع الزيت فيقترب منها ثم تشربه .. من علمها ذلك ؟ !! إنها لم تتعلم الكثافة وموازينها ولم تتعلم أن الماء أثقل من الزيت فيعلو الزيت على الماء .. فمن علمها هذا ؟ !! إنه الله ، أحق من عُبد وصُلى له وسُجد .
سبحان من يُجرى الأمور بحكمة فى الخلق بالأرزاق والحرمان ..
وتأمل معى النحل : فهى مأمورة بالأكل من كل الثمرات بخلاف كثير من الحشرات التى تعيش على نوع معين من الغذاء وتعجب أنها لا تأكل من التبغ ، فلا تأكل إلا الطيبات ، فهل يعتبر بذلك أهل العقلات !!
ومما يُذكر أن ألدّ أعداء النحل هو الفأر يُهاجم الخلية فيشرب العسل ويلوث الخلية فماذا تفعل النحلة الصغيرة أمام الفأر الذى هو لها كجبل عظيم ؟ إنها تُطلق عليه مجموعة من العاملات فتلدغه حتى يموت . لكن : كيف تُخرجه ؟ إن بقى أفسد العسل ولوث أجواء الخلية ، ولو إجتمع نحل الدنيا كله على إخراجه ما استطاع . فماذا يفعل ؟؟
جعل الله عز وجل له مادة شمعية يفرزها ويُغلف بها ذلك الفأر فلا ينتن ولا يتغير ولو بقى ألف عام حتى يأتى صاحب الخلية فيُخرجه .. فسبحان من خلق فسوى وقدّر فهدى ..
فيا عجباً من مضغة لحم أقسى من الجبال تسمع آيات الله تُتلى فلا تلين ولا تخشع !!

لله فى الآفـــاق آيـات لعـل أقـلها هو ما إليـه هـداكا
ولعل مافى النفـس من آيـاته عجب عجـاب لو تـرى عيناكا
والكون مشحون بأسـرار إذا حاولت تفســيراً لها أعيـاكـا
قل للمريض نجا وعوفى بعدما عجزت فنون الطب : من عافاكا ؟
قل للصحيح يموت لا من علةٍ : من بالمنايا يا صـحيح دهـاكا ؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فأسأله : من ذا بالسـموم حشـاكا ؟
وأسـأله كيف تعيـش يا ثعبـان أو تحيا وهذا السـم يملأ فاكا ؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً ، وقل للشهد من حلاكا؟
بل سـائل اللبن المصـفى كان بين دمٍ وفرث مالذى صـفّاكا ؟
قل للهواء تحسه الأيدى ويخفى عن عيون النـاس : من أخفاكا ؟
وإذا رأيت النبت فى الصحراء يربو وحده فأسـأله من أرباكا ؟
قل للمرير من الثـمار من الذى بالمُـر دون الثـمار غـذّاكا ؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فأسأله من يا نخل شـق نواكا ؟
سـتجيب مافى الكون من آياته عجب عُجـاب لو ترى عيناكا
ربى لك الحمـد العظيم لذاتـك حمـداً وليـس لواحـدٍ إلاكا
يا مدرك الأبصـار والأبصـار لا تـدرى له ولكنهه إدراكا
إن لم تكن عينى تراك فإننى فى كل شـئ أسـتبين عُـلاكا
يا أيها الإنسـان مهلاً ما الذى بالله جـل جـلاله أغراكا ؟!!

إنه الله { الذى أحسن كل شئٍ خلقه } لا إله إلا هو ، أنت من آياته ، والكون من آياته ، والآفاق من آياته تشهد بوحدانيته .. سبحان الله ..

وبعد إذ عرفت الله لابد أن تحبه .. فلماذا المحبة ؟ .. وكيف نحب الله ؟
يقول ابن القيم : القلب فى سيره الى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سَلِمَ الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ، ومتى قُطع الرأس : مات الطائر ، ومتى فُقد أحد الجناحان فهو عُرضة لكل صائد وكاسر ..
فالمحبة هى الحياة ، من حُرمها فهو من جملة الأموات ، وهى النور الذى من فقده فهو فى بحار الظلمات ، وهى الشفاء الذى من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام ، وهى اللذة التى من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، وهى قوت القلوب وغذاء الأرواح وقوة العيون ، وهى سمة المسافرين الى ربهم وعنوان طريقهم ودليلها ، فكما يدل العنوان على الكتاب تدل المحبة على صدق الطالب وإنه من أهل الطريق ، وهى معقد نسبه العبودية فالعبودية معقودة بها بحيث إذا إنحلت المحبة إنحلت العبودية ، وهى روح الإيمان والأعمال التى متى خلت منها فهى كالجسد الذى لا روح فيه ..
والمحبة تحمل أثقال السائرين الى بلاد لم يكونوا بالغيها إلا بشقِّ الأنفس وتوصلهم الى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها ، وتُبوّءهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ، وقد قضى الله يوم قدّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب .. فيالها من نعمةٍ على المحبين سابغة ..

ماهى المحبة ؟
لا تُحد المحبة بحدٍ أوضح منها ، فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً ، فحدها : وجودها ، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة ، وكل ما قيل عنها لا يعطى تصور حقيقة المحبة فإن إسمها لا يكشف مسماها بل مسماها فوق اللفظ ، وكل من بسط لسانه بالعبارة وكشف عن سرها فليس له منها ذوق ، ولو ذاق منها شئ لغاب عن الشرح والوصف .
وقال ابن القيم : هى سكون بلا إضطراب ، وإضطراب بلا سكون ، فيضطرب القلب فلا يسكن إلا الى محبوبه فيضطرب شوقاً إليه ويسكن عنده ..
وقيل : المحبة : القيام بين يديه وأنت قاعد ، ومفارقة المضجع وأنت راقد ، والسكوت وأنت ناطق ، ومفارقة المألوف والوطن وأنت مستوطن ، ، فإن المحبة توجب سفر القلب نحو المحبوب دائماً ، والمحبة وطنه وتوجب مثوله وقيامه بين يدى محبوبه وهو قاعد ، وتجافيه عن مضجعه ومفارقته إياه وهو فيه راقد ، وفراغه لمحبوبه كله وهو مشغول فى الظاهر بغيره ..قال تعالى فى حق المحبين { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } السجدة 16 ..
ومن أجمع ما قيل فيها : قول الجنيـد (( وهو أبو القاسم الجُنيد بن محمد الخزاز البغدادى ، أصله من نهاوند ومولده ونشأته بالعراق ، كان فقيهاً على مذهب أبى ثور ، توفى سنة 297 هـ ، من كلماته : أن الكلمة من القوم لتـقع فى قلبى فلا أقبلها إلا بشاهدى عدلٍ من الكتاب والسنة )) فقد ذكر أبو بكر الكتانى قال : جَرت مسألة فى المحبة بمكة – أعزها الله تعالى – أيام الموسم ، فتكلم الشيوخ فيها ، وكان الجُنيد أصغرهم سناً فقالوا : ماعندك يا عراقى ؟ فأطرق برأسه ودمعت عيناه ثم قال : عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه ، متصل بذكر ربه ، قائم بأداء حقوقه ، ناظر إليه بقلبه ، فإن تكلم فبالله ، وإن نطق فعن الله ، وإن تحرك فبأمر الله ، وإن سكن فمع الله ، فهو بالله ولله ومع الله ... فبكى الشيوخ وقالوا : ما على هذا مزيد ، جزاك الله يا تاج العارفين ..
ملحوظة : ألقيت هذا التعريف الجامع للمحبة ولم يبك أحد ، وكذلك لم أبكِ أنا ، وسألت نفسى لماذا بكى هؤلاء الشيوخ من قول الجُنيد ولم نبكِ نحن ؟ !!
فلما تفكرت علمت أن هؤلاء إمتلأت عقولهم علماً فأزدادوا خشية لله ، وأمتلأت قلوبهم تقوى فأزدادوا خوفاً ورجاءً .. أما نحن فقد إمتلأت عقولنا هواء ، وأمتلأت قلوبنا قسوة .. أسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً ، وأن يمحو قسوة قلوبنا ، وأن يُصلحنى وإياكم وأن يُصلح بنا .. آمين ..

سؤال : ماهو دليل المحبــة ؟
لمّا كثُر المدّعون للمحبة طولبوا بإقامة البيّنة على صحة الدعوى ، فلو يُعطى الناس بدعواهم لأدعّى الحلىّ حُرقة الشجىّ . فتنوع المدعون فى الشهود فقيل لا تُقبل هذه الدعوة إلا ببينة . فما هى هذه البينة ؟
قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فأتبعونى يُحببكم الله } آل عمران 31 ، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب فى أفعاله وأقواله وأخلاقه فطولبوا بعدالة البينة بتزكية قال تعالى { يُجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } المائدة 4 ، فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون فقيل لهم : إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم فهلموا الى بيعة ، قال تعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } التوبة 111 ، فلما عرفوا عظمة المشترى وفضل الثمن وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة وأن لها شأناً فرأوا من أعظم الغُبن أن يبيعوها لغيره بثمنٍ بخس ، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضى ، فلما تم البيع وسلموا المبيع قيل لهم : مُذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معاً ، قال تعالى { ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله } آل عمران 169-170

ماهى علامة المحبة ؟
ذكر الله سبحانه وتعالى أربع علامات لمن يُحبهم ويحبونه وذلك فى سورة المائدة آية 54 قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزة على الكافرين يُجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم }

أ - أذلـة على المؤمنـين :
أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه وأن يكونوا رحماء مُشفقين عليهم عاطفين عليهم ، والذل ثلاثة أنواع :
1) ذل العبودية : وهو ما يكون لله تعالى وحده.
2) ذل الرحمة : وهو ما يكون للمؤمنين عامة وللوالدين خاصة .
3) ذل المهانة : وهو مادلّ عليه الحديث الثابت فى الصحيح :" ما ينبغى للمؤمن أن يذل نفسه .. قالوا : وكيف يذل نفسه يا رسول الله ؟ قال : يتحمل من البلاء ما لا يطيق " .

ب – أعـزة على الكافرين :
قيل كالأسد على فريسته . قال ابن كثير : متعذذاً على خصمه وعدوه كما قال تعالى { محمدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رُحماء بينهم } ، وفى صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتّـال، فهو ضحوك لأوليائه قـتّال لأعدائه .. ومن العجب العُجاب أن نرى المسلمين اليوم - إلا من رحم ربى – يفتقدون هذه العلامة أيما إفتقاد ، فهم

سؤال : هل نبدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟ وما الدليل ؟
الإجابة : عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم فى طريق فأضطروه الى أضيقهما " رواه أحمد ومسلم .
روى أبو نصرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّـا غادون على يهود فلا تبدءوهم بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم "
ويحرم بداءتهم بـ : كيف أصبحت ؟ أو كيف أمسيت ؟ أو كيف أنت ؟ أو كيف حالك ؟ أو كما يفعله ضعاف العقول والدين بقولهم لهم : صباح النور أو مساء الخير – مع رفع أيديهم – نسأل الله العافية . أو يقولون لهم والعياذ بالله : أهلاً ومرحباً ..
فالسلام تحية المؤمنين وشعارهم ، عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" لمّا خلق الله آدم قال : اذهب فسلّم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فأستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك ورحمة الله . فزادوا ورحمة الله " رواه مسلم والبخارى ، وهى توافق تحية أهل الجنة كما قال الله جل شأنه { تحيتهم فيها سلام }.
ولو كتب الى كافر وأراد أن يكتب سلاماً كتب : سلاماً على من إتبع الهُدى ، لما روى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك فى كتابه الى هرقل عظيم الروم ولأن ذلك معنى جامع .
وإن سلّم على من ظنه مسلماً ثم تبين له أنه ذمى إستحب للمسلم أن يقول للذمى : رُد علىّ سلامى ، لما ذكر عن ابن عمر أنه مرّ على رجل فسلم عليه ، فقيل أنه كافر ، فقال : رُدّ علىّ ما سلمت عليك فردّ عليه .. فقال : أكثر الله مالك وولدك . ثم إلتفت الى أصحابه فقال : أكثر للجزية .
وإن سلّم أحد أهل الذمة لزم ردّه فيُقال : وعليكم ، أو : عليكم – بلا واو –
وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السأم عليك ، فقل له وعليك – وفى لفظ : عليك "
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " رواه أحمد ، وفى لفظ للإمام أحمد فقولوا : عليكم .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السأم عليك . ففهمتها فقلتُ : عليكم السأم واللعنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق فى الأمر كله . فقلت : يا رسول الله أوَلم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قلتُ وعليكم . ( متفق عليه ) وفى لفظ : قد قلت عليكم – بدون واو –
ومما يحرم ويجب النهى عنه ما يفعله كثير من الناس من السلام عليهم باليد بالإشارة وجعلها حذاء الرأس أو وضعها على صدره إحتراماً لأعداء الله وإشعاراً بأنه يحبهم – نسأل الله العافية - قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل سُئل إبتداء الذمى بالسلام إذا كانت له إليه حاجة . قال : لا يعجبنى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليس منا من تشـبّه بغيرنا . لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف " رواه الترمذى عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

ج – يُجاهدون فى سبيل الله :
وذلك بالنفس واللسان والمال ، لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر راد ولا يصدهم عنهم صاد عنه .

د – ولا يخافون لومة لائـم :
لا يخافون لومة لائم ولا تأخذهم فى الله لومة لائم ، وهذا علامة صحة المحبة ، فكل محب يأخذه اللوم عن محبوبه فلـيس بمحب على الحقيقة . وعن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يُقرِّب من أجلٍ ولا يُباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعِظَـم " تفرد به أحمد .
وذكر الله تعالى علامة أخرى من علامات المحبة وذلك فى قوله تعالى { والذين آمنوا أشد حباً لله } فأعلم أنك إذا غرست شجرة المحبة فى القلب وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار وآتت أُكلها كل حينٍ بإذن ربها أصلها ثابت فى قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى ..



الواجب

ماهي علامات المحبة..؟

  #7  
قديم 10-06-2010, 04:18 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

السلام عليكم

تم وضع الدرس الرابع
واعتذر لكم عن عدم تواجدي يوم السبت القادم لاني على سفر
وهي فرصة لكم للمذاكرة ومراجعة الدروس واستكمال الواجبات
واراكم على خير ان شاء الله مع الدرس الخامس يوم الثلاثاء القادم ان شاء الله
ارحب باقتراحاتكم واستفساراتكم فلا تبخلوا بها
استودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه
السلام عليكم
  #8  
قديم 10-13-2010, 03:59 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الدرس الخامس



ما هـى ثمـرة المحبـة ؟

(1) حب الله سبحانه وتعالى ومغفرته : قال تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فأتبعـونى يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }
(2) حلاوة الإيمان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث من كُنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يُحب المرء لا يُحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف فى النار ".
(3) حصول الإيمان : قال تعالى : { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان } ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ".
(4) دخول الجنة ورضا الله عنهم وفلاحهم : قال تعالى { أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويُدخلهم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } المجادلة 22
(5) ومن أعظم ثمرات المحبة وأعلاها : لذة النظر إليه سبحانه فى الآخرة قال تعالى : { إن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً } الأحزاب 29 ، فجعل الله سبحانه وتعالى إرادته غير إرادة الآخرة وهذه الإرادة لوجهه موجبة للذة النظر إليه فى الآخرة .

سؤال : كيف نحب الله ؟

إن هناك أسباب جالبة للمحبة وموجبة لها ، وهى :
1) قراءة القرآن بالتدبر والتفهُّم لمعانيه وما أريد له .
2) التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض ، وذلك لحديث أبى هريرة فى البخارى :" ما تقرب الىّ عبدى بشئٍ أحب الىّ من أداء ما إفترضته عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبه .... الحديث "
3) دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال
4) إيثار محآبه على محابك عند غلبان الهوى
5) مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه فى رياض هذه المعرفة ، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة .
6) مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة
7) إنكسار القلب بكليته بين يدى الله تعالى : قال بعض المريدين لشيخهم : هل يسجد القلب بين يدى الله ؟ قال : نعم سجدة لا يرفع رأسه منها الى يوم القيامة .
8) الخلوة به وقت النزول الإلهى لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدُب بأدب العبودية بين يديه وختم ذلك بالإستغفار والتوبة ، قال بعض السلف : إنى لأفرح بالليل حين يقبل لما يلتذ به عيشى وتقر به عينى من مناجاة من أحب وخلوتى بخدمته والتلذذ بين يديه وأغتم للفجر إذا طلع لما إشتغل به بالنهار عن ذلك .
9) مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم
10) مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل . قال أبو اليزيد : سُقت نفسى الى الله وهى تبكى فما زلت أسوقها حتى إنساقت إليه وهى تضحك .

عودة الى الكتاب :
وساق حديثاً عن أبى سعيد مرفوعاً : ( أن عيسى أسلمته أمه الى الكتاب ليعلمه ، فقال له المعلم : أكتب بسم الله فقال عيسى : أتدرى ما الله ؟ الله إله الآلهة ) هذا الحديث فى سنده إسماعيل بن يحيى المعروف بابن عبيد الله بن طلحة أبو يحيى التميمى ، قال الذهبى فى الميزان : كان يضع الحديث ، وقال الأسدى : ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه ، وقال ابن عدى : عامة مايرويه أباطيل ، وقال الذهبى : مجمع على تركه . وقد أورده الشارح على الرغم من أنه من الموضوع وذلك لثلاثة أسباب :
1) أنه نقله عن غيره ، وهذه آفة النقل عن الغير ، فالواجب التحقيق وإلحاق كل عبارة بمصدرها وإحالتها إليه ، وهذا من الإتقان فضلاً عن الأمانة ، ثم صرف الموضوع والضعيف ، ثم كتابة المبحث بالصحيح فقط خاصةً أن فى الصحيح ما يُغنى بفضل الله .
2) أنه نقله مظنة الصحة أو القبول .
3) هذا من الآثار عن بنى إسرائيل ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج " فقد يكون الشارح عالماً بأنه موضوع لكن أورده على سبيل عدم تصديق أو تكذيب المروى عن بنى إسرائيل .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : لهذا الإسم الشريف عشر خصائص لفظية ، وساقها ثم قال : وأما الخصائص المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم ......
خصائصـه المعنوية : مامعنى هذه العبارة ؟
الخصائص : هى ما يدل عليه اللفظ من معانى أرادها المتكلم من هذا اللفظ .
المعـنوية : أى معنى الإسم ( إسم الله الذى يجب أن نتعبد به )

أعلم الخلق : هل هذا اللفظ صحيح أم لا ؟

الجواب : نعم ، بل أن صفة أعلم الخلق للرسول صلى الله عليه وسلم من أصول المعتقد الصحيح لقول النبى صلى الله عليه وسلم : " أنا أتقاكم لله وأعلمكم به " وهو فى البخارى من حديث عائشة رضى الله عنها .
وقد أورد الشارح صفة أعلم الخلق فى هذا الموضع ليوضح لنا أنه لا أحد يستطيع إحصاء الثناء على الله عز وجل كما تخيل الصوفية ذلك وأعتقدوه بالباطل ، فهم يقولون أن مقام الولاية أعلى من مقام النبوة ، وأن الولى يمكن أن يتجلى له أمور عن ربه لا يعرفها غيره مثل مشاهدة الرب ومكالمته و... الى آخر هذه الأباطيل .. ولقد ناقش ابن تيمية هذه القضية وغيرها من القضايا المشابهة ونصّـب نفسه للرد على هذه المزاعم الباطلة فى كتاب ( النبوات ) .


سؤال : لماذا نتعلم ونتعرف على تأويل إسم الله ؟

الإجابة : لأن معرفة تأويل الإسم هو أحد مقتضيات التعبد لله بأسمائه وصفاته

سؤال : كيف نتعبد الى الله عز وجل بأسمائه وصفاته ؟

الإجابة : إن هذا يستلزم عدة أمور :
1) معرفة إسم الله وكل إسم ثبت له ، وهذا يكون من الكتاب والسنة لأن الأسماء توقيفية ، فلا يجوز إشتقاق أو إنشاء أسماء مثل قول بعض الجُهـال أن الله هو الفنان الأعظم .
2) معرفة معنى هذه الأسماء من خلال مدلول اللغة والشرع .
3) الدوران بالقلب فى فلك هذه المعانى أى العيش مع الإسم .
4) الإنفعال الجارحى الشرعى المناسب الذى يقتضيه معنى الإسم ، فإذا علمت مثلاً أن الله هو الرزاق وعلمت المعنى المتعلق بهذا الإسم فالفعل الواجب هو عدم إلتماس الرزق من غير الله عز وجل وعدم اللجوء لغير الله عز وجل .. وهكذا إذا علمت أنه غفور إستغفرته لذنبك ، وإذا علمت أنه سميع أحجمت عن أن يسمع منك ما يُغضبه ... وهكذا ..

سؤال : هل الدهر من أسماء الله تعالى ؟ ولماذا ؟

الإجابة : لا..
(1) لأن إسم الدهر إسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى .
(2) لأنه إسم للوقت والزمان ، قال تعالى فى كتابه { وما يُهلكنا إلا الدهــر } .
(3) يقول الله عز وجل : [ يؤذينى ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدى الأمر أقلّـب الليل والنهار ] البخارى – كتاب التوحيد (7491 ) فلا يمكن أن يكون المُقلِِّـب هو المُقلَّـَب

سؤال : هل يجوز القول يا دهر إرحمنى ؟

الإجابة : إن قصد الدهر ذاته فهو كافر مشرك ، إن أراد الله فقد دعا بغير إسم من أسمائه سبحانه وتعالى .

قال أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم : لا أُحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ...
هذا جزء من حديث عائشة رضى الله عنها وهو فى صحيح الجامع رقم ( 1291 ) وفى صحيح أبو داود (823 ) .. والحديث :" اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .. وللحديث عدة فوائد منها :
أولاً : دليل على أن بعض الصفات أفضل من بعض .
ثانياً : مشروعية الإستعاذة بالأسماء والصفات وأنها من أعظم أبواب التوسل .
ثالثاً : أننا لا نستطيع أن نعلم تمام مراد الله إلا من الله ، ولا نستطيع أن نحصى ألفاظ الثناء على الله عز وجل مادام أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم لا يستطيع ذلك فما بالك بنا نحن ، ويعنى أيضاً أن هناك من الأسماء والصفات ما لا يعلمها إلا الله .
رابعاً : النفى هنا نفى كمال وليس نفى جنس حيث نفى الجنس هنا غير جائز .

أولاً : أن من الصفات ماهو أفضل من بعض

أن صـفات الله عز وجل كلها صـفات كمال ، والكمال بعضه فوق بعض ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك " فالرضا والسخط صفتان ثابتتان لرب العالمين ولكنه إستعاذ بالرضا على السخط ، ولو كانا بمرتبة واحدة ما قدم أحدهما على الآخر . وكما فىالحديث : [ إن رحمتى سبقت غضبى ] هذا السبق نوع من الأفضلية ، وكذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم لما سمع الرجل يدعو فقال : إنه سأل الله بإسمه الأعظم الذى إذا دُعى به أجاب . أى أن بعض الأسماء أفضل من بعض ، فلا يصح أن ينظر الى شأن الله كما ينظر الى شأن المخلوقين مهما علا شأنهم ، فالله عز وجل فى عُلاه ليس كمثله شئ ، وشأنه جل وعلا لا ينظر إليه إلا بالعُلو { سبح إسم ربك الأعلى } فبعد أن ذكر أنه رب ذكر أنه أعلى ، والعُلو فى كل شئ فى الذات والصفات والمكانة... والأفضلية بين الصفات لا تعنى نقص صفة عن أخرى بل هى كلها صفات عُلو وكمال ، ولكن الكمال منه ما هو كمال فوق كمال ، والمعلوم أن الصفات فرع عن الذات ، فالإنسان ذاته ناقصة فلذلك صفاته ناقصة ، أما الله عز وجل فذاته عالية ولذلك صفاته عالية حيث أن الصفات متناسبة مع الذات فالرضا والسخط كلاهما صفة كمال ، وكلام الله عز وجل صفة وليس مخلوق بل هو كلام على الحقيقة تكلم به الرحمن بحق وصوت يليق به وبشأنه جل وعلا ، وعلى هذا فكلامه أيضاً بعضه أفضل من بعض .

سؤال : من الذى يبين أفضلية صفة على صفة أو كلام على كلام ؟

الإجابة : أنه هو سبحانه وتعالى الذى يفضل صفة عن صفة ويبين لنا ذلك من الكتاب والسنة ، وعلى هذا فالسخط ليس صفة نقص بل هى فى حق الله سبحانه وتعالى صفة كمال ، وكما أن صفة الضحك والغضب والأسف الذى هو شدة الغضب فى حق الله سبحانه وتعالى صفة كمال وإن كانت فى المخلوق صفة نقص فذلك كما أوضحنا أن الصفات فرع عن الذات فلا يلتبس عليك الأمر لما نقول أن الصفات بعضها أفضل من بعض فظن أن الأفضل أعلى والمفضول أدنى ، فهذا خطأ كبير ، فالتناسب فى الأفضلية فى مطلق الكمال لا يدخل فى دائرة النقص ولكن يأتى الخطأ بسبب التشبيه بين الخالق والمخلوق وأعتقاد أن الأفضلية فى صفات الناقص كالأفضلية فى حق صفات الله الكاملة . فأنتبه للفرق وأحمل كل مسألة عقائدية فى ظل تسبيح رب العالمين . قال تعالى : { سبحان ربك رب العزة عمّـا يصفون وسلام على المرسلين } .

سؤال : لماذا جمع هنا بين تسبيحه فى هذه الآية وبين السلام على المرسلين ؟

الإجابة : لأن أعظم قوم أنزلوا الله المنزلة التى تليق به هُم المرسلون ، لذلك ذكر مكانته وذكر مكانتهم .. ولماذا سلام عليهم ؟ لأنهم هم الذين أقاموا القضية على ما ينبغى فلم يُشبهوا ولم يُمثلوا ولم ينقصوا ولم يقدموا عقولاً .. إلخ بل أخلصوا له سبحانه ، ولذلك يصفهم فى قوله تعالى { إنه من عبادنا المخلصين }
ملحوظة : هناك صفات إن نُسبت لله بإطلاق كان ذلك نقص لا يجوز ولكن هى تذكر فى مقابلة وليست مطلقة مثل { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } الأنفال 30 ، { إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم } النساء 142 ، { إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً } الطارق 15 و 16 والخديعة هى ستر أمور عن إنسان وهو لا يدركها ، وظن المنافقون أنهم خدعوا الله لفرط جهلهم بالله وهو خادعهم ، وكذلك قوله تعالى { نسوا الله فنسيهم } فهنا مقابلة لفعلهم ، وكذلك الإنتقام صفة كمال ولأنه الإنتقام من الظالمين عدل مقابلة أفعالهم ، لأن الجزاء من جنس العمل ، فكانت صفات الخداع والمكر صفة كمال لأنها فى مقابلة أفعالهم ..
لكن عندما ذكر الخيانة كما فى الآية { إن يُريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم } الأنفال 71 لم يقل ( فخانهم ) لأن الخيانة خدعة فى مقام الإئتمان وهى صفة ذم مُطلقاً سواء فى مقابلة أو مُطلقة هى صفة ذم فى كل الأحوال لذلك لم تكن من أفعال الله سبحانه وتعالى ..

ثانياً : الإستعاذة بالأسماء والصفات والتوسل بها

الوسيلة : هى ما يُتقرب به الى الله عز وجل من الواجبات والمستحبات ( أصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم )
التوسـل نوعـان : (1) توسل ممنوع (2) توسل مشروع
(1) التوسل الممنـوع :
هو التوسل بما لم يجعله الله وسيلة ، وذلك كالتوسل بالمقبورين أو بالأحياء من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فى غير الموطن الذى شرعه الله عز وجل .
(2) التوسـل المشـروع : وهو قسمان : ( أ ) عام ( ب ) خاص
* العـام : هو إتخاذ الشريعة كلها وسيلة كما قال تعالى { وأتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتخذوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون } ، وقوله تعالى { والذين يمسكون بالكتاب } فالله جعل الشريعة كلها عقيدة وأقوال وأفعال وسيلة لرضاه سبحانه .
* التوسل الخاص : هو التوسل بما شرعه الله عز وجل ، وهو أقسام :
(1) التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته وبشفاعته يوم القيامة ، وذلك لما جعله الله سبحانه وتعالى مقبول الدعاء ، والأدلة على ذلك كثيرة ( قصة المرأة التى تُصرع – الرجل الأعمى – الرجل الذى جاءه وهو على المنبر يسأله الدعاء بالمطر ... إلخ ) .
(2) التوسل بالعمل الصالح ، قال تعالى { قدموا بين يدى نجواكم صدقة } فهذا التوسل بالإنفاق ، وكذلك هناك التوسل بالذبح أو الحج أو العمرة والصلاة والصيام ، قال العلماء : ينبغى للمسلم أن تكون له خبيئة من عمل صالح لا يعلمها إلا الله ، لماذا لا يعلمها إلا الله ؟ .. قال الشاعر : إن كل ما ظهر من عملى لا أعده لأن قلوبنا أضعف من أن تُخلص والناس تنظر .
ومن الأدلة على جواز التوسل بالعمل الصالح حديث الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة فتحة الغار فتوسل كل واحد منهم الى الله بعمله الصالح أن يفرج عنهم ماهم فيه حتى انفرجت الصخرة وخرجوا يمشون .
وهنا أدعو نفسى وإياكم أن تتفكروا لو كان أحدنا رابعهم فبماذا كنا نتوسـل ؟ وهل لدينا عمل صالح يقبله الله منا ؟ وهل كانوا عندئذٍ سيخرجون أم سنكون سبباً لعدم نجاتهم ؟
(3) التوسل بالأسماء والصفات : كما هو ثابت فى السنة الصحيحة فى كثير من المواطن [ اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العُلى ] وهذا توسل بالأسماء [ اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك ] وهذا توسل بالصفات مع مراعاة إختيار الإسم المناسب للطلب حين الدعاء ، فإن هذا من الأدب مع الله ومن الفقه ، فلا يُقال إرحمنى يا جبار يا قوى .. لكن يُختار الإسم المناسب فيقول يا رحيم يا رحمن إرحمنى ..
ولفظ التوسل يُراد به ثلاث معان : معنيان صحيحان بإتفاق المسلمين ، والثالث لم ترد به سنة :
(1) التوسل بطاعته ، وهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به .
(2) التوسل بدعائه وشفاعته وهذا كان فى حياته ، ويوم القيامة يتوسلون بشفاعته .
(3) التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته ، فهذا هو الذى لم تك الصحابة تفعله لا فى الإستسقاء ونحوه ، لا فى حياته ولا بعد مماته ، لا عند قبره ولا غير قبره .
سؤال : هل يجوز طلب الدعاء من مخلوق فى حياته ؟
الأفضل عدم طلب الدعاء من أحد من المخلوقين فى حياته ، لكن طلب الدعاء من النبى صلى الله عليه وسلم فى حياته أفضل من الترك لما ثبت له صلى الله عليه وسلم من الفضل لكونه مقبول الدعوة .
أما دعاء الأنبياء والصالحين بعد موتهم فهو غير جائز فإن هذا من الشرك أو ذريعة الى الشرك ، وإن دعاء الغائب للغائب أعظم من دعاء الحاضر لأنه أكمل إخلاصاً أو أبعد عن الشرك ، وفى الحديث :" أعظم الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب " أخرجه أبو داود (2/1535) والترمذى (4/198) وفى لفظ " إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب " قال الألبانى ضعيف جداً ضعيف الجامع رقم 841 ، وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكّل الله به مَلكاً كلما دعا لأخيه بدعوة قال المَلَك الموكل به : آمين ولك بمثل " أخرجه مسلم (4/2732) .
ومن الأدلة أنه لا يُطلب الدعاء من المخلوقين فى حياته وإن ترك ذلك أفضل :
(1) إن الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم دون أن يسألهم أحد ، ولم يشرع دعاء الملائكة كما لم يشرع دعاء من مات من الأنبياء والصالحين . قال تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يُسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعتَ كل شئ رحمة وعلماً فأغفر للذين تابوا وأتبعوا سبيلك وقِهم عذاب الجحيم ... الآية } غافر 7 – 9
(2) حديث " لا تنسنا فى دعائك " ضعّـفه الألبانى ، وإن صحّ فإن طلب النبى صلى الله عليه وسلم وهو الفاضل من عمر بن الخطاب وهو المفضول الدعاء : ذلك من باب الإحسان إليه ، ومثله مثل أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة على الجنائز وزيارة القبور والسلام على المؤمنين والدعاء لهم ، فهو صلى الله عليه وسلم يطب منه الدعاء لينتفع المفضول بهذا الأمر ، وعلى ذلك من قال من الناس لغيره : ادع لى أو لنا وقصده أن ينتفع بذلك المأمور وينتفع هو أيضاً كما يأمر بسائر الخير فهو مقتد بالنبى صلى الله عليه وسلم ، أما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته فهذا من السؤال المرجوح الذى تركه الى الرغبة الى الله أفضل من الرغبة الى المخلوق وسؤاله .
(3) ما ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يدخل من أمتى الجنة سبعون ألفاً بغير حساب وقال : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ... الحديث " والرقية من جنس الدعاء – فلا يطلبون من أحد ذلك ، فوجه المدح هنا : عدم طلبهم هذا ، ولا ينفى أنهم كانوا يرقون أنفسهم وغيرهم كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم لكن دون طلبه منهم .
وأعلم أن التوسل يكون بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وليس بذاته ، والأدلة على ذلك :
1) قول عمر بن الخطاب " اللهم إنّـا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنّـا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا " ، فدلّ على أنهم لم يتوسلوا بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد موته وإلا ما كانوا عدلوا الى العباس والى اليزيد بن الأسود ، وقد كانوا يستطيعون الذهاب لقبره والتوسل هناك والدعاء بالجاه وما شابه ، لكن لما كان هذا غير مشروع عدلوا عنه الى المشروع .
2) حديث الأعمى الذى يحتج به الناس على أنه يجوز التوسل بذات النبى هو حُجة عليهم لا لهم فإنه صريح فى أنه إنما التوسل بدعاء النبى وشفاعته لما طلب الرجل من النبى الدعاء : أمره النبى صلى الله عليه وسلم بأن يقول : " اللهم شفّـعه في " وذلك بعد تقديم الصلاة . قال الألبانى : أى اللهم تقبل منه دعائه ( إقبل دعائه في ) وهذه الزيادة كنز من الكنوز من عرفها استطاع بها أن يطيح بشبهات المخالفين .


الواجب

سؤال: هل يجوز ان نقول على الرسول صلوات الله وسلامه عليه لفظ أعلم الخلق وما الدليل..؟
  #9  
قديم 10-16-2010, 12:26 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


الدرس السادس


ثالثاً : عـدم الإحصــــاء

الإحصاء : هو الإحاطة ، والإحاطة هى العلم بالشئ على تمامه وهو غير العلم .


سؤال : ما الفرق بين الإحصاء والعلم ؟

الإجابة : الإحصاء وقد عرفته ، أما العلم : فهو إدراك الشئ على ماهو عليه فى الواقع إدراكاً جازماً ، وهو بخلاف الجهل ، والعلم هو معرفة أى قدر أو أى معلومة . فإذا علم مسألة واحدة أو أكثر يقول : عندى علم بمسألة كذا ولا يقول : أحطتُ بها ، لأن كما ذكرنا الإحاطة تمام العلم ، وهذا فيه نظر .
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا أُحصـى " أى لا يستطيع أن يعلم الشئ على تمامه ، أى لا يعلم تمام ما إتصف الله به ولا يستطيع أن يعرف أوجه المحامد التى تليق برب العالمين إلا بما علّـمه الله ، فالنبى صلى الله عليه وسلم علم كثير من الأسماء والصفات ولم تُذكر فى القرآن ولكنه يعلم فقط ولا يُحصى .. فتنبّـه .. وهذا يعنى أن لله أسماء وصفات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلمها على التمام وهو أعلم الخلق فيكون باقى الخلق أيضاً لا يستطيعون ذلك .
وعدم إحصـاء أوجه المحامد من جهتين :
الجهة الأولـى
مدلول ما عرفنا الله به من ألفاظ الثناء
الجهة الثانية
ألفاظ الثناء وجملة الأسماء والصفات
والإحصـاء نوعـان :
(1) إحصاء مثبت : وهذا مثل ما ذكره البخارى " إن لله تسعة وتسعين إسماً من أحصاها دخل الجنة " وهو القدر التكليفى
(2) إحصاء منفى : وهو مثل حديث عائشة رضى الله عنها " اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وهذا النوع هو التمام والكمال ، وهو الذى نفاه النبى صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن غيره .

سؤال : كيف يكون لله تسعة وتسعين إسماً من أحصاها دخل الجنة والحديث الثانى يقول لا أحصى ثناءً عليك . فهل هناك تعارض بين الحديثين أم ماذا ؟

الإجابة : لا يوجد أى تعارض البتة ولكن صيغة " إن لله .." لا تدل على الحصر وإثبات الملكية فى البعض لا ينفى الملكية فى غير المذكور ، بمعنى إذا قلت إن لى مائة درهم أعددتها للصدقة فهذا لا يعنى إننى ليس عندى غير هذه الدراهم أو أنى لن أتصدق بغير هذه المائة . ولله المثل الأعلى . فإن لفظ " إن لله تسعة وتسعين إسماً " لا ينفى أن لله أسماء أخرى فلا يفيد هذا اللفظ الحصر ولكن إذا قلت " ليس له إلا.." كان هذا للحصر. كما أن هذا يؤيد أن بعض الأسماء أفضل من بعض ، فهذه التسعة والتسعين لها فضل عن سائر الأسماء . فما هو هذا الفضل ؟ ما جاء فى بقية الحديث : " من أحصاها دخل الجنة " فهذه التسعة والتسعين لها فضل عن سائر الأسماء وليس معناه أن هذه هى كل الأسماء .

سؤال : ما الذى يدل على أن لله أسماء أخرى غير التسعة والتسعين ؟

الإجابة :
(1) يدل على ذلك الحديث المتقدم : " لا أحصى ثناءً عليك "
(2) حديث " اللهم إنى أسألك بكل إسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحد من خلقك أو إستأثرت به فى علم الغيب عندك .." هو حديث صحيح وهو جزء من حديث ابن مسعود رواه أحمد وبيّن ابن القيم أهميته فى الفوائد ص 24-29 .
(3) يدل على ذلك أيضاً حديث الشفاعة وهو حديث طويل فى آخره أن النبى صلى الله عليه وسلم يستأذن ربه بعد أن يأتيه الناس فيقول : أنا لها فيسجد تحت العرش يقول : فيفتح الله علىّ بأنواع من المحامد لم أكن أعلمها من قبل ... وهذا يوضح أن هناك من الأسماء والصفات ما لم يتعلمها بعد وأن الله عز وجل سيفتح بها عليه مما سيكون سبباً لقبول شفاعته صلى الله عليه وسلم .
ملحوظة وتتمة فى مسألة الأسماء والصفات :
[1] إعلم أن كثرة الخوض والتعمق فى البحث فى آيات الصفات وكثرة الأسئلة فى هذا الموضوع من البدع التى يكرهها السلف .
[2] أن مبحث آيات الصفات دلّ القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الإعتقاد الذى كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح ، ومن أخلّ بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضلّ ، وهى :
1 - تنزيه الله جل وعلا من أن يشبه شئ من صفاته صفات المخلوقين ، يدل عليه قوله تعالى { ليس كمثله شئ } الشورى 1 ، وقوله تعالى { ولم يكن له كُفواً أحد } الإخلاص 4 .
2 - الإيمان بما وصف الله به نفسه لأنه لا يصف الله أحد أعلم بالله من الله ، يدل على ذلك قوله تعالى { ءأنتم أعلم أم الله } البقرة 140 ، وكذلك الإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم الذى قال سبحانه فى حقه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يُوحى } النجم 3-4 ، ولأن هناك أسماء لم ترد فى القرآن سمى الرسول بها ربه مثل ( الشافى ) قال النبى صلى الله عليه وسلم " إشفِ أنت الشافى " و ( الرب ) قال " أما الركوع فعظموا فيه الرب " ، والله سبحانه وتعالى قال { وهو السميع البصير } بعد قوله { ليس كمثله شئ } فيجب إثبات السمع والبصر لله سبحانه وتعالى لكن على أساس ليس كمثله شئ .
3 - قطع الطمع من إدراك حقيقة الكيفية لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل .
فلا يشكل عليكم بعد هذا صفة نزول ولا مجئ ولا صفة يد ولا أصابع ولا عجب ولا ضحك لأن هذه الضفات كلها من باب واحد فما وصف به نفسه منها فهو حق وهو لائق بكماله وجلاله لايشبه شيئاً من صفات المخلوقين . فأعلم أن نزول الله حقيقى وكذلك كل شئ كان الضمير يعود فيه الى الله فهو ينسب إليه حقيقةً فالمراد بالنزول فى الحديث هو نزول الله نفسه وليس أمره أو رحمته ، ولكن يجب قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية نزول الرب لأنه مستحيل لقوله تعالى { ولا يُحيطون به علماً } طه 110 .



[3] صفات الله تعالى تنقسم الى قسمين : ( أ ) ثبوتيــة
( ب ) سـلبيـة
أ – الثبــوتية : ما أثبته الله تعالى لنفسه فى كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه فيجب إثباتها لله تعالى حقيقةً على الوجه اللائق به .
ب – السـلبيـة : هى ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه فى كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وكلها صفات نقص فى حقه كالموت والنوم والجهل والنسيان والعجز والتعب ، فيجب نفيها عن الله تعالى مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل ، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه المراد به بيان إنتفائه لثبوت كمال ضده لا لمجرد نفيه ، لأن النفى ليس بكمال إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال ، وذلك لأن النفى عدم والعدم ليس بشئ فضلاً عن أن يكون كمالاً ، ولأن النفى : * قد يكون لعدم قابلية المحل له فلا يكون كمالاً كما لو قلت الجدار لا يظلم فهذا ليس كمالاً ..* وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصاً ، فإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهى ممتنعة فى حق الله تعالى ، أما إذا كانت الصفة كمالاً فى حال ونقص فى حال : لم تكن جائزة فى حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً ، بل لابد من التفصيل ، وذلك كالمكر والكيد والخداع والإنتقام ونحوها .. فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت فى مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها لأنها حينئذٍ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله بل وأشد ، وتكون نقصاً فى غير هذه الحال ولهذا لم يذكرها الله تعالى على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها فى مقابلة من يعاملونه بها . قال تعالى : { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } الأنفال 30 ، وقوله { إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً } الطارق 15-16 ، وقوله { إن المنافقون يخادعون الله وهو خادعهم } النساء 142 ، ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم } الأنفال 71 ، ولم يقل فخانهم لأن الخيانة خدعة فى مقام الإئتمان وهى صفة ذم مطلقاً ، ولذا من يقول من العوام ( خان الله من يخون ) فهذا قول منكر فأحسن يجب النهى عنه .

[4] إعلم أن صفة الخالق لائقة بذاته ، وصفة المخلوق مناسبة لعجزه وافتقاره ، وكما أن هناك فارق بين الذات والذات كان هناك فرق بين الصفة والصفة ، ونضرب مثلاً واحداً من آيات الصفات وبالتالى ينسحب هذا على الجميع إذ لا فرق بين الصفات لأن الموصوف بها واحد وهو جل وعلا لا يشبهه شئ من خلقه فى شئ من صفاته البتة ، وهذا المثال على صفة الإستواء التى كثر الخوض فيها ونفاها كثير من الناس بفلسفة منطقية وأدلة جبلية فقالوا : لو كان مستوياً على عرشه لكان مشابهاً للخلق ولكنه غير مشابه للخلق ، ينتج عن هذا أنه غير مستو على عرشه ..!!.. وهذه النتيجة باطلة لمخالفتها صريح القرآن ، وقبل بيان الدليل على بُطلانها أود أن أُنبّـه على أمر مهم وأنصح نصيحة مشفق وهى أن كل هذا الشر إنما جاء من مسألة هى تنجُّس القلب وتلطـُّخه وتدنُـسه بأقذار التشبيه فإذا سمع ذو القلب المتنجس بأقذار التشبيه صفة من صفات الكمال التى أثنى الله بهاعلى نفسه كالنزول والإستواء وغير ذلك : أول ما يخطر فى ذهن المسكين أن هذه الصفة تشبه صفة الخلق ، فهو لا يُـقدّر الله حق قدره ولا يُعظم الله حق عظمته حيث يسبق الى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيكون أولاً نجس القلب متقذر بأقذار التشبيه فيدعوه هذا الى أن ينفى صفة الخالق جل وعلا عنه بإدعائه أنها تشبه صفات المخلوق ، فيكون أولاً مشبهاً وثانياً مُعطلاً ضآلاً .. فأعلموا أن صفات الله كلها صفات مدح وكمال تمدّح بها رب السموات والأرض ، وفى مثالنا هذا ما يدل على أنها صفة كمال وجلال أن الله ما ذكرها فى موضعٍ من كتابه إلا مصحوبة بما يُبهر العقول من صفات جلاله وكماله ، ومثال ذلك من الآيات ما يلى :
أ ) قوله { إنَّ ربكمُ الله الذى خلقَ السمواتِ والأرضَ فى ستة أيامٍ ثم استوى على العرشِ يُغشى الليلَ النهارَ يَطلُبُهُ حثيثاً والشمسَ والقمرَ والنجومَ مُسخراتٍ بأمرِه ألا لهُ الخلق والأمرُ تباركَ اللهُ ربُ العالمينَ } الأعراف54
ب) وقوله تعالى { إنّ ربكمُ اللهُ الذى خلقَ السمواتِ والأرضَ فى ستةِ أيامٍ ثم استوى على العرشِ يُدبّرُ الأمر مامِن شفيعٍ إلا من بعدِ إذنهِ ذلكمُ الله ربكُم فأعبدوه أفلا تذكّـرون } يونس 3
ج) وقوله تعالى { اللهُ الذى رفعَ السمواتِ بغيرِ عمدٍ ترونها ثم استوى على العرشِ وسخّر الشمسَ والقمرَ كلٌ يجرى لأجلٍ مسمىً يُدبّرُ الأمرَ يُفصّل الآياتِ لعلكم بلقاءِ ربكم تُوقنون } الرعد 2
د) وقوله تعالى { الرحمنُ على العرشِ استوى له ما فى السمواتِ وما فى الأرضِ وما بينهما وما تحتَ الثرى وإن تجهَـر بالقولِ فإنه يعلمُ السرَّ وأخفى اللهُ لا إلهَ إلا هوَ لهُ الأسماءُ الحُسـنى } طه 5-8
وغير ذلك من المواضع كثير ، والشاهد أن هذه الصفة التى يظن الجاهلون أنها صفة نقص وصف الله نفسه بها مع أن الله تمدّح بها وجعلها من صفات الجلال والكمال ،ويدل على ذلك ما أوردناه من آيات مقرونة بهذه الصفة تُبهر العقول وتسجد لله كل مخلوقاته لعظمته وجلاله ، فاللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه ..
وأخيراً نقول قول ابن القيم رحمه الله : لفظة ( رأس ) هذه الكلمة أضفها الى المال وأضفها الى الوادى وأضفها الى الجبل قل : رأس المال ، رأس الوادى ، رأس الجبل فأنظر ما صار من الإختلاف بين هذه المعانى بحسب هذه الإضافات ، هذا فى مخلوق ضعيف مسكين فما بالك بالبون الشاسع الذى بين صفة الخالق جل وعلا وصفة المخلوق .
وختاماً : ينبغى للمؤولين أن ينظروا فى قوله تعالى لليهود { وقولوا حطة } البقرة 58 – فإنهم زادوا فى هذه اللفظة المنزلة ( نوناً ) فقالوا : حنـطة فسمى الله هذه الزيادة تبديلاً فقال : { فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } البقرة 59 ، وكذلك المؤولون للصفات قيل لهم استوى فزادوا ( لاماً ) فقالوا : استولى .. فأنظر ما أشبه لامهم هذه التى زادوها بنون اليهود التى زادوها !!

رابعـاً : نوع النـفى فى كلمـة لا أُحصـى

النفى هنا ( نفى كمال ) وأوضحنا ذلك بأن أعلم الخلق لا يُحصى ألفاظ الثناء على الله ولا يُحصى تمام مراد الله من ألفاظ الثناء ، فالنفى هنا ( نفى كمال ) وليس ( نفى جنس ) فهو لا ينفى الثناء ، فإن نفى الثناء ونفى الجنس هنا فى هذا الموطن كفر والعياذ بالله .
قوله : وكيف نحصى خصائص إسم لمسماه كل كمال على الإطلاق ...
وعلمنا ما فى الإحصاء ، وهنا نقول ( وكيف نحصى ) فالمعنى هنا الإحصاء وليس العلم فإننا مثلاً نعلم أن الله حكيم لكن هل نستطيع أن نحصى معنى حكيم كاملة ، ونعلم أن الله رحيم ولكن مهما عرفنا فلن نبلغ إلا البعض، فإن كل ما أدركناه بالتعقل والتفهم والتفكر ورؤية آثار رحمته عز وجل فهو بعض مقتضى الإسم بدليل أن هناك أمور لا نعرف لها كيفية مثل إستواءه على العرش ، ونزوله الى السماء الدنيا ، وغير ذلك ،وهذا وجه من وجوه عدم الإحصاء ..
خصائص : المقصود هنا خصائصه المعنوية وليست اللفظية أو اللغوية .
إســم : ما يُقال فى الإسم يُقال فى غيره من الأسماء والصفات
لمسماه : المقصود الله سبحانه وتعالى .

وهنا سؤال : لماذا هنا تكلم عن المسمى فى حين أننا نذكر خصائص الإسم وليس المسمى ؟

الإجابة : لأن الإسم هو المسمى فى حق الله سبحانه وتعالى ، وأن أسماءه هى هو وليست غيره كما أوضحنا آنفاً .
كمال على الإطلاق : أى لا ينتهى حده ولا حدود له ، والكمال هو ما لا يُتصور معه نقص .. واعلم أن كل كمال لمن سوى الله هو كمال مقيد بمعنى : إذا قلت فلان ( كريم ) فهو مهما بلغ من الكرم ولو بلغ الكمال فهو كمال مقيد له حد لأنه كمال يليق بالمخلوق ، وسمة المخلوق النقص ، فهو له حد ينتهى عنده ..
أما الكمال فى شأن الله عز وجل فهو كمال مطلق لاحد له ، يليق به سبحانه وتعالى .
قوله : وكل مدح وحمد....
المدح هو ذكر المحاسن ، وهو الثناء بذكر الجميل ، والمدح لا يستلزم المحبة ، فقد نقول أمريكا بلد قوية بما لديها من أسلحة ، أو نقول النصارى لديهم إنضباط فى المواعيد ، ولا يستلزم هذا القول محبة هذا أو ذاك .
فالمدح هو إخبار مجرد ، وقيل المدح هو ذكر المحاسن بمقابل وبدون مقابل ، والمدح يكون بذكر الجميل الإختيارى وغير الإختيارى ..أما الحمد فهو الذكر بالجميل الإختيارى أى ذكر المحاسن دون إحسان ، وهو ذكر الله بصفات الكمال ، وقيل هو ذكر المحمود بصفات الكمال بمعنى ذكر صفات الكمال لله سبحانه وتعالى وإن لم يبدو سبباً لذلك لأن الله عز وجل مستحق لذلك أعطى أو منع فإنك تحمد الله إذا أعطاك ووهبك من نعمه ، وتحمد الله إذا أصابتك مصيبة ، والحمد يكون على الصفات الذاتية وعلى العطاء ، والله هو مستوجب الحمد ومستحقه ، المحمود على كل حال ، وهو الذى لا يحمد على مكروه سواه ، وقيل الحمد هو ذكر أوصاف الجلال والكمال ، والله سبحانه وتعالى قد حمد نفسه بنفسه من قبل أن يحمده أحد من خلقه ، فهو الحميد لنفسه أزلاً وبحمد عباده له أبداً ، إنه الحميد المطلق الذى لا حميد سواه ، المحمود على كل حال .. وفى الآيات التالية الحمد على نعمائه : قال تعالى : { الحمد لله الذى وهب لى على الكِبَـر إسماعيل واسحاق } إبراهيم 39 ، وقوله { فقال الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } المؤمنون 28 ، وقوله { وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده وأورثنا الأرض } الزمر 74 ..
أما فى الآيات التالية : قال تعالى { الحمد لله فاطر السموات والأرض } فاطر 2 ، وقوله تعالى { وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولياً ولم يكن له شريك فى المُلك } الإسراء 111 ، { الحمد لله رب العالمين } الصافات 182 ، فهنا الحمد على صفاته الذاتية سبحانه وتعالى .
ملحوظة : إن المدح والحمد لغةً يشتركان فى نفس الحروف ولكن بترتيب مختلف وتبايُن فى المعنى ، وهذا يسمى فى اللغة ( إشتقاق أوسط ) والمدح أعم من الحمد لأن المدح يكون بذكر الجميل الإختيارى وغير الإختيارى كأن تقول : مدحت اللؤلؤ لصفاته ، فهنا الممدوح ليس مختاراً لصفاته ، والحمد أخص لأنه يكون بذكر الجميل الإختيارى فقط .

سؤال : يخلط كثير من الناس بين الحمد والشكر : فهل الحمد هو الشكر ؟

الإجابة : لكى نعرف الإجابة لابد أن نعرف ماهو الشكر أولاً حتى نستطيع أن نعرف هل هما شئ واحد أم بينهما إختلاف ؟ فهيا نتعرف على الشكر ...
الشكر لغةً : فيه معنى الزيادة ، تقول : شكرت الأرض إذا كثر فيها النبات ، وتقول : هذه دابة شكور إذا أظهرت من السِمن فوق ما تُعطى من العلف ، فهو ظهور أثر الغذاء فى أبدان الحيوان ، وفى حديث يأجوج ومأجوج : " وإن دواب الأرض تسمن وتشكر شكراً من لحومهم " أى تسمن وتمتلئ شحماً حيث أن الله يرسل عليهم ديدان تقتلهم فتأكل الدواب لحومهم حتى تسمن سِـمناً عظيماً ، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل ، ويُقال اشتكرت السماء إذا إشتد مطرها – اشتكر الضرع إذا إمتلأ لبناً ، ويقال أشكرت الشاه إذا سمنت وأمتلأ ضرعها لبناً ، ودابة شكور أى مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها ، وقيل عين شكرى أى ممتلئة .. فهذه معانى الشكر وهى تدل على الزيادة والنماء .
والشكر شرعاً : هو الثناء على المحسن بما أعطاك وأولاك فتكون شكرته وشكرت له ، والثانى أفصح .
وهو الوصف الجميل على جهة التعظيم والتبجيل على النعمة من اللسان والجنان والأركان ( جامع العلوم فى اصطلاحات الفنون – تأليف محمد على الفاروقى – تحقيق د. لطفى عبد البديع ج 2 ص 222 ) ، وهو تصور النعمة وإظهارها ، وهو مقلوب من الكشر أى الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة أو سترها ( المفردات للراغب ص 265 )
وهو فعل يُشعر بتعظيم المُنعم بسبب كونه مُنعماً وذلك الفعل إما فعل القلب أى الإعتقاد بإتصاف المحمود بصفات الكمال والجلال ، وإما فعل اللسان أى ذكر ما يدل عليه ، وإما فعل الجوارح وهو الإتيان بأفعال دالة على ذلك ، وهذا هو شكر العبد لله ( اصطلاحات الفنون ص 112 ج 3 ) .
وهو الإعتراف للمُنعم بالنعمة على وجه الخضوع . وقيل هو استفراغ الطاقة فى الطاعة ، وقال ابن منظور فى ( لسان العرب ) : الشكر هو معرفة الإحسان ونشره .
والشكور صيغة مبالغة من شكر ، وإسم الفاعل منه شاكر ، قال تعالى { ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } فاطر 30 ، قال تعالى { وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحَزَن إن ربنا لغفور شكور } فاطر 34 وقال تعالى { إن يشأ يُسكنِ الريح فيظللن رواكد على ظهره إن فى ذلك لآيات لكل صبّـار شكور } الشورى 33 ، قال تعالى { إن تُقرضوا الله قرضاً حسناً يُضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم } التغابن 17 .
قيل الشكور : معناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيُضاعف لهم الجزاء ويُجازى على يسير الطاعات كثير الدرجات .
وقيل : هو الذى يدوم شكره ويعم فضله فيُجازى على كل صغير أو كبير من الطاعة كثير من النِعَم ، هذا فى حق الله سبحانه وتعالى . فما الفرق بين الشاكر والشكور فى حق العبد لربه ؟

سؤال : ما الفرق بين الشاكر والشكور فى حق المخلوق ؟

الشاكر الشكور
هو الذى يشكر على الموجود هو الذى يشكر على المفقود
هو الذى يشكر على العطـاء هو الذى يشكر على البـلاء
هو الذى يشـكر على النفـع هو الذى يشكر على المنـع
والشكر نصف الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم :" الإيمان نصفان : نصف صبر ونصف شُكر " أخرجه البيهقى فى شُعب الإيمان عن أنس رضى الله عنه ، قال تعالى { إن فى ذلك لآيات لكل صبّـارٍ شكور } والله سبحانه وتعالى سمى نفسه شاكراً وشكوراً ، وسمى الشاكر من عباده بهذين الإسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم بإسمه وحسبك بهذا محبة للشاكر وفضلاً ( تهذيب مدارج السالكين ) .

أركــان الشـكر : الشكر من العبد لربه يدور حول ثلاثة أشياء :

(1) إعتراف العبد بنعمة الله عليه على وجه الخضوع .
(2) الثناء عليه سبحانه وتعالى بهذه النعم ، أى الثناء على المحسن بذكر إحسانه .
(3) الإستعانة بهذه النعم على مرضاة الله وأن لا يستعملها فيما يكره .
فالشكر هو الإعتراف بإنعام الله عليك على وجه الخضوع ، فمن لم يعرف النعمة لا يشكرها ، ومن عرف النعمة ولم يعرف المُنعم كيف يشكره ؟ ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها فقد كفرها ، ومن عرف النعمة والمُنعم وخضع للمُنعم وأحبه وأستعمل النعمة فى طاعته فهذا هو الشاكر حقاً .. وهذا هو التعريف الشامل لشكر الله .
والشكر هو الغاية التى خلق الله الخلق لها ، قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } فلأى شئ أخرجهم من بطون أمهاتهم ؟ لعلهم يشكرون .
والله قسّـم الناس الى قسمين : إما شاكر وإما كافر ، قال تعالى { فأذكرونى أذكركم وأشكروا لى ولا تكفرون } وهو أول وصية وصّى الله بها الإنسان قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن وفصالُه فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلىّ المصير } ، وقال تعالى { ولقد ءاتينا لقمان الحِكمة أن اشكر لله } وكان النبى صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين وإمامهم ، كان يعبد الله ليكون شكوراً كما جاء فى الحديث الصحيح عن المغيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه ، فقيل : غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " . وجاء مثله أيضاً فى صحيح البخارى عن عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطّـر قدماه . فقالت عائشة : لِمَ تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً "..

سؤال : كيف تكون عبداً شكوراً ؟

الإجابة :
(1) بهذه العبادة التى دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى قيام الليل . مَن مِنا يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ؟ بل مَن مِنا يقوم الليل أصلاً ؟!! إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
(2) الدعاء : وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم أعنّى ولا تُعن علىّ وأنصرنى ولا تنصر علىّ وأمكر لى ولا تمكر بي وأهدنى ويسر الهُدى لي وأنصرنى على من بغى علىّ وأجعلنى شاكراً – وفى رواية شكّاراً – لك ذكّاراً لك رهّاباً لك مطاوعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيباً ، رب تقبل توبتى وأغسل حوبتى وأجب دعوتى وثبّت حُجتى وأهدِ قلبى وسدد لسانى وأسلل سخيمة صدرى ( فى المسند والترمذى ) ، وعلّم صلى الله عليه وسلم معاذاً دعاءً عظيماً فقال : يا مُعاذ إنى أحبك فلا تنسى أن تقول فى دبر كل صلاة :" اللهم أعنّى على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك " .. قال سليمان عليه السلام " رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ "
(3) العلم بأن الشكر يحفظ النعم ويزيدها ، قال تعالى { ولئن شكرتم لأزيدنكم } ولذلك يسمون الشاكر ( الحافظ ) أى الحافظ للنعمة ، فهو ( الحافظ للنعم الموجودة والجالب للنِعَم المفقودة ) قيل) الشكر قيد الموجود وصيد المفقود ) قال عمر بن عبد العزيز ( طيِّب نِعَم الله بشكر الله ) وقال ( الشكر قيد النِعَم ) وقال مطرف بن عبد الله ( لئن أعافى فأشكر أحب إلىّ من أن أُبتلى فأصبر ) .
(4) التحدث بنعم الله ، قال تعالى { وأما بنعمة ربك فحدّث } وذلك بأن يرى أثر نعمة الله عليك بغير مخيلة ولا سرف . قال صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أنعم على عبدٍ بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده " جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له : هل لك من مال ؟ قال : نعم . قال : من أى المال ؟ قال : من كل المال قد ءاتانى الله من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا أتاك الله مالاً فليُـرَ عليك .
قال السلف : [ لا تضركم دنيا شكرتموها ] فإذا أظهرت نعم الله عليك وأنت شاكر فلن يضرك بإذن الله . وقد ذمّ الله الإنسان الكنود قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود } قال المفسرون : هو الذى لا يشكر نعم الله . قال الحسن : إنه الذى يعد المصائب وينسى النعم ، وقيل : من كتم النعمة فقد كفرها ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها .
(5) أن تراعى هذا المشهد ، فهذه نعمة تستوجب شكراً آخر . دخل رجل على عمر رضى الله عنه فسلم عليه [ فقال : كيف أنت ؟ فقال : أحمد إليك الله . قال : هذا أردت منك ] وقال رجل لشهل بن عبد الله [ دخل لص بيتى وأخذ متاعى . فقال له : اشكر الله تعالى ، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك ماذا كنت تصنع ؟ ] وعن ابن عمر قال : [ لعلنا نلتقى فى اليوم مراراً يسأل بعضنا عن بعض ولم يُرد بذلك إلا أن يحمد الله ] أى أن غرض السؤال الدفع لحمد الله . قال أحد السلف [ يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تُنعم علىّ ثم ترزقنى على النعمة شكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة ] وقال ابن القيم فى تهذيب مدارج السالكين [ ومن تمام نعمته سبحانه وعظيم بره وكرمه وجوده محبته له على هذا الشكر ورضاه منه به وثناؤه عليه به ومنفعته وفائدته مختصة بالعبد لا تعود منفعته على الله وهذا غاية الكرم الذى لا كرم فوقه يُنعم عليك ثم يُوزعك شكر النعمة ويرضى عنك ثم يُعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سبباً لتوالى نعمه وإتصالها إليك والزيادة على ذلك مها .. ]
(6) نسبة النعمة للمُنعم : فلا يقول حصلت عليها بذكائى أو بعملى أو بجهدى ، فلا بد من رد الأمر الى الله ومن هذا وقوع المطر فنجد البعض يقول : هذا لنوة كذا ، فى الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم تروا ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادى من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب"رواه أحمد ومسلم وغيرهما.قال تعالى{ وما بكم من نعمةٍ فمن الله }
(7) أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم ، وهذه عبادة عظيمة يشترك فيها الأعضاء السبعة ، وفى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسُره خرَّ لله ساجداً شاكراً له عز وجل ، ولما جاء الى أبى بكر خبر قتل مُسيلمة : سجد لله شكراً ، فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه .




الواجب
كم عدد اسماء الله الحسنى ..؟؟


التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 10-20-2010 الساعة 05:17 AM
  #10  
قديم 10-20-2010, 04:59 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



الدرس السابع

ذكرنا في نهاية الدرس السابق هذه العبارة
(أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم)

سؤال : نحن نعيش فى نعم كثيرة : لنا أعين نُبصر بها وآذان نسمع بها وأصوات نتكلم بها وغير ذلك كثير . فهل يُشرع لنا أن نسجد دائماً ؟
الإجابة :

لا بالطبع ، وذلك لأننا نتبع السُنة فى أعمالنا ، والسُنة السجود عند حدوث نعمة متجددة ، فالمشروع السجود بتجدد النعم مثل إذا أتاك خبر يسُرك أو نجّاك الله من عدو أو مصيبة .. إلخ ، فالسجود للنعمة المتجددة يُذكّر بالنعمة المستدامة ، والنعمة المتجددة تستوجب عبادة متجددة ، ولأن طروء النعمة يُسبب بطر وأشر ، فلذلك شرع السجود وهو أن تجعل رأسك ( أعلى ما فى جسدك ) تحت وأسفل إظهاراً للخضوع والذل لرب العالمين وكسر النفس فلا تبطر بالنعم ، ولذلك فإنك تجد أهل الجهل عند حدوث فرحة أو نعمة يصيحون ويفعلون المعاصى ويشعرون بالخيلاء والعُجب ، ومثال ذلك ما يحدث عند الزواج فهذه نعمة عظيمة لكن عند حدوثها تجد الكثير لا يشكرون بل يفعلون المعاصى بإسم الفرح وأنها ليلة العُمر فكل شئ مُباح ، ونسوا قول رصول الله صلى الله عليه وسلم :" صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " حديث حسن ، وهو من أدلة تحريم المعازف .
(8) تذكر أن هذه المصيبة أخف من أعظم منها ، قال عبد العزيز بن أبى رواد : رأيت فى يد محمد بن واسع قرحة ، وكأنه رأى ما شق علىّ منها ، فقال لى : أتدرى ماذا لله علىّ فى هذه القرحة من نعمة ؟ لم يجعلها فى حدقتى ولم يجعلها فى طرف لسانى أهون أنها صارت فى يدى فهذه نعمة تستدعى الشكر عليها وينبغى السجود شكراً لله .
(9) الإعتناء بالنعمة والمحافظة عليها : وخاصةً مافيه رفعة للدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحسن الرمى ثم تركه فقد ترك نعمة من النعم " ، وفى رواية " من ترك الرمى بعد أن علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها " حديث صحيح ، فهذه نعمة لأنه يُعين على الجهاد ويرفع به الدين . .ومن ذلك الإعتناء بفضلات الطعام وإطعامها للدواب أو الطيور ، فإن من كفران النعمة أن تُلقيها فلا يستفيد منها أحد وإن كان ولابد فأجعلها فى لفافة بعيداً عن القمامة لعلّ أحد يستفيد منها .
(10 ) أن تشكر الناس على إحسانهم إليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " صحيح ، وحديث " أشكر الناس لله أشكرهم للناس " .
(11 ) النظر الى النعمة والتفكر فى وجود ضدها الذى كان موجوداً من قبل ، مثال النظر إذا كان ذاكراً لله على الدوام أيام كان غافلاً لاهياً ، وإذا كان قارئاً أيام كان لا يقرأ ، وإذا كان له أبناء صالحين أيام أن لم يكن له أولاد ... إلخ

سؤال : ماهى أسباب تقصير العباد عن شكر نعمة الله ؟

الإجابة : لم يُقصّـر الخلق شكر نعمة الله إلا بسبب الجهل والغفلة ، فلا يُتصور شكر نعمة بدون معرفتها ، وإن عرفوا ظنوا أن الشكر عليها هو أن يقول بلسانه ( الشكر لله ) ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة فى إتمام الحِكَـم التى أُريدت بها وهى : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغفلة الناس وجهلهم لا يعدون ما يَعُـم الخلق فى جميع أحوالهم نعمة ، لذلك لا يشكرون على جملة ما يجدون من نعم الله التى تفضل بها على خلقه لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع الأحوال ، فما يجدونه غير مختص بهم لا يعدونه نعمة ، ومن ذلك تجدهم لا يشكرون نعمة الهواء ، ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع عنهم الهواء لماتوا ، ولو سلّط على الهواء بعض الناس لمنعوه غيرهم وتحكموا فيه ، وهذا مثال للغفلة والجهل إذ صار أيضاً شكرهم موقوفاً على أن تُسلب عنهم النعمة ثم تُرد إليهم فى بعض الأحوال وقد لا تُرد فتجد البصير لا يشكر نعمة البصر إلا أن يفقده فيشعر بالنعمة التى كان فيها ، فإذا أُعيد إليه بصره أحسّ بالنعمة وشكرها ، ومثل هذا مثل عبد السوء يُضرب دائماً فإذا تُرك ضربه ساعة : شكر ، وإن تُرك ضربه أصلاً غلبه البَـطر وترك الشكر ، فأنظرى ما تجديه من نفسك وأختارى ما ترضيه لها ..
كما أنه من الغفلة التى جعلت الناس لا يشكرون هو إعتقادهم أن المال هو النعمة التى تستوجب الشكر وما عداه ينسونه ، كما رُوى أن بعضهم شكا فقره الى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة إغتمامه بذلك فقال له : [ أيسـرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفاً ؟ قال : لا .. قال : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال : لا .. قال : أما تستحى أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً ؟ !! ]
ودخل ابن السماك على الرشيد فى عِظَـة فبكى ودعا بماء فى قدح ، فقال : [ يا أمير المؤمنين لو مُنِعْتَ هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفديها ؟ قال : نعم . قال : فأشرب ريّـاً بارك الله فيك ، فلما شرب قال له : يا أمير المؤمنين أرأيت لو مُنِعْتَ إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدى ذلك ؟ قال : نعم .. قال : فما تصنع بشئٍ شربة ماءٍ خير منه ؟ ] وهذا يُبين أن شربة ماءٍ عند العطش أعظم من مُلك الأرض ، ثم تسهيل خروجها من أعظم النعم ، وفى هذا إشارة الى النعم التى يغفل عنها الكثير .
ومن النِعَم التى تستدعى شكر الله ليل نهار لكن أيضاً للغفلة والجهل كثير إلا من رحم ربى لا يفعلون وهى أن جعله الله مؤمناً لا كافراً ، وحياً لا ميتاً ، وإنساناً لا بهيمةً ، وصحيحاً لا مريضاً ، وعاقلاً لا مجنوناً ، وسليماً لا معيباً وأن الله ستر مساويه حيث أظهر الجميل وستر القبيح فما من أحدٍ إلا وهو يعرف بواطن نفسه ولو كشف الغطاء عنه لأفتضح على رؤوس الأشهاد ، وكان البعض يقول : [ لو كانت للذنوب رائحة لأبى الناس أن يَلقونى فى الطرقات ] .. فما أعظمها من نعمة وهى ستر الذنوب والمعاصى عن سائر العباد .

سؤال : بعد أن عرفنا شكر العبد فكيف يكون شكر الرب ؟

الإجابة : إن شكر الله ليس على نعمة بذلها العبد لربه فيشكره عليها ، فإن الله هو المانح دائماً والعبد هو الممنوح دائماً ، وليس لأحدٍ على الله منة ، بل المنة كلها من قبل ومن بعد لله ، ولذلك جاء فى تفسير شكر الله أنه القدرة على إثابة المحسن وأنه لا يضيع أجر العاملين ، فهو سبحانه يوفق عباده للخير ثم يعطيهم ويُثيبهم على العمل بهذا الخير الذى ساقه إليهم . والله يشكر القليل من العمل ويُعطى عليه الثواب الجزيل فالحسنة بعشر أمثالها ويُضاعف لمن يشاء . ويشكر عبده بأن يُثنى عليه فى الملأ الأعلى ويذكره عند الملائكة ويجعل ذكره فى الأرض بين العباد. كما أن العبد إذا ترك شيئاً لله أبدله الله أفضل منه شكراً له ، ألم ترى لمّا عَقَرَ سُليمان الخيل غضباً لله لمّا أشغلته عن ذكر الله فعوضه الله عنها بالريح وعلى متنها يكون سفره وتحمل جنوده من الإنس والجن ، ولمّا ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها فى سبيل الله عوضهم الله عنها بالدنيا وفتح عليهم مُلك فارس والروم ، ولمّا تحمّـل يوسف الصديق عليه السلام ضيق السجن شكر الله ذلك له ومكّن له فى الأرض يتبوء منها حيث يشاء ، ولمّا بذل الشهداء دماءهم فى سبيل الله شكر الله لهم وجعل أرواحهم فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة وترد أنهار الجنة وتؤوى الى قناديل معلقة تحت العرش .
حتى أعداء الله يشكرهم الله على ما يفعلونه من الخير بالمعروف فى الدنيا فيُعطيه الصحة والغنى والأولاد ونحو ذلك من متاع الدنيا ، أما فى الآخرة فليس له فيها نصيب .
ومن أمثلة شكر الله لعباده ماجاء فى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزع رجلاً لم يصنع خيراً قط غصن شوك عن الطريق إما كان فى شجرة فقطعه فألقاه وإما كان موضوعاً فأماطه فشكر الله له بها فأدخله الجنة " حديث حسن
وفى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشى فأشتد به العطش ، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج ، فإذا بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ هذا ما بلغ بى ، فملأ خفه ثم أمسكه بفيـهِ ثم رقى فسـقى الكلب فشكر الله له فغفر له . قالوا : يارسول الله وإن لنا فى البهائم أجراً ؟ قال : لكل كبدٍ رطبة أجراً " .
ومن شكر الله لعباده أنه يُخرج من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ولا يضيع هذا القدر مادام من أهل التوحيد فإنه يلبث فى النار ما يلبث ثم يُخرجه الله من النار .
وشكر الله لمؤمن آل فرعون مقامه الذى قام لله فجاهد وقال كلمة حق عند سلطان جائر فأثنى الله عليه فى القرآن ونوّه بذكره بين عباده . .
فهو سبحانه الشكور على الحقيقة ، المتصف بصفات الكمال سبحانه وتعالى ..

سؤال : هل الشكر درجة واحدة ؟

الإجابة : إن الشكر درجات كثيرة ، فإن حياء العبد من تتابُع نعم الله عليه درجة ، ومعرفته بأن النعم إبتداءً من الله بغير إستحقاق درجة من درجات الشكر ، والعلم بالتقصير عن الشكر شُكر ، والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكر ، والعلم أن شكر الله نعمة من نعم الله شكر ، ومن الدرجات العليا للشكر : الشكر على البلاء وعلى المفقود وعلى المنع ..
وقسّـم البعض درجات الشـكر بحسب الشـاكرين :
أ - شكر العوام ( على النعم فقط )
ب - شكر الخـواص ( على النعم والنـِـقَم )
ج - شكر خواص الخـواص ( الإشتغال بالمنعم عن النعمة )
فالشكر من أرفع مقامات العبودية ويندرج فيه جميع مقامات الإيمان كالمحبة والرضا والتوكل وغيرها . فإن الشكر لا يصح إلا بعد حصولها . .

سؤال : ما هى ثمار الشكر ؟

الإجابة : أ – الثمـار الدنيوية : (1) يحفظ النِعَم من الزوال
(2) يجلب النِعم المفقودة
(3) يزيد النِـعَم
(4) يُسعد الإنسان

ب – الثمار الأخرويـة : (1) غرس شجر الجنة
(2) غُفران الذنب
(3) يُجازى الله بها حين يلقاه عبده وقد عضلت الملكين
(4) يُنصب للشاكرين لواء فيدخلون الجنة
(5) يكتسب حُب الرحمــن


سؤال : فما الفرق بين الحمد والشكر ؟
الإجابة : بعد أن عرفنا ماهو الشكر وكيف يكون نذكر الفرق بين الحمد والشكر :
الشكر أعم متعلقاً من الحمد : حيث أنه يتعلق باللسان والقلب والجارحة ، القلب يعرف الله ويحبه ويعرف أن النِعم منه وحده فإن الرزق فى السماء ولكن يأخذه العبد فى الأرض وليس معنى ذلك أن من يرزقه أحد من أهل الأرض ولكن هو الله الرزاق ، واللسان يُثنى عليه ويلهج بذكره ، والجوارح تستعمل هذه النِعم فيما يرضى الرب ولا تستعملها فيما يُسخطه .
أما الحمد فإنه أخص متعلقاً حيث كونه بالقلب واللسان فقط .
الشكر أخـص سـبباً والحمد أعم : حيث أن الشكر يكون فى مقابل الإحسان وفى مقابل النِعم ولا يشكر على الصفات الذاتية فلا يُقال شكرت فلان على خصاله الجميلة – ولله المثل الأعلى – وضد الشكر : الكفران .
أما الحمد فيكون فى مقابل وبلا مقابل ويكون على صفات الله الذاتية وعلى نعمائه فيُقال : الحمد لله فاطر السموات والأرض .. ونقيض الحمد : الذم .
ويجتمع الحمد والشكر : فى أنهما يكونا على السراء والضراء حيث أن الضراء نعمة أيضاً حيث أنها أخف وطأةً من الأعظم منها ، فكون الله إبتلاه بالأخف فهذه نعمة تستوجب الشكر والحمد .
والحمد هو رأس الشكر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : " الحمد رأس الشكر ، ما شَكَرَ الله عبد لم يحمده " حديث حسن رواه البيهقى فى شُعب الإيمان .

عودة الى الكتاب :

يقول الشارح : وكل ثنـاء وكل مجـد ...
الثناء : هو ذكر المحاسن ( وقد سبق تعريفه )
المجد : هو السعة والعُلو والعظمة وإمتداد الذكر بحيث لا ينقطع وجه المدح ، وهو المروءة والسخاء والكرم والشرف – هذا بالنسبة للمخلوق .. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى : فالمجيد هو الكريم المفضال الذى تمجَّد بأفعاله ومَجََّـدهُ خلقه لعظمته وهو الذى إنفرد بالشرف ، جميل الفِعال ، حسن الخصال ، واسع الكرم المستحق لكل صفات المجد .
وقيل المجد يفيد السعة ويفيد كثرة إحسان الله سبحانه وتعالى وأفضاله ، ومن جهة أخرى يفيد الكمال والتمام فله سبحانه العُلو والعظمة والشرف .

يقول الشارح : وكل جـلالٍ وكل كمـال ...
الجلال : هو التعظيم الذى ينبعث من التقديس ، وقيل : هو تقديس القلب بحيث يجعله ذو مكانة من التعظيم ينفرد بها سبحانه ، وقيل : هو السلطان المطلق الباعث علىالهيبة والتعظيم ، وقيل : هو عظمة الله وكبرياؤه وإستحقاقه صفات المدح ، وقيل : الجلال من الصفات الذاتية التى يختص بها المولى ولا يُنازعه فيها أحد من خلقه ، وجلال الله لا يكون بجند وأعوان لكنه جلال ذاتى بالوصف الذى تلحق به الرفعة والعزة والعُلو ، وقيل : يتضمن هذا عظيم الهيبة وجزيل المنة وسعة المُلك وإحاطة القدرة وعِظَم العلم وكثرة الفضل .
الكمال : هو الحال الذى لا يتصور معه نقيصة ، وهو كمال مطلق أى لا حدود له ولا نهاية له ، وهو كمال فى كل شئ ، وكل كمال لغير الله فهو كمال مقيد له حد ينتهى عنده .

يقول الشارح : وكل عـز وكل جمـال ...

العز : تمام السلطان وتمام العُلو الذى ينبعث من مقتضيات المجد والعظمة ، فقد يكون هناك فى المخلوقات سلطان قوى لكنه ليس بعزيز فتجده يبطش وقد يظلم ، والعزيز فى المخلوق قد يعدل لكن ليس لديه القوة ليفرض عدله ، لكن العزيز فى حق الله سبحانه وتعالى أنه ذو سلطان ومحبة لأن سلطانه مبعوث من عزته ، وعزته مبعثها السلطان ، فالعز هو القوة والشدة والغلبة والرفعة والإمتناع ، والتعزيز هو التقوية ، فالله العزيز أى الغالب الذى لا يُغلب ، المتفرد بالعزة ، فمن عرف هذا إعتز به وتذلل إليه ، والعزيز هو الذى ليس له مثال ولا يذل ولا يُضام ولا ترقى إليه الخواطر والأفهام ، وهو الذى تشتد إليه الحاجة ، والعز هو عُلو الشأن الدائم المطلق بحيث يُفتقر إليه ولا يفتقر الى غيره ، فمن أراد العزة فليصل حبله بحبل الله وليترك الإعتزاز بالخلق ، فعزة المخلوق تزول وعزة الله أزلية أبدية لا تزول ولا تحول .
الجمال : هو التنـزُه عن كل قبيح من جهة والإتصاف بكل حسن من جهة أخرى ، وهو كل وصف يبعث على الإستحسان ، وهو حسن المظهر والجوهر الذى يبعث على الإستحسان المطلق .

يقول المصنف : وكل خـير وإحســان ..

الخير : ما يُنافى الشر ويضاده ، والخير نوعان : (1) مطلق (2) نسبى
فما كان لله فهو خير مطلق ، أما الخير النسبى فهو ما يتوهم العبد أنه خير ، وربما يكون هو فى الحقيقة شر ، قال تعالى {
الإحسان : ما لا إساءة فيه ، وهو بذل الجميل وبذل الخير لمن يستحق ومن لا يستحق ، وهذا هو الفرق بين الإحسان والعدل ، فالعدل : أن تعطى من يستحق ، والإحسان : أن تعطى من يستحق ومن لا يستحق ، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالإحسان ، بل أمرنا أن نحسن لمن أساء إلينا .. وفى حديث الإفك القصة المعروفة حين رمى أهل الإفك والبُهتان السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها بالكذب البحت والفرية التى غار الله عز وجل لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى براءتها قرآن يُتلى ، وكان ممن خاض فى ذلك : مسطح بن أثاثة ، وكان ابن خالة الصديق ، وكان مسكيناً لا مال له وكان من المهاجرين فى سبيل الله ، وقد زلق زلقةً تاب الله عليه منها وضُرب الحد عليها ، وقد كان أبو بكر يُنفق عليه وهو المعروف بأن له الفضل والأيادى على الأقارب والأجانب ، فلمّا بلغ أبو بكر حديث مسطح فى ابنته قال : والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذى لعائشة – وفى رواية : حلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً – فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أُولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القُربى والمساكين } يعنى مسطحاً حتى قوله { ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } النور 22 ، فقال أبو بكر : بلى والله يا ربنا إنّا لنحب أن تغفر لنا ، وعاد له بما كان يصنع . ومعنى أولو الفضل : أى الطول والصدقة والإحسان ، فها هو أبو بكر الصديق يرجع النفقة الى من تكلم وخاض فى الحديث عن ابنته رضى الله عنها ، ويبذل الخير ، ولذا كان الصديق صديقاً .
قال : .. وجـود وفضـل وبِـر فَلَـهُ ومِنـهُ ..
جود : وهو دوام العطاء مع كثرته وعظيم الكرم وعظيم الإحسان وعظيم العطاء ، وهو العطاء على غير مقابلة وهذا ليس لأحدٍ إلا الله ، ومن فرط جود الله أن جعل ما يتفضل به على العبد حق له ، وهو حق تفضُل وليس حق إستحقاق ، فالحقوق نوعان :
حق إستحقاق ومقابلة حق تفضُـل وإنعـام
وهذا هو المعنى بإسم الحق ويكون من الأعلى للأدنى أو وهذا إلتزام أدبى معنوى من الأعلى على
للنـد ، فكون الله عز وجل له حق عليك : هذا الحق هو نفسه ، يعطيه بلأدنى تفضلاً وإنعاماً ، فهو
حق إستحقاق إستحقه لأنه رب ، وحق عليك لأنك عبد ، الذى ألزم نفسه به ولم يلزمه أحد بذلك ،
فالعبد مُلزم ومدين الى الله عز وجل . فصار الأدنى صاحب حق من جهة تفضل
الأعلى عليه . قال تعالى { وكان حقاً عليناً
نصر المؤمنين }
وفضل : وهو بذل ما لا يلزمه بذله ، ولذلك يُقال : إن الصدقة ما كان من فضل مالك أى لا يلزمك أن تنفقه ، فالزكاة يلزمك أن تنفقها إذا بلغ مالك النصاب وأتى عليها الحول ، فهى إذن ليست فضل ، ويوضح ذلك أيضاً : من كان عنده فضل ظهرٍ – أى زيادة غير مطالب بإخراجها – فالفضل هو بذل ما لا يلزم بذله ، والله عز وجل ذو فضل لأنه يُعطى ما لا يلزمه إعطاءه .
وبِـر : وهو فعل ما يحمد ويجر الى علو المنزلة ، وهو مقتضى الثناء ، وهو التفضل وزيادة العطاء والإحسان المطلق ، وهو إحسان الصنيع ، وهو أن تصنع من الصنيع ما يسر بأثره ومن ذلك : بر الوالدين .
فله ومنه : أى كل هذا هو متصف به ولا يكون كل هذا إلا منه ، ولذلك يقولوا : كل فضل هو من فضل الله ، فالإنسان الكريم كرمه هذا من كرم الله عز وجل أن سخره بأن بسط له من كرمه إليه ، ولذا كان كرم الإنسان (مجازى) وكرم الله ( حقيقى ) لأن الكريم هو الذى يُعطى مما يملك من غير مقابل أما من يُعطى مما لا يملك فهذا ليس بكريم على الحقيقة .
ملحوظة : يقول بعض الناس مقولة خاطئة هى ( إن الله أكرمنى آخر كرم ) وهذا إعتقاد خاطئ لأن كرم الله لا نهاية له ، وكرم الله مطلق لا يحده حد ، ومن ظن أن كرم الله له نهاية فهو لم يقدر الله حق قدره – نعوذ بالله من هذا ..

قوله : فما ذُكر هذا الإسم فى قليلٍ إلا كـثـّـره ..

فذكر إسم الله على القليل يزيده بركة ونماء ، والبركة هى ثبوت الخير الإلهى ، ومن أمثلة ذلك : تدفق الماء من بين كفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب منه الجمع الغفير وتوضؤا وحملوا معهم فى رحالهم ، وكالطعام الذى كثر وطعم منه الكثير من الصحابة . فهذا من ذكر الله سبحانه وتعالى ولكن اعلم أنه يجب ذكر الله بالطريقة التى علمها لنا الشرع ، واعلم أن للطعام خاصتان : خاصية المادة ( من حيث الكم والكيف ) وهى للهناء ، وخاصية الإنتفاع بتأثيره وهى المراء ، وهذا تفسير قوله تعالى { فكلوه هنيئاً مريئاً } والهناء هو ما ساغ ولذّ له وكان مبعث سرور له .


الواجب
ماالفرق بين الحمد والشكر.؟؟


موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
(متجدد), المجيد, الباب, الثاني, دروس, شرح, فتح, إختبار, نهاية, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 12:12 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.