انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 12-19-2008, 06:44 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

- ورابعهُمْ خيرُ البريَّة بعدهُم --- علـيٌّ حليـفُ الخيـرِ بالخيـرِ مُنْجِـحُ

أي رابع الصحابة في الفضل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه
( خير البرية ) أي خير الناس بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم . ( البرية ) من : برأ الله الخلق يبرؤهم أي خلقهم .
وعليٌّ هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته وأبو السبطين صاحب المناقب الكثيرة , وقد أشار الناظم إلى بعض فضائله .
( حليف ) أي المحالف للخير الذي حليفه الخير دائماَ يحظى بالخير وينلل الخير ويحصله أي أنه دائماً ملازم للخير .
( بالخير منجح ) من النجاح , وهو تحصيل المقصود والظفر به .
وفي بعض النسخ ( بالخير يمنح ) , وفي نسخة ( بالخير ممنح ) أي أنه يعطي الناس ويمنحهم , ففيه وصفه بالسخاء والجود والكرم .







17- وإنَّهم للرَّهطُ لا ريبَ فيهمُ --- على نُجـبِ الفـردوسِ بالنُّـور تَسـرحُ

أي هؤلاء المذكورون من الصحابة الخلفاء الأربعة , وكذلك الذين سرد اسماءهم في البيت الآتي .
( للرهط ) وهو عشيرة الرجل , ويطلق على ما دون العشرة , وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة .
وفي بعض النسخ ( والرهط ) ولعله الأقرب , ويكون الضمير في قوله ( وإنهم ) عائداً على الأربعة والرهط معطوف عليه , والمقصود بهم الستة المذكورون في البيت الذي بعده .
( لا ريب فيهم ) لا تهمة ولا شك فيهم وفيما سينالونه من الله من الفضل ولا شك في منزلتهم عند أهل السنة , ولا ريب في أنهم من أهل الجنة .
( على نجب ) جمع نجيب وهو أكرم المال وأنفسه , والمراد أنهم يسرحون في الجنة على نجب الفردوس وهي النوق الكريمة والخيل الكريمة يروحون عليها ويغدون في الجنة , روى مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة )(1)
وروى الترمذي عن سليمان بن بريدة بن الحصيب عن أبيه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل في الجنة من خيل ؟ قال ( إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت إلا فعلت ) قال : وسأله رجل فقال : يا رسول الله هل في الجنة من إبل ؟ قال : قلم يقل له مثل ما قال لصحابه , قال ( إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك )(2) , وسنده ضعيف , لكنه جاء من طريق أخرى مرسلاً بسند صحيح , وله شاهد من حديث بريدة رضي الله عنه قيرتقي بذلك إلى درجة الحسن , كما في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله برقم 3001 .
ويقصد الناظم رحمه الله بهذا أن هؤلاء مقطوع لهم بالجنة سهد لهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , سيأتي إن شاء الله ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك .
( الفردوس) اسم من أسماء الجنة , وهو اسم لأعلى الجنة وأوسطها وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله , كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض , فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )(3)
( بالنور تسرح ) اي بمن عليها من أهل النور والوضاءة والبهاء والحسن .
( تسرح ) أي تذهب حيث شاء راكبها , وفي بعض النسخ ( في الخلد تسرح ) والخلد هي الجنة , لأنها دار النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول . وفي هذا أن أهل الجنة يتزاورون فيها يغدون ويروحون لتتم لذتهم وليكمل أنسهم وسرورهم , نسأل الله الكريم من فضله .
ـــــــــــــــــ
(1) مسلم 1892
(2)الترمذي برقم 2543
(3) أخرجه البخاري برقم 6987


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12-19-2008, 06:47 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

- - سعيدٌ وسعدٌ وابن عوفٍ وطلحةُ --- وعامـرُ فهـرٍ والزبيـرُ الممـدَّح

هذا تفسير وبيان الرهط بذكر أسمائهم , وهؤلاء الستة مع الأربعة الخلفاء هم العشرة المبشرون بالجنة كما بشرهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت الصحيح . فهم الرهط الذين لا ريب في دخولهم الجنة , ولا ريب أنهم على نجب الفردوس في جنة الخلد يسرحون , وقد ورد في بشارتهم بالجنة أحاديث , منها مارواه الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أبوبكر في الجنة , وعمر في الجنة , وعثمان في الجنة , وعلي في الجنة , وطلحة في الجنة , والزبير في الجنة , وعبدالرحمن بن عوف في الجنة , وسعد في الجنة , وسعيد في الجنة , وأبوعبيدة بن الجراح في الجنة )(1) وفي الترمذي وابن ماجه عن سعيد بن زيد مثله (2) .
قال الناظم :

للمصطفـى خيـر صحـب أنـهـم في جنة الخـلد نصـا زادهم شـرفا
هم طلحة وابن عوف والزبير مع أبي عبيدة والسعدان والخلفاء


( سعيد ) هو ابن زيد بن عمرو بن نفيل , ابن عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما تعالى , ( وسعد ) هو ابن أبي وقاص ( وابن عوف ) هو عبدالرحمن , ( وطلحة ) هو ابن عبيد الله , ( وعامر فهر) هو أبوعبيدة عامر بن الجراح الفهري القرشي , ( والزبير ) هو ابن العوام ( الممدح ) أي : الذي له المدائح الكثيرة , والمدائح الكثيرة لهؤلاء جميعاً ومن أعظم هذا المدح تبشيرهم بالجنة , وينظر في مناقب هؤلاء على الخصوص كتاب ( الرياض النضرة في مناقب العشرة ) للمحب الطبري .
ــــــــــــــــــــ

(1) الترمذي برقم3474 وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 50
(2) الترمذي برقم 3748 وابن ماجه برقم 133

19- وقل خيرض قولٍ في الصحابة كلِّهم --- ولا تك طعَّاناً تعيـبُ وتجـرحُ

ولما ذكر الناظم هؤلاء تكلم عن الصحابة عموماً فقال ( وقل خير قول في الصحابة كلهم ) أي لا يكن قولك الخير وكلامك الحسن خاصا بهؤلاء الذين ذكروا بل قل في الصحابة جميعهم , فكلهم عدول أهل فضل ونُبل .
والصحابي : هو الذي لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك , فكل من كان بهذه الصفة فهو من الصحابة وقل خير قول , ولما ذكر الله في سورة الحشر المهاجرين والأنصار قال ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )( الحشر10)
فذكر الله لمن جاء بعدهم صفتين هما : سلامة الصدر وسلامة اللسان .
وهكذا يجب أن يكون صاحب السنة تجاه الصحابة فلا يحمل عليهم في قلبه غلاًّ ويكون سليم اللسان فلا يقدح فيهم ولا يخوض فيما شجر بينهم بل يقول عنهم ما يزيد حبهم في القلوب . والناظم رحمه الله أشار إلى تحقيق هاتين الصفتين بقوله ( وقل خير قول ) وقد مر معنا أن القول إذ أطلق يشمل قول القلب وقول اللسان , ويكون المعنى قل فيهم خير قول بقلبك بأن يكون سليماً من الغل والحقد ولا يحمل تجاههم إلا الخير , وبلسانك بأن يكون سليماً من الطعن والقدح ولا تتكلم عنهم إلا بخير .
( ولا تك طعاناً تعيب وتجرح ) لما أمر ورغب صاحب السنة في أن يقول في الصحابة خير قول , حذره من أن يقع في الطعن والتجريح لأي أحد منهم ( طعانا ) أي كثير الطعن , والمقصود النهي عن الطعن في الصحابة , وليس المقصود النهي عن المبالغة في الطعن , فقد يأتي على وزن ] فعال [ ما لا يُراد به المبالغة كقوله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (فصلت46) . أي : ليس بذي ظلم . وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش والبذيء )(1) أي ليس بذي طعن وليس بذي لعن , هذا مع عموم المسلمين , فكيف بالأمر مع الصحابة المعَدلين .
( تجرح ) الجرح هو الكَلمُ , فالخوض فيما شجر بين الصحابة والنيل منهم ليس دأب أهل السنة من منهجهم , بل هو شأن أهل الأهواء وسبيل أهل الضلال .
والناظم هنا يقرر عدالة الصحابة ومكانتهم , الذين شرفهم الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وسماع الوحي منه غظًّا طريًّا , فهم عدول ثقات , وهم حملة الدين ونقلته للأمة , يقول ابن مسعود رضي الله عليه ( من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً , وأعمقها تكلفاً , وأقومها هدياً , وأحسنها حالاً , اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم , وإقامة دينه , فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ) .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12-19-2008, 06:49 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

ومن هنا يُعلم أن أي طعن في الصحابة فإنما هو طعن في الدين , لأن الطعن في الناقل طعن في المنقول , لأن الصحابة هم الذين نقلوا الدين , ولذا ما من حديث نرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا والواسطة بيننا وبينه أحد الصحابة , فالطعن فيهم طعن في الدين , ولذا يقول أبوزرعة الرازي رحمه الله ( إذا رأيتم الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق , لأن الدين حق , والقرآن حق , وإنما نقل لنا ذلك الصحابة فهؤلاء أرادوا الجرح في شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة وهم بالجرح أولى وهو زنادقة ) .
فتكفير الصحابة وتكذيبهم دسيسة من دسائس اليهود وليس المقصود به الطعن في الصحابة ذاتهم , وإنما المقصود الحيلولة بين الناس وبين الدين , فعندما يروج الروافض أن أبا هريرة رضي الله عنه كذاب أو غيرَه من الصحابة فإن مَنْ انطلت عليه هذه الدعاية ينصرف عن الدين ولا يثق به ولا يطمئن لعدم ثقته بمن نقله , وأي ثقة تبقى في دين يُرمى حملته بالكذب ويُتهمون بالكفر , وبهذا يُعرف مراد القوم .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سب الصحابة أشد التحذير وأمر بالإمساك عن القدح فيهم أو الطعن .
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُد أحدهم ولا نصيفه )(2) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ( إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا )(3) . والمراد : إذا ذكروا بغير الجميل .
فالصحابة رضي الله عنهم لا يُذكرون إلا بالخير والجميل والإحسان مع الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والرضوان , خلاف ما يفعله ذوو القلوب المنكوسة والعقول والمعكوسة من خوضٍ في الصحابة أو بعضهم طعناً وتنقصاً وسبًّا وتجريحاً . ففعلوا نقيض ما أمروا به , واقترفوا ضد ما دُعوا إليه .
روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة بن الزبير ( يا ابن أخي أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم )(4) . نعوذ بالله من الزيغ والبهتان , ونسأله سبحانه ألا يجعل في قلوبنا غِلا لأحد من أهل الإيمان , وأن يغفر للصحابة الأبرار العدول الأخيار ولكل من اتبعه بالخير والإحسان .
ثم إن الناظم لمل بين مكانة الصحابة وحث على قول الخير فيهم وحذر من الطعن فيهم قال مبيناً الدليل على ما ذكر .
ــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند برقم 3839 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 320
(2) البخاري برقم 3673 , ومسلم برقم 2541
(3) أخرجه الطبراني في الكبير برقم 1448 , وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم34
(4) مسلم برقم 3022



20- فقد نطقَ الوحيُ المبينث بفضلِهم--- وفي الفتح آيٌ للصَّحابةِ تمدحُ


ما سبق هو تقرير لمعتقد أهل السنة والجماعة في الصحابة , وهذا البيت فيه دليل ذلك المعتقد , ولذا فإن المنظومة على اختصارها ذُكِرت فيها المباحث بأدلتها وقوله ( فقد نطق ... ) منن قوله تعالى ( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )(الجاثية29)
( الوحي ) هو القرآن الكريم كلام الله , الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
( المبين ) الواضح البين الذي لا لبس فيه ولا غموض , والمبين للشرائع والأحكام , والموضح لطريق الحق والهدى من الباطل والضلال .
( بفضلهم ) الجار والمجرور متعلق بالفعل نطق , والقرآن مليء بالأدلة التي تبين فضل الصحابة ومن ذلك ما أشار إليه الناظم رحمه الله بقوله :
( وفي الفتح آي للصحابة تمدح ) وفي نسخة ( وفي الصحابة تمدح ) يشير إلى أن الوحي مليء بالأدلة الدالة على فضل الصحابة , وينبه في الوقت نفسه على كثرة الآيات في سورة الفتح التي تمدح الصحابة وتبين فضائلهم , وعند تأمل هذه السورة نجد مواضع كثيرة فيها مشتملة على مدح الصحابة : ففي أول السورة ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )(الفتح4)
ثم بعدها بآيات ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )(الفتح10)

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12-19-2008, 06:51 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

ثم ذكر حال المخالفين من الأعراب , ثم قال ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا )(الفتح18)
ثم بعدها بآيات قال ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )(الفتح26)
ثم ختم السورة بقوله ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )(29)
فكل هذه الآيات في فضل الصحابة , بل الآية الأخيرة فيهال ذكر فضل الصحابة في القرآن , وبيان فضلهم في التوراة والإنجيل , بذكر مثلهم في التوراة وهو أنهم ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )
ومثلهم في الإنجيل وهو أنهم ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ... )
وهذه الآية احتج بها بعض السلف منهم الإمام مالك على كفر الروافض , لأن الله يقول ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ )
وبهذا أنهى الناظم الكلام في الصحابة , حيث بين مكانتهم وفضلهم , وحذر من الطعن فيهم والجرح لهم , وقرر بإيجاز عقيدة أهل السنة والجماعة فيهم – رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين .

21- وبالقدرِ المقدورِ أيقِن فإنَّـه -- دعامـةُ عقـدِ الدِّيـن ، والدِّيـنُ أفيـحُ

هذا البيت في إثبات الركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقضاء بالقدر , كما جاء في حديث جبريل المشهور , قال أخبرني عن الإيمان . قال ( أنْ تؤمن بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , والقدر خيره وشره ) . وهذا جزء من حديث طويل خرجه مسلم عن ابن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما , والحديث له قصة كما في مسلم , فإن ابن عمر رضي الله عنه جاءه رجلان فقالا له : إن قِبلنا قومٌ يقرؤون القرآن , ويقولون إن الأمر أُنُفٌ ولا قدر . فقال ابن عمر ( إّذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برء مني , والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قُبل منه حتى يؤمن بالقدر , فإني سمعت أبي يقول : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث) (1) .
فالإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان , وأصل من أصول الدين , وعمود من أعمدته , وإنْ انهدم فلا يبقى إيمان ولا دين , فالدين له فروع كثيرة ولكنه يقوم على ستة أصول لا ينفك بعضها عن بعض منها الإيمان بالقدر , وبزوال شيء منها ينهدم الدين ولا يبقى . ولذا جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال (القدر نظام التوحيد فمن وحد الله وكذب بالقدر فقد نقض تكذيبُه توحيده) أي أنه إذا لم يكن إيمان بالقدر فليس هناك توحيد . والكفر بالقدر كفر بالله كما قال الإمام أحمد رحمه الله ( القدر قدرة الله ) .
وقد جاء في القرآن نصوص كثيرة واضحة الدلالة ليس فيها أدنى إشكال في أن الأمور كلها بقدر , قال تعالى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )(القمر49)
وقال تعالى ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا )(الأحزاب38)
وقال تعالى ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )(التكوير29)
وقال تعالى ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى )(الأعلى3,2)
وقال تعالى ( .. ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى )(طه40)
فكل شئ بقدر الأعيان والصفات , فأعيان المخلوقات وكذلك ما يقوم بها من صفات كالحركات والسكنات والكلام والسكوت كلها بقدر , وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند البخاري في خلق أفعال العباد(2)( كل شئ بقدر حتى وضعك يدك على خدك )
ولا تسقط ورقة من شجرة إلا بقدر , حتى العجز والكيس بقدر قدره الله وقضاه كما قال صلى الله عليه وسلم ( كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس ) رواه مسلم(3) . من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
فكل شئ بقدر ولا يمكن أن يكون في الكون شئ لم يرده الله ولم يخلقه إذ الملك ملكه والخلق خلقه , والإيمان بالقدر بأن يؤمن العبد بأن الله سبق في علمه وجود الكائنات وما يعلمه العباد من خير وشر , وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ , وأن وجود أي شيء من ذلك إنما يكون بمشيئته , وأنه سبحانه الخالق لكل شيء .
وعليه فالإيمان بالقدر لا يكون إلا بالإتيان بمراتب القدر , وهي أربع مراتب :
1) الإيمان بعلم الله الأزلي : وأنه أحاط بكل شئ علماً , وأنه علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )(الأنفال23)
يقول تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12-19-2008, 06:52 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

)(سبأ2,1)
وقال تعالى ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ )(لقمان16)
2) الإيمان بالكتابة : وأن كل شيء كتب ودون في اللوح المحفوظ . قال الله تعالى ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ )(القمر53,52)
وقال تعالى ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )(الحديد22)
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء ) رواه مسلم(4) .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب فجرى بتلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ) رواه أحمد والترمذي(5) .
3) الإيمان بالمشيئة : وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يمن . قال الله تعالى ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )(التكوير29)
وقال تعالى ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ )(البقرة من الآية255)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك , ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك , رُفعت الأقلام وجَفت الصحف )(6)
وللشافعي أربعة أبيات يقول عنها ابن عبدالبر إنها من أثبت ما نسب إليه , ومن أحسن ما قيل في القدر نظماً :
ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقتَ العباد على ما علمتَ وفي العلم يجرى الفتى والمسن
على ذا مننتَ وهذا خذلتَ وهذا أعنتَ وذا لم تُعِن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن

4) الإيمان بالإيجاد والخلق : وأن الموجد الخالق للأشياء كلها هو الله تعالى كما قال تعالى ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )(الفاتحة1) .
وقال تعالى ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )(الزمر62)
وقال تعالى ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )(الصافات96)
فهذه مراتب القدر , وليس هناك مخلوق إلا ويمر بهذه المراتب , وهذه المراتب لا إيمان بالقدر إلا بالإيمان بها , وكل مرتبة منها عليها عشرات الأدلة من الكتاب والسنة , وجمعها أحدهم في بيت واحد فقال :
علمٌ كتابهُ مولانا مشيئتُه وخلقُه وهو إيجادٌ وتكوينٌ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسلم برقم 1
(2) برقم 96 مرفوعا
(3) مسلم برقم 2655
(4) مسلم برقم 2653
(5) أحمد في المسند برقم23083 والترمذي برقم2155 وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2017
(6) أخرجه الترمذي برقم25106 وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم7959

ثم إنه قد نشأ في الأمة فرقتان ضلتا في هذا الباب . فرقة كان ضلالها بنفي القدر , وأخرى بالغلو في إثباته , وكلاهما على طرفي نقيض , وكلا طرفي قصد الأمور ذميم , وخير الأمور الوسط .

وغلاة منكري القدر كانوا ينكرون القدر بمراتبه الأربعة , وهؤلاء ذكر غير واحد من أله العلم أنهم انقرضوا , ثم صار أمر خَلَفِهم إلى إثبات العلم والكتابة وإنكار المشيئة والإيجاد , فيقولون ( إن الله علم فعل الإنسان وكتبه ولكنه لم يشأه ولم يوجده وإنما خلقه الإنسان )

وكان أحمد رحمه الله يقول ( ناظروا القدرية بالعلم فإن جحدوه كفروا وإن أقروا به خصموا ) وهؤلاء يسمون القدرية النفاة , وهم المعتزلة وهو الذين ورد فيهم أنهم مجوس هذه الأمة , لقولهم بخالقين , كالمجوس الذين قالوا بإثبات خالقين النور والظلمة , والمعتزلة أثبتوا خالقين : الله وهو خالق الأعيان , والإنسان وهو خالق أفعاله .

ويقابل هؤلاء القدرية المجبرة وهو الجبرية الجهمية , وهؤلاء غلوا في إثبات القدر , قالوا أفعال العباد بقدرة الله ولا قدرة ولا مشيئة للعبد فيها بل هو كالورقة في مهب الريح مجبور على فعل نفسه , والفاعل الحقيقي هو الله والإنسان ليس له مشيئة بل هو مثل الورقة في مهب الريح , ومن هنا سموا جبرية , وهؤلاء لا يطبقون مذهبهم في كل شئ بل يطبقونه في حالات دون حالات , وهذا تناقض , والتناقض دليل فساد المذهب , وهذه عادة أهل البدع الوقوع في التناقض . فإنه لو زنى الجبري وترك الصلاة وارتكب الموبقات فاعترض عليه أحد قال أنا مجبور كالورقة في مهب الريح .

بينما هو نفسه لو جاء شخص وضربه أو اعتدى على ماله أو حق
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 12-19-2008, 06:54 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

من حقوقه وقال أنا كالورقة في مهب الريح لم يقبل منه الجبري ذلك , وهذا هو التناقض , فهو في الأمور التي يحبها يقول أنا مجبور , وإذا فُعل به ما يكره ترك مذهبه . ومن هنا يعلم أن مذهب أهل البدع ليس عن عقيدة وإنما هو عن أهواء وشهوات . ولذا قال بعض أهل العلم لأحدهم ( أنت عند الطاعة قدري , وعند المعصية جبري ) , لأنه إذا فعل الطاعة : أنا الفاعل لها بمشيئتي ولا قدرة لله عليها , وإذا فعل المعاصي قال : أنا مجبور ولا مشيئة لي . وهذا يبين أنهم أهل أهواء ومتبعون لحظوظ النفس .

ويُرد على الفرقتين بقوله تعالى ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )(التكوير29,28) . ففي قوله ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ ... ) رد على الجبرية , وفي قوله ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) رد على القدرية .

( وبالقدر المقدور أيقن ) أي آمن بالقدر المقدور , أي الصادر عن الربِّ سبحانه مقدراً محكماً , وقد عرفنا أنه لا إيمان بالقدر إلا بالإيمان بمراتبه الأربعة .

وقوله ( أَيْقِن ) اليقين ضد الشك والمراد أي لا يكن في قلبك أي شك في ذلك , فاليقين انتفاء الشك , وهو تمام العلم وكماله فإذا وجد شك أو تردد أو ظن ذهب اليقين . ولا يكفي العلم فقط بل لابد من اليقين .

( فإنه دِعامة عقد الدين ) ( الدعامة ) : بكسر الدال : عماد البيت وأساس البناء , و ( العِقْد ) بكسر العين القلادة , فالدين عبارة عن عِقد ينتظم أموراً كثيرةً , وله شعب متنوعة وأجزاء متعددة وأعمال وفيرة وله أعمدة ودعائم يقوم عليها بناؤه , والإيمان بالقدر هو أحد هذه الأعمدة والدعائم التي يقوم عليها هذا البناء , وهذا يؤكد أن زوال هذا الركن يؤدي إلى زوال الدين والإيمان , وانفراط هذا العقد المبارك .
( والدين ) أل هنا للعهد وهو إما ذهني أو ذكري , وهو هنا ذهني أي الدين المعهود وهو دين الإسلام ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... )(آل عمران19) وهو الدين الذي ارتضاه الله لعباده ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... )(المائدة3) , ولا يقبل الله من أحدٍ دين سواه ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(آل عمران85)

( أفيح ) أي واسع , فيه أعمال كثيرة , وطاعات عديدة , وعبادات متنوعة وأحكام جليلة , ولكنه يقوم على أعمدة راسخة وأسس متينة , ومن تلك الأعمدة الإيمان بالقدر .

وينبغي أن يعلم أنه لا يتنافى مع الإيمان بالقدر فعل الأسباب بل إن من تمام الإيمان بالقدر فعل الأسباب , ويوضحه حديث علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال له بعض الصحابة : فيما العمل ؟ أفي أمر مستأنف أم في قدر وقضي ؟ ( بل فيما قدر وقضى ) قالوا ففيما العمل ؟ قال ( اعملوا فكل مسير لما خلق له , فمن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة يسره لعمل أهل الشقاوة )(7) .

وهذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها برد اليقين والشفاء . ولذا لما قال لهم ذلك كان منهم أمران : آمنوا بالقدر , وتنافسوا في فعل الأعمال واجتهدوا في الإتيان بالطاعات . وقوله صلى الله عليه وسلم ( اعملوا ) لا يُوجه لمن لا مشيئة له , بل هو موجه لمن لا مشيئة يختار بها ما يريد , وهذا يدل على أن الإنسان عنده مشيئة بها يختار ما يريد وهذا متقرر عند كل الناس في أمر الدنيا . وقوله صلى الله عليه وسلم ( فكل مسير لما خلق له ) أي : أن مشيئة العبد التي يعمل بها تحت مشيئة الله فالعبد له مشيئة بها يختار ويريد وليس مجبراً كالورقة في مهب الريح . فإذا كان الأمر كذلك فإن علينا أن نحرص على ما ينفعنا ونستعين بالله ونطلب منه العون والتوفيق كمال قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبوهريرة ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله )(8) .
ــــــــ
(7) أخرجه البخاري برقم4948 ومسلم برقم2647
(8) أخرجه مسلم برقم2664


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 12-19-2008, 06:56 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

- ولا تُنكِرَنْ جهلاً نكيراً ومُنكراً **** ولا الحوْضَ والِميزانَ انـك تُنصـحُ

هذه الأبيات يتحدث فيها الناظم عن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أحد أركان الإيمان الستة ، وقد مر في الأبيات السابقة بعض هذه الأركان وهذه الأركان الستة مترابطة لا ينفك بعضها عن بعض والإيمان ببعضها يوجب الإيمان ببعضها الآخر والكفر ببعضها كفر بباقيها.

وقد جمع بين هذه الأركان في نصوص كثيرة من القران قال الله تعالى :
( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )(البقرة177)
وقال تعالى ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )(البقرة285)
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا )(النساء136)
فالإيمان باليوم الأخر أصل من أصول الدين ، ومن لا يؤمن باليوم الآخر لا يؤمن بالله. والناظم يتحدث هنا عن هذا الركن العظيم . ولأن المنظومة مختصرة لا مجال فيها للبسط والإطناب فانه أشار إلى بعض الأمور الكائنة في اليوم الأخر منبهاً بذلك الأمور الأخرى التي لم يتمكن من ذكرها مراعاة الاختصار . وقد ذكر في هذه الأبيات الأربعة جملة من أمور يوم القيامة فذكر منكرا و نكيرا ، والحوض، والميزان، و إخراج عصاه الموحدين من النار والشفاعة ، وعذاب القبر.

والإيمان باليوم الآخر ضابطه : الإيمان بكل ما اخبر الله به وما أخبر به رسوله صلى الله علية وسلم مما يكون بعد الموت . وهذا من اجمع ما يكون في تعريف الإيمان باليوم الآخر ،
لشموله لكل ما يكون بداية من دخول القبر إلى افتراق الناس إلى فريقين ، فريق في الجنة وفريق في السعير.
ويدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بأشراط الساعة لأنها أمارات وعلامات على دنوها وقرب مجيئها . قال تعالى ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ )(محمد18)
وفي حديث جبريل قال ( أخبرني عن الساعة , قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل , قال أخبرني عن أماراتها , قال : أن تلد الأمة ربتها , وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان )(1) . فالساعة لها علامات كبرى عند قرب قيامها , وعلامات صغرى تكون قبل ذلك .
فالإيمان بهذه العلامات من الإيمان باليوم الآخر .

ثم الإيمان بالقبر وفتنته وعذابه ونعيمه , وأن الناس يفتتنون في القبور . قال صلى الله عليه وسلم ( عذاب القبر حق )(2) وقد كان يتعوذ منه دبر كلا صلاة

( ولا تنكرن ) ( لا ) ناهية , و ( تنكرن ) من الإنكار وهو الجحد وعدم الإثبات
( جهلاً ) مفعول لأجله , أي تنكر وجودهما لأجل جهلك وبسبب قلة علمك. ( نكيراً ومنكراً ) هذان ملكان من ملائكة الله زرق العيون سود الوجوه كما في الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( الحديث )(3)
وسبب هذه التسمية لأنهما يأتيان على صورة منكرة لم يعهدها الإنسان وليس فيها أنسٌ للناظرين , ويُسميان الفتانان , لأنهما يفتنان الناس في قبورهم . فالإيمان بالمنكر والنكير من الإيمان باليوم الآخر . وقد سأل رجل الإمام أحمد : هل نقول المنكر والنكير أو الملكين ؟ قال ( المنكر والنكير هكذا هو ) .
فالحديث صح في ذكر هذين الاسمين فيجب الإيمان بهذين الاسمين والمعتزلة الذين يحكمون عقولهم في الشرع يردون هذا ولا يؤمنون به ويقولون ( لا يصح أن يقال عن بعض ملائكة الله أنه منكر ونكير ) فأنكروا هذا بالعقل وهذا من غلبة الجهل وقلة العلم من هؤلاء بالشرع ولذا قال الناظم ( جهلا ) أي لا ينكرن يا صاحب السنة بسبب الجهل هذا الأمر .
وهذه إشارة منه إلى أنه لا ينكر منكر ونكير إلا جاهل , أما العالم بالكتاب والسنة فإنه يؤمن به .
والمعتزلة وإن كانوا أهل كلام فإنهم ليسوا أهل علم . ولذا قال أبويوسف ( العلم بالكلام جهل والجهل بالكلام علم ) . فالعلم قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم . فالمتكلم وإن كان صاحب فصاحة وبيان ومنطق وجدل فإنه جاهل لا علم له .
ثم إن هذين الملكين يأتيان العبد في قبره ويجلسانه ويسألانه من ربك
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 12-19-2008, 06:57 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

وما دينك ومن نبيك . ولذا من الأمور المهمة نشر هذه الأصول الثلاثة بين الناس وتعليمهم إياها لأنها أول ما يسأل عنها الإنسان في قبره . ولذا كان من نصيحة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله للأمة تأليفه لرسالته الجليلة الأًول الثلاثة وأدلتها . وعلى ضوء جواب الإنسان على هذه الأسئلة وتثبيت الله له من عدم تثبيته يكون الناس على قسمين قسم يعذبون في قبورهم وقسم ينعمون . وعذاب القبر حق , قال الله في حق آل فرعون ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )(غافر46) . فهم الآن يعذبون في القبر يومياً إلى قيام الساعة وهذا حال كل كافر بالله , أما أهل التوحيد ممن هم عصاة وأهل كبائر ليس تعذيبهم في القبر كتعذيب الكافر وإنما يعذبون على قدر كبائرهم . وأما المؤمن فإنه مُنعم في قبره .
ولا يجوز إنكار عذاب القبر ونعيمه بالعقل والمنطق والتجارب , خاصة تجارب الملاحدة حيث قالوا ( حفرنا القبور فلم نجد جنة ولا نارا ولم نر عذاباً ولا نعيماً) وليكن فإن الله تعالى يقول في صفة المتقين ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة2-3) أي : يؤمنون بكل ما غاب عنهم مِما أخرتهم به .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مسلم برقم 1
(2) أخرجه البخاري برقم1372 , ومسلم برقم584
(3) الترمذي برقم 1071 , وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم1071

ثم إن الناظم قد بدأ كلامه عن الإيمان باليوم الآخر بالكلام عن الملكين منكر ونكير إشارة إلى أن القبر وما فيه هو أول منازل الآخرة وأن من مات قامت قيامته , والمؤمن يؤمن بهذا وبكل ما يكون بعده , فنؤمن بالنفح بالصور وهو قرن يُنفخ فيه والموكول به إسرافيل . والنفخات الثلاث نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام , وبعض العلماء جعلها نفختين , والصحيح أنها ثلاث , وكلها ذكرت في القرآن ( وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ )(النمل87)
( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ )(الزمر68)
فينفخ في الصور النفخة الأولى فيفزع الناس ثم ينفخ فيه فيصعقون ثم ينفخ فيقومون لرب العالمين وفي الحديث أن بينهما أربعين . ولا يُدرى أربعين ماذا ؟ وجاء في وصف قيامهم بأنهم ( يقومون حفاة عراة غرلا )(4)
وكذلك الإيمان الحشر أي حشر الناس في عرصات يوم القيامة لله , ويحشرون كلهم من أولهم إلى آخرهم يجمعون على صعيد واحد ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا )(الكهف47)
وكذلك الإيمان بدنو الشمس من الخلائق وتفاوت الناس في العرق ومن يظلهم الله في ظله ومن لا يظلهم .
وكذلك الإيمان بالدواوين ومجيء الرب لفصل القضاء والإيمان بالصراط وكل ما جاء في الكتاب والسنة .
وفي ذكر الناظم للمنكر والنكير وتحذيره من إنكار وجودهما وإنكار ما يقومان به من مهام بأمر الله عز وجل وهما ملكان من الملائكة إشارةٌ إلى وجوب الإيمان بالملائكة عموماً وبأسمائهم ووظائفهم وأوصافهم وأعدادهم الواردة في الكتاب والسنة إجمالاً فيما أجمل وتفصيلاً فيما فُصل , بل الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان وأصل من أصوله العظام .
( ولا الحوض والميزان إنك تنصح ) أي ولا تنكرن جهلاً الحوض المورد والذي أعده الله لنبيه ولأمته . وجاء وصف هذا الحوض في السنة أن ( طول شهر وعرضه شهر , وماءه أحلى من العسل , وأطيب من ريح المسك , وعدد كيزانه عدد نجوم السماء , من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً )(5)
وأحاديث الحوض متواترة كما ذكر ذلك السيوطي وغيره وذكر أنه مروي عن خمسين صحابيا . وجاء في الحديث ( لكل نبي حوض )(6) . وفي بعض الأحاديث ذكر صلى الله عليه وسلم ( أن بعض الناس يذاد عن هذا الحوض فيقول النبي أصحابي أصحابي فيقال له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )(7) وهو محمول على من ارتد عن الإسلام ومات مرتدًّا , ومن العجب أن يحمل الروافض هذا الحديث على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم , مع أنهم ومن على شاكلتهم هم المعنيون بهذا الحديث , لأن الصحابة لم يغيروا ولم يحدثوا بعده كما قال تعالى ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )(الأحزاب23) .
وأما الذين بدلوا وحرفوا هم الروافض حتى إنهم حرفوا القرآن وزادوا فيه وأنقصوا . فهم رموا الصحابة بما هم أهله . والشاهد أن الإيمان بالحوض المورود واجب ولا ينكره إلا جاهل بالحديث .
( والميزان ) ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالميزان الذي ينصب يوم القيامة ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )(الأنبياء47) . فتوزن الأعمال والدواوين والأشخاص . وهو ميزان حقيقي له كفتان يوضع على كفه الحسنات ويوضع على كفة السيئات . ومن ذلك حديث البطاقة . والشاهد فيه ذكر الكفتين وهو قوله ( فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة ) وجاء في بعض الآثار ( له لسان وكِفتان ) وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما , ذكره أبوالشيخ من طريق الكلبي , ويروي أيضاً عن الحسن , ولم يأت ذكر اللسان في حديث مرفوع . وأحاديث الميزان متواترة , والقرآن مليء بالآيات عن الميزان , وهي موازين تزن بمثاقيل الذر ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(الزلزلة 7-8) . ويدخل تحت الإيمان بالدواوين وأخذ الكتاب باليمين أو بالشمال من وراء الظهر , وما يتبع ذلك من نعيم أو عذاب , ومن انقسام إلى فرقتين فريق في الجنة وفريق في السعير .
ـــــــــــ
(4) أخرجه مسلم برقم2859
(5) أخرجه البخاري 6579 , ومسلم 2292
(6) أخرجه الترمذي برقم2443 , وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم1589
(7) أخرجه البخاري برقم 6582 , ومسلم 2304



23- وقُلْ يُخرجُ اللهُ الْعظيمُ بِفَضلِهِ *** مِنَ النارِ أجْساداً مِنَ الفَحْـمِ تُطـرحُ


هذان البيتان يذكر الناظم رحمه الله فيهما أهل الكبائر من عصاة الموحدين الذين أدخلوا النار بسبب كبائرهم وذنوبهم , وأنهم يخرجون على هذه الهيئة التي ذكر وأنهم يُطرحون على أنهار الجنة فيحيون بمائه وتعود لهم صحتهم وتزدان هيأتهم .
وقد أخذ هذا رحمه الله من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون . ولكنْ ناس أًصابتهم النار بذنوبهم فأماتتهم إماتةً حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائرَ ضبائرَ فبثوا على أنهار الجنة , ثم قيل : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم . فينبتون نباتَ الحِبةِ تكون في حميل السيل ) فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبداية . رواه مسلم(1) . وقوله ( ضبائر ) أي جماعات .

وفي الصحيحين عنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه ( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار , ثم يقول الله تعالى : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان , فيخرجون منها قد اسودوا فيُلقون في نهر الحياء أو الحياة – شك مالك – فينبتون كما تنبت الحِبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية )(2)

( وقل بخرج الله العظيم بفضله ) أي يخرجهم من النار وإنما هو فضل من الله وحتى إذنه للشافع فضل من الله وتشريف له أي للشافع
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 12-19-2008, 06:59 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

( من النار أجساداً من الفحم ) لأن النار أهلكتهم وأماتتهم وأحرقتهم حتى صاروا فحماً , والفحم هو الجمر الطافي وهو أسود اللون .
( تطرح ) أي يلقون على النهر فالجار والمجرور في قوله (على النهر ) متعلق بالفعل المضارع ( تطرح ) .
ـــــــــــ
(1) مسلم برقم 185
(2) البخاري برقم22 , ومسلم برقم 184



24- عَلى النهرِ في الفِرْدوسِ تَحْيَا بِمَائِهِ *** كَحِبِّ حَمِيلِ السَّيْلِ إذْ جَاءَ يَطْفَحُ


( الفردوس ) اسم من أسماء الجنة , ويطلق على أعلى الجنة وفي الحديث , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة ووسط الجنة وفوقه عرس الرحمن )(1) .
( كحِب حميل السيل ) وفي بعض النسخ ( كحِبة حميل السيل ) وهما بمعنى واحد , ( والحِب ) بالكسر هو بزور الصحراء مِما ليس بقوت , وقيل هو نبت صغير ينبت في الحشيش , وأمَّا ( الحَبة ) بفتح الحاء فهي ما يزرعه الناس , وحميل السيل أي : الذي يحمله السيل , لأن السيل إذا جاء حمل معه البذور ثم يلقيها على جنبتيه ثم تحيى هذه البذور وتنبت بماء السيل , وهكذا الشأن يكون في هؤلاء المخرَجين .
( إذا جاء يطفح ) أي : إذ جاء ذلك السيْل يعني وقت مجيئه ( يطفح ) أي يفيض , يُقال طفح الإناء أي : امتلأ وارتفع الماء فيه .
وهؤلاء الذين ضُرب لهم هذا المثل هم من أهل الكبائر والعظائم فيما دون الشرك , وأمَّا المشركين الكفار فهم مخلدون في النار أبد الآبدين , لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفف عنهم من عذابهم , ولا يخرجون منها أبداً كما قال تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ )(فاطر36-37)
فهذا شأن الكفار ومآلهم , وأمَّا مرتكبو الكبائر وعصاة الموحدين فحكمهم عند أهل السنة أنهم تحت المشيئة إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم وإن أدخلهم النار فلا يخلدون فيهل بل يخرجون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين .
والبيتان (23-24) يتضمنان الرد على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون إن مرتكب الكبيرة مخلد في النار .
وفي البيتين أيضاً إشارة إلى الجنة ونعيمها والنار وعذابها , والإيمانُ بذلك وبكافة التفاصيل الواردة في الكتاب والسنة المتعلقة بالجنة والنار هو من الإيمان باليوم الآخر .
ـــــــــ
(1)البخاري برقم 6987


25- وإن رَسُولَ اللهِ للخَلْقِ شَافِعٌ *** وقُلْ في عَذابِ القَبْـرِ حَـقّ موَُضـحُ


( وإن رسول الله ) فيه الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ويجمع خصائصه، والرسول : هو من بعثه الله بوحيه الكريم و ذكره الحكيم مبشرا ونذيرا و داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
والمراد برسول الله هنا ، أي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين وقائد الغر المحجلين ، صاحب المقام المحمود والحوض المورود الشافع المشفع صلوات الله وسلامه عليه.
( للخلق ) إشارة إلى الشفاعة العظمى التي تكون في عرصات يوم القيامة والتي يغبطه عليها الأولون والآخرون ، وهذه الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم تكون لجميع الخلائق بان يبدأ الله في حسابهم ، و حديث الشفاعة حديث متواتر قد ورد من عدة اوجه عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وابن عمر وابن عباس وابوهريرة وانس وحذيفة وغيرهم رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين ، ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان من حديث أبى هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك يجمع الناس الاولين والاخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس الا ترون ما قد بلغكم الا تنظرون من يشفع لكم الى ربكم فيقول بعض الناس لبعض عليكم بادم فياتون ادم عليه السلام فيقولون له انت ابو البشر خلقك الله بيده ‏.‏ ونفخ فيك من روحه، وامر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا الى ربك، الا ترى الى ما نحن فيه الا ترى الى ما قد بلغنا فيقول ادم ان ربي قد غضب
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 12-19-2008, 07:00 AM
أم عبد الرحمان السلفية أم عبد الرحمان السلفية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وانه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا الى غيري، اذهبوا الى نوح، فياتون نوحا فيقولون يا نوح انك انت اول الرسل الى اهل الارض، وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا الى ربك، الا ترى الى ما نحن فيه فيقول ان ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وانه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا الى غيري، اذهبوا الى ابراهيم، فياتون ابراهيم، فيقولون يا ابراهيم، انت نبي الله وخليله من اهل الارض اشفع لنا الى ربك الا ترى الى ما نحن فيه فيقول لهم ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، واني قد كنت كذبت ثلاث كذبات ـ فذكرهن ابو حيان في الحديث ـ نفسي نفسي - نفسي، اذهبوا الى غيري اذهبوا الى موسى، فياتون موسى، فيقولون يا موسى انت رسول الله، فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا الى ربك الا ترى الى ما نحن فيه فيقول ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، واني قد قتلت نفسا لم اومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا الى غيري، اذهبوا الى عيسى، فياتون عيسى فيقولون يا عيسى انت رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا الا ترى الى ما نحن فيه فيقول عيسى ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله ـ ولم يذكر ذنبا ـ نفسي نفسي نفسي، اذهبوا الى غيري اذهبوا الى محمد صلى الله عليه وسلم فياتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقولون يا محمد انت رسول الله وخاتم الانبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر، اشفع لنا الى ربك الا ترى الى ما نحن فيه فانطلق فاتي تحت العرش، فاقع ساجدا لربي عز وجل ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على احد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع راسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فارفع راسي، فاقول امتي يا رب، امتي يا رب فيقال يا محمد ادخل من امتك من لا حساب عليهم من الباب الايمن من ابواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الابواب، ثم قال والذي نفسي بيده ان ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، او كما بين مكة وبصرى )(1) .
ويدخل في عموم قول الناظم : ( للخلق شافع ) الإيمان بجميع أنواع الشفاعات الواردة المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل شفاعته بأهل الجنة بدخول الجنة وشفاعته لعمه أبى طالب بان يُخفف عنه العذاب ، وشفاعته لأهل الكبائر ممن استحقوا دخول النار بان لا يدخلوها ومن دخلها منهم بأن يخرج منها، وهذه الشفاعة يشاركه الأنبياء والصالحون والملائكة.
( وقل في عذاب القبر حق موضح ) أخي آمن وصدق بعذاب القبر.
و( القبر ) مفرد جمعه قبور واقبر، وهو من نعم الله ومنته على بني آدم هداهم لهذا الأمر تكريما وإحسانا ، قال الله تعالى ( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ )(عبس21) , أي : جعل له قبراً يُوارى فيه بدنه إكراماً له وتفضلاً عليه , ولم يجعله ممن يلقى على وجه الأرض ويتأذى منه الناس أو تأكله الوحوش والطيور والسباع.
( موضح ) أي موضح في الكتاب والسنه ، ولذا يجب على كل مسلم أن يقول عذاب القبر حق، و الأدلة على أن عذاب القبر حق من الكتاب والسنه كثيرة، قال الله تعالى عن ال فرعون( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )(غافر46) .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها إن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسالت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال ( نعم عذاب القبر حق ) قالت عائشة رضى الله عنها : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر . رواه البخاري(2) وفي رواية لأحمد ( أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فان عذاب القبر حق )(3)
وعن آبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه المسلم ( 4)
ــــــــــ
(1) البخاري برقم 4712 , ومسلم برقم 194
(2) تقدم تخريجه
(3) أحمد في المسند برقم25025
(4) مسلم برقم 588



رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 01:24 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.